بسم الله الرحمن الرحيم
كَثُرَ الجدلُ حول معنى قوله تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" الوارد في الآية الشريفة:
"ذلك الذي يُبشِّر اللهُ عبادَه الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسناً إن الله غفور شكور".[1]
واختلف المفسرون حول تأويل كلمة "القربى" اختلافاً كبيراً، لا سيما بين السنة والشيعة مع ورود أحاديث ــ عند الطرفين ــ تفيد اختصاصها بآل محمد (ص)!
وقد ذُكر أوجهٌ لمعاني "القربى" في تلك الآية الكريمة، هي:
الأول: الخطاب كان من النبي محمد ــ ص ــ لقريش بمعنى: أن تودوني لقرابتي منكم.
والثاني: أن تودوا أقاربي.
والثالث: أن تودوا إلى الله فيما يقربكم إليه من التودد إليه بالعمل الصالح..
وقد رجَّح أكثر مفسريّ "أهل السنة والجماعة" الوجهَ الأول استناداً لِما في الصحيح ــ عندهم ــ من أحاديث تؤيد ذاك الوجه، وقال بعضهم بالوجه الثالث، وقال بعض آخَر بالوجه الثاني[2]؛ أما الشيعة فقد أجمعوا على الوجه الثاني.
ولعل الآية لا تحتاج إلى كبير عناء حتى تُفهم في سياقها الطبيعي، والبديهي، إذ يمكن أن يلتبس معنى "القربى" لأول وهلة، لكن ــ مع خلع قميص الهوى ونبذ التعصب لجهة بعينها ــ يتضح بمنتهى اليسر المرادُ من الآية الكريمة!
وإليكم بعض ما أجاد به العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي حيث قال:
{إن معنى الأجر إنما يتم إذا قوبل به عملٌ يمتلكه معطي الأجر، فيعطي العامل ما يعادل ما امتلكه من مال ونحوه! فسؤال الأجر من قريش، وهم كانوا مكذبين للنبي كافرين بدعوته، إنما كان يصح على تقدير إيمانهم به ــ ص ــ، لأنهم على تقدير تكذيبه والكفر بدعوته لم يأخذوا منه شيئاً حتى يقابلوه بالأجر، وعلى تقدير الإيمان به لا يتصور بغض حتى تجعل المودة أجراً للرسالة ويسأل.
وبالجملة، لا تحقق لمعنى الأجر على تقدير كفر المسؤولين، ولا تحقق لمعنى البغض على تقدير إيمانهم حتى يسألوا المودة.}[3]
وقال:
{المراد بالمودة في القربى مودة قرابة النبي ــ ص ــ، وهم عترته من أهل بيته عليهم السلام، وقد وردتْ به روايات من طُرق أهل السنة وتكاثرت الأخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودتهم وموالاتهم، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم السلام ومحبتهم..}[4]
ولله در الإمام الفخر الرازي حين قال في تأويل عبارة "آل محمد" الواردة في حديث رسول الله ــ ص ــ الذي نقله الإمام الزمخشري في تفسيره: "مَن مات على حبِّ آل محمد مات شهيداً. ألا مَن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات مؤمناً يستكمل إيمانه.. ألا ومَن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا مَن مات على حب محمد وآل محمد مات على السنة والجماعة..":
{آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ مَن كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله ــ ص ــ أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل.}[5]
ولله دره حين أجاد في تفسير آية القربى أنها تخص "آل محمد" فقال:
{إنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله: مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال: "علي وفاطمة وابناهما". فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي ــ ص ــ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه: (الأول) قوله تعالى: "إلا المودة في القربى" ووجه الاستدلال به ما سبق. (الثاني) لا شك أن النبي ــ ص ــ كان يحب فاطمة ــ عليها السلام ــ. قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها". وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله ــ ص ــ أنه كان يحب علياً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله تعالى "واتبعوه لعلكم تهتدون"، ولقوله: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره"، ولقوله: "قل إنْ كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، ولقوله سبحانه: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". (الثالث) أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله ــ ص ــ: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد"، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حبَّ آل محمد واجب، وقال الشافعي ــ رضي الله عنه ــ:
يا راكباً قف بالمحصَّب من مِنى واهتف بساكن خيفها والناهض
سَحَراً إذا فاض الحجيجُ إلى مِنى فيضاً كما نظم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حبّ آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي}[6]
أعده
سام محمد الحامد علي
www.safwaweb.com
www.alaweenonline.com
www.freemoslem.com
[1] سورة الشورى، 23.
[2] راجع: جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف: تفسير الطبري، الإمام محمد بن جرير الطبري، شرح الآية المذكورة. (انظر: طبعة دار إحياء التراث العربي، ضبط وتعليق محمود شاكر، ج25، ص29 وما بعد. وتفسير القرآن العظيم، الإمام الحافظ ابن كثير القرشي الدمشقي. (انظر: طبعة دار التراث العربي، مج4، ص111 وما بعد) وتفسير الفخر الرازي، مفاتيح الغيب: التفسير الكبير، الإمام محمد بن عُمر فخر الدين الرازي. (انظر طبعة دار الفكر، تقديم الشيخ خليل محي الدين الميس مدير أزهر لبنان ومفتي البقاع، مج14، ص165 وما بعد)
[3] الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، منشورات الأعلمي، ط1، مج18، ج25، ص47 وما بعد.
[4] المرجع السابق.
[5] تفسير الرازي، مج14، ص166-167.
[6] المرجع السابق.
تعليق