إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المجالس الحسينية مدارس ومعسكرات

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجالس الحسينية مدارس ومعسكرات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائم الى يوم الدين .
    المجالس الحسينية مــــدارس ومــــــعسكرات

    السلام عليك يا أبا عبد الله و على الأرواح التي حلت بفنائك ، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل و النهار ، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين .
    ما يفهم من هذا العنوان انه يوجد مرحلتان وهما المدرسة والمعسكر . كيف يكون المجلس الحسيني مدرسة وفي نفس الوقت معسكر ؟
    المرحلة الأول : المجالس الحسينية مدارس :
    أن من الظلم العظيم والتصور الواهي، أن نسبغ على القضية الحسينية ثوباً طائفياً أو إقليميا، أو حتى مجرد حدثاً تاريخياً جرى في حقبة من الزمن ثم تلاشى.
    فالمنصف والمتمعن بموضوعية لا يرى في مسيرة الحسين (ع) إلى كر بلاء إلا قضية إسلامية أصيلة تمثل فريضة من فرائض الإسلام ضمن نظامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحيث جسد فيها الإمام (ع) الإخلاص والحب والتفاني للرسالة الإلهية، ورسم بدمه الشريف صورة مشرفة ونموذجاً رائعاً لأمتنا اليوم في صراعها مع الباطل.
    ومن الغبن أيضاً أن لا نرى في القضية الحسينية إلا جانباً واحداً فقط ، الجانب المأساوي الحزين رغم قدسيته , دون أن ندع جانب الفكر والموقف والقدوة ينطلق ليشكل تفاعلاً منسجماً بين الفكر والعاطفة .
    فالمجالس الحسينية هو بالحقيقة جامعة إسلامية ورابطة إماميه باسم النبي وآله (صلى الله عليه وآله) , فعلينا أن نعرف لماذا ثار الإمام الحسين عليه السلام ؟
    ثورة الإمام الحسين تتكون من عدة أهداف وهي :
    الهدف الأول : هو عبارة عن صيانة المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي حاول الأمويون تغييرها، بل تلك المفاهيم التي حرفها الحزب الأموي الحاكم، أراد الحسين (ع) أن يعيد هذه المفاهيم إلى مدلولها الحقيقي .
    المفهوم الأول : الصبر، فلقد أفهم الظالمون المجتمع الإسلامي بأن الصبر، هو السكوت على الظلم، والاستسلام للضيم والجور، بينما نقرأ هذا المفهوم في القرآن الكريم بمعنىً آخر الصبر في القرآن الكريم، هو صبر على مقاومة الظلم، ومجاهدة الظالمين، ومقاومة الطغات ومناجزتهم. وليس صبراً على الظلم، والدليل على ما نقول أن معظم موارد ذكر الصبر في القرآن الكريم في موارد جهادية كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200.
    وهكذا لو استقرأنا موارد ذكر الصبر في القرآن الكريم نجد أن معظم هذه الموارد موارد جهادية، وقتالية، واستشهادية، وليست موارد خنوع للضيم والذل والظلم والطغيان هذا المفهوم الإسلامي الأصيل حرفه الحزب الحاكم، وخدر الناس ورباهم على أن الصبر ليس هو إلا الاستسلام للواقع الفاسد، استسلام للظلم والظالمين فجاء أبو الشهداء عليه السلام وردّ عليهم بموقف عملي لا ببيان نظري فحسب، يعني استعمل البيان النظري ، واستعمل الموقف العملي، في بيان مفهوم الصبر الحقيقي. فقال : ( صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً ) وقال في طليعة خطبة صبيحة عاشوراء بعد صلاة الصبح : (إن الله قد أذن في قتلكم، فعليكم بالصبر والقتال ..... ) , فأوضح بشكل عملي أن الصبر هو صبر على الموت، صبر على القتل، صبر على الجهاد، صبر على الاستشهاد، وليس صبراً على ظلم الظالمين، وعدوان المعتدين وهكذا نجده عليه السلام يؤكد نظرياً وتطبيقيا المفهوم الحقيقي للصبر، المفهوم الذي حاول الظالمون تحريفه.
    المفهوم الثاني : الزهد، فقد ربت السلطة الحاكمة آنذاك المجتمع الإسلامي على أن الزاهد هو الذي ينشغل بطقوس العبادة، وينعزل عن الساحة الاجتماعية والسياسية، ولا يتدخل في موبقات الظالمين، ولا ينكر عليهم منكرا، ولا يأمر بمعروف، ولا شأن له بأمور السلاطين، يعني الزاهد الحقيقي هو الذي ينعزل عن الناس تماما، الزاهد هو الذي يسالم السلطة الحاكمة آنذاك ، فأراد الحسين بموقفه عمليا ونظريا أن يبرهن للمسلمين، أن الزهد ليس هو الانعزال عن مجريات الساحة الاجتماعية ، والسياسية ، وترك الحبل على الغارب للطغاة والظالمين الزاهد هو أن تزهد في الدنيا، وترغب في الآخرة، ترغب في لقاء الله تعالى، الزهد جمعها الوحي بكلمة واحدة في قوله تعالى لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فاتكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) الحديد/23.
    الزهد هو أن لا تملكك الدنيا، وتترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي يجبن عن التغيير، وعن الجهاد ، وعن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حباً للسلامة، هذا الإنسان زاهد في الآخرة، راغب في الدنيا، وليس زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، هنا أيضاً رد عليهم سيد شباب أهل الجنة، بموقف عملي، وببيان نظري. فمن كلماته الذهبية الأدبية قال :
    فإن تكن الدنـيا تعد نفيــسة
    وإن تكن الأبــــدان للـــــموت أنشأت فدار ثـواب الله أعلـى وأنـبل
    فـــــقتل امــــرئ بالسيف في الله أفـضل
    وهكذا يكشف لنا أبو الشهداء عليه السلام الزاهد الحقيقي الأصيل، وأن الزهد ليس أن تحجز نفسك في زاوية من الزوايا، وتخلد لدنياك، لسلامتك بعيدا عن المجرمين . فالحسين عليه السلام أفهم الأمة أن الزهد الحقيقي، هو أن تبيع نفسك لله وبتعبير القرآن الكريم : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
    الهدف الثاني : صيانة النظام السياسي الدستوري الإسلامي الذي حاول الحزب الأموي الحاكم خرقه بعدة نقاط :
    النقطة الأولى : التي خرقها الحزب الأموي الحاكم، هو دستور الدولة الإسلامية، و التي أحد بنودها، أن الخلافة لا يستحقها طليق أو إبن طليق. الطلقاء وأبناء الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة، وقال لهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أجمع صحابة الرسول أن الخلافة لا يستحقها طليق، بينما نصب الأمويون أنفسهم لخلافة المسلمين خرقا لهذه القاعدة الدستورية .
    النقطة الثانية : الأمويون في نفس الوقت خرقوا طريقة الاستخلاف أيضا، فإن المسلمين على مدرستين: مدرسة النص وهى مدرسة الإمامية. ومدرسة الشورى، وهى مدرسة الجمهور , فالأمويون حولوا الخلافة إلى ملك عظوظ ينال عن طريق القهر والقسوة والغلبة والظلم. ففتحوا المجال لطغاة التأريخ ، الذين كانوا يستلمون السلطة بالقسوة والقهر، ويحكمون شعوبهم بالحديد والنار. هذا خرق دستوري آخر ارتكبه الأمويون، بتحويل الخلافة الإسلامية إلى عملية ملك عظوظ .
    النقطة الثالثة : والتي تشكل نقضا وخرقا للنظام الإسلامي، هو أن هنالك شروط ، من كفاءة وتقوى وعدالة من يتولى الأمر في قضية المسلمين. وقد خرق الأمويون كل هذه الشروط ، وذاك رئيس، وشيخ السلطة الأموية الحاكمة معاوية بن أبي سفيان يقول : ( يا أهل الكوفة! أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون ).
    هذه السلطة التي بلغ أمرها إلى يزيد السكير، القمير الذي كان حليف القرود و الفهود. كما يروي ذلك تأريخ المسلمين، حتى قال فيه الشاعر :
    فقل ليزيد قـوض الله ملكه
    نسجت سرابيل الضلال بـقتله أحظـك من بعـد الحسين يزيد
    ومــــزقت ثوب الــــدين وهو جديد
    يزيد في كل فسقه وفجوره، وانحرافه، يراد له أن يكون خليفة للمسلمين، وهنالك من ينعته بإمرة المؤمنين، وتلك جناية وخيانة على الإسلام، والمقدسات الإسلامية لا تغتفر. وهذا ما نص عليه أبو الشهداء بقوله: يزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحرمة، معلناً بالفسق والفجور .
    فالحسين عليه السلام بموقفه استهدف صيانة النظام الدستوري الإسلامي، وحفظ شرف مبادئ النظام السياسي الإسلامي .
    الهدف الثالث : هو عبارة عن ترسيخ قانون الدفاع الشرعي العام في نفوس المسلمين. أو ما يسمى في مصطلح الشريعة المقدسة ، بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    قال الإمام الحسين عليه السلام : ( إني لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) .
    التربية الأموية كانت تربي الناس على ضد ذلك ، أن ليس لك دخل في أمور غيرك ، ليس لك دخل في الفجور والفسوق والفساد ، والانحراف، بل كانوا يربون الناس على السكوت عن السلطة الحاكمة بأحاديث اختلقوها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، زورا وكذبا. من قبيل حديث: السلطان ظل الله في أرضه، أطيعوه ولو كان جائرا. أحاديث كانت توضع من أجل حفظ السلطة الغاشمة آنذاك , هذه التربية الفاسدة كانت تشكل خطرا كبيراً على الكيان المقدس. فلهذا نهض أبو الشهداء عليه السلام ليندد بمثل هذه التحركات الفاسدة، وليفرض على المسلمين التصدي لواجباتهم .
    الهدف الرابع : صيانة الإسلام، وصيانة أحكام القرآن من التحريف .
    الأمويون كان يدور سلوكهم على تحليل الحرام وتحريم الحلال، فالصارخ الذي حفظ أصالة الإسلام، حفظ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، هو الحسين عليه السلام .
    الهدف الخامس : تثبيت مدرسة أهل البيت .
    نحن نعلم أن في تأريخ المسلمين وفي فكر المسلمين مدارس وسير عديدة في التأريخ وفي الفكر المسلمين، لا في فكر الإسلام، الإسلام فكرته وسيرته واحدة. فالمسلمون ذهبوا الى مذاهب شتى، والى مدارس شتى، والى خطوط شتى، وشرقوا وغربوا. بعد التحكيم وبعد صلح الإمام الحسن عليه السلام اكتنفت القضية نوع من الغبار، فاختلطت الأوراق على الناس ، حتى ظنوا أن الخطوط كلها واحدة، وأن أي خط تسلكه فهو صحيح . فالحسين بموقفه الذي أدان فيه الحكم القائم آنذاك أدان المدارس الأخرى والخطوط الأخرى، فلو سكت الحسين عليه السلام لبقيت الأوراق مختلطة، ولالتبست الأمور، ولالتبس الحق بالباطل . فالحسين عليه السلام بموقفه سجل إدانة لكل تلك السير الأخرى المناقضة لسيرة أهل البيت عليهم السلام، ومن هنا أعلن في بيانه الأول قبيل هجرته من المدينة إلى كربلاء قال : (وأسير بسيرة جدي وأبي) .
    أوضح هويته العقيدية والفكرية والسياسية، وهذا عطاء عظيم. ولهذا اعترف بذلك كثير من الكتّاب والباحثين المسلمين وغير المسلمين، بأن ثورة الإمام الحسين لها الأثر الكبير في تثبيت مدرسة التشيع، مدرسة جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
    الحسين عليه السلام فقد سجل نداءه المسطر بدمائه الزكية على صفحة الهواء الأبدية الاهتزاز، وقد نقش هذا النداء في قلوب الناس لأنه كان مقروناً بالدم فثبت في القلوب بلونه الأحمر القاني، فقلوب الملايين من الناس ، من الذين فهموا نداء الحسين عليه السلام، حين تسمع الإمام يردد هذه العبارات، تدرك نداءه إذ يقول : ( إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) أي أن الموت لمن يعيش في ظل الظلم والجور ولا يحصل من دنياه غير الأكل والشرب والنوم فقط وتحت ثقل الذل والهوان، أن الموت خير لهذا الإنسان من هذه الحياة المهانة بآلاف المرات. هذا هو النداء، نداء الشهيد!
    وموقف الحسين عليه السلام خلد الدين، خلد مدرسة الحق، أيضا لولا موقف الحسين لقضى على مذهب أهل البيت عليه السلام ، الذي حفظ مدرسة أهل البيت هو دم الحسين عليه السلام ، وآثار هذا الدم الطاهر، ومعطيات هذه النهضة المقدسة، ومحافل ومجامع ومآتم هذه النهضة .
    هذه هي مدرسة الحسين عليه السلام وهذا هو الدرس الذي يجب علينا أن نتعلمه من المجالس الحسينية حتى نتهيأ الى المرحلة الثانية وهي مرحلة اخذ الثار مع صاحب الثار الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) وجعلنا وإياكم من الآخذين بثأره مع إمام هادي مهدي (عجل) .
    فالمجالس الحسينية هي بالحقيقة جامعة إسلامية ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله عزّ وجلّ والتمسك بثقلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيها من اجتماع القلوب على أداء أجر الرسالة بمودّة القربى، وترادف العزائم على إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) ما ليس في غيرها.
    وحسبك في رجحانها ما يتسنّى به الخطيب من إلقاء المواعظ والنصائح ، وإيقاف المجتمعين على الشؤون الإسلامية والأمور الامامية ولو إجمالاً، وبذلك يكون أمل العاملي نفس أمل إخوانه في العراق وإيران والبحرين والهند و الباكستان و أفغانستان وغيرهم في كل بقاع العالم .
    ولا تنسَ ما يتهيّأ للمجتمعين فيها من الاطلاع على شؤونهم ، والبحث عن شؤون إخوانهم النائبين عنهم ، وما يتيسر لهم حينئذ من تبادل الآراء فيما يعود عليهم بالنفع ، ويجعلهم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو أنّت له سائر الأعضاء ، وبذلك يكونون مستقيمين في السير على خطة واحدة يسعون فيها لأخذ الثار وينتظرون صاحب الثأر وهو الإمام المهدي (عجل) بفارغ الصبر .
    إنّ هذه المآتم دعوة إلى الدين بأحسن صورة وألطف أُسلوب ، بل هي أعلا صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته، وتنبه الجاهل من سكراته ، بما تشربه في قلوب المجتمعين ، وتنفثه في آذان المستمعين ، وتبثه في العالم وتصوره قالباً لجميع بني آدم ، من أعلام الرسالة، وآيات الإسلام ، وأدلّة الدين ، وحجج المسلمين ، والسيرة النبوية ، والخصائص العلوية ، ومصائب أهل البيت وبالخصوص قضية الإمام الحسين (ع) وأصحابه ، وصبرهم على الأذى في إعلاء كلمة الحق .
    وأنّ خطباء هذه المآتم لهم دور مهم في هذه المدارس الحسينية وهو دور المعلم او الداعي إلى الدين والإرشاد والتوعية . ما قد أثبته العيان وشهد به الحس والوجدان من بثّ روح المعارف بسبب هذه المآتم ، ونشر أطراف من العلوم ببركتها، إذ هي بشرط كونها على أصولها أرقى مدرسة للعوام ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم ، ويلتقطون منها درر السير، ويقفون بها على أنواع العبر، ويتلقون فيها من الحديث والتفسير والفقه ما يلزمهم حمله ولا يسعهم جهله ، بل هي المدرسة الــوحيدة للعوام في جميع بلاد الإسلام وغيرها من بقاع العالم .
    وإليك أذكر ما ذكره حكيم الغربيين وفيلسوف المستشرقين الدكتور جوزيف الفرنساوي في كتابه : (الإسلام والمسلمون) تحت عنوان (الشيعة وترقياتها المحيرة للعقول)، قال :
    لم تكن فرقة الشيعة ظاهرة في القرون الأولى الإسلامية كأختها، ويمكن أن تنسب قلّتهم إلى سببين :
    أحدهما : أن الرئاسة والحكومة التي هي سبب ازدياد تابعي المذهب كانت بيد الفرقة الأخرى .
    والسبب الأخر: هو القتل والغارات التي كانت تتوالى عليهم .
    ونظراً لحفظ نفوس الشيعة حكم أحد أئمّتهم في أوائل القرن الثاني عليهم بالتقية ، فزادت في قوتهم ، لعدم تمكن العدوّ القوي الشكيمة من قتلهم والإغارة عليهم ، بعد أن لم يكونوا ظاهرين ، وصاروا يعقدون المجالس سراً ويبكون على مصائب الحسين ، واستحكمت هذه العاطفة في قلوبهم على وجه لم يمض زمان قليل إلاّ وارتقوا ، حتى صار منهم الخلفاء والسلاطين والوزراء ، وهؤلاء بين من أخفى مذهبه وتشيعه، وبين من أظهره.
    وبعد أمير تيمور، حيث رجعت السلطنة في إيران إلى الصفوية ، صارت إيران مركز فرقة الشيعة ، وبمقتضى تخمين بعض سواح فرنسا أن الشيعة فعلاً : سدس المسلمين أو سبعهم .
    الإحصائيات الآن تنبئنا بأن الشيعة تتراوح نسبتهم بين الربع والثلث من عدد المسلمين .
    ونظراً إلى هذا الترقي الذي حازته فرقة الشيعة في زمان قليل ، من دون جبر وإكراه، يمكن أن يقال : إنّهم سيفوقون سائر فرق الإسلام بعد قرن أو قرنين .
    والسبب في ذلك هو إقامة عزاء الحسين الذي قد جعله كل واحد منهم داعياً إلى مذهبه، ولا يوجد اليوم مكان فيه الواحد أو الاثنان من الشيعة إلاّ ويقيمان فيه عزاء الحسين ، ويبذلان في هذا السبيل الأموال الكثيرة .
    فقد رأيتُ في نزل (ما رسل) شيعياً عربياً من أهالي البحرين يقيم مأتم الحسين وهو منفرد، ويرقى المنبر ويقرأ في كتاب ويبكي، ثم يقسم ما أحضره من الطعام على الفقراء .
    هذه الطائفة تبذل الأموال في هذا السبيل على وجهين :
    فبعضهم يبذلها من خالص أمواله في كلّ سنة بقدر استطاعته، وصرفيات هذا القسم تزيد على ملايين فرنك .
    وبعضهم يعين أوقافاً لهذا المشروع لخصوص هذه الطائفة، وهذا القسم أضعاف الأول ....
    وكلّ واحد من هذه الفرقة هو في الحقيقة داع إلى مذهبه من حيث يخفى على سائر المسلمين ، بل إنّ الشيعة أنفسهم لا يدركون هذه الفائدة المترتبة على عملهم ، وليس في نظرهم إلاّ الثواب الأخروي .
    ولكن حيث أنّ كل من عمل في هذا العالم لابدّ وأن يكون له أثر طبيعي في العالم الاجتماعي ، قصده الفاعل أو لم يقصده ، لم تحرم هذه الفرقة فوائد هذا العمل الطبيعية في هذا العالم .
    ومن المعلوم أن مذهباً دعاته خمسون أو ستون مليوناً لابدّ وأن يرتقي أربابه على وجه التدريج إلى ما يليق بشأنهم ، حتى أن الرؤساء الروحانيين من هذه الفرقة وسلاطينها ووزرائها لم يخرجوا عن صفة كونهم دعاة ، وسعي الفقراء والضعفاء في محافظة إقامة عزاء الحسين من حيث انتفاعهم من هذا الباب أكثر من الأعيان والأكابر، لأنهم يرون في ذلك خير الدنيا والآخرة .
    لهذا ترى جماعة كثيرين من عقلاء هذه الفرقة قد تركوا سائر أشغالهم المعاشية وتفرغوا لهذا العمل ، وهم يكابدون المشاق في تحري العبارات الرائفة والجمل الواضحة عند إلقاء فضائل رؤساء دينهم ومصائب أهل البيت على المنابر في المجالس العمومية ، ولأجل هذه المشقات التي اختارتها هذه الجماعة فاق خطباء هذه الفرقة على خطباء جميع فرق المسلمين .
    وحيث أنّ تكرار الأمر الواحد يوجب اشمئزاز القلوب ومللها وعدم التأثير، تسعى هذه الجماعة في ذكر تمام المسائل الإسلامية الراجعة إلى مذهبهم بهذا العنوان على المنابر، حتى آل الأمر إلى عوام الشيعة بفضل هؤلاء الخطباء أن أصبحوا أعرف بمسائل مذهبهم من معرفة كلّ فرقة من فرق المسـلمين بـمذهبها ، كما أنّ اكتساب الشيعة واحترافهم بهذه الوسيلة وسائر الوسائل الراجعة إليها أيضاً أكثر من سائر المسلمين .
    ولو نظرنا اليوم في أقطار العالم، نرى أنّ الأفراد التي هي أولى بالمعرفة والعلم والصنعة والثروة إنما توجد بين الشيعة ، والدعوة التي قام بها الشيعة إلى مذهبهم أو سائر الفرق الإسلامية غير محدودة ، بل أنّ آحاد وأفراد الطائفة دعاة ، ما دخلوا بين أمة إلاّ وسرى هذا الأثر في قلوبها، وليس العدد الذي نراه اليوم في الهند من الشيعة إلاّ هو أثر إقامة هذه المآتم .
    الشيعة لم تؤيّد دينها بقوة ولا سيف ، حتّى في زمن الصفوية ، بل أنّهم بلغوا هذه الدرجة من الترقّي المحيّر للعقول بقوة الكلام والدعوة التي أثرها أمضى من السيف ....
    ومن المعلوم أنّ بعد مضي قرن ووصل هذه الأعمال بالإرث إلى أبناء أولئك الطوائف يذعنون بها ويصدقون هذا المذهب.
    وبما أن فرقة الشيعة تعتقد بان جميع المطالب والمقاصد موكول نجاحها إلى أكابر مذهبهم ، وهم يفزعون إليهم في قضاء الحوائج ، ويستمدون منهم عند الشدائد ، سرت هذه الروح أيضاً إلى سائر الفرق التي اشتركت معهم في تلك الأعمال والأفعال ، ومن المعلوم أنّ بمجرد قضاء حاجتهم وبلوغ آمالهم تزداد عقيدتهم بهذا المذهب رسوخا ً...... انتهى .
    فهذه المرحلة مهمة جدا في البناء الفكري للفرد الذي يعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام , فبعد الانتهاء من المرحلة الأولى يصبح الفرد في كامل الوعي الفكري والمذهبي . ويكون في كامل الاستعداد لقبوله المسؤولية في المرحلة الثانية .

    وأما المرحلة الثانية : وهي مرحلة المعسكر .
    السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ....
    فكلمت الثار في اللغة هي الدم فمعنى (السلام عليك يا ثار الله) يعني يا دم الله.
    فهنا نحن عندنا مسؤولية نحملها على عاتقنا وهي قضية دم الإمام الحسين (ع) والدم لازم يؤخذ بثأره .
    فلأخذ الثار يحتاج إلى جنود مسلحين بسلاح من الناحية الفكرية والروحية والعقائدية حتى يتحملون كل المصاعب الذي يجدوها في طريقهم وحتى يضحون بأنفسهم من اجل الإمام الحسين (ع) وهذا يحصلون عليه في المرحلة الأولى. ولإيجاد جنود يحتاج إلى معسكر حتى تُجمعهم فيه وتذكرهم بين حين وآخر , حتى يبقى الجندي في حالة استعداد تام , وهذا صعب لان الجنود منتشرون في بقاع العالم . وليس في مكان واحد .
    إذن كيف يتم تجميع هذه الجنود ؟ فالواقع المعسكر الذي نحتاجه هو المجلس الحسيني , عندما يدخل علينا شهر المحرم في كل سنة ترى المحبين لأهل البيت في كل بقاع العالم يهيئون مكان لأقامت مجلس العزاء حتى يجتمعون به , سراً أو علنيا , وبالأساس هذا المكان هو المعسكر الذي يتم به في كل سنة تذكير وتحضير الجنود , لكي يأخذون بثار دم الإمام الحسين (ع) مع صاحب الثأر وهو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه .
    فعندما نادى الإمام الحسين في عرصات كربلاء عندما بقي وحيدا فريدا : ( هل من ناصرا ينصرني .... ) فبحضورنا الى هذا المعسكر( المجلس الحسيني) يكون قد استجبنا لنداء إمامنا أبي الأحرار(ع) , أو بمعنى آخر لبيك لبيك يا أبا عبد الله , فيا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما. و بانتمائنا الى هذا الجيش قد نصرنا مذهب أهل البيت عليهم السلام الذي لاقوا وتحملوا وضحوا من اجل الرسالة المحمدية . وبانتمائنا الى هذا المعسكر هو بالحقيقة صرخت في وجه الظالم , حيث قال الإمام الحسين ( إني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ) .
    وعندما يأتي النداء ( يا لثارات الحسين) فبحضورنا وانتمائنا لهذا المعسكر(المجلس الحسيني) هو بمعنى (لبيك لبيك) أي استجابة لنداء (يا لثارات الحسين) .
    فالقضية الحسينية ستبقى خالدة ومستمرة مع استمرار أي انحراف في خط الرسالة والتي اختلط منهجها بجده محمد رسول الله (ص) الذي خاطب الأمة بأن ( حسين مني وأنا من حسين ) . الى ظهور صاحب الأمر الإمام المهدي المنتظر (عجل) .
    فالمجالس الحسينية هي انتصار الدم على السيف , والمجلس الحسيني هو امتداد لثورة الإمام الحسين (ع) .

    بقلم : السيد حسن البدري
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X