ما وراء صمت السنة في لبنان!..
كتب عمر الشادي [1]:
منذ أن تم إقرار "قانون محاسبة سوريا" بهدف معاقبة دمشق نتيجة سياسة الممانعة التي تنتهجها في وجه "المشاريع الشرق أوسطية"، وحيث إن الجيش الأميركي يعاني الأمرّين في العراق فإن من المغامرة بقدر كبير أن تدخل الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية جديدة غير مضمونة النتائج، ظهر جليا أن لبنان سيكون الساحة الميدانية الأولى لتداعيات تصفية الحسابات الأميركية السورية، يؤكد ذلك اشتمال القانون على فقرتين، تدعو أولاهما إلى انسحاب فوري للجيش السوري من لبنان، بينما تطالب الثانية الحكومتين السورية واللبنانية بـ "بدء مفاوضات ثنائية جدية من دون شروط" مع الحكومة الإسرائيلية!..
ولكي تتمكن الإدارة الأميركية من البدء بتنفيذ القانون "المؤامرة" كان لا بد من توفّر عوامل ابتزاز الطائفة السنية بغية تحويل خياراتها الوطنية والقومية، لما لها من وزن في الشارع السني في لبنان، الساحة التي اختارت إدارة الصقور أن تكون منطلقا لمشروعها "الشرق أوسطي" الذي يبدأ بدوره بمعاقبة سوريا وتحجيم نفوذها وقدراتها، فكان قرار مجلس الأمن الدولي رقم [1559] ومن ثم الضغط على الحريري –الأب- لمعارضة التجديد للرئيس "إميل لحود" بغية ضرب جدار العلاقة بين الحريري وسوريا والتي كانت حتى وقت قصير في أحسن حالاتها!..
ودخل عنصر ابتزاز الطائفة السنية في لبنان قيد التفعيل مع دويّ الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ومرافقيه، عندما شعر الشارع السني بالاستهداف المطبق فهرع 60% من ناخبيه إلى صناديق الاقتراع –بحسب مركز البحوث- لانتخاب موظفي سعد الدين الحريري مع مواكبة إعلامية تعبوية وصلت إلى حد إقحام مشايخ دار الفتوى اللبنانية –في سابقة مستهجنة أخرى- للمشاركة في الدعوة من على المنابر لانتخاب لائحة الحريري!، مما سمح للأخير باحتكار التمثيل النيابي –البرلماني- للطائفة السنية في سابقة فريدة من التاريخ السياسي اللبناني!..
بكل حال قام المجلس النيابي الجديد في ظل نظام انتخابي -باطل الصلاحية- بينما كان الشارع السني ينتظر من المجلس الجديد السعي الصادق لكشف "الحقيقة الكاملة" لقتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وإذ بالأكثرية الوهمية تستكمل ابتزاز الطائفة السنية –ابتداء من مشروع القانون الأول- حيث عمدت إلى إطلاق سراح المدعو سمير جعجع والمدان بأحكام قضائية عديدة أبرزها وقوفه وراء اغتيال رئيس الوزراء "السني" الأسبق رشيد كرامي!..
ولم ينفع في إيقاف كل ذلك اعتراض رئيس الوزراء السابق عمر كرامي ولا تصريح رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص والذي وصف فيه القانون بـ: "الفضيحة" شيئا، بينما تولّت الماكينة الحريرية المستحدثة من استثمار وقائع التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري في إرهاب من تبقى من خصوم سياسيين في طرابلس وبيروت وصيدا والبقاع، وهكذا تم إسكات أبرز أصوات الشارع السني وبقوة! وتم اختصار القيادة السياسية للطائفة السنية فيمن يملك السلطة والمال والإعلام..
بعد ذلك استكملت الآلة الإعلامية الحريرية خطوات ابتزاز الطائفة السنية، حيث تولت مهمة إطلاق الشائعات المغرضة في صياغة شعارات المطالبة بـ "الحقيقة" وتحول بعض محرري هذه المؤسسات الإعلامية إلى مخبرين أو مسؤولي أمن قومي! بينما دفع مستشارو الحريري وكبيرو مخططي عصابة 14 ءاذار بالمحقق الألماني الدولي في قضية الاغتيال "ديتليف ميليس" إلى واقع الفشل والانحساب بعد سلسلة من الفضائح طالت مجريات تحقيقه المشبوه!..
بعد ذلك وخلال فترة ما عرف بـ "الحوار الوطني اللبناني" انشغلت العصابة الحريرية بإحكام القبضة على الوظائف المخصصة للطائفة السنية في سائر الدوائر الحكومية، ورغم السلطة المنقطعة النظير التي تتمتع بها العصابة الحريرية على ما يُسمى بالصعيدَين "التشريعي والتنفيذي" إلا أنها لم تتقدم بأي مشروع اقتصادي يرفع عن أكتاف "فقراء لبنان" الأعباء المعيشية التي يعاني منها "فقراء السنّة" على وجه خاص، بل وضعت كل ذلك رهن مجريات التحقيق الدولي باغتيال الحريري –الأب- والذي قد يستمر سنين متطاولة!، وللإنصاف، باستثناء بعض شعارات "بحبك يا لبنان" على قاعدة "الحكي ببلاش" و"خليك بالبيت"، وذلك بهدف المحافظة على جهوزية ماكينة التظاهرات الكبرى، حيث يتم دفع خمسين دولارا عن كل فرد لجرّ مجموعات "الفقراء" إلى تظاهرات يخطب فيها سمير جعجع ووليد جنبلاط قائلان: "سوريا عدوّتنا الوحيدة"! و"البحر من أمامكم وسوريا من ورائكم"!
ولماذا قامت الماكينة الإعلامية الحريرية بالندب واللطم بعد إعلان الجيش اللبناني القبض على عصابات الموساد اللبنانية التي تم إلقاء القبض عليها مؤخرا والتي اعترفت بالقيام بالكثير من عمليات التفجير التي كان عملاء 14 ءاذار يوجهون أصابع الاتهام فيها إلى سوريا كل مرة!
العروبة، مصطلح ينتمي إلى التاريخ البليد بحسب تلفزيون وجريدة المستقبل الحريريين، هذه الجريدة التي بقيت تتغنى بادعاءات "الشاهد الكاذب" حتى بعد ثبوت كونها إحدى أكبر فضائح تهريب الأدلة القضائية في فرنسا، والتي أتقنت توجيه الشتائم وتوزيع الافتراءات على مجمل الأطقم السياسية والتي بسببها باتت في قفص الاتهام القضائي بعد سلسلة من الدعاوى القانونية ضدها تسببت إحداها بهرب مسئول قسم التزوير و"الأمن الوقائي" السابق في تيار "المستقبل" المدعو "فارس خشان" إلى الخارج وتغيبه المتعمد عن حضور جلسات التحقيق الذي أجراه النائب العام التمييزي العام القاضي سعيد ميرزا، ولا يزال فارس خشان خارج البلاد حتى الساعة!..
تضييق اقتصادي متعمّد على فئات الشعب المقهور، عمليات شراء ضمائر المترددين وأصوات ذوي الحاجات الضرورية، توزيع الاتهامات المفتراة على الوطنيين والشرفاء، ولا تتوقف ممارسة ابتزاز الطائفة السنية، بل، وإثر اندلاع المواجهات بين المقاومة اللبنانية وجيش الاحتلال الاسرائيلي، وبينما لبنان كل لبنان يحترق بنار العنجهية الصهيونية التي صبت جام الغضب على الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء بعد إخفاقها في أرض الميدان امام صمود أبناء الجنوب، كانت الماكينة الإعلامية الحريرية والأبواق المأجورة تذيع الإشاعات المغرضة وتشغل الرأي العام السني في لبنان بالخطر الشيعي القادم: لماذا يدفع السنّة ثمن مغامرة شيعية؟ ماذا لو انتصرت المقاومة الشيعية؟ ماذا عن مستقبل سنّة لبنان في عراق ثان؟
ولكن المؤامرة سقطت والحمدلله، فلا الجيش الاسرائيلي تمكن من تحقيق انتصار ميداني على فلول المقاومة، ولا أبناء الطائفة السنية استجابو لنداء الفتنة الطائفية، بل إن الأجواء تبشر باستفاقة –وإن متأخرة- في مجمل احياء الشارع السني السياسي، الأمر الذي يترجم تبني إعلام الحريري –مؤخرا- الانتصار الكبير الذي سجلته المقاومة اللبنانية في الجنوب حتى إنه ليخطر للقارئ أن سعد الحريري ووليد جنبلاط كانا يقودان المقاتلين على الخطوط الأمامية المتقدمة في جبهة المواجهة في الحرب العربية-الاسرائيلية السادسة!
يريدون منا أن نصدق أن بلادنا تتعرض لهجوم فارسي، وأن سوريا جزيرة في خليج فارس، وأن القدس سقطت بعد ثورة الخميني في إيران، وأن مطامع الصهيونية توقفت عند الخط الأزرق بعد أن كانت توقفت عند الخط الأخضر، وأننا مهددون بالنموذج العراقي، وجوابنا لهم أن الاميركيون هم الذين دمروا العراق وهم الذين يقتلون في العراق وهم الذين يقتلون الأطفال في قانا والجنوب اللبناني.
وحيث رفضنا خيار العمالة والتزمنا الدفاع عن قضايانا العادلة، يطلبون منا اليوم أن نقف على "وهم" الحياد في صراع القوى الكبرى حرصا على حماية لبنان من الحروب التي يريدون إرهابنا بـ"سراب" زلازلها المدمرة التي تلوح غي أفق مشروعم "الشرق أوسطي".
المقاومة اللبنانية تستثمر الدعم الإيراني-السوري في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية التي تتجدد مع كل إشراقة شمس –أو مغيبها- على لبنان في البر والبحر والجو، فهلاّ أخبرنا منظّرو 14 ءاذار عن كيفية استثمارهم للدعم الأميركي-السعودي لهم!
منذ متى كانت علاقات حسن الجوار بين الأشقاء تشكل تجريحا بـ"السيادة" التي يرفعون شعارها!، ولماذا لم تنجرح هذه "السيادة" عندما قام السفير الأميركي "فيلتمان" بتأخير البيان الصحفي لوزير الدفاع اللبناني عقب الإعلان عن اكتشاف شبكات العمالة للموساد!
لماذا لم تنجرح هذه "السيادة" المزعومة مع كل تصريح يطلقه صاحب البيت "الأسود" عندما يطالب بتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها، أم أن هذا ليس تدخلا في الشؤون اللبنانية الداخلية!؟
لماذا لم نسمع منهم سيمفونية "السيادة" المزعومة التي يعزفونها ليل نهار عندما انتقدت الحكومة السعودية ما أسمته بمغامرة المقاومة اللبنانية أم أن هذا ليس من نوع التدخل الممقوت في الشؤون اللبنانية الداخلية رغم أنها صدرت في وقت كان لبنان خلاله يخوض حربا ضد الكيان الصهيوني وبحتاج كل دعم سياسي ومعنوي!
نعم، قبل أن يقولها الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير، كنا نحن "السنّة" في لبنان نقول: "14 ءاذار فشلت، والعمالة منتج إسرائيلي".
توقفت عمليات ابتزاز الطائفة السنية أو لم تتوقف، فإنها لن تعدم حيلة في التخلص من كل هذه القيود المخرسة ليعود صوتها –كما كان دائما- تعبيرا عن ضمير العروبة والمواقف الوطنية في لبنان.
[1]: رئيس تحرير أسبوعية الحياة العربية في أستراليا - رسالة عبر الإيميل الإلكتروني.