إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

صفات الله الخبرية..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفات الله الخبرية..

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين عن الرجس والزلل.

    مقدمة:

    إن عقيدة التوحيد تعتبر أهم العقائد الإسلامية، وهي أول ما يتعلمه الإنسان ويعتقد به في الإسلام، فهي الركن الأساسي للدين الإسلامي، ولذلك نرى أن كثير من خطب الرسول الكريم (ص) والأئمة الأطهار (ع) تبدأ بذكر الله وتوحيده وما هذا إلا لأهمية هذه العقيدة فهي تعلو جميع العقائد.

    ينقسم التوحيد كما هو معروف إلى ثلاثة أقسام:
    1. التوحيد الذاتي
    2. التوحيد الصفاتي
    3. التوحيد الأفعالي

    وما سوف نتكلم عنه في بحثنا القصير هو يدخل ضمن نطاق التوحيد الصفاتي.

    صفات الله وكما هو مشهور قسّمت إلى عدة أقسام، فمنها الصفات الثبوتية ومنها الصفات السلبية، وبعض العلماء ذكر قسم لم يذكر عند البعض، أو بالأحرى لم يجعلوه في قسم خاص ألا وهو قسم الصفات الخبرية، ويقصد منه: الصفات التي أُخبرنا عنها عن طريق كتاب الله وسنة نبيه (ص) وهي كاليد والعين والرجل...

    اختلف المسلمون في تفسيره هذه الصفات ومعرفة معانيها، وذلك بسبب ما تلقيه من ظلال على العقيدة التوحيدية، وهم على ثلاثة مذاهب، فمذهب أخذها بالظاهر وسقط في شرك التجسيم، وآخرون وقفوا فعطلوا، وفريقاً ثالث ذهب إلى القرائن الموجودة في مثل هذه الآيات والروايات لفهم معانيها، وفي هذا البحث سوف نعالج هذا الصنف من هذه الصفات.

    المذهب الأول:

    مذهب المجسمة:

    وهم الذين يأخذون الألفاظ بالظاهر دون إخضاعها لأي نوع من أنواع التأويل، وهم القائلين بأن لله يد وعين وما إلى ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن الكريم (ص) والسنة النبوية.

    يقول الشهرستاني في الملل والنحل ج1 / ص105: (وأما مشبهة الحشوية فحكى الأشعري عن محمد بن عيسى انه حكى عن مضر وكهمس واحمد الهجيمي أنهم أجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة وان المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص)

    ويقول كذلك: (وحكى عن داود الجواربي انه قال: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال أن معبوده جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل وراس ولسان وعينين واذنين ومع ذلك جسم لا كالاجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبه شيء)

    ولقد عدّ الشهرستاني أحمد بن حنبل وداود بن علي الاصفهاني وغيرهم من المشبهة، حيث يقول: (فأما احمد بن حنبل وداود بن علي الاصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل مالك بن انس ومقاتل ابن سليمان وسلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل) ج1 / ص104

    الرد على المشبهة:

    الرد عليهم سيكون من جهتين، الجهة العقلية والجهة النقلية:

    الجهة العقلية:

    على حسب قولهم فإنّ الله تعالى سيكون مركب من أعضاء، ولا يكتمل الله تعالى إلا بوجود كل هذه الأعضاء، إذاً فهو محتاج إلى هذه الأعضاء، وواجب الوجود لا يمكن أن يكون محتاج، وبالتالي سيكون الله تعالى من ممكن الوجود، وهذا ما لا يتفق مع العقيدة الإسلامية الحقّة. هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى نقول إنّ هذه الأعضاء أما أن تكون بعضها تحتوي على الصفات العلم والقدرة والحياة...، أو أن تكون جميعها تحتوي على هذه الصفات.

    فإن قلنا بالأول: فهذا يعني أن تلك الأجزاء التي تحتوي على هذه الصفات الإلهية هي المستحقة على العبادة دون غيرها.

    وإن قلنا بالثاني: وهذا يعني تعدد الآلهة، وهذا يتفق مع عقيدة المشركين ومن قالوا أنّ الله ثالث ثلاثة.

    ومن جهة ثالثة نقول أن هذه الأجزاء أما تكون قديمة أو تكون محدثة.

    فإن قلنا بالأول: فهذا يعني تعدد القدماء، وهذا لا يتفق مع الوحدة الإلهية الحقة، وتعدد القدماء كذلك يؤدي إلى تعدد الآلهة، فالله تعالى هو وحده القديم، فلو قلنا بقدم شيء آخر فكأنّما جعلناه بصف الله تعالى، وهذا مما حاربته الآيات الشريفة والأحاديث النبوية.

    وإن قلنا بالثاني: فكما هو معروف سيكون الجواب من أحدث هذه الأجزاء، فإن قلنا الله نفسه، فهذا سيكون معطي الشيء فاقد له، وهذا مما لا يقبله العقل الإنساني السليم، وإن قلنا غيره فسوف يجرنا هذا تعدد الآلهة.

    وتوجد وجوه أخرى تغاضينا عنها بغية الاختصار، وإلا فالكلام في الأمر كثير وواسع، ومن أراد التوسع فعليه الرجوع للكتب المتخصصة في ذلك.

    الجهة النقلية:

    أما هذه الجهة فهي مليئة بالآيات والأحاديث النافية للتجسيم:

    يقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء)

    وأما الأحاديث فهي كثيرة، وما سوف نعرضه هنا هي أحاديث أئمة الشيعة (ع) لنكون قريبين من أهل البيت (ع):

    يقول الإمام علي في نهج البلاغة ج2 / ص122 –بشرح محمد عبده-: (لا تناله الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره. ولا تدركه الحواس فتحسه ولا تلمسه الأيدي فتمسه. لا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشئ من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه)

    وواضح من هذا النص العلوي النفي التام لأي تشبيه من قريب أو بعيد لله عزّ وجلّ، فلا يمكن وصف الله تعالى بأي شيء من الجوارح والأعضاء، وما يوصفه المجسمون يقع ضمن هذين النطاقين.

    وكذلك يقول في خطبة أخرى موضحاً أن العقول لا يمكن تدرك كنهه فكيف يمكن تجعل له مثل هذه الأعضاء التي ما هي إلا إدراك ومعرفة لكنه الله عزّ وجل، نهج البلاغة ج1 / ص165: (وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا ولا في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا).

    ويواصل أمير المؤمنين (ع) في تنزيه الله تعالى من أي تشبيه عندما يتكلم عن تنزيه الملائكة: (لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين. ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر) ج1 / ص20.

    ويقول في خطبة أخرى: (كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزءوك تجزئة المجسمات بخواطرهم وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم، وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك).

    وهذا ما نراه عليه الإمام موسى الكاظم (ع) عندما ينزه الله ويعلم الناس التوحيد الصحيح، حيث يقول لأحد النصارى الذين ناظروه: (إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن فكان خبرا كما أراد في اللوح) التوحيد للشيخ الصدوق: ص75، بحار الأنوار للمجلسي: ج3 / ص300، نور البراهين للسيد نعمة الجزائري: ج1 / ص212.

    وغيرها من الروايات الكثيرة، ولكن نكتفي بهذا العدد فهو كافي ووافي لبيان الحق.

    المذهب الثاني:

    مذهب المعطلة:

    وهذا المذهب عندما رأى أصحابه المذهب السابق وقعوا في التجسيم وبالتالي دخلوا مرمى الشرك، أرادوا أن يبتعدوا عن الشرك والتجسيم عن طريق آخر وهو أنهم قالوا نحن نقول بكل ما جاء به الكتاب والسنة النبوية من الصفات ولكن نقف عندها، بمعنى يقولون: إن لله تعالى يد ولكن لا نعلم كيفيتها، أي أجازوا القول أن لله يد، ولكن لا نعلم عنها شيء، ولا يمكن أن نعلم شيء عنها.

    وإن شئت فقل: إنهم أثبتوا هذه الصفات ولكن توقفوا عن الكلام فيها، وقالوا للعقل: قف، أي أنهم عطلوا العقل عن التفكير والتدبر.

    أو بمعنى آخر: أنهم أثبتوا المقدمة وهي وجود اليد، ولكن توقفوا عن النتيجة أو نهوا عنها كما يوضحه العلامة الطباطبائي.

    فأردوا أن يبتعدوا عن التجسيم فوقعوا في التعطيل، كما يعبر عنه الشيخ السبحاني.

    فهذا مالك عندما سئل عن الإستواء، قال: ( الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والأيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ). دفع الشبه عن الرسول للدمشقي: ج48

    مناقشة المعطلة:

    إن هذا المذهب يكتنفه الغموض، فالمذهب الأول كان ملازماً للتجسيم، وهذا ملازماً للغموض، فكأنما أصبحت العقيدة الإسلامية مكونة من ألغاز، وكأنما تحول القرآن الكريم لكتاب ألغاز لا تحل، ويقول في هذا الصدد الشيخ جعفر سبحاني: (فكأنّ القرآن ألغاز نزلت إلى البشر، وليس كتاباً للتعليم والإرشاد، قال تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء) فإذا كان القرآن مبيناً لكلّ شيء فكيف لا يكون مبيناً لنفسه؟ وكيف يكون المطلوب منه نفس الاعتقاد من دون فهم معناه؟).

    والعجيب إن هذا الأمر يخالف دعوة الله تعالى في القرآن للناس بتدبر آياته وفهم معانيه، وبهذا يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان: (والعقل يخطئهم في ذلك و الكتاب والسنة لا يصدقانهم فآيات الكتاب تحرض كل التحريض على التدبر في آيات الله وبذل الجهد في تكميل معرفة الله ومعرفة آياته بالتذكر والتفكر و النظر فيها والاحتجاج بالحجج العقلية، ومتفرقات السنة المتواترة معنى توافقها، ولا معنى للأمر بالمقدمة والنهي عن النتيجة) ج8 / ص153

    ونقول كذلك بالإضافة إلى ما ذُكِر أن أي جملة أو حتى كلمة تحتمل معنيين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وهذا هو المعروف في اللغة وعند أهل العربية، فلو قلنا بجريان المعنى الحقيقي على هذه الآيات فسوف نسقط في مسألة التشبيه والتجسيم وهذا ما يرفضه أهل السنة، ولو قلنا بجريان المعنى المجازي على الآيات فسوف يكون تأويلاً لها وإذهاباً لظاهرها وهذا ما لا يرتضيه أهل السنة، إذاً أهل السنة يقولون بشيء لا يوجد أصلاً من أجل أن يبتعدوا عن التشبيه ولكي لا يوافقوا الشيعة الكرام في تفسيرهم الصحيح.

    ونضيف كذلك: أن ما تثبتونه من اليد وما إلى ذلك لا بد وأن تكون من اثنين لا ثالث لهما، وهما:

    الأول: أن تكون اليد من الله
    الثاني: أن تكون اليد هي كلها الله

    فإن قلتم بالأول: فهذا يؤدي إلى أن الله تعالى مركب من أجزاء، وهذا يتفق مع أهل التجسيم والتشبيه وهو كذلك.

    وإن قلتم بالثاني: فنقول إذاً أين العين والرجل التي تثبتونها كذلك، فاليد هي كلها الله فلا مجال للعين والرجل، وإن قلتم إن هذه جميعها الله أي أن الرجل هي الله وكذلك اليد، قلنا هذه لا تنسجم مع العقل البشري، لأن المتبادر أن اليد غير الرجل، فكيف يكون اليد هي الرجل؟!.

    المذهب الثالث:

    هو المذهب الذي ذهبت إليه الشيعة الكرام وقالت به..

    ينص هذا المذهب إن مثل هذه الصفات لا تؤخذ على ظاهرها، بل تصرف إلى غير ما يظهر منها عن طريق الأخذ بالقرائن الموجودة في الآية أو الحديث الشريف، وتوضيح ذلك، نقول:

    إن هناك فرق بين قولنا (في الغابة أسد) وبين (علي أسد) المتبادر من الأول وجود ذلك الحيوان المفترس ذي الأسنان والمخالب الحادة في الغابة، لكن المتبادر من الثاني أن علي شجاع، وليس علي هو ذلك الحيوان.

    ومن هذا الفرق نخرج بنتيجة أنّ هناك فرق بين المعنى البدوي أي الذي يخطر على البال للوهلة الأولى، أو المعنى الأول المتبادر للذهن، وبين المعنى بعد التمعن في الجملة فهذا يسمى المعنى المستقر، وهو المعنى الذي استقر عليه عقلي وفكري بعد فهم الجملة.

    وإن شئت قل: هناك فرق بين المعنى الإفرادي والمعنى الجملي، فعندما نقول (أسد) المتبادر من الكلمة أنه الأسد الحيوان المفترس، ولكن عندما أقول (علي أسد) المتبادر أن علي شجاع كالأسد لا أنه أسد، فدخول مفردة (أسد) في جملة حولت معناها من الحيوان المفترس إلى معنى آخر وهو اتصاف علي بالشجاعة.

    ولا يجوز التأويل إلا بوجود القرائن، وهذا ما نعتقد نحن به الشيعة ونقول به، فعندما توجد القرينة فيمكن التأويل، وإمّا تأويل ما لم تقم عليه قرينة فنحن نرفضه كل الرفض.

    وبهذا التوضيح إتضح الأمر جليّاً لمن أراد فهم الحقيقة ومعرفتها، فالمسألة ليست مسألة عناد وتعصب، وإنما مسألة أدلة وبراهين وحجج، فإنها عقيدة وليست أمر يمكن التلاعب فيه..

    نماذج من الصفات الخبرية:

    وهنا ننقل نماذج من الصفات الخبرية نقلاً عن كتاب (المتكلم والصفات الخبرية) للشيخ جعفر سبحاني:

    1- يقول سبحان: (قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَديَّ أَسْتَكْبَرتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالين)

    فنقول: إنّ «اليد» في الآية استعمل في العضو المخصوص ولكن كُنِّي بها عن الاهتمام بخلقة آدم حتى يتسنّى بذلك ذم إبليس على ترك السجود لآدم، فقوله سبحان: (ما منَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بيدي) كناية عن أنّ آدم لم يكن مخلوقاً لغيري حتى يصحّ لك يا شيطان التجنّب عن السجود له، بحجة أنّه لا صلة له بي، مع أنّه موجود خلقتُه بنفسي، ونفخت فيه من روحي، فهو مخلوقي الذي قمت بخلقه، فمع ذلك تمرّدت عن السجود له.

    فأُطلقت الخلقةُ باليد وكُنّي بها عن قيامه سبحانه بخلقه، وعنايته بإيجاده، وتعليمه إيّاه أسماءه، لأنّ الغالب في عمل الإنسان هو القيام به باستعمال اليد، يقول: هذا ما بنيته بيدي، أو ما صنعته بيدي، أو ربيّته بيدي، ويراد من الكل هو القيام المباشري بالعمل بكلّ الوجود، لا خصوص اليد، وكأنّه سبحانه يندد بالشيطان بأنّك تركتَ السجود لموجود اهتممت بخلقه وصنعه.

    قال الشريف المرتضى: قوله تعالى: (لما خلقت بيدي) جار مجرى قوله: «لما خلقت أنا» وذلك مشهور في لغة العرب. يقول أحدهم: هذا ما كسبتْ يداك، وما جرت عليك يداك. وإذا أرادوا نفي الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضرب من الكلام فيقولون: فلان لا تمشي قدمه، ولا ينطق لسانه، ولا تكتب يده، وكذلك في الإثبات، ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل.

    2- (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَت أَيْدِينا أَنعاماً فَهُمْ لَها مالِكُون)

    فالمجسّمة المتعبّدة بظواهر النصوص البدوية تستدلّ بالآية على أنّ للّه سبحانه أيدي يقوم بها بالأعمال الكبيرة، ولكن المساكين اغترّوا بالظهور التصوريّ ولم يتدبّروا في الظهور التصديقي، أخذوا بالظهور الجزئي دون الجملي، فلو كانوا ممعنين في مضمون الآية وما احتفّ بها من القرائن، لميّزوا الظهور التصديقي الذي هو الملاك عن غيره، فإنّ الأيدي في الآية كناية عن تفرّده تعالى بخلق الأنعام وانّه لم يشاركه أحد فيها، فهي مصنوعة للّه تعالى والناس ينتفعون بها، فبدل أن يشكروا، يكفرون بنعمته، وأنت إذا قارنت بين الآيتين تقف على أنّ المقصود هو المعنى الكنائي، والمدار في الموافقة والمخالفة هو الظهور التصديقي لا التصوري.

    3- قال سبحانه: (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيد وَإِنّا لَمُوسِعُون)

    فاليد وإن كانت ظاهرة في العضو الخاص لكنّها في الآية كناية عن القوة والإحكام، وذلك لأنّ «اليد» من مظاهر القدرة والقوة بقرينة قوله: (وانّا لموسعون)، وكأنّه سبحانه يقول: والسماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها وإنّا لذو سعة في القدرة لا يعجزها شيء، أو بنيناها بقدرة عظيمة ونوسعها في الخلقة.

    4- قال سبحانه: (الرحمنُ على الْعَرشِ استَوى)

    انّ العرش في اللغة هو السرير والاستواء عليه هو الجلوس، غير أنّ هذا حكم مفرداتها، وأمّا معنى الجملة فيتفرع الاستظهار منها، على القرائن الحافة بها، فالعرب الأقحاح لا يفهمون منها سوى السلطة والاستيلاء، وحملها على غير ذلك يعدّ تصرّفاً في الظاهر، وتأويلاً لها، فإذا سمع العرب قول القائل:



    قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهـراق



    أو سمع قول الشاعر:



    ولما علونا واستوينـا عليهم * تركناهم مرعى لنسر وكاسر



    فلا يتبادر إلى أذهانهم سوى الاستيلاء والسيطرة والسلطة، لا العلو المكاني الذي لا يعد -حتّى- كمالاً للجسم، وأين هو من العلو المعنوي الذي هو كمال الذات.

    وقد جاء استعمال لفظ الاستواء على العرش في سبع آيات مقترناً بذكر فعل من أفعاله، وهو رفع السماوات بغير عمد، أو خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فكان ذاك قرينة على أنّ المراد منه ليس هو الاستواء المكاني بل الاستيلاء والسيطرة على العالم كله، فكما لاشريك له في الخلق والإيجاد لا شريك له أيضاً في الملك والسلطة، ولأجل ذلك يقول في بعض هذه الآيات ـ بعد الإخبار عن استوائه على العرش ـ: (أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمينَ )

    مناقشة بعض الروايات:

    نقول في النهاية: هناك بعض الأشخاص تهموا بعضاً من عظماء الشيعة وكبارهم بالتجسيم والتشبيه، وبما إننا في هذا البحث بسطنا القول في المسألة، لابدّ وأن نتعرض لشبهة هؤلاء، وننزّه أعلامنا من ما يفترى عليهم:

    يقول الشهرستاني في الملل والنحل: (غير أن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من اصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل الهشاميين)، وهما هشام بن الحكم وهشام بن سالم، وكلاهما من ثقات الإمامية ومن أجلاء علماءها..

    وسوف نناقش الروايات التي تدل على أن بعض أجلاء الشيعة وعظماءهم قالوا بالتجسيم والتشبيه:

    الرواية الأولى:

    روى ثقة الإسلام في كتابه الكافي: ج1 / ص100:

    محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له أن محمد صلى الله عليه وآله رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والبقية صمد. فخر ساجدا لله ثم قال: (سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك، اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين، ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره...).

    مناقشة السند:

    لا شك أن السند ضعيف والضعف فيه واضح.

    بكر بن صالح:

    قال النجاشي: (بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبة، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام، ضعيف)

    وقال ابن الغضائري: (ضعيف جدا، كثير التفرد بالغرائب). معجم رجال الحديث: ج4 / ص251

    الرواية الثانية:

    أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم، صمدي نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء من خلقه، فقال عليه السلام: (سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، لا يحد ولا يحس ولا يجس ولا تدركه الابصار ولا الحواس ولا يحيط به شئ ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد) الكافي: ج1 / ص104

    مناقشة السند:

    علي بن أبي حمزة:

    وهو البطائني المجمع على ضعفه وفساد مذهبه. راجع: خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: ص362

    الرواية الثالثة:

    علي بن محمد رفعه، عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قاله هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة فكتب: (دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان). الكافي: ج1 / ص105

    مناقشة السند:

    الإرسال واضح في الرواية، فعلي بن محمد رفعه، وهو لا يروي عن الرخجي لاختلاف طبقاتهما.

    الرواية الرابعة:

    محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن علي بن العباس، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن حكيم قال: وصفت لأبي إبراهيم (عليه السلام) قول هشام بن سالم الجواليقي وحكيت له: قول هشام بن الحكم إنه جسم فقال: (إن الله تعالى لا يشبهه شئ، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) الكافي: ج1 / ص105

    مناقشة السند:

    الرواية ضعيفة لجهالة بعض الرواة، والجهالة واقعة في (عمن ذكره) فلا يمكن الاعتماد عليها مع عدم معرفة رواتها.

    الرواية الخامسة:

    محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن العباس، عن الحسن ابن عبد الرحمن الحماني قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: إن هشام بن الحكم زعم أن الله جسم ليس كمثله شئ، عالم، سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شئ منها مخلوقا فقال: (قاتله الله أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل شئ سواه مخلوق، إنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان) الكافي: ج1 / ص106

    مناقشة السند:

    علي بن العباس:

    قال النجاشي: (علي بن العباس الخراذيني الرازي: رمي بالغلو وغمز عليه، ضعيف جدا)
    وقال ابن الغضائري: (علي بن العباس الجراذيني أبو الحسن الرازي: مشهور، له تصنيف في الممدوحين والمذمومين يدل على خبثه وتهالك في مذهبه، لا يلتفت إليه ولا يعبأ بما رواه) معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج13 / ص72 / ت8238.

    الرواية السادسة:

    علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن حكيم قال: وصفت لأبي الحسن عليه السلام قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق ووصفت له قول هشام بن الحكم فقال: (إن الله لا يشبهه شئ) الكافي: ج1 / ص106

    مناقشة السند:

    محمد بن عيسى:

    قال النجاشي: (محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى، مولى أسد ابن خزيمة، أبو جعفر: جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة. ذكر أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد، أنه قال: ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا نعتمد عليه) معجم رجال الحديث: ج18 / ص119

    الرواية السابعة:

    محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد قال: سمعت يونس بن ظبيان يقول: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني أختصر لك منه أحرفا فزعم أن الله جسم لان الأشياء شيئان: جسم وفعل الجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل فقال أبو عبد الله عليه السلام: (ويحه أما علم أن الجسم محدود متناه والصورة محدودة متناهية فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا...) الكافي: ج1 / ص106

    مناقشة السند:

    في السند بكر بن صالح ولقد تقدمت ترجمته وبيان ضعفه في الرواية الأولى، فراجع.

    الخاتمة:

    تمكن هذا البحث القصير من إيصال ولو فكرة عامة عن المذاهب الإسلامية في الصفات الخبرية، ومعرفة منشأها، ومن ثم مناقشة مذهبهم على حسب الخطوط والأصول العريضة في التوحيد، ومدى توافق مذهبهم مع تلك الخطوط والأصول المتفق عليها بين المسلمين جميعاً، وخرجنا بنتيجة واحدة ألا وهي أن المذهب الوحيد الذي يمكن اعتباره مذهب صالح لتفسير هذه الصفات هو المذهب الثالث، فهو ابتعد عن التشبيه وكذلك التعطيل بل إنه ابتعد حتّى عن التأويل، وإن سمّاه البعض بمذهب التأويل، ولكنه لا يأول على مزاجه ورأيه، بل يأخذ القرائن الموجودة ومن خلالها يتم فهم الآية أو الحديث بالشكل الصحيح، وكذلك أنّ ما يدعيه البعض افتراءً وبهتاناً على بعض عظماء الشيعة، إنما اعتمد على روايات ضعيفة، لا يمكن الاعتماد عليها، وما افتراءهم هذا إلا بسبب عدم النظر في رواة مثل هذه الأحاديث، وكما أسند البعض السبب إلى الحسد والكراهية على مثل هؤلاء.


    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين...

    والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

  • #2
    [grade="0000FF 0000FF 0000FF 0000FF"]أخي الصادقي

    أنا لا أعلم كيف يسمّي البعض اليد والعين والرجل صفات!!!

    فنحنُ لا سبيل لنا لفهم الآيات إلا من سبيلين : 1- الشرع. 2- اللغة .

    أمّا الشرع ، فلم يذكر الشّارع ألبتّة أنّ هذه تسمّى صفات.

    وأمّا من حيْثُ اللغة ، فالصفة عند أهل اللغة هي ما يَصحّ الإخبار بها .

    فأنتَ تقول : خالد قوي ، وخالد ذكي ، وخالد سميعٌ ، وغير ذلك من الصفات التي يصح بها الإخبار عن خالد .

    لكن لا يَصحّ أن تقول خالد عين أو خالد رجل وهلمّ جرّا .

    فيتبيّن بذلك أنّه لا سبيل لجعل هذه الألفاظ صفات .[/grade]

    تعليق


    • #3
      الزميل سني معتدل...

      "الصفه" تطلق على الخُلُق و الخَلْق...

      فقد يسألك سائل: صف لي أخلاق زيد.....فتقول له: هو طيب مؤمن ذو خلق حميد...

      و قد يسألك سائل: صف شكل زيد.....فتقول له: هو عريض ما بين المنكبين و له عينان سوداوان و ذراعاه ممتلآن...


      فاستشكالك على صاحب الموضوع....في غير محله

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم

        والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

        أوضح الاخ الكريم مالك لك الأمر يا سني

        ولا نحتاج أن نكرر الكلام..

        اللهم صل وسلم وزد وبارك على رسول الله وآله الأطهار

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة Malik13
          الزميل سني معتدل...

          و قد يسألك سائل: صف شكل زيد.....فتقول له: هو عريض ما بين المنكبين و له عينان سوداوان و ذراعاه ممتلآن...
          [grade="0000FF 0000FF 0000FF 0000FF"]وهل للهِ عزّوجل شكل ؟؟[/grade]

          تعليق


          • #6
            وهل للهِ عزّوجل شكل ؟؟
            لم يقصد أحد ذلك..

            وكلام الأخ مالك ما هو إلا توضيح للأمر ليس إلا..

            فمثلاً عندما يقال لك صف الإنسان، فسوف تقول: إنه كانئن مخلوق حي لديه عينان ولسان ويدان..

            إذاً اليدين والعينين وو من صفات الإنسان..

            وهذا ما نريد أن نصل له..

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة سني معتدل
              وهل للهِ عزّوجل شكل ؟؟
              drawGradient()
              أولا: مشاركتي كانت للتوضيح اللغوي فقط كما أشار الى ذلك أخي صاحب الموضوع...

              ثانيا: لا تسألنا نحن هذا السؤال...بل ليتك تسأله لمن يقول أن لله يد...أو أن له رجل...وله كذا و كذا...

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
              ردود 119
              18,093 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
              استجابة 1
              100 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
              استجابة 1
              71 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
              ردود 2
              156 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
              استجابة 1
              160 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              يعمل...
              X