نصر الله يمنع "التلذذ" بالنكبة
عبد الغني طليس
الغيظ الذي تبديه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من قدرة "حزب الله" على لملمة جراح جمهوره والإسراع في إعادة الإعمار والتعويض على كل الذين دمرت أرزاقهم ومنازلهم في شكل قياسي، يقابله في الداخل اللبناني ومن بعض القوى السياسية تحديداً، غيظ مماثل!
فهل كان المطلوب، كما قالت كوندليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أخيراً، رؤية "حسن نصر الله ماذا سيفعل مع الناس" الذين نُكبوا، وإحراجه بالخسائر المادية الفظيعة، متوهمة انه سيقف مكتوف اليدين عاجزاً عن الحركة لتحقيق الهدف الأميركي الإسرائيلي من التدمير المنظم والعشوائي معاً والمتمثل بانقلاب الرأي العام عليه وعلى "حزب الله"؟
وإذا كان هذا هدف الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو مبرر نظراً ل"المشاركة" الكاملة بينهما في تصعيد هذه الحرب وشمولها كل ما تطاله الطائرات الوحشية من البنى التحتية والابنية والمؤسسات المدنية ليس التابعة "لحزب الله" فقط، فما هو التبرير الذي يمكن إدراجه لانتقاد بعض القوى السياسية والشخصيات اللبنانية مسارعة "حزب الله" الى وضع كل الإمكانات المادية والمعنوية التي يملك في تصرف إزالة آثار العدوان وإنهاض "المجتمع" الذي ضربته إسرآئيل جملة وتفصيلاً في الجنوب والضاحية والبقاع من دون الرجوع الى الحكومة... وهم ادرى الناس بإمكانات الحكومة المادية والمعنوية التي تعكسها وزارات مرهقة متقشفة متهالكة؟!
إنهم يتهمون "حزب الله" لأنه اتخذ قرار الحرب (مع الوضوح القاطع في أن قرار الحرب كان جاهزاً منذ اشهر في الولايات المتحدة وإسرائيل) من دون الوقوف على رأي الحكومة، ثم يضيفون الى هذا الاتهام اتهاماً آخر هو أن "حزب الله" اتخذ قرار السلم والإعمار من دون الرجوع اليها ايضاً. وكأن المطلوب هو تلذذ المجتمع اللبناني اكثر فأكثر ب"النكبة" التي حلت بجزء كبير جداً منه قبل ان تكشف الحكومة عن ساعدين لوجستيين رقيقين جداً لا تملك غيرهما لمواجهة تداعيات هذه الحرب الشيطانية، بل كأن المطلوب إبقاء العائلات التي تشرّدت في "أصقاع" البلد مشرّدة ضائعة ريثما تأتي المساعدات... الأميركية، الأميركية تحديداً، التي يتأهب بعض القوى السياسية اللبنانية الى شكرها الإنساني قبل ان تأتي وبعد ان تأتي و... من دون ان تأتي، مفترضاً انها الأيدي "الأنظف" حضارياً، والأكثر معرفة بالتعمير... ربما لأنها الأكثر معرفة بمستوى التدمير الذي احدثته على قاعدة ان طابخ السم أعرفُ بالدواء الشافي منه!
لقد امتص "حزب الله" صدمة الضربات الأولى الموجعة له وللبنان في هذه الحرب قبل ان يستعيد المبادرة في المواجهة على "أرض" المعركة وينحت في ذاكرة الجنود الإسرائيليين وذاكرة مسؤوليهم السياسيين نقوشا مدمرة لا تمحى... فمن الطبيعي جداً ان يمتص صدمة المشهد الجهنمي للدمار من عيون اللبنانيين وينحت في ذاكرتهم وذاكرة بعض "المتفاجئين" (استناداً الى "المفاجآت" التي وعد بها نصر الله) مواقف تاريخية تقول إن "سهولة" التدمير الإسرائيلي يجب ألا تقابل ب"صعوبة" التعمير الذي يخضع في لبنان عادة لمليون "اعتبار"، بل ب"سهولة" مماثلة في الوقوف الى جانب المدمرة بيوتهم، المستشهد ابناؤهم، الطائرة أرزاقهم في مهب الريح.
وفي وقت يدور سجال في لبنان حول ما اذا كان "حزب الله" قد انتصر في هذه الحرب بفعل الثمن الخيالي الذي دفعه هو ولبنان، يدور سجال كبير سياسياً وعسكرياً و... نفسياً في إسرائيل حول اسباب الهزيمة المدوية امام "حزب الله"، ويدور سجال آخر في الولايات المتحدة الأميركية حول جدوى الحروب الاستباقية للرئيس جورج بوش التي علّقت افغانستان على المشنقة، ووضعت العراق في بركان، وحررت لبنان مجدداً من إسرائيل، والخوف من أن "تحرره" من الولايات المتحدة الأميركية ايضاً!
انهزمت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في الجنوب اللبناني، فلم يكن أمامهما إلا "الانتصار" على الأبنية السكنية في الداخل على امل ان يحجب ما حصل في الداخل من تدمير مدني للبنان، ما حصل في الجنوب من تدمير عسكري لإسرائيل، والولايات المتحدة بحروبها الاستباقية التي ترتد وبالاً عليها.
لكن "حسن نصر الله" كما تسميه كوندليسا رايس مجرداً من لقبه الديني الضارب عميقاً في جذور آل بيت النبي محمد، استحق هذه المرة لقب "السيد" في اتخاذ قرار الإعمار... من تحت الدمار من دون منّة نسل العائلة، فضلاً عن مدلول هذا اللقب على مستوى ما تردده رايس نفسها من معاني السيد، السيادة اياها والحرية والاستقلال في "ثورة الأرز"!
ذات يوم، قرر رجل من لبنان ان بيروت يجب ان تنهض من ثياب الحرب. ونهضت. واستشهد الرجل قبل ان يرى لبنان كله قد نهض. اليوم، يقرر رجل من لبنان ان الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع يجب ان تنهض. وستنهض. والرجاء ألا "يستشهده" كيد بعض لبنان قبل ان يكون لبنان قد نهض قوياً على قذارة آلة حرب اسرائيل، وجنون عظمة الإدارة الاميركية. والرجلان، بالطبع، لم ينتظرا قرار الحكومة في ما فعلاه يا سادة يا كرام!.
المصدر:جريدة السفير اللبنانية. بتاريخ 22/08/2006 الساعة 05:52
عن موقع المقاومه
عبد الغني طليس
الغيظ الذي تبديه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من قدرة "حزب الله" على لملمة جراح جمهوره والإسراع في إعادة الإعمار والتعويض على كل الذين دمرت أرزاقهم ومنازلهم في شكل قياسي، يقابله في الداخل اللبناني ومن بعض القوى السياسية تحديداً، غيظ مماثل!
فهل كان المطلوب، كما قالت كوندليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أخيراً، رؤية "حسن نصر الله ماذا سيفعل مع الناس" الذين نُكبوا، وإحراجه بالخسائر المادية الفظيعة، متوهمة انه سيقف مكتوف اليدين عاجزاً عن الحركة لتحقيق الهدف الأميركي الإسرائيلي من التدمير المنظم والعشوائي معاً والمتمثل بانقلاب الرأي العام عليه وعلى "حزب الله"؟
وإذا كان هذا هدف الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو مبرر نظراً ل"المشاركة" الكاملة بينهما في تصعيد هذه الحرب وشمولها كل ما تطاله الطائرات الوحشية من البنى التحتية والابنية والمؤسسات المدنية ليس التابعة "لحزب الله" فقط، فما هو التبرير الذي يمكن إدراجه لانتقاد بعض القوى السياسية والشخصيات اللبنانية مسارعة "حزب الله" الى وضع كل الإمكانات المادية والمعنوية التي يملك في تصرف إزالة آثار العدوان وإنهاض "المجتمع" الذي ضربته إسرآئيل جملة وتفصيلاً في الجنوب والضاحية والبقاع من دون الرجوع الى الحكومة... وهم ادرى الناس بإمكانات الحكومة المادية والمعنوية التي تعكسها وزارات مرهقة متقشفة متهالكة؟!
إنهم يتهمون "حزب الله" لأنه اتخذ قرار الحرب (مع الوضوح القاطع في أن قرار الحرب كان جاهزاً منذ اشهر في الولايات المتحدة وإسرائيل) من دون الوقوف على رأي الحكومة، ثم يضيفون الى هذا الاتهام اتهاماً آخر هو أن "حزب الله" اتخذ قرار السلم والإعمار من دون الرجوع اليها ايضاً. وكأن المطلوب هو تلذذ المجتمع اللبناني اكثر فأكثر ب"النكبة" التي حلت بجزء كبير جداً منه قبل ان تكشف الحكومة عن ساعدين لوجستيين رقيقين جداً لا تملك غيرهما لمواجهة تداعيات هذه الحرب الشيطانية، بل كأن المطلوب إبقاء العائلات التي تشرّدت في "أصقاع" البلد مشرّدة ضائعة ريثما تأتي المساعدات... الأميركية، الأميركية تحديداً، التي يتأهب بعض القوى السياسية اللبنانية الى شكرها الإنساني قبل ان تأتي وبعد ان تأتي و... من دون ان تأتي، مفترضاً انها الأيدي "الأنظف" حضارياً، والأكثر معرفة بالتعمير... ربما لأنها الأكثر معرفة بمستوى التدمير الذي احدثته على قاعدة ان طابخ السم أعرفُ بالدواء الشافي منه!
لقد امتص "حزب الله" صدمة الضربات الأولى الموجعة له وللبنان في هذه الحرب قبل ان يستعيد المبادرة في المواجهة على "أرض" المعركة وينحت في ذاكرة الجنود الإسرائيليين وذاكرة مسؤوليهم السياسيين نقوشا مدمرة لا تمحى... فمن الطبيعي جداً ان يمتص صدمة المشهد الجهنمي للدمار من عيون اللبنانيين وينحت في ذاكرتهم وذاكرة بعض "المتفاجئين" (استناداً الى "المفاجآت" التي وعد بها نصر الله) مواقف تاريخية تقول إن "سهولة" التدمير الإسرائيلي يجب ألا تقابل ب"صعوبة" التعمير الذي يخضع في لبنان عادة لمليون "اعتبار"، بل ب"سهولة" مماثلة في الوقوف الى جانب المدمرة بيوتهم، المستشهد ابناؤهم، الطائرة أرزاقهم في مهب الريح.
وفي وقت يدور سجال في لبنان حول ما اذا كان "حزب الله" قد انتصر في هذه الحرب بفعل الثمن الخيالي الذي دفعه هو ولبنان، يدور سجال كبير سياسياً وعسكرياً و... نفسياً في إسرائيل حول اسباب الهزيمة المدوية امام "حزب الله"، ويدور سجال آخر في الولايات المتحدة الأميركية حول جدوى الحروب الاستباقية للرئيس جورج بوش التي علّقت افغانستان على المشنقة، ووضعت العراق في بركان، وحررت لبنان مجدداً من إسرائيل، والخوف من أن "تحرره" من الولايات المتحدة الأميركية ايضاً!
انهزمت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في الجنوب اللبناني، فلم يكن أمامهما إلا "الانتصار" على الأبنية السكنية في الداخل على امل ان يحجب ما حصل في الداخل من تدمير مدني للبنان، ما حصل في الجنوب من تدمير عسكري لإسرائيل، والولايات المتحدة بحروبها الاستباقية التي ترتد وبالاً عليها.
لكن "حسن نصر الله" كما تسميه كوندليسا رايس مجرداً من لقبه الديني الضارب عميقاً في جذور آل بيت النبي محمد، استحق هذه المرة لقب "السيد" في اتخاذ قرار الإعمار... من تحت الدمار من دون منّة نسل العائلة، فضلاً عن مدلول هذا اللقب على مستوى ما تردده رايس نفسها من معاني السيد، السيادة اياها والحرية والاستقلال في "ثورة الأرز"!
ذات يوم، قرر رجل من لبنان ان بيروت يجب ان تنهض من ثياب الحرب. ونهضت. واستشهد الرجل قبل ان يرى لبنان كله قد نهض. اليوم، يقرر رجل من لبنان ان الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع يجب ان تنهض. وستنهض. والرجاء ألا "يستشهده" كيد بعض لبنان قبل ان يكون لبنان قد نهض قوياً على قذارة آلة حرب اسرائيل، وجنون عظمة الإدارة الاميركية. والرجلان، بالطبع، لم ينتظرا قرار الحكومة في ما فعلاه يا سادة يا كرام!.
المصدر:جريدة السفير اللبنانية. بتاريخ 22/08/2006 الساعة 05:52
عن موقع المقاومه