للعلامة السيد
محمد حسين الطباطبائيمقدمة في تعريف هذا الفن وموضوعه وغايته:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وله الثناء بحقيقته والصلاة والسلام على رسوله محمد خير خليقته وآله الطاهرين من أهل بيته وعترته.
الحكمة الإلهية علم يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود وموضوعها الذي يبحث فيه عن أعراضه الذاتية هو الموجود بما هو موجود وغايتها معرفة الموجودات على وجه كلي وتمييزها مما ليس بموجود حقيقي.
توضيح ذلك أن الإنسان يجد من نفسه أن لنفسه حقيقة وواقعية وأن هناك حقيقة وواقعية وراء نفسه وأن له أن يصيبها فلا يطلب شيئا من الأشياء ولا يقصده إلا من جهة أنه هو ذلك الشيء في الواقع ولا يهرب من شيء ولا يندفع عنه إلا لكونه هو ذلك الشيء في الحقيقة. فالطفل الذي يطلب الضرع مثلا إنما يطلب ما هو بحسب الواقع لبن لا ما هو بحسب التوهم والحسبان كذلك. والإنسان الذي يهرب من سبع إنما يهرب مما هو بحسب الحقيقة سبع لا بحسب التوهم والخرافة. لكنه ربما أخطأ في نظره فرأى ما ليس بحق حقا واقعا في الخارج
ص 7
كالبخت والغول أو اعتقد ما هو حق واقع في الخارج باطلا خرافيا كالنفس المجردة والعقل المجرد فمست الحاجة بادئ بدء إلى معرفة أحوال الموجود بما هو موجود الخاصة به ليميز بها ما هو موجود في الواقع مما ليس كذلك والعلم الباحث عنها هو الحكمة الإلهية.
فالحكمة الإلهية هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود ويسمى أيضا الفلسفة الأولى والعلم الأعلى وموضوعه الموجود بما هو موجود وغايته تمييز الموجودات الحقيقية من غيرها ومعرفة العلل العالية للوجود وبالأخص العلة الأولى التي إليه تنتهي سلسلة الموجودات وأسمائه الحسنى وصفاته العليا وهو الله عز إسمه
ص 9 المرحلة الأولى في كليات مباحث الوجود وفيها اثنا عشر فصل
ص 10 الفصل الأول في بداهة مفهوم الوجود
مفهوم الوجود بديهي معقول بنفس ذاته لا يحتاج فيه إلى توسيط شيء آخر فلا معرف له من حد أو رسم لوجوب كون المعرف أجلى وأظهر من المعرف فما أورد في تعريفه من أن الوجود أو الموجود بما هو موجود هو الثابت العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه من قبيل شرح الاسم دون المعرف الحقيقي على أنه سيجيء أن الوجود لا جنس له ولا فصل له ول خاصة له بمعنى إحدى الكليات الخمس والمعرف يتركب منها فلا معرف للوجود الفصل الثاني في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي
يحمل الوجود على موضوعاته بمعنى واحد اشتراكا معنوي.
ومن الدليل عليه أنا نقسم الوجود إلى أقسامه المختلفة كتقسيمه إلى وجود الواجب ووجود الممكن وتقسيم وجود الممكن إلى وجود الجوهر ووجود العرض ثم وجود الجوهر إلى أقسامه ووجود العرض إلى أقسامه ومن المعلوم أن التقسيم يتوقف في صحته على وحدة المقسم ووجوده في الأقسام.
ص 11
ومن الدليل عليه أنا ربما أثبتنا وجود شيء ثم ترددنا في خصوصية ذاته كما لو أثبتن للعالم صانعا ثم ترددنا في كونه واجبا أو ممكنا وفي كونه ذا ماهية أو غير ذي ماهية وكما لو أثبتنا للإنسان نفسا ثم شككنا في كونها مجردة أو مادية وجوهرا أو عرضا مع بقاء العلم بوجوده على ما كان فلو لم يكن للوجود معنى واحد بل كان مشتركا لفظي متعددا معناه بتعدد موضوعاته لتغير معناه بتغير موضوعاته بحسب الاعتقاد بالضرورة.
ومن الدليل عليه أن العدم يناقض الوجود وله معنى واحد إذ لا تمايز في العدم فللوجود الذي هو نقيضه معنى واحد وإلا ارتفع النقيضان وهو محال. والقائلون باشتراكه اللفظي بين الأشياء أو بين الواجب والممكن إنما ذهبوا إليه حذر من لزوم السنخية بين العلة والمعلول مطلقا أو بين الواجب والممكن ورد بأنه يستلزم تعطيل العقول عن المعرفة فإنا إذا قلنا الواجب موجود فإن كان المفهوم منه المعنى الذي يفهم من وجود الممكن لزم الاشتراك المعنوي وإن كان المفهوم منه ما يقابله وهو مصداق نقيضه كان نفيا لوجوده تعالى عن ذلك وإن لم يفهم منه شيء كان تعطيلا للعقل عن المعرفة وهو خلاف ما نجده من أنفسنا بالضرورة الفصل الثالث في أن الوجود زائد على الماهية عارض له
بمعنى أن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر فللعقل أن يجرد الماهية وهي م يقال في جواب ما هو عن الوجود فيعتبرها وحدها فيعقلها ثم
ص 12 يصفها بالوجود وهو معنى العروض فليس الوجود عينا للماهية ولا جزءا له. والدليل عليه أن الوجود يصح سلبه عن الماهية ولو كان عينا أو جزءا لها لم يصح ذلك لاستحالة سلب عين الشيء وجزئه عنه. وأيضا حمل الوجود على الماهية يحتاج إلى دليل فليس عينا ولا جزءا لها لأن ذات الشيء وذاتياته بينة الثبوت له لا تحتاج فيه إلى دليل. وأيضا الماهية متساوية النسبة في نفسها إلى الوجود والعدم ولو كان الوجود عينا أو جزءا لها استحالت نسبتها إلى العدم الذي هو نقيضه
تعليق