إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

بداية الحكمة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بداية الحكمة

    للعلامة السيد
    محمد حسين الطباطبائي
    مقدمة في تعريف هذا الفن وموضوعه وغايته:


    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وله الثناء بحقيقته والصلاة والسلام على رسوله محمد خير خليقته وآله الطاهرين من أهل بيته وعترته.
    الحكمة الإلهية علم يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود وموضوعها الذي ‏يبحث فيه عن أعراضه الذاتية هو الموجود بما هو موجود وغايتها معرفة الموجودات على ‏وجه كلي وتمييزها مما ليس بموجود حقيقي.
    توضيح ذلك أن الإنسان يجد من نفسه أن لنفسه حقيقة وواقعية وأن هناك حقيقة ‏وواقعية وراء نفسه وأن له أن يصيبها فلا يطلب شيئا من الأشياء ولا يقصده إلا من جهة أنه ‏هو ذلك الشي‏ء في الواقع ولا يهرب من شي‏ء ولا يندفع عنه إلا لكونه هو ذلك الشي‏ء في الحقيقة. فالطفل الذي يطلب الضرع مثلا إنما يطلب ما هو بحسب الواقع لبن لا ما هو بحسب ‏التوهم والحسبان كذلك. والإنسان الذي يهرب من سبع إنما يهرب مما هو بحسب الحقيقة سبع لا بحسب ‏التوهم والخرافة. لكنه ربما أخطأ في نظره فرأى ما ليس بحق حقا واقعا في الخارج
    ص 7‏
    كالبخت والغول أو اعتقد ما هو حق واقع في الخارج باطلا خرافيا كالنفس المجردة والعقل المجرد فمست الحاجة بادئ بدء إلى معرفة أحوال الموجود بما هو موجود ‏الخاصة به ليميز بها ما هو موجود في الواقع مما ليس كذلك والعلم الباحث عنها هو الحكمة‏ الإلهية.
    فالحكمة الإلهية هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود ويسمى أيضا ‏الفلسفة الأولى والعلم الأعلى وموضوعه الموجود بما هو موجود وغايته تمييز الموجودات الحقيقية من غيرها ومعرفة العلل العالية للوجود وبالأخص العلة الأولى التي إليه تنتهي سلسلة الموجودات وأسمائه الحسنى وصفاته العليا وهو الله عز إسمه
    ص 9‏ المرحلة الأولى في كليات مباحث الوجود وفيها اثنا عشر فصل


    ص 10‏ الفصل الأول في بداهة مفهوم الوجود


    مفهوم الوجود بديهي معقول بنفس ذاته لا يحتاج فيه إلى توسيط شي‏ء آخر فلا ‏معرف له من حد أو رسم لوجوب كون المعرف أجلى وأظهر من المعرف فما أورد في تعريفه ‏من أن الوجود أو الموجود بما هو موجود هو الثابت العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه من ‏قبيل شرح الاسم دون المعرف الحقيقي على أنه سيجي‏ء أن الوجود لا جنس له ولا فصل ‏له ول خاصة له بمعنى إحدى الكليات الخمس والمعرف يتركب منها فلا معرف للوجود الفصل الثاني في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي


    يحمل الوجود على موضوعاته بمعنى واحد اشتراكا معنوي.
    ومن الدليل عليه أنا نقسم الوجود إلى أقسامه المختلفة كتقسيمه إلى وجود الواجب ووجود الممكن وتقسيم وجود الممكن إلى وجود الجوهر ووجود العرض ثم وجود ‏الجوهر إلى أقسامه ووجود العرض إلى أقسامه ومن المعلوم أن التقسيم يتوقف في صحته على ‏وحدة المقسم ووجوده في الأقسام.
    ص 11‏
    ومن الدليل عليه أنا ربما أثبتنا وجود شي‏ء ثم ترددنا في خصوصية ذاته كما لو أثبتن للعالم صانعا ثم ترددنا في كونه واجبا أو ممكنا وفي كونه ذا ماهية أو غير ذي ماهية وكما لو أثبتنا للإنسان نفسا ثم شككنا في كونها مجردة أو مادية وجوهرا أو عرضا ‏مع بقاء العلم بوجوده على ما كان فلو لم يكن للوجود معنى واحد بل كان مشتركا لفظي متعددا معناه بتعدد موضوعاته لتغير معناه بتغير موضوعاته بحسب الاعتقاد ‏بالضرورة.
    ومن الدليل عليه أن العدم يناقض الوجود وله معنى واحد إذ لا تمايز في العدم ‏فللوجود الذي هو نقيضه معنى واحد وإلا ارتفع النقيضان وهو محال. والقائلون باشتراكه اللفظي بين الأشياء أو بين الواجب والممكن إنما ذهبوا إليه حذر من لزوم السنخية بين العلة والمعلول مطلقا أو بين الواجب والممكن ورد بأنه يستلزم تعطيل العقول عن المعرفة فإنا إذا قلنا الواجب موجود فإن كان المفهوم منه المعنى الذي يفهم من وجود الممكن لزم الاشتراك المعنوي وإن كان المفهوم منه ما يقابله ‏وهو مصداق نقيضه كان نفيا لوجوده تعالى عن ذلك وإن لم يفهم منه شي‏ء كان تعطيلا ‏للعقل عن المعرفة وهو خلاف ما نجده من أنفسنا بالضرورة الفصل الثالث في أن الوجود زائد على الماهية عارض له


    بمعنى أن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر فللعقل أن يجرد الماهية وهي ‏م يقال في جواب ما هو عن الوجود فيعتبرها وحدها فيعقلها ثم
    ص 12‏ يصفها بالوجود وهو معنى العروض فليس الوجود عينا للماهية ولا جزءا له. والدليل عليه أن الوجود يصح سلبه عن الماهية ولو كان عينا أو جزءا لها لم يصح ‏ذلك لاستحالة سلب عين الشي‏ء وجزئه عنه. وأيضا حمل الوجود على الماهية يحتاج إلى دليل فليس عينا ولا جزءا لها لأن ذات الشي‏ء وذاتياته بينة الثبوت له لا تحتاج فيه إلى دليل. وأيضا الماهية متساوية النسبة في نفسها إلى الوجود والعدم ولو كان الوجود عينا أو جزءا لها استحالت نسبتها إلى العدم الذي هو نقيضه

  • #2
    الفصل الرابع في أصالة الوجود واعتبارية الماهية


    إنا لا نرتاب في أن هناك أمورا واقعية ذات آثار واقعية ليست بوهم الواهم ثم ننتزع من كل من هذه الأمور المشهودة لنا في عين أنه واحد في الخارج مفهومين اثنين كل منهما غير الآخر مفهوما وإن اتحدا مصداقا وهما الوجود والماهية كالإنسان الذي في الخارج المنتزع عنه أنه إنسان وأنه موجود. وقد اختلف الحكماء في الأصيل منهما فذهب المشاءون إلى أصالة الوجود ونسب إلى الإشراقيين القول بأصالة الماهية وأما القول بأصالتهما معا فلم يذهب إليه أحد منهم لاستلزام ذلك كون كل شي‏ء شيئين اثنين وهو خلاف الضرورة. والحق ما ذهب إليه المشاءون من أصالة الوجود. والبرهان عليه أن الماهية من حيث هي ليست إلا هي متساوية
    ص 13‏
    النسبة إلى الوجود والعدم فلو لم يكن خروجها من حد الاستواء إلى مستوى الوجود ‏بحيث تترتب عليها الآثار بواسطة الوجود كان ذلك منها انقلابا وهو محال بالضرورة ‏فالوجود هو المخرج لها عن حد الاستواء فهو الأصيل. وما قيل إن الماهية بنسبة مكتسبة من الجاعل تخرج من حد الاستواء إلى مرحلة ‏الأصالة فتترتب عليها الآثار مندفع بأنها إن تفاوتت حالها بعد الانتساب فما به التفاوت هو الوجود الأصيل وإن سمي نسبة إلى الجاعل وإن لم تتفاوت ومع ذلك حمل عليها أنه موجودة وترتبت عليها الآثار كان من الانقلاب كما تقدم. برهان آخر الماهيات مثار الكثرة والاختلاف بالذات فلو لم يكن الوجود أصيلا لم ‏تتحقق وحدة حقيقية ولا اتحاد بين ماهيتين فلم يتحقق الحمل الذي هو الاتحاد في الوجود والضرورة تقضي بخلافه فالوجود هو الأصيل الموجود بالذات والماهية موجودة به. برهان آخر الماهية توجد بوجود خارجي فتترتب عليها آثارها وتوجد بعينها بوجود ‏ذهني كما سيأتي فلا يترتب عليها شي‏ء من تلك الآثار فلو لم يكن الوجود هو الأصيل ‏وكانت الأصالة للماهية وهي محفوظة في الوجودين لم يكن فرق بينهما والتالي باطل فالمقدم مثله. برهان آخر الماهية من حيث هي تستوي نسبتها إلى التقدم والتأخر والشدة والضعف ‏والقوة والفعل لكن الأمور الموجودة في الخارج مختلفة في هذه الأوصاف فبعضها متقدم أو ‏قوي كالعلة وبعضها بخلاف ذلك كالمعلول وبعضها بالقوة وبعضها بالفعل فلو لم يكن ‏الوجود هو الأصيل كان اختلاف هذه الصفات مستندة إليها وهي متساوية النسبة إلى الجميع ‏هذ خلف وهناك حجج أخرى مذكورة في المطولات. وللقائلين بأصالة الماهية واعتبارية الوجود حجج مدخولة كقولهم لو كان الوجود ‏أصيل كان موجودا في الخارج فله وجود ولوجوده وجود
    ص 14‏
    فيتسلسل وهو محال. وأجيب عنه بأن الوجود موجود لكن بنفس ذاته لا بوجود آخر فلا يذهب الأمر إلى ‏غير النهاية. ويظهر مما تقدم ضعف قول آخر في المسألة منسوب إلى المحقق الدواني وهو ‏أصالة الوجود في الواجب تعالى وأصالة الماهية في الممكنات وعليه فإطلاق الموجود على الواجب ‏بمعنى أنه نفس الوجود وعلى الماهيات بمعنى أنها منتسبة إلى الوجود كاللابن والتامر ‏بمعنى المنتسب إلى اللبن والتمر هذا وأما على المذهب المختار فالوجود موجود بذاته والماهية موجودة بالعرض. الفصل الخامس في أن الوجود حقيقة واحدة مشككة


    اختلف القائلون بأصالة الوجود فذهب بعضهم إلى أن الوجود حقيقة واحدة مشككة ‏وهو المنسوب إلى الفهلويين من حكماء الفرس فالوجود عندهم لكونه ظاهرا بذاته مظهرا ‏لغيره من الماهيات كالنور الحسي الذي هو ظاهر بذاته مظهر لغيره من الأجسام الكثيفة للأبصار. فكما أن النور الحسي نوع واحد حقيقته أنه ظاهر بذاته مظهر لغيره وهذا المعنى ‏متحقق في جميع مراتب الأشعة والأظلة على كثرتها واختلافها فالنور الشديد شديد في ‏نوريته التي يشارك فيها النور الضعيف والنور الضعيف ضعيف في نوريته التي يشارك ‏فيها النور الشديد فليست شدة الشديد منه جزءا مقوما للنورية حتى يخرج الضعيف منه ولا ‏عرض خارجا عن الحقيقة وليس ضعف الضعيف قادحا في نوريته ولا أنه مركب من النور ‏والظلمة لكونها أمرا عدميا بل شدة الشديد في أصل النورية وكذا ضعف الضعيف
    ص 15‏
    فللنور عرض عريض باعتبار مراتبه المختلفة بالشدة والضعف ولكل مرتبة عرض ‏عريض باعتبار القوابل المختلفة من الأجسام الكثيفة. كذلك الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة متمايزة بالشدة والضعف والتقدم ‏والتأخر وغير ذلك فيرجع ما به الامتياز فيها إلى ما به الاشتراك وما به الاختلاف إلى ما به الاتحاد فليست خصوصية شي‏ء من المراتب جزءا مقوما للوجود لبساطته كما ‏سيجي‏ء ول أمرا خارجا عنه لأن أصالة الوجود تبطل ما هو غيره الخارج عنه بل الخصوصية ‏في كل مرتبة مقومة لنفس المرتبة بمعنى ما ليس بخارج منه. ولها كثرة طولية باعتبار المراتب المختلفة الآخذة من أضعف المراتب وهي التي ل فعلية لها إلا عدم الفعلية وهي المادة الأولى الواقعة في أفق العدم ثم تتصاعد المراتب إلى أن تنتهي إلى المرتبة الواجبة لذاتها وهي التي لا حد لها إلا عدم الحد ولها كثرة عرضية باعتبار تخصصها بالماهيات المختلفة التي هي مثار الكثرة. وذهب قوم من المشاءين إلى كون الوجود حقائق متباينة بتمام ذواتها أما‏
    ص 16‏
    كونه حقائق متباينة فلاختلاف آثارها وأما كونها متباينة بتمام الذوات فلبساطته وعلى هذا يكون مفهوم الوجود المحمول عليها عرضيا خارجا عنها لازما له. والحق أنه حقيقة واحدة مشككة أما كونها حقيقة واحدة فلأنه لو لم تكن كذلك لكانت حقائق مختلفة متباينة بتمام الذوات ولازمه كون مفهوم الوجود وهو مفهوم واحد كم تقدم منتزعا من مصاديق متباينة بما هي متباينة وهو محال بيان الاستحالة أن ‏المفهوم والمصداق واحد ذاتا وإنما الفارق كون الوجود ذهنيا أو خارجيا فلو انتزع الواحد بم هو واحد من الكثير بما هو كثير كان الواحد بما هو واحد كثيرا بما هو كثير وهو ‏محال. وأيضا لو انتزع المفهوم الواحد بما هو واحد من المصاديق الكثيرة بما هي كثيرة فإم أن تعتبر في صدقه خصوصية هذا المصداق لم يصدق على ذلك المصداق وإن ‏اعتبر فيه خصوصية ذاك لم يصدق على هذا وإن اعتبر فيه الخصوصيتان معا لم يصدق على شي‏ء منهما ‏وإن لم يعتبر شي‏ء من الخصوصيتين بل انتزع من القدر المشترك بينهما لم يكن منتزعا من الكثير بما هو كثير بل بما هو واحد كالكلي المنتزع من الجهة المشتركة بين الأفراد الصادق على الجميع هذا خلف. وأما أن حقيقته مشككة فلما يظهر من الكمالات الحقيقية المختلفة التي هي صفات متفاضلة غير خارجة عن الحقيقة الواحدة كالشدة والضعف والتقدم والتأخر والقوة ‏والفعل وغير ذلك فهي حقيقة واحدة متكثرة في
    ص 17‏ ذاتها يرجع فيها كل ما به الامتياز إلى ما به الاشتراك وبالعكس وهذا هو التشكيك.

    تعليق


    • #3
      الفصل السادس في ما يتخصص به الوجود


      تخصص الوجود بوجوه ثلاثة أحدها تخصص حقيقته الواحدة الأصلية بنفس ذاتها ‏القائمة بذاتها وثانيها تخصصها بخصوصيات مراتبها غير الخارجة عن المراتب وثالثها ‏تخصص الوجود بإضافته إلى الماهيات المختلفة الذوات وعروضه لها فيختلف باختلافها ‏بالعرض. وعروض الوجود للماهية وثبوته لها ليس من قبيل العروض المقولي الذي يتوقف فيه ‏ثبوت العارض على ثبوت المعروض قبله فإن حقيقة ثبوت الوجود للماهية هي ثبوت ‏الماهية به لأن ذلك هو مقتضى أصالته واعتباريتها وإنما العقل لمكان أنسه بالماهيات يفترض الماهية موضوعه ويحمل الوجود عليها وهو في الحقيقة من عكس الحمل. وبذلك يندفع الإشكال المعروف في حمل الوجود على الماهية من أن قاعدة الفرعية ‏أعني أن ثبوت شي‏ء لشي‏ء فرع ثبوت المثبت له توجب ثبوتا للمثبت له قبل ثبوت الثابت ‏فثبوت الوجود للماهية يتوقف على ثبوت الماهية قبله فإن كان ثبوتها عين ثبوته لها لزم تقدم الشي‏ء على نفسه وإن كان غيره توقف ثبوته لها على ثبوت آخر لها وهلم جرا ‏فيتسلسل. وقد اضطر هذا الإشكال بعضهم إلى القول بأن القاعدة مخصصة بثبوت الوجود ‏للماهية وبعضهم إلى تبديل الفرعية بالاستلزام فقال الحق أن
      ص 18‏
      ثبوت شي‏ء لشي‏ء مستلزم لثبوت المثبت له ولو بهذا الثابت وثبوت الوجود للماهية مستلزم لثبوت الماهية بنفس هذا الوجود فلا إشكال. وبعضهم إلى القول بأن الوجود لا تحقق له ولا ثبوت في ذهن ولا في خارج ‏وللموجود معنى بسيط يعبر عنه بالفارسية ب هست والاشتقاق صوري فلا ثبوت له حتى يتوقف على ‏ثبوت الماهية. وبعضهم إلى القول بأن الوجود ليس له إلا المعنى المطلق وهو معنى الوجود العام‏ والحصص وهو المعنى العام مضافا إلى ماهية ماهية بحيث يكون التقييد داخلا والقيد خارجا وأما الفرد وهو مجموع المقيد والتقييد والقيد فليس له ثبوت. وشي‏ء من هذه الأجوبة على فسادها لا يغني طائلا والحق في الجواب ما تقدم من أن القاعدة إنما تجري في ثبوت شي‏ء لشي‏ء لا في ثبوت الشي‏ء وبعبارة أخرى مجرى ‏القاعدة هو الهلية المركبة دون الهلية البسيطة كما في ما نحن فيه الفصل السابع في أحكام الوجود السلبية


      منها أن الوجود لا غير له وذلك لأن انحصار الأصالة في حقيقته يستلزم بطلان كل ‏م يفرض غيرا له أجنبيا عنه بطلانا ذاتي. ومنها أنه لا ثاني له لأن أصالة حقيقته الواحدة وبطلان كل ما يفرض غيرا له ينفى ‏عنه كل خليط داخل فيه أو منضم إليه فهو صرف في
      ص 19‏
      نفسه وصرف الشي‏ء لا يتثنى ولا يتكرر فكل ما فرض له ثانيا عاد أولا وإلا امتاز ‏عنه بشي‏ء غيره داخل فيه أو خارج عنه والمفروض انتفاؤه هذا خلف. ومنها أنه ليس جوهرا ولا عرضا أما أنه ليس جوهرا فلأن الجوهر ماهية إذا وجدت ‏في الخارج وجدت لا في الموضوع والوجود ليس من سنخ الماهية وأما أنه ليس بعرض ‏فلأن العرض متقوم الوجود بالموضوع والوجود متقوم بنفس ذاته وكل شي‏ء متقوم به. ومنها أنه ليس جزءا لشي‏ء لأن الجزء الآخر المفروض غيره والوجود لا غير له. وما قيل إن كل ممكن زوج تركيبي من ماهية ووجود فاعتبار عقلي ناظر إلى ‏الملازمة بين الوجود الإمكاني والماهية لا أنه تركيب من جزءين أصيلين. ومنها أنه لا جزء له لأن الجزء إما جزء عقلي كالجنس والفصل وإما جزء خارجي ‏كالمادة والصورة وإما جزء مقداري كأجزاء الخط والسطح والجسم التعليمي وليس للوجود ‏شي‏ء من هذه الأجزاء. أما الجزء العقلي فلأنه لو كان للوجود جنس وفصل فجنسه إما الوجود فيكون فصله ‏المقسم مقوما لأن الفصل بالنسبة إلى الجنس يفيد تحصل ذاته لا أصل ذاته وتحصل الوجود ‏هو ذاته هذا خلف وإما غير الوجود ولا غير للوجود. وأما الجزء الخارجي وهو المادة والصورة فلأن المادة والصورة هما الجنس ‏والفصل مأخوذين بشرط لا فانتفاء الجنس والفصل يوجب انتفاءهم. وأما الجزء المقداري فلأن المقدار من عوارض الجسم والجسم مركب من المادة ‏والصورة وإذ لا مادة ولا صورة للوجود فلا جسم له وإذ لا
      ص 20‏
      جسم له فلا مقدار له. ومما تقدم يظهر أنه ليس نوعا لأن تحصل النوع بالتشخص الفردي والوجود ‏متحصل بنفس ذاته. الفصل الثامن في معنى نفس الأمر


      قد ظهر مما تقدم أن لحقيقة الوجود ثبوتا وتحققا بنفسه بل الوجود عين الثبوت ‏والتحقق وأن للماهيات وهي التي تقال في جواب ما هو وتوجد تارة بوجود خارجي فتظهر ‏آثاره وتارة بوجود ذهني فلا تترتب عليها الآثار ثبوتا وتحققا بالوجود لا بنفس ذاتها وإن كانا متحدين في الخارج وأن المفاهيم الاعتبارية العقلية وهي التي لم تنتزع من الخارج وإنما اعتبرها العقل بنوع من التعمل لضرورة تضطره إلى ذلك كمفاهيم ‏الوجود والوحدة والعلية ونحو ذلك أيضا لها نحو ثبوت بثبوت مصاديقها المحكية بها وإن لم ‏تكن هذه المفاهيم مأخوذة في مصاديقها أخذ الماهية في أفرادها وفي حدود مصاديقه. وهذا الثبوت العام الشامل لثبوت الوجود والماهية والمفاهيم الاعتبارية العقلية هو المسمى بنفس الأمر التي يعتبر صدق القضايا بمطابقتها فيقال إن كذا كذا في نفس الأمر. توضيح ذلك أن من القضايا ما موضوعها خارجي بحكم خارجي كقولنا الواجب ‏تعالى موجود وقولنا خرج من في البلد وقولن
      ص 21‏
      الإنسان ضاحك بالقوة وصدق الحكم فيها بمطابقته للوجود العيني. ومنها ما موضوعها ذهني بحكم ذهني أو خارجي مأخوذ بحكم ذهني كقولنا الكلي إما ‏ذاتي أو عرضي والإنسان نوع وصدق الحكم فيها بمطابقته للذهن لكون موطن ثبوتها هو ‏الذهن وكلا القسمين صادقان بمطابقتهما لنفس الأمر فالثبوت النفس الأمري أعم مطلقا من ‏كل من الثبوت الذهني والخارجي. وقيل إن نفس الأمر عقل مجرد فيه صور المعقولات عامة والتصديقات الصادقة في ‏القضاي الذهنية والخارجية تطابق ما عنده من الصور المعقولة. وفيه أنا ننقل الكلام إلى ما عنده من الصور العلمية فهي تصديقات تحتاج في صدقها ‏إلى ثبوت لمضامينها خارج عنها تطابقه. الفصل التاسع الشيئية تساوق الوجود


      الشيئية تساوق الوجود والعدم لا شيئية له إذ هو بطلان محض لا ثبوت له فالثبوت والنفي في معنى الوجود والعدم. وعن المعتزلة أن الثبوت أعم مطلقا من الوجود فبعض المعدوم ثابت عندهم وهو ‏المعدوم الممكن ويكون حينئذ النفي أخص من العدم ولا يشمل إلا المعدوم الممتنع. وعن بعضهم أن بين الوجود والعدم واسطة ويسمونها الحال وهي صفة الموجود التي ‏ليست بموجودة ولا معدومة كالعالمية والقادرية والوالدية من الصفات الانتزاعية التي ل وجود منحازا لها فلا يقال إنها موجودة والذات الموجودة تتصف بها فلا يقال إنه معدومة وأما الثبوت والنفي
      ص 22‏ فهما متناقضان لا واسطة بينهما وهذه كلها أوهام يكفي في بطلانها قضاء الفطرة بأن العدم بطلان لا شيئية له.

      تعليق


      • #4
        الفصل العاشر في أنه لا تمايز ولا علية في العدم


        أما عدم التمايز فلأنه فرع الثبوت والشيئية ولا ثبوت ولا شيئية في العدم نعم ربم يتميز عدم من عدم بإضافة الوهم إياه إلى الملكات وأقسام الوجود فيتميز بذلك عدم ‏من عدم كعدم البصر وعدم السمع وعدم زيد وعدم عمرو وأما العدم المطلق فلا تميز ‏فيه. وأما عدم العلية في العدم فلبطلانه وانتفاء شيئيته وقولهم عدم العلة علة لعدم المعلول قول على سبيل التقريب والمجاز فقولهم مثلا لم يكن غيم فلم يكن مطر معناه بالحقيقة أنه لم يتحقق العلية التي بين وجود الغيم ووجود المطر وهذا كما قيل نظير إجراء أحكام القضايا الموجبة في السالبة فيقال سالبة حملية وسالبة شرطية ونحو ذلك وإنما فيها سلب الحمل وسلب الشرط.
        ص 23‏ الفصل الحادي عشر في أن المعدوم المطلق لا خبر عنه


        ويتبين ذلك بما تقدم أنه بطلان محض لا شيئية له بوجه وإنما يخبر عن شي‏ء بشي‏ء. وأما الشبهة بأن قولهم المعدوم المطلق لا يخبر عنه يناقض نفسه فإنه بعينه إخبار ‏عنه بعدم الإخبار فهي مندفعة بما سيجي‏ء في مباحث الوحدة والكثرة من أن من الحمل ما ‏هو أولي ذاتي يتحد فيه الموضوع والمحمول مفهوما ويختلفان اعتبارا كقولنا الإنسان ‏إنسان ومنه ما هو شائع صناعي يتحدان فيه وجودا ويختلفان مفهوما كقولنا الإنسان ضاحك والمعدوم المطلق معدوم مطلق بالحمل الأولي ولا يخبر عنه وليس بمعدوم مطلق بل ‏موجود من الموجودات الذهنية بالحمل الشائع ولذا يخبر عنه بعدم الإخبار عنه فلا تناقض. وبهذا التقريب يندفع الشبهة عن عدة قضايا توهم التناقض كقولنا الجزئي جزئي وهو بعينه كلي يصدق على كثيرين وقولنا شريك الباري ممتنع مع أنه معقول في الذهن ‏فيكون موجودا فيه ممكنا وقولنا الشي‏ء إما ثابت في الذهن أو لا ثابت فيه واللا ثابت في الذهن ثابت فيه لأنه معقول. وجه الاندفاع أن الجزئي جزئي بالحمل الأولي كلي بالشائع وشريك الباري شريك ‏الباري بالحمل الأولي وممكن مخلوق للباري
        ص 24‏
        بالشائع واللا ثابت في الذهن كذلك بالحمل الأولي وثابت فيه بالشائع. الفصل الثاني عشر في امتناع إعادة المعدوم بعينه


        قالت الحكماء إن إعادة المعدوم بعينه ممتنعة وتبعهم فيه بعض المتكلمين وأكثرهم ‏على الجواز. وقد عد الشيخ امتناع إعادة المعدوم ضروريا وهو من الفطريات لقضاء الفطرة ‏ببطلان شيئية المعدوم فلا يتصف بالإعادة. والقائلون بنظرية المسألة احتجوا عليه بوجوه منها أنه لو جاز للمعدوم في زمان أن يعاد في زمان آخر بعينه لزم تخلل العدم بين الشي‏ء ونفسه وهو محال لأنه حينئذ ‏يكون موجودا بعينه في زمانين بينهما عدم متخلل. حجة أخرى لو جازت إعادة الشي‏ء بعينه بعد انعدامه جاز إيجاد ما يماثله من جميع الوجوه ابتداء واستئنافا وهو محال أما الملازمة فلأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيم لا يجوز واحد ومثل الشي‏ء ابتداء ومعاده ثانيا لا فرق بينهما بوجه لأنهما يساويان الشي‏ء المبتدأ من جميع الوجوه وأما استحالة اللازم فلاستلزام اجتماع المثلين في الوجود عدم التميز بينهما وهو وحدة الكثير من حيث هو كثير وهو محال. حجة أخرى إن إعادة المعدوم توجب كون المعاد هو المبتدأ وهو محال لاستلزامه ‏الانقلاب أو الخلف بيان الملازمة أن إعادة المعدوم بعينه يستلزم كون المعاد هو المبتدأ ذات وفي جميع الخصوصيات المشخصة حتى الزمان
        ص 25‏
        فيعود المعاد عين المبتدأ وهو الانقلاب أو الخلف. حجة أخرى لو جازت الإعادة لم يكن عدد العود بالغا معينا يقف عليه إذ لا فرق بين العودة الأولى والثانية وهكذا إلى ما لا نهاية له كما لم يكن فرق بين المعاد والمبتدإ وتعين العدد من لوازم وجود الشي‏ء المتشخص. احتج المجوزون بأنه لو امتنعت إعادة المعدوم لكان ذلك إما لماهيته وإما للازم ماهيته ولو كان كذلك لم يوجد ابتداء وهو ظاهر وإما لعارض مفارق فيزول الامتناع بزواله. ورد بأن الامتناع لأمر لازم لكن لوجوده وهويته لا لماهيته كما هو ظاهر من الحجج المتقدمة. وعمدة ما دعاهم إلى القول بجواز الإعادة زعمهم أن المعاد وهو مما نطقت به ‏الشرائع الحقة من قبيل إعادة المعدوم. ويرده أن الموت نوع استكمال لا انعدام وزوال‏. ص 27‏

        تعليق


        • #5
          المرحلة الثانية في انقسام الوجود إلى خارجي وذهني وفيها فصل واحد


          ص 28‏ الفصل الأول في الوجود الخارجي والوجود الذهني


          المشهور بين الحكماء أن للماهيات وراء الوجود الخارجي وهو الوجود الذي يترتب ‏عليه فيه الآثار المطلوبة منها وجودا آخر لا يترتب عليها فيه الآثار ويسمى وجودا ذهني فالإنسان الموجود في الخارج قائم لا في موضوع بما أنه جوهر ويصح أن يفرض ‏فيه أبعاد ثلاثة بما أنه جسم وبما أنه نبات وحيوان وإنسان ذو نفس نباتية وحيوانية وناطقة‏ ويظهر معه آثار هذه الأجناس والفصول وخواصها والإنسان الموجود في الذهن ‏المعلوم لن إنسان ذاتا واجد لحده غير أنه لا يترتب عليه شي‏ء من تلك الآثار الخارجية. وذهب بعضهم إلى أن المعلوم لنا المسمى بالموجود الذهني شبح الماهية لا نفسها‏ والمراد به عرض وكيف قائم بالنفس يباين المعلوم الخارجي في ذاته ويشابهه ‏ويحكيه في بعض خصوصياته كصورة الفرس المنقوشة على الجدار الحاكية للفرس الخارجي ‏وهذا في الحقيقة سفسطة
          ص 29‏
          ينسد معها باب العلم بالخارج من أصله. وذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني ‏مطلق وأن علم النفس بشي‏ء إضافة خاصة منها إليه ويرده العلم بالمعدوم إذ لا معنى ‏محصل للإضافة إلى المعدوم. واحتج المشهور على ما ذهبوا إليه من الوجود الذهني بوجوه الأول أنا نحكم على المعدومات بأحكام إيجابية كقولنا بحر من زيبق كذا وقولنا اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين إلى غير ذلك والإيجاب إثبات وإثبات شي‏ء لشي‏ء فرع ثبوت المثبت ‏له فلهذه الموضوعات المعدومة وجود وإذ ليس في الخارج ففي موطن آخر ونسميه ‏الذهن. الثاني أنا نتصور أمورا تتصف بالكلية والعموم كالإنسان الكلي والحيوان الكلي والتصور إشارة عقلية لا تتحقق إلا بمشار إليه موجود وإذ لا وجود للكلي بما هو ‏كلي في الخارج فهي موجودة في موطن آخر ونسميه الذهن. الثالث أنا نتصور الصرف من كل حقيقة وهو الحقيقة محذوفا عنها ما يكثرها بالخلط والانضمام كالبياض المتصور بحذف جميع الشوائب الأجنبية وصرف الشي‏ء لا ‏يتثنى ول يتكرر فهو واحد وحدة جامعة لكل ما هو من سنخه والحقيقة بهذا الوصف غير ‏موجودة في الخارج فهي موجودة في موطن آخر نسميه الذهن.
          ص 30‏ تتمة


          قد استشكل على وجود الماهيات في الذهن بمعنى حصولها بأنفسها فيه إشكالات ‏الإشكال الأول أن القول بحصول الماهيات بأنفسها في الذهن يستلزم كون الشي‏ء الواحد ‏جوهر وعرضا معا وهو محال بيان الملازمة أن الجوهر المعقول في الذهن جوهر بناء ‏على انحفاظ الذاتيات وهو بعينه عرض لقيامه بالنفس قيام العرض بمعروضه وأما بطلان اللازم ‏فللزوم كونه قائما بالموضوع وغير قائم به. الإشكال الثاني أن الماهية الذهنية مندرجة تحت مقولة الكيف بناء على ما ذهبوا إليه من كون الصور العلمية كيفيات نفسانية ثم إنا إذا تصورنا جوهرا كان مندرجا تحت ‏مقولة الجوهر لانحفاظ الذاتيات وتحت مقولة الكيف كما تقدم والمقولات متباينة بتمام ‏الذوات فيلزم التناقض في الذات وكذا إذا تصورنا مقولة أخرى غير الجوهر كانت الماهية المتصورة مندرجة تحت مقولتين وكذا لو تصورنا كيفا محسوسا كان مندرجا تحت ‏الكيف المحسوس والكيف النفساني وهو اندراج شي‏ء واحد تحت نوعين متباينين من مقولة واستحالته ضرورية. قالوا وهذا الإشكال أصعب من الأول إذ لا كثير إشكال في كون شي‏ء واحد جوهرا ‏وعرض لأن التباين الذاتي الذي بين المقولات إنما هو بين الجوهر والكيف والكم وغيرها وأم مفهوم العرض بمعنى القائم
          ص 31‏
          بالموضوع فهو عرض عام صادق على تسع من المقولات ومن الجائز أن يعم ‏الجوهر الذهني أيضا ويصدق عليه لأن المأخوذ في رسم الجوهر أنه ماهية إذا وجدت في الخارج ‏وجدت ل في موضوع فمن الجائز أن يقوم في الذهن في موضوع وهو إذا وجد في الخارج ‏كان لا في موضوع هذا. وأما دخول الماهية الواحدة تحت مقولتين كالجوهر والكيف وكالكم والكيف ‏والمقولات متباينات بتمام الذوات فاستحالته ضرورية لا مدفع له. وبالتوجه إلى ما تقدم من الإشكال ونحوه ذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني من ‏أصله بالقول بأن العلم بإضافة من النفس إلى الخارج فالمعلوم مندرج تحت مقولته ‏الخارجية فقط وقد عرفت ما فيه. وبعضهم إلى أن الماهيات الخارجية موجودة في الذهن بأشباحها لا بأنفسها وشبح ‏الشي‏ء يغاير الشي‏ء ويباينه فالصورة الذهنية كيفية نفسانية وأما المقولة الخارجية فغير باقية فيها فلا إشكال وقد عرفت ما فيه. وقد أجيب عن الإشكال بوجوه منها ما عن بعضهم أن العلم غير المعلوم فعند حصول ‏ماهية من الماهيات الخارجية في الذهن أمران أحدهما الماهية الحاصلة نفسها على ما كانت عليه في الخارج وهو المعلوم وهو غير قائم بالنفس بل قائم بنفسه حاصل فيه حصول الشي‏ء في الزمان والمكان والآخر صفة حاصلة للنفس قائمة بها يطرد بها عنها ‏الجهل وهو العلم وعلى هذا فالمعلوم مندرج تحت مقولته الخارجية من جوهر أو كم أو غير ‏ذلك والعلم كيف نفساني فلا اجتماع أصلا لا لمقولتين ولا لنوعين من مقولة‏.
          وفيه أنه خلاف ما نجده من أنفسنا عند العلم فإن الصورة الحاصلة في نفوسنا عند ‏العلم بشي‏ء هي بعينها التي تطرد عنا الجهل وتصير وصفا لن

          ص 32‏
          نتصف به. ومنها ما عن بعض القائلين بأصالة الماهية أن الصورة الحاصلة في الذهن منسلخة ‏عن ماهيتها الخارجية ومنقلبة إلى الكيف بيان ذلك أن موجودية الماهية متقدمة على ‏نفسه فمع قطع النظر عن الوجود لا ماهية أصلا والوجود الذهني والخارجي مختلفان ‏بالحقيقة فإذا تبدل الوجود بصيرورة الوجود الخارجي ذهنيا جاز أن تنقلب الماهية بأن يتبدل الجوهر أو الكم أو غير ذلك كيفا فليس للشي‏ء بالنظر إلى ذاته حقيقة معينة بل الكيفية الذهنية إذا وجدت في الخارج كانت جوهرا أو غيره والجوهر الخارجي إذا ‏وجد في الذهن كان كيفا نفسانيا وأما مباينة الماهية الذهنية للخارجية مع أن المدعى حصول الأشياء بأنفسها في الذهن وهو يستدعي أصلا مشتركا بينهما فيكفي في تصويره أن ‏يصور العقل أمرا مبهما مشتركا بينهما يصحح به أن ما في الذهن هو الذي في الخارج كما ‏يصور المادة المشتركة بين الكائن والفاسد الماديين. وفيه أولا أنه لا محصل لما ذكره من تبدل الماهية واختلاف الوجودين في الحقيقة ‏بناء على ما ذهب إليه من أصالة الماهية واعتبارية الوجود. وثانيا أنه في معنى القول بالشبح بناء على ما التزم به من المغايرة الذاتية بين الصورة الذهنية والمعلوم الخارجي فيلحقه ما لحقه من محذور السفسطة ومنها ما ‏عن بعضهم أن العلم لما كان متحدا بالذات مع المعلوم بالذات كان من مقولة المعلوم إن جوهرا فجوهر وإن كما فكم وهكذا وأما تسميتهم العلم كيفا فمبني على المسامحة في التعبير كما يسمى كل وصف ناعت للغير كيفا في العرف العام وإن كان جوهر. وبهذا يندفع إشكال اندراج المقولات الآخر تحت الكيف. وإما إشكال كون شي‏ء واحد جوهرا وعرضا معا فالجواب عنه ص 33‏

          تعليق


          • #6
            ما تقدم أن مفهوم العرض عرض عام شامل للمقولات التسع العرضية وللجوهر ‏الذهني ول إشكال فيه. وفيه أن مجرد صدق مفهوم مقولة من المقولات على شي‏ء لا يوجب اندراجه تحتها ‏كم ستجي‏ء الإشارة إليه. على أن كلامهم صريح في كون العلم الحصولي كيفا نفسانيا داخلا تحت مقولة الكيف ‏حقيقة من غير مسامحة. ومنها ما ذكره صدر المتألهين ره في كتبه وهو الفرق في إيجاب الاندراج بين الحمل‏ الأولي وبين الحمل الشائع فالثاني يوجبه دون الأول بيان ذلك أن مجرد أخذ مفهوم ‏جنسي أو نوعي في حد شي‏ء وصدقه عليه لا يوجب اندراج ذلك الشي‏ء تحت ذلك الجنس أو ‏النوع بل يتوقف الاندراج تحته على ترتب آثار ذلك الجنس أو النوع الخارجية على ذلك ‏الشي‏ء. فمجرد أخذ الجوهر والجسم مثلا في حد الإنسان حيث يقال الإنسان جوهر جسم نام ‏حساس متحرك بالإرادة ناطق لا يوجب اندراجه تحت مقولة الجوهر أو جنس الجسم حتى ‏يكون موجودا لا في موضوع باعتبار كونه جوهرا ويكون بحيث يصح أن يفرض فيه ‏الأبعاد الثلاثة باعتبار كونه جسما وهكذ. وكذا مجرد أخذ الكم والاتصال في حد السطح حيث يقال السطح كم متصل قار منقسم ‏في جهتين لا يوجب اندراجه تحت الكم والمتصل مثلا حتى يكون قابلا للانقسام بذاته من ‏جهة أنه كم ومشتملا على الفصل المشترك من جهة أنه متصل وهكذ. ولو كان مجرد صدق مفهوم على شي‏ء موجبا للاندراج لكان كل مفهوم كلي فردا ‏لنفسه لصدقه بالحمل الأولي على نفسه فالاندراج يتوقف على ترتب الآثار ومعلوم أن ‏ترتب الآثار إنما يكون في الوجود الخارجي دون الذهني.
            ص 34‏
            فتبين أن الصورة الذهنية غير مندرجة تحت ما يصدق عليها من المقولات لعدم ‏ترتب آثارها عليها لكن الصورة الذهنية إنما لا تترتب عليها آثار المعلوم الخارجي من ‏حيث هي وجود مقيس إلى ما بحذائها من الوجود الخارجي وأما من حيث إنها حاصلة ‏للنفس حال أو ملكة تطرد عنها الجهل فهي وجود خارجي موجود للنفس ناعت لها يصدق عليه ‏حد الكيف بالحمل الشائع وهو أنه عرض لا يقبل قسمة ولا نسبة لذاته فهو مندرج بالذات تحت ‏مقولة الكيف وإن لم يكن من جهة كونه وجودا ذهنيا مقيسا إلى الخارج داخلا تحت شي‏ء ‏من المقولات لعدم ترتب الآثار اللهم إلا تحت مقولة الكيف بالعرض. وبهذا البيان يتضح اندفاع ما أورده بعض المحققين على كون العلم كيفا بالذات وكون الصورة الذهنية كيفا بالعرض من أن وجود تلك الصور في نفسها ووجودها للنفس ‏واحد وليس ذلك الوجود والظهور للنفس ضميمة تزيد على وجودها تكون هي كيفا في النفس لأن ‏وجوده الخارجي لم يبق بكليته وماهياتها في أنفسها كل من مقولة خاصة وباعتبار وجوده الذهني لا جوهر ولا عرض وظهورها لدى النفس ليس سوى تلك الماهية وذلك ‏الوجود إذ ظهور الشي‏ء ليس أمرا ينضم إليه وإلا لكان ظهور نفسه وليس هناك أمر آخر والكيف من المحمولات بالضميمة والظهور والوجود للنفس لو كان نسبة مقولية كان ماهية العلم‏ إضافة لا كيفا وإذا كان إضافة إشراقية كان وجودا فالعلم نور وظهور وهما وجود والوجود ليس ماهية. وجه الاندفاع أن الصورة العلمية هي الموجودة للنفس الظاهرة لها لكن لا من حيث ‏كونه موجودا ذهنيا مقيسا إلى خارج لا تترتب عليها آثاره بل من حيث كونها حالا أو ملكة للنفس تطرد عنها عدما وهي كمال للنفس زائد عليها ناعت لها وهذا أثر خارجي ‏مترتب عليها وإذا كانت النفس
            ص 35‏
            موضوعة لها مستغنية عنها في نفسها فهي عرض لها ويصدق عليها حد الكيف ‏ودعوى أن ليس هناك أمر زائد على النفس منضم إليها ممنوعة. فظهر أن الصورة العلمية من حيث كونها حالا أو ملكة للنفس كيف حقيقة وبالذات ‏ومن حيث كونها موجودا ذهنيا كيف بالعرض وهو المطلوب.
            الإشكال الثالث أن لازم القول بالوجود الذهني وحصول الأشياء بأنفسها في الأذهان ‏كون النفس حارة باردة عريضة طويلة متحيزة متحركة مربعة مثلثة مؤمنة كافرة وهكذا ‏عند تصور الحرارة والبرودة إلى غير ذلك وهو باطل بالضرورة بيان الملازمة أنا لا ‏نعني بالحار والبارد والعريض والطويل ونحو ذلك إلا ما حصلت له هذه المعاني وقامت ‏به. والجواب عنه أن المعاني الخارجية كالحرارة والبرودة ونحوهما إنما تحصل في ‏الأذهان بماهياتها لا بوجوداتها العينية وتصدق عليها بالحمل الأولي دون الشائع والذي يوجب الاتصاف حصول هذه المعاني بوجوداتها الخارجية وقيامها بموضوعاتها دون ‏حصول ماهياته لها وقيام ما هي هي بالحمل الأولي.
            الإشكال الرابع أنا نتصور المحالات الذاتية كشريك الباري واجتماع النقيضين وارتفاعهما وسلب الشي‏ء عن نفسه فلو كانت الأشياء حاصلة بأنفسها في الأذهان ‏استلزم ذلك ثبوت المحالات الذاتية. والجواب عنه أن الحاصل من المحالات الذاتية في الأذهان مفاهيمها بالحمل الأولي ‏دون الحمل الشائع فشريك الباري في الذهن شريك الباري بالحمل الأولي وأما بالحمل ‏الشائع فهو كيفية نفسانية ممكنة مخلوقة للباري وهكذا في سائر المحالات.
            الإشكال الخامس أنا نتصور الأرض بما رحبت بسهولها وجبالها و

            ص 36‏
            براريها وبحارها وما فوقها من السماء بأرجائها البعيدة والنجوم والكواكب بأبعاده الشاسعة وحصول هذه المقادير العظيمة في الذهن بمعنى انطباعها في جزء عصبي ‏أو قوة دماغية كما قالوا به من انطباع الكبير في الصغير وهو محال ودفع الإشكال بأن ‏المنطبع فيه منقسم إلى غير النهاية لا يجدي شيئا فإن الكف لا تسع الجبل وإن كانت منقسمة ‏إلى غير النهاية. والجواب عنه أن الحق كما سيأتي أن الصور الإدراكية الجزئية غير مادية بل مجردة تجردا مثاليا فيها آثار المادة من مقدار وشكل وغيرهما دون نفس المادة فهي حاصلة للنفس في مرتبة تجرده المثالي من غير أن تنطبع في جزء بدني أو قوة متعلقة بجزء بدني. وأما الأفعال والانفعالات الحاصلة في مرحلة المادة عند الإحساس بشي‏ء أو عند ‏تخيله فإنما هي معدات تتهيأ بها النفس لحصول الصور العلمية الجزئية المثالية عنده.
            الإشكال السادس أن علماء الطبيعة بينوا أن الإحساس والتخيل بحصول صور ‏الأجسام المادية بما لها من النسب والخصوصيات الخارجية في الأعضاء الحاسة وانتقالها إلى الدماغ مع ما لها من التصرف فيها بحسب طبائعها الخاصة والإنسان ينتقل إلى ‏خصوصية مقاديرها وأبعادها وأشكالها بنوع من المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده ‏على م فصلوه في محله ومع ذلك لا مجال للقول بحضور الماهيات الخارجية بأنفسها في ‏الأذهان. والجواب عنه أن ما ذكروه من الفعل والانفعال المادي عند حصول العلم بالجزئيات ‏في محله لكن هذه الصور المنطبعة المغايرة للمعلومات الخارجية ليست هي المعلومة ‏بالذات بل هي معدات تهيى‏ء النفس لحضور الماهيات الخارجية عندها بوجود مثالي غير ‏مادي وإل لزمت السفسطة لمكان

            ص 37‏
            المغايرة بين الصور الحاصلة في أعضاء الحس والتخيل وبين ذوات الصور. بل هذا من أقوى الحجج على حصول الماهيات بأنفسها عند الإنسان بوجود غير ‏مادي فإن الوجود المادي لها كيفما فرض لم يخل عن مغايرة ما بين الصور الحاصلة وبين ‏الأمور الخارجية ذوات الصور ولازم ذلك السفسطة ضرورة.
            الإشكال السابع أن لازم القول بالوجود الذهني كون الشي‏ء الواحد كليا وجزئيا مع وبطلانه ظاهر بيان الملازمة أن ماهية الإنسان المعقولة مثلا من حيث تجويز العقل صدقها على كثيرين كلية ومن حيث حصولها لنفس عاقلها الشخصية وقيامها بها ‏جزئية متشخصة بتشخصها متميزة من ماهية الإنسان المعقولة لغير تلك النفس من النفوس ‏فهي كلية وجزئية مع. والجواب عنه أن الجهة مختلفة فهي من حيث إنها وجود ذهني مقيس إلى الخارج ‏كلية تقبل الصدق على كثيرين ومن حيث إنها كيفية نفسانية من غير مقايسة إلى الخارج ‏جزئية.
            ص 39‏

            تعليق


            • #7
              المرحلة الثالثة

              في انقسام الوجود إلى ما في نفسه وما في غيره وانقسام ما في نفسه إلى ما لنفسه وما لغيره

              وفيها ثلاثة فصول


              ص 40‏ الفصل الأول الوجود في نفسه والوجود في غيره


              من الوجود ما هو في غيره ومنه خلافه وذلك أنا إذا اعتبرنا القضايا الصادقة كقولنا‏ الإنسان ضاحك وجدنا فيها وراء الموضوع والمحمول أمرا آخر به يرتبط ويتصل ‏بعضهما إلى بعض ليس يوجد إذا اعتبر الموضوع وحده ولا المحمول وحده ولا إذا اعتبر كل ‏منهما مع غير الآخر فله وجود ثم إن وجوده ليس ثالثا لهما واقعا بينهما مستقلا عنهما وإل احتاج إلى رابطين آخرين يربطانه بالطرفين فكان المفروض ثلاثة خمسة ثم الخمسة ‏تسعة وهلم جرا وهو باطل. فوجوده قائم بالطرفين موجود فيهما غير خارج منهما ولا مستقل بوجه عنهما لا ‏معنى له مستقلا بالمفهومية ونسميه الوجود الرابط وما كان بخلافه كوجود الموضوع ‏والمحمول وهو الذي له معنى مستقل بالمفهومية نسميه الوجود المحمولي والوجود المستقل فإذن ‏الوجود منقسم إلى مستقل ورابط وهو المطلوب. ويظهر مما تقدم أولا أن الوجودات الرابطة لا ماهية لها لأن الماهية ما يقال في ‏جواب ما هو فلها لا محالة وجود محمولي ذو معنى مستقل بالمفهومية والرابط ليس كذلك. وثانيا أن تحقق الوجود الرابط بين أمرين يستلزم اتحادا ما بينهما لكونه
              ص 41‏
              واحدا غير خارج من وجودهم. وثالثا أن الرابط إنما يتحقق في مطابق الهليات المركبة التي تتضمن ثبوت شي‏ء ‏لشي‏ء وأما الهليات البسيطة التي لا تتضمن إلا ثبوت الشي‏ء وهو ثبوت موضوعها فلا ‏رابط في مطابقها إذ لا معنى لارتباط الشي‏ء بنفسه ونسبته إليه الفصل الثاني كيفية اختلاف الرابط والمستقل


              اختلفوا في أن الاختلاف بين الوجود الرابط والمستقل هل هو اختلاف نوعي بمعنى ‏أن الوجود الرابط ذو معنى تعلقي لا يمكن تعقله على الاستقلال ويستحيل أن يسلخ عنه ‏ذلك الشأن فيعود معنى اسميا بتوجيه الالتفات إليه بعد ما كان معنى حرفيا أو لا اختلاف نوعيا بينهم. والحق هو الثاني لما سيأتي في مرحلة العلة والمعلول أن وجودات المعاليل رابطة بالنسبة إلى عللها ومن المعلوم أن منها ما وجوده جوهري ومنها ما وجوده عرضي ‏وهي جميعا وجودات محمولية مستقلة تختلف حالها بالقياس إلى عللها وأخذها في نفسها ‏فهي بالنظر إلى عللها وجودات رابطة وبالنظر إلى أنفسها وجودات مستقلة فإذن المطلوب ثابت. ويظهر مما تقدم أن المفهوم تابع في استقلاله بالمفهومية وعدمه لوجوده الذي ينتزع منه وليس له من نفسه إلا الإبهام
              ص 42‏ الفصل الثالث من الوجود في نفسه ما هو لغيره ومنه ما هو لنفسه‏


              والمراد بكون وجود الشي‏ء لغيره أن يكون الوجود الذي له في نفسه وهو الذي يطرد ‏عن ماهيته العدم هو بعينه يطرد عدما عن شي‏ء آخر لا عدم ذاته وماهيته وإلا كان ‏لوجود واحد ماهيتان وهو كثرة الواحد بل عدما زائدا على ذاته وماهيته له نوع مقارنة له كالعلم الذي يطرد بوجوده العدم عن ماهيته الكيفية ويطرد به بعينه عن موضوعه ‏الجهل الذي هو نوع من العدم يقارنه وكالقدرة فإنها كما تطرد عن ماهية نفسها العدم تطرد بعينها عن موضوعها العجز. والدليل على تحقق هذا القسم وجودات الأعراض فإن كلا منها كما يطرد عن ماهية ‏نفسه العدم يطرد بعينه عن موضوعه نوعا من العدم وكذلك الصور النوعية الجوهرية فإن ‏له نوع حصول لموادها تكملها وتطرد عنها نقصا جوهريا وهذا النوع من الطرد هو ‏المراد بكون الوجود لغيره وكونه ناعت. ويقابله ما كان طاردا لعدم نفسه فحسب كالأنواع التامة الجوهرية كالإنسان والفرس‏ ويسمى هذا النوع من الوجود وجودا لنفسه فإذن المطلوب ثابت وذلك ما أردناه. وربما يقسم الوجود لذاته إلى الوجود بذاته والوجود بغيره وهو بالحقيقة راجع إلى العلية والمعلولية وسيأتي البحث عنهم. ص 43‏

              تعليق


              • #8
                المرحلة الرابعة في المواد الثلاث الوجوب والإمكان والامتناع


                والبحث عنها في الحقيقة بحث عن انقسام الوجود إلى الواجب والممكن والبحث عن ‏الممتنع تبعي وفيها تسعة فصول
                ص 44‏ الفصل الأول في تعريف المواد الثلاث وانحصارها فيه


                كل مفهوم إذا قيس إلى الوجود فإما أن يجب له فهو الواجب أو يمتنع وهو الممتنع أو ‏ل يجب له ولا يمتنع وهو الممكن فإنه إما أن يكون الوجود له ضروريا وهو الأول أو ‏يكون العدم له ضروريا وهو الثاني وإما أن لا يكون شي‏ء منهما له ضروريا وهو الثالث. وأما احتمال كون الوجود والعدم كليهما ضروريين فمرتفع بأدنى التفات. وهي بينة المعاني لكونها من المعاني العامة التي لا يخلو عن أحدها مفهوم من المفاهيم ولذا كانت لا تعرف إلا بتعريفات دورية كتعريف الواجب بما يلزم من ‏فرض عدمه محال ثم تعريف المحال وهو الممتنع بما يجب أن لا يكون أو ما ليس بممكن ولا ‏واجب وتعريف الممكن بما لا يمتنع وجوده وعدمه. الفصل الثاني انقسام كل من المواد إلى ما بالذات وما بالغير وما بالقياس


                كل واحدة من المواد ثلاثة أقسام ما بالذات وما بالغير وما بالقياس
                ص 45‏
                إلى الغير إلا الإمكان فلا إمكان بالغير والمراد بما بالذات أن يكون وضع الذات كافيا في تحققه وإن قطع النظر عن كل ما سواه وبما بالغير ما يتعلق بالغير وبم بالقياس إلى الغير أنه إذا قيس إلى الغير كان من الواجب أن يتصف به. فالوجوب بالذات كما في الواجب الوجود تعالى فإن ذاته بذاته يكفي في ضرورة ‏الوجود له من غير حاجة إلى شي‏ء غيره. والوجوب بالغير كما في الممكن الموجود الواجب وجوده بعلته. والوجوب بالقياس إلى الغير كما في وجود أحد المتضائفين إذا قيس إلى وجود الآخر ‏فإن وجود العلو إذا قيس إليه وجود السفل يأبى إلا أن يكون للسفل وجود فلوجود السفل ‏وجوب بالقياس إلى وجود العلو وراء وجوبه بعلته. والامتناع بالذات كما في المحالات الذاتية كشريك الباري واجتماع النقيضين ‏والامتناع بالغير كما في وجود المعلول الممتنع لعدم علته وعدمه الممتنع لوجود علته والامتناع بالقياس إلى الغير كما في وجود أحد المتضائفين إذا قيس إلى عدم الآخر وفي عدمه ‏إذ قيس إلى وجود الآخر. والإمكان بالذات كما في الماهيات الإمكانية فإنها في ذاتها لا تقتضي ضرورة الوجود ولا ضرورة العدم والإمكان بالقياس إلى الغير كما في الواجبين بالذات المفروضين ‏ففرض وجود أحدهما لا يأبى وجود الآخر ولا عدمه إذ ليس بينهما علية ومعلولية ولا هم معلولا علة ثالثة. وأما الإمكان بالغير فمستحيل لأنا إذا فرضنا ممكنا بالغير فهو في ذاته إما واجب بالذات أو ممتنع بالذات أو ممكن بالذات إذ المواد منحصرة في الثلاث والأولان ‏يوجبان الانقلاب والثالث يوجب كون اعتبار الإمكان بالغير لغو.
                ص 46‏ الفصل الثالث واجب الوجود ماهيته إنيته


                واجب الوجود ماهيته إنيته بمعنى أن لا ماهية له وراء وجوده الخاص به وذلك أنه لو كانت له ماهية وذات وراء وجوده الخاص به لكان وجوده زائدا على ذاته عرضيا له ‏وكل عرضي معلل بالضرورة فوجوده معلل. وعلته إما ماهيته أو غيرها فإن كانت علته ماهيته والعلة متقدمة على معلولها ‏بالوجود بالضرورة كانت الماهية متقدمة عليه بالوجود وتقدمها عليه إما بهذا الوجود ولازمه تقدم الشي‏ء على نفسه وهو محال وإما بوجود آخر وننقل الكلام إليه ويتسلسل وإن ‏كانت علته غير ماهيته فيكون معلولا لغيره وذلك ينافي وجوب الوجود بالذات وقد تبين ‏بذلك أن الوجوب بذاته وصف منتزع من حاق وجود الواجب كاشف عن كون وجوده بحتا ‏في غاية الشدة غير مشتمل على جهة عدمية إذ لو اشتمل على شي‏ء من الأعدام حرم الكمال ‏الوجودي الذي في مقابله فكانت ذاته مقيدة بعدمه فلم يكن واجبا بالذات صرفا له كل كمال. الفصل الرابع واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات


                إذ لو كان غير واجب بالنسبة إلى شي‏ء من الكمالات التي تمكن له بالإمكان العام كان ذا جهة إمكانية بالنسبة إليه فكان خاليا في ذاته عنه متساوية نسبته إلى وجوده وعدمه ومعناه تقيد ذاته بجهة عدمية وقد
                ص 47‏
                عرفت في الفصل السابق استحالته. الفصل الخامس في أن الشي‏ء ما لم يجب لم يوجد


                وبطلان القول بالأولوية لا ريب أن الممكن الذي يتساوى نسبته إلى الوجود والعدم عقلا يتوقف وجوده على ‏شي‏ء يسمى علة وعدمه على عدمه. وهل يتوقف وجود الممكن على أن يوجب العلة وجوده وهو الوجوب بالغير أو أنه ‏يوجد بالخروج عن حد الاستواء وإن لم يصل إلى حد الوجوب وكذا القول في جانب العدم ‏وهو المسمى بالأولويه وقد قسموها إلى الأولوية الذاتية وهي التي يقتضيها ذات الممكن وماهيته وغير الذاتية وهي خلافها وقسموا كلا منهما إلى كافية في تحقق الممكن ‏وغير كافية. والأولوية بأقسامها باطلة. أما الأولوية الذاتية فلأن الماهية قبل الوجود باطلة الذات لا شيئية لها حتى تقتضي أولوية الوجود كافية أو غير كافية وبعبارة أخرى الماهية من حيث هي ليست إلا هي ‏ل موجودة ولا معدومة ولا أي شي‏ء آخر. وأما الأولوية الغيرية وهي التي تأتي من ناحية العلة فلأنها لما لم تصل إلى حد الوجوب لا يخرج بها الممكن من حد الاستواء ولا يتعين بها له الوجود أو العدم ول ينقطع بها السؤال إنه لم وقع هذا دون ذاك وهو الدليل على أنه لم تتم بعد للعلة عليته.
                ص 48‏
                فتحصل أن الترجيح إنما هو بإيجاب العلة وجود المعلول بحيث يتعين له الوجود ‏ويستحيل عليه العدم أو إيجابها عدمه فالشي‏ء أعني الممكن ما لم يجب لم يوجد. خاتمة ما تقدم من الوجوب هو الذي يأتي الممكن من ناحية علته وله وجوب آخر ‏يلحقه بعد تحقق الوجود أو العدم وهو المسمى بالضرورة بشرط المحمول فالممكن الموجود ‏محفوف بالضرورتين السابقة واللاحقة. الفصل السادس في معاني الإمكان


                الإمكان المبحوث عنه هاهنا هو لا ضرورة الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهية ‏المأخوذة من حيث هي وهو المسمى بالإمكان الخاص والخاصي. وقد يستعمل الإمكان بمعنى سلب الضرورة عن الجانب المخالف سواء كان الجانب ‏الموافق ضروريا أو غير ضروري فيقال الشي‏ء الفلاني ممكن أي ليس بممتنع وهو ‏المستعمل في لسان العامة أعم من الإمكان الخاص ولذا يسمى إمكانا عاميا وعام. وقد يستعمل في معنى أخص من ذلك وهو سلب الضرورات الذاتية والوصفية ‏والوقتية كقولن الإنسان كاتب بالإمكان حيث إن الإنسانية لا تقتضي ضرورة الكتابة ولم يؤخذ في الموضوع وصف يوجب الضرورة ولا وقت كذلك وتحقق الإمكان بهذا المعنى في ‏القضية بحسب
                ص 49‏
                الاعتبار العقلي بمقايسة المحمول إلى الموضوع لا ينافي ثبوت الضرورة بحسب ‏الخارج بثبوت العلة ويسمى الإمكان الأخص. وقد يستعمل بمعنى سلب الضرورة من الجهات الثلاث والضرورة بشرط المحمول ‏أيضا كقولن زيد كاتب غدا بالإمكان ويختص بالأمور المستقبلة التي لم تتحقق بعد حتى يثبت فيه الضرورة بشرط المحمول وهذا الإمكان إنما يثبت بحسب الظن والغفلة عن أن كل ‏حادث مستقبل إما واجب أو ممتنع لانتهائه إلى علل موجبة مفروغ عنها ويسمى الإمكان الاستقبالي. وقد يستعمل الإمكان بمعنيين آخرين أحدهما ما يسمى الإمكان الوقوعي وهو كون ‏الشي‏ء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال أي ليس ممتنعا بالذات أو بالغير وهو سلب ‏الامتناع عن الجانب الموافق كما أن الإمكان العام سلب الضرورة عن الجانب المخالف. وثانيهما الإمكان الاستعدادي وهو كما ذكروه نفس الاستعداد ذاتا وغيره اعتبارا فإن تهيؤ الشي‏ء لأن يصير شيئا آخر له نسبة إلى الشي‏ء المستعد ونسبة إلى الشي‏ء المستعد له فبالاعتبار الأول يسمى استعدادا فيقال مثلا النطفة لها استعداد أن تصير إنسانا وبالاعتبار الثاني يسمى الإمكان الاستعدادي فيقال الإنسان يمكن أن يوجد في النطفة. والفرق بينه وبين الإمكان الذاتي أن الإمكان الذاتي كما سيجي‏ء اعتبار تحليلي عقلي يلحق الماهية المأخوذة من حيث هي والإمكان الاستعدادي صفة وجودية تلحق ‏الماهية الموجودة فالإمكان الذاتي يلحق الماهية الإنسانية المأخوذة من حيث هي والإمكان الاستعدادي يلحق
                ص 50‏
                النطفة الواقعة في مجرى تكون الإنسان. ولذا كان الإمكان الاستعدادي قابلا للشدة والضعف فإمكان تحقق الإنسانية في العلقة أقوى منه في النطفة بخلاف الإمكان الذاتي فلا شدة ولا ضعف فيه. ولذا أيضا كان الإمكان الاستعدادي يقبل الزوال عن الممكن فإن الاستعداد يزول بعد‏ تحقق المستعد له بالفعل بخلاف الإمكان الذاتي فإنه لازم الماهية هو معها حيثم تحققت. ولذا أيضا كان الإمكان الاستعدادي ومحله المادة بالمعنى الأعم يتعين معه الممكن المستعد له كالإنسانية التي تستعد لها المادة بخلاف الإمكان الذاتي الذي في الماهية فإنه لا يتعين معه لها الوجود أو العدم. والفرق بين الإمكان الاستعدادي والوقوعي أن الاستعدادي إنما يكون في الماديات والوقوعي أعم مورد. الفصل السابع في أن الإمكان اعتبار عقلي وأنه لازم للماهية


                أما أنه اعتبار عقلي فلأنه يلحق الماهية المأخوذة عقلا مع قطع النظر عن الوجود والعدم والماهية المأخوذة كذلك اعتبارية بلا ريب فما يلحق بها بهذا الاعتبار كذلك بلا ريب وهذا الاعتبار العقلي لا ينافي كونها بحسب نفس الأمر إما موجودة أو ‏معدومة ولازمه كونها محفوفة بوجوبين أو امتناعين

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                ردود 2
                13 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                استجابة 1
                12 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                يعمل...
                X