إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإنترنت وآثارها الاجتماعية: التغيير على نار هادئة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإنترنت وآثارها الاجتماعية: التغيير على نار هادئة

    بسمه تعالى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الإنترنت وآثارها الاجتماعية: التغيير على نار هادئة

    نجم عن استخدام الإنترنت في المجتمع العربي آثار إيجابية وسلبية متعددة.
    فلنتحدث بصراحة!

    إن في الإنترنت ما يخيف بقدر ما في منظومتنا التربوية من قصور وإفراط وتفريط ونفاق وتكاذب!... وفيها ما يخيف أيضًا بقدر ما في الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية من غفلة وتغافل وعجز عن الوصول إلى عالم الأبناء.
    لا ريب سيجد الآباء الذين تخلوا عن مسؤولياتهم التربوية والتثقيفية والتوعوية في الإنترنت ما يتهدد الأخلاق والسلوك والطباع. ولن يجدوا فيها إلا مستودعًا للرذائل الإلكترونية، وتعمى عيونهم، ربما بسبب جهل كثرة غالبة بينهم، عن الفوائد العظيمة التي تحملها إلينا الشبكة العالمية للمعلومات.



    من المُلام؟ وأين مكمن المخاطر ومظانها؟ بصراحة... ليست الإنترنت وحدها أو محتواها الذي يشتمل حقًا على ما يهدد الأخلاق ويفسد من مال بهواه إلى مفاسدها... إنما يتجه اللوم أيضًا إلى من ينبغي لهم، قبل الإنترنت وبعدها، أن يحسنوا التربية والتعليم والتثقيف... والبناء.
    مهما يكن من أمر فإن أهم ما يدهش المتابع والمتتبع للآثار الاجتماعية التي تولدها الإنترنت أن كثيرًا من المتصفحين عمومًا، عربًا وغير عرب، يعيشون ما يشبه أعراض ازدواج الشخصية، حيث تجد الواحد منهم في الصباح وأوقات النهار إنسانًا طبيعيًا يمارس حياته وعلاقاته الاجتماعية بشكل عادي، ولكن عندما يختلي في المساء مع المنتديات وغرف الحوارات قد تجده يندمج في مجتمع سوقي أغلب رواده يستخدمون لغات مبتذلة وممارسات غير طبيعية، وكأن هؤلاء الأشخاص تبدلوا فجأة أو ظهرت لهم شخصيات لا تظهر إلا مع حلول الظلام!


    هجوم وهجوم مضاد من وراء الكواليس!
    رغم الأحداث التراجيدية والمشاكل التي عاشها بعض متصفحي الإنترنت، فإنه لم يعد غريبًا أن نسمع عنها في مجتمعاتنا بين الحين والآخر. ذلك أن كثيرًا من الاعتراضات الصاخبة التي واجهت الإنترنت في بداية ظهورها في المنطقة العربية من قبل المتخوفين مما ستلحقه هذه الوسيلة الاتصالية السحرية من تغيرات اجتماعية‏ قد هدأت.‏ ويظهر أن معارضي الأمس باتوا على وشك الاعتراف بأن تخوفاتهم قد بولغ فيها، بل إنهم يعملون بدأب منذ فترة ليست قصيرة على استغلال هذه الوسيلة في إحداث التغيير الاجتماعي الذين يطمحون إليه‏.
    وقد نشأ عن ذلك ما يصح أن نطلق عليه «الحرب الباردة» التي ظهرت ملامحها للعيان على ساحات الإنترنت بين أطراف متعاكسة ومتضاربة لا يجمع بينها إلا هذه الوسيلة،‏ فميدانها المنتديات وغرف الحوار والمواقع التي لا حصر لها‏,‏ وسلاحها الكلمة والصورة والصوت وما خفي كان أعظم.
    والأمر لا يقتصر بطبيعة الحال على الأفراد أو الجماعات وإنما دخلت في المعمعة جهات ومؤسسات عملاقة تستثمر في هذا المجال بالملايين لأسباب بعضها خفي لا يعلمها إلا الله‏.
    وبالفعل بدأت التغيرات الاجتماعية تظهر على استحياء رويدًا رويدًا بشكل يستدعي أن يلتفت إلى قراءته وتحليله المختصون في علوم النفس والاجتماع‏.
    مع ذلك ينبغي أن يتأكد أنه لا يحسُن النظر إلى هذه الظاهرة وكأنها مؤامرة أو مافيا تريد أن تتسلط على مجتمعاتنا، مستغلة في ذلك ضعف الدول العربية وعدم قدرة مؤسساتها المختلفة المعنية على القيام بأدوارها الأساسية في التنشئة الاجتماعية كما ينبغي أن يكون.
    ولأننا نعاني أزمة إحصاءات وأرقام ومعلومات في معظم جوانب حياتنا‏,‏ فقد كان طبيعيًا أن يشتمل ذلك على الآثار الاجتماعية للإنترنت، وهو ما دفعنا إلى البحث عن إجابات عن كثير من التساؤلات المثارة حول الموضوع لدى المختصين‏.
    ربما وضع المختصون في علم النفس والاجتماع في العالم العربي أيديهم على قضية لم يدركوا إلا مؤخرًا مدى أهميتها في إحداث تغيرات اجتماعية، بعد أن اكتشفوا أنهم يعيشون ومجتمعاتهم في غمرة ثورة تقنية الاتصالات والمعلومات. وأصبحت الإنترنت، وسيلة تربوية متقدمة.
    ويؤكد د.عمر المفدى أن التحول الأكبر والأخطر يكمن ــ بعيدًا عن عدد الساعات التي يقضيها الفرد مع الإنترنت، وما قد تسببه من إصابته بالعزلة وغير ذلك من الآثار السلبية ــ يكمن في أن المرجعية الثقافية للأفراد لم تعد بالدرجة الأولى ما يدور داخل مجتمعها، وإنما الوسط الثقافي الذي تأتي به الإنترنت.
    ثمة ملاحظة أخرى يمكن رصدها في هذا الاتجاه وهي أنه قد طرأ انخفاض في مستوى الخوف من الإنترنت في المجتمع السعودي. لكن ليس سبب ذلك ــ كما يوضح د.عمر المفدى ــ أن الإنترنت أصبحت شيئًا جيدًا، وإنما بسبب ظاهرة نفسية شائعة يعبر عنها المثل الذي يقول إن كثرة المساس تميت الإحساس، لدرجة أن الدخول إلى المواقع الإباحية، مثلاً، قد يصبح شيئًا معتادًا لدى الكثيرين!
    وهناك ملاحظة ثالثة تتعلق بالأشخاص المجهولين الذين يشاركون في الإنترنت من خلف الكواليس. هؤلاء يستخدمون مهارات تقنية متقدمة كتغيير الصوت أو الاطلاع على محتوى حاسوب الشخص، وبعضهم بارع في عملية التأثير الفكري أو الإغراء الإباحي، ويستخدمون في سبيل ذلك الكثير من الوسائل لتحقيق أهدافهم.
    من ذلك نجد أن استخدام بعض الجهات لمهارات معينة في التأثير والاستقطاب يحدث بشكل احترافي كامل، وطبعًا كل ذلك من خلف الكواليس!

    منتج ثقافي مغاير
    من ناحية أخرى يبين أ.د.سليمان العقيل أن هذا المنتج الثقافي الذي أتى إلى مجتمعاتنا هو من إنتاج مجتمعات مغايرة ومختلفة، ثم أقحم إقحاماً في ثقافة المجتمع السعودي والعربي، وهو ما يبرر وجود مساحات متعددة من الخوف سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو المجتمع أو الدولة.
    وهنا يبرز سؤال حول مساحات التحولات الاجتماعية التي يمكن أن نتحدث عنها وتأثيراتها المباشرة في الأفراد والأسرة والمجتمع؟
    تبدأ هذه التحولات «فردية»، على ما يراه د.فايز الشهري، عندما ينقطع الشاب أو الفتاة عن العالم مستغرقًا في خدمات شبكة الإنترنت ومواقعها ومنتدياتها وغرف حواراتها. هنا أصبحت الإنترنت مرجعًا ثقافيًا ووسيطًا للإشباع الوجداني والعاطفي، وهو ما نتج عنه تكون أنماط من العلاقات الشخصية الخيالية تضم عددًا كبيرًا من الأصدقاء والصديقات أغلبها من شرائح الشباب، ومن وسط هذه العلاقات تتشكل العواطف والانفعالات الوجدانية. لذا لا تستغرب حين تلتقي فتاة أو شابًا فرحًا أو منفعلاً أو حزينًا بعد جلسة إنترنت.
    ومن الجوانب السلبية الأخرى لهذه التحولات الاجتماعية تأثير محتوى هذه الخدمات الاتصالية في شخصية الإنسان «الفرد» والمجتمع، لأن المستخدم في النهاية «مستهلك» يتحرك في وسط ثقافي غير حقيقي، فكل من يستخدم الإنترنت بإمكانه «فنيًا» تقديم نفسه للآخرين في جهات العالم المختلفة بالطريقة التي يرغبها، وما يتخلل ذلك من إمكانية اختلاق القصص ونشر الأفكار المضللة.
    ويؤكد د.فايز الشهري أن هذا الوسيط الجديد بات يمثل مشكلة اجتماعية أسرية، فهو مثل قادم غريب مثير دخل البيت يستطيع من طريقه أي شاب أو فتاة إقامة كل أنواع العلاقات دون رقابة أسرية، ويبقى هذا الشاب الصغير أو الفتاة ضحية محتملة لشواذ هذا المجتمع المتخيل.

    ضيف ثقيل أم مرغوب فيه؟!
    لذلك كله، فإن الإنترنت يمكن أن تكون ضيفًا ثقيلاً جدًا على الأسرة أو ضيفًا مفيدًا في المجتمعات بما في ذلك المجتمع السعودي والعربي، على ما يراه د.سليمان العقيل. ولكن في كل الأحوال يجب أن ننظر إلى الظاهرة ضمن تغيرات العولمة والتأثيرات الاجتماعية والنفسية التي نشأت عنها.
    وتعتبر الإنترنت هي أوسع وسائل الاتصال الجماهيري انتشارًا في تاريخ وسائل الاتصال، فخلال أربع سنوات فقط تجاوز عدد مستخدميها 50 مليون شخص، وهو رقم لم تصل إليه وسائل الإعلام الأخرى إلا بعد عقود من الزمن.
    ومع ذلك فقد انتشرت الإنترنت في المجتمع العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص في فترة متأخرة نسبيًا مقارنة بدول العالم الأخرى بسبب تأخر إدخال الخدمة، إلى أن تحولت في الوقت الحالي إلى وسيلة جماهيرية يقبل عليها الشباب كونهم يمثلون نسبة مهمة من السكان في معظم البلاد العربية.
    وهكذا زاحمت الإنترنت الوسائل الأخرى، بل واقتطعت عند كثيرين نسبة مهمة من الوقت الذي كان مخصصًا للواجبات الأساسية، سواء كانت أسرية أو اجتماعية أو وظيفية أو حتى دراسية.
    وقد شملت التحولات الاجتماعية والثقافية التي أتت بها الإنترنت أمورًا مادية ومعنوية، حتى إن د.صالح الرميح يؤكد أنها أصبحت جزءًا من ثقافة فئات متعددة من المتعلمين وعامة المجتمع لما لها من إيجابيات كثيرة، وهو يفضل أن ينظر إليها بتفاؤل من حيث إنها قدمت خدمة سهلة ويسيرة في التواصل بين الشرائح المختلفة في المجتمع وفي توفير المعلومة بيسر وسهولة.
    وفي مقابل ذلك فإن هذه التحولات الاجتماعية والثقافية ساهمت في شيوع إشكالية التفاعل الصامت دون عاطفة أو تفاعل، ونتج عن هذه الثقافة أنك تجد نسبة لا يستهان بها من مستخدمي الإنترنت يعانون الانعزال نتيجة افتقاد الحوارات والتفاعلات المباشرة.
    ولكن غالبًا ما توجد ردود فعل متناقضة تجاه كل جديد, والغريب أن ردود الفعل هذه رغم تناقضها إلا أنها قد تحدث عند الشخص الواحد وهذا من عجائب النفس البشرية.
    فالأشياء المستجدة تحدث ردة فعل بالتخوف منها في البداية، أي الخوف من أن هذا الشيء سيحدث أثرًا سلبيًا، ويكون بعض هذه التخوفات حقيقيًا وبعضها الآخر مبالغًا فيه.
    وفي الوقت نفسه يحدث اندفاع نحو استخدام الشيء الجديد. ولعلكم تذكرون في بداية استخدام الجوال كيف أن كثرة استخدامه نتج عنها ارتفاع شديد في تكاليف فواتير المكالمات جعلت بعضهم يستغني عنه لفترة، وغير ذلك من الأمثلة الأخرى!

    تشكيل الفكر والاتجاهات
    ينظر المختصون في علم النفس إلى هذه الوسيلة كوسط ثقافي يعيش فيه الشخص، ومن ثم فإنها تسهم في تشكيل فكره واتجاهاته حول الحياة والأشخاص والمبادئ وغيرها من شؤون الحياة المختلفة.
    فإذا عايش الشخص هذا الوسط فترة طويلة فإنه يصبغه بالنمط السائد فيه، والمشكلة أن هذا الوسط الثقافي الذي يعيش معه الشخص ليس وسطًا محليًا ولا مرتبطًا بالثقافة الإسلامية العربية، بل بثقافات متنوعة ومختلطة.
    وإذا كان هناك اتفاق على أن نسبة مهمة من الشباب يستخدمون الإنترنت بشكل سلبي فسوف ينجم عن ذلك تفاقم الكثير من المشكلات، منها أن هذا الجيل يكون ثقافته بصورة معزولة عن مجتمعه الحقيقي.
    وبحسب آلية الإنترنت يجد المستخدم نفسه يتحدث من منطلق ثقافة هجين وبلغة عالمية منفصلة عن واقعه فينسحب عن مجتمعه، وقد يتحول أحيانًا إلى شخص معاد للمجتمع ومؤسساته. والمحصلة أن واجب التنشئة للفرد لم يعد يتم عبر مؤسسات اجتماعية ترعى القيم والثوابت. ومما يعمق مثل هذه المشكلة تزايد انشغال الآباء والأسر وتقصيرهم في القيام بدورهم في التربية والتوجيه، وهو ما يجعل الصغار منهم صيدًا سهلاً لمنحرفي شبكة الإنترنت.
    في مقابل ذلك، يحث د.فايز الشهري على عدم إغفال أهمية شبكة الإنترنت كمصدر إيجابي للمعلومات، ويؤكد أن هذه الوسيلة لم تخترع الجريمة أو الانحرافات لكن كل شخص يوظفها بما يخدم أهدافه، فهي ناد عالمي مفتوح العضوية يستطيع أي شخص الانتساب إليه مهما كان زاده الفكري ودرجة تربيته، وهي منجز معلوماتي ووسيلة اتصال عالمية رائعة رخيصة التكاليف، حيث تتحقق فيها ديمقراطية المعرفة، والمساواة في الاستفادة، ولا تفرق في خدماتها بين غني أو فقير!
    ومما ساعد على ذلك ظهور تحولات إيجابية مهمة أيضًا تتمثل في توفر الاتصال والخدمات السهلة وفي مجال التعليم والتدريب، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الأسرة إذا أحسنت توظيف الشبكة وخدماتها. لكن كونها وسيلة اتصال عالمية نجد أيضًا أنها متاحة للمجرمين وعصابات ترويج الفواحش وبث الشائعات والفتن والحروب النفسية ومافيا المخدرات والقمار وغيرها.
    ربما لهذه الأسباب مجتمعة فإن مساحات الخوف من الإنترنت في المجتمع والأسرة متضاربة لأسباب شتى يلخصها د.فايز الشهري في أن كل قادم جديد يأتي معه عادة بجملة من المحاذير والإيجابيات. وشبكة الإنترنت لم تكن من نتاج المجتمع العربي المسلم ما جعل علامات الخوف والحذر أكثر؛ لأن هذا المنتج الحضاري لم نسهم فيه إلا من ناحية الاستخدام أو الاستهلاك فقط.
    كما أن المحتوى العربي الموجود على الإنترنت حاليًا ضعيف جدًا من حيث الكم وهزيل بمقاييس الإضافة العلمية، إضافة إلى أن حضور اللغة العربية على شبكة الإنترنت لا يكاد يذكر مقارنة باللغات الأخرى، وكذلك الحال بالنسبة لعدد المستخدمين العرب الذين لا تزيد نسبتهم عن 1.4٪ من المستخدمين على مستوى العالم.
    ورغم ذلك فإن د.صالح الرميح يؤكد أن الإنترنت أصبحت تشكل مرجعية لشريحة كبيرة في المجتمع العربي، سواء على المستوى الاجتماعي أو الفكري أو المعرفي أو الثقافي، حيث نجد أن الكثيرين أصبحوا يستمدون معلوماتهم ومعارفهم من الإنترنت. لكن هذه في حد ذاتها إشكالية لأنه لا يوجد أي محاذير على إدخال المعلومات، فالجميع يدخل ويتصفح ما يشاء ويتلقى في الوقت نفسه المعلومات التي يبحث عنها بغض النظر عن طبيعة هذه المعلومات ونوعها ومرجعيتها.
    ومن الممكن مواجهة هذه التحديات بالمصداقية والشفافية عبر الوسائل الإعلامية، ووضع قنوات واضحة جيدة تستقبل وترسل وتساهم في توضيح ما يتم طرحه في المجتمع على مختلف المستويات السياسية والفكرية والشرعية وغيرها.
    صحيح أن الجميع بإمكانه إدخال ما يريد من معلومات، لكن في مقابل ذلك تحاول مجتمعاتنا أن تنهض وتواجه الآثار السلبية عن طريق إيجاد نوع من التوازن عن طريق إدخال المعلومات والبيانات التي تدحض الغث والسلبي.
    وقد حدث ذلك على مستوى الخطاب الديني، حيث بدأنا نسمع صدى لما يطرح في الإنترنت، ونجد الكثير من خطب المساجد تدعو وتوضح الإشكاليات التي يتلقاها الناس عبر الإنترنت، وكذلك الأمر بالنسبة للصحف والمجلات. وحتى على مستوى الجامعات بدأت تطرح ندوات فكرية كبيرة تتضمن نوعًا من الشفافية وإيضاح الحقائق في جو من الحوار الودي.
    أيضًا خلقت الإنترنت نوعًا من التحدي للأسر فأصبح لدى بعض أولياء الأمور إشكالية القلق، فبعد أن كانت مراقبة الأبناء تحدث في الخارج للحيلولة دون الاختلاط بأصدقاء السوء وغيرهم، وبدخول الإنترنت زاد العبء في مراقبة الأبناء داخل البيوت.
    أضف إلى ذلك تعدد مصادر التلقي، فمن قبل كان الإنسان ينشأ على التفاعل بين أفراد أسرته وذويه، أما الآن فقد دخل قادم آخر يساعد في عملية التنشئة بغض النظر عما إذا كان سلبيًا أم إيجابيًا.
    هذا ويقسم د.عمر المفدى العوامل السلبية في الإنترنت إلى فئتين:
    الأولى تتعلق بالجانب الفكري وهو أمر خطير جدًا، فبعد أن كان فكر الشخص يصاغ من الوسط المحيط به، أصبحت مجتمعات الإنترنت تساهم في صياغة فكره بقدر كبير.
    الجانب الآخر ما يصح أن نطلق عليه العامل الشهوي «أي باستخدام الإنترنت للوصول إلى المواقع الإباحية» وخطورته وإن كانت أقل من الجانب الأول إلا أن له مخاطرة على المجتمع كنشر الفساد, وما قد تسببه من توتر في العلاقة بين الأزواج في المراحل العمرية المختلفة التي لا تقتصر على فئات الشباب فقط.
    في هذا الصدد يوضح د.سليمان العقيل أن هذه الفكرة تقودنا إلى التغير الذي شهده المجتمع، فنحن نعلم أن من أسباب التغير الاجتماعي العوامل الاقتصادية والتعليمية وغيرها. وتعد الإنترنت من العوامل التي ساهمت في التغير الاجتماعي في مجتمعنا، وهو ما استتبعه التحول في البناء والوظيفة للمجتمع.

    السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
    ما دور الإنترنت في تغيير البناء الوظيفي للمجتمع مثل تغيير دور الأسرة والأدوار التي تؤديها الجماعات المختلفة؟
    يذهب د.فايز الشهري إلى أنه من الصعب، خصوصًا في ظل عدم وجود سند علمي، الجزم بوجود تغير في البناء الوظيفي للمجتمع بسبب الإنترنت. لكن المؤشرات العلمية التي تطرحها الأبحاث والدراسات تدل على وجود تغيرات في درجة الأدوار للمؤسسات الاجتماعية المختلفة ومستواها، وإن كان ذلك لم يحدث بسبب الإنترنت فقط. فهناك تراجع ملحوظ في أدوار مؤسسات المجتمع في هذا العصر لأسباب اتصالية وثقافية واقتصادية. وعلى هذا نجد أن الإنترنت ظهرت في مرحلة حرجة وزادت من تقهقر الدور المؤمل للمؤسسات.
    وإذا نظرنا إلى أبرز استخدامات الإنترنت محليًا وعالميًا، نجد أن البريد الإلكتروني يحتل المرتبة الأولى غالبًا، تليه خدمات المعلومات والأخبار، ثم تصفح المواقع الإباحية، والاشتراك في الحوارات والدردشة، ثم التسلية والألعاب. هذه الاهتمامات من قبل مستخدمي الإنترنت هي في النهاية تشكل بديلاً عن أدوار كانت تقوم بها المؤسسات الاجتماعية القائمة بالفعل.
    ويذكر د.فايز الشهري أن المواقع الجنسية تحتل مرتبة مهمة بين أكثر المواقع تصفحًا من قبل المستخدمين في العالم، ونجد أن ممارسة الجنس عبر الإنترنت يتم عبر علاقات متخيلة من خلال كاميرات الفيديو وعروض جنسية حية لفتيات وشباب حتى من أبناء المجتمعات العربية، ومن هنا تنبع الخشية من تأثير ذلك على دور مؤسسة الزواج الشرعية الإسلامية.

    |مؤشرات على التغيير
    هناك مؤشرات تدل على حدوث بعض التغير في البناء الوظيفي للمجتمع، يدلل عليها د.فايز الشهري، بالقول إن الحوارات - على سبيل المثال- التي كانت تتم من خلال المجالس والمنتديات الاجتماعية المباشرة بما يتخللها من اتصال مباشر بين الأفراد، كان يستفيد منها الأفراد ويبنون ثقافاتهم من خلالها، ويتم بهذه الطريقة نقل الثقافات عبر الأجيال في المجتمع الواحد.
    لكن في الوقت الحالي أصبحت الثقافة «الحضارة الرقمية» المنقولة غريبة مشوهة لا تمثل حضارة معينة وإنما «كوكتيل غريب» من الثقافات، وبذلك تغير مفهوم «القيم» والمسموح والممنوع!
    من الجوانب السلبية الأخرى التي تؤثر في البناء الاجتماعي أن الإنترنت ميدان جديد مخيف للجريمة، على الرغم من أن أكثر الجرائم التي تقع عن طريق الإنترنت لا يبلّغ عنها، إما دفعًا للحرج أو لعدم علم الضحية، والإحصاءات المعلنة لجرائم الإنترنت مع ذلك مخيفة رغم أنها لم تسجل أكثر من 10% من مجموع هذه الجرائم بشكل عام.
    ما سبق يوضح مجموعة من مشكلات الإنترنت التي تؤثر في النهاية على الأدوار الاجتماعية، لأنها تشغل المؤسسات الاجتماعية من أمنية وتربوية وغيرها عن وظائفها الأساسية في التنشئة من ناحية، وتسهم من ناحية أخرى في إيجاد ثقافة تقبل بالجريمة وتنشرها عبر وسيلة إعلامية.
    ويحذر د.فايز الشهري من أن هذه المشكلات لا يقابلها جهد مكافئ من المؤسسات الرسمية لصعوبة مواجهة هذه التقنيات المتقدمة للغاية، فكلما استنبطت وسيلة للتخفيف من ظاهرة سلبية تظهر عشرات الوسائل لتجاوزها، حتى أن الكثير من برامج وتقنيات الحجب أصبحت بلا معنى، حيث يستطيع أي شخص باستخدام تقنيات أخرى تجاوزها وتعطيل فعاليتها!

    أجيال الإنترنت
    يزيد من صعوبة الأمر أن الأجيال الحديثة من أطفال ومراهقين، بات بمقدورهم استخدام الإنترنت بكفاءة عالية لدرجة أنه قد يصعب على كثير من أولياء الأمور مجاراتها لأنهم ليسوا على اتصال مباشر بهذه التقنيات فيجدون أنفسهم عاجزين إلى درجة كبيرة أو صغيرة عن توجيه الأبناء في هذا المجال.
    مثال على ذلك وجود برامج مجانية متاحة الآن يستطيع المتصفح استخدامها عند حضور أحد الوالدين مثلاً في لمح البصر لإخفاء آثار الموقع الذي يتصفحه وتغيير معالم الحاسوب بمجرد «كبسة زر». وهو ما يعني أن هذه التقنيات تساعد الشباب على أن يحتالوا على أسرهم.
    ومع ذلك يعتقد د.عمر المفدى أن تصفح الإنترنت عملية انتقائية، فعندما يدخل الشخص إلى الشبكة فمن الطبيعي أنه لا يدخل إلى جميع المواقع، بل يكون لديه ميل محدد لمواقع معينة، وهي عملية لا تأتي من فراغ، وإنما من خلال البناء الفكري للشخص الذي تكوّن خلال تنشئته.
    وهناك انطباع شائع بين الناس وهو أن تأثير الأسرة في الفرد أقل من تأثير الوسائل الأخرى مثل الأقران، بينما تُظهر دراسات عدة أجريت في مجتمعات سعودية وغير سعودية، أن التأثير يعتمد في الدرجة الأولى على المجال. ففي المجالات الهامة في حياة الشخص مثل عقيدته الدينية ومستقبله التعليمي، يظل للأسرة - في الحالات العادية- التأثير الأكبر. فالشخص يعتنق المذهب الديني الذي تريده الأسرة، وكذلك الأمر بالنسبة للتخصص الدراسي والمهني. بينما ينحصر تأثير الأقران على الشخص في الأمور المزاجية مثل الأطعمة والسيارات وغير ذلك. أي أن عملية تنشئة الأسرة لا يزال لها الدور الأكبر في حياة الإنسان، لكن بشرط أن تكون التنشئة بأسلوب مناسب وفي سن مبكرة من حياة الطفل.
    يؤكد ذلك أيضًا د.سليمان العقيل مبيِّنًا أن مؤسسات المجتمع التقليدية مثل الأسرة والمسجد والمدرسة والعائلة وخلافه، لا يزال لها دور رئيس جدًا وقوي في ضبط سلوك الأفراد في مجتمعنا،حتى أن المشكلات التي تعرض علينا سواء على مستوى شخصي أو عام ليست في تقديري سوى خلل في دور هذه المؤسسات التقليدية، بمعنى أن الأسرة لم تؤد دورها كما ينبغي أو أن خللًا ما قد طرأ على تركيبها، أو لا يوجد صلة قوية بين المسجد وأفراد الأسرة، أو أن ثمة قصورًا في الدور الذي ينبغي للمدرسة القيام به، ومن ثم يكون الفرد ضحية للمدخلات الاجتماعية والثقافية المستجدة فينجرف معها.
    وبعد فترة معينة يصبح مثل هؤلاء الأفراد أدوات للإفساد بعد أن كانوا ضحايا.
    من حيث زمن التأثير، يعتقد د.صالح الرميح أن تأثير الإنترنت اجتماعيًا لا يظهر الآن بقدر ما هو واعد التأثير مستقبلاً، لكنه بدأ في تشكيل الثقافة «المنفلتة» لمستخدميه بعد أن أصبح المستخدم يستطيع الوصول إلى ما يريد عن طريق هذا المنتج.
    ويضرب مثالاً على ذلك بأنه في الأجيال السابقة، كان الحياء يمنع الكثيرين من البوح بأشياء كثيرة، بينما أصبح الإنترنت متنفسًا لدى بعض الأفراد الذين يعانون بعض المشكلات التربوية أو لديهم حب الاستطلاع، وقد يبدون للآخرين أناسًا أسوياء لكن عندما يخلون إلى الإنترنت يتحولون إلى أشخاص آخرين!
    أضف إلى ذلك شيوع ثقافة العنف بسبب ما تقوم به المواقع والمنتديات المختلفة من تشكيل الثقافات وإعطاء معلومات تؤثر في المتلقي، وقد تسبب نوعًا من الشحن النفسي والحنق والعداء، وكذلك إثارة البغضاء والكراهية.
    إلا أن هناك فئات محدودة من مجتمعنا هي التي تتأثر بذلك، وأكثرها من فئة الشباب الذكور، وهنا مكمن الخطورة، لأن قناعاهم تتأثر كثيرًا في مثل هذه المرحلة بالصحبة أو الأقران، حسب ما أكد بعض الدراسات الاجتماعية التي أبرزت دور الصحبة والأقارب في تشكيل المواقف والقناعات تجاه أشياء كثيرة في الحياة.
    في هذا السياق، يلفت د.صالح الرميح النظر إلى أن الأنظمة والتشريعات التي تنظم عمل مقاهي الإنترنت هي أقرب ما تكون إلى المثالية في لوائحها، لكن عندما تنزل إلى أرض الواقع تجد خلاف ذلك. فهناك غرف جانبية مظلمة يتردد عليها أشخاص غير أسوياء في الغالب، وهو أمر يستحق أن تنظر إليه الجهات المعنية بعين الاعتبار. فهناك تقنيات كثيرة لا يعرفها الجميع يقوم المشرف على المقهى مثلاً بتدريب مثل هؤلاء المرتادين على كيفية استخدامها في الجوانب السلبية، وقد تسهم في تشكيل وعيهم مستقبلاً. ومع الوقت تصبح هذه الشريحة هي المستفيدة والمدمنة لهذا الاستخدام، وهو ما يتطلب وضع شروط صارمة تتعلق بنوعية المشرفين على هذه المقاهي وعدم ترك المجال لكل من هب ودب، فضلاً عن ضرورة أن تقوم مؤسسات المجتمع من أسر ومدارس وغيرها بتأدية وظائفها في توعية المجتمع.

    مقاومة ثم تفاعل
    المشكلة أننا في أي قضية أو إشكالية اجتماعية نتصرف بطريقة ردود الفعل غير المدروسة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الفشل في مواجهتها لأنها لا تكون بمستوى التحدي نفسه أو قوته.
    هكذا يقول د.سليمان العقيل، مضيفًا أنه من الصعوبة على مجتمعنا أن يستوعب منتجًا ثقافيًا لمجتمع آخر تم إنتاجه لديهم بناء على مجموعة من المعطيات، ثم يطلب منا أن نتقبله مباشرة. فلا بد في البداية أن يحدث نوع من المقاومة إلى أن يتم التفاعل معه. لأن مجتمعنا أساسًا غير مفتوح، بل يوجد أكثر من حاجز صد يهدف إلى المحافظة على كنه الإنسان المسلم ومحتواه، لأنه مرتبط بالله سبحانه وتعالى وبثقافته وبيئته، ولو أزيلت هذه الحوائط لانتهى المجتمع من زمان، فهي أشبه ما يكون بجدر صلبة للحماية، لكن ذلك لا يعني أننا متخلفون عن الآخرين كل التخلف. إنما توجد أسباب أخرى لذلك سياسية ومادية، إضافة إلى عداء الغرب لنا والذي كثيرًا ما يحول دون تصدير التقنية إلى بلادنا. أي أن العيب ليس في ثقافة مجتمعنا، فكل منا ولا شك يعرف الكثير من الشباب السعوديين والعرب أبدعوا في هذا المجال بشكل كبير. لذلك فليس من الصحي أن نقوم بجلد ذاتنا باستمرار.

    كشف المستور!
    إذا كان من الطبيعي أن تكثر المواقع الجنسية الغربية على هذه الشبكة باعتبارها جزءًا من نتاج ثقافة تبيحها إلى حد ما، إلا أن الغريب أن تنشأ مثل هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية. وهو ما يجعلنا نتساءل: ما إذا كانت الإنترنت قد كشفت عن أشياء مستورة في مجتمعاتنا أم أنها ابتدعت هذه الأشياء. ويرى د.فايز الشهري أن الإنترنت كشفت عوار المؤسسات التربوية والاجتماعية، وضعف دور الأسرة وقصورها في تأدية دورها.
    ويتساءل: وهل لطريقتنا الاستهلاكية غير المرشدة في المجتمعات العربية لكل شيء تقريبًا دور في إساءة استخدامنا للإنترنت؟
    ولكن ذلك لا يعني بالطبع أن شبكة الإنترنت هي المذنبة، فما نشاهده هو نتاج الثقافة الاجتماعية وغياب الخطط التي تهدف لاستثمار هذا المنجز العالمي لجعل حضورنا أمام أمم الأرض مشرفًا بلغتنا وبثقافتنا. فمعظم من يمثلنا الآن أمام العالم هم من جيل الشباب الساخط، المحبط، والمشاغب،وعندما تُحلل الخطاب الحواري العربي على الإنترنت تجده في غالبه خطابًا مشوهًا لا يمثل قيمًا حقيقة ولا يحقق إصلاحًا، وإنما يكشف عن درجة كبيرة من الاحتقان والتوهان، وهو ما أدى إلى أن تكون صورتنا أمام الآخر بشكل يعكس كل سلبي لمجتمعاتنا ومؤسساتنا.
    هذا الطرح يتفق في الشق الأول منه د.سليمان العقيل موضحًا أن الإنترنت كشف جانبًا من القصور التربوي للمؤسسات التقليدية الرسمية والأسرة، وفي الوقت نفسه كشف جانبًا سلبيًا مهمًا جدًا وهو أن الكثير من المناشط الثقافية والاقتصادية لا تسهم في تنمية المجتمع بشكل مباشر. ويفسر د. العقيل ذلك بأن هذه المؤسسات التقليدية دائمًا ما تعطي الحد الأعلى من التربية من قبيل أن يطلب من كل شخص أن يكون مثاليًا أو ملائكيًا بخلاف ما يحدث في الواقع وهذا ما أحدث نوعًا من الخلل. ويضيف د.سليمان العقيل أنه لا يوجد في الحقيقة شباب ساخط بقدر ما أنه يعبر عن جانب لم تشبعه الأسرة أو المدرسة أو المسجد، وهو ما جعل بعض الوعاظ والمدرسين والآباء يعودون إلى الواقعية في خطابهم. ويضيف أنه لو كان الشباب غاضبًا بهذا القدر الذي يتحدث عنه بعضهم لنشأ كما يحدث في الغرب تفسخ أخلاقي، إلا أن ما يحدث بين شبابنا وفتياتنا إنما هي أخطاء فردية وليست جزءًا من ثقافتهم.
    وبالنسبة لمضامين الخطاب الذي يطرح عبر هذه المنتديات، فقد لوحظ أنه يغلب عليه الانفعال، حيث يصفها د.فايز الشهري بأنها تكاد تكون «سبورة المشاغبين» ووسيلة الغاضبين والساخطين، لأسباب مختلفة منها أنه لا يفصل بين أي شخص وبين التعبير عن انفعالاته سوى الضغط على لوحة المفاتيح دون رقيب، وهو يختلف بالطبع فيما لو نشرت رأيك عبر وسيلة إعلام أخرى، كالصحافة مثلاً، حيث يمر المقال عادة بعدة مراحل من وضع أفكار وتحرير وإعادة صياغة وتصحيح،ثم تمر بأكثر من بوابة رسمية في الصحيفة حتى يتم نشر المقال.
    فيما يتعلق بإشكالية الواقعية، يؤكد د.صالح الرميح أن المجتمع يملك منهجًا إسلاميًا وثقافة وموروثًا قيميًا جيدًا، لكن عندما نأتي إلى مسألة التعامل مع النشء سواء في البيت أو المدرسة أو أي مكان، فإنهم في الغالب يسمعون الأشياء المثالية والجيدة. لكن عندما يكون لدى الأبناء بعض التساؤلات فإنه لا يستطيع الحديث عنها، لأن لدينا ثقافة العيب في مقابل غياب ثقافة الحوار وثقافة السؤال والإجابة الصريحة. إلا أن المجتمع بدأ يتبنى سياسة الحوار بشكل تدريجي. وعندما يكون هناك حوار ومصداقية وشفافية بين الأبناء والأسر والمجتمع يختفي التحرج ويصبح لدى الجيل جرأة في أن يسأل ثم يسمع بمصداقية وبوضوح وبدون تلميح للإجابات.
    ومن الممكن أن تصبح الإنترنت مدخلاً ووسيلة تساهم في الإجابة أو إعطاء معلومة للأشياء التي تشغل بال الشباب، أو يبحثون عن الإجابة عنها بوضوح وواقعية.

    حوار أسري عبر الإنترنت!
    ماذا عن دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية في إدماج الإنترنت كمنتج ثقافي غريب عن المجتمع؟ يؤكد د. سليمان العقيل أنه لا بد من تنشيط هذا الدور حتى يصبح جزءًا من ثقافة المجتمع، وقد بدأنا نرى بعض الأسر يحرص على توفير هذه الوسيلة لأبنائه حتى تصبح جزءًا من ثقافتهم،حتى أن الحوار بين الأب وأبنائه داخل البيت يتم أحيانًا عبر الإنترنت.

    ولكن هل نستطيع، وكيف؟!

    تكاد أن تكون الإنترنت العربية في وعي غالبية المستخدمين أجهزة وبرامج ومحتوى عربيًا ضعيفًا وثقافة خارجية قوية لا يستطيع أكثر المستخدمين التعامل إلا مع «صورها» كونها مكتوبة باللغة الإنجليزية. وقد أصبح من الضروري السعي إلى الإفادة من هذا الوعاء المعلوماتي الجبار وفق أطرنا الثقافية والاجتماعية والشرعية.
    يوضح د. فايز الشهري أن هناك في هذا السياق ثلاث علاقات أساسية:
    أولاً: شخصيّة المستخدم وهو هنا ابن أسرة ونتاج ثقافة مجتمع، وفي هذه الحالة ينبغي التركيز على الدور التربوي من قبل الأسرة، والمدرسة، ومؤسسات المجتمع بالكامل، بحيث عندما تصل الفتاة أو الشاب إلى سن معينة يمكنهما تصفح الإنترنت بشكل صحي سليم من دون أن يلتفتا خلفهما خشية أن يكون أحد مراقبًا لهما!
    ثانيًا: مكان الحاسوب داخل المنزل. جرت العادة أن يوضع الجهاز في غرف مغلقة داخل المنزل، وهذا سلوك تربوي خاطئ، حيث يفترض وضعه في ركن عام مع الأجهزة التي يستخدمها بقية أفراد الأسرة حتى تشعر الفتاة أو الشاب أن هذا الجهاز هو منتج طبيعي وليس وسيلة سرية يستخدمها للتنفيس عن رغباته والبحث عن مخارج لانفعالاته بعيدًا عن العائلة. كما يجب تقنين ساعات الاستخدام، وألا تتحول الإنترنت وسيلة لتمضية وقت الفراغ حتى لو كانت تحتوي على جانب ترفيهي.
    ثالثًا: محتوى شبكة الإنترنت الذي يشكل في النهاية وعي الفرد وثقافته ومن ثم المجتمع بتأثيره في أجياله. لذلك فإنه ينبغي للمؤسسات العلمية والثقافية ومراكز البحوث المستقلة أن يكون من ضمن رسالتها في خدمة المجتمع الوجود على الشبكة العالمية بشكل علمي فاعل، من قبيل نشر الأبحاث والأوراق العلمية للمؤتمرات والندوات وتعزيز الأنشطة والمسابقات وجذب مستخدمي الإنترنت.
    فإذا تكاملت هذه الأدوار، فسوف يكون بمقدورنا نشر ثقافة: كيف تستفيد من الإنترنت. وثمة ما يبعث على التفاؤل مستقبلاً، لأن الجيل الذي يستخدم الإنترنت حاليًا يعيش في مرحلة انتقال من مرحلة الدراسة إلى مرحلة (تكوين) الأسرة، وسوف يكون في المستقبل القريب - بإذن الله-أكثر الناس وعيًا بمخاطر الإنترنت بناء على تجربته الشخصية. وبالتالي يرجى مستقبلاً أن تكون لغة الحوار بين هذا الأب والأم والأبناء أكثر قربًا من الجيل الحالي.
    أما المدرسة فهناك مهمة كبيرة في مجال التوعية والتدريب على الاستخدام الأمثل والتأكيد على أن الإنترنت معطى معلوماتي يستوجب الاستفادة منه في تطوير المهارات والقدرات.

    الإنترنت جزء من الواقع
    في السياق نفسه يؤكد د.صالح الرميح أننا بوصفنا مجتمعًا حضاريًا نسعى للاستفادة من التقنية وتوطين الكثير من وسائل التقنية الحديثة وتكييفها.
    ويضيف: أعتقد أن الجيل الحالي، وهو متعلم ومستخدم جيد لهذه التقنيات وجرّبها بإيجابياتها وسلبياتها، سوف يساهم في نقل هذه التقنية وتكييفها وتبسيطها لأبنائه، ومع الوقت سوف تتحول إلى جزء من الواقع مثل وسائل الإعلام والاتصال الأخرى.
    أما المدارس فيجب أن تشرع في نشر ثقافة الحاسب والإنترنت منذ المراحل الدراسية الأولى، وإقناع التلاميذ بأن هذه الوسيلة مفيدة لهم في مستقبلهم التعليمي والوظيفي والمادي، وأن تساهم مؤسسات المجتمع في وضع آلية قادرة على توطين هذه التقنية وغيرها حتى يمكن الاستفادة منها وتوظيفها بشكل صحيح، فلا يتعلم الإنسان إلا بعد التجربة.
    أما إذا لم تبذل جهود متوازنة وجيدة وواعدة وعلمية فإن الضحايا سيزدادون وستزداد المعاناة.
    ويرى د.عمر المفدى أن حجب المواقع هو إجراء سليم لكن لا ينبغي الاكتفاء به، وفي الوقت نفسه فإن التركيز على الوعي والتربية والتنشئة لا تلغي هذه الوسائل، بل يسير كل منهما جنبًا إلى جنب. وفي هذه الحالة من الممكن أن تتحول الإنترنت إلى محور للنقاش بين أفراد الأسرة من خلال التصفح الجماعي لبعض المواقع، حتى يتضح لجميع أفراد الأسرة أن هذه الوسيلة ليست مخيفة، فضلاً عن إعطاء الفرصة للتوعية عند مناقشة فكرة معينة مطروحة في ساحة من الساحات أو المنتديات.
    والأسر مدعوة إلى الاستفادة مما يسمى بـ «الإنترنت النظيفة» ومفهومها: أن المشترك لا يستطيع الدخول إلا إلى مواقع محددة (وهي ملايين المواقع) عرفت بـ «نظافتها»، وهذه تحدّث بشكل يومي , بعكس الاشتراكات العادية التي يسمح فيها بالدخول لجميع المواقع باستثناء ما يتم حجبه من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. والفرق بين النوعين أنه في النوع الأخير لا تستطيع المدينة حجب كل المواقع، فكل يوم يفتح منها الآلاف, بالإضافة إلى وجود أساليب متنوعة التي قد تمكن من فتح ما هو محجوب.
    وتتأكد هنا ضرورة أنه لا ينبغي التعامل مع الإنترنت بمعزل عن شؤون الحياة الأخرى، حيث يحتاج الشباب إلى مزيد من الانتباه في الوقت الحاضر من الناحية التربوية التي بدأت للأسف تقل في المدرسة مقابل الاهتمام بالتعليم فقط، وانشغال الأسرة بمهام أخرى نتج عنها إهمال تربية الأبناء.
    لهذه الأسباب لا بد من حفظ الشباب بشكل عام من خلال المحاضن التربوية مثل إنشاء مراكز في الأحياء يتم خلالها ممارسة أنشطة تحت رعاية أشخاص عُرفوا بالحس الخلقي والديني والوطني، وذلك بدلاً من تركهم يقضون أوقاتهم في أماكن مختلفة هنا وهناك.
    وبهذا الشكل يمكن إعداد الشبان، ليس للتعامل مع الإنترنت فقط، بل لأي مستجدات أخرى،لأننا لا ندري ما تخبئه لنا السنوات القادمة. وكما يقال «فتن يرقق بعضها بعضًا»، فبعد أن كنا نتخوف من الفضائيات جاءت الإنترنت الآن لتصبح الفضائيات رحمة بالنسبة لها. وإذا لم نعدّ الشباب لمواجهة كل هذه المتغيرات، فسوف نظل نركض ونلهث ولا يصدر عنا إلا ردود أفعال منقوصة!


    منقوووول

  • #2
    عاشت ايدك اختنا وبارك الله فيك
    بصراحة موضوع ممتاز ويا حبذا لو يصير حوار حول كيفية تفعيل سبل الاستفادة من الانترنت وتعميم ذلك في مجتمعاتنا
    فالحق يشبه الباطل في امر واحد انه ينتشر ايضا بالعدوى والتقليد ولكن للباطل رجال يعملون بجد وللحق رجال ينتظرون ان يعمل لهم
    فلنشمر عن سواعد الجد ونناقش فقرة فقرة من موضوعك اختاه
    والطلب مني اليك ان تجزئي الموضوع الى فقرات نبدا بنقاشها ان اردت ذلك ويشاركنا كل الاخوة والاخوات انشاء الله تعالى
    من المفترض ان يكون مجزيء الموضوع هو انت لا غيرك اذ انت اعلم بتفاصيله والا لما نشرته هنا
    صدى الفكر

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X