بقلم: زئيف شترنهال
لا يمكن لأي واقع كان أن يعيش لمدة طويلة من دون غطاء ايديولوجي. هذا ما يحدث عندما يتم رفع وتضخيم عملية عسكرية فاشلة الى مستوى الحرب الوجودية. عندما أدرك الجميع أن عليهم أن يجدوا غطاءا اخلاقيا، سواء لأحجام الدمار الذي زرع في لبنان وتقتيل المدنيين هناك، أو القتلى والمصابين الاسرائيليين (لم يعودوا يتحدثون عن تعريض كل المنطقة الشمالية المدنية الى ضربات العدو مع إبقاء ثلث السكان في الملاجىء في ظروف مشينة)، تم ابتداع حرب وجودية، التي من طبيعتها أن تكون طويلة ومرهقة.
هكذا تحولت حملة عقابية جماعية بدأت بتهور وتسرع ومن دون دراسة، وبناء على تقديرات رديئة، بما في ذلك وعود عسكرية ليس بمقدور الجيش أن ينفذها - الى حرب حياة أو موت، وأشبه بحرب استقلال ثانية. في الصحف بدأت تظهر مقارنات مخزية بين مكافحة النازية وبين الحرب الحالية، الأمر الذي تسبب في تحويل دم ضحايا الكارثة من اليهود الى مهزلة. مهندس هذه العملية الفاشلة سبق غيره في ذلك، إذ خرج علينا بخطاب تشرتشلي ووعد الناس بالدم والدموع حتى يغطي على اخفاقاته. صحيح أنه لا حدود للوقاحة. ويجب القول بأن الناطقين بلسان الحكومة، بما فيهم الوزير اسحق هيرتسوغ ونتنياهو والناطقة بلسان الجيش، أنهم لم يطلقوا مثل هذه الدعاية الرخيصة.
في المقابل تم تقليص أهداف العملية خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، ومن استعادة قوتنا الردعية وتصفية حزب الله الى هدفنا الحالي وهو إبعاد مواقعه الأمامية ونشر قوات دولية للدفاع عن شمالي اسرائيل من الهجمات المستقبلية.
في هذه النقطة أصبح المواطن العادي حائرا، وهل تُستعاد قوة الجيش الردعية بهذه الطريقة التي تعطي نتيجة معاكسة تماما. لقد تبين أمام العالم كله أن سلاح الجو "الجبار" لم ينجح خلال ثلاثة اسابيع في ايقاف الصواريخ، بل واحتاج الى شحنات اسلحة طارئة اخرى مثلما حدث في يوم الغفران. كما ويسأل المواطن البسيط نفسه سؤالا آخر: اذا كان بضعة مقاتلين من الفدائيين يشكلون خطرا وجوديا على اسرائيل ذات القوة الساحقة والاسلحة التي لا يوجد لها مثيل في العالم، فكيف حدث أن قادته لم يسمعوا عن ذلك التهديد ولم يروه؟.
نحن فعلا لم نفكر بأي شيء منذ عام 2000، إلا في المسألة الفلسطينية، حيث وجهت اسرائيل كل جهودها الوطنية لفك الارتباط، ومن ثم لانشقاق الليكود واقامة كديما كأداة تنظيمية لتنفيذ "الانطواء" من خلف الجدار الفاصل، بعد أن وقعنا تحت تأثير التنويم المغناطيسي "للخطر الفلسطيني". حددوا للعامين أو الاربعة القادمة جدول اعمال وطني لتجسيد "تركة شارون": ترسيم الحدود مع المناطق بصورة أحادية الجانب، وتحطيم المناطق الى كانتونات والقضاء على امكانية اقامة دولة فلسطينية فيها. من هنا أدرك المواطن أن هذه هي المسألة التي ستحسم مستقبل اسرائيل.
الدليل الأكثر وضوحا لسلم الأولويات الوطني هو الوضع الذي وصلت اليه الوحدات القتالية في الجيش. لم يكن سرا أن الجيش قد توقف عن التدرب تقريبا في وحدات كبيرة وعلى عمليات معقدة، وغرق كله في الصراع ضد الانتفاضة الفلسطينية. عندما تتحول ألوية سلاح المشاة الى قوة بوليسية متمرسة في حراسة الجدران واقتحام مخيمات اللاجئين أو ملاحقة الخلايا التخريبية بين أغراس الزيتون، وعندما يصبح عدد المطلوبين الذين يضبطون مقياسا لمدى نجاح الضابط المسؤول وليس رؤيته القتالية وقدرته على قيادة وحدات كبيرة، يبدأ الجيش في التعفن.
أنا لا أذكر أن فرق الاحتياط التي استُدعيت في حرب الغفران في عام 1973، أو الاسرائيليين الذين عادوا كأفراد من الخارج للانخراط في الحرب، كانوا بحاجة الى تدريب وانعاش. وبالرغم من ذلك أُقيمت لجنة تحقيق للتحقق من مستوى جاهزية القوات للقتال.
حرب حزيران وحرب الغفران كانتا حروبا وجودية، والجيش ظهر فيهما بكل عظمته وسموه. الحرب الحالية هي أكثر الحروب التي خضناها فشلا، وبصورة تزيد عن حرب لبنان الاولى التي كانت قد أُعدت بصورة جيدة من الناحية العسكرية، حيث حقق فيها الجيش كل الأهداف التي وضعها شارون باستثناء السيطرة على شارع بيروت - دمشق.
من المخيف أن يخطر في البال أن من قرر شن هذه الحرب لم يحلم حتى بنتائجها وآثارها المدمرة على كل مجال محتمل تقريبا، ولم يأخذ في الحسبان آثارها السياسية والنفسية وتضرر مصداقية الجهاز السلطوي الحاكم في نظر المواطنين - وكذلك القتل المجاني للاطفال. الاستهزاء الذي يُبديه المتحدثون بلسان الحكومة بما فيهم بعض المراسلين العسكريين من النكبة التي حلت باللبنانيين، مذهل حتى لمن فقد براءة وأوهام الطفولة منذ زمن بعيد.
2006-08-02
لا يمكن لأي واقع كان أن يعيش لمدة طويلة من دون غطاء ايديولوجي. هذا ما يحدث عندما يتم رفع وتضخيم عملية عسكرية فاشلة الى مستوى الحرب الوجودية. عندما أدرك الجميع أن عليهم أن يجدوا غطاءا اخلاقيا، سواء لأحجام الدمار الذي زرع في لبنان وتقتيل المدنيين هناك، أو القتلى والمصابين الاسرائيليين (لم يعودوا يتحدثون عن تعريض كل المنطقة الشمالية المدنية الى ضربات العدو مع إبقاء ثلث السكان في الملاجىء في ظروف مشينة)، تم ابتداع حرب وجودية، التي من طبيعتها أن تكون طويلة ومرهقة.
هكذا تحولت حملة عقابية جماعية بدأت بتهور وتسرع ومن دون دراسة، وبناء على تقديرات رديئة، بما في ذلك وعود عسكرية ليس بمقدور الجيش أن ينفذها - الى حرب حياة أو موت، وأشبه بحرب استقلال ثانية. في الصحف بدأت تظهر مقارنات مخزية بين مكافحة النازية وبين الحرب الحالية، الأمر الذي تسبب في تحويل دم ضحايا الكارثة من اليهود الى مهزلة. مهندس هذه العملية الفاشلة سبق غيره في ذلك، إذ خرج علينا بخطاب تشرتشلي ووعد الناس بالدم والدموع حتى يغطي على اخفاقاته. صحيح أنه لا حدود للوقاحة. ويجب القول بأن الناطقين بلسان الحكومة، بما فيهم الوزير اسحق هيرتسوغ ونتنياهو والناطقة بلسان الجيش، أنهم لم يطلقوا مثل هذه الدعاية الرخيصة.
في المقابل تم تقليص أهداف العملية خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، ومن استعادة قوتنا الردعية وتصفية حزب الله الى هدفنا الحالي وهو إبعاد مواقعه الأمامية ونشر قوات دولية للدفاع عن شمالي اسرائيل من الهجمات المستقبلية.
في هذه النقطة أصبح المواطن العادي حائرا، وهل تُستعاد قوة الجيش الردعية بهذه الطريقة التي تعطي نتيجة معاكسة تماما. لقد تبين أمام العالم كله أن سلاح الجو "الجبار" لم ينجح خلال ثلاثة اسابيع في ايقاف الصواريخ، بل واحتاج الى شحنات اسلحة طارئة اخرى مثلما حدث في يوم الغفران. كما ويسأل المواطن البسيط نفسه سؤالا آخر: اذا كان بضعة مقاتلين من الفدائيين يشكلون خطرا وجوديا على اسرائيل ذات القوة الساحقة والاسلحة التي لا يوجد لها مثيل في العالم، فكيف حدث أن قادته لم يسمعوا عن ذلك التهديد ولم يروه؟.
نحن فعلا لم نفكر بأي شيء منذ عام 2000، إلا في المسألة الفلسطينية، حيث وجهت اسرائيل كل جهودها الوطنية لفك الارتباط، ومن ثم لانشقاق الليكود واقامة كديما كأداة تنظيمية لتنفيذ "الانطواء" من خلف الجدار الفاصل، بعد أن وقعنا تحت تأثير التنويم المغناطيسي "للخطر الفلسطيني". حددوا للعامين أو الاربعة القادمة جدول اعمال وطني لتجسيد "تركة شارون": ترسيم الحدود مع المناطق بصورة أحادية الجانب، وتحطيم المناطق الى كانتونات والقضاء على امكانية اقامة دولة فلسطينية فيها. من هنا أدرك المواطن أن هذه هي المسألة التي ستحسم مستقبل اسرائيل.
الدليل الأكثر وضوحا لسلم الأولويات الوطني هو الوضع الذي وصلت اليه الوحدات القتالية في الجيش. لم يكن سرا أن الجيش قد توقف عن التدرب تقريبا في وحدات كبيرة وعلى عمليات معقدة، وغرق كله في الصراع ضد الانتفاضة الفلسطينية. عندما تتحول ألوية سلاح المشاة الى قوة بوليسية متمرسة في حراسة الجدران واقتحام مخيمات اللاجئين أو ملاحقة الخلايا التخريبية بين أغراس الزيتون، وعندما يصبح عدد المطلوبين الذين يضبطون مقياسا لمدى نجاح الضابط المسؤول وليس رؤيته القتالية وقدرته على قيادة وحدات كبيرة، يبدأ الجيش في التعفن.
أنا لا أذكر أن فرق الاحتياط التي استُدعيت في حرب الغفران في عام 1973، أو الاسرائيليين الذين عادوا كأفراد من الخارج للانخراط في الحرب، كانوا بحاجة الى تدريب وانعاش. وبالرغم من ذلك أُقيمت لجنة تحقيق للتحقق من مستوى جاهزية القوات للقتال.
حرب حزيران وحرب الغفران كانتا حروبا وجودية، والجيش ظهر فيهما بكل عظمته وسموه. الحرب الحالية هي أكثر الحروب التي خضناها فشلا، وبصورة تزيد عن حرب لبنان الاولى التي كانت قد أُعدت بصورة جيدة من الناحية العسكرية، حيث حقق فيها الجيش كل الأهداف التي وضعها شارون باستثناء السيطرة على شارع بيروت - دمشق.
من المخيف أن يخطر في البال أن من قرر شن هذه الحرب لم يحلم حتى بنتائجها وآثارها المدمرة على كل مجال محتمل تقريبا، ولم يأخذ في الحسبان آثارها السياسية والنفسية وتضرر مصداقية الجهاز السلطوي الحاكم في نظر المواطنين - وكذلك القتل المجاني للاطفال. الاستهزاء الذي يُبديه المتحدثون بلسان الحكومة بما فيهم بعض المراسلين العسكريين من النكبة التي حلت باللبنانيين، مذهل حتى لمن فقد براءة وأوهام الطفولة منذ زمن بعيد.
2006-08-02