حــوارٌ مــع امــرأةٍ غيــر ملتزمــة
ـ1ـ
غيري الموضوع يا سيدتي .
ليس عندي الوقت والأعصاب
كي أمضي في هذا الحوار ..
إنـني في ورطة كبـرى مع الدنـيا ،
وإحساسي بعيـنـيـكِ كإحساس الجدار ...
قهوتي فيها غبار .
لغتي فيها غبار .
شهوتي للحب يكسوها الغبـار ..
أنا آت من زمان الوجع القومي
آت من زمان الانكسار .
إنني أكتـب مثـل الطائر المذعور ،
ما بين انـفجارٍ .. وانفجار ..
هل تظنـيـن بأنا وحدنا ؟
إن هذا الوطن المذبوح يا سيدتي
واقف خلف الستار .
فاشرحي لي :
كيف أستـنـشـقُ عطر امرأةٍ ؟
وأنا تحت الدمار .
اشرحي لي :
كيف آتـيـك بوردٍ أحمر ؟
بعد أن مات زمان الجلنـار ..
ـ2ـ
غيري الموضوع ، يا سيدتي .
غيّـري هذا الحديث اللااُباليّ ..
فما يقـتـلـني إلا الغـبـاء .
سقط العالم من حولك أجزاءً ..
وما زلت تعيـديـن مواويلك مثل البـبـغاء
سقط التاريخُ . والإنسان . والعقل ..
ومازلت تظـنـيـن بأن الشمس
قد تـشرق من ثوبٍ جميـل ٍ
أو حذاء ..
ـ3ـ
أجّـلي الحلم لوقـتٍ آخرٍ ..
فأنا منكسـرٌ في داخلي مثـل الإناء .
أجلي الشعر لوقت آخر ٍ ..
ليس عندي من قماش الشعر
ما يكفي لإرضاء ملايـين النساء ..
أجلي الحب ليوم أو ليومين ..
لشهر ٍ أو لشهرين ..
لعام أو لعامين ..
فلن تـنخسف الأرض ،
ولن تـنهار أبراج السماء ..
هل من السهل احتضان امرأةٍ ؟
عندما الغرفة تكتـظّ بأجساد الضحايا
وعيون الفقراء ؟
ـ4ـ
اقلبي الصفحة يا سيدتي
علّـني أعثـر في أوراق عيـنـيـكِ
على نص جديد .
إن مأساة حياتي ، ربما
هي أني دائما أبحث عن نص جديد ..
ـ5ـ
آهِ .. يا سيدتي الكسلى
التي ليس لديها مشكله ..
يالتي ترتـشف القهوة ..
من خلف السُـتــُور المقفلة .
حاولي ..
أن تطرحي يوما من الأيام بعض الأسئلة
حاولي أن تعرفي الحزن الذي يذبحني حتى الوريد ..
حاولي .. أن تدخلي العصر معي .
حاولي أن تصرخي ..
أن تغـضبي ..
أن تـكـــُفري ..
حاولي ..أن تـقـلعي أعمـدة الأرض مـعي .
حاولي أن تـفعلي شيـئا
لكي نخرج من تحـت الجليـد ...
ـ6ـ
غيّري صوتــَك..
أو عمرك ..
أو اسمك .. يا سيدتي
لا تكوني امرأة مخزونة في الذاكرة
وادخلي سيـفـا د مشقيا بلحم الخاصرة
غيّري جِلدك أحيـانا ..
لكي يشتعل الورد ،
وكي يرتـفع البحر ،
وكي يأتي النشيـد ..
ـ7ـ
أسكتي يا شهرزاد .
أسكتي يا شهرزاد .
أنـت في واد .. وأحزاني بواد
فالذي يـبحث عن قصة حبٍ ..
غيرُ من يـبحث عن موطنه تحت الرماد.
أنت ..ما ضيعت ، يا سيدتي ، شيئا كثيرا
وأنا ضيعت تاريخاً ..
وأهلا ً ..
وبلاد ...
- نزار قباني -
تعليق