إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الأحداث التاريخيه التي ينكرها الوهابيه شارك معنا

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    فكيف وقع ذلك يا ترى؟
    روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج وغيره من المؤرّخين أنّ عائشة كتبت ـ وهي في البصرة ـ إلى زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها: من عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أمّا بعد فأقم في بيتك وخذّل الناس عن أبن أبي طالب، وليبلغني عنك ما أحبّ إنك أوثق أهلي عندي والسّلام.
    فأجابها هذا الرجل الصالح بما يلي: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر، أما بعد فإنّ الله أمركِ بأمر، وأمرنا بأمرٍ، أمرك أن تقرّي في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون قد صنعت ما أمرك الله به، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له.
    وبهذا يتبيّن لنا بأن عائشة لم تكتف بقيادة جيش الجمل فقط وإنّما طمحت في إمرة المؤمنين كافة في كل بقاع الأرض ولكلّ ذلك كانت هي التي تحكم طلحة والزبير اللذين كانا قد رشّحهما عمر للخلافة، ولكل ذلك أباحات لنفسها أن تراسل رؤساء القبائل والولاة وتطمعهم وتستنصرهم.
    ولكلّ ذلك بلغت تلك المرتبة وتلك الشّهرة عند بني أمية فأصبحت هي المنظور إليها والمُهابة لديهم جميعاً والتي يُخشى سطوتها ومعارضتها فإذا كان الأبطال والمشاهير من الشجعان يتخاذلون ويهربون من الصفِّ إزاء علي بن أبي طالب ولا يقفون أمامه فإنها وقفت وألّبتْ واستصرخت واستفزّت.
    ومن أجل هذا حيرت العقول وأدهشت المؤرّخين الذين عرفوا مواقفها في حرب الجمل الصغرى قبل قدوم الإمام علي وفي حرب الجمل الكبرى بعد مجيء الإمام علي ودعوتها لكتاب الله فأبت وأصرّت على الحرب في عنادٍ لا يمكن تفسيره إلا إذا عرفنا عمق وشدة الغيرة والبغضاء التي تحملها أمّ المؤمنين لأبنائها المخلصين لله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

    تحذير النّبي (صلى الله عليه وآله) من عائشة وفتنتها
    لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدرك عمق وخطورة المؤامرة التي تدار حوله من جميع جوانبها، ولا شكّ بأنّه عرف ما للنساء من تأثير وفتنة على الرّجال، كما أدرك بأنّ كيدهن عظيم تكاد تزول منه الجبال، وعرف بالخصوص بأن زوجته عائشة هي المؤهلة لذلك الدور الخطير لما تحمله في نفسها من غيرة وبغض لخليفته علي خاصة، ولأهل بيته عامّة، كيف وقد عاش بنفسه أدواراً من مواقفها وعداوتها لهم، فكان يغضب حيناً ويتغير وجهه أحياناً، ويحاول إقناعهم في كل مرة بأنّ حبيب علي هو حبيب الله والذي يبغض عليّاً هو منافق يبغضه الله ـ ولكن هيهات لتلك الأحاديث أن تغوص في أعماق تلك النّفوس التي ما عرفتْ الحقّ حقّاً إلاّ لفائدتها وما عرفت الصّواب صواباً إلاّ إذا صدر عنها.
    ولذلك وقف الرسول (صلى الله عليه وآله) لمّا عرف بأنها هي الفتنة التي جعلها الله في هذه الأمة ليبتليها بها كما ابتلى سائر الأمم السّابقة. قال تعالى: «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون» [سورة العنكبوت: الآية 2].
    وقد حذّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمّته منها في مرّات متعدّدة حتى قام في يوم من الأيام واتّجه إلى بيتها وقال: ههنا الفتنة، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي: قال عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان (47).
    كما أخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن عكرمة بن عمّار عن سالم عن ابن عمر قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة، فقال: رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان (48).
    ولا عبرة بالزّيادة التي أضافوها بقولهم: يعني المشرق، فهي واضحة الوضع ليخفّفوا بها عن أم المؤمنين ويبعدوا هذه التهمة عنها.
    وقد جاء في صحيح البخاري أيضاً: قال لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، بعث علي عمّار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيّكم (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي (49).
    الله أكبر فهذا الخبر يدلّ أيضاً أنّ طاعتها معصية لله وفي معصيتها هي والوقوف ضدّها طاعةً لله.
    كما نلاحظ أيضاً في هذا الحديث أنّ الروّاة من بني أمية أضافوا عبارة والآخرة، في (أنها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة) ليموّهوا على العامّة بأنّ الله غفر لها كل ذنب اقترفته أدخلها جنّته وزوجها حبيبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ وإلاّ من أين عَلِمَ عمّار بأنّها زوجته في الآخرة؟
    وهذه هي أخر الحيل التي تفطّن لها الوضّاعون من الروّاة في عهد بني أميّة عندما يجدون حديثاً جرى على ألسنة النّاس فلا يمكنهم بعد نكرانه ولا تكذيبه فيعمدون إلى إضافة فقرة إليه أو كلمة أو تغيير بعض ألفاظه ليخفّفوا من حدّته أو يفقدوه المعنى المخصوص له، كما فعلوا ذلك بحديث، أنا مدينة العلم وعلي بابها الذي أضافوا وأبوا بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها.
    وقد لا يخفى ذلك على الباحثين المنصفين فيبطلون تلك الزيادات التي تدلّ في أغلب الأحيان على سخافة عقول الوضّاعين وبُعدهم عن حكمة ونور الأحاديث النبويّة، فيلاحظون أنّ القول بأن أبا بكر أساسها، معناه أنّ علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كله من علم أبي بكر، وهذا كفر. كما أنّ القول بأنّ عمر حيطانها فمعناه بأنّ عمر يمنع الناس من الدخول للمدينة أعني يمنعهم من الوصول للعلم والقول بأن عثمان صفقها، فباطل بالضرورة لأنه ليس هناك مدينة مسقوفة وهو مستحيل. كما يلاحظون هنا بأنّ عماراً يقسم بالله على أنّ عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، وهو رجماً بالغيب فمن أين لعمّار أن يقسم على شيء يجهله؟ هل عنده آية من كتاب الله، أم هو عهد عهده إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
    فيبقى الحديث الصحيح هو إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، وإنها لزوجة نبيّكم، ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم إيّاه تطيعون أم هي.
    والحمد لله ربّ العالمين على أن جعل لنا عقولاً نميّز بها الحق من الباطل وأوضح لنا السبيل ثم ابتلانا بأشياء عديدة لتكون علينا حجّةً يوم الحساب.

    خاتمة البحث
    والمهمّ في كل ما مرّ بنا من الأبحاث وإن كانت مختصرة أنّ عائشة بنت أبي بكر أمّ المؤمنين وزوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن معدودة من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، والذين عصمهم الله من كلّ الذّنوب وطهّرهم من كل رجس فأصبحوا بعد ذلك معصومين.
    ويكفي عائشة أنّها قضت آخر أيّام حياتها في بكاء ونحيب وحسرة وندامة، تذكر أعمالها فتفيض عيناها ولعلّ الله سبحانه يغفر لها خطاياها فهو وحده المطّلع على أسرار عباده والذي يعلم صدق نواياها، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السّماء، وليس لنا ولا لأي أحدٍ من النّاس أن يَحكُم بالجنّة أو بالنّار على مخلوقاته فهذا تكلّف وتطفّلٌ على الله، قال تعالى: «لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كل شيء قدير» [سورة البقرة: الآية 284].
    وبهذا لا يمكن لنا أن نترضّى عليها ولا أن نلعنها ولكن لنا أن لا نقتدي بها ولا نبارك أعمالها، ونتحدّث بكل ذلك لتوضيح الحقيقة إلى النّاس، عسى أن يهتدوا لطريق الحق.
    قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجّة.

    الهوامش:
    1- صحيح البخاري: 4/231 باب تزويج النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة وكذلك صحيح مسلم.
    2- صحيح البخاري: 6/157 في باب الغيرة.
    3- إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: 2/29 كتاب أدب النكاح.
    4- كنز العمّال: 7/116 وكذلك إحياء العلوم للغزالي.
    5- الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/145. الإصابة لابن حجر: 4/233. تاريخ اليعقوبي: 2/69.
    6- صحيح البخاري: 1/101 باب الصلاة على الفراش.
    7- صحيح البخاري: 3/105 في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم.
    8- صحيح البخاري: 6/24 و128 باب هل للمرأة ان تهب نفسها لأحدٍ. صحيح مسلم باب جواز هبة المرأة نوبتها لضرّتها.
    9- صحيح البخاري: 6/158 باب غيرة النساء ووجدهنّ.
    10- صحيح البخاري: 3/106 باب الغرفة والعلية من كتاب المظالم.
    11- صحيح البخاري: 6/69 و71 باب وإذا أسرّ النبي إلى بعض أزواجه.
    12- طبقات ابن سعد: 8/115. كنز العمال: 6/294.
    13- ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة: 2/80.
    14- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 6/277. وسنن النسائي: 2/148.
    15- صحيح الترمذي وقد رواه عنه الزركشي في صفحة 73.
    16- الطبقات الكبرى لأبن سعد: 8/212، أنساب الأشراف: 1/449، الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني أخرجها في ترجمة مارية القبطية.
    17- الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/37 ترجمة إبرايم بن النبي ـ وكذلك في أنساب الأشراف.
    18- صحيح مسلم: 3/64 باب ما يقال عند دخول القبور. مسند أحمد بن حنبل: 6/221.
    19- مسند الإمام أحمد: 6/147.
    20- مسند أحمد بن حنبل: 6/115.
    21- يراجع في هذا الموضوع كتاب حديث الإفك للعلاّمة جعفر مرتضى العاملي.
    22- الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/29.
    23- صحيح البخاري: 4/46 باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير.
    24- صحيح مسلم: 3/64. ومسند الإمام أحمد: 6/221.
    25- صحيح مسلم: 4/188 في باب الإيلاء واعتزال النّساء وتخييرهنّ وقوله تعالى: «وإن تظاهرا عليه» .
    26- صحيح البخاري: 7/8 من كتاب المرضى والطبّ.
    27- يقول الشاعر في هذا المعنى:
    عاندوا «أحمد» وعادوا عليّاً * وتولّوا منافقاً وغويّاً وأسروا سبّ النبي نفاقاً * حين سبّوا جهراً أخاه عليّاً
    28- صحيح البخاري: 3/156 باب تعديل النساء بعضهن بعضهاً.
    29- صحيح البخاري: 4/231. صحيح مسلم باب فضائل أم المؤمنين خديجة: 7/133.
    30- قد مرّ بنا سابقاً قولها ما غرت على امرأة كما غرت على صفية وقولها ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، لك الله يا عائشة فهل سلمت واحدة من أزواج النبي من غيرتك وأذيّتك؟
    31- صحيح البخاري: 4/231. صحيح مسلم باب فضل خديجة أمّ المؤمنين.
    32- صحيح البخاري: 4/209 و7/142.
    33- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/197 ينقل ذلك عن الإمام علي.
    34- صحيح البخاري: 1/162 و3/135 و5/140.
    35- صحيح مسلم: 1/61. صحيح الترمذي: 5/306. سنن النسائي: 8/116.
    36- البخاري: 4/210.
    37- صحيح البخاري: 5/82 و8/3.
    38- الإمام أحمد في مسنده: 4/275.
    39- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/195.
    40- البخاري ومسلم في فضائل علي بن أبي طالب: 7/130.
    41- المستدرك للحاكم: 3/130 صحّحه على شرط الشيخين البخاري ومسلم وعشرات المصادر.
    42- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/77.
    43- ابن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث وكذلك في الإمامة والسياسة.
    44- تاريخ الطبري: 6/482.
    45- الطبري في تاريخه: 5/178. وشرح النهج: 2/501 وغيرهم.
    46- صحيح البخاري: 8/97 باب الفتن. والنسائي: 4/305. والمستدرك: 4/525.
    47- صحيح البخاري: 4/46.
    48- صحيح مسلم: 8/181.
    49- صحيح البخاري: 8/97.

    تعليق


    • #32
      من هو المغيرة بن شعبة؟

      هو أحد أربعة عدوا من دهاة العرب وممن يحتالون بكل وسيلة للفوز بالدنيا, فعندهم الغاية تبرر الوسيلة. والثلاثة الآخرين هم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وزياد بن أبيه ورابعهم المغيرة بن شعبة.
      وهؤلاء الأربعة كانوا من ضمن مجموعة العقبة الذين دبروا محاولة لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة, وعرف المغيرة بالحنكة السياسية والآراء الدنيوية الصائبة وكانت آراءؤه السياسية في المواقف الصعبة معروفة وكان الكثير من العرب من يرجع ويستعين به, إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أعرض عن آراء المغيرة التي لم يكن لها أي اتصال بالمعاد ولم تستق روحها من المبادئ الإنسانية الشريفة.
      وقدم المغيرة آراءه إلى أمير المؤمنين ورفضها عندما تمت البيعة لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وعزم (عليه السلام) أن يعزل عمال عثمان بن عفان ويرد الحقوق إلى أهلها, فجاءه المغيرة وقال له: إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحوز به ما في غد وإن المضاع اليوم تضيع به ما في غد اقرر معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وطاعة الجنود استبدلت أو تركت, فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري(1). وفي رواية أخرى قال له: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا, قال..(وما كنت متخذ المضلين عضدا)(2).
      وكانت نصيحة المغيرة تنفع من كانت الدنيا هدفه والئاسة مقصده والتغلب طموحه, بينما كان العدل والحق ورضا الله هدف أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه يرى ترك المعاوية وأمثاله من الولاة الظلمة على مناصبهم مشاركة منه معهم, ولذلك أعرض عن المغيرة وترك نصيحته فقام المغيرة وهو ينشد:
      نصــحت عليا في ابن هند مقالة***وزدت فلا يسمع لها الدهر ثانية
      وقلـــت أرســـل إليـــه بعهـــده***على الشام حتى يستقر معاويـة
      ويعلم أهل الشام أن قد مـلكتـــه***وأم ابن هند عند ذلك هـاويــــة
      فتحكم فيه ما تريــــــــد فإنــــه***لداهية فارفق بـــه أي داهيــــة
      فلم يقبل النصح الــذي جئته به***وكانت له تلك النصيحــــة كافية
      ثم أعرض المغيرة عن بيعة الإمام علي (عليه السلام) فلم يبايعه وغارد إلى مكة(3), ومن ذلك الحين ابتعد عن أمير المؤمنين وناصبه العداء والتحق بمعاوية فيما بعد وأصبح واليا على الكوفة من قبل معاوية إلى أن توفي عام 50 أو 51هـ, ثم أخذ يلعن ويسب أمير المؤمنين عليا والحسن والحسين من على منبر الكوفة وهو الذي كان يضيق على حجر بن عدي وأصحابه حتى قتلهم معاوية بسببه. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: عن أبي جعفر النقيب: قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى(4).
      وقدم المغيرة خدمات جليلة لمعاوية منها عملية استلحاق زياد بمعاوية وذلك عندما هدد معاوية زيادا, جاء المغيرة إلى زياد بعد أن كان عند معاوية وواعده بترتيب الأمر له وقال لزياد: ارم بالغرض الأقصى ودع عنك الفضول فإن هذا الأمر لا يمد إليه أحد يدا إلا الحسن بن علي فخذ لنفسك قبل التوطين, فقال زياد: فأشر علي, قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله وتصل حبلك بحبله وأن تعير الناس منك أذنا صماء فقال زياد: يابن شعبة أأغرس عودا في غير منبته ولا مدرة فتحييه ولا عرق فيسقيه؟ ثم إن زيادا عزم على القبول وأخذ برأي ابن شعبة..(5).

      زنا المغيرة بن شعبة في البصرة

      وكانت نصيحة المغيرة لزياد من باب الحرص على زياد لأنه كان يعرف دهاء معاوية وإجرامه وأنه قد يقتل زيادا غيلة فلذلك اقترح عليه ذلك, وكان سبب هذا الحرص ردا للجميل الذي قدمه زياد للمغيرة عام 71هـ أيام خلافة عمر بن الخطاب لما حضر المغيرة أمام عمر وهو متهم بالزنا فامتنع زياد أن يشهد ضد المغيرة وبذلك وهبه فرصة جديدة للحياة.
      وتفاصيل هذه الحادثة التي امتنع زياد أن يشهد فيها على المغيرة، هي استنادا إلى ما ذكره أصحاب الموسوعات التأريخية كالطبري وابن الأثير وابن الحديد وغيرهم, ذكروا ضمن حوادث سنة 71هـ أن المغيرة بن شعبة كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب وكان ذات يوم في بيته وهو مجاور لبيت أبي بكرة وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم - وكان أم جميل غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف - فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود وكانوا كلا من أبي بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه.
      فسأل عمر أبو بكرة - وهو من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) -: كيف رأيته؟
      فقال: إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولم يشهد زياد مثل شهادتهم, بعدما سمع كلاما من عمر عرف منه أن عمر غير راغب في إقامة الحد على المغيرة, حيث قال لزياد لما استدعاه: ما عندك يا سلح العقاب؟ فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا, قال: هل رأيت الميل في المكحلة؟ قال: لا, فأمر عمر بترك المغيرة(6).
      وممن ذكر إرادة عمر بن الخطاب في عدم رغبته في رجم المغيرة ونبه زياد بن أبيه على ذلك أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني حيث ذكر أن عمر لما سمع شهادة الأول تغير وجهه ولما دخل زياد من الباب رفع عمر صوته عاليا: ما عندك يا سلح العقاب(7), فلما رأى زياد التغير في ملامح عمر وسمع منه هذه العبارة عرف أن عمر لا يرغب في الاقتصاص من المغيرة بدهائه وذكائه, وقد حفظ المغيرة هذا الفضل لزياد.

      الهوامش:
      1- مروج الذهب ج2 ص354, دار الأندلس.
      2- بحار الأنوار ج32 ص34.
      3- الكامل ج3 ص88, دار الكتب العلمية1987.
      4- شرح النهج ج1 ص360 ط مصر وج3 ص69.
      أقول: وقد ذكر ابن أبي الحديد ما لفظه: وقد برئ كثير من أصحابنا من قوم من الصحابة أحبطوا ثوابهم كالمغيرة بن شعبة/ الشرح ج1 ص9 ط دار إحياء الكتب العربية.
      5- مروج الذهب ج3 ص7, دار الأندلس.
      6- تاريخ الطبري ج2 ص493 دار الكتب العلمية, بيروت1988.
      7- الأغاني, ج14, ص328, ط دار الكتب, وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصري.
      ذكر ابن أبي الحديد: قال أبو جعفر: وكان المغيرة بن شعبة يلعن عليا (عليه السلام) لعنا صريحا على منبر الكوفة وكان بلغه عن علي (عليه السلام) في أيام عمر أنه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بالحجارة- يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة ونكل زياد عن الشهادة.
      وقال أبو جعفر أيضا, وكان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها ويرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب/ انظر شرح النهج ج4 ص69- 70 دار إحياء الكتب العربية .

      تعليق


      • #33
        السقيفة
        تعد مرحلة السقيفة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) مرحلة سيادة الخط القبلى على واقع المسلمين. فقد أخذ هذا الخط امتداده وشرعيته من تلك المرحلة متسترا بستار الشورى...
        ان الراصد لما دار في السقيفة يتبين له بوضوح أن الأمر كان أبعد ما يكون عن الشورى وإنما هو في الحقيقة أشبه بالانقلاب على خط واضح الملامح وضع أسسه الرسول (صلى الله عليه وآله).
        ومن السذاجة تصور أن معوية حمل راية المواجهة ضد الإمام دون أن يستند إلى ركائز ثابته تؤهله برفع هذه الراية. وهذه الركائز إنما كانت تقوم على أساس الواقع القبلي الذي فرض في مرحلة السقيفة واستمر حتى عصر الإمام علي...

        كلمة التاريخ:
        يورى شهاب الدين النويري أحداث السقيفة قائلا: وكان من خبر سقيفة بني ساعده أنه لما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وقالوا: نولى هذا الأمر بعد رسول الله سعد ابن عباده. وأخرجوا سعد إليهم وهو مريض. فلما اجتمعوا قال سعد لأبيه أو لبعض بني عمه: إني لا أقدر أشكو أي أن أسمع القوم كلهم كلامي. ولكن تلق مني قولي فاسمعوه. فكان سعد يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع به صوته. فيسمع أصحابه. فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار. ان لكم سابقة في الدين. وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. ان محمدا (صلى الله عليه وآله) لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان. فما آمن به من قومه إلا رجال قليل. والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله. ولا أن يعزوا دينه. ولا أن يدفعوا عن أنفسهم فيما عموا به. حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق اليكم الكرامة. وخصكم بالنعمة ورزقكم الإيمان به ورسوله والمنع له ولأصحابه. والاعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه. فكنتم أشد الناس على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها. وأعطى البعيد المفادة صاغرا داخرا وحتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض. ودانت باسيافكم له العرب. وتوفاه الله إليه وهو عنكم راض. وبكم قرير العين. استبدوا بهذا الأمر دون الناس. فإنه لكم دون الناس...
        فأجابوه بأجمعهم. أن قد وفقت في الرأي. وأصبت في القول. ولن نعدوا ما رأيت. نوليك هذا الأمر فإنك فينا رفيع. ولصالح المؤمنين رضا..(1).
        وتجنبا للصدام مع المهاجرين طرح بعض الأنصار فكرة المشاركة في الامارة. من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير. وكان رد زعيمهم سعد بن عبادة هذا أول الوهن...(2).
        كان هذا هو موقف الأنصار أما موقف المهاجرين فيظهر لنا من خلال تحرك عمر الذي تزعم حركة المهاجرين في مواجهة الأنصار...
        يروى النويري أن عمر لما أتاه الخبر ذهب إلى أبي بكر فوجده مشغولا(3).
        فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره. فخرج إليه فقال: أما علمت أن الأنصار قد أجتمعت في سقيفة بني ساعدة أن يولى هذا الأمر سعد بن عبادة. وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومنكم أمير...
        فخرجا مسعين نحو السقيفة وجمعا في طريقهما عددا من المهاجرين وتنازعوا بين الذهاب أو حسم الأمر بينهم دون الأنصار. ثم قرروا الذهاب. قال عمر: والله لنأتينهم..
        وخطب أبي بكر في أهل السقيفة قائلا: ان العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أواسط العرب دارا ونسبا... وصاح أحد الانصار: منا أمير ومنكم أمير يا عشر قريش..
        وارتفعت الأصوات وكثر اللغط. وهنا أصدر عمر قراره لأبي بكر: أبسط يدك نبايعك: فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون. وبايعه الأنصار. ثم نزوا على سعد. حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتل الله سعدا. وإنا والله ما وجدنا امرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر أنا خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدوا بعدنا بيعة. فإما أن نبايعهم على ما نرضى. أو نخالفهم فيكون فشل...(4).
        وهناك روايات أخرى تنص على تصريحات أخرى لأبي بكر وعمر والأنصار كل في مواجهة الآخر يقول فيها أبو بكر: إن قريشا أحق الناس بهذا الأمر من بعد الرسول لا ينازعهم ذلك إلا ظالم. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء. لا تفاتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور...(5).
        أما تصريح الانصار في مواجهة المهاجرين فقد حمله الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار. املكوا على أيديكم. فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم. ولن يجترئ مجترئ على خلافكم. ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. وأنتم أهل العزة والثروة وأولوا العدد والتجربة. وذوو اليأس والنجدة. وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون. فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم. وتنتقض أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم. فمنا أمير ومنهم أمير...(6).
        وكان رد عمر أكثر عنفا. قال: هيهات؟ لا يجتمع إثنان في قرن. إنه والله لا يرضى العرب أن يؤمروكم ونبيها (صلى الله عليه وآله) من غيركم. ولكن العرب لا تمتنع أن تولى أمورها من كانت النبوة فيهم وولى أمورهم منهم. ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته. ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورسط في هلكة...
        ورد الحباب على عمر بلغة أشج عنفا فقال: يا معشر الأنصار. املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما يألتموه. فاجعلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم. فإنه باسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين.
        ورد عمر: إذن يقتلك الله...
        ورد الحباب: بل إياك يقتل...(7).
        وصاح صوت من المهاجرين (أبو عبيدة): يا معشر الأنصار أنكم اول من نصر وآزر. فلا تكونوا أول من بدل وغير...(8).
        وطالب بشير بن سعد من الانصار قومه بالتخلي عن هذا الأمر لقريش ابتغاء وجه الله.
        وقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا(9).
        ورجح عمر وأنصاره كفة أبي بكر وقدموه للخلافة وحدث صدام بين الأنصار بسبب مبايعة بعض الأنصار له. وتحركت الأوس لمبايعة أبي بكر حتى تفوت الفرصة على الخزرج بزعامة سعد بن عبادة.
        ودخلت قوات قبيلة أسلم الموالية لأبي بكر المدينة وسيطرت على دروبها ومسالكها ولما رآها عمر قال في فرح: ما هو إلا أن رأيت أسلم. فأيقنت بالنصر...(10).
        ويروى أن الناس أقبلوا من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطئون سعد بن عبادة. وقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه. قال عمر: اقتلوه. اقتلوه... قتله الله. ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك.. فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر ثم قال: والله لو حصصت منها شعرة مارجعت وفي فيك واضحة...(11).
        ويروى ابن عبد البر: وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش ثم بايعوه بعد غير سعد..(12).
        وكان عمر يحرض أبي بكر على سعد ليجبره على البيعة فقيل له: أنه ليس يبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته. فتركوه(13).

        موقف الإمام علي
        كان هذا العرض التاريخي على جانب الأنصار وقطاع من المهاجرين القريشيين. الا أنه هناك جانب آخر من قريش كان بعيدا عن السقيفة. وهذا الجانب يملك رصيدا أقوى من رصيد قطاع ابو بكر وعمر ومن تابعهما.
        يملك رصيدا شرعيا.
        ويملك رصيدا جماهيريا.
        ويملك رصيدا تاريخيا.
        ويملك وزنا أكبر من قريش.
        ذلك الجانب هو جانب الهاشميين بزعامة آل بيت النبي والذي كان مشغولا بتجهيز الرسول للدفن بينما القوم يتصارعون في السقيفة.
        ويروي في نهج البلاغة أن عليا سأل عما حدث في السقيفة، فقال: ماذا قالت قريش؟
        قالوا: احتجت قريش بأنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).
        فقال علي: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة(14).
        وتروي كتب التاريخ روايات تشير إلى صدامات وقعت بين جناح الهاشميين بقيادة الإمام علي وجناح القريشيين بقيادة عمر بن الخطاب
        وكان الصدام الأول بين فاطمة وبين أبي بكر حين طالبته بميراث الرسول (صلى الله عليه وآله) في فدك ورفضه طلبها محتجا بحديث رواه هو...
        يقول أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن معشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة(15).
        ومن المعروف أن فاطمة خاصمت ابي بكر وهجرته غاضبة حتى ماتت فدفنها الإمام علي (عليه السلام) ليلا في خفية عن القوم. وكانت وفاتها بعد وفاة الرسول بستة اشهر..(16).
        وكما كان عمر يحرض أبي بكر على سعد. أصبح يحرضه على الإمام علي ويطالبه بحسم الامر معه واجباره على البيعة له لما يشكله موقفه من خطورة على استقرار الحكم القبلي الذي أرسى دعائمه ويعد نفسه لقطف ثمرته..
        أن عليا لم يكن وحده فقد كان معه بني هاشم وكثير من العناصر الفاعلة في المجتمع المدني من الأنصار والمهاجرين مثل العباس وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح والمقداد وجابر بن عبد الله وابن عباس وغيرهم..
        وتروي الروايات أن عمر هم بإحراق بيت فاطمة الذي كان مقرا للقطاع المعارض لحكم ابي بكر بقيادة الإمام علي...(17).
        ويبدو ان ممارسات عمر هذه قد زادت من حدة العداء بينه وبين الإمام علي.
        يروي الطبري أن عليا أرسل إلى أبي بكر أن أئتنا ولا يأتنا معك أحد (يقصد عمر)...
        فقال عمر لأبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك..
        فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بين... والله لآتينهم إلا منفردا.. فدخل أبو بكر على بني هاشم وفيهم علي والعباس. فاستقبلوه استقبالا حسنا(18).
        ويروي المسعودي: ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي فقال: أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر. ولم ترع لنا حقا..
        فقال أبو بكر: بلى. ولكني خشيت الفتنة.
        وكان المهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل. ومجازبة في الإمامة.
        وخرج سعد بن عباة ولم يبايع. فصار إلى الشام. فقتل هناك في سنة خمس عشر. وليس كتابنا هذا موضعا لخبر مقتله. ولم يبايع أحد من بني هاشم حتى ماتت السيدة فاطمة الزهراء (19).
        وينقل في كتب التراجم والتاريخ الكثير من الروايات التي تنسب لأبي بكر وعمر وعمر بن العاص وابن عمر وغيرهم وذلك في وقت الاحتضار وهم على مشارف الموت. تلك الروايات التي تشير إلى ندمهم الشديد على ما اقترفوه في حياتهم بسبب السياسة.
        يوري المسعودي عن أبي بكر: ولما احتضر قال: ما آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتها ووددت أني تركتها. وثلاث تركتها ووددت أني فعلتها. وثلاث وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها:
        فأما الثلاث التي وددت اني تركتها: فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة وذكر في ذلك كلاما كثيرا. وودت اني لم أكن قد حرقت الفجاءة وأطلقته نجيحا أو قتلته صريحا.
        ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميرا وكنت وزيرا.
        والثلاث التي تركتها ووددت أني فعلتها: وددت أني يوم أتيت بالاشعث بن قيس اسيرا ضربت عنقه. فأنه قد خيل لي انه لا يرى شرا الا أعانه. ووددت أني كنت قد قذفت المشرق بعمر بن الخطاب. فكنت قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني يوم جهزت جيش الردة ورجعت أقمت مكاني فإن سلم المسلمون سلموا. وان كان غير ذلك كنت صدق اللقاء أو مددا.
        والثلاث التي وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها. وددت أني كنت سألته في من هذا الامر فلا ينازع الأمر أهله. ووددت أني سألته عن ميراث العمة وبنت الأخ فإن بنفسي منها حاجة. ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب فنعطيهم إياه(20).
        ولم يكن الصراع على الحكم ينحصر بين الأنصار وبين قطاع أبو بكر وعمر من المهاجرين إنما كانت قناك قطاعات اخرى تتطلع إلى الحكم من قريش على رأسها قطاع السفيانيين الذين تزعمهم أبو سفيان بن حرب الذي فقد سلطانه ونفوذه بعد فتح مكة..
        ولم يكن أمام أبو سفيان الذي لا توجد له شوكة في المدينة سوى تحريض الإمام علي على المجتمعين في السقيفة...
        يوري الطبري أن أبا سفيان قال للإمام: ما بال هذا الأمر (الخلافة) في أذل قبيلة من قريش وأقلها. والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا...
        وكان جواب الإمام: مازلت عدوا للإسلام وأهله فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا. والله ما اريد أن تملأها عليه خيلا ورجالا ولو رأينا أبا بكر لذلك أهلا ما خلييناه وإياها. يا أبا سفيان إن المؤمنين قوم نصحه بعضهم لبعض متوادون. وإن بعدت ديارهم وأبدانهم وأن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض...(21).
        ويروي الطبري ايضا ان الإمام علي سارع ببيعة أبي بكر ولزم مجلسه وهناك روايات أخرى تقول أنه بايع بعد ستة أشهر وبايع بعده شيعته من الصحابة..(22).
        يقول الإمام: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام. يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدفا تكون المصيبة به على أعظم من موت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق وأطمأن الدين وتنهنه...(23).
        ومثل هذه الروايات التي تتحدث عن بيعة الإمام لأبي بكر سواء كانت قبل ستة شهور أو بعد هذه المدة أو حتى بعد دفن الرسول مباشرة. إنما تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الإمام كان له موقف مما جرى بالسقيفة بشكل عام ومن أبي بكر وعمر بشكل خاص.
        إن تسامح الإمام في أمر البيعة لا يعني تخليه عن موقفه الفكري والعقائدي تجاه هذا الخط القبلي الذي بدأت توضع قواعده أمامه. فهذا التسامح لا يخرج عن كونه موقفا سياسيا في مواجهة الأمر الواقع. فالإمام لم يتنازل عن قضيته ولكن تنازل عن شخصه من اجل حفظ قضيته التي تعكس الجوهر الحقيقي للإسلام...
        لقد كان الإمام مخير بين أن يتنازل عن إمامته من أجل الحفاظ على الإسلام او يصطدم الواقع وتكون النتيجة خسارة الإسلام وخسارة الإمامة فقد كانت جيوب المنافقين بالمجتمع المدني قوية وكانت القبلية مستشرية، هذا على مستوى الداخل.
        أما على مستوى الخارج فكانت هناك قوى الروم والفرس تتربص بالمسلمين...
        ان الانحراف في عصر أبي بكر لم يكن كبيرا إلى الحد الذي يستفز الإمام. ويؤرقه، إنما الانحراف الأكبر برز في عصر عثمان، وهنا تغير موقف الإمام،
        وتعايش الإمام مع عصر الخليفة الأول والثاني ولم يصطدم بهما..
        وفات هؤلاء أن الإمام تعايش مع واقع الخلفاء تعايش العالم المتميز.
        تعايش العالم المدرك لحقائق الأمور حيث أنه قد نبأ من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) بتصورات الأحداث من بعده.
        والبون شاسع بين من يفاجأ بظهور انحراف من جهة لم يكن بتوقع الإنحراف منها. وبين من يعلم بحدوث هذا الانحراف مسبقا...
        ومن بين الروايات التي تؤكد على الإمام بهذه الحوادث... قول الرسول (صلى الله عليه وآله): يا علي. قاتلت على التنزيل وانت تقاتل على التأويل...(24).
        أي أن الرسول قاتل المشركين الذين كفروا بما أنزل عليه ورفضوا الاعتراف بنبوته أما علي فسوف يقاتل المنتسبين لهذا الدين من المنافقين والمارقين الذين يؤولون النصوص ويستندوا إلى هذا التأويل في تبرير الأنحراف والفساد ونسبته إلى الدين..
        وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): يأتي على الناس زمان يكون فيه حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون بقول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. لا يجاوز إيمانهم حناجرهم تحقر صلاتك خلف صلاتهم إذا وجدتموهم فاقتلوهم...(25).
        وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): هلاك امتي على يدي غلمة من قريش. قال أبو هريرة الرواي ان شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان...(26).
        وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض(27).
        وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): لعمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار(28).
        وحديث السر الذي كشفته عائشة وحفصة في سورة التحريم ذلك السر الذي كان يتعلق بموقف كلا من أي بكر وعمر بعد وفاة الرسول...(29).
        إن مثل تلك الروايات إنما تشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أجلى الأمور أمام الأمة وحدد لها معالم الانحراف عن خط الإسلام. وهي تشير أيضا إلى أن هناك الكثير من الصحابة الذين كانت لديهم دراية بأخبار الحوادث التي سوف تقع بعد وفاة الرسول مثل حذيفة...(30).
        كما أنه من المعروف أن جميع العقائد والاتجاهات التي خالفت خط الإمام علي وفي مقدمتها عقيدة أهل السنة قد قامت على التأويل...(31).
        إن الإمام قد تعايش مع واقع رافض له غير راض عنه لا مستسلما له. وهو فوق ذلك له وضعه المتميز فيه والذي يتلائم مع مكانته وقدره ووزنه. وقد اتخذه كل من الخليفة الأول والثاني مستشارا شرعيا وسياسيا له...
        يقول الإمام: أما والله لقد تقمصها فلان- أبو بكر- وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير. فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتئى بين أن أصول بيد جزاء أو أصبر طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجي. فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا. أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى إلى فلان بعده- عمر- فيا عجبا. بينا هو يستيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته. لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة أن أشنق لها حز وان أسلس لها تقحم. فمنى الناس- لعمر الله- بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنى أحدهم. فيالله وللشورى متى أعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني اسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصفى رجل منهم لضغنه. ومال الآخر لصهره مع هن وهن....(32).

        مناقشة الروايات
        يبدو لنا من خلال رصد الروايات التي تدور حول أحداث السقيفة ان هناك الكثير من التساؤلات وعلامات الأستفهام التي تدور في الأذهان بمجرد قراءة هذه الروايات...
        وسوف نعرض هنا لبعض الملاحظات حول هذه الروايات ونبدأ مناقشتنا لها على أساسها.
        الملاحظة الأولى: أن الأنصار أرادوا الاستئثار بأمر الخلافة وهم طائفة لا يمثلون جميع المسلمين.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على أي أساس استند الأنصار في موقفهم هذا..؟
        ان الأنصار لم يتحصنوا في موقفهم هذا بدليل شرعي محدد. فقط هم حاولوا ان يستثمروا مكانتهم ودورهم في إيواء الرسول ونصرته... ولكن هل يعد هذا سببا كافيا لمطالبتهم بالخلافة..؟
        ليس هناك من إجابة على هذا السؤال سوى ان الدافع القبلي قد تسلط على القوم حتى أدى في النهاية إلى انقسامهم وإضعاف شوكتهم بتحالف الأوس مع جناح أبو بكر وعمر مخافة أن تسيطر الخزرج على الأمر ويصبحون تحت إمرتها.
        وهذا عمل قبلي في المقام الأول قدمت فيه الحسابات القبلية على الحسابات الشرعية. أو بمعنى أكثر وضوحا قدمت فيه مصلحة القبلية على مصلحة الدعوة...
        وعلى الرغم من تبعات هذا الموقف من قبل الأوس وآثاره على وحدة المسلمين واستقرار المجتمع الإسلامي إلا أن الجناح القرشي بزعامة أبي بكر استقبله بالترحاب واستثمره لصالحه..
        الملاحظة الثانية: ان عمر كان المحرك الفعلي للأحداث وبدا أبو بكر وكأنه تابع له... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تصدى عمر للأمر وتخطى كبار المهاجرين وآل البيت..؟
        هناك جواب جاهز عند البعض وهو أن عمر فعل ذلك من أجل الحفاظ على الدعوة وتأمين مستقبلها وينتفي عنه أي عرض آخر لعظيم مكانته عند الرسول بحكم النصوص الواردة فيه...
        إلا أن الروايات تدحض هذا التصور وتشكك فيه...
        يوري البخاري: أن عمر طاف في المدينة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وقو يصبح مقسما: والله ما مات رسول الله. والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. وجاء أبو بكر فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر..(33).
        أن هذه الرواية تشير إلى أن عمر لم يكن يعتقد في وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنه حسب روايات أخرى - ذهب ليكلم ربه ويعود كما حدث لموسى. ونحن لن نناقش هنا مدى صحة هذا الاعتقاد وكيف طرأ على ذهن واحد مثل عمر وهو من هو. إلا أن ما نريد توضيحه أن هذا الموقف من قبله يكشف لنا أن فكرة تبنيه موضوع الخلافة كانت فكرة طارئة عليه لم تكن تشغله بعد وفاة الرسول وإنما كان يشغله موت الرسول وبعثه وعودته حتى جاء أبو بكر فبصره بالأمر وتلى عليه قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحدا من رجالكم أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم)(34).
        فقال عمر كأني اسمع هذه الآية لأول مرة. ثم انه سكن وهدأ وأتاه خبر السقيفة فهرع إلى هناك مصطحبا أبا بكر وأبا عبيدة بن الجراح...
        والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كان عمر غير مستوعب لنصوص القرآن التي تتنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى يدعي أن الرسول سوف يعود بعد وفاته ويتوعد من يقول بوفاته؟
        وإذا كان عمر بهذا المستوى من الفهم أفلا يشير هذا إلى أنه لم يفهم النصوص القرآنية الأخرى الواردة بشأن آل البيت والإمام علي ومستقبل الدعوة...؟
        وإذا كان عمر قد تصدى لأمر الخلافة من باب المصلحة وكان متحمسا للأمر ويصول ويجول هنا وهناك من أجل أخذ البيعة لأبي بكر. فلماذا لم يكن صاحب المصلحة أبو بكر بنفس المستوى من الحماس ومن المفروض أن يكون حماسه يفوق حماس عمر. وقد أشارت الروايات إلى أنه كان مشغولا وقت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بشيء آخر لم توضحه الروايات... وكان عمر يلح على طلبه بينما هو يتمنع حتى أعلمه بخبر السقيفة فانطلق معه...
        والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أي شيء كان يشغل أبو بكر غير تجهيز حتى جاء عمر فأحيا الفكرة في نفسه...
        ومن هنا يتضح لنا أن فكرة الخلافة كانت طارئة أيضا على أبي بكر كما كانت طارئة على عمر وهي لا تخرج عن كونها رد فعل لموقف الأنصار ومبادرتهم السريعة المفاجئة لقريش..
        لكن الأمر يوحي وكأن هناك طرف ثالث هو أحق بهذا الأمر ويتسابق كل من الأنصار والمهاجرين لكي يفوت عليه الفرصة..
        وليس هناك من تفسير لموقف عمر وتحالفه مع أبي بكر الطاعن في السن. ضد القطاعات الأخرى. سوى أن شخصية أبي بكر كانت تتيح له ذلك..
        تتيح له أن يتسلقها لكي يحقق مآربه..
        وتتيح له التحصن بها في مواجهة الآخرين..
        وعمر لم يكن يجرؤ على ترشيح نفسه للخلافة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأن الظروف غير ملائمة لكنه ناولها لأبي بكر ثم تناولها منه...
        ولو كان عمر بهذه المكانة التي تضعه فيها الأحاديث لكان من الأولى له أن يتصدى لأمر الخلافة وهو القوى الشديد بدلا من رجل ضعيف كهل كأبي بكر..
        ولو كان عمر بهذه المكانة ماناطحته الأنصار وتطاولت عليه عندما خطب فيهم. واحتد معه الحباب قائلا: لا تسمعوا مقالة هذا. وعندما قال له عمر: يقتلك الله. رد عليه: بل إياك يقتل.. وما أمسك قيس بن سعد بلحيته وهدده...
        إن القوم بين أن يكونوا قد طغت عليهم القبلية فنسوا أخلاق الاسلام وتجاوزوها. أو يكونوا أصحاب مقادير متساوية ووزن واحد ولا يملك كل منها ما يرجح به كفته على الآخر من نصوص الشرع.
        والراجح الامرين معا..
        وإذا كان عمر قد أحتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمورها من كانت النبوة فيهم. فإن هذا القول يوجب عليه التنحي مع صاحبه وإفساح الطريق أمام أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فإنهم ارقى بيوت قريش، فلا هو ولا صاحبه يمثلان بيتا راقيا في قريش. وهذا هو ما استفز أبو سفيان ودفعه لتحريض الإمام بقوله: ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش وأقلها..
        وتأمل تعليق ابن حجر على قول عمر لسعد بن عبادة: اقتلوه.. قتله الله...
        يقول ابن حجر: نعم لم يرد الأمر يقتله حقيقة. وأما قوله قتله الله فهو دعاء عليه وعلى الأول هو إخبار عن إهماله والأعراض عنه. وفي حديث مالك فقلت- عمر- وانا فغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة..(35).
        ان ابن حجر بتعليقه هذا يسير على نهج التبرير والتأويل الذي يتعمده أهل السنة في مواجهة الحوادث والنصوص التي توقعهم في حرج شرعي...
        ويتمادى ابن حجر في تأويل كلام عمر وتبرير مواقفه هو وصاحبه قائلا: وتركوا لأجل أقامتها (الخلافة) أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن الرسول حتى فرغوا منها. والمدة المذكورة- أي مدة تركهم الرسول والأنشغال بالخلافة- زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لإجتماع الكلمة...(36).
        ويروي البخاري رواية تبريرية أخرى لمواقف عمر وممارساته في السقيفة. تقول الرواية: لقد خوف عمر الناس وأن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك...(37).
        وقد جاءت هذه الرواية على لسان عائشة ابنة أبي بكر ومعنى هذا الكلام أن أسلوب العنف والإرهاب الذي مارسه عمر على الرافضين بيعة أبي بكر كان عملا حسنا وحاز رضا الله ومعونته.
        وعائشة بهذا تكون قد حكمت على كل الرافضين لخلافة أبي بكر من بني هاشم والأنصار وغيرهم بالنفاق. ألا يعني مثل هذا الكلام مساسا بعدالة جميع الصحابة التي يعتقدها أهل السنة ويفسرون على ضوئها الأحداث التي وقعت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بداية من السقيفة وحتى صفين؟(38).
        الملاحظة الثالثة: لماذا جاءت قبيلة أسلم إلى المدينة ومن الذي استدعاها.
        لماذا أيقن عمر بالنصر فور رؤيتها..؟
        إن الإجابة على هذه التساؤلات يدفعنا إلى إلقاء الضوء على الجانب الأكثر أهمية في احداث السقيفة. جانب التحول من الجدال والنقاش إلى فرض الرأي بالقوة المسلحة..
        لقد كان دخول قبيلة أسلم إلى المدينة أشبه بالإنقلاب العسكري وهو دخول مرتب له من قبل بلا شك من قبل فريق عمر...
        ويبدو أن الصراع بين فريق عمر وفريق الأنصار قد دخل طورا حرجا بحيث اهتزت كفة عمر وفريقه ورجحت كفة الأنصار أو من الممكن أن يكون الأنصار قد مالوا للإمام علي وحسموا الخلاف بينهم. وعمر وفريقه ليس بذاك الوزن الفاعل في المدينة. فضلا عن كونه من الوافدين عليها مع المهاجرين هو لا يمثل كل المهاجرين ولا جميع قريش. فهناك قطاع من المهاجرين مع الإمام. وهناك قطاع من قريش ينتظر النتيجة أو هو لا يعلم ما يجري هناك.
        ولعل هذا الوضع يفسر لنا قول عمر حين رأى قوات قبيلة أسلم تدخل المدينة: الآن أيقنت بالنصر. وهذا يشير بصورة غير مباشرة أن عمر وفريقه هو الذي استدعى تلك القوات. ألا يدل مثل هذا التصرف ان جانب عمر قد فقد ميزانه الشرعي والأخلاقي. كما يشير من جانب آخر الى ان النصوص التي واجه فريق عمر فريق الأنصار بها هي نصوص من اختراع تلك المرحلة. ولو كانت هذه النصوص صحيحة ومعترف بها ما نازعهم أحد ولكانت قد حسمت الصراع في مهده..
        ويبدو أن اللغط والجدال حول أحقية أبي بكر بالخلافة قد امتد إلى فترات لاحقة مما استدعى الأمر إلى ضرورة اختراع أحاديث على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) تحدد الخلافة لابي بكر في صراحة ووضوح وترفع من مكانته. لينتج عنها صنع هالة مقدسة حول أبي بكر تمنع المساس به أو الخوض في شخصه وتقطع الطريق أما أية محاولات لإعادة قراءة مرحلة السقيفة...(39).
        ونفس هذا الأمر قد تم تطبيقه مع الخليفة الثاني حيث اخترعت له الكثير من المناقب التي رفعته حتى فوق الرسول نفسه أو ساوته به...(40).
        وقاموا بنفس الأمر مع الخليفة الثالث غير أن ممارساته ومواقفه المخالفة للكتاب والسنة والمضرة بمصالح المسلمين قد فضحته وعرته...(41).
        أما الإمام علي فقد فعلوا معه العكس من ذلك وبدلا من أن يضفوا عليه المناقب كما فعلوا مع السابقين. قاموا بالطعن في المناقب الواردة فيه والعمل على التقليل من شأنه بمساواته بمعاوية واعتبار الخارجين على حكمه بمثابة المجتهدين المأجورين..(42).
        الملاحظة الرابعة: أين الإمام علي..؟
        إن المتتبع لأحداث السقيفة يكتشف غياب كثير من الرموز البارزة من الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي فأين كان هؤلاء ولماذا انشغلوا عن هذا الحدث الضخم وهو اختيار خليفتهم؟ ... أين أبو ذر. وأين المقداد. وأين الزبير. وأين جابر بن عبد الله. وأين أبي بن كعب وبلال بن رباح وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وعمار بن ياسر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والبراء بن مالك وخباب بن الأرت ورفاعه بن مالك وأبي الطفيل عامر بن وائلة وغيرهم..
        لقد كان اختفاء كل هؤلاء من سقيفة بني ساعدة عامل قلق لفريق عمر. حيث أن هذه الشخصيات الغائبة لها وزنها وفاعليتها ومن الممكن ان تشكل تحديا لهذا الفريق مستقبلا..
        تروي الروايات أن الإمام ومعه عصبة من الصحابة كان مشغولا بتجهيز الرسول للدفن بينما كان القوم يتصارعون على الخلافة في السقيفة...(43).
        والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من أخلاق المسلمين أن يتركوا رسولهم في مثل هذا الحال ويتصارعوا على الحكم...؟.
        اين ما تعلموه من الرسول اذن..؟.
        لقد ترك الرسول في حياته في مواقف كثيرة من قبل هؤلاء الناس.
        ترك في أحد.
        وترك في مسجده وهو يخطب فيهم ونزل فيهم قوله تعالى: (وتركوك قائما) وترك وهو يلفظ أنفاسه وطلب منهم إحضار قلم وقرطاس ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا.
        وترك بعد وفاته...(44).
        ومثل هذا السلوك إن دل على شيء فإنما يدل على مدى استحكام أمر الدنيا وطغيانها على كثير من هؤلاء..
        ولعل هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
        الملاحظة الخامسة: بيعه أبي بكر كانت فلتة.. لماذا..؟
        الحمد لله أن هذه المقالة جاءت على لسان عمر مدبر أحداث السقيفة وقاطف ثمرتها ولو كانت قد جاءت على لسان سواه لكان للقوم فيها كلام آخر..
        لقد قال عمر مانصه: ألا أن بيعة أبا بكر كانت فلتة وقى الله الأمة شرها. فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فأيما رجل بايع من غير مشورة من المسلمين فإنهما تغرة أن يقتلا...(45).
        أليس هذا اعتراف صريح من عمر بأن ما حدث في السقيفة كان أمرا بعيدا عن الشورى بل كان بعيدا عن روح الإسلام بحيث يوجب على فاعله القتل تقديرا لخطورته وجسامته وآثاره الوخيمة على الأمة....
        ان قول عمر هذا يؤكد ان حروب الردة ومانعى الزكاة التي خاضتها فوات أبو بكر بقيادة خالد بن الوليد لم تكن في حقيقتها سوى حركة تمرد على حكم أبي بكر: وقد تكون هناك حالة ردة من البعض إلا أن الظاهر أن هذا الصدام العسكري كانت له اسبابه القبلية ولعل خالد وتجاوزته في مواجهة هذه الانتفاضة ما يدعم هذا التصور..(46).
        وكان مناسبة هذا الكلام كما يروي البخاري أن عمر بلغه كلام إناس يقولون لو مات مات عمر لتولاها فلان. فقام عمر خطيبا وقال هذا الكلام...(47).
        فهل كان المقصود من كلام عمر هذا هو ردع اتجاه برز في المدينة ينادي بالشورى ويطعن في أحداث السقيفة وطريقة اختيار الخليفة الأول..؟
        لا يعنينا هنا بقدر كبير الإجابة على هذا السؤال وأن كانت إجابته واضحة. وإنما يعنينا هو اعتراف عمر بأنه بيعة أبا بكر كانت فلتة وكان من الممكن أن تكون لها آثارا خطيرة على الأمة لولا لطف الله. فإن كلام عمر هذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أن بيعته هو أيضا كانت فلتة..
        فلماذا قال عمر عن بيعة أبي بكر أنها كانت فلتة ونسى أنه استخلف بوصية منه...؟
        ويروى البخاري أن عمر قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يدبرنا. فإن يك قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا. وأن أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين. فإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه.
        وقال عمر لأبي بكر إصعد المنبر. فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة...(48).
        ورواية البخاري المذكورة تعطينا إشارات جديدة حول موقف عمر وكونه المحرك الأول لعلمية اختيار أبي بكر. وهي تكشف لنا من وجه آخر أن أبا بكر قد أقحم في الأمر ولم تكن له رغبة فيه وهذا واضح من إلحاح عمر عليه بالصعود إلى المنبر ليبايعه الناس. وهذه إشارة إلى كونه غير منصوص عليه بشيء وأن الأمر لا يخرج عن كونه محاولة استثمار لظرف طارئ...
        وهذا أبو بكر يقول: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا..
        فإذا كان أبو بكر قد تنازل عن ترشيح نفسه وقدم عمر وأبو عبيده ألا يدل هذا على أن الأمر لا يخرج عن كونه مواقف فردية ارتجلت في حينها لمواجهة الأنصار..؟
        وإذا ما تأملنا قول عمر: وأنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر إنا خشينا إن فارقنا القوم – الأنصار - ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة. فإما أن نبايعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون الفشل..
        وتأمل قوله وهو في الطريق إلى السقيفة ومعه أبو بكر وأبو عبيدة محدثا نفسه: كنت أزور في نفسي كلاما في الطريق فلما وصلنا السقيفة أردت أن أتكلم. فقال أبو بكر. مه ياعم... وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب...
        من هذه الروايات نخلص إلى أن الأمر كان من ترتيب القوم بزعامة عمر ولم يكن له وجهه الشرعي ويتضح هذا الأمر من قول عمر حين وفاته: لو كان سالم مولى حذيفة حيا لوليته وسالم هو عتيق حذيفة. وهو بذه يخالف نص الإمامة في قريش ويناقض نفسه حين احتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع ان تولي أمورها من كانت النبوة فيهم.

        الهوامش:
        1- انظر نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري.
        2- انظر فتح الباري شرح البخاري ج7/ 30 وما بعدها وج 13/ 206 وما بعدها وانظر كتب التاريخ...
        3- لم تكشف لنا الروايات ما كان مشغولا به أبو بكر في بيته بينما الرسول يجهزه للدفن الإمام علي.
        4- انظر المراجع السابقة ومروج الذهب للمسعودي والبداية والنهاية لابن كثير...
        5- المراجع السابقة.
        6- المراجع السابقة.
        7- المراجع السابقة.
        8- المراجع السابقة.
        9- المراجع السابقة.
        10- انظر مروج الذهب والإمامة والسياسة لابن قتيبة وتاريخ اليعقوبي.
        11- المراجع السابقة.
        12- انظر الاستيعاب هامش الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر...
        13- انظر مروج الذهب..
        14- المراجع السابقة. والمقصود بالثمرة آل البيت...
        15- انظر مسلم كتاب الجهاد والسير والبخاريز
        16- إنظر فتح الباري ج7/ 105.. وانظر تفاصيل الصدام بين فاطمة وأبي بكر في البداية والنهاية لابن كثير ح6. وكتب التاريخ الأخرى. وكان الهدف عن حجب ميراث فاطمة هو محاصرة آل البيت اقتصاديا من أجل اضعافهم. ومما يدل على ان موقف أبو بكر هذا نابع من القبلية والسياسة أن عمر بن عبد العزيز رد ميراث فدك لآل البيت. ويلاحظ أن موقف أبو بكر هذا مخالف لنصوص القرآن مثل قوله تعالى(وورث سليمان داود) وقوله(يرثني ويرث آل يعقوب)...
        17- - انظر تاريخ الطبري ح3/ 198/ والملل والنحل للشهرستاني ح1/ 75 والامامة والسياسة لابن قتيبة ح1/ 12. وتاريخ ابي الفداء ح1/ 156 واليعقوبي2/ 105...
        18- انظر تاريخ الطبري...
        19- انظر الطبري ومروج الذهب للمسعودي.
        20- انظر مروج الذهب.
        21- انظر الطبري ج2/ 449 الاستيعاب لابن عبد البر.
        22- انظر الطبري..
        23- نهج البلاغة ح..1/ خطبة رقم3.
        24- انظر مسند أحمد ح3/ 82.
        25- انظر مسلم بشرح النووي ج3..
        26- انظر البخاري كتاب الفتن والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يصرح بهم أبو هريرة؟ وفي هذا النص إشارة إلى ردة الصحابة من بعد الرسول. انظر احاديث الحوض في البخاري...
        27- المرجع السابق.
        28- انظر مسلم.
        29- انظر تفسير الكشاف للزمخشري وكتب التفسير الأخرى..
        30- انظر رواية البخاري في حذيفة صاحب سر رسول الله(صلى الله عليه وآله) كتاب فضائل الصحابة. ورواية كان الناس يسألون الرسول عن الخير وكنت أسأله عن الشر. كتاب الفتن. وانظر المحطة الخامسة من ها الكتاب.
        31- انظر لنا كتاب الخدعة. وكتاب عقائد السنة وعقائد الشيعة... وانظر المحطة الخامسة من هذا الكتاب.
        32- نهج البلاغة ج1 خطبة رقم3.
        33- انظر البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضل ابي بكر.
        34- سورة آل عمران.
        35- انظر فتح الباري شرح البخاري ح7/ 32.
        36- المرجع السابق...
        37- اليخاري كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر..
        38- انظر كتاب العواصم من العواصم لأبي بكر بن العربي، وهو كتاب يضفي صفة العدالة على جميع الصحابة ويقوم بتأويل النصوص الواردة في ذمهم وتبرير الأحداث التي ارتبطوا بها بمالا بمسهم وبما يخدم الخط الأموي. انظر فتاوى ابن تيمية ح35، وابن كثير البداية والنهاية، وانظر المحاطات القادمة من الكتاب...
        39- انظر البخاري ومسلم باب فضل ابي بكر. ومن هذه الروايات: أتت امرأة إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فأمرها أن ترجع إليه. فقال أرايت ان جئت ولم أجدك.. قال: النبي: ان لم تجديني فأتى أبا بكر.
        وعلى لسان الإمام علي رواية تقول سئل الإمام من ولده ابن الحنفية أي الناس خير بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: أبو بكر. قال ثم من ؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت. قال: ما أنا ولا رجل من المسلمين...
        40- انظ البخاري ومسلم. ومن هذه الروايات قول الرسول(صلى الله عليه وآله) لعمر: ... مالقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. وقول الرسول فيه: لم أر عبقريا يفري فريه. وقوله كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا انبياء فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر. انظر لنا كتاب الخدعة. وانظر المحطة القادمة...
        41- انظر مناقب عثمان في البخاري ومسلم وشرحيهما لابن حجر والنووي. وأنظر كتاب الخدعة والمحطة الرابعة.
        42- انظر مناقب الإمام علي في المرجعين السابقين. وانظر الخدعة والمحطة الخامسة.
        43- انظر كتب التاريخ.
        44- انظر كتب السيرة والتاريخ وتفسير سورة الجمعة وراجع باب وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله).
        45- انظر البخاري كتاب المحاربين ومسند أحمد ح1 وفتح الباري ح12.
        46- انظر حوادث الردة في عصر أبي بكر في كتب التاريخ. وقصة خالد مع مالك بن نويره.
        47- انظر البخاري وفتح الباري ج7 كتاب فضائل الصحابة.
        48- المرجع السابق.

        تعليق


        • #34
          خالد بن الوليد سيف الشيطان المسلول

          سار خالد بن الوليد يريد البطاح..
          حتى قدمها فلم يجد بها أحدا..
          وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس، فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر ، فتفرقوا على ذلك..
          ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب، وإن إمتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يأذنوا ويقيموا إذا نزلوا منزلا فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة ثم تقتلوا كل قتلة، الحرق فما سواه، إن أجابوكم إلى داعية الاسلام فسائلوهم فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شئ إلا الغارة، ولا كلمة، فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع من عاصم وعبيد وعرين وجعفر فاختلفت السيرة فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا و صلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ وجعلت تزداد بردا، فأمر خالد مناديا فنادى: أدفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال أبو قتادة: هذا عملك ؟ فزبره خالد فغضب ومضى.
          وفي تاريخ أبي الفدا: كان عبد الله بن عمرو أبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما.
          فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا.
          فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه .
          فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك فقال: يا عمر ! تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفا سله الله على الكافرين .
          وفي لفظ الطبري وغيره: إن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا، وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا، وكان ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي، وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها، وكان يحدث أنهم لما غشوا لقوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح، قال: فقلنا: إنا المسلمون.
          فقالوا: ونحن المسلمون، قلنا: فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ قلنا: فإن كنتم كما تقولون ؟ فضعوا السلاح . قال: فوضعوها ثم صلينا وصلوا، وكان خالد يعتذر في قتله: إنه قال وهو يراجعه : ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا. قال: أو ما تعده لك صاحبا. ثم قدمه فضرب عنقه وعنق أصحابه .
          فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحصلها ثم قال: أرئاء ؟ قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد بن وليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك.
          قال فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر، وعمر جالس في المسجد فقال خالد: هلم إلي يا بن أم شملة ؟ قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه ودخل بيته .
          وقال سويد: كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعرا وإن أهل العسكر اثفوا برؤوسهم القدور فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكا فإن القدر نضجت وما نزج رأسه من كثرة شعره، وقى الشعر البشر حرها أن يبلغ منه ذلك .
          وقال ابن شهاب: إن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس، فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب اثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلى شؤون رأسه .
          وقال عروة: قدم أخو مالك متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم فكتب له برد السبي، وألح عليه عمر في خالد أن يعزله، وقال: إن في سيفه رهقا.
          فقال: لا يا عمر ! لم أكن لاشيم سيفا سله الله على الكافرين .
          وروى ثابت في الدلائل: إن خالدا رأى امرأة مالك وكانت فائقة في الجمال فقال مالك بعد ذلك لامرأته: قتلتيني.
          يعني سأقتل من أجلك(1) ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي: إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد: أقتلتني.
          أي عرضتني بحسن وجهك للقتل لوجوب الدفع عنك، والمحاماة عليك، وكانت جميلة حسناء تزوجها خالد بعد قتله فأنكر ذلك عبد الله بن عمر. وقيل فيه :

          أفـــــي الحـــق أنا لم تجف دماؤنا وهذا عروسا باليمامة خالد ؟(2)

          وفي تاريخ ابن شحنة هامش الكامل 7 ص 165: أمر خالد ضرارا بضرب عنق مالك فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني.
          وكانت في غاية الجمال ، فقال خالد: بل قتلك رجوعك عن الاسلام فقال مالك: أنا مسلم.
          فقال خالد: يا ضرار ! إضرب عنقه فضرب عنقه وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي :

          ألا قـــــل لحي أوطـؤا بالسنابك تطاول هــذا الليل من بعد مالك

          قــــضى خالد بغيا عليه بعرسهوكـــــان له فيها هوى قبل ذلك
          فأمضى هواه خالد غير عاطفعـنان الهوى عنها ولا متمالك
          وأصبـــح ذا أهل وأصبح مالكإلى غير أهل هالكا في الهوالك

          فلما بلغ ذلك أبا بكر وعمر قال عمر لأبي بكر: إن خالدا قد زنى فاجلده. قال أبو بكر: لا، لأنه تأول فأخطأ قال: فإنه قتل مسلما فاقتله. قال: لا، إنه تأول فأخطأ . ثم قال: يا عمر ! ما كنت لأغمد سيفا سله الله عليهم، ورثى مالكا أخوه متمم بقصائد عديدة. وهذا التفصيل ذكره أبو الفدا أيضا في تاريخه 1: 158 .
          وفي تاريخ الخميس 2: 233: اشتد في ذلك عمر وقال لأبي بكر: ارجم خالدا فإنه قد استحل ذلك، فقال أبو بكر: والله لا أفعل، إن كان خالد تأول أمرا فأخطأ وفي شرح المواقف: فأشار عمر على أبي بكر بقتل خالد قصاصا، فقال أبو بكر: لا أغمد سيفا شهره الله على الكفار.
          وقال عمر لخالد: لئن وليت الأمر لأقيدنك به .
          وفي تاريخ ابن عساكر 5: 112: قال عمر: إني ما عتبت على خالد إلا في تقدمه وما كان يصنع في المال.
          وكان خالد إذا صار إليه شيئ قسمه في أهل الغنى ولم يرفع إلى أبي بكر حسابه، وكان فيه تقدم على أبي بكر يفعل الأشياء التي لا يراها أبو بكر ، وأقدم على قتل مالك بن نويرة ونكح امرأته، وصالح أهل اليمامة ونكح ابنة مجاعة بن مرارة، فكره ذلك أبو بكر وعرض الدية على متمم بن نويرة وأمر خالدا بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يعزله وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد ] .

          قال الأميني:
          يحق على الباحث أن يمعن النظرة في القضية من ناحيتين .
          الناحية الأولى:
          ما ارتكبه خالد بن الوليد من الطامات والجرائم الكبيرة التي تنزه عنها ساحة كل معتنق بالاسلام، وتضاد نداء القرآن الكريم والسنة الشريفة، ويتبرأ منها و ممن اقترفها من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر.
          أيحسب الانسان أن يترك سدى ؟ (3) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ؟(4) أم: حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ؟(5) بأي كتاب أم بأية سنة ساغ للرجل سفك تلكم الدماء الزكية من الذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا سبيل الحق وصدقوا بالحسنى، وأذنوا وأقاموا وصلوا وقد علت عقيرتهم: بأنا مسلمون، فما بال السلاح معكم ؟ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم(6).
          ما عذر الرجل في قتل مثل مالك الذي عاشر النبي الأعظم، وأحسن صحبته، واستعمله صلى الله عليه وآله على صدقات قومه، وقد عد من أشراف الجاهلية والاسلام، ومن أرداف الملوك.
          ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا(7).
          ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها [ النساء: 93 ] .
          وما ذا أحل للرجل شن الغارة على أهل أولئك المقتولين وذويهم الأبرياء و إيذائهم وسبيهم بغير ما اكتسبوا إثما، أو اقترفوا سيئة، أو ظهر منهم فساد في الملأ الديني ؟ الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا(8).
          ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس الاسلام، وتعذيب رؤس أمة مسلمة، وجعلها أثفية للقدر وإحراقها بالنار ؟ فويل للقاسية قلوبهم، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم .
          ما خالد وما خطره بعد ما اتخذ إلهه هواه، وسولته نفسه، وأضلته شهوته ، وأسكره شبقه ؟ فهتك حرمات الله، وشوه سمعة الاسلام المقدس، ونزى على زوجة مالك قتيل غيه في ليلته(9) إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، ولم يكن قتل الرجل إلا لذلك السفاح، وكان أمرا مشهودا وسرا غير مستسر، وكان يعلمه نفس مالك ويخبر زوجته بذلك قبل وقوع الواقعة بقوله إياها: أقتلتني.
          فقتل الرجل مظلوما غيرة و محاماة على ناموسه.
          وفي المتواتر: من قتل دون أهله فهو شهيد(10) وفي الصحيحة من قتل دون مظلمته فهو شهيد(11).
          والعذر المفتعل من منع مالك الزكاة لا يبرئ خالدا من تلكم الجنايات، أيصدق جحد الرجل فرض الزكاة ومكابرته عليها وهو مؤمن بالله وكتابه ورسوله ومصدق بما جاء به نبيه الأقدس، يقيم الصلاة ويأتي بالفرائض بأذانها وإقامتها، وينادي بأعلى صوته: نحن المسلمون، وقد استعمله النبي الأعظم على الصدقات ردحا من الزمن ؟ لا ها الله .
          أيوجب الردة مجرد امتناع الرجل المسلم الموحد المؤمن بالله وكتابه عن أداء الزكاة لهذا الانسان بخصوصه وهو غير منكر أصل الفريضة ؟ أو يحكم عليه بالقتل عندئذ ؟ وقد صح عن المشرع الأعظم قوله: لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاثة: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة(12).
          وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس(13).
          وقوله صلى الله عليه وآله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله(14).
          وعهد أبو بكر نفسه لسلمان بقوله: من صلى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمة الله ويمسي في ذمة الله تعالى فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله فتخفر الله في ذمته فيكبك الله في النار على وجهك(15).
          أيسلب امتناع الرجل المسلم عن أداء الزكاة حرمة الاسلام عن أهله وماله وذويه ويجعلهم أعدال أولئك الكفرة الفجرة الذين حق على النبي الطاهر شن الغارة عليهم ؟ ويحكم عليهم بالسبي والقتل الذريع وغارة ما يملكون، والنزو على تلكم الحرائر المأسورات ؟ وأما ما مر من الاعتذار بأن خالدا قال: أدفئوا أسراكم وأراد الدفء وكانت في لغة كنانة: القتل.
          فقتلوهم فخرج خالد وقد فرغوا منهم.
          فلا يفوه به إلا معتوه استأسر هواه عقله، وسفه في مقاله، لماذا قتل ضرار مالك بتلك الكلمة وهو لم يكن من كنانة ولا من أهل لغتها ؟ بل هو أسدي من بني ثعلبة، ولم يكن أميره يتكلم قبل ذلك اليوم بلغة كنانة .
          وإن صحت المزعمة فلما ذا غضب أبو قتادة الأنصاري على خالد وخالفه وتركه يوم ذاك وهو ينظر إليه من كثب، والحاضر يرى ما لا يراه الغائب ؟ ولماذا اعتذر خالد بأن مالكا قال: ما أخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا ؟ وهذا اعتراف منه بأنه قتله غير أنه نحت على الرجل مقالا، وهو من التعريض الذي لا يجوز القتل " بعد تسليم صدوره منه " عند الأمة الإسلامية جمعاء، والحدود تدرأ بالشبهات .
          ولماذا رآه عمر عدوا لله، وقذفه بالقتل والزنا ؟ وإن لم يفتل ذلك ذؤابة(16) أبي بكر .
          ولماذا هتكه عمر في ملأ من الصحابة بقوله إياه: قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك ؟ .
          ولماذا رأى عمر رهقا في سيف خالد وهو لم يقتل مالكا وصحبه وإنما قتلتهم لغة كنانة ؟ ولماذا سكت خالد عن جوابه ؟ وما أخرسه إلا عمله، إن الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره .
          ولماذا صدق أبو بكر عمر بن الخطاب في مقاله ووقيعته على خالد وما أنكر عليه غير أنه رآه متأولا تارة، ونحت له فضيلة أخرى ؟ ولماذا أمر خالد بالرؤس فنصبت أثفية للقدور، وزاد وصمة على لغة كنانة ؟ ولماذا نزى على امرأة مالك، وسبى أهله، وفرق جمعه، وشتت شمله، وأباد قومه، ونهب ماله ؟ أكل هذه معرة لغة كنانة ؟ ولماذا ذكر المؤرخون أن مالكا قتل دون أهله محاماتا عليها ؟ ولماذا أثبت المترجمون ذلك القتل الذريع على خالد دون لغة كنانة، وقالوا في ترجمة ضرار وعبد بن الأزور: إنه هو الذي أمره خالد بقتل مالك بن نويرة(17) وقالوا في ترجمة مالك: إنه قتله خالد.
          أو: قتله ضرار صبرا بأمر خالد ؟(18) هذه أسؤلة توقف المعتذر موقف السدر، ولم يحر جوابا .
          ما شأن أبناء السلف وقد غررت بهم سكرة الشبق، وغالتهم داعية الهوى، وجاؤا لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ؟ فترى هذا يقتل مثل مالك ويأتي بالطامات رغبة في نكاح أم تميم .
          وهذا يقتل سيد العترة أمير المؤمنين شهوة في زواج قطام .
          وآخر(19) شن الغارة على حي من بني أسد فأخذ امرأة جميلة فوطئها بهبة من أصحابه، ثم ذكر ذلك لخالد فقال: قد طيبتها لك " كأن تلكم الجنود كانت مجندة لوطي النساء وفض ناموس الحرائر " فكتب إلى عمر فأجاب برضخه بالحجارة(20).
          وهذا يزيد بن معاوية يدس إلى زوجة ريحانة رسول الله الحسن السبط الزكي السم النقيع لتقتله ويتزوجها(21) أو فعله معاوية لغاية له كما يأتي .
          ووراء هؤلاء المعتدين قوم ينزه ساحتهم بأعذار مفتعلة كالتأويل والاجتهاد - وليتهما لم يكونا - وتخطأة لغة كنانة، والله يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين .

          الناحية الثانية :
          الثانية من الناحيتين التي يهمنا أن نولي شطرها وجه البحث تسليط الخليفة أولا أمثال خالد وضرار بن الأزور وشارب الخمور وصاحب الفجور(22) على الأنفس والدماء، على الأعراض ونواميس الاسلام، وعهده إلى جيوشه في حرق أهل الردة وقد عرفت النهي عنه في السنة الشريفة ص 155.
          وصفحه ثانيا عن تلكم الطامات والجنايات الفاحشة كأن لم تكن شيئا مذكورا، فما سمعت أذن الدنيا منه حولها ركزا ، وما حكيت عنه في الانكار عليها ذأمة، وما رأى أحد منه حولا .
          لِم لَم يؤاخذ الخليفة خالدا بقتل مالك وصحبه المسلمين الأبرياء، وقد ثبت عنده كما يلوح ذلك عن دفاعه عنه ومحاماته عليه ؟ لم لم يقتص منه قصاص القاتل ؟ ولم يقم عليه جلدة الزاني ؟ ولم يضربه حد المفتري ؟ ولم يعزره تعزيز المعتدي على ما ملكته أيدي أولئك المسلمين ؟ لم لم ير عزل خالد وقد كره ما فعله، وعرض الدية على متمم بن نويرة أخي مالك ؟ وأمر خالدا بطلاق امرأة مالك كما في الإصابة 1 ص 415 ؟ دع هذه كلها ولا أقل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوبيخ الرجل وعتابه على تلكم الجرائم، وأقل الإنكار كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة .
          ما للخليفة يتلعثم ويتلعذم في الدفاع عن خالد وجناياته ؟ فيرى تارة أنه تأول وأخطأ، ويعتذر أخرى بأنه سيف من سيوف الله، وينهي عمر بن الخطاب عن الوقيعة فيه، ويأمره بالكف عنه وصرف اللسان عن مغايطته، ويغضب على أبي قتادة لإنكاره على خالد كما في شرح ابن أبي الحديد 4: 187 .
          ونحن نقتصر في البحث عن هذا الجانب على توجيه القارئ إليه، ولم نذهب به قصاه، ولم نبتغ فيه مداه، إذ لم نر أحدا تخفى عليه حزازة أي من العذرين، هلا يعلم متشرع في الاسلام أن تلكم الطامات والجرائم الخطيرة لا يتطرق إليها التأول والاجتهاد ؟ ولا يسوغ لكل فاعل تارك أن يتترس بأمثالهما في معراته، ويتدرع بها في أحناثه، ولا تدرأ بها الحدود، ولا تطل بها الدماء، ولا تحل بها حرمات الحرائر، و لا يرفض لها حكم الله في الأنفس والأعراض والأموال، ولم يضح الحاكم لمدعيها كما ادعى قدامة بن مظعون في شربه الخمر بأنه تأول واجتهد فأقام عمر عليه الحد وجلده ولم يقبل منه العذر. كما في سنن البيهقي 8: 316 وغيره .
          وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن محارب ين دثار: إن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله شربوا الخمر بالشام وقالوا: شربنا لقول الله: ليس على الذين آمنوا وعملوا - الصالحات جناح فيما طعموا. الآية. فأقام عمر عليهم الحد(23).
          وجلد أبو عبيدة أبا جندل العاصي بن سهيل وقد شرب الخمر متأولا لقوله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا. الآية: كما في الروض الأنف للسهيلي 2: 231 .
          وهل يرتاب أحد في أن سيفا سله المولى سبحانه لا يكون فيه قط رهق ولا شغب، ولا تسفك به دماء محرمة، ولا تهتك به حرمات الله، ولا يرهف لنيل الشهوات ، ولا ينضى للشبق، ولا يفتك به ناموس الاسلام، ولا يحمله إلا يد أناس طيبين، و رجال نزهين عن الخنابة والعيث والفساد ؟ فما خالد وما خطره حتى يهبه الخليفة تلك الفضيلة الرابية ويراه سيفا سله الله على أعداءه، وهو عدو الله بنص من الخليفة الثاني كما مر في ص 159 ؟ أليست هذه كلها تحكما وسرفا في الكلام، وزورا في القول، واتخاذ الفضائل في دين الله مهزئة ومجهلة ؟ كيف يسعنا أن نعد خالدا سيفا من سيوف الله سله على أعداءه ؟ وقد ورد في ترجمته وهي بين أيدينا: إنه كان جبارا فاتكا، لا يراقب الدين فيما يحمله عليه الغضب وهوى نفسه، ولقد وقع منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله مع بني جذيمة بالغميصا أعظم مما وقع منه في حق مالك بن نويرة وعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن غضب عليه مدة وأعرض عنه، وذلك العفو هو الذي أطمعه حتى فعل ببني يربوع ما فعل بالبطاح(24).
          إن كان عفو النبي الأعظم عن الرجل ما غضب عليه وأخذه بذنبه، وأعرض عنه، ردحا من الزمن أطمعه حتى فعل ما فعل، فانظر ماذا يصنع صفح الخليفة عنه من دون أي غضب عليه وإعراض عنه ؟ وما الذي يأثر دفاعه عنه من الجرأة والجسارة، في نفس الرجل ونفوس مشاكليه من أناس العيث والفساد، وشعب الشغب والفتن ؟ أنى لنا أن نرى خالدا سيفا سله الله على أعدائه وفي صفحة التاريخ كتاب أبي بكر إليه وفيه قوله: لعمري يا ابن أم خالد ! إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد(25) كتبه إليه لما قال خالد لمجاعة: زوجني ابنتك فقال له مجاعة: مهلا إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك قال: أيها الرجل زوجني فزوجه فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه الكتاب فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا عمل الأعيسر. يعني عمر بن الخطاب .
          وليست هذه بأول قارورة كسرت في الاسلام بيد خالد، وقد صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنكرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتبرأ صلى الله عليه وآله من صنيعه.
          قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا ، ومعه قبائل من العزب فوطئوا بني جذيمة ابن عامر فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا .
          قال: حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال: لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم(26): ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الاسئار، وما بعد الاسئار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم ! أتريد أن تسفك دمائنا إن الناس قد أسلموا، ووضعوا السلاح، ووضعت الحرب، وأمن الناس ؟ فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم السلاح لقول خالد، فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال: أللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.
          قال أبو عمر في الاستيعاب 1: 153 هذا من صحيح الأثر .
          قال ابن هشام: حدث بعض أهل العلم عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأني لقمت لقمة من حيس(27) فالتذذت طعمها فاعترض في حلقي منها شيئ حين ابتلعتها فأدخل علي يده فنزعه.
          فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله ! هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله .
          قال ابن إسحاق: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: يا علي ! اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك.
          فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى أنه ليدى لهم ميلغة(28) الكلب إذا لم يبق شيئ من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال.
          فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم(بقية من) دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا: لا.
          قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت .
          قال: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى ما تحت منكبيه يقول: أللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن وليد. ثلاث مرات .
          وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن ابن عوف: عملت بأمر الجاهلية في الاسلام(29) وفي الإصابة: أنكر عليه عبد الله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة، وقد تعد هذه الفضيحة أيضا من جنايات لغة كنانة كما في الإصابة 2: 81 .
          فهذا الرهق والسرف في سيف خالد على عهد أبي بكر من بقايا تلك النزعات الجاهلية،
          وهذه سيرته من أول يومه، فأنى لنا أن نعده سيفا من سيوف الله
          وقد تبرأ منه نبي الاسلام الأعظم غير مرة، مستقبل القبلة شاهرا يديه
          وأبو بكر ينظر إليه من كثب؟!!!


          (1) تأريخ الطبري 3 ص 241، تأريخ ابن الأثير 3 ص 149، أسد الغابة 4: 295 ، تأريخ ابن عساكر 5 ص 105، 112، خزانة الأدب 1: 237، تأريخ ابن كثير 6 ص 321 ، تاريخ الخميس، 2: 233، الإصابة ج 1 ص 414 و ج ص 357 .
          (2) الفائق 2 ص 154، النهاية 3 ص 257، تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 158، تاج العروس 8 ص 75.
          (3) سورة القيامة آية: 3.
          (4) سورة البلد آية: 5 .
          (5) سورة العنكبوت آية 4.
          (6) سورة آل عمران آية: 188.
          (7) سورة المائدة آية: 32.
          (8) سورة الأحزاب آية: 58 .
          (9) الصواعق ص 21، تاريخ الخميس 2: 333 .
          (10) مسند أحمد 1 ص 191، نص على تواتره المناوي في الفيض القدير 6 ص 195 .
          (11) أخرجه النسائي والضياء المقدسي كما في الجامع الصغير، وصححه السيوطي راجع الفيض القدير 6 ص 195.
          (12) صحيح البخاري 10: 63 كتاب المحاربين. باب: قول الله تعالى إن النفس بالنفس، صحيح مسلم 2: 37، الديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 10، سنن أبي داود 2: 219 سنن ابن ماجة 2: 110 ، مصباح السنة 2: 50، مشكاة المصابيح ص 291 .
          (13) الديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 9، سنن ابن ماجة 2: 110، سنن البيهقي 8: 19 .
          (14) صحيح مسلم 1: 30، الديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 17، 18 سنن ابن ماجة 2 : 457، خصايص النسائي ص 7، سنن البيهقي 8: 19، 196 .
          (15) أخرجه أحمد في الزهد كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 70.
          (16) مثل يضرب يقال: فتل ذؤابة فلان. أي أزاله عن رأيه.
          (17) الاستيعاب 1: 338، أسد الغابة 3: 39، خزانة الأدب للبغدادي 2: 9، الإصابة 2: 209.
          (18) الإصابة 3: 357، مرآت الجنان 1: 62 .
          (19) هو ضرار بن الأزور زميل خالد بن الوليد وشاكلته في النزو على الحرائر .
          (20) تاريخ ابن عساكر 7: 31، خزانة الأدب 2: 8، الإصابة 2: 209 .
          (21) تاريخ ابن عساكر 4: 226 .
          (22) تاريخ ابن عساكر 7: 30، خزانة الأدب 2: 8، الإصابة 2: 209.
          (23) الدر المنثور 2: 321 .
          (24) شرح ابن أبي الحديد 4 ص 187.
          (25) تاريخ الطبري 3 ص 254، تاريخ الخميس 3: 343 .
          (26) في الإصابة جحدم. في 1 ص 227 وجذيم بن الحارث في 1 ص 218. والصحيح هو الأول.
          (27) الحيس. بفتح فسكون أن يخلط السمن والتمر والأقط فيؤكل. والأقط: ما يعقد من اللبن ويجفف.
          (28) الميلغة: خشبة تحفر ليلغ فيها الكلب .
          (29) سيرة ابن هشام 4 ص 53 - 57، طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 659، صحيح البخاري شطرا منه في كتاب المغازي باب بعث خالد إلى بني جذيمة، تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 145 ، أسد الغابة 3: 102، الإصابة 1 ص 318، ج 2 ص 81.

          تعليق


          • #35
            خالد بن الوليد ... إرهاب ... غدر ... اغتصاب
            <B> يواجه الدارس للتاريخ الإسلامي صعوبات كثيرة في الوصول إلى حقيقة الأحداث التي جرت على طول هذا التاريخ، وذلك بسبب إخفاء كثير من حقائقه، وتشويه الباقي منها بتقطيع أوصالها بحيث تغدو نتفاً يصعب الربط بينها ربطاً سليماً موثوقاً، وكذلك مزج هذه النتف المتبقية بروايات مزورة كثيرة إرضاء للحكام، بحيث تصبح عملية غربلة هذه الروايات، وتمييز غثها من السمين، والصحيح منها من المزور أمراً في غاية الصعوبة، مما يبلبل آراء الناس حيال هذه الأحداث، ويفتح المجال للتحليلات المتناقضة وفق الميول والأهواء السياسية والعقائدية.
            هذه التشويهات أدت إلى تغييب التاريخ الإسلامي عملياً، ووقفت في وجه استخلاص العبر والدروس من هذا التاريخ المغيب، وبالتالي قطعت الأجيال الحاضرة من المسلمين عن ماضيها، وأوحت لها بالإحساس الأليم بأنها أجيال يتيمة مقطوعة الجذور عن ماضيها وتاريخها. ولنأخذ قصة مالك بن نويرة مثالاً حياً على هذه القضية.

            - من هو مالك بن نويرة؟
            هو مالك بن نويرة التميمي اليربوعي، من كبار بني تميم وبني يربوع، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى لقد ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بيد الملهوف، وكانت له الكلمة الناقدة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته، وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً لم يتخلف منهم رجل واحد.
            وهو صحابي جليل قابل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسلم على يديه، ونال منزلة رفيعة لديه، حتى أن النبي نصبة وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثاقته واحتياطه وورعة(1).
            وكان مالك يعتقد بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) طبقاُ لآيات القرآن الكريم، وتبيان النبي (صلى الله عليه وآله) عن أمر ربه سبحانه وتعالى يوم غدير خم، والنبي عائد إلى المدينة المنورة بعد حجة الوداع - كما يسمونها - وهي حجة الإسلام التي لم يحج النبي سواها.
            ولذلك فإن مالكاً حين علم بتنصيب أبي بكر خليفة على المسلمين في سقيفة بني ساعدة، وإقصاء الإمام علي - صاحب الحق - المنصوص والأولوية المطلقة - عن إمرة المسلمين وإمامتهم، رفض الانقياد لأبي بكر، وامتنع عن بيعته ودفع الزكاة إليه(2). فأعاد أموال الزكاة لأصحابها من قومه وقال:
            فقلت خذوا أموالكم غير خائفٍ ولا ناظرٍ ماذا يجيء مع الغذ
            فإن قـام بالديـن المحوّق قائمٌ أطعنا وقلنا الدين دين محمد(3).

            - أحوال الناس وانقسامهم بعد رسول الله:
            بعد ما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتولى أبو بكر الخلافة بعده في تلك الداهية الدهياء، والطخية الظلماء المعروفة بسقيفة بني ساعدة، وامتناع طائفة من كبار الصحابة - مهاجرين وأنصاراً - عن بيعته، على رأسهم وصي رسول الله، الصّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، انقسم المسلمون خارج المدينة المنورة إلى ثلاثة أقسام:
            - قسم كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر، فلما توفي النبي ارتدوا مباشرة عن الإسلام وجيشوا الجيوش للانقضاض على المسلمين وإنهاء دولة الإسلام.
            - وقسم رفضوا مبايعة أبي بكر لعدم شرعية خلافته، ومخالفتها لتعاليم القرآن ووصايا الرسول بإمامة علي (عليه السلام)، وإلقاء مقاليد أمور المسلمين إليه.
            - وقسم لعلهم ظنوا عدم وجوب تسليم الزكاة للخليفة بعد رسول الله.
            وكان مالك بن نويرة من القسم الثاني كما قدمنا.

            - وصية أبي بكر لابن الوليد مواجهة هذه الأقسام:
            أمام هذا الواقع، وجه أبو بكر جيشاً كبيراً بقيادة خالد بن الوليد لقتال كل هذه الأقسام(4). وأوصاه قائلاً:
            (.. فإن أذّن القوم فكفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا فاقتلوا وانهبوا، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم).
            وفي رواية الطبري (فإن أقروا بالزكاة فأقبلوا منهم وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة ولا كلمة)(5).
            هذه الوصية تحمل في طياتها ميزانية للتعامل مع الناس وأقسامهم:
            الميزان الأول: يميز بين المسلمين وغيرهم من الكافرين والمرتدين، وهو ميزان صالح لو لم يعطل العمل به، ولو عمل به وحده - دون ضم الميزان الثاني إليه - لاستقامت الأمور في الجزيرة العربية، وأنهيت عملية الارتداء، ثم سوي بعد ذلك موضوع البيعة ودفع الزكاة إلى الخليفة دون الوقوع في دماء المسلمين وأعراضهم.
            الميزان الثاني: يميز بين من يقر بيعة أبي بكر من المسلمين ويدفع له الزكاة ومن لا يقر منهم البيعة ويمتنع عن دفع الزكاة له.
            وهذا الميزان في الحقيقة هو مصيبة المصائب، وداهية الدواهي النكراء، والجريمة الكبرى التي اقترفها أبو بكر، فأوقعت الدماء بين المسلمين أنفسهن، وقتل الصحابة بعضهم بعضاً، حتى قتل من المسلمين يومئذ خلق كثير.
            وهذا هو الميزان الذي استمر عملياً بين المسلمين كسنة من سنة أبي بكر، فلا يزال المسلمون منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وسيبقون إلى ما شاء الله، يقتتلون بينهم بموجب هذا الميزان الأخرق، وهذه السنة المبتدعة خلافاً لتعاليم الإسلام، ووصايا الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومنها (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل هذا القاتل يا رسول الله فما بال المقتول؟
            قال: كان أحرص على قتل صاحبه.
            فكل دم مسلم أهريق على يد مسلم فعلى أبي بكر وزره وإثمه، بسبب هذا الميزان الذي ابتدعه، وهذه السنة السيئة التي سنها خلافاً لأحكام الإسلام في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً، تبتغون عرض الدنيا، فعند الله مغانم كثيرة، كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم، فتبينوا، إن الله كان بما تعملون خبيراً)[سورة النساء: الآية 94]. وخلافاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصريحة، فيما أوصى به علياً يوم خيبر: (قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)(6).
            ولقد حاول عمر بن الخطاب ثني أبي بكر عن قتال ما نعي الزكاة، والاقتصار على حرب المرتدين عن الإسلام فقط، لكن أبا بكر أصر على ما عزم عليه من قتال الجميع قائلاً (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)(7).

            - خالد بن الوليد يقتل الصحابي مالك بن نويرة وينزو على زوجته:
            لما قدم خالد بن الوليد البطاح، بث السرايا وأمرهم بإعلان الأذان رمز الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يجب داعي الإسلام، وإن امتنع أن يقتلوه حسب الميزان الأول من وصية أبي بكر.
            فلما غشيت هذه السرايا قوم مالك بن نويرة تحت الليل، ارتاع القوم فأخذوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، فقالوا: إنا المسلمون. قال قوم مالك: ونحن المسلمون، قالوا: فما بال السلاح معكم؟ قال القوم: فما بال السلاح معكم أنتم؟ قالوا: فإن كنتم المسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح ثم صلى هؤلاء وأولئك، فلما انتهت الصلاة، باغتوهم وكتفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد، فسارع أبو عبادة الأنصاري (الحارث بن ربعي أخو بني سلمة) وعبد الله بن عمر بن الخطاب فدافعوا عن مالك وقومه وشهدوا لهم بالإسلام وأداء الصلاة، فلم يلتفت خالد لشهادتهما.
            وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد عن الإسلام بكلام بلغه أنه قاله، فانكر مالك ذلك وقال: أنا على دين الإسلام ما غيرت ولا بدلت - لكن خالد لم يصغ لشهادة أبي قتادة وابن عمر، ولم يلق أذناً لكلام مالك، بل أمر فضربت عنق مالك وأعناق أصحابه(8). وقبض خالد زوجته ليلي (أم تميم فنزا عليها في الليلة التي قتل فيها زوجها).
            وهنا يقفز إلى الذهن سؤالان:
            السؤال الأول: كيف سوغ خالد لنفسه قتل مالك بن نويرة وهو يعلن إسلامه ويؤكد أنه لم يغير ولم يبدل، وشهد له بذلك أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر؟ حتى أن أبا قتادة عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها(9) ، وأنه صحابي جليل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجواب سؤالنا هذا يكمن في:
            1- الميزان الثاني لأبي بكر، هذا الميزان المجافي للحق، والمائل عن جادة الصواب.
            2- النفسية الجاهلية الخشنة والمتعجلة التي صبغت حياة خالد بن الوليد حتى بعد إعلانه الإسلام. هذا الرجل الذي لم يعرف للدبلوماسية طريقاً، ولا للتروي سبيلاً، ولم يحمل في نفسه احتراماً لمبدأ الخضوع لمقاييس الحق والباطل. وكل ما يهمه أن يبطش بالناس بكل شدة وقسوة، ليسجل للتاريخ نصراً ولو على حساب موازين الحق ومبادئ الإسلام وقواعده.
            3- دوافع شخصية يمليها الهوى والانحراف عن الصراط المستقيم، وتزكي شعلتها النزوات والشهوات. وستتبين لنا هذه الدوافع عما قليل عند طرحنا السؤال الثاني.
            وهذه الواقعة لم تكن الأولى ولا الوحيدة في تاريخ خالد بن الوليد، فالتاريخ يحفظ له وقائع أخرى مماثلة، منها ما أخرجه ابن إسحاق عن أبي جعفر قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً ومعه قبائل من العرب… فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا، فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد)(10).
            وذلك أن خالد بن الوليد في هذه الواقعة:
            1- خدع القوم ومكر بهم، حتى وضعوا السلاح بعد أن اطمأنوا إليه، وظنوا أنه سيعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه، وهم قد أصبحوا جاهزين لذلك.
            2- لم يدعهم إلى الإسلام كما هو المتوقع من القوم وكما هي مهمته التي كلفه بها النبي، وإنما كتفهم وعرضهم على السيف فقتل من قتل منهم دون مبرر ولا داع لذلك.
            3- والأهم والأخطر أن ثارات الجاهلية وعصبياتها مازالت معششة في رأس خالد بن الوليد. قال ابن إسحاق: وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف - فيما بلغني - كلام في ذلك، قال عبد الرحمن: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام!! فقال [خالد]: إنما ثأرت لأبيك، قال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت لعمك الفاكه بن المغيرة(11).
            ولقد أغضب عمل خالد هذا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لدرجة أنه تبرأ علانية أمام الله والناس من هذا العمل الشنيع والجرم الفادح، ودعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فبعثة بمال كثير إلى بني جذيمة، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم (عليه السلام): هل بقي لكم دم أو مال في ذمة رسول الله؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مما لايعلم ولا تعلمون(12).
            السؤال الثاني:
            كيف سوغ ابن الوليد لنفسه الدخول بتلك المرأة المسلمة في الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة أمامها؟(13) وهي أسيرة مكتفة عنده لا تملك ردّه ولا دفعه عنها.
            ثم أدخل بها حين فعل ذلك زوجةً أم تسرّى بها جاريةً؟ وكيف فعل ذلك قبل أن تقضي عدتها وتستبرئ رحمها؟ وعدة المرأة المسلمة من الأحكام الشرعية الثابتة عند جميع المسلمين.
            أليست هي النزوة الطارئة والشهوة الجامحة والهوى الغالب، بعد أن أخذ بلبه جمالها وسحر فتنتها؟!.
            أليس هذا هو سر اختلاف الأعذار لقتل مالك كي يتوصل إلى زوجته الجميلة؟(14) ، لكن بأي شرع وبأي قانون فعل ذلك؟! إنه ليس سوى شرع الجاهلية وقانونها الفاسد.

            - موقف عمر وأبي بكر:
            أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون وغيره، أن عمر لما بلغة الخبر قال لأبي بكر: إنه زنى فارجمه، فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه، تأول فأخطأ، قال: فإنه قتل مسلماً فاقتله، قال: ما كنت لأقتله تأول فأخطأ، قال: فاعزله: قال: ما كنت لأشيم (أي لأغمد) سيفاً سلّه الله عليهم أبداً(15).
            فلننظر الآن:
            - إن كان موقف عمر من خالد في تلك الواقعة صحيحاً - وهو صحيح فعلاً - وكان اتهامه له بالقتل والزنى واقعاً - وهو واقع كما يؤكد التاريخ - فيكون أبو بكر قد أخطأ خطأً فادحاً يستحق عليه العذاب والعقاب من الله عز وجل يوم القيامة، لأنه فرط في حدود الله وتهاون في إنزال العقاب الذي يستحقه ابن الوليد من القتل أو الرجم لكن أبا بكر يعلم تمام العلم أن خالد بن الوليد - إضافة لدوافعه الشخصية الجاهلية - قد فعل ما فعل بموجب الميزان الثاني الذي أوصاه به أبو بكر، وهو لهذا السبب لا يستطيع أن يأخذه بجريرة هو سببها والدافع إليها ظاهراً، خلافاً لحكم الإسلام بأن من أدى الصلاة فهو مسلم وليس بكافر(16) ، والواقع أن أبا بكر نفسه مقتنع بإسلام مالك بن نويرة وقومه، بدليل أنه ردّ السّبي وأعطى الدية من بيت المال(17).
            - وإن كان موقف أبي بكر من خالد بن الوليد صحيحاً - وهو قطعاً ليس بصحيح - فقد أخطأ عمر باتهام خالد بالقتل والزنى وعليه حد القذف على أقل تقدير. فأي الخليفتين هو المخطئ وأيهما المصيب؟
            على أن عمر - وهذا خطأ جاهلي منه - لم يستطيع أن يتناسى هذا الردّ والانكسار الذي حلّ به أمام أبي بكر وابن الوليد، واشتدت الحفيظة في أعماق قلبه على ابن الوليد - لهذا السبب ولأسباب أخرى يروي المؤرخون أنها حدثت بينهما في الجاهلية - فما أن واتته الفرصة حين أصبح خليفة بعد أبي بكر، حتى بادر لعزله عن قيادة الجيش، وجعله مجرد جندي تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح، إلى أن مات حتف أنفه منفياً في حمص.
            والغريب أن عمر لم يقف مثل هذا الموقف، ولم يتبع هذه السنة مع معاوية بن أبي سفيان، وإنما أبقاه عاملاً له على دمشق سنين طويلة، ولم يعجزه بالعزل كما فعل مع غيره، مما أعان معاوية على طغيانه، ومهد لأن يقف معاوية في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الإمام الحسن (عليهما السلام)، وأن يغتصب خلافة المسلمين ويحولها إلى ملك عضوض، وأن يحكم الدولة الإسلامية حكماً قيصرياً استبدادياً، بقي سُنةً متبعة في المسلمين حتى يومنا الحاضر.
            ولكل هذه الأمور علل وأسباب، بعضها في الجاهلية وبعضها في الإسلام، لكن التاريخ غيبها عنا بما مارس من إخفاء وتقطيع للأوصال وتشويه للحقائق. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
            </B>

            الهوامش:
            1- وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6 ص 14 رقم 294 - الإصابة ج 5 ص 560.
            2- الفرقة الناجية للموسوي الشيرازي ص 129.
            3- الإصابة ج 5 ص 560.
            4- وقد سميت هذه الحروب فيما بعد بحروب الردة تمويهاً على الناس وطمساً لحقائق التاريخ ومستراً لفضائح أبي بكر وخالد بن الوليد.
            5- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 2 ص 272.
            6- صحيح البخاري ج 4 ص 1871.
            7- لقد أصر عمر على خلاف أبي بكر في قتال مانعي الزكاة، حتى أنه لما ولي الخلافة بعده رد عليهم ما أخذه أبو بكر منهم من الأموال - (انظر الفرقة الناجية ص 118 نقلاً عن السيد الشهرستاني).
            8- الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 224 - الإصابة ج 5 ص560 - مختار الأغاني ج 7 ص 105 حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 468 نقلاً عن كنز العمال ج 2 ص 122.
            9- الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 243.
            10- حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 424 - 425 وقد روى هذه الواقعة كل من البخاري والنسائي عن عبد الرزاق، وأحمد بن حنبل عن ابن عمر.
            11- حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 426 ينقله عن البداية ج 4 ص 212.
            12- المصدر السابق ج 2 ص 424 - 425.
            13- الطبري ج 2 ص 274 - تاريخ اليعقوبي ص 121 - 122، والعجب أن ابن الوليد، بعد ما وطئ المرأة ودخل بها في تلك الليلة، تركها ولم يتقرب منها بعد ذلك فترة حتى تطهر!! ولا أدري مم يجب أن تطهر.. من طهارة زوجها مالك أم من نجاسة ابن الوليد؟.
            14- ينقل المؤرخون أن ليلي زوجة مالك بن نويرة كان فائقة الجمال، بهية الطلعة، فلما قدم خالد مالكاً يريد قتله قال: هذه التي قتلتني، فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال مالك، إني على الإسلام ما غيرت ولا بدلت. (يقصد مالك بكلمة هذه أي بسببها).
            15- حياة الصحابة ج 2 ص 467 ينقله عن كنز العمال ج 3 ص 132 - الكامل في التاريخ لأبن الأثير ج 2 ص 258 و 259 - تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 2 ص 274 - الإصابة ج 5 ص 560.
            16- أسد الغابة ج 4 ص 296.
            17- أسد الغابة ج 4 ص 296.

            تعليق


            • #36
              مأساة السقيفه

              تعد مرحلة السقيفة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) مرحلة سيادة الخط القبلى على واقع المسلمين. فقد أخذ هذا الخط امتداده وشرعيته من تلك المرحلة متسترا بستار الشورى...
              ان الراصد لما دار في السقيفة يتبين له بوضوح أن الأمر كان أبعد ما يكون عن الشورى وإنما هو في الحقيقة أشبه بالانقلاب على خط واضح الملامح وضع أسسه الرسول (صلى الله عليه وآله).
              ومن السذاجة تصور أن معوية حمل راية المواجهة ضد الإمام دون أن يستند إلى ركائز ثابته تؤهله برفع هذه الراية. وهذه الركائز إنما كانت تقوم على أساس الواقع القبلي الذي فرض في مرحلة السقيفة واستمر حتى عصر الإمام علي...

              كلمة التاريخ:
              يورى شهاب الدين النويري أحداث السقيفة قائلا: وكان من خبر سقيفة بني ساعده أنه لما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وقالوا: نولى هذا الأمر بعد رسول الله سعد ابن عباده. وأخرجوا سعد إليهم وهو مريض. فلما اجتمعوا قال سعد لأبيه أو لبعض بني عمه: إني لا أقدر أشكو أي أن أسمع القوم كلهم كلامي. ولكن تلق مني قولي فاسمعوه. فكان سعد يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع به صوته. فيسمع أصحابه. فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار. ان لكم سابقة في الدين. وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. ان محمدا (صلى الله عليه وآله) لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان. فما آمن به من قومه إلا رجال قليل. والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله. ولا أن يعزوا دينه. ولا أن يدفعوا عن أنفسهم فيما عموا به. حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق اليكم الكرامة. وخصكم بالنعمة ورزقكم الإيمان به ورسوله والمنع له ولأصحابه. والاعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه. فكنتم أشد الناس على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها. وأعطى البعيد المفادة صاغرا داخرا وحتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض. ودانت باسيافكم له العرب. وتوفاه الله إليه وهو عنكم راض. وبكم قرير العين. استبدوا بهذا الأمر دون الناس. فإنه لكم دون الناس...
              فأجابوه بأجمعهم. أن قد وفقت في الرأي. وأصبت في القول. ولن نعدوا ما رأيت. نوليك هذا الأمر فإنك فينا رفيع. ولصالح المؤمنين رضا..(1).
              وتجنبا للصدام مع المهاجرين طرح بعض الأنصار فكرة المشاركة في الامارة. من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير. وكان رد زعيمهم سعد بن عبادة هذا أول الوهن...(2).
              كان هذا هو موقف الأنصار أما موقف المهاجرين فيظهر لنا من خلال تحرك عمر الذي تزعم حركة المهاجرين في مواجهة الأنصار...
              يروى النويري أن عمر لما أتاه الخبر ذهب إلى أبي بكر فوجده مشغولا(3).
              فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره. فخرج إليه فقال: أما علمت أن الأنصار قد أجتمعت في سقيفة بني ساعدة أن يولى هذا الأمر سعد بن عبادة. وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومنكم أمير...
              فخرجا مسعين نحو السقيفة وجمعا في طريقهما عددا من المهاجرين وتنازعوا بين الذهاب أو حسم الأمر بينهم دون الأنصار. ثم قرروا الذهاب. قال عمر: والله لنأتينهم..
              وخطب أبي بكر في أهل السقيفة قائلا: ان العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أواسط العرب دارا ونسبا... وصاح أحد الانصار: منا أمير ومنكم أمير يا عشر قريش..
              وارتفعت الأصوات وكثر اللغط. وهنا أصدر عمر قراره لأبي بكر: أبسط يدك نبايعك: فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون. وبايعه الأنصار. ثم نزوا على سعد. حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتل الله سعدا. وإنا والله ما وجدنا امرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر أنا خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدوا بعدنا بيعة. فإما أن نبايعهم على ما نرضى. أو نخالفهم فيكون فشل...(4).
              وهناك روايات أخرى تنص على تصريحات أخرى لأبي بكر وعمر والأنصار كل في مواجهة الآخر يقول فيها أبو بكر: إن قريشا أحق الناس بهذا الأمر من بعد الرسول لا ينازعهم ذلك إلا ظالم. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء. لا تفاتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور...(5).
              أما تصريح الانصار في مواجهة المهاجرين فقد حمله الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار. املكوا على أيديكم. فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم. ولن يجترئ مجترئ على خلافكم. ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. وأنتم أهل العزة والثروة وأولوا العدد والتجربة. وذوو اليأس والنجدة. وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون. فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم. وتنتقض أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم. فمنا أمير ومنهم أمير...(6).
              وكان رد عمر أكثر عنفا. قال: هيهات؟ لا يجتمع إثنان في قرن. إنه والله لا يرضى العرب أن يؤمروكم ونبيها (صلى الله عليه وآله) من غيركم. ولكن العرب لا تمتنع أن تولى أمورها من كانت النبوة فيهم وولى أمورهم منهم. ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته. ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورسط في هلكة...
              ورد الحباب على عمر بلغة أشج عنفا فقال: يا معشر الأنصار. املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما يألتموه. فاجعلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم. فإنه باسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين.
              ورد عمر: إذن يقتلك الله...
              ورد الحباب: بل إياك يقتل...(7).
              وصاح صوت من المهاجرين (أبو عبيدة): يا معشر الأنصار أنكم اول من نصر وآزر. فلا تكونوا أول من بدل وغير...(8).
              وطالب بشير بن سعد من الانصار قومه بالتخلي عن هذا الأمر لقريش ابتغاء وجه الله.
              وقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا(9).
              ورجح عمر وأنصاره كفة أبي بكر وقدموه للخلافة وحدث صدام بين الأنصار بسبب مبايعة بعض الأنصار له. وتحركت الأوس لمبايعة أبي بكر حتى تفوت الفرصة على الخزرج بزعامة سعد بن عبادة.
              ودخلت قوات قبيلة أسلم الموالية لأبي بكر المدينة وسيطرت على دروبها ومسالكها ولما رآها عمر قال في فرح: ما هو إلا أن رأيت أسلم. فأيقنت بالنصر...(10).
              ويروى أن الناس أقبلوا من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطئون سعد بن عبادة. وقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه. قال عمر: اقتلوه. اقتلوه... قتله الله. ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك.. فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر ثم قال: والله لو حصصت منها شعرة مارجعت وفي فيك واضحة...(11).
              ويروى ابن عبد البر: وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش ثم بايعوه بعد غير سعد..(12).
              وكان عمر يحرض أبي بكر على سعد ليجبره على البيعة فقيل له: أنه ليس يبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته. فتركوه(13).

              موقف الإمام علي
              كان هذا العرض التاريخي على جانب الأنصار وقطاع من المهاجرين القريشيين. الا أنه هناك جانب آخر من قريش كان بعيدا عن السقيفة. وهذا الجانب يملك رصيدا أقوى من رصيد قطاع ابو بكر وعمر ومن تابعهما.
              يملك رصيدا شرعيا.
              ويملك رصيدا جماهيريا.
              ويملك رصيدا تاريخيا.
              ويملك وزنا أكبر من قريش.
              ذلك الجانب هو جانب الهاشميين بزعامة آل بيت النبي والذي كان مشغولا بتجهيز الرسول للدفن بينما القوم يتصارعون في السقيفة.
              ويروي في نهج البلاغة أن عليا سأل عما حدث في السقيفة، فقال: ماذا قالت قريش؟
              قالوا: احتجت قريش بأنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).
              فقال علي: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة(14).
              وتروي كتب التاريخ روايات تشير إلى صدامات وقعت بين جناح الهاشميين بقيادة الإمام علي وجناح القريشيين بقيادة عمر بن الخطاب
              وكان الصدام الأول بين فاطمة وبين أبي بكر حين طالبته بميراث الرسول (صلى الله عليه وآله) في فدك ورفضه طلبها محتجا بحديث رواه هو...
              يقول أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن معشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة(15).
              ومن المعروف أن فاطمة خاصمت ابي بكر وهجرته غاضبة حتى ماتت فدفنها الإمام علي (عليه السلام) ليلا في خفية عن القوم. وكانت وفاتها بعد وفاة الرسول بستة اشهر..(16).
              وكما كان عمر يحرض أبي بكر على سعد. أصبح يحرضه على الإمام علي ويطالبه بحسم الامر معه واجباره على البيعة له لما يشكله موقفه من خطورة على استقرار الحكم القبلي الذي أرسى دعائمه ويعد نفسه لقطف ثمرته..
              أن عليا لم يكن وحده فقد كان معه بني هاشم وكثير من العناصر الفاعلة في المجتمع المدني من الأنصار والمهاجرين مثل العباس وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح والمقداد وجابر بن عبد الله وابن عباس وغيرهم..
              وتروي الروايات أن عمر هم بإحراق بيت فاطمة الذي كان مقرا للقطاع المعارض لحكم ابي بكر بقيادة الإمام علي...(17).
              ويبدو ان ممارسات عمر هذه قد زادت من حدة العداء بينه وبين الإمام علي.
              يروي الطبري أن عليا أرسل إلى أبي بكر أن أئتنا ولا يأتنا معك أحد (يقصد عمر)...
              فقال عمر لأبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك..
              فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بين... والله لآتينهم إلا منفردا.. فدخل أبو بكر على بني هاشم وفيهم علي والعباس. فاستقبلوه استقبالا حسنا(18).
              ويروي المسعودي: ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي فقال: أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر. ولم ترع لنا حقا..
              فقال أبو بكر: بلى. ولكني خشيت الفتنة.
              وكان المهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل. ومجازبة في الإمامة.
              وخرج سعد بن عباة ولم يبايع. فصار إلى الشام. فقتل هناك في سنة خمس عشر. وليس كتابنا هذا موضعا لخبر مقتله. ولم يبايع أحد من بني هاشم حتى ماتت السيدة فاطمة الزهراء (19).
              وينقل في كتب التراجم والتاريخ الكثير من الروايات التي تنسب لأبي بكر وعمر وعمر بن العاص وابن عمر وغيرهم وذلك في وقت الاحتضار وهم على مشارف الموت. تلك الروايات التي تشير إلى ندمهم الشديد على ما اقترفوه في حياتهم بسبب السياسة.
              يوري المسعودي عن أبي بكر: ولما احتضر قال: ما آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتها ووددت أني تركتها. وثلاث تركتها ووددت أني فعلتها. وثلاث وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها:
              فأما الثلاث التي وددت اني تركتها: فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة وذكر في ذلك كلاما كثيرا. وودت اني لم أكن قد حرقت الفجاءة وأطلقته نجيحا أو قتلته صريحا.
              ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميرا وكنت وزيرا.
              والثلاث التي تركتها ووددت أني فعلتها: وددت أني يوم أتيت بالاشعث بن قيس اسيرا ضربت عنقه. فأنه قد خيل لي انه لا يرى شرا الا أعانه. ووددت أني كنت قد قذفت المشرق بعمر بن الخطاب. فكنت قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني يوم جهزت جيش الردة ورجعت أقمت مكاني فإن سلم المسلمون سلموا. وان كان غير ذلك كنت صدق اللقاء أو مددا.
              والثلاث التي وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها. وددت أني كنت سألته في من هذا الامر فلا ينازع الأمر أهله. ووددت أني سألته عن ميراث العمة وبنت الأخ فإن بنفسي منها حاجة. ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب فنعطيهم إياه(20).
              ولم يكن الصراع على الحكم ينحصر بين الأنصار وبين قطاع أبو بكر وعمر من المهاجرين إنما كانت قناك قطاعات اخرى تتطلع إلى الحكم من قريش على رأسها قطاع السفيانيين الذين تزعمهم أبو سفيان بن حرب الذي فقد سلطانه ونفوذه بعد فتح مكة..
              ولم يكن أمام أبو سفيان الذي لا توجد له شوكة في المدينة سوى تحريض الإمام علي على المجتمعين في السقيفة...
              يوري الطبري أن أبا سفيان قال للإمام: ما بال هذا الأمر (الخلافة) في أذل قبيلة من قريش وأقلها. والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا...
              وكان جواب الإمام: مازلت عدوا للإسلام وأهله فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا. والله ما اريد أن تملأها عليه خيلا ورجالا ولو رأينا أبا بكر لذلك أهلا ما خلييناه وإياها. يا أبا سفيان إن المؤمنين قوم نصحه بعضهم لبعض متوادون. وإن بعدت ديارهم وأبدانهم وأن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض...(21).
              ويروي الطبري ايضا ان الإمام علي سارع ببيعة أبي بكر ولزم مجلسه وهناك روايات أخرى تقول أنه بايع بعد ستة أشهر وبايع بعده شيعته من الصحابة..(22).
              يقول الإمام: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام. يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدفا تكون المصيبة به على أعظم من موت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق وأطمأن الدين وتنهنه...(23).
              ومثل هذه الروايات التي تتحدث عن بيعة الإمام لأبي بكر سواء كانت قبل ستة شهور أو بعد هذه المدة أو حتى بعد دفن الرسول مباشرة. إنما تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الإمام كان له موقف مما جرى بالسقيفة بشكل عام ومن أبي بكر وعمر بشكل خاص.
              إن تسامح الإمام في أمر البيعة لا يعني تخليه عن موقفه الفكري والعقائدي تجاه هذا الخط القبلي الذي بدأت توضع قواعده أمامه. فهذا التسامح لا يخرج عن كونه موقفا سياسيا في مواجهة الأمر الواقع. فالإمام لم يتنازل عن قضيته ولكن تنازل عن شخصه من اجل حفظ قضيته التي تعكس الجوهر الحقيقي للإسلام...
              لقد كان الإمام مخير بين أن يتنازل عن إمامته من أجل الحفاظ على الإسلام او يصطدم الواقع وتكون النتيجة خسارة الإسلام وخسارة الإمامة فقد كانت جيوب المنافقين بالمجتمع المدني قوية وكانت القبلية مستشرية، هذا على مستوى الداخل.
              أما على مستوى الخارج فكانت هناك قوى الروم والفرس تتربص بالمسلمين...
              ان الانحراف في عصر أبي بكر لم يكن كبيرا إلى الحد الذي يستفز الإمام. ويؤرقه، إنما الانحراف الأكبر برز في عصر عثمان، وهنا تغير موقف الإمام،
              وتعايش الإمام مع عصر الخليفة الأول والثاني ولم يصطدم بهما..
              وفات هؤلاء أن الإمام تعايش مع واقع الخلفاء تعايش العالم المتميز.
              تعايش العالم المدرك لحقائق الأمور حيث أنه قد نبأ من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) بتصورات الأحداث من بعده.
              والبون شاسع بين من يفاجأ بظهور انحراف من جهة لم يكن بتوقع الإنحراف منها. وبين من يعلم بحدوث هذا الانحراف مسبقا...
              ومن بين الروايات التي تؤكد على الإمام بهذه الحوادث... قول الرسول (صلى الله عليه وآله): يا علي. قاتلت على التنزيل وانت تقاتل على التأويل...(24).
              أي أن الرسول قاتل المشركين الذين كفروا بما أنزل عليه ورفضوا الاعتراف بنبوته أما علي فسوف يقاتل المنتسبين لهذا الدين من المنافقين والمارقين الذين يؤولون النصوص ويستندوا إلى هذا التأويل في تبرير الأنحراف والفساد ونسبته إلى الدين..
              وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): يأتي على الناس زمان يكون فيه حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون بقول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. لا يجاوز إيمانهم حناجرهم تحقر صلاتك خلف صلاتهم إذا وجدتموهم فاقتلوهم...(25).
              وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): هلاك امتي على يدي غلمة من قريش. قال أبو هريرة الرواي ان شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان...(26).
              وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض(27).
              وقول الرسول (صلى الله عليه وآله): لعمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار(28).
              وحديث السر الذي كشفته عائشة وحفصة في سورة التحريم ذلك السر الذي كان يتعلق بموقف كلا من أي بكر وعمر بعد وفاة الرسول...(29).
              إن مثل تلك الروايات إنما تشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أجلى الأمور أمام الأمة وحدد لها معالم الانحراف عن خط الإسلام. وهي تشير أيضا إلى أن هناك الكثير من الصحابة الذين كانت لديهم دراية بأخبار الحوادث التي سوف تقع بعد وفاة الرسول مثل حذيفة...(30).
              كما أنه من المعروف أن جميع العقائد والاتجاهات التي خالفت خط الإمام علي وفي مقدمتها عقيدة أهل السنة قد قامت على التأويل...(31).
              إن الإمام قد تعايش مع واقع رافض له غير راض عنه لا مستسلما له. وهو فوق ذلك له وضعه المتميز فيه والذي يتلائم مع مكانته وقدره ووزنه. وقد اتخذه كل من الخليفة الأول والثاني مستشارا شرعيا وسياسيا له...
              يقول الإمام: أما والله لقد تقمصها فلان- أبو بكر- وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير. فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتئى بين أن أصول بيد جزاء أو أصبر طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجي. فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا. أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى إلى فلان بعده- عمر- فيا عجبا. بينا هو يستيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته. لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة أن أشنق لها حز وان أسلس لها تقحم. فمنى الناس- لعمر الله- بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنى أحدهم. فيالله وللشورى متى أعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني اسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصفى رجل منهم لضغنه. ومال الآخر لصهره مع هن وهن....(32).

              مناقشة الروايات
              يبدو لنا من خلال رصد الروايات التي تدور حول أحداث السقيفة ان هناك الكثير من التساؤلات وعلامات الأستفهام التي تدور في الأذهان بمجرد قراءة هذه الروايات...
              وسوف نعرض هنا لبعض الملاحظات حول هذه الروايات ونبدأ مناقشتنا لها على أساسها.
              الملاحظة الأولى: أن الأنصار أرادوا الاستئثار بأمر الخلافة وهم طائفة لا يمثلون جميع المسلمين.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على أي أساس استند الأنصار في موقفهم هذا..؟
              ان الأنصار لم يتحصنوا في موقفهم هذا بدليل شرعي محدد. فقط هم حاولوا ان يستثمروا مكانتهم ودورهم في إيواء الرسول ونصرته... ولكن هل يعد هذا سببا كافيا لمطالبتهم بالخلافة..؟
              ليس هناك من إجابة على هذا السؤال سوى ان الدافع القبلي قد تسلط على القوم حتى أدى في النهاية إلى انقسامهم وإضعاف شوكتهم بتحالف الأوس مع جناح أبو بكر وعمر مخافة أن تسيطر الخزرج على الأمر ويصبحون تحت إمرتها.
              وهذا عمل قبلي في المقام الأول قدمت فيه الحسابات القبلية على الحسابات الشرعية. أو بمعنى أكثر وضوحا قدمت فيه مصلحة القبلية على مصلحة الدعوة...
              وعلى الرغم من تبعات هذا الموقف من قبل الأوس وآثاره على وحدة المسلمين واستقرار المجتمع الإسلامي إلا أن الجناح القرشي بزعامة أبي بكر استقبله بالترحاب واستثمره لصالحه..
              الملاحظة الثانية: ان عمر كان المحرك الفعلي للأحداث وبدا أبو بكر وكأنه تابع له... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تصدى عمر للأمر وتخطى كبار المهاجرين وآل البيت..؟
              هناك جواب جاهز عند البعض وهو أن عمر فعل ذلك من أجل الحفاظ على الدعوة وتأمين مستقبلها وينتفي عنه أي عرض آخر لعظيم مكانته عند الرسول بحكم النصوص الواردة فيه...
              إلا أن الروايات تدحض هذا التصور وتشكك فيه...
              يوري البخاري: أن عمر طاف في المدينة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وقو يصبح مقسما: والله ما مات رسول الله. والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. وجاء أبو بكر فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر..(33).
              أن هذه الرواية تشير إلى أن عمر لم يكن يعتقد في وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنه حسب روايات أخرى - ذهب ليكلم ربه ويعود كما حدث لموسى. ونحن لن نناقش هنا مدى صحة هذا الاعتقاد وكيف طرأ على ذهن واحد مثل عمر وهو من هو. إلا أن ما نريد توضيحه أن هذا الموقف من قبله يكشف لنا أن فكرة تبنيه موضوع الخلافة كانت فكرة طارئة عليه لم تكن تشغله بعد وفاة الرسول وإنما كان يشغله موت الرسول وبعثه وعودته حتى جاء أبو بكر فبصره بالأمر وتلى عليه قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحدا من رجالكم أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم)(34).
              فقال عمر كأني اسمع هذه الآية لأول مرة. ثم انه سكن وهدأ وأتاه خبر السقيفة فهرع إلى هناك مصطحبا أبا بكر وأبا عبيدة بن الجراح...
              والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كان عمر غير مستوعب لنصوص القرآن التي تتنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى يدعي أن الرسول سوف يعود بعد وفاته ويتوعد من يقول بوفاته؟
              وإذا كان عمر بهذا المستوى من الفهم أفلا يشير هذا إلى أنه لم يفهم النصوص القرآنية الأخرى الواردة بشأن آل البيت والإمام علي ومستقبل الدعوة...؟
              وإذا كان عمر قد تصدى لأمر الخلافة من باب المصلحة وكان متحمسا للأمر ويصول ويجول هنا وهناك من أجل أخذ البيعة لأبي بكر. فلماذا لم يكن صاحب المصلحة أبو بكر بنفس المستوى من الحماس ومن المفروض أن يكون حماسه يفوق حماس عمر. وقد أشارت الروايات إلى أنه كان مشغولا وقت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بشيء آخر لم توضحه الروايات... وكان عمر يلح على طلبه بينما هو يتمنع حتى أعلمه بخبر السقيفة فانطلق معه...
              والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أي شيء كان يشغل أبو بكر غير تجهيز حتى جاء عمر فأحيا الفكرة في نفسه...
              ومن هنا يتضح لنا أن فكرة الخلافة كانت طارئة أيضا على أبي بكر كما كانت طارئة على عمر وهي لا تخرج عن كونها رد فعل لموقف الأنصار ومبادرتهم السريعة المفاجئة لقريش..
              لكن الأمر يوحي وكأن هناك طرف ثالث هو أحق بهذا الأمر ويتسابق كل من الأنصار والمهاجرين لكي يفوت عليه الفرصة..
              وليس هناك من تفسير لموقف عمر وتحالفه مع أبي بكر الطاعن في السن. ضد القطاعات الأخرى. سوى أن شخصية أبي بكر كانت تتيح له ذلك..
              تتيح له أن يتسلقها لكي يحقق مآربه..
              وتتيح له التحصن بها في مواجهة الآخرين..
              وعمر لم يكن يجرؤ على ترشيح نفسه للخلافة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأن الظروف غير ملائمة لكنه ناولها لأبي بكر ثم تناولها منه...
              ولو كان عمر بهذه المكانة التي تضعه فيها الأحاديث لكان من الأولى له أن يتصدى لأمر الخلافة وهو القوى الشديد بدلا من رجل ضعيف كهل كأبي بكر..
              ولو كان عمر بهذه المكانة ماناطحته الأنصار وتطاولت عليه عندما خطب فيهم. واحتد معه الحباب قائلا: لا تسمعوا مقالة هذا. وعندما قال له عمر: يقتلك الله. رد عليه: بل إياك يقتل.. وما أمسك قيس بن سعد بلحيته وهدده...
              إن القوم بين أن يكونوا قد طغت عليهم القبلية فنسوا أخلاق الاسلام وتجاوزوها. أو يكونوا أصحاب مقادير متساوية ووزن واحد ولا يملك كل منها ما يرجح به كفته على الآخر من نصوص الشرع.
              والراجح الامرين معا..
              وإذا كان عمر قد أحتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمورها من كانت النبوة فيهم. فإن هذا القول يوجب عليه التنحي مع صاحبه وإفساح الطريق أمام أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فإنهم ارقى بيوت قريش، فلا هو ولا صاحبه يمثلان بيتا راقيا في قريش. وهذا هو ما استفز أبو سفيان ودفعه لتحريض الإمام بقوله: ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش وأقلها..
              وتأمل تعليق ابن حجر على قول عمر لسعد بن عبادة: اقتلوه.. قتله الله...
              يقول ابن حجر: نعم لم يرد الأمر يقتله حقيقة. وأما قوله قتله الله فهو دعاء عليه وعلى الأول هو إخبار عن إهماله والأعراض عنه. وفي حديث مالك فقلت- عمر- وانا فغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة..(35).
              ان ابن حجر بتعليقه هذا يسير على نهج التبرير والتأويل الذي يتعمده أهل السنة في مواجهة الحوادث والنصوص التي توقعهم في حرج شرعي...
              ويتمادى ابن حجر في تأويل كلام عمر وتبرير مواقفه هو وصاحبه قائلا: وتركوا لأجل أقامتها (الخلافة) أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن الرسول حتى فرغوا منها. والمدة المذكورة- أي مدة تركهم الرسول والأنشغال بالخلافة- زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لإجتماع الكلمة...(36).
              ويروي البخاري رواية تبريرية أخرى لمواقف عمر وممارساته في السقيفة. تقول الرواية: لقد خوف عمر الناس وأن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك...(37).
              وقد جاءت هذه الرواية على لسان عائشة ابنة أبي بكر ومعنى هذا الكلام أن أسلوب العنف والإرهاب الذي مارسه عمر على الرافضين بيعة أبي بكر كان عملا حسنا وحاز رضا الله ومعونته.
              وعائشة بهذا تكون قد حكمت على كل الرافضين لخلافة أبي بكر من بني هاشم والأنصار وغيرهم بالنفاق. ألا يعني مثل هذا الكلام مساسا بعدالة جميع الصحابة التي يعتقدها أهل السنة ويفسرون على ضوئها الأحداث التي وقعت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بداية من السقيفة وحتى صفين؟(38).
              الملاحظة الثالثة: لماذا جاءت قبيلة أسلم إلى المدينة ومن الذي استدعاها.
              لماذا أيقن عمر بالنصر فور رؤيتها..؟
              إن الإجابة على هذه التساؤلات يدفعنا إلى إلقاء الضوء على الجانب الأكثر أهمية في احداث السقيفة. جانب التحول من الجدال والنقاش إلى فرض الرأي بالقوة المسلحة..
              لقد كان دخول قبيلة أسلم إلى المدينة أشبه بالإنقلاب العسكري وهو دخول مرتب له من قبل بلا شك من قبل فريق عمر...
              ويبدو أن الصراع بين فريق عمر وفريق الأنصار قد دخل طورا حرجا بحيث اهتزت كفة عمر وفريقه ورجحت كفة الأنصار أو من الممكن أن يكون الأنصار قد مالوا للإمام علي وحسموا الخلاف بينهم. وعمر وفريقه ليس بذاك الوزن الفاعل في المدينة. فضلا عن كونه من الوافدين عليها مع المهاجرين هو لا يمثل كل المهاجرين ولا جميع قريش. فهناك قطاع من المهاجرين مع الإمام. وهناك قطاع من قريش ينتظر النتيجة أو هو لا يعلم ما يجري هناك.
              ولعل هذا الوضع يفسر لنا قول عمر حين رأى قوات قبيلة أسلم تدخل المدينة: الآن أيقنت بالنصر. وهذا يشير بصورة غير مباشرة أن عمر وفريقه هو الذي استدعى تلك القوات. ألا يدل مثل هذا التصرف ان جانب عمر قد فقد ميزانه الشرعي والأخلاقي. كما يشير من جانب آخر الى ان النصوص التي واجه فريق عمر فريق الأنصار بها هي نصوص من اختراع تلك المرحلة. ولو كانت هذه النصوص صحيحة ومعترف بها ما نازعهم أحد ولكانت قد حسمت الصراع في مهده..
              ويبدو أن اللغط والجدال حول أحقية أبي بكر بالخلافة قد امتد إلى فترات لاحقة مما استدعى الأمر إلى ضرورة اختراع أحاديث على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) تحدد الخلافة لابي بكر في صراحة ووضوح وترفع من مكانته. لينتج عنها صنع هالة مقدسة حول أبي بكر تمنع المساس به أو الخوض في شخصه وتقطع الطريق أما أية محاولات لإعادة قراءة مرحلة السقيفة...(39).
              ونفس هذا الأمر قد تم تطبيقه مع الخليفة الثاني حيث اخترعت له الكثير من المناقب التي رفعته حتى فوق الرسول نفسه أو ساوته به...(40).
              وقاموا بنفس الأمر مع الخليفة الثالث غير أن ممارساته ومواقفه المخالفة للكتاب والسنة والمضرة بمصالح المسلمين قد فضحته وعرته...(41).
              أما الإمام علي فقد فعلوا معه العكس من ذلك وبدلا من أن يضفوا عليه المناقب كما فعلوا مع السابقين. قاموا بالطعن في المناقب الواردة فيه والعمل على التقليل من شأنه بمساواته بمعاوية واعتبار الخارجين على حكمه بمثابة المجتهدين المأجورين..(42).
              الملاحظة الرابعة: أين الإمام علي..؟
              إن المتتبع لأحداث السقيفة يكتشف غياب كثير من الرموز البارزة من الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي فأين كان هؤلاء ولماذا انشغلوا عن هذا الحدث الضخم وهو اختيار خليفتهم؟ ... أين أبو ذر. وأين المقداد. وأين الزبير. وأين جابر بن عبد الله. وأين أبي بن كعب وبلال بن رباح وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وعمار بن ياسر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والبراء بن مالك وخباب بن الأرت ورفاعه بن مالك وأبي الطفيل عامر بن وائلة وغيرهم..
              لقد كان اختفاء كل هؤلاء من سقيفة بني ساعدة عامل قلق لفريق عمر. حيث أن هذه الشخصيات الغائبة لها وزنها وفاعليتها ومن الممكن ان تشكل تحديا لهذا الفريق مستقبلا..
              تروي الروايات أن الإمام ومعه عصبة من الصحابة كان مشغولا بتجهيز الرسول للدفن بينما كان القوم يتصارعون على الخلافة في السقيفة...(43).
              والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من أخلاق المسلمين أن يتركوا رسولهم في مثل هذا الحال ويتصارعوا على الحكم...؟.
              اين ما تعلموه من الرسول اذن..؟.
              لقد ترك الرسول في حياته في مواقف كثيرة من قبل هؤلاء الناس.
              ترك في أحد.
              وترك في مسجده وهو يخطب فيهم ونزل فيهم قوله تعالى: (وتركوك قائما) وترك وهو يلفظ أنفاسه وطلب منهم إحضار قلم وقرطاس ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا.
              وترك بعد وفاته...(44).
              ومثل هذا السلوك إن دل على شيء فإنما يدل على مدى استحكام أمر الدنيا وطغيانها على كثير من هؤلاء..
              ولعل هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
              الملاحظة الخامسة: بيعه أبي بكر كانت فلتة.. لماذا..؟
              الحمد لله أن هذه المقالة جاءت على لسان عمر مدبر أحداث السقيفة وقاطف ثمرتها ولو كانت قد جاءت على لسان سواه لكان للقوم فيها كلام آخر..
              لقد قال عمر مانصه: ألا أن بيعة أبا بكر كانت فلتة وقى الله الأمة شرها. فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فأيما رجل بايع من غير مشورة من المسلمين فإنهما تغرة أن يقتلا...(45).
              أليس هذا اعتراف صريح من عمر بأن ما حدث في السقيفة كان أمرا بعيدا عن الشورى بل كان بعيدا عن روح الإسلام بحيث يوجب على فاعله القتل تقديرا لخطورته وجسامته وآثاره الوخيمة على الأمة....
              ان قول عمر هذا يؤكد ان حروب الردة ومانعى الزكاة التي خاضتها فوات أبو بكر بقيادة خالد بن الوليد لم تكن في حقيقتها سوى حركة تمرد على حكم أبي بكر: وقد تكون هناك حالة ردة من البعض إلا أن الظاهر أن هذا الصدام العسكري كانت له اسبابه القبلية ولعل خالد وتجاوزته في مواجهة هذه الانتفاضة ما يدعم هذا التصور..(46).
              وكان مناسبة هذا الكلام كما يروي البخاري أن عمر بلغه كلام إناس يقولون لو مات مات عمر لتولاها فلان. فقام عمر خطيبا وقال هذا الكلام...(47).
              فهل كان المقصود من كلام عمر هذا هو ردع اتجاه برز في المدينة ينادي بالشورى ويطعن في أحداث السقيفة وطريقة اختيار الخليفة الأول..؟
              لا يعنينا هنا بقدر كبير الإجابة على هذا السؤال وأن كانت إجابته واضحة. وإنما يعنينا هو اعتراف عمر بأنه بيعة أبا بكر كانت فلتة وكان من الممكن أن تكون لها آثارا خطيرة على الأمة لولا لطف الله. فإن كلام عمر هذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أن بيعته هو أيضا كانت فلتة..
              فلماذا قال عمر عن بيعة أبي بكر أنها كانت فلتة ونسى أنه استخلف بوصية منه...؟
              ويروى البخاري أن عمر قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يدبرنا. فإن يك قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا. وأن أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين. فإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه.
              وقال عمر لأبي بكر إصعد المنبر. فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة...(48).
              ورواية البخاري المذكورة تعطينا إشارات جديدة حول موقف عمر وكونه المحرك الأول لعلمية اختيار أبي بكر. وهي تكشف لنا من وجه آخر أن أبا بكر قد أقحم في الأمر ولم تكن له رغبة فيه وهذا واضح من إلحاح عمر عليه بالصعود إلى المنبر ليبايعه الناس. وهذه إشارة إلى كونه غير منصوص عليه بشيء وأن الأمر لا يخرج عن كونه محاولة استثمار لظرف طارئ...
              وهذا أبو بكر يقول: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا..
              فإذا كان أبو بكر قد تنازل عن ترشيح نفسه وقدم عمر وأبو عبيده ألا يدل هذا على أن الأمر لا يخرج عن كونه مواقف فردية ارتجلت في حينها لمواجهة الأنصار..؟
              وإذا ما تأملنا قول عمر: وأنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر إنا خشينا إن فارقنا القوم – الأنصار - ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة. فإما أن نبايعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون الفشل..
              وتأمل قوله وهو في الطريق إلى السقيفة ومعه أبو بكر وأبو عبيدة محدثا نفسه: كنت أزور في نفسي كلاما في الطريق فلما وصلنا السقيفة أردت أن أتكلم. فقال أبو بكر. مه ياعم... وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب...
              من هذه الروايات نخلص إلى أن الأمر كان من ترتيب القوم بزعامة عمر ولم يكن له وجهه الشرعي ويتضح هذا الأمر من قول عمر حين وفاته: لو كان سالم مولى حذيفة حيا لوليته وسالم هو عتيق حذيفة. وهو بذه يخالف نص الإمامة في قريش ويناقض نفسه حين احتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع ان تولي أمورها من كانت النبوة فيهم.

              الهوامش:
              1- انظر نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري.
              2- انظر فتح الباري شرح البخاري ج7/ 30 وما بعدها وج 13/ 206 وما بعدها وانظر كتب التاريخ...
              3- لم تكشف لنا الروايات ما كان مشغولا به أبو بكر في بيته بينما الرسول يجهزه للدفن الإمام علي.
              4- انظر المراجع السابقة ومروج الذهب للمسعودي والبداية والنهاية لابن كثير...
              5- المراجع السابقة.
              6- المراجع السابقة.
              7- المراجع السابقة.
              8- المراجع السابقة.
              9- المراجع السابقة.
              10- انظر مروج الذهب والإمامة والسياسة لابن قتيبة وتاريخ اليعقوبي.
              11- المراجع السابقة.
              12- انظر الاستيعاب هامش الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر...
              13- انظر مروج الذهب..
              14- المراجع السابقة. والمقصود بالثمرة آل البيت...
              15- انظر مسلم كتاب الجهاد والسير والبخاريز
              16- إنظر فتح الباري ج7/ 105.. وانظر تفاصيل الصدام بين فاطمة وأبي بكر في البداية والنهاية لابن كثير ح6. وكتب التاريخ الأخرى. وكان الهدف عن حجب ميراث فاطمة هو محاصرة آل البيت اقتصاديا من أجل اضعافهم. ومما يدل على ان موقف أبو بكر هذا نابع من القبلية والسياسة أن عمر بن عبد العزيز رد ميراث فدك لآل البيت. ويلاحظ أن موقف أبو بكر هذا مخالف لنصوص القرآن مثل قوله تعالى(وورث سليمان داود) وقوله(يرثني ويرث آل يعقوب)...
              17- - انظر تاريخ الطبري ح3/ 198/ والملل والنحل للشهرستاني ح1/ 75 والامامة والسياسة لابن قتيبة ح1/ 12. وتاريخ ابي الفداء ح1/ 156 واليعقوبي2/ 105...
              18- انظر تاريخ الطبري...
              19- انظر الطبري ومروج الذهب للمسعودي.
              20- انظر مروج الذهب.
              21- انظر الطبري ج2/ 449 الاستيعاب لابن عبد البر.
              22- انظر الطبري..
              23- نهج البلاغة ح..1/ خطبة رقم3.
              24- انظر مسند أحمد ح3/ 82.
              25- انظر مسلم بشرح النووي ج3..
              26- انظر البخاري كتاب الفتن والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يصرح بهم أبو هريرة؟ وفي هذا النص إشارة إلى ردة الصحابة من بعد الرسول. انظر احاديث الحوض في البخاري...
              27- المرجع السابق.
              28- انظر مسلم.
              29- انظر تفسير الكشاف للزمخشري وكتب التفسير الأخرى..
              30- انظر رواية البخاري في حذيفة صاحب سر رسول الله(صلى الله عليه وآله) كتاب فضائل الصحابة. ورواية كان الناس يسألون الرسول عن الخير وكنت أسأله عن الشر. كتاب الفتن. وانظر المحطة الخامسة من ها الكتاب.
              31- انظر لنا كتاب الخدعة. وكتاب عقائد السنة وعقائد الشيعة... وانظر المحطة الخامسة من هذا الكتاب.
              32- نهج البلاغة ج1 خطبة رقم3.
              33- انظر البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضل ابي بكر.
              34- سورة آل عمران.
              35- انظر فتح الباري شرح البخاري ح7/ 32.
              36- المرجع السابق...
              37- اليخاري كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر..
              38- انظر كتاب العواصم من العواصم لأبي بكر بن العربي، وهو كتاب يضفي صفة العدالة على جميع الصحابة ويقوم بتأويل النصوص الواردة في ذمهم وتبرير الأحداث التي ارتبطوا بها بمالا بمسهم وبما يخدم الخط الأموي. انظر فتاوى ابن تيمية ح35، وابن كثير البداية والنهاية، وانظر المحاطات القادمة من الكتاب...
              39- انظر البخاري ومسلم باب فضل ابي بكر. ومن هذه الروايات: أتت امرأة إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فأمرها أن ترجع إليه. فقال أرايت ان جئت ولم أجدك.. قال: النبي: ان لم تجديني فأتى أبا بكر.
              وعلى لسان الإمام علي رواية تقول سئل الإمام من ولده ابن الحنفية أي الناس خير بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: أبو بكر. قال ثم من ؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت. قال: ما أنا ولا رجل من المسلمين...
              40- انظ البخاري ومسلم. ومن هذه الروايات قول الرسول(صلى الله عليه وآله) لعمر: ... مالقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. وقول الرسول فيه: لم أر عبقريا يفري فريه. وقوله كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا انبياء فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر. انظر لنا كتاب الخدعة. وانظر المحطة القادمة...
              41- انظر مناقب عثمان في البخاري ومسلم وشرحيهما لابن حجر والنووي. وأنظر كتاب الخدعة والمحطة الرابعة.
              42- انظر مناقب الإمام علي في المرجعين السابقين. وانظر الخدعة والمحطة الخامسة.
              43- انظر كتب التاريخ.
              44- انظر كتب السيرة والتاريخ وتفسير سورة الجمعة وراجع باب وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله).
              45- انظر البخاري كتاب المحاربين ومسند أحمد ح1 وفتح الباري ح12.
              46- انظر حوادث الردة في عصر أبي بكر في كتب التاريخ. وقصة خالد مع مالك بن نويره.
              47- انظر البخاري وفتح الباري ج7 كتاب فضائل الصحابة.
              48- المرجع السابق.

              تعليق


              • #37
                يعتقد بعض العوام من أهل السنة بأن معارضة ما، لم تحدث لمقررات مؤتمر السقيفة الذي عقدته سنة إحدى عشر للهجرة في سقيفة بني ساعدة بالمدينة المنورة، زمرة من الصحابة الذين شملتهم آية (انقلبتم على أعقابكم)، تاركين جثمان الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) بلا تجهيز ولا دفن، لانتخاب الخليفة الأول.
                ولعل الكثير من هؤلاء لا يزال يظن بأن عملية تنصيب أبي بكر التي تمخض عنها ذلك المؤتمر، إنما تمت بحضور المسلمين كلهم أو بعض ممن يسمون بأهل الحل والعقد على أقل تقدير. أو لعله فهم أو فُهّم بأن الأمر قد تم بطريق التصويت والانتخاب الحر، أو إجماع أهل الرأي مثلا..
                ولذلك فهو يحتج على من يناقش بهذا الموضوع أو يطرح فيه رأيا، على اعتبار أنه أمر مفروغ منه مرتفع عن المناقشة بل مسلمة من المسلمات. وهذا من أفحش الجهل وأقبحه، لأن الواقع التاريخي يكشف وبكل جلاء هزال أطروحة شرعية الخلافة التي أقرها مؤتمر السقيفة التآمري وهو لازال منذ عُقد إلى يومنا هذا، يواجه الأسئلة المحرجة التي لا يستطيع أحد الإجابة عليها خروجا من المأزق، ولا يزال يخوض المواجهات مع معارضيه من أصحاب الفكر الحر والعقيدة السليمة الخالية من التعصب، القائمة على أساس الحق والصدق مع الله والنفس والتاريخ.
                على أننا هنا نحاول استقراء وتحليل بعض مواقف المعارضة التاريخية التي جابهت اجتماع السقيفة التآمري، منذ يومه الأول، ليعيد النظر ويحسن التقويم من أراد بلوغ الحقيقة وكشف حجاب التعتيم عن وجهها، فلم يعد له مسوغ باتهام الآخرين بالمروق عن قوس الإسلام إذا ما أراد مناقشة في مسألة هي من أعقد وأهم المسائل التي عاشت نتائجها الأمة الإسلامية بمرارة ما أقساها!!

                1- المعارضة الأنصارية:
                في بداية الأمر, ظهرت المعارضة الأنصارية قوية متماسكة. لكنها سرعان ما انهارت تحت وطأة الصراعات الخزرجية الداخلية, والخزرجية الأوسية. وكان رأس هذه المعارضة الأمير الخزرجي سعد بن عبادة. فمن هو سعد؟ وماذا كانت مواقفه من البيعة؟ وماذا كانت مواقف جماعة الحكم منه؟!
                جاء في (الاصابة): سعد بن عبادة, (سيد الخزرج, شهد العقبة, واختلف في شهوده بدرا, فأثبته البخاري, وقال ابن سعد, كان يتهيأ للخروج فنهس فأقام, وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لقد كان حريصا عليها.
                قال ابن سعد: وكان يكتب بالعربية, ويحسن العلوم والرمي, فكان يقال له الكامل, وكان مشهورا بالجود هو وأبوه وجده وولده, وكان لهم أطم ينادى عليه كل يوم, وكانت جفنة سعد تدور مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بيوت أزواجه.
                عن ابن عباس: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في المواطن كلها رايتان, مع علي راية المهاجرين, ومع سعد بن عبادة راية الأنصار.
                وعن قيس بن سعد: زارنا النبي (صلى الله عليه وآله) في منزلنا, فقال: السلام عليكم ورحمة الله... ثم رفع يده, فقال: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة.
                ومن حديث جابر, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): جزى الله عنا الأنصار خيرا لا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة.
                روى ابن أبي الدنيا عن طريق ابن سيرين, فقال: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد, والرجل بالاثنين, والرجل بالجماعة, فأما سعد بن عبادة فكان ينطلق بالثمانين.
                وروى الدار قطني في كتاب الأسخياء, عن طريق هشام بن عروة عن أبيه, قال: كان منادي سعد ينادي على أطمه: من يريد شحما ولحما فليأت سعدا؛ وكان سعد يقول: اللهم هب لي مجدا, لا مجد إلا بفعال, ولا فعال إلا بمال, اللهم إنه لا يصلحني إلا القليل ولا أصلح عليه).
                كانت راية الأنصار بيده يوم الفتح. وكان النبي استخلفه مرة في السنة الثانية عشرة للهجرة خمس عشرة ليلة, مدة غيبته عن المدينة.
                رفض سعد مبايعة أبي بكر. فتركوه(أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع, فقد بايع الناس وبايع قومك فقال: أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي, وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي, وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل. وأيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي).
                فلما أتي أبو بكر بذلك, قال عمر: لا تدعه حتى يبايع.
                فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبي, وليس بمبايعكم حتى يقتل, وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته, فاتركوه فليس تركه بضارّكم, إنما هو برجل واحد.
                فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد, واستنصحه لما بدا لهم منه, فكان سعد لا يصلي بصلاتهم, ولا يجتمع معهم, ولا يحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم. فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر.
                ولما ولي عمر الخلافة, لقيه في بعض طرق المدينة, فقال له: إيه يا سعد؟!
                فقال له: إيه يا عمر؟!
                فقال له عمر: أنت صاحب المقالة؟
                قال سعد: نعم! أنا ذلك! وقد أفضى إليك هذا الأمر! كان والله صاحبك أحب إلينا منك, وقد أصبحت والله كارها لجوارك!
                فقال عمر: من كره جوار جار تحول عنه!
                فقال سعد: ما أنا غير مستسر بذلك, وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك!
                فلم يلبث قليلا حتى خرج إلى الشام في أول خلافة عمر.
                وفي الشام, التي كانت وقتئذ تحت حكم عمر, وجد سعد مقتولا. وقد اتفق كثير من كبار المؤرخين الإسلاميين على أن الجن قتلته).
                لكن(البلاذري) يرفض رواية (الجن) السابقة, فيقول: إن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام, فبعث عمر رجلا, وقال: ادعه إلى البيعة واختل له, فإن أبي فاستعن بالله عليه!
                فقدم الرجل الشام, فوجد سعدا في حائط بحوارين [إحدى قرى الشام], فدعاه إلى البيعة, فقال: لا أبايع قرشيا أبدا!
                قال: فإني قاتلك!
                قال: وإن قاتلتني؟
                قال: أ فخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟!
                قال: أما من البيعة فإني خارج!
                فرماه بسهم, فقتله!).
                وفي(تبصرة العوام), قيل إنهم(أرسلوا محمد بن مسلمة الأنصاري فرماه بسهم, وإن خالدا[ابن الوليد] كان في الشام يومذاك, فأعانه على ذلك).
                المعارض الأنصاري الشهير الآخر, كان الحباب بن المنذر وهو (خزرجي), قال ابن سعد: (شهد بدرا. وقصته في بدر معروفة. فقد قال للنبي: يا رسول الله, أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه أم هو الرأي والحرب؟
                فقال: بل هو الرأي والحرب.
                فقال الحباب: كلا ليس هذا بمنزل. فقبل منه النبي (صلى الله عليه وآله)).
                وإذا كان سعد بن عبادة قد دفع حياته ثمنا لمعارضته, فإن الحباب بن المنذر اختار أن يسالم, فاستسلم للضغوط, وبايع.

                2- المعارضة الهاشمية:
                كان بنو هاشم منشغلين (وحدهم تقريبا) بغسل النبي وتجهيزه حين كان الصراع على أشده حول خلافة أبي بكر بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة. وبعد مبايعة أبي بكر,(أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله), فصعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى, وشغلوا عن دفن رسول الله حتى كانت ليلة الثلاثاء).
                (سمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال علي: ما هذا؟
                قال العباس: ما رؤي مثل هذا قط! أما قلت لك؟).
                (وجاء البراء بن عازب فضرب الباب على بني هاشم, وقال: يا معشر بني هاشم! بويع أبو بكر!
                فقال بعضهم لبعض: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد!
                فقال العباس: فعلوها ورب الكعبة!
                وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله).
                (غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر, منهم علي بن أبي طالب والزبير[بن العوام]و فدخلا بيت فاطمة ومعهما السلاح): لقد (اجتمعوا على أن يبايعوا عليا).
                (بلغ أبا بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة, وقال له: إن أبوا فقاتلهم). أما عن علي, فقد قال أبو بكر لعمرائتني به بأعنف العنف).
                (انطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة),(حتى هجموا على الدار),(فخرج عليهم الزبير مصلتا بالسيف, فعثر, فسقط السيف من يده, فوثبوا عليه, فأخذوه). وكان الزبير, يقول: (لا أحد أولى بهذا الأمر من علي بن أبي طالب). وفي رواية أخرى, سأل عمر الزبيرما هذا السيف؟
                قال: أعددته لأبايع عليا! وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور من الهاشميين, فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره, ثم أخرجوا الزبير إلى خالد ومن معه, وكان معه جمع كثير, أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد).
                ويقول اليعقوبي, أنهم (هجموا على الدار, وخرج علي ومعه السيف, فلقيتهم فاطمة, فقالت: يا ابن الخطاب! أ جئت لتحرق دارنا؟!
                قال: نعم! أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة).
                وفي رواية أخرى أن فاطمة تلقفت عمر (على الباب, فقالت فاطمة: يا بن الخطاب! أتراك محرقا علي بابي؟! قال: نعم!).
                ويذكر عروة بن الزبير أن (أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لتحريقهم إذا هم أبوا البيعة في ما سلف).
                وأخيرا(دخلوا الدار, فخرجت فاطمة, فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار).
                في واقع الأمر, كان تهديد عمر عليا بالإحراق وسيلة لإجباره على المبايعة. فقد قال عمر لعلي: (والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم).
                لكن عليا لم يرضخ للتهديد. فعاد, عمر, ليقول: (قم فبايع! فتلكأ[علي] واحتبس. فأخذ بيده, وقال: قم! فأبي. فحملوه, ودفعوه إلى خالد كما دفعوا الزبير؛ وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا, واجتمعت الناس ينظرون, وامتلأت شوارع المدينة بالرجال؛ فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت وولولت, واجتمع معها نساء كثيرات من الهاشميات وغيرهن, فخرجت إلى باب حجرتها, ونادت: يا أبا بكر! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله لا أكلم عمر حتى ألقى الله).

                دور العباس:
                بدا التحالف الهاشمي وكأنه يشكل عقبة فعلية في وجه خلافة أبي بكر, فما كان من الخليفة إلا أن راح يستفسر عن وسيلة يكسر بها هذا التحالف. هنا, قال له المغيرة بن شعبة: (الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب وتكون لكما[أبو بكر وعمر] حجة على علي إذا مال معكم).
                فانطلق أبو بكر وعمر والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا, فقال له أبو بكر: أن الناس (اختاروني عليهم واليا؛ وما أنفك يبلغني عن طاعن بقول الخلاف على عامة المسلمين يتخذكم لجأ؛ ولقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في الأمر نصيبا يكون لك ويكون لمن بعدك من عقبك! على رسلكم يا بني هاشم! فان رسول الله منا ومنكم).
                مقابل محاولة الرشوة الاسترضائية السابقة, قال عمر بحزم, ضمن إطار لعبة الحمائم والصقور: (إنا لم نأتكم لحاجة إليكم, ولكن كرها أن يكون الطعن في ما أجمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم, فانظروا لأنفسكم).
                أجاب العباس: (أن كنت برسول الله طلبت, فحقنا أخذت, وان كنت بالمؤمنين أخذت, فنحن منهم. ما أبعد قولك من أنهم طعنوا عليك من قولك انهم اختاروك ومالوا إليك؛ وما أبعد تسميتك خليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك. فأما ما قلت أنك تجعله لي, فإن كان حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه[أو: فإن يكن حقا لك فلا حاجة لنا فيه], وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض, وعلى رسلك! فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها). فخرجوا من عنده.

                دور فاطمة الزهراء (عليها السلام):
                ما كاد ينتهي هجوم الحكم على بيت فاطمة بنت النبي ومحاولتهم إحراقه, حتى تفجرت أزمات جديدة, ساهمت في تعميق الهوة بين الزهراء والحكم. ولعب أبو بكر الدور الأبرز في خلق تلك الهوة, عن طريق خلق مصاعب أمام أطراف التحالف الهاشمي لدفعهم في النهاية إلى مبايعته.
                فعلى سبيل المثال, اختار أبو بكر, بعد وفاة النبي, أن يسقط سهم الرسول وسهم بني هاشم من الخمس. وكان النبي يخص ذاته بسهم من الخمس, ويخص أقاربه من بني هاشم بسهم آخر منه, ولم يعهد بتغيير ذلك حتى توفي. اعتمادا على الآية الكريمةاعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى).
                مثال آخر هو فدك. وفدك أرض كانت ملكا للنبي. (ولما مات رسول الله(صلى الله عليه وآله), ادعت فاطمة (عليها السلام) أنه كان ينحلها فدكا؛ فقال يجوز أن أحكم لك! فشهدت لها أم أيمن ومولى لرسول الله, فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع, فلم يكن).
                أما المولى الذي تهيب الرازي عن ذكر اسمه, فهو علي بن أبي طالب(عليه السلام).
                مثال ثالث: مطالبة فاطمة بحصتها من خيبر وإرثها مما أفاء الله على الخليفة في المدينة. فرفض أبو بكر ذلك محتجا بحديث نبوي يقول إن الأنبياء لا يورثون, فما تركوه صدقة. لكن الزهراء احتجت عليه بآية قرآنية تقول عن لسان زكريا في حديثه عن ابنه يحيى: (يرثني ويرث من آل يعقوب).
                اجتمعت أمور كثيرة, أثارت سخط الزهراء, فجاءت إلى أبي بكر وعمر, وقالت: (نشدتكما الله, ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله), يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي, فمن أحب فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟
                قالوا: نعم! سمعناه من رسول الله!
                قالت: فإني أشهد الله وملائكة أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني, ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه).
                يبدو أن توالي النكبات على ابنة النبي سارع في وفاتها, فلم تعش بعد أبيها غير ستة أشهر, قضتها مخاصمة لأبي بكر, فلم تكلمه حتى ماتت, دفنها زوجها علي ليلا وصلى عليها, ولم يؤذن بها أبا بكر.

                مواقف بني هاشم:
                كانت مواقف بني هاشم عموم تنم عن قناعتهم الراسخة بأن الخلافة لعلي, وأن أبا بكر أخذها منه عنوة. فكانت الزهراء, تقول على سبيل المثال: (ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة؟ ألا ذلك الخسران المبين ما الذي نقموا من أبي الحسن؟ استبدلوا والله الذناب بالقوادم والعجز بالكاهل؟ ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون).
                أما ابن عباس فكان يرى أن النبي, أثناء مرضه الأخير, أراد أن يصرح باسم علي خليفة له من بعده, لكن عمر منعه عن ذلك. ويبدو هذا واضحا في قول ابن عباس لعمر: (كان[النبي] يربع في أمره وقتا, ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه[علي] فمنعته من ذلك).
                كذلك كان عقبة بن أبي لهب يطالب بالخلافة لابن عمه, علي بن أبي طالب.
                لهذا لا نستغرب إذا وجدنا الحسن بن علي, يقول لأبي بكر, وهو على منبر النبي: (انزل عن مجلس أبي!). فيرد أبو بكر: (صدقت والله! انه لمجلس أبيك).

                علي بن أبي طالب: الثابت والمتحولات:
                كان علي بن أبي طالب يؤمن بأحقيته في الخلافة, دون غيره, يستند في ذلك على نصوص نبوية عديدة, تبرز دون لبس, أن النبي اختاره خليفة له ووصيا. من تلك النصوص الشهيرة؛ نص يوم الإنذار في دار أبي طالب, حين دعا النبي عشيرته الأقربين, كما طلب إليهوأنذر عشيرتك الأقربين). وانتهى بأن أخذ بيد علي, وكان صبيا صغيرا, وقال: (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم, فاسمعوا له وأطيعوا). ومن وجهة نظر دينية, يحتل هذا النص مكانة خاصة, بسبب سن علي آنذاك وأعمار أولئك الذين يوجه النبي كلامه إليهم.
                كذلك تذكر مصادر عديدة, أن النبي, قال لعليلا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي).
                من هنا, كان رفض علي الواضح لخلافة أبي بكر. فحين جاءوا إليه, وقالوا (له بايع! قال: أنا أحق بهذا الأمر منكم, لا أبايعك وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار, واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله, فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الأمارة, وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار, فانصفونا أن كنتم تخالفون الله من أنفسكم, واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم, وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.
                قال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع):
                يبدو أن عليا كان يفهم سبب إصرار عمر على المبايعة, فقد قال علي لعمرأحلب حلبا لك شطره, والله ما حرصك على إمارته إلا ليؤثرك غدا). وفي نص آخر: (أحلب يا عمر حلبا لك شطره؛ أشدد له اليوم ليرد عليك غدا. لا والله لا أقبل قولك ولا أتابعه!
                فقال له أبو بكر[بأسلوبه اللين]: فإن لم تبايعني لم أكرهك.
                فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن! إنك حدث السن وهؤلاء مشيخة قومك, ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور, ولا أرى أبا بكر ألا أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالا واضطلاعا به؛ فسلم له هذا الأمر وارض به؛ فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر لخليق وعليه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.
                فقال علي: يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم! نحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم. فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا عن الحق بعدا.
                فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان, ولكنهم قد بايعوا.
                وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع).
                لكن يبدو أن الرياح كانت تسير بعكس ما يشتهي علي. وتخبرنا بعض المصادر, مثلا, أن جماعة اجتمعت (إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة, فقال لهم: اغدوا علي محلقين الرؤوس. فلم يغد إلا ثلاثة نفر.
                كذلك يخبرنا مرجع آخر, أن عليا كان (يحمل فاطمة على حمار,[ويسير] بها إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة, وتسألهم فاطمة الانتصار له, فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل, ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.
                فقال علي: أ فكنت أترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميتا لم أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟!
                فقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له, ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه.
                لعب أسلوب الترغيب(مثال العباس) والترهيب (مثال سعد بن عبادة), الذي استخدمته جماعة الحكم, دوره الأبرز في تقاعس الناس عن نصرة علي- أسلوب استمر طويلا بعد استقرار الحكم لأبي بكر في المدينة, فعلى سبيل المثال: رفض خالد بن سعيد بن العاص مبايعة أبي بكر, وانحاز إلى علي. لكنه خضع بعد ذلك لضغط الظروف, وبايع. (وبعث أبو بكر الجنود إلى الشام وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد, فأخذ عمر يقول: أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال؟! فلم يزل بأبي بكر حتى عزله, وأمر يزيد بن أبي سفيان).

                مناقشة نصوص السقيفة:
                قال عمر بن الخطاب: (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها).- لماذا؟
                لقد لاحظنا أولا أن أبا بكر وعمر بن الخطاب تثاقلا عن المضي في سرية أسامة بن زيد لشعورهما, على الأرجح, بدنو أجل النبي وخوفهما بالتالي من أن يتوفى النبي ويعين الخليفة في غيابهما.
                من ناحية أخرى, أراد النبي, وقد رأى أن خطته بإنفاذ هؤلاء في سرية أسامة بن زيد لم تكتمل, أن يملي على المسلمين وصيته التي كانت ستتضمن حتما أشياء لن تعجب عمر بن الخطاب- كان أبو بكر غائبا- فاحتج عمر بقوله, إن النبي يهذو.
                غاب بنو هاشم عن سقيفة ومجريات الأمور فيها لانشغالهم بغسل النبي وتجهيزه. لكن الأنصار, الذين لم ينتظروا حتى يدفن النبي ويكتمل حضور الجماعة الإسلامية الأولى, اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للنبي منهم. وحين سمعت مراكز القوى القرشية بذلك, تدافعت إلى السقيفة كي تحبط مسعى الأنصار.
                بدا الموقف الأنصاري ضعيفا منقسما منذ البداية الأولى. يضاف إلى ذلك الحس القبلي عند بعض الأنصار, الذي كان يقول, إن الأنصار, رغم أنهم هم الذين أعزوا الني وأصحابه وجاهدوا أعداءه حتى استقامت العرب, إلا أن قريش أهله وعشيرته, وهم الأحق بخلافته؛ لذلك أقترح في البداية أن يكون أمير أنصاري وأمير قرشي, فرد سعد بن عبادة: هذا أول الوهن.
                مقابل ذلك, بدا الموقف القرشي, في غياب بني هاشم, متراصا خلف عمر بن الخطاب. وحين حضر القرشيون إلى السقيفة, احتج أبو بكر بأن قريش أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بالخلافة من بعده؛ وحاول استرضاء الأنصار, بالقول: نحن الأمراء وأنتم الوزراء؛ فوقف الحباب بن المنذر, وقد أضعف وضع سعد بن عبادة الصحي موقف الأنصار, ليحتج على القرشيين, بالقول, إن البلاد بلاد الأنصار, وطالب بإجلاء قريش عن المدينة. بعدها, جاء أول تنازل أنصاري والذي جر وراءه تنازلات كثيرة: منا أمير ومنكم أمير. لكن عمر رفض ذلك بحسم, محتجا أيضا بالحس القبلي ذاته: نحن أولياء النبي وعشيرته. فجاء رد الحباب العنيف: أجلوهم عن هذه البلاد, فبأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين به.
                لكن التنافس الأوسي الخزرجي من جهة, والتنافس الخزرجي من جهة أخرى, قضيا على أي أمل للأنصار في تسلم سدة الحكم. فقد كانت ذكرى حرب البعاث, التي لم يكن قد مضى عليها سنوات كثيرة, بين الأوس والخزرج, ماثلة ي البال. لذلك خاف الأوس من سلطة الخزرج؛ وخافوا أكثر من أنهم إذا دعموهم للوصول إلى سدة الحكم, أن لا يجعلوا لهم فيه نصيبا, وتكون لهم بذلك فضيلة. فوقف بالتالي زعيم الأوس, أسيد بن حضير, أبرز منافسي سعد بن عبادة وحساده, ليطالب بمبايعة أبي بكر, دون أن ننسى طبعا العلاقة المميزة التي كانت تربط أسيد بن حضير بأبي بكر وعمر. ومن ناحية أخرى, فقد بايع بشير بن سعد الخزرجي أبا بكر, حتى لا تذهب الخلافة إلى ابن عمه ومنافسه سعد بن عبادة. وعلل ذلك بقوله إنه يكره منافسة قوم (حقا جعله الله لهم)؛ رغم هذا, كان موقف بشير غير مستقر, يتذبذب بين تأييد أبي بكر والانتصار لعلي (عليه السلام).
                أخيرا, كان لمجيء قبيلة (أسلم), التي (ملأت شوارع المدينة), وبايعت أبا بكر, أثره الحاسم في دعم موقف جماعة الحكم ضد الأطراف الأنصارية المعارضة.

                الهاشميون:
                بدا أن القرشيين- عدا بني هاشم- والأنصار كانوا منشغلين بصراعات الحكم إلى درجة أنهم نسوا غسل النبي وتجهيزه, رغم استمرار ذلك من الاثنين حتى عصر الثلاثاء. بل إن انشغال أبي بكر وعمر بأفراح التنصيب منعهما من حضور مراسم ودفن النبي.
                لم يعلم بنو هاشم, وبينهم علي, بمجريات الأمور في السقيفة وما بعد, حتى تعالت أصوات الفرح بمبايعة أبي بكر في المسجد: كان بنو هاشم منشغلين بتجهيز النبي للدفن. وبعد استقرار البيعة لأبي بكر, حاولت جماعة الحكم, فرض الأمر على علي وبني هاشم بالقوة: لكنهم فشلوا. وكان لفاطمة الزهراء, ابنة النبي الوحيدة آنذاك, بما تشكل من ثقل معنوي كبير, أبرز الأثر في إفشال مخطط جماعة الحكم. لذلك, كانت محاولاتهم المتكررة للضغط على الزهراء (عليها السلام):
                1- حرمان بني هاشم من الخمس, الذي كان سيتيح لهم فرصة الاستقلال المادي عن جماعة الحكم ويساعدهم بالتالي على الاستقلال الفكري العقائدي أيضا.
                2- رفضهم إعطاء فاطمة حقها من الإرث في فدك؛ وقد فسر علي بن الفارقي المعتزلي الأمر كما يلي: (لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يمكنه حينئذ الاعتذار بشيء لأنه قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان, من غير الحاجة إلى بينة والى شهود). - هذا يقودنا إلى السؤال المشروع التالي: هل يعقل أن يطالب أبو بكر, فاطمة الزهراء, ابنة النبي وخديجة وزوجة علي وأم الحسن والحسين, بتقديم أدلة على صحة أقوالها أيا كانت؟ وإذا كانت فاطمة بحاجة إلى دلائل على صحة أقوالها, فمن هو ذا, في طول التاريخ الإسلامي وعرضه, الذي سنصدق أقواله دون دلائل قاطعة؟!
                إن التناقضات تحتل صدر الصورة في النصوص المتعلقة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) في كتب التراث. فقد نقلت تلك الكتب عن أبي بكر قوله, فيما يتعلق بالإرث النبوي, إن الأنبياء لا يورثون؛ ونسب هذا القول للنبي ذاته. مع ذلك فاحتجاج الزهراء بالقرآن الكريم: (يرثني ويرث من آل يعقوب), يفتح باب التناقض على مصراعيه: فإذا افترضنا أن المقصود بالإرث في الآية الكريمة هو الإرث المادي, فذلك يعني أن لفاطمة الحق الكامل في الإرث النبوي؛ وإذا كان المقصود بذلك الإرث المعنوي, لكان لها أيضا الحق الكامل في هذا الإرث المعنوي: الخلافة.
                كذلك فإن رفض أبي بكر شهادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قضية الميراث يتناقض تماما مع قول النبي عن علي, إن الحق معه, يدور حيثما دار.
                أما التناقض الأبرز فيبدو صارخا في تضارب الأقوال التالية, الذي لا سبيل إلى حله:
                نقل عن النبي قوله لابنته الزهراء وعنها: (الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)؛ (فاطمة بضع مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها)؛ (فاطمة بضعة مني يغضبني ما أغضبها. وقال النبهاني: وفي رواية فمن أغضبها أغضبني), (فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها).
                من ناحية أخرى, جاء في أمهات الكتب الإسلامية أن فاطمة (وجدت على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى ماتت)؛ وجاء أيضا: ( غضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر, فلم تزل مهاجرته حتى توفيت)؛ وأيضا: (غضبت فاطمة على أبي بكر فهجرته, فلم تكلمه حتى ماتت).
                مقابل ذلك, تنسب تلك الكتب إلى النبي أقوالا, مثل: (من كره من أميره شيئا فليصبر, فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)؛ (من رأى من إمامه شيئا فليصبر, فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات, مات ميتة جاهلية.. ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه, إلا مات ميتة جاهلية).
                يبقى السؤال: من كان الله ورسوله غاضبين عليه؛ ومن الذي مات ميتة جاهلية؟!!

                تعليق


                • #38
                  إن مجرد القول أن الأنبياء لا يورثون هو تشكيك بآيات القرآن الكريم والإساءة إلى الحقائق التاريخية المدونة في الأسفار ثم أن أهل البيت هم أعلم برسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وأحاديثه، وحينما روى الخليفة الأول حديثاً برر فيه استيلائه على أراضي فدك مدعياً إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (إنا معاشر الأنبياء لا نورث.. وما تركناه فهو صدقه) فأتاه الإمام علي (عليه السلام) محتجاً قائلاً:
                  (لو أن النبي أراد ذلك لأخبرنا نحن ورثته بالعلم.. والإيمان والتقوى ورثته بما تركه من إرث وتركه) وان ما رواه أبو بكر هو من أحاديث الآحاد التي يرويها هو وحده دون غيره.
                  إن القول أن الأنبياء لا يورثون هو تشكيك بآيات القرآن والإساءة إلى الحقائق التاريخية التي تنافي هذا الحديث.
                  ولو كان ذلك حقاً لأباح لنفسه أن يدخل الأفراس الستة والنوق الثلاث والشهباء إلى بيت مال المسلمين مضافاً إلى شاتين حلوبتين وسيفه (صلى الله عليه وآله) مع درعه وعمامته وخاتمه وعبائتين وفراشه...
                  كذلك ترك رسول الله لزوجاته بيوتاً (ولو حقاً ما قال الرجل) لأمرهن رسول الله بمغادرتهن لأنه لا يورث..!!
                  وهل حقاً إن الأنبياء لا يورثون وقد نزلت الآيات بالقول:
                  (وورثَ سليمان داود)[سورة النمل: الآية 16].
                  وقوله تعالى على لسان نبيه زكريا (عليه السلام):
                  (فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً)[سورة مريم: الآية 5 و 6].
                  وقوله تعالى في محكم كتابه العزيز:
                  (يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين)[سورة النساء: الآية 11].
                  هل من الممكن إن السيدة فاطمة الزهراء تلميذة رسول الله النقية الطاهرة التقية الفاضلة أن تدعي بما ليس لها.
                  أن ما احتج به الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الآيات القرآنية يدحظ صحة الحديث الموضوع... ولا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في صحة ادعاء علي وصدق أقواله فهو اعلم الناس والمسلمين بعلم المواريث.. واحفظهم للأحاديث وأقدمهم إسلاماً وأكثرهم إيماناً وأقضاهم أحكاماً.
                  وهل من الممكن إن سيدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة تلميذة رسول الله التي كان يسميها (أم أبيها) النقية الطاهرة التقية الفاضلة أن تدعي بما ليس لها... أو تجادل في حق ليس لها فيه حق وتخالف الدين الحنيف وما أوصى به خاتم الأنبياء.
                  فأن كان الأنبياء لا يورثون.. ويتركون ما تركوا صدقة.. فكيف تخالف أحكام الأنبياء وهي العالمة... هيهات لآل بيت النبوة مخالفة تعاليمها.. لاسيما الإمام علي وعقيلته الزهراء (عليهما السلام) اللذان عاشا مع النبي العظيم سيد الكائنات والبشرية جمعاء، واقتديا به، وانتهلا من علمه.. وإيمانه وتقواه.. وهما من آل بيت رسول الله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بقوله تعالى:
                  (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)[سورة الأحزاب: الآية 33].
                  لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم (عليه السلام) إلى الخاتم (صلى الله عليه وآله) صدقة، لقسمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء والأولاد وسائر الأقارب، ولا يخلو الحال: أما أن يكون كلّ نبي يبين هذا الحكم لورثته بخلاف نبينا (صلى الله عليه وآله) أو يتركون البيان كما تركه فجرى على سنة الذين خلوا من قبله، من أنبياء الله (عليهم السلام)(1).
                  فأن كان الأول: فمع أنه خلاف الظاهر، كيف خفيّ هذا الحكم على جميع أهل الملل والأديان ولم يسمعه أحد إلا أبو بكر، ومن يحذو حذوه، ولم ينقل أحد أن عصا موسى (عليه السلام) أعطيت على وجه الصدقة إلى فلان، وسيف سليمان (عليه السلام) صار إلى فلان وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم فرقت بين الناس، ولم يكن في ورثة أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك وان كان بخلاف حكم الله عز وجل.
                  وان كان الثاني:
                  إن أكثر الروايات تنص انه لم يرو هذا الحديث إلاّ أبا بكر وحده.
                  فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أكانوا يرضون بذلك ولا ينكرون؟ فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعاً يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء.. ولم ترض به سيدة النساء؟ أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الأمم، ولم ينقلها أحد ممن تقدم، ولا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم.
                  قال ابن أبي الحديد: إن أكثر الروايات تنص انه لم يرو هذا الخبر (الحديث) إلاّ أبا بكر وحده، ذكر ذلك معظم المحدثين، حتى إن الفقهاء أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد إلا برواية اثنين كالشهادة.. وقد روي أن أبا بكر يوم حاجّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) قال: انشد الله امرئً السمع من رسول الله في هذا شيئاً فشهد أربعة له وهم عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن فقالوا سمعناه من رسول الله...
                  يقول ابن أبي الحديد: فأين كانت هذه الرواية أيام أبي بكر.. ما نقل أحداً من هؤلاء يوم خصومة السيدة فاطمة الزهراء لأبي بكر... ولم ظهرت بعد زمن من وقوعها أذن فهي شهادة زور ولم ترد في مقام الاحتجاج(2)..
                  وقال: إن الاستشهاد وتأييدها كان في خلافة عمر دون أبي بكر، أما عقيب وفاة النبي ومطالبة فاطمة (عليها السلام) بالإرث فلم يرو الخبر إلا أبا بكرٍ وحده.
                  إنا مع قطع النظر عن جميع ما ذكرناه نحكم قطعاً بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل(3) ومن اسند إليه هذا الخبر (الحديث). لا يجوز عليه الكذب فلا بدّ من القول بكذب من رواه، والقطع بأنه وضعه وافتراه. فهو مخالف للنص القرآني إن عرض عليه وهذا خلاف واضح للسنة النبوية والحديث الشريف لأنهما ظل القرآن المفصح عن مكنونه وأي حديث ليتعارض مع نص آياته فهو حديث موضوع.

                  الهوامش:
                  1- الأسرار الفاطمية، الشيخ محمد فاضل المسعودي.
                  2- جامع الأصول ج 3 ص 311.
                  3- الأسرار الفاطمية، الشيخ محمد فاضل.

                  تعليق


                  • #39
                    وليد الكعبه

                    بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته روى صاحب كتاب بشائر المصطفى عن يزيد بن قعنب قال كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بازاء بيت الله الحرام .. اذ اقبلت فاطمة بنت اسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملا به وقيل لتسعة اشهر وفي روايه ثانيه لسبعة اشهر الله اعلم فأخذها الطلق والمخاض . فقالت.. يا رب أني مؤمنه بك وبما جاْ من عندك من رسل وكتب وأني مصدقه بكلام جدي ابراهيم الخليل عليه السلام وانه بنى البيت العتيق . فبحق هذا البيت ومن بناه والمولود الذي في بطني الا ما يسرت علي ولادتي ..فال يزيد بن قعنب فرأيت البت قد انشق من ظهره فدخلت وغابت عن ابصارنا وعاد الى حاله فرمنا ان نفتح الباب فلم ينفتح فعلمنا انه امر من الله ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ثم قال... اني فضلت على من تقدمني من النساء لان اسيا بنت مزاحم عبد الله سرا في موضع لا يحب الله ان يعبد فيه الا اضطرار وان مريم بنت عمران هزت النخله بيدها حتى اكلت منها رطبا جنيا واني دخلت بيت الله الحرام فاكلت من ثمار الجنه وارزاقها فلما اردت ان اخرج هتف بي هاتف .... يا فاطمه سميه عليا .. فهو علي والله العلي العظيم .... ويقول شققت اسمه من اسمي وادبته بادبي واوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي ويؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن احبه واطاعه وويل لمن ابغضه وعصاه .... قال فولدت علي عليه السلام يوم الجمعه الثالث من رجب سنه ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام اكراما له من الله عزوجل واجلالا لمحله في التعظيم (((( اخي ابو الوسم ليقولوا ما يقولون لا تحزنوا منهم فانهم يتالمون لان ائمتهم لا تاريخ لهم لا علم لهم لنهم ينقلون عن فلان وفلان ونحن ننقل عن خير البريه ))) قال رسول الله لفاطمه بنت اسد يافطمه اجعلي مهده بقرب فراشي وكان يتولى تربيته وكان يطهر عليا في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويحمله على صدره ويقول اسمعوا ياشيعه ياموالين طوبى لكم ايمامكم والله (( هذا اخي ووليي وناصري وصهيي وخليفتي وكهفي وظهري ووصيي وزوج كريمتي واميني على وصيتي وكان يحمله على كتفه دائما ويطوف به جبال مكه وشعابها واوديتها ........ موتوا في غيضكم يانواصب هذا هو امامنا نعرفه حق المعرفه كما نعلم من هو امامكم حق المعرفه انتم اجيبونا ايهما اشرف على الله امامنا ام امامكمواذا لم تعرفوا الجواب فان الجواب يوم القيامه سوف ننظر من هو مسرف كذاب هذا ما لدينا اسمعونا مالديكم اذا لم يخرس الله اسلنتكم التي تنطق بالزور والاثم وفي النهايه الحمد لله الذي شرفنا وكرمنا بمحبة النبي وعلي والحسن والحسين وفاطمه وبالتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم افضل الصلاة والسلام واللعنه على اعدائهم من الاولين والاخرين امين يارب العالمين ........... اخوكم اياد الكاظمي

                    تعليق


                    • #40
                      بسم اللهالرحمن الرحيم

                      اللهم صلي على محمد وآل محمد
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                      اخي العزيز اياد
                      لك مني جزيل الشكر والتقدير
                      على مشاركتك الجميله

                      جزاك الله خيرا
                      سلِمت ودُمت
                      ابو الوسم

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      x

                      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                      صورة التسجيل تحديث الصورة

                      اقرأ في منتديات يا حسين

                      تقليص

                      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                      يعمل...
                      X