المرأة في المشروع الاسلامي المعاصر من منظور نقدي
في أغلب المنظومات الثقافية، القديمة والحديثة والمعاصرة، هناك بعض المفاهيم التي يمكن أن نصطلح عليها بالمفاهيم القلقة، وهي التي تتصف بطابع إشكالي، حيث تتعدد حولها الاجتهادات، النظر بصورة مختلفة، وأحياناً متناقضة.
وهذه المفاهيم القلقة غالباً ما تفرض حضورها مع مرور الزمن وتجدد الواقع ثقافياً وموضوعياً، سعياً باتجاه إخراج هذه المفاهيم من حالة القلق إلى حالة الاستقرار، حيث الوضوح والاتفاق ما أمكن..
وقد اتصفت هذه المفاهيم (القلقة) بوضعية خاصة داخل منظوماتها الثقافية، من حيث الاشتغال الفكري والثقافي، وحتى الأدبي في بعض الأحيان، وكان لهذا الانشغال المستديم أو شبه المستديم، أثره على خلق حالة من الدينامية والحركية والإثراء بوسائط النقد والحوار والنشر.
ومن هذه المفاهيم القلقة ما يكون مرتبطاً بظرف زمني معين، بانتهاء هذا الظرف ينتهي التباين حول هذه المفاهيم، إما بمعالجتها، أو بتوقف الاشتغال بها، ومن المفاهيم ما يدوم طويلاً.
والحالة الطبيعية أن يكون القلق في المفاهيم لزمن لا أن يكون مستديماً، فيتحول من ظاهرة قد تكون صحية إلى ظاهرة غير صحية، تتصف بالتعقيد، وقد تكشف عن حالة من العجز في هذه المنظومات الثقافية، نتيجة ضعف القدرة على معالجة هذه المفاهيم.
ومن المفاهيم القلقة في المنظومة الثقافية الإسلامية، قديماً كانت مسألة (الجبر والاختيار) التي اشتد حولها الاختلاف في منتصف القرن الثاني للهجرة. وحديثاً مسألة (الدين والعلم) التي جاءت نتيجة الاحتكاك بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، في القرن التاسع عشر الميلادي.
ومن المفاهيم المعاصرة، تأتي مسألة (التراث والمعاصرة) مع مفاهيم أخرى. وكذا الحال مع منظومات ثقافية أخرى.
ومن المفاهيم التي يشتد حولها القلق في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، مسألة (المرأة) وجدلية دورها الاجتماعي العام.. ودورها الفاعل في البعد الإنساني المتنوع، والمتحرك المواقع، يثير الحوار حول الكثير من المفاهيم القلقة التي يحملها الناس في النظرة إليها، لا سيما في الإطار الديني الإسلامي، مما قد يؤدي إلى الارتباك في التعامل معها على صعيد الواقع، أو إلى فقدان ثقتها بنفسها من خلال الإيحاءات المختلفة المؤثرة في شعورها وإحساسها بالحياة من حولها، ونظرتها إلى المسؤولية الملقاة على عاتقها.
ويصور هذا القلق الشيخ (محمد مهدي شمس الدين) في كتابه حول فقه المرأة الذي يعنونه بـ(مسائل حرجة في فقه المرأة).
ويعبّر الدكتور (يوسف القرضاوي) عن هذا القلق بقوله: (إن قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية مثل بارز يجسد موقفي الغلو والتقصير، أو الإفراط والتفريط).
ويكشف عن هذا القلق أيضاً الشيخ (محمد الغزالي) في القسم الذي يخصصه عن المرأة في كتابه الذي أثار جدلاً واسعاً في وقته وهو كتاب (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث).
ومحور هذا القلق في قضية المرأة هو جدلية دورها الاجتماعي ومشاركتها في الوظائف العامة. فحينما كتب الشيخ (محمد رشيد رضا) مؤلفاً حول (حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام) واعتبر أن الإسلام قال بمشاركة النساء للرجال في الشعائر الدينية والأعمال الاجتماعية والسياسية، اعترض عليه الشيخ (محمد ناصر الدين الألباني) في أثناء تحقيقه لهذا الكتاب، وتعليقه عليه، قائلاً: إن هذا الإطلاق باطل لمنافاته لعموم آية (وقرن في بيوتكن) وما كان عليه نساء السلف من عدم التدخل في السياسة. أما الشيخ (رشيد رضا) فيرى في الآية (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) أن الله قد أثبت للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة الحربية والسياسية، إلا أن الشريعة أسقطت عن النساء وجوب القتال. وقد ميز الشيخ (محمد الغزالي) هذا النوع من الاختلاف على أنه اختلاف في المنهج بين أهل الفقه وأهل الحديث في قراءة المفاهيم الإسلامية وتنزيلها على الواقع، في كتابه الذي ينتصر فيه لأهل الفقه، وهو كتاب (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث).
وبلسان حال المرأة تقول الدكتورة (منى يكن): (لا تزال المرأة المسلمة مبعدة عن دورها الاجتماعي والحياتي إلى حد كبير، ولا يزال هاجس إبقائها على الهامش ينغّص عيشتها، ويقلق راحتها، ويقصيها عن الحركة، وتبقى مسألة الاعتراف بالمرأة بفاعليتها، ودورها، وعدم فرض الوصايا العمياء عليها من أهم القضايا التي تشغل بالها).
وتضيف السيدة (صافي ناز كاظم): (أن حظ المرأة المتعلمة من الالتفات إسلامياً لمحنة ظلمها الاجتماعي الذي أعادها إلى عذاب موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، تفسير مبتور للآية الكريمة (وقرن في بيوتكن) وذلك بدل إعادتها إلى وضعها الذي قرره لها الإسلام).
من هذا التمهيد نصل إلى تشخيص مورد البحث، أو تحرير محل النزاع كما في لغة الفقهاء. إذن هناك مشكلات حقيقية ومتجذّرة حول قضايا المرأة في الخطاب الإسلامي، والمشروع الإسلامي، مدار هذه المشكلات، ومحورها هو جدلية دورها الاجتماعي العام، وإن كان هناك اختلاف فليس في عدم وجود هذه المشكلات، بل في تحليلها وتوصيفها.
- أولاً: يغلب على الكثير من هذه الكتابات الحالة الانفعالية والدفاعية في الرد على الشبهات والإشكاليات التي تثيرها الأقلام والتيارات غير الإسلامية حول المرأة بشكل عام، والمرأة في الخطاب الإسلامي بشكل خاص. وإذا كان من المهم الدخول مع هذه الآراء بالحوار والنقد والرد، فإن الأهم الانطلاق من الأصول الإسلامية في بلورة الرؤية المعرفية والعملية لقضايا المرأة، بعيداً عن حساسيات الطرف الآخر.
وإذا اعتبرنا أن هذه الحالة قد جاءت في ظرف كان التيار الإسلامي في أغلب قضاياه في موقف الدفاع، فإن هذا الظرف قد تغير، ولا زالت العديد من الكتابات الإسلامية لم تتغير.
والمرأة في الواقع الإسلامي لا تنتظر مثل هذه الردود، التي لا تغير من واقعها بشيء، بقدر انتظارها وحاجتها إلى صياغة الرؤية الإسلامية حول المرأة والتي ترتبط بأوضاعها، وإصلاح هذه الأوضاع.. هي تريد أن تعرف المفهومية الإسلامية حتى تكيف سلوكها وفقها، لا أن تتطلع على تلك الردود فحسب.
- ثانياً: إن أغلب الكتابات الإسلامية عن المرأة جاءت من الرجل وليس من المرأة. وهذا ما يتضح بصورة جلية لو قمنا بتوثيق ببليوغرافي حول ما نشر عن المرأة في الخطاب الإسلامي.. وحين يستعرض الأستاذ (منير شفيق) آراء الإسلاميين عن المرأة يذكر لواحد وعشرين رأياً من الرجال، ولاثنتين فقط من النساء وهذا بالتأكيد ليس لفصل عالم المرأة عن اهتمامات الرجل، بل لأن المرأة ولأسباب ذاتية وموضوعية، معرفية ومنهجية، هي أقرب إلى تشخيص أحوالها، ومعرفة كينونتها، وبالتالي تحديد حاجاتها، ومتطلباتها.. من جانب آخر قد لا يتوجه النقد هنا بالضرورة للرجل الذي عبر عن رأيه باهتمام في موضوع المرأة، بقدر ما يوجه للمرأة ذاتها التي لم تتولّ قضاياه بالكتابة والنشر كما أولاها الرجل.
- ثالثاً: يكاد المتابع لكثير من الكتابات الإسلامية عن المرأة أن يصاب، بالملل وقد يصل إلى الإحباط لما تتصف به هذه الكتابات من الاجترار والتكرار والتقليدية أو السطحية في بعض الأحيان، فلا ترى التجديد والعمق والإبداع إلا قليلاً. فقد صار معروفاً في هذه الكتابات أن يبدأ الكاتب بالحديث عن الظروف السيئة للمرأة عند الأمم والشعوب القديمة، ثم عن احتقار المرأة في عصر الجاهلية، ثم عن انحلال المرأة في الغرب، وبعد ذلك يأتي الحديث عن تكريم الإسلام للمرأة الذي أعلى من شأنها، واعترف لها بحقوقها..
وعن هذه المنهجية تقول السيدة (زينب الغزالي): (إن مثل تلك القضايا قد قتلت بحثاً، وعرف بها القاصي والداني، والبعيد والقريب) ويذكر الدكتور (القرضاوي): (قد شكا إليّ بعض الأخوات مللهن من المحاضرات التي تلقى في المؤتمرات الإسلامية بأمريكا وأوروبا التي تدور كلها حول قضايا المرأة وحقوقها وواجباتها، ومكانتها في الإسلام، وهي قضايا تكررت حتى أصبح الحضور لسماعها كأنه عقوبة!!).
والمرأة قد سمعت كثيراً عن هذه القضايا فهل تحسنت أوضاعها عندنا؟!
- رابعاً: لقد ركزت الكتابات الإسلامية عن المرأة كثيراً وبمساحات كبيرة على الجانب الأخلاقي الذي يرتبط بالسفور والاختلاط وتقليد المرأة الغربية في سلوكها.. وهذا التركيز بالتأكيد له ما يبرره موضوعياً حيث الانحلال الأخلاقي، والميوعة والفساد الاجتماعي بصورة خطيرة ومدمرة منتشرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ولكن إلى جانب هذا التركيز لم نشهد تركيزاً في الكتابات والأبحاث والتي تعالج قضايا تنمية المرأة، والارتقاء بمستوياتها التربوية والتعليمية، والنهوض بأدوارها الاجتماعية واستكشاف مواهبها وتفعيل طاقاتها.
- خامساً: يلاحظ أن نقصاً واضحاً في هذه الكتابات يرتبط بالجوانب التوصيفية والإحصائية، والتي هي من الشروط الأساسية في الدراسات العلمية، ومع غيابها تفتقد هذه الكتابات إلى عنصر أساسي من عناصر البحث العلمي. فالعناصر الكيفية لا تبتني إلا على عناصر كمية.. وهذا النقص لا يمكن أن يعوض بأي شكل من الأشكال، إلا بواسطة عمليات المسح الاجتماعي، والاستطلاعات الميدانية، والاستبيانات، وتخزين المعلومات..
لم نلاحظ لدينا أرقاماً حول المرأة العربية والإسلامية، كالتي تتوافر عن المرأة في الغرب..
في حين أن الأرقام والإحصاء هما المستند الحقيقي للتشخيص الموضوعي الذي يترتب عليه كيفية فهمنا لهذه الحالة، ونوعية الحياة للمرأة.
- سادساً: لا زالت هناك فجوة عميقة ترتبط بجدلية النظرية والتطبيق في مسألة المرأة.. فالطرح الإسلامي لقضية المرأة لا يجد طريقه إلى التطبيق بالكيفية التي ينظر له.. فلا زالت الموروثات والتقاليد التي تهيمن على الواقع هي أقوى وأكثر تأثيراً من التنظير الإسلامي.. وعن ذلك تقول السيدة (بثينة إبراهيم مكي): (إن المرأة اليوم هي أحد ضحايا التخلف الطويل الذي عاشته الأمة، ولاشك أن الأعراف الاجتماعية، وخاصة في النصف الأول من هذا القرن قد ساهمت في تأخير النهوض بالمرأة وتعليمها) .
ويؤكد هذه الحقيقة بوضوح أكثر الدكتور (جمال البرزنجي) وهو يلخص وقائع ندوة (الحركة الإسلامية في ظل التحولات الدولية وأزمة الخليج): (إن الحركة الإسلامية عجزت بكافة فصائلها عن أن تطرح قضية المرأة طرحا إسلامياً، مستقلاً، بعيداً عن ضغوط التقاليد والمجتمع، التي تقول هذا هو هدي الإسلام، ودور المرأة في المجتمع المسلم).
في أغلب المنظومات الثقافية، القديمة والحديثة والمعاصرة، هناك بعض المفاهيم التي يمكن أن نصطلح عليها بالمفاهيم القلقة، وهي التي تتصف بطابع إشكالي، حيث تتعدد حولها الاجتهادات، النظر بصورة مختلفة، وأحياناً متناقضة.
وهذه المفاهيم القلقة غالباً ما تفرض حضورها مع مرور الزمن وتجدد الواقع ثقافياً وموضوعياً، سعياً باتجاه إخراج هذه المفاهيم من حالة القلق إلى حالة الاستقرار، حيث الوضوح والاتفاق ما أمكن..
وقد اتصفت هذه المفاهيم (القلقة) بوضعية خاصة داخل منظوماتها الثقافية، من حيث الاشتغال الفكري والثقافي، وحتى الأدبي في بعض الأحيان، وكان لهذا الانشغال المستديم أو شبه المستديم، أثره على خلق حالة من الدينامية والحركية والإثراء بوسائط النقد والحوار والنشر.
ومن هذه المفاهيم القلقة ما يكون مرتبطاً بظرف زمني معين، بانتهاء هذا الظرف ينتهي التباين حول هذه المفاهيم، إما بمعالجتها، أو بتوقف الاشتغال بها، ومن المفاهيم ما يدوم طويلاً.
والحالة الطبيعية أن يكون القلق في المفاهيم لزمن لا أن يكون مستديماً، فيتحول من ظاهرة قد تكون صحية إلى ظاهرة غير صحية، تتصف بالتعقيد، وقد تكشف عن حالة من العجز في هذه المنظومات الثقافية، نتيجة ضعف القدرة على معالجة هذه المفاهيم.
ومن المفاهيم القلقة في المنظومة الثقافية الإسلامية، قديماً كانت مسألة (الجبر والاختيار) التي اشتد حولها الاختلاف في منتصف القرن الثاني للهجرة. وحديثاً مسألة (الدين والعلم) التي جاءت نتيجة الاحتكاك بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، في القرن التاسع عشر الميلادي.
ومن المفاهيم المعاصرة، تأتي مسألة (التراث والمعاصرة) مع مفاهيم أخرى. وكذا الحال مع منظومات ثقافية أخرى.
ومن المفاهيم التي يشتد حولها القلق في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، مسألة (المرأة) وجدلية دورها الاجتماعي العام.. ودورها الفاعل في البعد الإنساني المتنوع، والمتحرك المواقع، يثير الحوار حول الكثير من المفاهيم القلقة التي يحملها الناس في النظرة إليها، لا سيما في الإطار الديني الإسلامي، مما قد يؤدي إلى الارتباك في التعامل معها على صعيد الواقع، أو إلى فقدان ثقتها بنفسها من خلال الإيحاءات المختلفة المؤثرة في شعورها وإحساسها بالحياة من حولها، ونظرتها إلى المسؤولية الملقاة على عاتقها.
ويصور هذا القلق الشيخ (محمد مهدي شمس الدين) في كتابه حول فقه المرأة الذي يعنونه بـ(مسائل حرجة في فقه المرأة).
ويعبّر الدكتور (يوسف القرضاوي) عن هذا القلق بقوله: (إن قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية مثل بارز يجسد موقفي الغلو والتقصير، أو الإفراط والتفريط).
ويكشف عن هذا القلق أيضاً الشيخ (محمد الغزالي) في القسم الذي يخصصه عن المرأة في كتابه الذي أثار جدلاً واسعاً في وقته وهو كتاب (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث).
ومحور هذا القلق في قضية المرأة هو جدلية دورها الاجتماعي ومشاركتها في الوظائف العامة. فحينما كتب الشيخ (محمد رشيد رضا) مؤلفاً حول (حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام) واعتبر أن الإسلام قال بمشاركة النساء للرجال في الشعائر الدينية والأعمال الاجتماعية والسياسية، اعترض عليه الشيخ (محمد ناصر الدين الألباني) في أثناء تحقيقه لهذا الكتاب، وتعليقه عليه، قائلاً: إن هذا الإطلاق باطل لمنافاته لعموم آية (وقرن في بيوتكن) وما كان عليه نساء السلف من عدم التدخل في السياسة. أما الشيخ (رشيد رضا) فيرى في الآية (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) أن الله قد أثبت للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة الحربية والسياسية، إلا أن الشريعة أسقطت عن النساء وجوب القتال. وقد ميز الشيخ (محمد الغزالي) هذا النوع من الاختلاف على أنه اختلاف في المنهج بين أهل الفقه وأهل الحديث في قراءة المفاهيم الإسلامية وتنزيلها على الواقع، في كتابه الذي ينتصر فيه لأهل الفقه، وهو كتاب (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث).
وبلسان حال المرأة تقول الدكتورة (منى يكن): (لا تزال المرأة المسلمة مبعدة عن دورها الاجتماعي والحياتي إلى حد كبير، ولا يزال هاجس إبقائها على الهامش ينغّص عيشتها، ويقلق راحتها، ويقصيها عن الحركة، وتبقى مسألة الاعتراف بالمرأة بفاعليتها، ودورها، وعدم فرض الوصايا العمياء عليها من أهم القضايا التي تشغل بالها).
وتضيف السيدة (صافي ناز كاظم): (أن حظ المرأة المتعلمة من الالتفات إسلامياً لمحنة ظلمها الاجتماعي الذي أعادها إلى عذاب موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، تفسير مبتور للآية الكريمة (وقرن في بيوتكن) وذلك بدل إعادتها إلى وضعها الذي قرره لها الإسلام).
من هذا التمهيد نصل إلى تشخيص مورد البحث، أو تحرير محل النزاع كما في لغة الفقهاء. إذن هناك مشكلات حقيقية ومتجذّرة حول قضايا المرأة في الخطاب الإسلامي، والمشروع الإسلامي، مدار هذه المشكلات، ومحورها هو جدلية دورها الاجتماعي العام، وإن كان هناك اختلاف فليس في عدم وجود هذه المشكلات، بل في تحليلها وتوصيفها.
نقد الأدبيات الإسلامية حول المرأة
المساحة التي أخذتها قضية المرأة في الأدبيات الإسلامية، من حيث الكم تعد غير قليلة، لكن الراصد والمتأمل في هذه الأدبيات والكتابات من خلال المنظور النقدي، تتكشف له بعض الحقائق، منها:- أولاً: يغلب على الكثير من هذه الكتابات الحالة الانفعالية والدفاعية في الرد على الشبهات والإشكاليات التي تثيرها الأقلام والتيارات غير الإسلامية حول المرأة بشكل عام، والمرأة في الخطاب الإسلامي بشكل خاص. وإذا كان من المهم الدخول مع هذه الآراء بالحوار والنقد والرد، فإن الأهم الانطلاق من الأصول الإسلامية في بلورة الرؤية المعرفية والعملية لقضايا المرأة، بعيداً عن حساسيات الطرف الآخر.
وإذا اعتبرنا أن هذه الحالة قد جاءت في ظرف كان التيار الإسلامي في أغلب قضاياه في موقف الدفاع، فإن هذا الظرف قد تغير، ولا زالت العديد من الكتابات الإسلامية لم تتغير.
والمرأة في الواقع الإسلامي لا تنتظر مثل هذه الردود، التي لا تغير من واقعها بشيء، بقدر انتظارها وحاجتها إلى صياغة الرؤية الإسلامية حول المرأة والتي ترتبط بأوضاعها، وإصلاح هذه الأوضاع.. هي تريد أن تعرف المفهومية الإسلامية حتى تكيف سلوكها وفقها، لا أن تتطلع على تلك الردود فحسب.
- ثانياً: إن أغلب الكتابات الإسلامية عن المرأة جاءت من الرجل وليس من المرأة. وهذا ما يتضح بصورة جلية لو قمنا بتوثيق ببليوغرافي حول ما نشر عن المرأة في الخطاب الإسلامي.. وحين يستعرض الأستاذ (منير شفيق) آراء الإسلاميين عن المرأة يذكر لواحد وعشرين رأياً من الرجال، ولاثنتين فقط من النساء وهذا بالتأكيد ليس لفصل عالم المرأة عن اهتمامات الرجل، بل لأن المرأة ولأسباب ذاتية وموضوعية، معرفية ومنهجية، هي أقرب إلى تشخيص أحوالها، ومعرفة كينونتها، وبالتالي تحديد حاجاتها، ومتطلباتها.. من جانب آخر قد لا يتوجه النقد هنا بالضرورة للرجل الذي عبر عن رأيه باهتمام في موضوع المرأة، بقدر ما يوجه للمرأة ذاتها التي لم تتولّ قضاياه بالكتابة والنشر كما أولاها الرجل.
- ثالثاً: يكاد المتابع لكثير من الكتابات الإسلامية عن المرأة أن يصاب، بالملل وقد يصل إلى الإحباط لما تتصف به هذه الكتابات من الاجترار والتكرار والتقليدية أو السطحية في بعض الأحيان، فلا ترى التجديد والعمق والإبداع إلا قليلاً. فقد صار معروفاً في هذه الكتابات أن يبدأ الكاتب بالحديث عن الظروف السيئة للمرأة عند الأمم والشعوب القديمة، ثم عن احتقار المرأة في عصر الجاهلية، ثم عن انحلال المرأة في الغرب، وبعد ذلك يأتي الحديث عن تكريم الإسلام للمرأة الذي أعلى من شأنها، واعترف لها بحقوقها..
وعن هذه المنهجية تقول السيدة (زينب الغزالي): (إن مثل تلك القضايا قد قتلت بحثاً، وعرف بها القاصي والداني، والبعيد والقريب) ويذكر الدكتور (القرضاوي): (قد شكا إليّ بعض الأخوات مللهن من المحاضرات التي تلقى في المؤتمرات الإسلامية بأمريكا وأوروبا التي تدور كلها حول قضايا المرأة وحقوقها وواجباتها، ومكانتها في الإسلام، وهي قضايا تكررت حتى أصبح الحضور لسماعها كأنه عقوبة!!).
والمرأة قد سمعت كثيراً عن هذه القضايا فهل تحسنت أوضاعها عندنا؟!
- رابعاً: لقد ركزت الكتابات الإسلامية عن المرأة كثيراً وبمساحات كبيرة على الجانب الأخلاقي الذي يرتبط بالسفور والاختلاط وتقليد المرأة الغربية في سلوكها.. وهذا التركيز بالتأكيد له ما يبرره موضوعياً حيث الانحلال الأخلاقي، والميوعة والفساد الاجتماعي بصورة خطيرة ومدمرة منتشرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ولكن إلى جانب هذا التركيز لم نشهد تركيزاً في الكتابات والأبحاث والتي تعالج قضايا تنمية المرأة، والارتقاء بمستوياتها التربوية والتعليمية، والنهوض بأدوارها الاجتماعية واستكشاف مواهبها وتفعيل طاقاتها.
- خامساً: يلاحظ أن نقصاً واضحاً في هذه الكتابات يرتبط بالجوانب التوصيفية والإحصائية، والتي هي من الشروط الأساسية في الدراسات العلمية، ومع غيابها تفتقد هذه الكتابات إلى عنصر أساسي من عناصر البحث العلمي. فالعناصر الكيفية لا تبتني إلا على عناصر كمية.. وهذا النقص لا يمكن أن يعوض بأي شكل من الأشكال، إلا بواسطة عمليات المسح الاجتماعي، والاستطلاعات الميدانية، والاستبيانات، وتخزين المعلومات..
لم نلاحظ لدينا أرقاماً حول المرأة العربية والإسلامية، كالتي تتوافر عن المرأة في الغرب..
في حين أن الأرقام والإحصاء هما المستند الحقيقي للتشخيص الموضوعي الذي يترتب عليه كيفية فهمنا لهذه الحالة، ونوعية الحياة للمرأة.
- سادساً: لا زالت هناك فجوة عميقة ترتبط بجدلية النظرية والتطبيق في مسألة المرأة.. فالطرح الإسلامي لقضية المرأة لا يجد طريقه إلى التطبيق بالكيفية التي ينظر له.. فلا زالت الموروثات والتقاليد التي تهيمن على الواقع هي أقوى وأكثر تأثيراً من التنظير الإسلامي.. وعن ذلك تقول السيدة (بثينة إبراهيم مكي): (إن المرأة اليوم هي أحد ضحايا التخلف الطويل الذي عاشته الأمة، ولاشك أن الأعراف الاجتماعية، وخاصة في النصف الأول من هذا القرن قد ساهمت في تأخير النهوض بالمرأة وتعليمها) .
ويؤكد هذه الحقيقة بوضوح أكثر الدكتور (جمال البرزنجي) وهو يلخص وقائع ندوة (الحركة الإسلامية في ظل التحولات الدولية وأزمة الخليج): (إن الحركة الإسلامية عجزت بكافة فصائلها عن أن تطرح قضية المرأة طرحا إسلامياً، مستقلاً، بعيداً عن ضغوط التقاليد والمجتمع، التي تقول هذا هو هدي الإسلام، ودور المرأة في المجتمع المسلم).
تعليق