واشنطن وتل أبيب على طريق هزيمة تاريخية
كتب جبران كورية:
أخرج «الساحر العالمي» الرئيس بوش من جيبه الداخلي «عدة الشغل» ليخدع المتفرجين وإخفاء المستور والوصول الى الغاية المرجوة.
ولكن الخديعة، هذه المرة، لم تحقق المبتغى وانقلب السحر على الساحر.
والساحر الذي اطل علينا، هو الذي حل محل كل السحرة السابقين الذين انكشفت اوراقهم وخدعهم ووسائل المهنة وقبل معظمهم بدور المساعد و«المطيّباتي». انه الرئيس الاميركي جورج بوش الذي لجأ، في حمأة سعيه المحموم الى غاياته الراهنة الى الأداة المفضلة والمجربة من الإدارات الأميركية السابقة. ونعني بها تل ابيب. ولكن المؤشرات الحالية كلها تقود الى توقع هزيمة جديدة للولايات المتحدة وربيبتها تل ابيب.
وتل ابيب هذه التي جاءت الى منطقتنا مع عصر النفط والانطلاقة الاميركية الى العالمية كانت دوما مطواعة للولايات المتحدة واحتكاراتها النفطية وأداة مفضلة لترهيب شعوب المنطقة و«تأديبها» اذا تمردت على التسلط والاستغلال الاجنبيين ولمنعها من الاتجاه الى تسخير ثرواتها النفطية لخيرها وتقدمها ورفاهها وتحقيق الوحدة فيما بينها في عصر التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبيرة.
وقد برع الكيان الجديد المصطنع (تل ابيب) وأحسن في التوليف بين مصالح الدولة العظمى الزاحفة لفرض سيطرتها على الشعوب والدول الاخرى وخاصة في المناطق الغنية بالنفط، وبين مصالح وتطلعات القوى الدينية العنصرية للصهيونية العالمية. وأدت هذه البراعة الى استخدام الاساطير القديمة حول قوى [مزعومة] غير ارضية، خصّت فئة بشرية مختارة ومميزة عن بقية شعوب العالم بهبة يمكن استخدامها من اجل خدمة الزحف الاستعماري للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط وشعوبها وثرواتها النفطية. هذه الهبة هي بكل بساطة الارض الممتدة ما بين نهري النيل والفرات وهكذا نجحت الامبريالية في إخراج الاساطير من الكتب بعد ألوف من السنين من الرقاد وفي تحويلها الى حركة سياسية عنصرية عدوانية موجهة ضد شعوب منطقة الشرق الاوسط وبخاصة منها الشعوب العربية وضد حريتها واستقلالها ودورها في المجتمع الإنساني. كما نجحت في تحويل اتباع هذا المعتقد القديم الى طابور خامس في داخل المعسكر الاشتراكي.
ونجحت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في الخروج من عزلتها الإقليمية في القارة الجديدة وراحت تمد يدها شيئا فشيئا الى (المادة السحرية) أي النفط. وجاء الرئيس الاميركي روزفلت الى المنطقة ليجتمع مع العاهل السعودي على ظهر بارجة اميركية مدشنا الحملة لوضع اليد الاميركية على منابع النفط والحلول محل الدول الاستعمارية القديمة الشائخة.
وأي مقارنة بين الحصص الحالية للدول النفطية القديمة (بريطانيا وفرنسا وهولندا) وحصص الولايات المتحدة في نفط الشرق الاوسط تظهر كيف حلت الولايات المتحدة محل سابقاتها وحليفاتها في موقع التحكم بالنفط الذي يشكل الأساس في تقدم الصناعة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا بكل انواعها ويضمن الارباح الخيالية. كما تساعدنا على تصور اهمية هذه الارباح اسعار برميل النفط سابقا واسعاره الحالية الخيالية.
نورد هذا كله لنظهر حقيقة العلاقة بين الولايات المتحدة وتل ابيب وواقع تبعية تل ابيب للدولة العظمى الوحيدة في الوقت الحاضر.
ومن المفيد ايضا ان نذكر ان الولايات المتحدة لم تسمح لتل ابيب بوضع اليد على أي مخزون من مخزونات النفط او موقع من المواقع المبشرة باكتشاف النفط فيها.
وعندما وقف الرئيس الاميركي جورج بوش في مؤتمر الدول الثماني في لينينغراد (بيترسبورغ) في وجه الدول المطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي الإجرامي على لبنان وشعبه معارضا ومنددا زاعما وجود «محور شر » يرتكز على سوريا وايران، كان في الواقع يدافع عن سياسة الولايات المتحدة وعن الأعمال الإجرامية التي اوكلتها الى تل ابيب، وقد تكون الكلمات البذيئة النابية التي نطق بها الرئيس بوش خلال مأدبة مع الرؤساء الاخرين وتسربت الى الإعلام مباشرة عبر لاقط الصوت غير المغلق معبرة عن وقوف الولايات المتحدة وراء العدوان الاسرائيلي على لبنان وعن كل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات العدوان، وعن خيبة الأمل التي اصيبت بها مشاريع الادارة الاميركية الحالية في المنطقة (العراق ــ لبنان ــ افغانستان ــ ايران ــ سوريا).
وهنالك دافع ذاتي اسرائيلي خاص وراء العدوان البالغ الشدة والخارج على كل المعاهدات والاتفاقات المتعلقة بالحروب و(اخلاقياتها) هو التخلص من منافسة لبنان لتل ابيب في الوظيفة التي تتراها لنفسها في حال السلام. وتدمير البنى التحتية في لبنان واعادته عشرين سنة الى الوراء كما اعلن احد المسؤولين الاسرائيليين يستهدف انتزاع الدور الذي يقوم به لبنان في المنطقة في المجال الاقتصادي والخدمي والمصرفي والسياحي.
والرئيس بوش، المؤمن، والذي يتلقى اوامر المهمة من قوى غير مرئية ــ حسب قوله ــ فاجأ العالم برؤية غير مسبوقة اذ قال: «ان سوريا تحاول العودة الى لبنان. هذا ما يبدو لي».
وبالطبع لم ينس الرئيس بوش الاعلان عن دعمه وتأييده للحكومة اللبنانية برئاسة السيد السنيورة! ترى هل هي محاولة لتأليب اللبنانيين ضد بعضهم البعض؟!
والمسؤولون الاسرائيليون، وفي المقدمة منهم رئيس الوزراء اولمرت ووزيرة الخارجية ليفني، يزعمون ان عدوانهم يستهدف تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن. كما ان المسؤولين الاميركيين ايضا ومنهم الشخصية المهزوزة فرناندز، مسؤول الديبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، تحدثوا ايضا عن تنفيذ نفس القرار.
واسرائيل هي الدولة العضو في منظمة الامم المتحدة التي تحمل الرقم القياسي العالمي في معارضة قرارات الامم المتحدة ورفض تنفيذها وفي المقدمة منها القرارات المتعلقة بالدولة الفلسطينية وبالانسحاب من الاراضي التي احتلتها بالحروب العدوانية المدانة من الشرعية الدولية.
والولايات المتحدة التي تحاول فرض القرارات المعادية للعرب التي استخلصتها من مجلس الامن في ظروف معروفة مستفيدة من احداث ايلول هي ايضا صاحب الرقم القياسي في تعطيل قرارات الاكثرية في مجلس الامن عبر استخدام حق النقض (الفيتو)
والولايات المتحدة كانت في حاجة الى خلط للاوراق في المنطقة لايجاد اجواء تصرف الانظار عن الهزيمة التاريخية التي منيت بها الاوساط الاميركية الاكثر الاشد رجعية وعدوانية في العراق، وقد وجدت في تل ابيب الاداة الانسب لهذه المهمة متوهمة ان افلات الوحش العنصري في تل ابيب على لبنان سيؤدي الى انتصار تل ابيب والقوى الرابطة مصيرها بمصير الامبريالية الاميركية والى توجيه ضربة الى القوى الحية الفعالة والمقاومة، ليس في لبنان فقط بل كذلك في جميع الاقطار العربية، المتمثلة بالمقاومة وحركة امل وكل القوى المعادية للامبريالية في لبنان وفلسطين وجميع البلدان العربية وكل عربي يرفض التبعية للولايات المتحدة وتل ابيب.
ولولا هذه الامال الاميركية التي نتحدث عنها لما كانت تل ابيب قد سخرت كل انواع السلاح الموضوع اميركيا وغربيا بين يديها للاعتداء على لبنان برا وبحرا وجواً.
وتل ابيب التي تتخذ من اسر جنديين اسرائيليين ذريعة للعدوان المتمادي ولجرائم الحرب والمجازر ضد الاطفال والنساء، اي ضد البشر والحجر في لبنان، سبق لها ان سكتت على وقوع اسرائيليين اسرى بيد المقاومة في لبنان وغير لبنان وبادلت بهم عشرات من الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب عبر الوساطة الالمانية وخدمات الصليب الاحمر.
وقائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله قد عرض منذ الايام الاولى لاسر الجنديين مبادلة الاسرى عبر مفاوضات غير مباشرة.
ويذكر موقف اولمرت حاليا بالغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، ايام ارييل شارون.
في ذلك العام اطلقت على السفير الاسرائيلي في لندن رصاصات غير قاتلة اتخذتها حكومة تل ابيب منطلقا لغزو لبنان والتقدم في اراضيه حتى شملت الارض اللبنانية المحتلة العاصمة بيروت. وتبين فيما بعد ان خطة الغزو كانت معدة في الدوائر الرسمية الاسرائيلية بكل تفاصيلها قبل احد عشر شهرا من بدء الغزو. وقد عبر السفير الذي نجا من الرصاصات عن استغرابه لاتخاذ الحادث الذي وقع له مبررا لشن عدوان عسكري اسرائيلي ضد لبنان.
ومن حق اللبنانيين والعرب اجمعين ان يسألوا الا يشبه اليوم تلك الايام؟ والا يحق لهم ان يدّعوا ان العملية العسكرية العدوانية المجرمة معدة من قبل اي قبل الاسيرين؟
لقد ظنت الحكومة الاسرائيلية «ان النزهة» التي ستقوم بها من جديد في لبنان ستنقذ سمعة الجيش الاسرائيلي وترفع معنويات الاسرائيليين، وبخاصة منهم الدوائر العنصرية المتزمتة، وان الحالة الجديدة ستكون مثل الحالات السابقة. يضرب المعتدون البلد الصغيرالممزقة صفوف شعبه سياسيا ويحاولون تدمير الروح المعنوية عند شعبه ويؤججون العداء لسوريا دون ان يصيب داخل تل ابيب اذى قياسا على ما كان يجري دوما في مثل هذه الحالات. ولكن المقاومة اللبنانية قلبت حسابات الولايات المتحدة وحكام تل ابيب رأسا على عقب وفاجأ صمود الشعب اللبناني المذهل العالم كله واوقع المعتدين في شر اعمالهم وقد انتقل الدمار والخراب والموت والدماء الى داخل المدن والمستوطنات والقرى الاسرائيلية وتحولت تل ابيب من بلد يوزع الموت والدمار على الآخرين الى بلد يدفع ثمن العدوان وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي تقترفها حكومته.
واذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد وجد في نفسه الجرأة على اعلان مواصلة الحرب والتدمير والقتل والتخريب نافخاً في قومه المعنويات القوية المصطنعة متعهدا بتصعيد الاعمال العسكرية العدوانية، فان ذلك ليس جديدا في تاريخ الصراع بين الشعوب واعدائها.
الولايات المتحدة التي انهزمت في فيتنام، هي وطائراتها وبوارجها ومدافعها واسلحتها المحظورة، كانت تصعد اعمال العدوان وتغوص اكثر في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية كلما اقتربت من ساعة الهزيمة المجلجلة.
وانتهت الحرب الفيتنامية بهزيمة الولايات المتحدة، اقوى الدول الكبيرة في العالم، وانتصر الشعب الفقير بالمال والصناعة والامكانات التقنية والعسكرية، والغني بالوطنية وحب الاستقلال والاستعداد للتضحية بعد ان تحمل ثمن الحرية والاستقلال والتقدم.
واللنبانيون والفلسطينيون والعرب جميعا يجب ان يغلبوا التفاؤل على اي شيء آخر وان يثقوا بان المستقبل في المنطقة هو للشعوب لا لممثلي النظام المعادي لجميع الشعوب والعاجز عن تلبية آمال الشعوب واهدافها وتطلعاتها.
واذا كانت تل ابيب التي قامت على العدوان والتوسع قد انكفأت عن لبنان تحت ضربات المقاومة واخلت سيناء واجزاء من الجولان وراحت تبني سوراً عنصريا لتختبئ وراءه فانها بذلك تعترف باستحالة تنفيذ المشروع الصهيوني، ونعني به مشروعهم من البحر الى النهر وما بين النهرين، وكذلك باستبعاد اقامة «الشرق الاوسط الكبير» للسيطرة على المنطقة والنفط.
أخرج «الساحر العالمي» الرئيس بوش من جيبه الداخلي «عدة الشغل» ليخدع المتفرجين وإخفاء المستور والوصول الى الغاية المرجوة.
ولكن الخديعة، هذه المرة، لم تحقق المبتغى وانقلب السحر على الساحر.
والساحر الذي اطل علينا، هو الذي حل محل كل السحرة السابقين الذين انكشفت اوراقهم وخدعهم ووسائل المهنة وقبل معظمهم بدور المساعد و«المطيّباتي». انه الرئيس الاميركي جورج بوش الذي لجأ، في حمأة سعيه المحموم الى غاياته الراهنة الى الأداة المفضلة والمجربة من الإدارات الأميركية السابقة. ونعني بها تل ابيب. ولكن المؤشرات الحالية كلها تقود الى توقع هزيمة جديدة للولايات المتحدة وربيبتها تل ابيب.
وتل ابيب هذه التي جاءت الى منطقتنا مع عصر النفط والانطلاقة الاميركية الى العالمية كانت دوما مطواعة للولايات المتحدة واحتكاراتها النفطية وأداة مفضلة لترهيب شعوب المنطقة و«تأديبها» اذا تمردت على التسلط والاستغلال الاجنبيين ولمنعها من الاتجاه الى تسخير ثرواتها النفطية لخيرها وتقدمها ورفاهها وتحقيق الوحدة فيما بينها في عصر التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبيرة.
وقد برع الكيان الجديد المصطنع (تل ابيب) وأحسن في التوليف بين مصالح الدولة العظمى الزاحفة لفرض سيطرتها على الشعوب والدول الاخرى وخاصة في المناطق الغنية بالنفط، وبين مصالح وتطلعات القوى الدينية العنصرية للصهيونية العالمية. وأدت هذه البراعة الى استخدام الاساطير القديمة حول قوى [مزعومة] غير ارضية، خصّت فئة بشرية مختارة ومميزة عن بقية شعوب العالم بهبة يمكن استخدامها من اجل خدمة الزحف الاستعماري للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط وشعوبها وثرواتها النفطية. هذه الهبة هي بكل بساطة الارض الممتدة ما بين نهري النيل والفرات وهكذا نجحت الامبريالية في إخراج الاساطير من الكتب بعد ألوف من السنين من الرقاد وفي تحويلها الى حركة سياسية عنصرية عدوانية موجهة ضد شعوب منطقة الشرق الاوسط وبخاصة منها الشعوب العربية وضد حريتها واستقلالها ودورها في المجتمع الإنساني. كما نجحت في تحويل اتباع هذا المعتقد القديم الى طابور خامس في داخل المعسكر الاشتراكي.
ونجحت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في الخروج من عزلتها الإقليمية في القارة الجديدة وراحت تمد يدها شيئا فشيئا الى (المادة السحرية) أي النفط. وجاء الرئيس الاميركي روزفلت الى المنطقة ليجتمع مع العاهل السعودي على ظهر بارجة اميركية مدشنا الحملة لوضع اليد الاميركية على منابع النفط والحلول محل الدول الاستعمارية القديمة الشائخة.
وأي مقارنة بين الحصص الحالية للدول النفطية القديمة (بريطانيا وفرنسا وهولندا) وحصص الولايات المتحدة في نفط الشرق الاوسط تظهر كيف حلت الولايات المتحدة محل سابقاتها وحليفاتها في موقع التحكم بالنفط الذي يشكل الأساس في تقدم الصناعة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا بكل انواعها ويضمن الارباح الخيالية. كما تساعدنا على تصور اهمية هذه الارباح اسعار برميل النفط سابقا واسعاره الحالية الخيالية.
نورد هذا كله لنظهر حقيقة العلاقة بين الولايات المتحدة وتل ابيب وواقع تبعية تل ابيب للدولة العظمى الوحيدة في الوقت الحاضر.
ومن المفيد ايضا ان نذكر ان الولايات المتحدة لم تسمح لتل ابيب بوضع اليد على أي مخزون من مخزونات النفط او موقع من المواقع المبشرة باكتشاف النفط فيها.
وعندما وقف الرئيس الاميركي جورج بوش في مؤتمر الدول الثماني في لينينغراد (بيترسبورغ) في وجه الدول المطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي الإجرامي على لبنان وشعبه معارضا ومنددا زاعما وجود «محور شر » يرتكز على سوريا وايران، كان في الواقع يدافع عن سياسة الولايات المتحدة وعن الأعمال الإجرامية التي اوكلتها الى تل ابيب، وقد تكون الكلمات البذيئة النابية التي نطق بها الرئيس بوش خلال مأدبة مع الرؤساء الاخرين وتسربت الى الإعلام مباشرة عبر لاقط الصوت غير المغلق معبرة عن وقوف الولايات المتحدة وراء العدوان الاسرائيلي على لبنان وعن كل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات العدوان، وعن خيبة الأمل التي اصيبت بها مشاريع الادارة الاميركية الحالية في المنطقة (العراق ــ لبنان ــ افغانستان ــ ايران ــ سوريا).
وهنالك دافع ذاتي اسرائيلي خاص وراء العدوان البالغ الشدة والخارج على كل المعاهدات والاتفاقات المتعلقة بالحروب و(اخلاقياتها) هو التخلص من منافسة لبنان لتل ابيب في الوظيفة التي تتراها لنفسها في حال السلام. وتدمير البنى التحتية في لبنان واعادته عشرين سنة الى الوراء كما اعلن احد المسؤولين الاسرائيليين يستهدف انتزاع الدور الذي يقوم به لبنان في المنطقة في المجال الاقتصادي والخدمي والمصرفي والسياحي.
والرئيس بوش، المؤمن، والذي يتلقى اوامر المهمة من قوى غير مرئية ــ حسب قوله ــ فاجأ العالم برؤية غير مسبوقة اذ قال: «ان سوريا تحاول العودة الى لبنان. هذا ما يبدو لي».
وبالطبع لم ينس الرئيس بوش الاعلان عن دعمه وتأييده للحكومة اللبنانية برئاسة السيد السنيورة! ترى هل هي محاولة لتأليب اللبنانيين ضد بعضهم البعض؟!
والمسؤولون الاسرائيليون، وفي المقدمة منهم رئيس الوزراء اولمرت ووزيرة الخارجية ليفني، يزعمون ان عدوانهم يستهدف تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن. كما ان المسؤولين الاميركيين ايضا ومنهم الشخصية المهزوزة فرناندز، مسؤول الديبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، تحدثوا ايضا عن تنفيذ نفس القرار.
واسرائيل هي الدولة العضو في منظمة الامم المتحدة التي تحمل الرقم القياسي العالمي في معارضة قرارات الامم المتحدة ورفض تنفيذها وفي المقدمة منها القرارات المتعلقة بالدولة الفلسطينية وبالانسحاب من الاراضي التي احتلتها بالحروب العدوانية المدانة من الشرعية الدولية.
والولايات المتحدة التي تحاول فرض القرارات المعادية للعرب التي استخلصتها من مجلس الامن في ظروف معروفة مستفيدة من احداث ايلول هي ايضا صاحب الرقم القياسي في تعطيل قرارات الاكثرية في مجلس الامن عبر استخدام حق النقض (الفيتو)
والولايات المتحدة كانت في حاجة الى خلط للاوراق في المنطقة لايجاد اجواء تصرف الانظار عن الهزيمة التاريخية التي منيت بها الاوساط الاميركية الاكثر الاشد رجعية وعدوانية في العراق، وقد وجدت في تل ابيب الاداة الانسب لهذه المهمة متوهمة ان افلات الوحش العنصري في تل ابيب على لبنان سيؤدي الى انتصار تل ابيب والقوى الرابطة مصيرها بمصير الامبريالية الاميركية والى توجيه ضربة الى القوى الحية الفعالة والمقاومة، ليس في لبنان فقط بل كذلك في جميع الاقطار العربية، المتمثلة بالمقاومة وحركة امل وكل القوى المعادية للامبريالية في لبنان وفلسطين وجميع البلدان العربية وكل عربي يرفض التبعية للولايات المتحدة وتل ابيب.
ولولا هذه الامال الاميركية التي نتحدث عنها لما كانت تل ابيب قد سخرت كل انواع السلاح الموضوع اميركيا وغربيا بين يديها للاعتداء على لبنان برا وبحرا وجواً.
وتل ابيب التي تتخذ من اسر جنديين اسرائيليين ذريعة للعدوان المتمادي ولجرائم الحرب والمجازر ضد الاطفال والنساء، اي ضد البشر والحجر في لبنان، سبق لها ان سكتت على وقوع اسرائيليين اسرى بيد المقاومة في لبنان وغير لبنان وبادلت بهم عشرات من الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب عبر الوساطة الالمانية وخدمات الصليب الاحمر.
وقائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله قد عرض منذ الايام الاولى لاسر الجنديين مبادلة الاسرى عبر مفاوضات غير مباشرة.
ويذكر موقف اولمرت حاليا بالغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، ايام ارييل شارون.
في ذلك العام اطلقت على السفير الاسرائيلي في لندن رصاصات غير قاتلة اتخذتها حكومة تل ابيب منطلقا لغزو لبنان والتقدم في اراضيه حتى شملت الارض اللبنانية المحتلة العاصمة بيروت. وتبين فيما بعد ان خطة الغزو كانت معدة في الدوائر الرسمية الاسرائيلية بكل تفاصيلها قبل احد عشر شهرا من بدء الغزو. وقد عبر السفير الذي نجا من الرصاصات عن استغرابه لاتخاذ الحادث الذي وقع له مبررا لشن عدوان عسكري اسرائيلي ضد لبنان.
ومن حق اللبنانيين والعرب اجمعين ان يسألوا الا يشبه اليوم تلك الايام؟ والا يحق لهم ان يدّعوا ان العملية العسكرية العدوانية المجرمة معدة من قبل اي قبل الاسيرين؟
لقد ظنت الحكومة الاسرائيلية «ان النزهة» التي ستقوم بها من جديد في لبنان ستنقذ سمعة الجيش الاسرائيلي وترفع معنويات الاسرائيليين، وبخاصة منهم الدوائر العنصرية المتزمتة، وان الحالة الجديدة ستكون مثل الحالات السابقة. يضرب المعتدون البلد الصغيرالممزقة صفوف شعبه سياسيا ويحاولون تدمير الروح المعنوية عند شعبه ويؤججون العداء لسوريا دون ان يصيب داخل تل ابيب اذى قياسا على ما كان يجري دوما في مثل هذه الحالات. ولكن المقاومة اللبنانية قلبت حسابات الولايات المتحدة وحكام تل ابيب رأسا على عقب وفاجأ صمود الشعب اللبناني المذهل العالم كله واوقع المعتدين في شر اعمالهم وقد انتقل الدمار والخراب والموت والدماء الى داخل المدن والمستوطنات والقرى الاسرائيلية وتحولت تل ابيب من بلد يوزع الموت والدمار على الآخرين الى بلد يدفع ثمن العدوان وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي تقترفها حكومته.
واذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد وجد في نفسه الجرأة على اعلان مواصلة الحرب والتدمير والقتل والتخريب نافخاً في قومه المعنويات القوية المصطنعة متعهدا بتصعيد الاعمال العسكرية العدوانية، فان ذلك ليس جديدا في تاريخ الصراع بين الشعوب واعدائها.
الولايات المتحدة التي انهزمت في فيتنام، هي وطائراتها وبوارجها ومدافعها واسلحتها المحظورة، كانت تصعد اعمال العدوان وتغوص اكثر في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية كلما اقتربت من ساعة الهزيمة المجلجلة.
وانتهت الحرب الفيتنامية بهزيمة الولايات المتحدة، اقوى الدول الكبيرة في العالم، وانتصر الشعب الفقير بالمال والصناعة والامكانات التقنية والعسكرية، والغني بالوطنية وحب الاستقلال والاستعداد للتضحية بعد ان تحمل ثمن الحرية والاستقلال والتقدم.
واللنبانيون والفلسطينيون والعرب جميعا يجب ان يغلبوا التفاؤل على اي شيء آخر وان يثقوا بان المستقبل في المنطقة هو للشعوب لا لممثلي النظام المعادي لجميع الشعوب والعاجز عن تلبية آمال الشعوب واهدافها وتطلعاتها.
واذا كانت تل ابيب التي قامت على العدوان والتوسع قد انكفأت عن لبنان تحت ضربات المقاومة واخلت سيناء واجزاء من الجولان وراحت تبني سوراً عنصريا لتختبئ وراءه فانها بذلك تعترف باستحالة تنفيذ المشروع الصهيوني، ونعني به مشروعهم من البحر الى النهر وما بين النهرين، وكذلك باستبعاد اقامة «الشرق الاوسط الكبير» للسيطرة على المنطقة والنفط.
تعليق