غرابة دين الله وأمره القويم تنطلق اليوم من جديد بحقيقة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الذي بدا الدين به غريبا وهو غريب في كل زمن وغرابته تكمن في ما يحمله من منطقيات وأسس فطرية وعقلانية لا يرفضها الا من انحرفت فطرته وخبثت سريرته وهي تخالف ما وجده من معتقدات موروثة وعبادات شكلية ظاهرية ومن مصطلحات ميتة خالية من المعنى ، الذي أريد إظهاره عن طريق اللفظة التي أوجدت لهذا المعنى ولما يأتي به من قوة يقينية يدحض بها عروش الظن التي نسجت من خيوط العنكبوت ويهدم بها قاعدة (اجعلها في رقبة عالم واخرج منها سالم ) ، وتزداد غرابته أكثر لتصل إلى ذروتها حين يلغي مفهوم صك الغفران الذي ترسخ في أذهان الناس العاملون به من حيث يعلمون ولا يعملون والذي تقدمه سادات القوم وكبائرهم باسم الصالحين من أهل ربوبية الله كما فعلت الكنيسة في الأيام المظلمة التي كانت تعيشه أوربا حتى تحررت منها بعد أن كانت غارقة في الظلام ألا أنها بنت حضارتها المادية بعد ذلك بدجلها وزيفها ولا نجاة لها الا بأمر الله ، أن انطلاقة أمر الله في وسط جاهلية ثالثة أهلها مطمئنون بعبادة يمنون بها على الله ويخدموه سبحانه بالإطعام والأرزاق وهم غافلون عن حقيقة أنفسهم بأنهم فطرة وناسون لعهد الله بان يتربوا في صراطه المستقيم وهذا ما يجعلهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فهذه الانطلاقة هي انطلاقة الأنبياء من أدم وهو أول من تذكر عهد الله من بعد أن كان ناسيا له (فنسى ولم نجد له عزما ) ومرورا بنوح الذي مكث في قومه ألف سنة إلى خمسين عاما يدعوهم إلى عهد الله وأمره فجاوبه قومه بالتكذيب والسخرية ، وهكذا إبراهيم وموسى وعيسى وانتهاء بمحمد (عليهم السلام أجمعين) وهو القائل (ما أوذي نبي مثلما أوذيت ) فلقي من الناس ما لقي وكل ذلك نتيجة لما رأوه من غرابة في الدين الذي جاء ليخالف أهوائهم الضالة ، واليوم يلقى صاحب أمر الله من الناس مثلما لقي الأنبياء من قبل كما قال رسول الله (يلقي المهدي من ذريتي كما لقيت ) وما يلقى ذلك الأمن الذين أصبحوا اليوم فرقة متفرقة منهم من هو بين أحضان الدجال يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ومنهم من يحتمي به ليرفع شعائر الدين التي سرقوها من أهل الربوبية من قبل بعد أن احيوا أنفسهم فلبسوها كعلامات يظهرون بها حياتهم ومنهم من هو غارق في شهوات الدنيا حتى النخاع ومنهم من نصب نفسه إماما للنس لا يفقه من دينه حتى كلمة (تعبد) التي يجيب بها إذا سال عن أي علة من علل عبادته الشكلية التي من المفروض أن تثبت على قاعدة محكم الربوبية كعلة ومعلول وظاهر وباطن ومحكم ومتشابه ، الا أن أمر الله الغريب هذا سوف يشق طريقه بالنور والبصيرة وسط الظلام الدامس الذي أطبق على نفوس الناس حتى ملئت ظلما وجورا فأصبحت ظلمات بعضها فوق بعض إذا خرج أحدهم يده لم يكد يراها وبمبد أية الله التي في نفوس الناس كفطرة ضد مبد أية الشيطان لتملا ارض النفوس يوما بعد يوم قسطا وعدلا ، ويبقى الشيطان غريبا في أطراف الأرض أو يقضى عليه ليكون هذا اليوم مصداقا لليوم الذي طلب الشيطان النظرة أليه (انظر ني إلى يوم يبعثون ) .