إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

جم سؤال للسنة مع كامل الود والاحترام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    مظلومية الزهراء عليها السلام - السيد علي الميلاني

    المطلب الأول : أحاديث في مقام الزهراء ( عليها السلام ) ومنزلتها عند الله وعند الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )

    الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، حتى أن عدة من علماء الفريقين دونوها في كتب مفردة ، وقد انتخبت من تلك الأحاديث هذه الأحاديث التي سأقرؤها ، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمها :
    الحديث الأول : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، أو " سيدة نساء هذه الأمة " ، أو " سيدة نساء المؤمنين " ، أو " سيدة نساء العالمين " . هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب ( 1 ) . ففاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .

    الحديث الثاني : في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي : " فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني " . هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدة من المصادر ( 2 ) . " فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها " . بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وصحيح أبي داود ، وصحيح مسلم ، وغيرها من المصادر ( 3 ) .

    * ( هامش ) *
    ( 1 ) الخصائص للنسائي : 34 ، الطبقات 2 / 40 ، مسند أحمد 6 / 282 حلية الأولياء 2 / 39 ، المستدرك 3 / 151 .
    ( 2 ) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة عليها السلام .
    ( 3 ) مسند أحمد 4 / 328 ( * ) .



    " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها " . بهذا اللفظ في : صحيح مسلم ( 1 ) . " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها " . بهذا اللفظ في : مسند أحمد وفي المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ،
    وفي صحيح الترمذي ( 2 ) . " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها " . بهذا اللفظ في : المسند ، وفي المستدرك وقال : صحيح الإسناد ، وفي مصادر أخرى ( 3 ) .

    الحديث الثالث : " إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها " . هذا الحديث تجدونه في : المستدرك ، وفي الإصابة ، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم ، ورواه غيرهم ( 4 ) .


    * ( هامش ) *
    ( 1 ) صحيح مسلم ، باب مناقب فاطمة ( عليها السلام ) .
    ( 2 ) مسند أحمد 4 / 5 ، المستدرك 3 / 159 .
    ( 3 ) المستدرك 3 / 158 ، مسند أحمد 4 / 323 .
    ( 4 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 153 ، كنز العمال 13 / 674 ، 12 / 111 . ( * )


    الحديث الرابع : في أن النبي أسر إليها أنها أول أهل بيته لحوقا به . هذا كان عند وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنه دعاها فسارها فبكت ، ثم دعاها فسارها فضحكت [ في بعض الألفاظ : فشق ذلك على عائشة أن يكون سارها دونها ] فلما
    قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حلفتها عائشة أن تخبرها ، فقالت : سارني رسول الله أو سارني النبي ، فأخبرني أنه يقبض في وجعه هذا فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت . هذا الحديث في : الصحيحين ، وعند الترمذي والحاكم ، وغيرهما ( 1 ) .

    الحديث الخامس : عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها غير أبيها . هذا الحديث تجدونه في : المستدرك وقال : صحيح على


    * ( هامش ) *
    ( 1 ) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، صحيح مسلم فضائل فاطمة ، صحيح الترمذي ، المستدرك 4 / 272 . ( * )


    شرط الشيخين ، وأقره الذهبي ، وفي الإستيعاب ، وفي حلية الأولياء ( 1 ) .

    الحديث السادس : عن عائشة أيضا : كانت إذا دخلت عليه - على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وأقره الذهبي أيضا ( 2 ) .

    الحديث السابع : أخرج الطبراني أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي : " فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها " . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ( 3 ) . هذه هي الأحاديث التي انتخبتها ، لتكون مقدمة لبحوثنا


    * ( هامش ) *
    ( 1 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 160 ، حلية الأولياء 2 / 41 ، الإستيعاب 4 / 1896 .
    ( 2 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 154 .
    ( 3 ) مجمع الزوائد 9 / 202 ( * )


    الآتية ، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة ، وفي الحوادث الواقعة ، وهي أحاديث - كما رأيتم - في المصادر المهمة بأسانيد صحيحة ، ودلالاتها أيضا لا تقبل أي مناقشة .
    ومن دلالات هذه الأحاديث : إن فاطمة سلام الله عليها معصومة ، بالإضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الأدلة . مضافا إلى أن غير واحد من حفاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضلية الزهراء سلام الله عليها من الشيخين ، بسبب هذه الأحاديث
    وحديث فاطمة بضعة مني بالخصوص ، بل قال بعضهم بأفضليتها من الخلفاء الأربعة كلهم ، ولا مستند لهم إلا الأحاديث التي ذكرتها .

    ولأقرأ لكم عبارة المناوي وكلامه المشتمل على بعض الأقوال من كبار علماء القوم ، ففي فيض القدير في شرح حديث " فاطمة بضعة مني " قال : استدل به السهيلي [ وهو حافظ كبير من علمائهم ، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من
    الكتب ] على أن من سبها كفر [ ولماذا ؟ لاحظوا ] لأنه يغضبه [ أي لأن سبها يغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه ] وأنها أفضل من الشيخين . وإذا كانت هذه اللام لام تعليل لأنه يغضبه ، والعلة إما معممة وإما مخصصة ، ولا بد أن تكون هنا معممة ، يوجب الكفر ، لأنه أي السب يغضبها ، فيكون أذاها أيضا موجبا للكفر ، لأن الأذى - أذى الزهراء سلام الله عليها - يغضب رسول الله بلا إشكال .
    قال المناوي : قال ابن حجر : وفيه - أي في هذا الحديث - تحريم أذى من يتأذى المصطفى بأذيته ، فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتأذى به بشهادة هذا الخبر ، ولا شئ أعظم من إدخال الأذى عليها في ولدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد .

    ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة ، وتحريم أذى فاطمة لأنها بضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل هو موجب للكفر كما تقدم .

    وقال المناوي : قال السبكي : الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل من خديجة ثم عائشة . قال المناوي : قال شهاب الدين ابن حجر : ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون .

    قال المناوي : وذكر العلم العراقي : إن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق ( 1 ) . إذن ، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين ، وأن أذاها موجب للدخول في النار .
    ثم إن هذه الأحاديث - كما قرأنا وسمعتم وترون - أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد ، عندما يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " إن الله يغضب لغضب فاطمة لا يقول إن كانت القضية كذا ، لا يقول بشرط أن يكون كذا ، لا يقول إن كان
    غضبها بسبب كذا ، ليس في الحديث أي تقييد ، إن الله يغضب لغضب فاطمة ، هذا الغضب بأي سبب كان ، ومن أي أحد كان
    ، وفي أي زمان ، أو أي وقت كان . وعندما يقول : " يؤذيني ما آذاها " ، لا يقول رسول الله : يؤذيني ما آذاها إن كان كذا ، إن كان المؤذي فلانا ، إن كان في وقت كذا ، ليس فيه أي قيد ، بل الحديث مطلق يؤذيني ما آذاها .

    ودلت الأحاديث هذه على وجوب قبول قولها ، وحرمة تكذيبها ، وقد شهدت عائشة بأنها سلام الله عليها أصدق الناس لهجة ما عدا والدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورسول الله قال كل هذا وفعله مع علمه بما سيكون من بعده .

    * ( هامش ) *
    ( 1 ) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 421 . ( * )

    تعليق


    • #32
      المطلب الثاني : في أن من آذى عليا ( عليه السلام ) فقد آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )


      كان المطلب الأول في أن من آذى فاطمة فقد آذى رسول الله ، وهذا المطلب الثاني في أن من آذى عليا فقد آذى رسول الله ، وذاك قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " من آذى عليا فقد آذاني " .

      هذا الحديث تجدونه في : المسند ، وفي صحيح ابن حبان ، وفي المستدرك ، وفي الإصابة ، وأسد الغابة ، وأورده صاحب كنز العمال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني ، وله أيضا مصادر أخرى ( 1 ) .


      * ( هامش ) *
      ( 1 ) مسند أحمد 3 / 483 ، المستدرك 3 / 122 ، مجمع الزوائد 9 / 129 ، أسد الغابة والإصابة بترجمته عن عدة من الأئمة ،
      كنز العمال 11 / 601 ( * ) .

      تعليق


      • #33
        المطلب الثالث : في أن بغض علي ( عليه السلام ) نفاق


        أخرج مسلم في صحيحه عن علي ( عليه السلام ) قال : " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إلي [ وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ] أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " .

        تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند : النسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، وفي مسند أحمد ، وفي المستدرك ، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الأئمة ( 1 ) . وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أم سلمة : كان رسول الله يقول [ هذه الصيغة تدل على الاستمرار ] كان رسول الله يقول :


        * ( هامش ) *
        ( 1 ) مسند أحمد 1 / 84 ، 128 ، صحيح مسلم كتاب الإيمان ، كنز العمال 13 / 120 رقم 36385 ( * ) .



        " لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن " ( 1 ) .


        نستفيد من هذه الأحاديث في هذا المطلب : إن حب علي وحب المنافقين لا يجتمعان ، لو أن أحدا يعتقد حتى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله ، إلا أنه لا يبغض المنافقين ، هذا الشخص هو أيضا منافق ، وهو مطرود من الطرفين ، أي من

        المؤمنين ومن المنافقين ، لأن المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد ، ولأن المؤمنين لا يحبون المنافقين وهذا يحب .
        ولا يمكن الجمع بينهما بأي حال من الأحوال ، وبأي شكل من الأشكال .


        * ( هامش ) *
        ( 1 ) مسند أحمد 6 / 292 ( * ) .

        تعليق


        • #34
          المطلب الرابع : في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا ( عليه السلام ) بأن الأمة ستغدر به

          قال علي ( عليه السلام ) : " إنه مما عهد إلي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن الأمة ستغدر بي بعده " .


          قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح ( 1 ) ، وقد قرروا أن كل حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين .

          ومن رواة هذا الحديث أيضا : ابن أبي شيبة ، والبزار ، والدارقطني والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم .


          * ( هامش ) *
          ( 1 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 140 ، 142 ( * ) .

          تعليق


          • #35
            المطلب الخامس : ضغائن في صدور أقوام


            أخرج أبو يعلى والبزار - بسند صححه : الحاكم ، والذهبي ، وابن حبان ، وغيرهم - عن علي ( عليه السلام ) قال : " بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول

            الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إن لك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بأخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق ، كل ذلك أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلما

            خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا ، قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك " .

            هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلى والبزار ( 1 ) ،

            ونفس السند موجود في المستدرك وقد صححه الحاكم والذهبي ( 2 ) ، فيكون سنده صحيحا يقينا ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟

            فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزار وعند الحاكم ، والحاكم يصححه والذهبي يوافقه ، إلا أن الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لأنه إلى حد " إن لك في الجنة أحسن منها " لا أكثر .

            وهناك أحاديث أيضا صريحة في أن " الأقوام " المراد منهم في هذا الحديث " هم قريش " ، وفي المطلب السادس أيضا بعض الأحاديث تدل على ذلك ، فلاحظوا .


            * ( هامش ) *
            ( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 118 . ( 2 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 139 ( * ) .

            تعليق


            • #36
              المطلب السادس : في أن قريشا هم سبب هلاك الناس بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )


              عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " يهلك أمتي هذا الحي من قريش " ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : " لو أن الناس اعتزلوهم " .


              وعن أبي هريرة أيضا قال : سمعت الصادق المصدوق يقول : " هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش " ، فقالوا : مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة : إن شئت أن أسميه ، بني فلان ، بني فلان والحديثان في الصحيحين ( 1 ) .


              * ( هامش ) *
              ( 1 ) وأخرجه أحمد 2 / 324 ، 288 ، 299 ، 520 ( * ) .

              تعليق


              • #37
                المطلب السابع : لم يرو من الضغائن والغدر إلا القليل


                وهذا المطلب مهم جدا ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي بدت - التي سبق وأن أخبر عنها رسول الله - لم يرو منها في الكتب إلا القليل ، والسبب واضح ، لأنهم منعوا من تدوين الحديث ، وعندما دون ، فقد دون على يد بني أمية وفي عهدهم ، وهذا حال السنة ، أي السنة عند أهل السنة .


                ثم إن من كان عنده شئ من تلك الأمور التي أشار إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ، ومن نقله إلى الآخرين ، حتى أن من كان عنده كتاب فيه شئ من تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لأحد ، أذكر لكم موارد من هذا القبيل : قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همام الصنعاني في كتاب الكامل : ولعبد الرزاق بن همام [ هذا شيخ البخاري ] أصناف حديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من

                الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير ( 1 ) .


                وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش - الحافظ الكبير - يقول ابن عدي : سمعت عبدان يقول : وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم . فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟ قال ابن عدي : فأما

                الحديث فأرجو أنه لا يتعمد الكذب ( 2 ) . فالرجل ليس بكاذب ، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفاظ للذهبي ، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب ، ويتهجم على ابن خراش ويشتمه ويسبه سب الذين


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) الكامل في الضعفاء 6 / 545 . ( 2 ) الكامل في الضعفاء 5 / 519 ( * ) .


                كفروا ( 1 ) . ولا يتوهمن أحد أن هذا الرجل - ابن خراش - من الشيعة ، وذلك ، لأن هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل ، ويعتمدون على آرائه في رد الراوي أو قبوله ، أذكر لكم موردا واحدا ، يقول ابن خراش

                بترجمة عبد الله بن شقيق ، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول : قال ابن خراش : كان - عبد الله بن شقيق - ثقة وكان عثمانيا يبغض عليا ( 2 ) . فابن خراش ليس بشيعي ، لأنه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنه كان عثمانيا يبغض

                عليا . فلا يتوهم أن هذا الرجل - ابن خراش - من الشيعة ، بل هو من أعلام أهل السنة ومن كبار حفاظهم ، إلا أنه ألف جزئين في مثالب الشيخين .


                مورد آخر في كتاب العلل لأحمد بن حنبل ، قال أحمد : كان أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدثيهم وحفاظهم ، وله كتاب في الصحيح اسمه : صحيح أبي عوانة ] وضع كتابا فيه معايب أصحاب


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 .
                ( 2 ) تهذيب التهذيب 5 / 223 ( * ) .


                رسول الله ، وفيه بلايا ، فجاء سلام بن أبي مطيع ( 1 ) فقال : يا أبا عوانة ، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه ، فأخذه سلام فأحرقه ( 2 ) . ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبد الرحمن بن مهدي ( 3 ) قال : فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله ( 4 ) .

                فهذا يستغفر الله من أنه نظر في هذا الكتاب ، والشخص الآخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا . مورد آخر : ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الأشقر : أن أحمد بن حنبل حدث عنه وقال : لم يكن عندي ممن يكذب [ فهو

                حدث عنه وقال : لم يكن عندي ممن يكذب ] فقيل له : إنه يحدث في أبي بكر وعمر ، وإنه صنف بابا في معايبهما ، فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه ( 5 ) ! أولا : أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟ وثانيا : إنه بمجرد أن علم أحمد بن حنبل بأن الرجل يحدث


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) الإمام الثقة القدوة ، من رجال الصحيحين . سير أعلام النبلاء 7 / 428 .
                ( 2 ) كتاب العلل والرجال 1 / 60 .
                ( 3 ) الإمام الناقد المجود سيد الحفاظ . سير أعلام النبلاء 9 / 192 .
                ( 4 ) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة .
                ( 5 ) تهذيب التهذيب 2 / 291 . ( * ) .


                في الشيخين ، وبأنه صنف مثل هذه الأحاديث في كتاب ، سقط من عين أحمد وأصبح كذابا لا يعتمد عليه ولا يروى عنه ! مورد آخر : في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي : قال أبو حاتم : روى في مثالب معاوية فمزقنا ما كتبنا عنه ( 1 ) .

                روى في مثالب معاوية فمزقنا ما كتبنا عنه ، فراحت تلك الروايات . وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب . ثم إنهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح ، ذكروا أنه كان يشتم أبا بكر وعمر ، لاحظوا

                هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ( 2 ) ، وبترجمة تليد بن سليمان ( 3 ) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ( 4 ) ، وغير هؤلاء . ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شئ أو أشياء ، مما


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27 .
                ( 2 ) تهذيب التهذيب 1 / 274 .
                ( 3 ) تهذيب الكمال 4 / 322 .
                ( 4 ) تهذيب التهذيب 2 / 82 - 83 . ( * )

                أدى وسبب في أن يجوزوا لأنفسهم أن يشتموا ويسبوا ؟ وأين تلك القضايا وما هي ؟ وأما ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية ، فكثير جدا ، وأعتقد أنه لا يحصى لكثرته .

                ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث ، يقول زائدة بن قدامة - ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث - : متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ) ؟ ! ( 1 ) .

                وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة ، جاء أحدهم - وهو الحافظ المحدث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي - فألف كتابا في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه ، فلما سئل عن ذلك ، قال بلفظ العبارة : إنما

                قصدت كف الألسنة عن لعن الخلفاء ( 2 ) . حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصه : فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) تهذيب التهذيب 3 / 264 . ( 2 ) سير أعلام النبلاء 21 / 161 ( * ) .


                ويزيد ؟ قلنا : تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ( 1 ) .

                حتى جاء كتاب عصرنا ، فألفوا في مناقب يزيد ، وألفوا في مناقب الحجاج ، وألفوا في مناقب هند ! ! وإني أعتقد أنهم يعلمون بأن هذه المناقب والفضائل ، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم ، كله كذب ، وإن هؤلاء يستحقون اللعن ،

                إلا أن الغرض هو إشغال الكتاب والباحثين والمفكرين وسائر الناس بمثل هذه الأمور ، ولكي لا يبقى هناك مجال لأن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى .

                ومن هنا نفهم : إن محاربتهم لقضايا الحسين ( عليه السلام ) ومحاربتهم لمآتم الحسين ( عليه السلام ) ولقضايا عاشوراء ، كل ذلك ، لئلا يلعن يزيد ، ولئلا ينتهى إلى الأعلى فالأعلى .


                * ( هامش ) *
                ( 1 ) شرح المقاصد 5 / 311 ( * ) .

                تعليق


                • #38
                  المطلب الثامن : أحقاد قريش وبني أمية على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام )

                  وهنا ننقل بعض الشواهد على أحقاد قريش وبني أمية بالخصوص ، وضغائنهم على النبي وأهل البيت ، حتى أنهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولما لم يتمكنوا من الانتقام من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه .


                  قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضروبا من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة علي ، اللهم احفظ حسنا وحسينا ،

                  ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ( 1 ) فيقول أمير المؤمنين : إن قريشا أضمروا لرسول الله ضروبا من


                  * ( هامش ) *
                  ( 1 ) شرح نهج البلاغة 20 / 298 ( * ) .


                  الشر والغدر وعجزوا عنها ، والله سبحانه وتعالى حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه ، إلى أن توفي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه ، كما أنه في هذا الكلام يشير بأن قريشا ستقتل الحسن والحسين أيضا انتقاما من النبي .


                  وقال ( عليه السلام ) في خطبة له : وقال قائل : إنك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتم - والله - أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به .


                  اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه ( 1 ) .


                  وفي كتاب له ( عليه السلام ) إلى عقيل : فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت قريشا عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن


                  * ( هامش ) *
                  ( 1 ) نهج البلاغة ، الخطبة : 172 ( * ) .



                  أمي ( 1 ) . وروى ابن عدي في الكامل في حديث : فقال أبو سفيان : مثل محمد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن ، فانطلق بعض الناس إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروا النبي ، فجاء ( صلى الله عليه وسلم ) - يعرف في وجهه

                  الغضب - حتى قام فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إلى آخر الحديث هذا في الكامل لابن عدي ( 2 ) بهذا النص ، والقائل أبو سفيان . وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضا في بعض المصادر الأخرى ، إلا أنهم رفعوا كلمة : فقال أبو سفيان ، ووضعوا كلمة : " فقال رجل " . لاحظوا مجمع الزوائد ( 3 ) .


                  وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : إنا نسمع من قومك ، حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد مثل نخلة نبتت في الكبا ( 4 ) . والكبا الأرض غير النظيفة .


                  * ( هامش ) *
                  ( 1 ) شرح نهج البلاغة 16 / 151 . ( 2 ) الكامل في الضعفاء 3 / 28 .
                  ( 3 ) مجمع الزوائد 8 / 215 . ( 4 ) مجمع الزوائد 8 / 215 . ( * ) .


                  لكن هذا الحديث أيضا في بعض المصادر محرف . ثم إن السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلا أقربية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فينتقمون منه انتقاما من النبي ، مضافا إلى مواقف أمير المؤمنين

                  ( عليه السلام ) في الحروب وقتله أبطال قريش ، وهذا ما صرح به عثمان لأمير المؤمنين في كلام له معه عليه الصلاة والسلام ، أذكر لكم النص الكامل .

                  ذكر الآبي في كتاب نثر الدرر - وهو كتاب مطبوع موجود - وعنه أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس قال : وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب ( 1 ) .


                  هذه هي الأحقاد والضغائن ، ولم يتمكنوا من الانتقام من رسول الله ، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وهكذا توالت القضايا ، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ، وانتقموا ، وانتقموا ، إلى يوم الحسين ( عليه السلام ) وبعد يوم الحسين ( عليه السلام ) . . وإلى اليوم . . . .


                  * ( هامش ) *
                  ( 1 ) شرح نهج البلاغة 9 / 22 ( * ) .

                  تعليق


                  • #39
                    المطلب التاسع : في بعض ما كان منهم مع علي والزهراء ( عليها السلام )


                    أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت ، ومن الطبيعي أن لا يصلنا كل ما وقع ، وأن لا تصلنا تفاصيل الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدثين والرواة ، ومع منعهم من نقل

                    الأحاديث المهمة ، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأي شكل من الأشكال . فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز والموانع ، لا نتوقع أن يصل إلينا كل ما وقع ، وإنما يمكننا

                    العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدثين وبعض المؤرخين . رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخبر أهل بيته بأن الأمة ستغدر بهم ، وأنهم سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي : سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته ، لأنها بضعته ، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي ، وإنما أبقاها هذه البضعة في هذه الأمة ليختبر الأمة ، وليظهروا ما في ضمائرهم .


                    ولم تطل المدة ، فقد وقع الاختبار ، وكانت المدة على الأشهر أشهر ، ثم عادت البضعة إلى رسول الله واتصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف ، وكل ذلك وقع . ولكننا لا نتوقع أن نعثر على كل تفاصيل تلك القضايا ، وحتى لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقية .


                    لقد رأيتم كيف يحرفون الروايات ، حتى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حق النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقعون أن يروي لنا الرواة كل ما حدث بعد رسول الله ، أو يتمكنالرواة من نقل كل ما حدث ؟ وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الأكيد ، ومن ذلك الإرعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطراف من أخبار ما وقع . ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلا من أهم مصادر أهل السنة ، ولا نتعرض لما ورد في كتبنا أبدا ، وحتى أنا ننقل - قدر الإمكان - عن أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلفة في القرون المتأخرة . فهنا مسائل :

                    تعليق


                    • #40
                      المسألة الأولى مصادرة ملك الزهراء ( عليها السلام ) وتكذيبها

                      وإننا نعتقد بأن تكذيب الزهراء ( عليها السلام ) من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أن أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين ( عليه السلام ) قرأ جملة : دخلت زينب على ابن زياد وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير

                      الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنا نريد أن نؤدي حق هذه الجملة : دخلت زينب على ابن زياد وهذه مصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! ! مجرد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول

                      قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :

                      أولا : لقد كانت فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن رسول الله أعطى فاطمة فدكا ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة . وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .

                      أما من أهل السنة : فقد أخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت الآية
                      ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكا .

                      وهذا الحديث أيضا مروي عن ابن عباس . تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدثين في الدر المنثور ( 1 ) .


                      ومن رواته أيضا : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم . ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نص ابن تيمية في منهاج السنة على أنه خال من الموضوعات ( 2 ) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيمية خال من


                      * ( هامش ) *
                      ( 1 ) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177 . ( 2 ) منهاج السنة 7 / 13 ( * ) .


                      الموضوعات ، فهؤلاء عدة من رواة هذا الخبر . وقد أقر بكون فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ، وأن فدكا كانت عطية منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكا ( 1 ) .


                      فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر . فلماذا انتزعها ؟ وبأي وجه ؟ لنفرض أن أبا بكر كان جاهلا بأن الرسول أعطاها وملكها ووهبها فدكا ، فهلا كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟


                      وثانيا : لو كان أبو بكر جاهلا بكون فدك ملكا لها ، فهل كان يجوز له أن يطالبها بالبينة على كونها مالكة لفدك ؟ إن هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنه كان له الحق في أن يطالبها البينة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله

                      عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإن علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر


                      * ( هامش ) *
                      ( 1 ) الصواعق المحرقة : 31 ( * ) .


                      يقولون : لعله كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد ( 1 ) .

                      نقول : لكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل شهادة الواحد - وهو خزيمة ذو الشهادتين - وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد الله بن عمر ،

                      وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنه في جامع الأصول لابن الأثير : قضى بشهادة واحد وهو عبد الله بن عمر ( 2 ) . أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد الله بن عمر في نظر النبي ؟


                      وثالثا : لو سلمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أن أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلا طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلا طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشاهد ويمين .

                      راجعوا صحيح مسلم في كتاب الأقضية ( 3 ) ، وراجعوا صحيح أبي داود ( 4 ) بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على


                      * ( هامش ) *
                      ( 1 ) شرح المواقف 8 / 356 .
                      ( 2 ) جامع الأصول 10 / 557 .
                      ( 3 ) صحيح مسلم 5 / 128 .
                      ( 4 ) صحيح أبي داود 3 / 419 ( * ) .


                      النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمال . وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعله لم ير الحكم بشاهد ويمين ( 1 ) .

                      نقول : فكان عليه حينئذ أن يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟ وهذا كله بغض النظر عن عصمة الزهراء ، بغض النظر عن عصمة علي ( عليه السلام ) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضية كقضية حقوقية يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية .

                      وأيضا ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضا أم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنها من أهل الجنة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن حجر ( 2 ) . ثم نقول : سلمنا ، إن فاطمة وأهل البيت غير

                      معصومين ، وسلمنا أن فدكا لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ، فلا ريب أن الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟ ! تنزلنا عن كونها بضعة رسول الله ، تنزلنا عن كونها معصومة ، لا إشكال في أنها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماما لقضية الزهراء ، وقد رتب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدقه في دعواه . هذا كله بعد التنزل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن ، وبعد التنزل عن كون فدك ملكا لها في حياة النبي


                      * ( هامش ) *
                      ( 1 ) شرح المواقف 8 / 356 . ( 2 ) الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 432 ( * ) .

                      تعليق


                      • #41
                        استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثم لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية : أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله الأنصاري : إنه لما جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لي

                        : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثم حثوت لك ثم حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدم فخذ بعددها . فنقول : رسول الله

                        يس في هذا العالم ، يدعي جابر أن رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إن رسول الله

                        قال لي كذا ، ورتب أبو بكر الأثر على قوله وصدقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد . هذه هي القضية ، وتأملوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .
                        فلاحظوا ما يقوله شراح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أن يصدق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثم أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادعاه ، ولم يطلب منه بينة ، ولا يمينا ! !

                        لاحظوا ماذا يقولون ! ! يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأما تصديق أبي بكر جابرا في دعواه ، فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، فهو وعيد ، ولا يظن بأن مثله - مثل جابر - يقدم على هذا ( 1 ) .


                        فإذا كنتم لا تظنون بجابر أن يقدم على هذا الشئ ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنون كونه صادقا في دعواه ، فهلا ظننتم هذا الظن بحق الزهراء - بعد التنزل عن كل ما هنالك كما كررنا - وقد فرضناها مجرد صحابية كسائر الصحابة !

                        ثم لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [ لو هذه وصلية ] جر ذلك نفعا لنفسه ( 2 ) .


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125 . ( 2 ) فتح الباري في شرح البخاري 4 / 375 ( * ) .

                        فالحديث يدل على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه ، وهلا فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأن رسول الله نحلني فدكا ، أعطاني فدكا ، ملكني فدكا ! !


                        ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت : إنما لم يلتمس شاهدا منه - أي من جابر - لأنه عدل بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ،

                        فمثل جابر إن لم يكن من خير أمة فمن يكون ؟ وأما السنة فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمدا . . . لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلا عن صحابي أن يكذب على رسول الله متعمدا ( 1 ) .

                        فكيف نظن بجابر هكذا ؟
                        فكان يجوز لأبي بكر أن يصدق جابرا في دعواه ، فلم لم يصدق الزهراء في دعواها ؟
                        وهل كانت أقل من جابر ؟
                        ألم تكن من خير أمة أخرجت للناس ؟
                        أيظن بها أن تتعمد الكذب على رسول الله ؟
                        وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلا عن صحابي أن يكذب متعمدا على رسول الله ؟

                        أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصديقة الطاهرة سلام


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) عمدة القاري في شرح البخاري 12 / 121 ( * )
                        .

                        الله عليها ، بعد التنزل عن كل ما هنالك ، وفرضها واحدا أو واحدة من الصحابة فقط ؟
                        ما الفرق ؟
                        لماذا يعطى جابر ؟
                        ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟
                        ولماذا لا يكذب جابر بل يصدق ويترتب الأثر على قوله بلا بينة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟

                        إذن ، هناك شئ آخر . . . إذن ، من وراء القضية - قضية الزهراء - شئ آخر . . . فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها . . . ثم جاءت مرة أخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لأن فدكا أرض لم

                        يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع ، وكل ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالإجماع ، وكل ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنه لوارثه من بعده بالإجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الإرث بالإجماع .


                        هذه مقدمات أربع ، وكلها مترتبة متسلسلة .

                        أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - واللفظ للأول - إن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما
                        يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ،

                        فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ( 1 ) .


                        وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيام ، وخطبتها سلام الله عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيام ، وهنا أيضا نسأل ونتسائل فنقول : كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن

                        عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكا للزهراء ، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أن الأنبياء لا يورثون مقبولا ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضية ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطرابا فاحشا ، وكان أوجه حل للقضية أن يقال بأن الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ( * ) .





                        النقطة الأولى : كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتى أبو بكر لم يسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟


                        النقطة الثانية : كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهن من الإرث ! هلا قال لهن عثمان - في الأقل - إن رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلغه طلب الزوجات ؟


                        وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : إن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه

                        المسألة ، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يورث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة ؟ ( 1 ) .


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) التفسير الكبير 9 / 210 ( * ) .


                        النقطة الثالثة : إنه لو تنزلنا عن كل ذلك ، فإن دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لأنهم ينصون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجية خبر الواحد ، ومثلوا بهذا الخبر من جملة ما مثلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى :

                        مختصر ابن الحاجب ( 1 ) ، والمحصول في علم الأصول ( 2 ) للفخر الرازي ، والمستصفى في علم الأصول ( 3 ) للغزالي ، والإحكام في أصول الأحكام ( 4 ) للآمدي ، وكشف الأسرار في شرح أصول البزدوي ( 5 ) للبخاري ،

                        وغير هذه الكتب . مضافا إلى هذا ، هناك في الأحاديث أيضا شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلا : كتاب كنز العمال ( 6 ) .

                        وحتى المتكلمون أيضا يقرون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا : شرح المواقف ، ( 7 ) وشرح المقاصد ( 8 ) ، بل أقول في


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) المختصر في علم الأصول 2 / 59 بشرح العضد .
                        ( 2 ) المحصول في علم الأصول 2 / 85 .
                        ( 3 ) المستصفى في علم الأصول 2 / 121 .
                        ( 4 ) الإحكام في أصول الأحكام 2 / 75 و 348 .
                        ( 5 ) كشف الأسرار 2 / 688 .
                        ( 6 ) كنز العمال 12 / 605 ح 14071 .
                        ( 7 ) شرح المواقف 8 / 355 .
                        ( 8 ) شرح المقاصد 5 / 278 ( * ) .


                        النقطة الرابعة : إن أبا بكر أيضا ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنه منفرد به ، بل إن هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعا عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضية لم يكن عنده جواب ، حتى بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ

                        عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش ، إنه يقول : هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان . وهو الراوي للقصة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 ه‍ الذي ألف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتهم مالك بن أوس بالكذب ( 1 ) .


                        فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كل كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .

                        لاحظوا كيف يتهجم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه ، فإنه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) الكامل في الضعفاء 5 / 518 ( * ) .


                        والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [ وكأن الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم ! ! ] فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزين ومشغرى ( 1 ) .

                        هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزين ومشغرى ! ! فظهر أن هذه القضية - قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت - من جملة القضايا التي أخبر عنها

                        رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإن الفؤاد ليقطر دما عندما يكتب الإنسان الحر الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أريد أن أسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .


                        * ( هامش ) *
                        ( 1 ) تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 ( * )

                        تعليق


                        • #42
                          المسألة الثانية : إحراق بيتها ( عليها السلام )

                          وقد ذكرنا أن القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث ، وجزئيات الأمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقعون أن ينقل لكم البخاري أن فلانا وفلانا وفلانا أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟ ! بهذا اللفظ تريدون ؟ ! لقد وجدتم البخاري ومسلما وغيرهما يحرفون الأحاديث التي ليس لها من الحساسية والأهمية ولا عشر معشار ما لهذه المسألة .


                          إن إحراق بيت الزهراء من الأمور المسلمة القطعية في أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلفينا ، ومن أنكر هذا أو شك فيه أو شكك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائنا من كان . أما في كتب أهل السنة ، فقد جاءت القضية على أشكال ، وأنا قد رتبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيبا ، حتى لا يضيع عليكم الأمر ولا يختلط ، وحتى تكونوا على يقظة مما يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإن القدر الذي ينقلونه أيضا يتلاعبون به ، أما الذي لم ينقلوه ، أما الذي منعوا عنه ، أما الذي تركوه عمدا ، فذاك أمر آخر ، فالذي نقلوه كيف نقلوه ؟

                          وسأذكر لكم ما يتعلق بهذه المسألة تحت عناوين :


                          1 - التهديد بالإحراق : بعض الأخبار والروايات تقول بأن عمر بن الخطاب قد هدد بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب المصنف لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفى سنة 235 ه‍ ، يروي هذه القضية بسنده عن

                          زيد بن أسلم ، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر ، يقول : حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب ، خرج حتى دخل على

                          فاطمة فقال : يا بنت رسول الله ، والله ما أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ( 1 ) .

                          وفي تاريخ الطبري بسند آخر : أتى عمر بن الخطاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير [ هذه نقاط مهمة حساسة لا تفوتنكم ، في البيت كان طلحة أيضا ، الزبير كان من أقربائهم ، أما طلحة فهو تيمي ] ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه ( 2 ) .


                          وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد . لكن بعض كبار الحفاظ منهم لم تسمح له نفسه لأن ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب الإستيعاب لابن عبد البر ، فإنه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزار بنفس السند الذي عند

                          ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه : إن عمر قال لها : ما أحد أحب إلينا بعده منك ، ثم قال : ولقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلن


                          * ( هامش ) *
                          ( 1 ) المصنف لابن أبي شيبة 7 / 432 . ( 2 ) تاريخ الطبري 3 / 202 ( * ) .


                          ولأفعلن ( 1 ) . نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أن ينقلوا لكم إنه أحرق الدار بالفعل ؟ وأي عاقل يتوقع من هؤلاء أن ينقلوا القضية كما وقعت ؟ إن من يتوقع منهم ذلك إما جاهل وإما يتجاهل ويضحك على نفسه ! !


                          2 - المجئ بقبس أو بفتيلة : وهناك عنوان آخر ، وهو جاء بقبس أو جاء بفتيلة هذا أيضا أنقل لكم بعض مصادره : روى البلاذري المتوفى سنة 224 في أنساب الأشراف بسنده : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ ! قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ( 2 ) .


                          وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المتوفى سنة 328 : وأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر


                          * ( هامش ) *
                          ( 1 ) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 975 . ( 2 ) أنساب الأشراف 1 / 586 ( * ) .


                          [ ولم يكن عمر هو الذي بادر ، بعث أبو بكر عمر بن الخطاب ] ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة ( 1 ) .


                          أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمل لتروا الفوارق والتصرفات .

                          وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة 732 ه‍ في المختصر في أخبار البشر الخبر إلى : وإن أبوا فقاتلهم ، ثم قال : فأقبل عمر بشئ من نار على أن يضرم الدار ( 2 ) .


                          3 - إحضار الحطب ليحرق الدار وهذا هو العنوان الثالث ، ففي رواية بعض المؤرخين : أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي ( مروج الذهب ) وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير ، إنه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب ليحرقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد الله


                          * ( هامش ) *
                          ( 1 ) العقد الفريد 5 / 13 . ( 2 ) المختصر في أخبار البشر 1 / 156 ( * ) .


                          ابن الزبير : بأن عمر أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلف عن البيعة لأبي بكر ( 1 ) . أحضر الحطب هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون جاء بشئ من نار فالحطب حاضر ، والنار أيضا جاء بها ، أتريدون أن يصرحوا بأنه وضع

                          النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرحوا بهذه الكلمة ولن يصرحوا ! نبقى في شك أو نشكك في هذا الخبر ، الخبر الذي قطع به أئمتنا ، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟ ! !


                          4 - المجئ للإحراق : وهذه عبارة أخرى : إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه أو ليحرقه . وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة 882 ه‍ ، وكتابه مطبوع على هامش

                          بعض طبعات الكامل لابن الأثير - وهو تاريخ معتبر - يقول : إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أدخلوا فيما دخلت فيه الأمة .


                          * ( هامش ) *
                          ( 1 ) مروج الذهب 3 / 86 ، شرح ابن أبي الحديد 20 / 147 ( * ) .


                          هذا ، وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي ، في أخبار السقيفة ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد ابن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : والله ما بايع علي

                          حتى رأى الدخان قد دخل بيته . كتاب السقيفة لهذا المحدث الكبير لم يصلنا ، نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة .

                          وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي المتوفى سنة 280 أو 283 ه‍ - نرى من مؤلفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنة ولم يجرحوه بجرح أبدا ، غاية ما هناك قالوا : رافضي

                          . نعم هو رافضي ، ألف كتاب السقيفة وألف كتاب المثالب ، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسندا عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته . ومما يدل على صحة روايات هذا الشخص - إبراهيم بن

                          محمد الثقفي - ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال : لما صنف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ،
                          فقال : أي البلاد أبعد عن التشيع ؟ فقالوا له : إصفهان - إصفهان ذاك الوقت - ، فحلف أن يخفيه ولا يحدث به إلا في إصفهان ثقة منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحول إلى إصفهان وحدث به فيها ( 1 ) .


                          ذكره أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان . في هذه الرواية : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، صرحوا بالحطب صرحوا بالنار صرحوا بالقبس صرحوا بالفتيلة صرحوا بكذا وكذا ،

                          إلا أنهم يتجنبون التصريح بكلمة إنه وضع النار على الحطب ، وتريدون أن يصرحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا
                          يريدون أن يبقوا أحياء ؟ إن ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأن يرووا أكثر من هذا ، ومن جهة أخرى ، كانوا يعلمون بأن القراء

                          لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر مما يقولون ، ويستشمون من هذا الذي يذكرون الأمور الأخرى التي لا يذكرون ، أتريدون أن يقولوا بأن ذلك وقع بالفعل ويصرحوا به تمام التصريح ، حتى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكون أو تشككون ، هذا والله لعجيب !


                          * ( هامش ) *
                          ( 1 ) لسان الميزان 1 / 102 ( * ) .

                          تعليق


                          • #43
                            المسألة الثالثة : إسقاط جنينها ( عليها السلام )


                            وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدا ، يعرف ذلك كل من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم . لقد نصت رواياتهم على أنه كان لعلي ( عليه السلام ) من الذكور ثلاثة أولاد : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسن أو محسن ، وكان رسول

                            الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد سمى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيها بأسماء أولاد هارون : شبر شبير ومشبر ، وهذا موجود في : مسند أحمد ( 1 ) ، وموجود في المستدرك وقد صححه الحاكم ( 2 ) ، والذهبي أيضا صححه ( 3 ) ، وموجود في مصادر أخرى .


                            * ( هامش ) *
                            ( 1 ) مسند أحمد 1 / 118 . ( 2 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 165 . ( 3 ) المستدرك على الصحيحين . ذيله ( * ) .


                            فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم . . . فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثم يختلفون ، أتريدون أن يصرحوا تصريحا واضحا لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟ ! إنه في القضايا الجزئية البسيطة

                            يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضية تتوقعون أن يصرحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحملوا ما تحملوا .


                            أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 ه‍ . قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [ أصبح شيعيا ! ! ] محدث الكوفة ، حدث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن

                            مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكي ، وأبو الحسن ابن الحمامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون . كان موصوفا بالحفظ والمعرفة ، إلا أنه يترفض [ لماذا يترفض ؟ ] قد ألف في الحط على بعض الصحابة ( 1 ) . لا يقول أكثر من هذا : ألف في الحط على بعض الصحابة ، فهو إذن يترفض .


                            * ( هامش ) *
                            ( 1 ) سير أعلام النبلاء 15 / 576 ( * ) .




                            ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الاعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي ( 1 ) فيقول : قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ - بعد أن أرخ موته - كان مستقيم

                            الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ( 2 ) . كان مستقيم الأمر عامة دهره ، لكنه في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو - إذن -

                            خارج عن الاستقامة ! ! أتذكر أن أحد الصحابة وهو عمران بن حصين - هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إن الملائكة كانت تحدثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه ( 3 ) - هذا الشخص عندما دنا أجله ،

                            أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدثه عن رسول الله بمتعة الحج - التي حرمها عمر بن الخطاب وأنكر عليه تحريمها - ثم شرط عليه أنه إن عاش فلا ينقل ما حدثه به ، وإن


                            * ( هامش ) *
                            ( 1 ) سير أعلام النبلاء 14 / 309 . ( 2 ) ميزان الاعتدال 1 / 139 . ( 3 ) الإصابة في معرفة الصحابة 3 / 26 ( * )
                            .

                            مات فليحدث ( 1 ) . نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ! ! ثم في آخر أيامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يقرأ له المثالب ومنها هذا

                            : دخلت عليه ورجل يقرأ فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضا ، اتفق أن دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلا يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتى إذا مات ، أو حتى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمر عمره .


                            ورجل آخر هو : النظام ، إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي المتوفى سنة 231 ه‍ . هذا أيضا ينص على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلا جليلا ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في


                            * ( هامش ) *
                            ( 1 ) نص الخبر : عن مطرف قال : بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : إني محدثك بأحاديث ، لعل الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث بها إن شئت ، إنه قد سلم علي ، واعلم أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد جمع

                            بين حج وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء . راجع باب جواز التمتع من الصحيحين ، وهو في المسند 4 / 434 ( * ) .


                            المسائل الكلامية ، تذكر في الكتب ، وربما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذة ، إلا أنه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنه كان يقول : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .


                            وممن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصفدي في الوافي بالوفيات ( 1 ) ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين . وممن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرف .


                            ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه‍ ينقل عن كتاب المعارف قوله : إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي ( 2 ) . أما في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق ! ! فلفظه : أما محسن بن علي فهلك وهو صغير ( 3 ) . وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول :


                            [COLOR="plum"]* ( هامش ) *
                            ( 1 ) الملل والنحل 1 / 59 ، الوافي بالوفيات 6 / 17 . ( 2 ) مناقب آل أبي طالب 3 / 358 . ( 3 ) المعارف : 211 ( * ) .



                            مات طفلا ( 1 ) . لكن البعض الآخر منهم - وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب منها نزل الأبرار فيما صح من مناقب أهل البيت الأطهار ، يقول بأنه مات صغيرا ( 2 ) .


                            وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه - حيث حدثه قضية هبار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأن هذا الرجل روع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها - قال شيخه : لما ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبار

                            لأنه روع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لا بد أنه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .

                            هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد . فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أن فاطمة روعت فألقت محسنا ؟ فقال : لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه ( 3 ) . نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتهمون .


                            * ( هامش ) *
                            ( 1 ) ذكرة خواص الأمة : 54 .
                            ( 2 ) نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار : 74 .
                            ( 3 ) شرح نهج البلاغة 14 / 192 ( * ) .

                            تعليق


                            • #44
                              المسألة الرابعة : كشف بيتها ( عليه السلام )


                              وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الأمور المسلمة التي لا يشك ولا يشكك فيها أحد حتى ابن تيمية ، ولو أن أحدا شك ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيمية ، فكيف لو كان يدعي التشيع أو يدعي كونه من ذرية رسول الله وفاطمة الزهراء ؟


                              ورووا عن أبي بكر أنه قال قبيل وفاته : إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن ووددت أني تركتهن ، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله . وهذا حديث مهم جدا ، والقدر الذي نحتاج إليه الآن : أولا : قوله : وددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد غلقوه على الحرب .

                              ثانيا : قوله : وددت أني كنت سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد . أترونه صادقا في تمنيه هذا ؟ ألم يكن ممن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟ وأما هذا الخبر - خبر تمنيه هذه الأمور - ففي : تاريخ الطبري ،

                              وفي العقد الفريد لابن عبد ربه ، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام المحدث الحافظ الكبير الإمام ، وفي مروج الذهب للمسعودي ، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة ( 1 ) .


                              ولكن هنا أيضا يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الأموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أني لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا . يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا ! ! أتريدون أن ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممن تريدون هذا ؟ وممن تتوقعون ؟ .

                              أما ابن تيمية ، فلا ينكر أصل القضية ، ولا ينكر تمني أبي بكر ،


                              * ( هامش ) *
                              ( 1 ) كتاب الأموال : 131 ، الإمامة والسياسة 1 / 18 ، تاريخ الطبري 3 / 430 ، العقد الفريد 2 / 254 ( * ) .


                              وإنما يبرر ! ! لاحظوا تبريره هذه المرة يقول : إنه كبس البيت لينظر هل فيه شئ من مال الله الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين ! ! وكذلك يفعلون ! ! وكذلك يقولون ! ! ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنهم فعلوا ما فعلوا ! !

                              تعليق


                              • #45
                                قضايا أخرى وبقيت أمور أتعرض لها باختصار :


                                الأمر الأول : إن فاطمة سلام الله عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نص الحديث عن عائشة . أترون أنها ماتت بلا إمام ؟
                                ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟
                                وماتت ميتة جاهلية وهي التي فضلوها على أبي بكر وعمر ؟
                                وهي التي قالوا بأن إيذاءها كفر ومحرم ؟
                                ماتت بغير إمام ميتة جاهلية ؟
                                أيقولها أحد ؟
                                فمن كان إمامها ؟

                                الأمر الثاني : إن عليا ( عليه السلام ) لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها .
                                وأنتم تعلمون أن الصلاة على الميت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحق لأحد أن يتقدم للصلاة على ميت إلا بإذن خاص ، ولذا لما دفنوا عبد الله بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمار بن ياسر وضرب عمار لهذه الغاية ، ولهذا السبب ، وله نظائر كثيرة . فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزا وعلامة لرفض إمامته وخلافته . ولكن القوم يعلمون بهذا ، القوم يعلمون بأن عدم صلاة أبي بكر على الزهراء

                                دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثا بأن عليا أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدة من الأصحاب وصلوا على الزهراء ، واقتدى علي بأبي بكر في تلك الصلاة ، وكبر أبو بكر أربعا في تلك الصلاة ! ! لاحظوا الكذب ! !
                                أنقل لكم هذا النص : قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ، [ هذا الشخص أحد الضعفاء ] أتى عن مالك [ مالك بن أنس ] بمصائب منها : عن جعفر بن محمد . يتقولون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت أنفسهم ! وكم له من نظير ، ولي مذكرات من هذا القبيل ، إنهم كثيرا ما يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمد بن الحنفية ينقلون كثيرا من الأشياء ، عندي مذكرات في هذا الباب .


                                وهذا الخبر : عن جعفر بن محمد يرويه عن أبيه الباقر عن جده قال : توفيت فاطمة ليلا ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدم فصل ، قال لا ، لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله ، فتقدم أبو بكر وكبر أربعا ( 1 ) . هذا من مصائب أمتنا ، أن لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات .


                                الأمر الثالث : وكان دفنها ليلا بوصية منها ، لتبقى مظلوميتها على مدى التأريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام الله عليها .

                                * ( هامش ) *
                                ( 1 ) لسان الميزان 3 / 334 ( * ) .

                                يقول ابن تيمية في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلا . ولكن فاطمة أوصت أن تغسل ليلا وأن تدفن ليلا ، وأن لا يخبر أحد ممن آذاها .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X