
دخلت الحرب على لبنان اسبوعها الرابع، ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي يقول ان جيشه يحتاج الى اسابيع اخرى. وهذا يعني انه عازم على المزيد من القتل والدمار وتفريغ الجنوب من اهله، وقطع الطرق، وهدم الجسور، وتحويل الأراضي اللبنانية الى جزر يتعذر التواصل بينها،
إذا اي لبنان سنرى بعد ان يروي ايهود أولمرت عطشه من دم الشعب اللبناني ليؤكد كراهيته للبنان وشعبه، ويزرع الفتنة والكراهية بين اهله. ليصنع امجادا سياسية لشخصه ويثبت للشعب اليهودي انه اكثر صلابة من سلفه شارون ومن سبقه من الصقور؟! والغريب ان الولايات المتحدة من خلال تصريحات مسؤوليها أكدت انها شريك متضامن مع اسرائيل، لذا تقف حجر عثرة امام الجهود الدولية لوقف إطلاق النار لتفسح في المجال امام اسرائيل لعلها تهزم حزب الله، او تجبره على الاستسلام، وربما أتى الاتفاق الاميركي ـ الفرنسي 'منقوصا' ليساير هذه الرغبة.
في السابق كان الرئيس بوش يبشرنا بالديموقراطية، واليوم يعدنا بشرق أوسط جديد، ولكن لم يتكرم علينا هو او وزيرة خارجيته ليقولا اي شرق اوسط يرغبان في تحقيقه لنا، هل شرق اوسط تكون فيه اسرائيل القطب الاوحد، الآمر والناهي في شأن دوله واهله؟ إن هذا ضرب من الخيال لن يتحقق بهذا الاسلوب الدموي لأن الحرب التي تدور رحاها على ارض لبنان ستكرس الكراهية في نفوس شعوب المنطقة لا لإسرائيل وحدها بل للولايات المتحدة ايضا.
في السنوات الاخيرة تحسنت صورة الولايات المتحدة في نظر العرب وتأملوا خيرا من وعودها حول الديموقراطية، وتحقيق خريطة الطريق للفلسطينيين والأمن والازدهار لشعوب المنطقة، ولكن ما حدث هو عكس كل الوعود حيث زادت الاحداث الدامية في فلسطين ومناطق اخرى، ثم وصلنا الى حرب مدمرة على لبنان، وهذا ما يوحي بأن الرئيس بوش وادارته الحاكمة منحازان انحيازا كليا لإسرائيل، وهذا الانحياز السافر قد يتحكم فيه معتقدهم الانجيلي الاصولي، وايمانهم ان من دولة اسرائيل القوية والمزدهرة سيأتي المسيح المخلص. لهذا يعطون اسرائيل البركة والمال والسلاح، ويناصرونها في كل المواقف لتقوى وتزدهر. واذا كانت هذه هي عقيدة الإدارة الاميركية، فإن هذه العقيدة ستزيد في خلق الجماعات المتطرفة لمحاربة المصالح الاميركية في كل مكان كلما سنحت لها الفرصة. ومن غير المستبعد ان تقوم جهات اجنبية خارجية غير راضية عن السياسة الاميركية بتغذية تلك الجماعات بسبب التقاء المصالح، وعندئذ يتحول الشرق الاوسط الى منطقة تتصارع على ارضها الحرب الباردة والساخنة في وقت واحد.
ومن المفارقة، انه في الامس القريب كان الرئيس بوش يردد انه حريص على مساعدة لبنان ليكون بلدا ديموقراطيا نموذجيا في المنطقة ، لكنه اليوم يصم اذنيه عن سماع المطالبات العربية والدولية المتكررة المنادية بضرورة وقف إطلاق النار لكي لا يسقط المزيد من الضحايا وتتم معالجة سلاح حزب الله سياسيا.
لهذا فإن من الواضح ان الحرب ستستمر اياما واسابيع، إذا لم يشمل الحل جميع القضايا الجوهرية، حتى تحقق اسرائيل ما اتفقت عليه مع حليفتها اميركا، ولكن المقاتلين اللبنانيين يتصدون للعدو باجسادهم وسلاحهم ويكبدونه خسائر بشرية وعتادا لانهم فتية آمنوا بالله والوطن. ولكن الى متى؟ هل تستطيع المقاومة الباسلة ان تهزم اسرائيل المدعومة بالترسانة العسكرية الاميركية؟ المنطق العقلي لا يسلم بذلك والمعجزات لا يعلمها الا الله. ان صواريخ المقاومة تنهمر على المدن الاسرائيلية وتسبب دمارا، ولكن الدمار الاسرائيلي الذي يلحق بلبنان اوسع واشد. والقدرة العسكرية الاسرائيلية اكثر دقة وانتقاء للاهداف، لذا فإن الاستمرار في الحرب هو انتحار للبنان وكيانه.
لهذا من الحكمة ان تقبل المقاومة ـ التي من حقها ان تفخر بقائدها الحكيم والمتزن سماحة السيد حسن نصر الله ـ بتبني ما سبق ان تبنته الحكومة اللبنانية من نقاط لوقف الحرب وإعطاء الدول الكبرى المتعاطفة مع لبنان الفرصة كي تعمل للوصول الى حل مشرف لوقف هذه الحرب المدمرة. والتوصل الى اتفاق وقف إطلاق نار نهائي ـ على الرغم من مرارته ـ ليس جديدا او معيبا في التاريخ العسكري وحتى في التاريخ السياسي، لأن الظروف المحلية او الدولية تتحكم فيه وتفرضه. وعلى هذا الاساس اتخذ الامام الخميني رحمه الله مثل هذا القرار، وقال قوله المشهور انه كان يفضل ان يشرب كأس السم، ولكنه قدم مصلحة ايران على كل الاعتبارات ووافق على وقف الحرب.
ثم ان كل الدول العربية التي حاربت اسرائيل منذ عام 1948 لجأت اثناء حروبها الى قبول قرار وقف الحرب عندما شعرت بأن استمرارها ليس في مصلحتها.
ان من حق لبنان وشعبه التنعم بالاستقرار كجيرانه من العرب، واللبنانيون يعلمون ان اسرائيل تكن لهم كراهية خاصة، لأن لبنان وطن التعايش المشترك والمؤهل قبل غيره لمنافسة اسرائيل في المنطقة عندما يعم السلام، وهذا يمثل النقيض لاسرائيل التي تعامل الاقليات وغير اليهود معاملة فيها الكثير من الدونية.
ومما لا شك فيه ان الشعب اللبناني سيخرج من هذه الحرب التي فرضت عليه بدروس وطنية غنية، ووقف الحرب على لبنان سيكشف حقيقة الوعود الاميركية. فإذا كان الرئيس بوش وادارته جادين في ايجاد شرق اوسط جديد، فإن حجر الزاوية في المشروع المقترح يبدأ بحل عادل للقضية الفلسطينية، وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967، لان كل حروب المنطقة وتدخل الغير في شأن الشرق الاوسط يعودان الى بقاء هذه القضية معلقة.
ان شرق اوسط جديدا يعني امنا وسلاما متبادلين بين شعوبه مع حدود آمنة ومصالح مشتركة، ولكن ما عرفناه بالتجربة عن اسرائيل منذ قيامها حتى هذا التاريخ عكس كل ذلك، إذن، كيف سينفذ الرئيس بوش مشروعه المقترح، أو لنقل احلامه؟ والأيام المقبلة.. ستعطينا الجواب.

تعليق