الإهـداء...:-
(( رسالة من محبة ))
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى السميّة الغالية، والصديقة الوفيّة..
إلى من عرفتها شعلةً من الهداية والتُقى..
وصوتاً للحق ومنبراً له، إلى من قنتت لربها..
وابتهلت إليه بالدعاء أن يُذيق أبويها ما أذاقها من حلاوة الإيمان ولذة الهداية..
إلى الأخت الفاضلة المهتدية: س.ن.
أُهدي هذه الرسالة..
أختك المحبـة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
2) المقدمــة:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.. وبعد:
إليكِ أيتها الأخت العاقلة.. أيتها الفتاة الراشدة.. أيتها المؤمنة بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والمتخذة شرعة الإسلام منهجاً وسلوكاً قويماً..
إليكِ أختاه! أكتب هذه الكلمات التي بثثت فيها شيئاً من أشجاني، وكتبتها إليكِ من مكنون قلبي.. مدادُها حبي ووفائي، وورقها صفحات قلبكِ الناصعة؛ أملاً أن تنتقش عليه أحرفي، وترتسم فيه كلماتي؛ فقد عهدتك صادقة الود معي.. طاهرة الجنان تُجاهي..
أُختاه! عرفتكِ أثناء دراستي معكِ باحثةً عن الحق..
عهدتكِ نابهةً عاقلة لا تقبلين غير كتاب الله، وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، ولا تبغين عنهما تحويلاً.
أُختي الغالية: إني أكتبُ إليكِ هذه الأسطر وكلي أملٌ أن تقع كلماتي موقعها الصحيح في زاوية قلبك الكبير؛ لتقفي معي موقف المصارحة.. مصارحة الحبيب لمن يحب، وما أجمل إن رأيتِ مني خطأً أن تُسدديه، وإن رأيتُ عليكِ شائنةً أن أُبيِّنها لكِ! فالمؤمنة مرآة لأختها المؤمنة: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].
ما أجمل المصارحة! وما أجمل أن أكتب لكِ مشاعري نحوكِ! هذا في الود والصفاء، فكيف بالعقيدة والدين؟!
لا شك أن الأمر آكد وأوثق، ووالله وبالله وتالله من أجل هذا كتبت، فقد رأيتكِ في عموم الكلام تجهرين، وعن الدين والمعتقد تُمسكين وتهمسين!! لِم أختاه؟ أليس هو الدين الحق الذي يجب علينا إظهاره والاعتزاز بالانتساب إليه؟!!
نعم أختاه: وصل الحال إلى هذا.. تخيلي!!
والآن أستأذنك في قراءة رسالتي هذه، عسى أن تكون قنديلاً يضيء ليذكركِ تلك الجلسات على بوابات الكلية وأقبيتها وأفنيتها، وفي مدرجاتها وصالاتها، فكم كنتِ تسترين عني وتُخفين.. وها أنا الآن أجهر لكِ بأحرفي وكلماتي سائلة الله العلي القدير أن يفتح عليَّ وعليكِ بالحق وهو خير الفاتحين، قال جلّ في عُلاه: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) [طه:82].
أختكم المحبة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
Um-ammar@gawab.com
21/7/1423هـ
3) الوقفة الأولى:-
- التفكر بالعقل وأهميته:
أختي الفاضلة: مما لا شك فيه أن للعقل مكانة عالية، ولا غرو فقد وردت مادته في القرآن تسعاً وخمسين مرة كلها يفيد أن انتفاء العقل مذمة وكماله مدح.. هذه سوى ذكر مرادفاته، كالألباب والأحلام والحجر؛ وذكر أعماله، كالتفكر والتذكر والتدبر والنظر والاعتبار والفقه والعلم؛ فهذه الأعمال العقلية لا تكاد تخلو من ذكرها سورة من كتاب الله تعالى، ويرد ذكرها على أنها أوصاف مدح وكمال للمتصف بها، وأن انتفاءها أو نقصانها مذمة شرعية.
وهذا يدل على رفع الإسلام من شأن العقل وتكريمه له واحتفائه به، كيف لا وقد جعله مناطاً للتكليف وشرطاً لقيام الحجة؟!
كما يدل على عناية الإسلام الفائقة بمكانة العقل، محاربته وتحريمه لكل ما من شأنه أن يُعطله أو يضعفه كالخمر وما في حكمه؛ أو يحول بينه وبين أدائه لوظيفته التي خلقه الله من أجلها، كالتقليد الأعمى، واتباع الهوى، والتعصب لغير الحق. كما حرّم ما ينافيه من الأوهام الباطلة والخرافات، كالتشاؤم والكهانة والسحر والشعوذة وما جرى مجرى ذلك.
أختاه! لو نظرتِ نطرة سريعة وإطلالة عابرة في آيات كتاب الله فإنكِ ستجدين ما ذكرناه آنفاً مجسداً بيناً واضحاً، اقرئي معي قوله سبحانه عن الكفار في نار جهنم وهم ينفون عن أنفسهم العقل بعد دخولهم النار: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) [الملك:10].
وقال سبحانه مبكتاً من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44].
أختاه! لقد أردف الله تعالى بعد قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)) [البقرة:170].
أردفها بقوله سبحانه: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [البقرة:171].
أختي! الآية واضحة بينة المحجة لمن تدبرها، ولقد بين سبحانه سبب معاندة المشركين ورفضهم الحق واتخاذه هزواً ولعباً، فقال عز وجل: ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:58].
وبيَّن الله حال الذين كفروا وكذبهم على الله تعالى بنفي العقل عن أكثرهم، فقال سبحانه: ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].
أيتها الأخت العاقلة: إن الله تبارك وتعالى جعل عقاب من لا يعقل -وهو أهل لذلك- أن يجعل عليه عذاباً، إذ إنه استحب الضلالة على الهداية وتعامى وتغافل وعطل عقله وتفكيره، فقال جل شأنه: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [يونس:100] بل الله جل في علاه خص تفصيل آياته لمن يعقل ويعي الخطاب، فقال: ((كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [الروم:28].
أخيراً أختاه: تأملي نهي الله هذا ثم انتهي! قال جل شأنه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [الأنفال:21-22].
وتذكري قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال:24-25].
4) الوقفة الثانية:-
- التوحيـــد أولاً:
أخيتي الغالية: لا شك أنك قد اطلعتِ على صفحاتٍ من كتب المذهب عندكم.. ولكن هل وجدتِ التوحيد الذي قرره القرآن الكريم أم وجدتِ غير ذلك؟
دعيني أخية أذكر لك بعض ما وجدته أنا فيها.. ولن أُطيل بل سأكتفي بذكر أنموذجين فقط!!
مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب (3/35) الفردوس، طاووس، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خبر: (يا بن عباس! والذي بعثني بالحق نبياً إن النار لأشد غضباً على مبغضي علي منها على من زعم أن لله ولداً).
جاء في كتاب عيون أخبار الرضا (1/287): حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السلام: (أبلغ شيعتنا أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام ابنه: ألف حجة؟! قال: إي والله، ألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه).
فالرواية الأولى: هدمت كل معاني التوحيد والفطرة في قلب كل مؤمن! وعليٌ وبنوه رضوان الله عليهم في غنىً عن هذا الغلو المفضي إلى الإشراك بالله تعالى وتقدس.
والرواية الثانية: هدمت مقدسات الله ومعانيها السامية، وتوحيد الله في أعمال وأقوال المؤمن لتصرفه إلى تقديس قبور الأولياء والصالحين والحج إليها من دون شعائر الله، والله يقول: ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)) [الحج:22].
نعم.. إنكِ في القرآن تجدين سورة للحج ولا تجدين فيه سورة للقبور والمشاهد!!
أختاه! تذكري حال الأمة قبل مبعث إمام الموحدين عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لقد كانوا في جاهلية جهلاء وظلمات ظلماء، وتيه في مفازات الهلاك، وانغماس في جهالات الضلال! عقائد متهافتة.. فذاك يعبد إلهاً من حجارة، وآخر يصنعه بيده من العجوة!! يدعون غير الله، ويأتمرون بأوامر الشيطان زيّن لهم أعمالهم!
ومن أوساط هذا الزخم الشركي وهذه الظلمات: يخرج الله دعوة الحق على أيدي أنبيائه عليهم السلام بنداء عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36].
والتوحيد -أختاه- هو الغاية من الخلق، وعليه نصب الله الجنة والنار، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] أي: ليوحدون، فجعل الله جلّ في عُلاه سر الخلق وسببه هو العبودية لله وحده لا شريك له، فهذا نداء الله لأصفيائه الكرام الذين اختارهم الله لحمل رسالاته يناديهم ويصفهم بهذا الوصف الدال على التوحيد الخالص وهو العبودية لله تعالى، فيقول سبحانه: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)) [الإسراء:1].
وقال جلّ شأنه: ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ)) [ص:45].
وقال عن سليمان عليه السلام: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) [ص:44].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)) [مريم:65].
وقال عن ملائكته: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26].
أرأيتِ -أخيتي الغالية- كيف هي منزلة العبودية وحصرُها لله جلّ في عُلاه؟ فهي معنى لا إله إلا الله التي أفادت النفي والإثبات.. نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها حصراً لله وحده.. فكان معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.
فالعبادة هي: الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها؛ والظاهر من الأعمال كالدعاء والذبح، والباطن من الأعمال كالخوف والرجاء والاستغاثة والتوكل.. وغيرها من العبادات العظيمة التي لا يجوز صرف شيءٍ منها إلا لله مع الإخلاص والبعد عن الرياء، قال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:3].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)) [الزمر:2].
وقال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
فأين من يدعو غير الله من الأموات والأحياء عن هذا في كتاب الله؟ أليس بعد هذا إلا الضلال المبين؟ قال سبحانه: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].
وقال تعالى: ((يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)) [الحج:12].
فإن قال قائل جاهل بالتوحيد مُتلبس ببدعة الشرك: إنما أوردَ هنا في عبادة غير الله من الأصنام والحجارة؛ أما نحن فندعو من يسمع ويقرب إلى الله، مع كون أصل العبادة لله!
قلنا له: هذا كلامٌ غير رشيد! ألم تقرأ وتتمعن في كتاب الله جل وعلا؟
ألم تعلم أن النهي عن دعاء غير الله جاء صريحاً على وجه العموم والتوضيح الصريح، فقال تعالى: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18].
وكلمة (أَحَداً) نكرة، ومعلوم عند العلماء العقلاء أهل العربية أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي لا تفيد إلا العموم، قال جل شأنه: ((قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:66].
كما أن الله عز وجل أنكر على المشركين التوسط بالأولياء والصالحين موضحاً أنهم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر! فضلاً أن يكشفوا عنهم ضراً أو يحوّلوا عنهم سوءاً!! بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء لرحمته، قال تعالى في شأن الأنبياء والملائكة والصالحين: ((قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
فهل هؤلاء أصنام؟
وقال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر:3].
فما أشبه الليلة بالبارحة! فإن عامة الناس اليوم إذا أمرتهم بإخلاص الدعاء والعبادة لله وحده وترك دعاء الأولياء والصالحين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!!
فهذا -أختاه- بيان قد أبان لكل ذي بصر وعقل أن دعاء غير الله الواحد الأحد منافٍ لدين الإسلام وهو عين الشرك برب العالمين، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)) [الجن:20].
وقال سبحانه: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [القصص:87]
وقال تعالى: ((ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا)) [غافر:12].
فما هو مشهد هؤلاء المشركين عندما تتجلى الأمور يوم الدين؟
اقرئي معي قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ)) [النحل:86].
ثم أتبع ذلك بتبرئهم من شركهم؛ فيقول سبحانه عنهم: ((تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ)) [القصص:63].
فيا حسرة من أشرك بالله معه غيره يومئذٍ! وصدق الله العظيم: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)) [الأعراف:37].
أخيتي: ماذا عن واقعنا الذي نعيشه الآن؟ هل يُحقق فيه إخلاص التوحيد لله تعالى؟
فهذه عند المصيبة تندب وتصرخ بدعاء غير الله؛ فتقول: يا فاطمة! يا زهراء! يا معصومة!
وهذه عند الولادة تدعو علياً وكأنه معها ويسمعها!
وهذه كادت أن تتعثر، فتقول: يا علي!
وهذه تُعبّدُ أسماء أبنائها لغير الله؛ فتسمي: عبد الحسين! وعبد الزهراء! وعبد الرضا!
أُختاه: هل هذا من التوحيد؟ والسؤال هنا: إذا أصابك الكرب.. هل يقدر الله على كشفه أم لا يقدر؟ وهل يعلم حالكِ ويسمع صوتك ويجيب صرختكِ أم لا؟ فكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62].
فالله هو القريب المجيب، وغيره لا يسمع ولا يجيب: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186].
فتأملي معي قوله سبحانه: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)) [الرعد:14]، وقوله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)) [الزمر:38].
ومن يدعو من دون الله من الأموات، ألم يقرأ قوله تعالى: ((وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)) [فاطر:14] وقوله عز وجل: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5] وقوله جلَّ شأنه: ((وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ)) [القصص:64] وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)) [الأعراف:197].
أختاه: هل يستوي الأحياء والأموات؟
أجاب الله عز وجل عن ذلك بقوله: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22] وبقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النحل:20-21].
وهذه الآيات البينات تكشف أختاه شبهة من يقول من أهل الإشراك: إن هذه الآيات هي في الحجارة والأصنام بالذات!! فهل الحجارة تُبعث من القبور؟! فإن هذه الحجارة إنما هي تماثيل الصالحين وصورهم، وفي قولـه تعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23] دليلٌ واضح على ذلك؛ فهؤلاء أُناسٌ صالحون لما ماتوا جاء الشيطان بهذا الشرك لقوم نوح فمثلوا تماثيل بصورهم وعبدوهم من دون الله!!
تأملي معي رعاكِ الله هذه الآيات، قال الله تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188] وقال تعالى: ((وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)) [المائدة:41] وقال تعالى عن الأولياء: ((فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)) [الإسراء:56] وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)) [فاطر:13].
بل اقرئي الآيات التي بيَّن الله عز وجل فيها الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن الدعاء لا يكون إلا للخالق، كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)) [النحل:20]
وفي هذا إشارة إلى أن الذي لا يخلق شيئاً وهو مخلوق، لا ينبغي دعاؤه حتى لو كان نبياً أو ولياً أو صالحاً، وإنما ينبغي دعاء الخالق الذي لم يُخلق وهو الله سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه مشيراً إلى دعاء رب العباد وترك دعاء العباد أيَّاً كانوا: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)) [الأعراف:194].
وهذا يدلكِ دلالة واضحة على أن الشرع إنما يأمر بدعاء الله وحده، وهذا هو المنهج القرآني وسبيل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبعد:
فقد حرّم الله الجنة على المشركين حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد، قال تبارك وتعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة:72].
وكتب على أهله أن لا يغفر الله لهم إذا ماتوا عليه، فقال عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)) [النساء:48].
فحذارِ حذارِ أُختي الغالية من هذا الذنب الكبير والظلم العظيم: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13].
طهِّري قلبكِ من علائق الشرك ودنس العبودية لغير الله، ومحبة الله إنما هي باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31].
وإياكِ إياكِ أن تكوني في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء الذين يقولون عن حسرة الاقتداء: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23].
وعليكِ غاليتي بالقرآن الكريم، والنور المُبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، هل ترين فيه قبور أنبياء وأولياء؟ هل ترين دعاء غير الله؟ هل ترين الحث على المزارات والعكوف عندها؟ هل ترين طلب الحاجات من الأولياء؟ هل ترين الاستغاثة بالمعصومة وبزينب وبالحسين و.. و...
فيا صاحبة العقل الكبير: ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار؛ قال تعالى وهو أرحم الراحمين: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:68-70].
فبادري بالتوبة من الشرك والبدع والتوجه لغير الله.
عجلي بتوحيد الله.. فلا غفران مع الشرك، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48]
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) [الطلاق:2-3].
- وقفة تأمل:
أختاه! تأملي في الآيات الآتية؛ ورددي تلاوتها، وتدبري في معانيها.
قال الله تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)) [الأنبياء:98].
((لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ)) [الأنبياء:99].
((لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ)) [الأنبياء:100].
((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101].
((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
أختاه! من هم الذين سبقت لهم الحسنى؟
أختاه! هنا ذكر الله حقائق ثابتة بنص القرآن، والواقع يشهد أن طوائف من البشر تعبد الأنبياء والصالحين! تعبدهم من دون الله ومع الله عز وجل، وقد حكم الله سبحانه بدخول من أشرك به النار مع آلهته المزعومة، ولما كان في المعبودين من لا يرضى أن يعبد مع الله وينهى عن الشرك كله.. وهم أئمة التوحيد الداعين إليه: بَيَّن الله سبحانه نجاتهم وإبعادهم عن النار، وهؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى.
أختاه! الآيات صريحة الدلالة! فأين التدبر لمعانيها؟!
علينا أن نسأل الله التوفيق والسداد وأن يهدينا سبيل الرشاد.
5) الوقفة الثالثة:-
- حالنا مع القرآن الكريم:
أختاه: لقد أكرمنا الله تعالى بأن جعلنا من أُمةِ أفضلِ الأنبياء والمرسلين، وأكرمنا بإنزال خير كُتبه في العالمين، وخصَّنا من بين الأمم بذلك؛ قال سبحانه وتعالى: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [المائدة:15-16].
إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، فهو شفاءٌ لما في الصدور، والحَكم العدل عند شبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل ليس بالهزل، سِراجٌ لا يخبو ضوءه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل منقول، بهر حُسن ارتباط أواخره بأوائله، وأعجزت بديع إشاراته وعجيب انتقالاته، من قصصٍ باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تَعجُّبٍ واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجيةً بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة رأف، وإن كان ترغيباً شوّق، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنىً وأعذب أسلوب؛ فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكُّره.
أختاه! إن هذا القرآن أنزله الله ليكون منهج حياة؛ هي خير حياة وأسعدها، ومرشداً إلى سبيل هي أقوم سبيل وأنجحها: ((فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
أُخيتي: كلام ربنا بين أيدينا نزّهه الله عن الخطأ والزلل، وجعله فصلاً في كل زمان ومكان: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
فبهِ اتضح سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، فهـو الضياء والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور؛ من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فاز، جعــل الله فيـه وبـه الهداية لمن شـاء من عباده المتقين: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:1-2].
أختي الغالية: لقد وعد الله سبحانه أن يحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين؛ قال جلّ في عُلاه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف؛ استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة، فهذا -أُختاه- ما أراده الله عز وجل من إنزال كتابه، أن نأتمر بأمره، وننتهي عند نهيه، ونصدق أخباره وما فيه من الإخبار بالغيب، ونتعظ ونعتبر من قصص الأمم الماضية، لا لنتخذه ظهرياً؛ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص:29].. ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24].
أُختاه! إن القرآن الكريم منهج حياة ودستور ونظام وشريعة الله إلى أهل الأرض، قضى أن لا يحتكموا إلا إليه، وأمر أن لا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يُعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق ومن الغرب.. فهو الحكم العدل، كما قال سبحانه: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50].
وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)) [النساء:60-62]
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)) [النساء:63]
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء:64]
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
إن الله قد جمع الهداية والفلاح في هذا الكتاب الكريم، فقال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) [الإسراء:9].
ففيه الشفاء: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44].
إن آيات هذا الكتاب العظيم والسراج المنير قد أثرت في قلوب المشركين؛ وقلبتها من شركٍ إلى توحيد، ومن عصيان وطغيان إلى طاعة وعبادة؛ فهذا أحدهم يسمع النبي عليه الصلاة والسلام يتلو عند الكعبة آيات مما أوحى الله إليه، فيقول: (والله ما سمعتُ قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه) فأثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن. وهذا رجل آخر كان جباراً في الجاهلية شديداً على المسلمين يومئذٍ، فلمّا سمع قوله تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) [طه:1-2] إلى قوله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:14] كسّرتْ تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: (ما ينبغي لمن يقول هذا أن يُعبد معه غيره) فأصبح ذلك الرجل إذا سار في فجٍ سار الشيطان من فجٍ آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أُختاه! ألم تتفكري وتتدبري في جامعة القرآن! كيف أخرجت جيلاً مُميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جمعاء؟
إنه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ هذا العدد النقي الصالح الذي لم يجتمع مثله بعد ذلك في مكانٍ واحد، وليس السبب في تجمعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قائم فحسب! ولكن ثمة سببٌ آخر: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، فكانوا يتلون القرآن للعمل به في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المتمثلة في العمل به، وانظري مثال ذلك في حادثة (تحريم الخمر) من كُتب التفسير.
أما بعد.. أُختي الفاضلة:
فهذا الدستور الخالد منذ يومه الأول وهو آخذ بروعته عقول الناس، مؤمنهم وكافرهم، فقد خضعت له أعناق كُبراء الجاهلية وأسيادهم، وطأطأتْ له رءوس البلاغة والأدب..، شهادة إكبار وقول حق واعتبار، قام له العالم كله ولم يقعد هيبة لمطلعه النوراني، فهو كلام رب الأرباب، الآخذ بالقلوب والألباب.. المهيمن على جميع الكتب.. المُنزل على خير الرسل.. المشرِع لخير الأمم؛ ولا غرو فقد شهد له بذلك الكافر! ونحن في غنى عن شهادته، فراجعي -أُختي- ما كتبه علماء الغرب والشرق في كتاب الله، وانظري على سبيل المثال كتاب: (قالوا عن الإسلام، لـعماد خليل) لَتَريْ ما يهولكِ من اعترافات بصدق هذا الكتاب الخالد وقوةتأثيره وصداه عندهم!
ولكن أُختاه: ما حال مذهبكِ مع هذا القرآن العظيم؟
غاليتي: ليس غرضي من هذا السؤال التفرقة الطائفية! أو الفتنة المذهبية! أو من أجل التدليس الفردي! كلا والله، بل الأمر كلمات خرجت من القلب لتصل إلى القلب، ولتري نفسكِ -أُختاه- ومكانكِ تجاه كتاب الله تعالى؛ فتأخذي بيدي وآخذ بيدك لنحقق الوحدة الإسلامية المنشودة، انطلاقاً من كتاب الله تعالى أصل الأصول ودستور الحياة الخالد.
تعلمين -أختاه- ويعلم كل مسلم دور الحكومات الإسلامية في العالم واهتمامها بطباعة المصحف الشريف، ودور جامعاتها ومعاهدها ومدارسها بالعناية به، ولا يخفاكِ مسابقات القرآن الكريم العالمية، وحلقات التحفيظ الخاصة به، كل ذلك اهتماماً بكلام الله تعالى وتقدس، علاوة على إنشاء مؤسسات خاصة تشجع طباعته ودراسته وحفظه وتلاوته وتفسيره، ولنأخذ مثالاً وهو: الجامع الأزهر الشريف، بل الكلام عنه وعن اهتمامه بالقرآن قد يعتبر لغواً من الكلام! فهو غني عن التعريف، إنه جامع الأزهر، منارة القرآن وجامعة الحفاظ.. وقد خرَّج مئات الألوف من حفظة كتاب الله الذين علموا الدنيا كلها كيف يُرتل كتاب الله، وقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمةً لكتاب الله.
أما الدراسات التي تخدم القرآن وتُدافع عنه فهي أكثر من أن تُذكر، ويكفي أن تطلعي على فِهرس الدراسات العليا للأزهر؛ لتري ما يُذهلكِ! وأما جامعات المملكة وتونس وسوريا والمغرب ودول الخليج، وبقية دول العالم الإسلامي فهي غير خافية.
ولكن أُختي: ما هو الدور الذي أدَّاه مذهبك واعتقده علماؤه ومفكروه تجاه القرآن الكريم؟؟ وحتى أكون بعيدة عن الظلم والاستبداد، وقريبة من المصداقية والعدل، سأوثق كلامي وأحيله إلى مصدر مطلع على الأمور، لا على جاهل شاذ أحمل كلامه وأُعممه على الجميع، وسأسند نقلي إلى مؤسسات علمية دينية معتمدة، لا على أفراد قد يكونون مقصرين.
- وعلى ما سبق أقول والله المستعان:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران في كتابه: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام، ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير، فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو "درجة الاجتهاد" من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء، هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). المرجع: [ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، ص:109].
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!! لماذا هكذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن). [نفس المرجع: ص110].
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: (فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن). [نفس المرجع: ص111].
ويقول آية الله الخامنئي: (إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية، وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل، وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع:ص110].
ومما تقدم نقول مستفهمين: كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن، ولو على مستوى التلاوة؟!! كيف يدرس الطالب من بداية دراسته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!!
وبعد هذا النقل أُختاه: ألم تتساءلي في نفسكِ عن سبب عدم اهتمام الشيعة بالقرآن؟
وفي الجواب الفادحة الكبرى والرزيَّة العظمى!! إنهم يرون أن هذا القرآن اليوم ليس هو الذي أُنزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل هو مُحرَّف ومبدَّل ومغيَّر زِيَد فيه وأُنقص منه!! وأستغفر الله من هذا الاعتقاد الذي لا يقبله المسلم مهما كانت عقيدته ومذهبه!
نعم أُختاه: هذه الحقيقة التي ربما أن كثيرات منكن لا يعلمن عنها شيئاً!! أو إنهن يعلمن ولكنهن لا يردن أن يُصدِّقنَ! لهول هذا المعتقد الذي يهدم الثقل الأكبر ويُنهي معالمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل يعقل أن يهتم الكفرة بكتاب ربنا، ونقول نحن: إنه كتابٌ محرف؟؟
والآن إلى توثيق كلامي هذا من مصادرهم ومراجعهم المعتمدة وأقوال أكابر علماء الشيعة الثقات عندهم -والله المستعان-.
يقول الطبرسي: (1/377-378) في كتاب الاحتجاج: (ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرِّف وبدِّل وما يجري في هذا المجال لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي: (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به.. إلى غير ذلك).
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول [الجزء الثاني عشر، ص:525] أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (سبعة عشر ألف آية)، قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ.
ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام، فيقول في الأنوار أيضاً: (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة! فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم، كما سيأتي بيانه في نور القرآن).
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره: [مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36]: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لَمّا أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه، إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
قال النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
قال المفيد في أوائل المقالات: [(ص:9)، دار الكتاب الإسلامي بيروت]: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب: [مشارق الشموس الدرية: (ص:126)] بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
وغيرها كثير جداً تركتها خشية الإثقال عليكِ بما لا تُحبين أن تسمعي عنه!!
أختي الغالية: أرأيتِ؟ فأنا لم أتهم أحداً، ولم أتقوّل على أحدٍ. حاشا وكلا. بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومُحدثيهم أصحاب الشأن، ودوري فقط هو النقل لبعض ما وجدته من كلام، ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد الذي بمجرد عرضه يتبين لكِ يا صاحبة النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا؟ والله عز وجل يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه، وتقول هذه العقيدة: بل ضَيَّع وما حفظ!! والله عز وجل يقول: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب!!
فسبحان الله! كيف وصل بهم الهوى إلى هذا الدرك البعيد، ولكن حق عليهم قول المولى سبحانه وتعالى عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)) [الحاقة:48-52].
أختي: كم والله تعجبني تلك الفتاة التي أعملتْ فكرها بنفسها، وخلت مع كتاب ربها بعقلها، وتدبرت وتأملت بذاتها، واتّبَعت ما تبين لها أنه الصواب.
ولنستعن بالله ولنرفع أكفنا إليه ولنقُلْ: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
6) الوقفة الرابعة:-
- نساء لسن كالنساء:
نعم أختاه: إنهن نساء ولكنهن لسن كالنساء الأخريات، إنهنَّ نلنَّ شرفاً وتشريفاً بالغاً عظيماً، وشأناً ومكانةً كبيرةً.
نعم.. إنهنَّ تميزنَّ عن نساء العالمين، اختارهن الله واصطفاهن ليكُنَّ زوجات لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وصرن بذلك أفضل وأكمل من غيرهن، ولسن كسائر النساء، بل أحسن وأطيب وأكمل، قال تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ)) [الأحزاب:32].
فبزواج النبي صلى الله عليه وسلم منهن نلن تلك الفضيلة، وتبوأن تلك الدرجة السامية الباسقة الرفيعة، التي لم تتحقق لأحدٍ من النساء غيرهن رضي الله عنهن.
أخيتي: إن الكلام عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطول ويفوح عطراً وشذا، ولكن لن أطلق العنان لقلمي، ويا له من جامح هنا، ولكني سأقتصر على مسألة لطالما كدرت أخواتي الكريمات العاقلات، ويا لها من مسألة تصك الأسماع، وتؤذي المؤمنين! ولكن لا بد من التعرض لها لتعلمي -أخية- أني لا أتجنى وأتقوَّل على أحد، ولكنها الحقيقة المرة!
لا يخفى عليكِ هنا معتقد الشيعة في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخص منهن رضوان الله عليهن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر.
فأقول: وقف الشيعة موقفاً شاذاً منحرفاً تجاه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الطاهرات المطهرات الطيبات المكرمات.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك المواقف مع مراعاة الاختصار:
لا أظنكِ -أخية- يخفى عليكِ الدعاء المسمى بدعاء صنمي قريش، وهو موجود في عدد من كتب الشيعة الموثوقة، ويدعون به إلى وقتنا الحاضر، وفيه: (اللهم... والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما...) إلخ.
ويقول المجلسي في كتابه: [حق اليقين، (ص:519)]: (وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة..، ومن النساء الأربع -وذكر منهن عائشة وحفصة-...).
وذكر هو كذلك في عين الحياة (ص:599) أن جعفراً الصادق -وحاشاه- كان يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعة من النساء.. يسميهم، وعائشة وحفصة.. إلخ.
ويزعمون كما في كتاب الصراط المستقيم [للبياضي (3/168)] (أن عائشة وحفصة تآمرتا على أن يسما رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهكذا قال المجلسي في كتابه حياة القلوب (2/700): (إن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم دبرتاه).
وذكر العياشي في تفسيره [2/269]: (أن التي ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92] هي عائشة نقضت إيمانها) أي: أنها ارتدت.
وقد جاء في كتب كثيرة من كتب علماء الشيعة تكفير عائشة وحفصة زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهما بأبشع وأقبح الأوصاف.
فهذا البياضي في كتابه الصراط المستقيم (3/161) يعقد فصلين خاصين في عائشة وحفصة، وسمى الأول: فصل في أم الشرور، يعني: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويلقبها فيه بالشيطانة، والفصل الآخر: في أختها حفصة.
وهذا الكلام القبيح ذكرني بإحدى الأخوات من المعلمات الفاضلات اللاتي دَرَّسنَ في مدارس الشيعة، فتقول: "في حجرة الرسم أحضرتُ للطالبات رسومات وكان من بينها صور لحشرات -ذباب- فإذا بطالبات في الخلف يهمسن ثم يرتفع صوتهن بالضحك، وبعد التحقق من أمرهن وجدت أنهن يقلدن أهلهن في تسمية عائشة المصونة أم المؤمنين زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أم الذبان)!! وذلك حسب إفادتهن هداهن الله".
فهل هذا يوافق ما جاء في القرآن الكريم من مكانتهن وعظيم شرفهن؟!
فتأملي معي أختاه: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد خيرهن بين البقاء في هذه المنزلة، وهي شرف الاقتران به في الدنيا والآخرة، وإن قلَّ العيش في الدنيا وضاق الرزق، وبين متاع الدنيا الزائل وزينتها، فلم يردن شيئاً غير البقاء معه صلى الله عليه وآله وسلم، وآثرن ذلك على الدنيا ومتاعها وزينتها، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
فلم يخترن رضي الله عنهن غير الله ورسوله والدار الآخرة، وكن خير زوجات لخير زوج مؤمنات قانتات عابدات صالحات، فآتاهن الله أجرهن مرتين، وأعد الله لهن الرزق الكريم، والثواب الجزيل المضاعف، قال الله تعالى: ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)) [الأحزاب:31]
وعندما نتأمل قول الله تبارك وتعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] نعلم عظيم قـدر أزواج النبـي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب، ونساؤه الطيبات، بل هو عليه الصلاة والسلام خير الطيبين وأفضلهم، ونساؤه خير الطيبات وأفضلهن، ولم يكن الله ليختار لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا خير النساء وأفضلهن.
وتأملي معي -أخية- الإضافة في قوله تعالى: ((وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ففيها لطائف جمة وإشارات إلى فوائد كثيرة لا يعقلها إلا العالمون:
منها: أن العاقل مهما أساءت أمه فإنه يتحملها ويصبر عليها، ومنها: استمرارية ذكر الأم بهذا الاسم، والإمساك عن هفواتها وعيوبها -إن كانت- فهي (أُم) ووصفهن بالأمهات لمن؟ (للمؤمنين) شرف وأيما شرف لهن رضي الله عنهن، لا سيما وأن الله أخبر عن ذلك بلفظ (الأزواج) المشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً كقوله تعالى لآدم: ((آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35].
وقال تعالى في حق زكريا: ((وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)) [الأنبياء:90].
وقال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الأحزاب:1].
وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
وجاء الإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة، قال تعالى:
((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)) [المسد:1-5].
وقال تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10]
تأملي لما كانتا مشركتين أوقع عليها اسم المرأة.
وقال في فرعون: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11].
لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجاً له، وقال سبحانه في حق المؤمنين: ((وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)) [البقرة:25] فكان عدم ذكر الأزواج في حق الكافرات؛ لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح ولوط.
فإن قيل: فلم قال الله عن زكريا عليه السلام: ((وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً)) [مريم:8] وعـن إبراهيم عليه السلام: ((فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ...)) [الذاريات:29]؟
قلنا: قد أجاب أهل البيان واللغة والفهم في القرآن، فقالوا: بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع؛ لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجة!
فتأملي معي -أخية- رعاكِ الله هذه المعاني تجديها أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقاً لهذا المعنى، فتأملي ثم تأملي في أسرار هذا الكتاب العظيم.
(( رسالة من محبة ))
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى السميّة الغالية، والصديقة الوفيّة..
إلى من عرفتها شعلةً من الهداية والتُقى..
وصوتاً للحق ومنبراً له، إلى من قنتت لربها..
وابتهلت إليه بالدعاء أن يُذيق أبويها ما أذاقها من حلاوة الإيمان ولذة الهداية..
إلى الأخت الفاضلة المهتدية: س.ن.
أُهدي هذه الرسالة..
أختك المحبـة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
2) المقدمــة:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.. وبعد:
إليكِ أيتها الأخت العاقلة.. أيتها الفتاة الراشدة.. أيتها المؤمنة بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والمتخذة شرعة الإسلام منهجاً وسلوكاً قويماً..
إليكِ أختاه! أكتب هذه الكلمات التي بثثت فيها شيئاً من أشجاني، وكتبتها إليكِ من مكنون قلبي.. مدادُها حبي ووفائي، وورقها صفحات قلبكِ الناصعة؛ أملاً أن تنتقش عليه أحرفي، وترتسم فيه كلماتي؛ فقد عهدتك صادقة الود معي.. طاهرة الجنان تُجاهي..
أُختاه! عرفتكِ أثناء دراستي معكِ باحثةً عن الحق..
عهدتكِ نابهةً عاقلة لا تقبلين غير كتاب الله، وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، ولا تبغين عنهما تحويلاً.
أُختي الغالية: إني أكتبُ إليكِ هذه الأسطر وكلي أملٌ أن تقع كلماتي موقعها الصحيح في زاوية قلبك الكبير؛ لتقفي معي موقف المصارحة.. مصارحة الحبيب لمن يحب، وما أجمل إن رأيتِ مني خطأً أن تُسدديه، وإن رأيتُ عليكِ شائنةً أن أُبيِّنها لكِ! فالمؤمنة مرآة لأختها المؤمنة: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].
ما أجمل المصارحة! وما أجمل أن أكتب لكِ مشاعري نحوكِ! هذا في الود والصفاء، فكيف بالعقيدة والدين؟!
لا شك أن الأمر آكد وأوثق، ووالله وبالله وتالله من أجل هذا كتبت، فقد رأيتكِ في عموم الكلام تجهرين، وعن الدين والمعتقد تُمسكين وتهمسين!! لِم أختاه؟ أليس هو الدين الحق الذي يجب علينا إظهاره والاعتزاز بالانتساب إليه؟!!
نعم أختاه: وصل الحال إلى هذا.. تخيلي!!
والآن أستأذنك في قراءة رسالتي هذه، عسى أن تكون قنديلاً يضيء ليذكركِ تلك الجلسات على بوابات الكلية وأقبيتها وأفنيتها، وفي مدرجاتها وصالاتها، فكم كنتِ تسترين عني وتُخفين.. وها أنا الآن أجهر لكِ بأحرفي وكلماتي سائلة الله العلي القدير أن يفتح عليَّ وعليكِ بالحق وهو خير الفاتحين، قال جلّ في عُلاه: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) [طه:82].
أختكم المحبة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
Um-ammar@gawab.com
21/7/1423هـ
3) الوقفة الأولى:-
- التفكر بالعقل وأهميته:
أختي الفاضلة: مما لا شك فيه أن للعقل مكانة عالية، ولا غرو فقد وردت مادته في القرآن تسعاً وخمسين مرة كلها يفيد أن انتفاء العقل مذمة وكماله مدح.. هذه سوى ذكر مرادفاته، كالألباب والأحلام والحجر؛ وذكر أعماله، كالتفكر والتذكر والتدبر والنظر والاعتبار والفقه والعلم؛ فهذه الأعمال العقلية لا تكاد تخلو من ذكرها سورة من كتاب الله تعالى، ويرد ذكرها على أنها أوصاف مدح وكمال للمتصف بها، وأن انتفاءها أو نقصانها مذمة شرعية.
وهذا يدل على رفع الإسلام من شأن العقل وتكريمه له واحتفائه به، كيف لا وقد جعله مناطاً للتكليف وشرطاً لقيام الحجة؟!
كما يدل على عناية الإسلام الفائقة بمكانة العقل، محاربته وتحريمه لكل ما من شأنه أن يُعطله أو يضعفه كالخمر وما في حكمه؛ أو يحول بينه وبين أدائه لوظيفته التي خلقه الله من أجلها، كالتقليد الأعمى، واتباع الهوى، والتعصب لغير الحق. كما حرّم ما ينافيه من الأوهام الباطلة والخرافات، كالتشاؤم والكهانة والسحر والشعوذة وما جرى مجرى ذلك.
أختاه! لو نظرتِ نطرة سريعة وإطلالة عابرة في آيات كتاب الله فإنكِ ستجدين ما ذكرناه آنفاً مجسداً بيناً واضحاً، اقرئي معي قوله سبحانه عن الكفار في نار جهنم وهم ينفون عن أنفسهم العقل بعد دخولهم النار: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) [الملك:10].
وقال سبحانه مبكتاً من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44].
أختاه! لقد أردف الله تعالى بعد قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)) [البقرة:170].
أردفها بقوله سبحانه: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [البقرة:171].
أختي! الآية واضحة بينة المحجة لمن تدبرها، ولقد بين سبحانه سبب معاندة المشركين ورفضهم الحق واتخاذه هزواً ولعباً، فقال عز وجل: ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:58].
وبيَّن الله حال الذين كفروا وكذبهم على الله تعالى بنفي العقل عن أكثرهم، فقال سبحانه: ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].
أيتها الأخت العاقلة: إن الله تبارك وتعالى جعل عقاب من لا يعقل -وهو أهل لذلك- أن يجعل عليه عذاباً، إذ إنه استحب الضلالة على الهداية وتعامى وتغافل وعطل عقله وتفكيره، فقال جل شأنه: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [يونس:100] بل الله جل في علاه خص تفصيل آياته لمن يعقل ويعي الخطاب، فقال: ((كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [الروم:28].
أخيراً أختاه: تأملي نهي الله هذا ثم انتهي! قال جل شأنه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [الأنفال:21-22].
وتذكري قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال:24-25].
4) الوقفة الثانية:-
- التوحيـــد أولاً:
أخيتي الغالية: لا شك أنك قد اطلعتِ على صفحاتٍ من كتب المذهب عندكم.. ولكن هل وجدتِ التوحيد الذي قرره القرآن الكريم أم وجدتِ غير ذلك؟
دعيني أخية أذكر لك بعض ما وجدته أنا فيها.. ولن أُطيل بل سأكتفي بذكر أنموذجين فقط!!
مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب (3/35) الفردوس، طاووس، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خبر: (يا بن عباس! والذي بعثني بالحق نبياً إن النار لأشد غضباً على مبغضي علي منها على من زعم أن لله ولداً).
جاء في كتاب عيون أخبار الرضا (1/287): حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السلام: (أبلغ شيعتنا أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام ابنه: ألف حجة؟! قال: إي والله، ألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه).
فالرواية الأولى: هدمت كل معاني التوحيد والفطرة في قلب كل مؤمن! وعليٌ وبنوه رضوان الله عليهم في غنىً عن هذا الغلو المفضي إلى الإشراك بالله تعالى وتقدس.
والرواية الثانية: هدمت مقدسات الله ومعانيها السامية، وتوحيد الله في أعمال وأقوال المؤمن لتصرفه إلى تقديس قبور الأولياء والصالحين والحج إليها من دون شعائر الله، والله يقول: ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)) [الحج:22].
نعم.. إنكِ في القرآن تجدين سورة للحج ولا تجدين فيه سورة للقبور والمشاهد!!
أختاه! تذكري حال الأمة قبل مبعث إمام الموحدين عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لقد كانوا في جاهلية جهلاء وظلمات ظلماء، وتيه في مفازات الهلاك، وانغماس في جهالات الضلال! عقائد متهافتة.. فذاك يعبد إلهاً من حجارة، وآخر يصنعه بيده من العجوة!! يدعون غير الله، ويأتمرون بأوامر الشيطان زيّن لهم أعمالهم!
ومن أوساط هذا الزخم الشركي وهذه الظلمات: يخرج الله دعوة الحق على أيدي أنبيائه عليهم السلام بنداء عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36].
والتوحيد -أختاه- هو الغاية من الخلق، وعليه نصب الله الجنة والنار، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] أي: ليوحدون، فجعل الله جلّ في عُلاه سر الخلق وسببه هو العبودية لله وحده لا شريك له، فهذا نداء الله لأصفيائه الكرام الذين اختارهم الله لحمل رسالاته يناديهم ويصفهم بهذا الوصف الدال على التوحيد الخالص وهو العبودية لله تعالى، فيقول سبحانه: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)) [الإسراء:1].
وقال جلّ شأنه: ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ)) [ص:45].
وقال عن سليمان عليه السلام: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) [ص:44].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)) [مريم:65].
وقال عن ملائكته: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26].
أرأيتِ -أخيتي الغالية- كيف هي منزلة العبودية وحصرُها لله جلّ في عُلاه؟ فهي معنى لا إله إلا الله التي أفادت النفي والإثبات.. نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها حصراً لله وحده.. فكان معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.
فالعبادة هي: الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها؛ والظاهر من الأعمال كالدعاء والذبح، والباطن من الأعمال كالخوف والرجاء والاستغاثة والتوكل.. وغيرها من العبادات العظيمة التي لا يجوز صرف شيءٍ منها إلا لله مع الإخلاص والبعد عن الرياء، قال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:3].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)) [الزمر:2].
وقال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
فأين من يدعو غير الله من الأموات والأحياء عن هذا في كتاب الله؟ أليس بعد هذا إلا الضلال المبين؟ قال سبحانه: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].
وقال تعالى: ((يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)) [الحج:12].
فإن قال قائل جاهل بالتوحيد مُتلبس ببدعة الشرك: إنما أوردَ هنا في عبادة غير الله من الأصنام والحجارة؛ أما نحن فندعو من يسمع ويقرب إلى الله، مع كون أصل العبادة لله!
قلنا له: هذا كلامٌ غير رشيد! ألم تقرأ وتتمعن في كتاب الله جل وعلا؟
ألم تعلم أن النهي عن دعاء غير الله جاء صريحاً على وجه العموم والتوضيح الصريح، فقال تعالى: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18].
وكلمة (أَحَداً) نكرة، ومعلوم عند العلماء العقلاء أهل العربية أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي لا تفيد إلا العموم، قال جل شأنه: ((قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:66].
كما أن الله عز وجل أنكر على المشركين التوسط بالأولياء والصالحين موضحاً أنهم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر! فضلاً أن يكشفوا عنهم ضراً أو يحوّلوا عنهم سوءاً!! بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء لرحمته، قال تعالى في شأن الأنبياء والملائكة والصالحين: ((قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
فهل هؤلاء أصنام؟
وقال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر:3].
فما أشبه الليلة بالبارحة! فإن عامة الناس اليوم إذا أمرتهم بإخلاص الدعاء والعبادة لله وحده وترك دعاء الأولياء والصالحين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!!
فهذا -أختاه- بيان قد أبان لكل ذي بصر وعقل أن دعاء غير الله الواحد الأحد منافٍ لدين الإسلام وهو عين الشرك برب العالمين، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)) [الجن:20].
وقال سبحانه: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [القصص:87]
وقال تعالى: ((ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا)) [غافر:12].
فما هو مشهد هؤلاء المشركين عندما تتجلى الأمور يوم الدين؟
اقرئي معي قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ)) [النحل:86].
ثم أتبع ذلك بتبرئهم من شركهم؛ فيقول سبحانه عنهم: ((تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ)) [القصص:63].
فيا حسرة من أشرك بالله معه غيره يومئذٍ! وصدق الله العظيم: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)) [الأعراف:37].
أخيتي: ماذا عن واقعنا الذي نعيشه الآن؟ هل يُحقق فيه إخلاص التوحيد لله تعالى؟
فهذه عند المصيبة تندب وتصرخ بدعاء غير الله؛ فتقول: يا فاطمة! يا زهراء! يا معصومة!
وهذه عند الولادة تدعو علياً وكأنه معها ويسمعها!
وهذه كادت أن تتعثر، فتقول: يا علي!
وهذه تُعبّدُ أسماء أبنائها لغير الله؛ فتسمي: عبد الحسين! وعبد الزهراء! وعبد الرضا!
أُختاه: هل هذا من التوحيد؟ والسؤال هنا: إذا أصابك الكرب.. هل يقدر الله على كشفه أم لا يقدر؟ وهل يعلم حالكِ ويسمع صوتك ويجيب صرختكِ أم لا؟ فكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62].
فالله هو القريب المجيب، وغيره لا يسمع ولا يجيب: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186].
فتأملي معي قوله سبحانه: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)) [الرعد:14]، وقوله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)) [الزمر:38].
ومن يدعو من دون الله من الأموات، ألم يقرأ قوله تعالى: ((وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)) [فاطر:14] وقوله عز وجل: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5] وقوله جلَّ شأنه: ((وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ)) [القصص:64] وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)) [الأعراف:197].
أختاه: هل يستوي الأحياء والأموات؟
أجاب الله عز وجل عن ذلك بقوله: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22] وبقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النحل:20-21].
وهذه الآيات البينات تكشف أختاه شبهة من يقول من أهل الإشراك: إن هذه الآيات هي في الحجارة والأصنام بالذات!! فهل الحجارة تُبعث من القبور؟! فإن هذه الحجارة إنما هي تماثيل الصالحين وصورهم، وفي قولـه تعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23] دليلٌ واضح على ذلك؛ فهؤلاء أُناسٌ صالحون لما ماتوا جاء الشيطان بهذا الشرك لقوم نوح فمثلوا تماثيل بصورهم وعبدوهم من دون الله!!
تأملي معي رعاكِ الله هذه الآيات، قال الله تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188] وقال تعالى: ((وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)) [المائدة:41] وقال تعالى عن الأولياء: ((فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)) [الإسراء:56] وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)) [فاطر:13].
بل اقرئي الآيات التي بيَّن الله عز وجل فيها الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن الدعاء لا يكون إلا للخالق، كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)) [النحل:20]
وفي هذا إشارة إلى أن الذي لا يخلق شيئاً وهو مخلوق، لا ينبغي دعاؤه حتى لو كان نبياً أو ولياً أو صالحاً، وإنما ينبغي دعاء الخالق الذي لم يُخلق وهو الله سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه مشيراً إلى دعاء رب العباد وترك دعاء العباد أيَّاً كانوا: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)) [الأعراف:194].
وهذا يدلكِ دلالة واضحة على أن الشرع إنما يأمر بدعاء الله وحده، وهذا هو المنهج القرآني وسبيل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبعد:
فقد حرّم الله الجنة على المشركين حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد، قال تبارك وتعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة:72].
وكتب على أهله أن لا يغفر الله لهم إذا ماتوا عليه، فقال عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)) [النساء:48].
فحذارِ حذارِ أُختي الغالية من هذا الذنب الكبير والظلم العظيم: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13].
طهِّري قلبكِ من علائق الشرك ودنس العبودية لغير الله، ومحبة الله إنما هي باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31].
وإياكِ إياكِ أن تكوني في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء الذين يقولون عن حسرة الاقتداء: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23].
وعليكِ غاليتي بالقرآن الكريم، والنور المُبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، هل ترين فيه قبور أنبياء وأولياء؟ هل ترين دعاء غير الله؟ هل ترين الحث على المزارات والعكوف عندها؟ هل ترين طلب الحاجات من الأولياء؟ هل ترين الاستغاثة بالمعصومة وبزينب وبالحسين و.. و...
فيا صاحبة العقل الكبير: ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار؛ قال تعالى وهو أرحم الراحمين: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:68-70].
فبادري بالتوبة من الشرك والبدع والتوجه لغير الله.
عجلي بتوحيد الله.. فلا غفران مع الشرك، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48]
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) [الطلاق:2-3].
- وقفة تأمل:
أختاه! تأملي في الآيات الآتية؛ ورددي تلاوتها، وتدبري في معانيها.
قال الله تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)) [الأنبياء:98].
((لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ)) [الأنبياء:99].
((لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ)) [الأنبياء:100].
((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101].
((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
أختاه! من هم الذين سبقت لهم الحسنى؟
أختاه! هنا ذكر الله حقائق ثابتة بنص القرآن، والواقع يشهد أن طوائف من البشر تعبد الأنبياء والصالحين! تعبدهم من دون الله ومع الله عز وجل، وقد حكم الله سبحانه بدخول من أشرك به النار مع آلهته المزعومة، ولما كان في المعبودين من لا يرضى أن يعبد مع الله وينهى عن الشرك كله.. وهم أئمة التوحيد الداعين إليه: بَيَّن الله سبحانه نجاتهم وإبعادهم عن النار، وهؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى.
أختاه! الآيات صريحة الدلالة! فأين التدبر لمعانيها؟!
علينا أن نسأل الله التوفيق والسداد وأن يهدينا سبيل الرشاد.
5) الوقفة الثالثة:-
- حالنا مع القرآن الكريم:
أختاه: لقد أكرمنا الله تعالى بأن جعلنا من أُمةِ أفضلِ الأنبياء والمرسلين، وأكرمنا بإنزال خير كُتبه في العالمين، وخصَّنا من بين الأمم بذلك؛ قال سبحانه وتعالى: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [المائدة:15-16].
إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، فهو شفاءٌ لما في الصدور، والحَكم العدل عند شبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل ليس بالهزل، سِراجٌ لا يخبو ضوءه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل منقول، بهر حُسن ارتباط أواخره بأوائله، وأعجزت بديع إشاراته وعجيب انتقالاته، من قصصٍ باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تَعجُّبٍ واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجيةً بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة رأف، وإن كان ترغيباً شوّق، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنىً وأعذب أسلوب؛ فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكُّره.
أختاه! إن هذا القرآن أنزله الله ليكون منهج حياة؛ هي خير حياة وأسعدها، ومرشداً إلى سبيل هي أقوم سبيل وأنجحها: ((فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
أُخيتي: كلام ربنا بين أيدينا نزّهه الله عن الخطأ والزلل، وجعله فصلاً في كل زمان ومكان: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
فبهِ اتضح سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، فهـو الضياء والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور؛ من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فاز، جعــل الله فيـه وبـه الهداية لمن شـاء من عباده المتقين: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:1-2].
أختي الغالية: لقد وعد الله سبحانه أن يحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين؛ قال جلّ في عُلاه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف؛ استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة، فهذا -أُختاه- ما أراده الله عز وجل من إنزال كتابه، أن نأتمر بأمره، وننتهي عند نهيه، ونصدق أخباره وما فيه من الإخبار بالغيب، ونتعظ ونعتبر من قصص الأمم الماضية، لا لنتخذه ظهرياً؛ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص:29].. ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24].
أُختاه! إن القرآن الكريم منهج حياة ودستور ونظام وشريعة الله إلى أهل الأرض، قضى أن لا يحتكموا إلا إليه، وأمر أن لا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يُعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق ومن الغرب.. فهو الحكم العدل، كما قال سبحانه: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50].
وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)) [النساء:60-62]
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)) [النساء:63]
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء:64]
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
إن الله قد جمع الهداية والفلاح في هذا الكتاب الكريم، فقال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) [الإسراء:9].
ففيه الشفاء: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44].
إن آيات هذا الكتاب العظيم والسراج المنير قد أثرت في قلوب المشركين؛ وقلبتها من شركٍ إلى توحيد، ومن عصيان وطغيان إلى طاعة وعبادة؛ فهذا أحدهم يسمع النبي عليه الصلاة والسلام يتلو عند الكعبة آيات مما أوحى الله إليه، فيقول: (والله ما سمعتُ قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه) فأثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن. وهذا رجل آخر كان جباراً في الجاهلية شديداً على المسلمين يومئذٍ، فلمّا سمع قوله تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) [طه:1-2] إلى قوله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:14] كسّرتْ تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: (ما ينبغي لمن يقول هذا أن يُعبد معه غيره) فأصبح ذلك الرجل إذا سار في فجٍ سار الشيطان من فجٍ آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أُختاه! ألم تتفكري وتتدبري في جامعة القرآن! كيف أخرجت جيلاً مُميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جمعاء؟
إنه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ هذا العدد النقي الصالح الذي لم يجتمع مثله بعد ذلك في مكانٍ واحد، وليس السبب في تجمعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قائم فحسب! ولكن ثمة سببٌ آخر: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، فكانوا يتلون القرآن للعمل به في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المتمثلة في العمل به، وانظري مثال ذلك في حادثة (تحريم الخمر) من كُتب التفسير.
أما بعد.. أُختي الفاضلة:
فهذا الدستور الخالد منذ يومه الأول وهو آخذ بروعته عقول الناس، مؤمنهم وكافرهم، فقد خضعت له أعناق كُبراء الجاهلية وأسيادهم، وطأطأتْ له رءوس البلاغة والأدب..، شهادة إكبار وقول حق واعتبار، قام له العالم كله ولم يقعد هيبة لمطلعه النوراني، فهو كلام رب الأرباب، الآخذ بالقلوب والألباب.. المهيمن على جميع الكتب.. المُنزل على خير الرسل.. المشرِع لخير الأمم؛ ولا غرو فقد شهد له بذلك الكافر! ونحن في غنى عن شهادته، فراجعي -أُختي- ما كتبه علماء الغرب والشرق في كتاب الله، وانظري على سبيل المثال كتاب: (قالوا عن الإسلام، لـعماد خليل) لَتَريْ ما يهولكِ من اعترافات بصدق هذا الكتاب الخالد وقوةتأثيره وصداه عندهم!
ولكن أُختاه: ما حال مذهبكِ مع هذا القرآن العظيم؟
غاليتي: ليس غرضي من هذا السؤال التفرقة الطائفية! أو الفتنة المذهبية! أو من أجل التدليس الفردي! كلا والله، بل الأمر كلمات خرجت من القلب لتصل إلى القلب، ولتري نفسكِ -أُختاه- ومكانكِ تجاه كتاب الله تعالى؛ فتأخذي بيدي وآخذ بيدك لنحقق الوحدة الإسلامية المنشودة، انطلاقاً من كتاب الله تعالى أصل الأصول ودستور الحياة الخالد.
تعلمين -أختاه- ويعلم كل مسلم دور الحكومات الإسلامية في العالم واهتمامها بطباعة المصحف الشريف، ودور جامعاتها ومعاهدها ومدارسها بالعناية به، ولا يخفاكِ مسابقات القرآن الكريم العالمية، وحلقات التحفيظ الخاصة به، كل ذلك اهتماماً بكلام الله تعالى وتقدس، علاوة على إنشاء مؤسسات خاصة تشجع طباعته ودراسته وحفظه وتلاوته وتفسيره، ولنأخذ مثالاً وهو: الجامع الأزهر الشريف، بل الكلام عنه وعن اهتمامه بالقرآن قد يعتبر لغواً من الكلام! فهو غني عن التعريف، إنه جامع الأزهر، منارة القرآن وجامعة الحفاظ.. وقد خرَّج مئات الألوف من حفظة كتاب الله الذين علموا الدنيا كلها كيف يُرتل كتاب الله، وقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمةً لكتاب الله.
أما الدراسات التي تخدم القرآن وتُدافع عنه فهي أكثر من أن تُذكر، ويكفي أن تطلعي على فِهرس الدراسات العليا للأزهر؛ لتري ما يُذهلكِ! وأما جامعات المملكة وتونس وسوريا والمغرب ودول الخليج، وبقية دول العالم الإسلامي فهي غير خافية.
ولكن أُختي: ما هو الدور الذي أدَّاه مذهبك واعتقده علماؤه ومفكروه تجاه القرآن الكريم؟؟ وحتى أكون بعيدة عن الظلم والاستبداد، وقريبة من المصداقية والعدل، سأوثق كلامي وأحيله إلى مصدر مطلع على الأمور، لا على جاهل شاذ أحمل كلامه وأُعممه على الجميع، وسأسند نقلي إلى مؤسسات علمية دينية معتمدة، لا على أفراد قد يكونون مقصرين.
- وعلى ما سبق أقول والله المستعان:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران في كتابه: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام، ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير، فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو "درجة الاجتهاد" من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء، هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). المرجع: [ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، ص:109].
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!! لماذا هكذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن). [نفس المرجع: ص110].
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: (فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن). [نفس المرجع: ص111].
ويقول آية الله الخامنئي: (إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية، وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل، وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع:ص110].
ومما تقدم نقول مستفهمين: كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن، ولو على مستوى التلاوة؟!! كيف يدرس الطالب من بداية دراسته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!!
وبعد هذا النقل أُختاه: ألم تتساءلي في نفسكِ عن سبب عدم اهتمام الشيعة بالقرآن؟
وفي الجواب الفادحة الكبرى والرزيَّة العظمى!! إنهم يرون أن هذا القرآن اليوم ليس هو الذي أُنزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل هو مُحرَّف ومبدَّل ومغيَّر زِيَد فيه وأُنقص منه!! وأستغفر الله من هذا الاعتقاد الذي لا يقبله المسلم مهما كانت عقيدته ومذهبه!
نعم أُختاه: هذه الحقيقة التي ربما أن كثيرات منكن لا يعلمن عنها شيئاً!! أو إنهن يعلمن ولكنهن لا يردن أن يُصدِّقنَ! لهول هذا المعتقد الذي يهدم الثقل الأكبر ويُنهي معالمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل يعقل أن يهتم الكفرة بكتاب ربنا، ونقول نحن: إنه كتابٌ محرف؟؟
والآن إلى توثيق كلامي هذا من مصادرهم ومراجعهم المعتمدة وأقوال أكابر علماء الشيعة الثقات عندهم -والله المستعان-.
يقول الطبرسي: (1/377-378) في كتاب الاحتجاج: (ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرِّف وبدِّل وما يجري في هذا المجال لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي: (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به.. إلى غير ذلك).
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول [الجزء الثاني عشر، ص:525] أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (سبعة عشر ألف آية)، قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ.
ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام، فيقول في الأنوار أيضاً: (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة! فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم، كما سيأتي بيانه في نور القرآن).
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره: [مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36]: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لَمّا أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه، إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
قال النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
قال المفيد في أوائل المقالات: [(ص:9)، دار الكتاب الإسلامي بيروت]: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب: [مشارق الشموس الدرية: (ص:126)] بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
وغيرها كثير جداً تركتها خشية الإثقال عليكِ بما لا تُحبين أن تسمعي عنه!!
أختي الغالية: أرأيتِ؟ فأنا لم أتهم أحداً، ولم أتقوّل على أحدٍ. حاشا وكلا. بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومُحدثيهم أصحاب الشأن، ودوري فقط هو النقل لبعض ما وجدته من كلام، ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد الذي بمجرد عرضه يتبين لكِ يا صاحبة النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا؟ والله عز وجل يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه، وتقول هذه العقيدة: بل ضَيَّع وما حفظ!! والله عز وجل يقول: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب!!
فسبحان الله! كيف وصل بهم الهوى إلى هذا الدرك البعيد، ولكن حق عليهم قول المولى سبحانه وتعالى عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)) [الحاقة:48-52].
أختي: كم والله تعجبني تلك الفتاة التي أعملتْ فكرها بنفسها، وخلت مع كتاب ربها بعقلها، وتدبرت وتأملت بذاتها، واتّبَعت ما تبين لها أنه الصواب.
ولنستعن بالله ولنرفع أكفنا إليه ولنقُلْ: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
6) الوقفة الرابعة:-
- نساء لسن كالنساء:
نعم أختاه: إنهن نساء ولكنهن لسن كالنساء الأخريات، إنهنَّ نلنَّ شرفاً وتشريفاً بالغاً عظيماً، وشأناً ومكانةً كبيرةً.
نعم.. إنهنَّ تميزنَّ عن نساء العالمين، اختارهن الله واصطفاهن ليكُنَّ زوجات لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وصرن بذلك أفضل وأكمل من غيرهن، ولسن كسائر النساء، بل أحسن وأطيب وأكمل، قال تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ)) [الأحزاب:32].
فبزواج النبي صلى الله عليه وسلم منهن نلن تلك الفضيلة، وتبوأن تلك الدرجة السامية الباسقة الرفيعة، التي لم تتحقق لأحدٍ من النساء غيرهن رضي الله عنهن.
أخيتي: إن الكلام عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطول ويفوح عطراً وشذا، ولكن لن أطلق العنان لقلمي، ويا له من جامح هنا، ولكني سأقتصر على مسألة لطالما كدرت أخواتي الكريمات العاقلات، ويا لها من مسألة تصك الأسماع، وتؤذي المؤمنين! ولكن لا بد من التعرض لها لتعلمي -أخية- أني لا أتجنى وأتقوَّل على أحد، ولكنها الحقيقة المرة!
لا يخفى عليكِ هنا معتقد الشيعة في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخص منهن رضوان الله عليهن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر.
فأقول: وقف الشيعة موقفاً شاذاً منحرفاً تجاه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الطاهرات المطهرات الطيبات المكرمات.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك المواقف مع مراعاة الاختصار:
لا أظنكِ -أخية- يخفى عليكِ الدعاء المسمى بدعاء صنمي قريش، وهو موجود في عدد من كتب الشيعة الموثوقة، ويدعون به إلى وقتنا الحاضر، وفيه: (اللهم... والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما...) إلخ.
ويقول المجلسي في كتابه: [حق اليقين، (ص:519)]: (وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة..، ومن النساء الأربع -وذكر منهن عائشة وحفصة-...).
وذكر هو كذلك في عين الحياة (ص:599) أن جعفراً الصادق -وحاشاه- كان يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعة من النساء.. يسميهم، وعائشة وحفصة.. إلخ.
ويزعمون كما في كتاب الصراط المستقيم [للبياضي (3/168)] (أن عائشة وحفصة تآمرتا على أن يسما رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهكذا قال المجلسي في كتابه حياة القلوب (2/700): (إن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم دبرتاه).
وذكر العياشي في تفسيره [2/269]: (أن التي ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92] هي عائشة نقضت إيمانها) أي: أنها ارتدت.
وقد جاء في كتب كثيرة من كتب علماء الشيعة تكفير عائشة وحفصة زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهما بأبشع وأقبح الأوصاف.
فهذا البياضي في كتابه الصراط المستقيم (3/161) يعقد فصلين خاصين في عائشة وحفصة، وسمى الأول: فصل في أم الشرور، يعني: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويلقبها فيه بالشيطانة، والفصل الآخر: في أختها حفصة.
وهذا الكلام القبيح ذكرني بإحدى الأخوات من المعلمات الفاضلات اللاتي دَرَّسنَ في مدارس الشيعة، فتقول: "في حجرة الرسم أحضرتُ للطالبات رسومات وكان من بينها صور لحشرات -ذباب- فإذا بطالبات في الخلف يهمسن ثم يرتفع صوتهن بالضحك، وبعد التحقق من أمرهن وجدت أنهن يقلدن أهلهن في تسمية عائشة المصونة أم المؤمنين زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أم الذبان)!! وذلك حسب إفادتهن هداهن الله".
فهل هذا يوافق ما جاء في القرآن الكريم من مكانتهن وعظيم شرفهن؟!
فتأملي معي أختاه: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد خيرهن بين البقاء في هذه المنزلة، وهي شرف الاقتران به في الدنيا والآخرة، وإن قلَّ العيش في الدنيا وضاق الرزق، وبين متاع الدنيا الزائل وزينتها، فلم يردن شيئاً غير البقاء معه صلى الله عليه وآله وسلم، وآثرن ذلك على الدنيا ومتاعها وزينتها، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
فلم يخترن رضي الله عنهن غير الله ورسوله والدار الآخرة، وكن خير زوجات لخير زوج مؤمنات قانتات عابدات صالحات، فآتاهن الله أجرهن مرتين، وأعد الله لهن الرزق الكريم، والثواب الجزيل المضاعف، قال الله تعالى: ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)) [الأحزاب:31]
وعندما نتأمل قول الله تبارك وتعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] نعلم عظيم قـدر أزواج النبـي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب، ونساؤه الطيبات، بل هو عليه الصلاة والسلام خير الطيبين وأفضلهم، ونساؤه خير الطيبات وأفضلهن، ولم يكن الله ليختار لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا خير النساء وأفضلهن.
وتأملي معي -أخية- الإضافة في قوله تعالى: ((وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ففيها لطائف جمة وإشارات إلى فوائد كثيرة لا يعقلها إلا العالمون:
منها: أن العاقل مهما أساءت أمه فإنه يتحملها ويصبر عليها، ومنها: استمرارية ذكر الأم بهذا الاسم، والإمساك عن هفواتها وعيوبها -إن كانت- فهي (أُم) ووصفهن بالأمهات لمن؟ (للمؤمنين) شرف وأيما شرف لهن رضي الله عنهن، لا سيما وأن الله أخبر عن ذلك بلفظ (الأزواج) المشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً كقوله تعالى لآدم: ((آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35].
وقال تعالى في حق زكريا: ((وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)) [الأنبياء:90].
وقال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الأحزاب:1].
وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
وجاء الإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة، قال تعالى:
((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)) [المسد:1-5].
وقال تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10]
تأملي لما كانتا مشركتين أوقع عليها اسم المرأة.
وقال في فرعون: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11].
لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجاً له، وقال سبحانه في حق المؤمنين: ((وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)) [البقرة:25] فكان عدم ذكر الأزواج في حق الكافرات؛ لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح ولوط.
فإن قيل: فلم قال الله عن زكريا عليه السلام: ((وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً)) [مريم:8] وعـن إبراهيم عليه السلام: ((فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ...)) [الذاريات:29]؟
قلنا: قد أجاب أهل البيان واللغة والفهم في القرآن، فقالوا: بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع؛ لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجة!
فتأملي معي -أخية- رعاكِ الله هذه المعاني تجديها أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقاً لهذا المعنى، فتأملي ثم تأملي في أسرار هذا الكتاب العظيم.
تعليق