[اُصول الدين عند الامامية]
9 ـ قال: اصول الدين عند الاماميّة أربعةٌ: التوحيد، والعدل، والنبوَّة، والامامة هي آخر المراتب، والتوحيد والعدل والنبوَّة قبل ذلك، وهم يُدخلون في التوحيد نفي الصفات، والقول بأنَّ القرآن مخلوقٌ، وانَّ الله لا يُرى في الاخرة، ويُدخلون في العدل التكذيب بالقدرة، وانَّ الله لايقدر أن يهدي من يشآء، ولا يقدر أن يضلَّ من يشآء، وانّه قد يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء، وغير ذلك. فلا يقولون: انَّه خالق كلّ شيء، ولا انَّه على كلِّ شيء قدير، ولا انّه ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن 1 / 23(1)
ج ـ بلغ من جهل الرجل انّه لم يُفرِّق بين اصول الدين واصول
____________
(1) منهاج السنة 1 / 99. الصفحة 36 المذهب، فيعدُّ الامامة التي هي من تالي القسمين في الاوَّل، وأنَّه لا يعرف عقائد قوم هو يبحث عنها ولذلك أسقط المعاد من اصول الدين، ولا يختلف من الشيعة إثنان في عدِّه منها.
على أنّ أحداً لو عدّ الامامة من اصول الدين فليس بذلك البعيد عن مقاييس البرهنة بعد أن قرن الله سبحانه ولاية مولانا امير المؤمنين(عليه السلام)بولايته وولاية الرسول(صلى الله عليه وآله) بقوله: (إنَّمَا وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا)(1) .
وخصَّ المؤمنين بعليٍّ(عليه السلام) كما مرَّ الايعاز إليه في الجزء الثاني ص 52(2) وسيوافيك حديثه مفصَّلا بُعيد هذا.
وفي آية كريمة اُخرى جعل المولى سبحانه بولايته كمال الدين بقوله: (اليَومَ أكمَلتُ لَكمْ دِينَكُم، وأَتمَمتُ عليكُم نِعمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسلامَ دِينا)(3) ولا معنى لذلك إلاّ كونها أصلاً من اُصول الدين لولاها بقي الدين مخدجاً، ونعم الله على عباده ناقصة، وبها تمام الاسلام الذي رضيه رب المسلمين لهم ديناً.
وجعل هذه الولاية بحيث إذا لم تُبلّغ كان الرّسول(صلى الله عليه وآله) ما بلّغ رسالته فقال: (يا أيُّها الرَّسُولُ بلِّغ مَا اُنزِلَ إليك مِنْ ربِّك وإن لَمْ تَفعَل
____________
(1) المائدة: 55.
(2) في عِداد الايات النازلة في الامام علي(عليه السلام). وسيأتي تفصيل ذلك.
(3) المائدة: 3. الصفحة 37 فَمَا بلّغت رِسَالتَهُ واللهُ يَعصِمُك مِن النَّاس)(1) .
ولعلّك تزداد بصيرةً فيما قلناه لو راجعت الاحاديث الواردة من عشرات الطرق في الايات الثلاث كما فصَّلناها في الجزء الاوّل ص 214 - 223 و 230 - 238 وفي هذا الجزء(2) .
____________
(1) المائدة: 67.
(2) وقد استوعب المؤلف(رحمه الله) البحث في مقال مضى تحت عنوان «الغدير في الكتاب العزيز»، واليك اجمال ذلك:
أخرج الحافظ محمد بن جرير الطبري باسناده فى كتاب الولاية في طريق حديث الغدير، عن زيد بن ارقم، ثم نقل خطبة النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم.
وأخرج ابن ابي حاتم باسناده عن ابي سعيد الخدري ان الاية نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم في علي بن ابي طالب، كما في الدر المنثور 2 / 298، وفتح القدير 2 / 57.
وأخرج نزول الاية يوم غدير خم في علي(عليه السلام) الحافظ ابو بكر الشيرازي في كتابه ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين، وابن مردويه كما في الدر المنثور 2 / 298، والثعلبي في الكشف والبيان، وابو نعيم الاصفهاني في ما نزل من القرآن في علي كما في الخصائص: 29، والواحدي النيسابوري في اسباب النزول: 150، وابو سعيد السجستاني فى كتاب الولاية، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل كما في مجمع البيان 2 / 223، وابن عساكر كما في الدر المنثور 2 / 298، وابو الفتح الطنزي في الخصائص العلوية، والفخر الرازي في التفسير الكبير 3 / 636، والنصيبي فى مطالب السؤول: 16، والرسعني في تفسيره كما فى شرح المواهب 7 / 14، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين، وعلي الهمداني في مودة القربى، وابن العيني في عمدة القاري في شرح البخاري 8 / 584، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 27، ونظام الدين النيسابوري في تفسيره السائر الدائر 6 / 170، وكمال الدين الميبذي في شرح ديوان امير المؤمنين: 415، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2 / 298، والشوكاني في فتح القدير 3 / 57، والالوسي في روح المعاني 2 / 348، والقندوزي في ينابيع المودة: 120، ومحمد عبده في المنار 6 / 463. «المؤلف (رحمه الله)».
للوقوف على أخراج الطبري في كتابه الولاية، وابو بكر الشيرازي في كتابه ما نزل من القرآن في امير المؤمنين، والثعلبي في الكشف والبيان، وابو نعيم في ما نزل من القرآن في علي انظر: مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب 3 / 33، 34، 58، 59، وانظر ايضاً شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1 / 187 وقال: وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب «دعاء الهداة الى اداء حق الموالاة» من تصنيفي في عشرة اجزاء. الصفحة 38 وبمقربة من هذه كلّها ما مرَّ في الجزء الثاني ص 301، 302 من إناطة الاعمال كلّها بصحّة الولاية(1) وقد اُخذت شرطاً فيها،
____________
(1) وقد نقل المؤلف(رحمه الله) حديثاً عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله): «لو ان رجلاً صفن* بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو مُبغض لاهل بيت محمد دخل النار».
أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 149 وصحّحه، والذهبي في تلخيصه.
وأخرجه الطبراني في الاوسط من طريق أبي ليلى عن الامام السبط الشهيد عن جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) انهُ قال: ألزموا مودتنا اهل البيت فانهُ من لقى الله عزوجل وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله الاّ بمعرفة حقّنا.
ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 172، وابن حجر في الصواعق، ومحمد سليمان محفوظ في اعجب ما رايت 1/8، والنبهاني في الشرف المؤبد: 16، والحضرمي في رشفة الصادي: 43.
وأخرج الحافظ السمان في اماليه باسناده عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لو ان عبداً عبد الله سبعة الاف سنة وهو عمر الدنيا ثم اتى الله عزوجل ببغض علي بن ابي طالب جاحداً بحقه ناكثاً لولايته لاتعس الله خيره وجدع انفه».
ذكره القرشي في شمس الاخبار: 40.
وأخرج الخوارزمي في المناقب: 39 عن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال لعلي: «يا علي لو ان عبداً عبد الله عزوجل مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل اُحد ذهباً فانفقه في سبيل الله ومدّ في عمره حتى حجّ الف عام على قدميه، ثم قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يُوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها».
وأخرج ابن عساكر في تاريخه مسنداً عن جابر بن عبد الله عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)في حديث: «ويا علي لو ان اُمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالاوتاد، ثم ابغضوك لاكبّهم الله في النار».
ذكره الكنجي في الكفاية: 179، واخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب، ونقله عنه القرشي في شمس الاخبار: 33، ورواه شيخ الاسلام الحمويني في الفرائد الباب الاول «المؤلف (رحمه الله)».
انظر مناقب ابن المغازلي: 90، 297، ح 133، 340، ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق لابن عساكر 1/128 ح 179، فرائد السمطين 1 / 51 ح 16 ب 4.
* صفن الرجل: صف بين قدميه. الصفحة 39 وهذا هو معنى الاصل، كماانّه كذلك بالنسبة إلى التوحيد والنبوة، وليس في فروع الدين حكمٌ هو هكذا.
ولعلَّ هذا الذي ذكرناه كان مسلّما عند الصحابة الاوّلين، ولذلك يقول عمر بن الخطاب لمّا جاءه رجلان يتخاصمان عنده: هذا مولاي ومولى كلِّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. </SPAN>الصفحة 40 راجع الجزء الاوّل صفحة 382(1) .
وستوافيك في هذا الجزء زرافةٌ من الاحاديث المستفيضة الدالة على أنَّ بغضه صلوات الله عليه سمة النفاق وشارة الالحاد، ولولاه(عليه السلام) لما عُرف المؤمنون بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا يُبغضه أحدٌ إلا وهو خارجٌ من الايمان، فهي تدلّ على تنكّب الحائد عن الولاية
____________
(1) أخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة 2 / 170، وذخائر العقبى للمحب الطبري: 68، ووسيلة المآل للشيخ احمد بن باكثير المكي، ومناقب الخوارزمي: 97، والصواعق: 107 عن الحافظ الدار قطني عن عمر وقد جاءه اعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما.
فقال احدهما: هذا يقضي بيننا؟
فوثب إليه عمر واخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس، واشار الى علي بن ابي طالب.
فقال الرجل: هذا الابطن؟
فنهض عمر عن مجلسه واخذ بتلبيبه حتى شاله من الارض ثم قال: اتدري من صغّرت، هذا مولاي ومولى كل مسلم.
وفي الفتوحات الاسلامية 2 / 307 حكم علي مرّة على اعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببّه عمر بن الخطاب وقال له:
ويلك انهُ مولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
واخرج الطبراني انه قيل لعمر: انك تصنع بعلي (أي من التعظيم) شيئاً لا تصنع مع احد من اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)فقال: انهُ مولاي.
وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب: 13 عن الدارقطني «المؤلف (رحمه الله)». الصفحة 41 عن سوي الصراط، كمن حاد عن التوحيد والنبوة، فلترتب كثير من أحكام الاصلين على الولاية يقرب عدُّها من الاصول، ولا ينافي ذلك شذوذها عن بعض أحكامهما لما هنالك من الحِكم والمصالح الاجتماعيَّة كما لايخفى.
وأما نفي الصفات فإن كان بالمعنى الّذي تحاوله الشيعة من نفيها زائدة على الذّات بل هي عينها، فهو عين التوحيد، والبحث فى ذلك تتضمَّنه كتب الكلام(1) .
وإن كان بالمعنى الذي ترمي إليه المعطلّة فالشيعة منه برآء.
وكذلك القول بأنَّ القرآن مخلوقٌ فإنّه ليس مع الله سبحانه أزليٌّ يضاهيه في القِدّم كما أثبتته البرهنة الصادقة المفصّلة في كتب العقائد(2) .
وأمّا نفي الرؤية فلنفي الجسميّة عنه، والمنطق الصحيح معتضداً بالكتاب والسنَّة يشهد بذلك، فراجع مظانَّ البحث فيه(3) .
____________
(1) انظر توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلاّمة الحلي: المقالة التاسعة عشرة، في نفي المعاني والاحوال والصفات الزائدة في الاعيان: ص 512 - 520، الباب الحادي عشر بشرح المقداد السيوري: 24، وانظر ص 149 من شرح ابو الفتح بن مخدوم الحسيني المطبوع بذيله (باهتمام مهدي محقق).
(2) لاحظ تفاصيل ذلك في توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد: المسألة السادسة في انهُ تعال متكلم صادق: 465 - 475.
(3) انظراوائل المقالات للشيخ المفيدبتعليق شيخ الاسلام الزنجاني:62، الباب الحادي عشر:22. الصفحة 42 وأمّا بقية ما عزاه إليهم فهي أكاذيب محضة لا تشك الشيعة قديماً وحديثاً في ضلالة القائل بها