بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم .
و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .
و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
ذهب مشهور أهل السنة و الجماعة إلى أن كل صحابي فهو أفضل ممن هو ليس بصحابي . و قد عرفوا الصحابي بأنه من رأى الرسول و لو مرة واحدة في عمره و هو مسلم . فهل يا ترى من رأى الرسول فهذا الرؤية أو النظرة إلى الرسول تجعله أفضل من غيره حتى لو كان الصحابي قاعداً و التابعي مجاهداً بنفسه و أمواله و علمه. مهما عمل التابعي أو غيره و مهما بذل في خدمة الدين و التضحية و الفداء فإنه لا يزن نظرة واحدة إلى رسول الله – صلى الله عليه و آله - فإذا كانت النظرة إلى رسول الله مرة واحدة لها هذا الأثر بحيث يرجح على كل من سواه فهنا نتساءل لماذا لا يكون أيضاً أهل بيت النبي أفضل من غيرهم مهما فعل ذلك الغير في خدمة الدين ومهما قدّم من تضحيات و فداء ؟!! .
و لا بأس أن نقرأ ما قاله القرطبي في نقاش مسألة تفضيل جميع الصحابة على من سواهم : الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم .
و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .
و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
ذهب مشهور أهل السنة و الجماعة إلى أن كل صحابي فهو أفضل ممن هو ليس بصحابي . و قد عرفوا الصحابي بأنه من رأى الرسول و لو مرة واحدة في عمره و هو مسلم . فهل يا ترى من رأى الرسول فهذا الرؤية أو النظرة إلى الرسول تجعله أفضل من غيره حتى لو كان الصحابي قاعداً و التابعي مجاهداً بنفسه و أمواله و علمه. مهما عمل التابعي أو غيره و مهما بذل في خدمة الدين و التضحية و الفداء فإنه لا يزن نظرة واحدة إلى رسول الله – صلى الله عليه و آله - فإذا كانت النظرة إلى رسول الله مرة واحدة لها هذا الأثر بحيث يرجح على كل من سواه فهنا نتساءل لماذا لا يكون أيضاً أهل بيت النبي أفضل من غيرهم مهما فعل ذلك الغير في خدمة الدين ومهما قدّم من تضحيات و فداء ؟!! .
قال القرطبي في تفسيره ج 4 ص 171 :
الثانية - وإذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم ، فقد روى الأئمة من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . [ الحديث ] وهذا يدل على أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم ، وإلى هذا ذهب معظم العلماء ، وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرة في عمره أفضل ممن يأتي بعده ، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل .
وذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة ، وإن قول عليه السلام : ( خير الناس قرني ) ليس على عمومه بدليل :
1- ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول . وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الخدود .
2- وقال لهم : ما تقولون في السارق والشارب والزاني .
3- وقال مواجهة لمن هو في قرنه : ( لا تسبوا أصحابي ) .
4- وقال لخالد ابن الوليد في عمار : ( لا تسب من هو خير منك )
5- وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي ) .
6- وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر . قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا ) قلنا الملائكة . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) قلنا الأنبياء . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيمانا ) .
7- وروى صالح بن جبير عن أبي جمعة قال : قلنا يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ قال : ( نعم قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني ) . وقال أبو عمر : وأبو جمعة له صحبة واسمه حبيب بن سباع ، وصالح بن جبير من ثقات التابعين .
8- وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن أمامكم أياما الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثله عمله ) قيل : يا رسول الله ، منهم ؟ قال : ( بل منكم ) . قال أبو عمر : وهذه اللفظة " بل منكم " قد سكت عنها بعض المحدثين فلم يذكرها .
9- وقال عمر بن الخطاب في تأويل قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " قال : من فعل مثل فعلكم كان مثلكم .
ولا تعارض بين الأحاديث ، لان الأول على الخصوص ، والله الموفق .
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم .
1- [ ومما ] يشهد لهذا قوله عليه السلام : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ) . ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة .
2- ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره ) . ذكره أبو داود الطيالسي وأبو عيسى الترمذي ، ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالك عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره ) . ذكره الدارقطني في مسند حديث مالك . قال أبو عمر : هشام بن عبيد الله ثقة لا يختلفون في ذلك .
3- وروي أن عمر ابن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن اكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها ، فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر ، فأنت أفضل من عمر لان زمانك ليس كزمان عمر ، ولا رجالك كرجال عمر . قال : وكتب إلى فقهاء زمانه ، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم .
4- وقد عارض بعض الجلة من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ) بقوله صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله ) .
5- قال أبو عمر : فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها . والمعنى في ذلك ما تقدم ذكره من الايمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين ، ويكثر فيه الفسق والهرج ، ويذل المؤمن ويعز الفاجر ويعود الدين غريبا كما بدا غريبا ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر ، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية ، ومن تدبر آثار هذا الباب بأن له الصواب ، والله يؤتي فضله من يشاء .
