الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبي محمد الصادق الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين ، وعلى أتباعه إلى يوم الدين..
لقد هالني ما كتبته إحدى الأخوات حول ضياع فلسطين ، وأفزعني مدى الجهل التاريخي بهذه القضية الإسلامية المقدسة ، فهي تتحدث عن الدولة العثمانية كونها المسؤولة عن ضياع وتسليم فلسطين لليهود الملاعين وهذا إما تزوير مفضوح أو جهل ما بعده جهل في أصول هذه القضية ، لذا فرأيت أنه من الواجب الشرعي أن أقوم بعرض تاريخ هذه القضية بصورة سريعة مع ذكر المصادر التي بوسع الأخوة الرجوع إليها للاستزادة ، ومما دفعني أيضا لكتابة هذا الموضوع هو خوفي من أن يأتي اليوم الذي نسمع فيه أن صلاح الدين هو من سلم بيت المقدس لليهود!! وهذا ليس ببعيد فما حدث في تاريخ هذه الأمة العظيمة من تزوير وتدليس ليدل أشد دلالة على أن كل شيء وارد ، وأرجو من الأخوة المشرفين عدم إزالة هذا الموضوع حيث أنني سأقوم بإضافته في منتدى المنبر الحر (لأنه ورد فيه الموضوع أصلا) ، على الرغم من كونه يجب وضعه في منتدى العقائد والسيرة والتاريخ.
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة مرفوعا إلى رسول الله قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قيل يا رسول الله أين هم? قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)
لم يتخضب تراب أي ثغر إسلامي بدم الشهداء مثل ما تخضبت به أرض الإسراء, فمنذ حملة الفتوح الأولى التي قادها صحابة رسول الله وفلسطين تتروى بالدم الزكي الطهور, حيث نال الشهادة في معارك أجنادين وفحل وقيسارية التي جرت على أرضها جمع غفير من الصحابة, وفي معارك تطهير فلسطين من الصليبيين التي قادها نور الدين زنكي وأولاده وصلاح الدين وأفراد أسرته قدم الآلاف أرواحهم الطاهرة في سبيل الله. وفي عين جالوت التي رد فيها المسلمون التتار نزفت الدماء الزكية من أبناء المسلمين. وخلال الأربعة العقود الماضية من هذا القرن ودماء المسلمين في فلسطين تسيل طاهرة زكية وما زالت قوافل الشهداء تترى.
لذا سنتخطى تلك الفترات حتى نبدأ في عرض المؤامرة في العصر الحديث...
*وفي عام 1798م: أصدر اليهود خطابا, اقترحوا فيه إنشاء مجلس يهودي من كل يهود العالم.
*وفي 4 أبريل 1799م: وجه نابليون نداءه المشهور لليهود جاء فيه: (ان العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا.. هي التي جعلت من القدس مقري العام.. اني لا أطالب ورثة فلسطين الشرعيين باحتلال وطنهم فحسب.. بل أطالبهم بضمان ومؤازرة هذه الأمة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا أسياد بلادكم)
*يعتبر تيودور هرتزل (1860-1904م) صاحب كتاب الدولة اليهودية, أول من بدأ الحركة الصهيونية كحركة سياسية حين قام عام 1894م بنشر كتابه (الدولة اليهودية) وهو بالأصل رسالة موجهة إلى ادموند روتشيلد وعموم أفراد هذه الأسرة اليهودية الثرية ملتمسا منهم إنقاذ الشعب اليهودي. عمل هرتزل على عقد مؤتمر بال في سويسرا في أغسطس عام 1897م. ومما جاء في كلمته في افتتاح المؤتمر: (إننا هنا لنضع الحجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية)
*كان من الطبيعي أن يتجه هرتزل بأنظاره نحو استانبول عاصمة الخلافة العثمانية.. فهناك يقبع السلطان عبد الحميد.. الذي يمرّ بأزمات متلاحقة.. وهناك سيضع أموال اليهود تحت قدميه, وسيعرض عليه أن تكون جميع إمكانات اليهود في العالم تحت تصرفه مقابل أن يسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين.. ولكن الأمور سارت في استانبول على عكس ما يشتهي.. فلم يستطع مقابلة السلطان ونقل إليه صديقه نفلنسكي رد السلطان الذي جاء فيه: (على الهر هرتزل أن لا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن. لا أستطيع أن أبيع بوصة واحدة من البلد لأنه ليس ملكي بل ملك شعبي. لقد أوجد هذه الأمبراطورية وغذاها بدمه, وسنغطيها مرة أخرى بدمنا قبل أن نسمح بتمزيقها. ان الشعب العثماني هو مالك هذه الامبراطورية لا أنا. لا أستطيع التخلي عن أي جزء منها. يستطيع اليهود أن يوفروا ملايينهم حين تقسم الامبراطورية قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء. لكن لن تقسم إلا على جثثنا لأنني لن أسمح أبدا بتشريحنا ونحن أحياء).
لا يسمح المقام هنا أن نعلق على هذه الرسالة التي ينبغي أن تكتب بماء الذهب, ويتعلمها الأبناء فيعرفون معنى الأوطان.. ويتعلمها الساسة فيعرفون كيف يحافظون على الأمانة والعهود..
وفهم هرتزل الرسالة.. فاتخذ قراره من فوره وهو: ان السيطرة على فلسطين لا تتم إلا عن طريق انهيار الامبراطورية العثمانية وتقطيع أوصالها..
*بعد سقوط السلطان عبد الحميد عام ,1909 فقدت فلسطين وغيرها من بلاد العرب الحماية الحقيقية.. وشعرت الدول الغربية وحلفاؤها اليهود أن الفرصة باتت مواتية والثمرة على وشك النضوج ، فقد اعتبرت سقوط السلطان عبد الحميد خطوة كبيرة في الطريق إلى تدمير الدولة العثمانية, وبالتالي الاستفراد بفلسطين لإقامة دولتهم على أنقاض شعبها.
*(إتفاقية سايكس بيكو): في مايو 1916م كانت بريطانيا تجلس مع فرنسا للتفاوض على مستقبل البلاد العربية وشارك في تلك المباحثات معتمد روسي لتطبيق المبادئ المقررة بموجب المعاهدة الثلاثية بينهم. وإذا أردنا تبسيط هذه المعاهدة لقلنا: إن الدول الحليفة قسمت البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية كما يلي:
1- سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
2- والعراق تحت الانتداب البريطاني, مع الاحتفاظ باتفاقات خاصة بين إمارات الخليج وبريطانيا.
3- فلسطين وطن قومي لليهود, وشرقي الأردن موطن للفلسطينيين الذين سوف يهاجرون إليها بعد هجرتهم من أرضهم.
*الثورة العربية الكبرى 1916م : حيث تمرد قائدها الشريف حسين ومن يليله على الخلافة الاسلامية ووالوا الانجليز ، وابرموا بينهم وبين الانجليز صفقة مفادها انهم يوافقون على قيام المشروع الصهيوني على ارض فلسطين مقابل ان توافق حكومة الانجليز على قيام مملكة عربية مستقلة، وتم تنفيذ ذلك فيما بعد ، وقام المشروع الصهيوني في حينه على ارض فلسطين ، وتحقق حلم ابطال الثورة العربية الكبرى وقامت لهم مملكة ، ولكنهم ظلوا على شعور ان قيام مملكتهم ارتبط مع قيام المشروع الصهيوني ، وان نجاح مملكتهم ارتبط مع نجاح المشروع الصهيوني ، وان استمرار مملكتهم ارتبط مع نجاح استمرار وجود المشروع الصهيوني ، وان استتباب الامن في مملكتهم مربوط مع استتباب الامن في حاضر ومستقبل المشروع الصهيوني !! لذلك فقد رحبوا -بالخفاء- بقيام المشروع الصهيوني لا بل دعموه وآزروه ومهدوا له كل الطرق حتى يحرز نجاحا كبيرا في اقصر وقت ممكن .
*وعد بلفور 1917م : وبلفور هو وزير خارجية بريطانيا الذي أصدر الوعد المشهور في 2 نوفمبر عام 1917م وقد صاغ وعده في العبارات التالية: (إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي, وسوف تبذل مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية. وليكن معلوما أنه لا يسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن, أو بالحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى وبمركزهم السياسي فيها).
*عام 1917 دخلت القوات الانكليزية القدس.. وتحدث المارشال اللنبي لسكان المدينة فقال: اليوم انتهت الحروب الصليبية.
*مؤتمر السلم في باريس 1919م : كان الممثل الوحيد الذي أتيح له حضور جلسات مؤتمر السلم في باريس هو الأمير فيصل بن الشريف حسين أمير مكة وقائد الثورة العربية.. وفي المرة الوحيدة التي تكلم فيها أمام المؤتمر ولمدة عشرين دقيقة في 6 فبراير 1919م قال: (إن العرب إجمالا يشكلون وحدة في الدم والتاريخ والعقيدة واللغة ولكنه عندما طالب للبلدان العربية بالاستقلال استثنى فلسطين, بالنظر إلى طابعها العالمي).
*المؤتمر العربي الفلسطيني الأول 1919م : وتحرك الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم وبلدهم, فشكلوا مجلسا أطلقوا عليه اسم المؤتمر العربي الفلسطيني. عقد المؤتمر الأول في يناير 1919 والمؤتمر السابع والأخير في يونيو .1928 أهم قرارات المؤتمر كانت: رفض وعد بلفور, والهجرة اليهودية, والانتداب البريطاني, والمطامع الفرنسية في المنطقة, ورفض شعار فلسطين للفلسطينيين, الذي أراد به اليهود الانفراد بفلسطين وإبعادها عن بلاد العروبة والإسلام.
*نشبت في يافا في أول مايو 1921م ثورة كبيرة ضد الوجود اليهودي والبريطاني فكانت ثورة فلسطين الثانية بعد ثورة القدس الأولى عام 1920م. وامتدت الاضطرابات إلى المناطق المجاورة ليافا, ثم إلى منطقة اللد والرملة والمجدل, واستمرت أسبوعا كاملا سقط فيها مئات الشهداء والجرحى العرب وقتل وجرح أكثر من 550 يهوديا وجنديا بريطانيا.
*ثورة البراق: في 14 أغسطس 1929 قام اليهود بتظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير الهيكل, وفي اليوم التالي انتقلت الأحداث إلى القدس.. وعندما تصدى لهم الفلسطينيون كانت بداية ثورة البراق التي انطلقت من ساحات المسجد الأقصى تحطم كل ما أحدثه اليهود من مظاهر إلى جانب حائط البراق. والبراق هو مكان صغير من الحائط الغربي للحرم الشريف في بيت المقدس. سمي بهذا الاسم نسبة إلى البراق الذي امتطاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. وهو مكان مقدس عند اليهود, فهم يعتقدون أنه الجدار الباقي من الهيكل الأخير الذي بناه (هيرودس), كما يعتقدون أن هيكل سليمان (عليه السلام) كان قائما في نفس المكان. وتوالت الاشتباكات حتى كان الانفجار الكبير يوم الجمعة في 23 أغسطس 1929م,, فقد هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود, مما أدى إلى تدخل البوليس البريطاني بعنف مستخدما الأسلحة المختلفة والطائرات الحربية. وانتقلت الاشتباكات من القدس إلى المدن الأخرى والقرى, وشهدت فلسطين لأول مرة أسبوعا دمويا بين العرب من جهة وكل من البريطانيين واليهود من جهة أخرى, وسقط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين.
*توالت بعد ذلك الثورات التي ضحى فيها أبناء فلسطين المسلمين بآلاف الأرواح دفاعا عن مسرى النبي ومعراجه ، حيث كان عام 1934م العام الذي شهد تشكيل النواة الرئيسية للدولة اليهودية اللقيطة ، وما لحق ذلك من قرارات تقسيم أعطت الشرعية لليهود في اغتصابهم لهذه البقعة العزيزة على قلب كل مسلم ، ثم ما تم الاتفاق عليه بعد ذلك في معاهدات الاستسلام العربية مع اليهود والتي بموجبها صار اليهود الذين نزحوا من أوروبا ومن شرق أوروبا ومن أفريقيا صاروا هم الملاك الحقيقيين لهذه الأرض المقدسة ، بل صار من الواجب على دول الجوار أو ما يعرف بدول الطوق الدفاع عن هذه الدولة اللقيطة بوصفها الدولة الرئيسة في المنطقة..ولا يزال مسلسل الإنهزامات يتوالى..ولكن النصر آت لا محالة..فالله وعد والله لا يخلف الميعاد.
ونخلص من هذا العرض التاريخي الموجز لهذه القضية إلى أن الدولة العثمانية رفضت وعلى لسان آخر سلاطينها وبشكل قاطع التنازل عن أي شبر من فلسطين ، وهذا ما جعل التفكير يتحول إلى هدم الخلافة الإسلامية العثمانية ، وتأجيج الخلافات في داخلها ، ودعم الثورات التي قادها حلفاء الانجليز في المنطقة ضد الخلافة العثمانية ، بل وزرع اليهود في الدولة العثمانية بعد سقوط الخلافة فيها من أمثال أتاتورك والذي قاد تركيا إلى العلمانية حتى عصرنا الحاضر، وكان حلفاء الإنجليز الذين قاموا على دولة الخلافة الإسلامية هم نفسهم الحلفاء الذين دعموا فيما بعد مشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين..فمن إذا هم الذين باعوا فلسطين يا عزيزي؟؟
والله المستعان
*************************************
المصادر:
1- القدس والتحدي الحضاري- مصطفى محمد الطحان
2- إسرائيل الكبرى- أسعد رزوق
3- القضية الفلسطينية في الواقع العربي- عودة بطرس عودة
4- ملف وثائق فلسطين
5- الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية- قسطنطين خمار
6- الإسلام وبنو إسرائيل- جواد رفعت أتلخان
7- التيار الإسلامي في فلسطين –محسن محمد صالح
8- مقال للشيخ رائد صلاح رئيس هيئة إعمار المسجد الأقصى
لقد هالني ما كتبته إحدى الأخوات حول ضياع فلسطين ، وأفزعني مدى الجهل التاريخي بهذه القضية الإسلامية المقدسة ، فهي تتحدث عن الدولة العثمانية كونها المسؤولة عن ضياع وتسليم فلسطين لليهود الملاعين وهذا إما تزوير مفضوح أو جهل ما بعده جهل في أصول هذه القضية ، لذا فرأيت أنه من الواجب الشرعي أن أقوم بعرض تاريخ هذه القضية بصورة سريعة مع ذكر المصادر التي بوسع الأخوة الرجوع إليها للاستزادة ، ومما دفعني أيضا لكتابة هذا الموضوع هو خوفي من أن يأتي اليوم الذي نسمع فيه أن صلاح الدين هو من سلم بيت المقدس لليهود!! وهذا ليس ببعيد فما حدث في تاريخ هذه الأمة العظيمة من تزوير وتدليس ليدل أشد دلالة على أن كل شيء وارد ، وأرجو من الأخوة المشرفين عدم إزالة هذا الموضوع حيث أنني سأقوم بإضافته في منتدى المنبر الحر (لأنه ورد فيه الموضوع أصلا) ، على الرغم من كونه يجب وضعه في منتدى العقائد والسيرة والتاريخ.
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة مرفوعا إلى رسول الله قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قيل يا رسول الله أين هم? قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)
لم يتخضب تراب أي ثغر إسلامي بدم الشهداء مثل ما تخضبت به أرض الإسراء, فمنذ حملة الفتوح الأولى التي قادها صحابة رسول الله وفلسطين تتروى بالدم الزكي الطهور, حيث نال الشهادة في معارك أجنادين وفحل وقيسارية التي جرت على أرضها جمع غفير من الصحابة, وفي معارك تطهير فلسطين من الصليبيين التي قادها نور الدين زنكي وأولاده وصلاح الدين وأفراد أسرته قدم الآلاف أرواحهم الطاهرة في سبيل الله. وفي عين جالوت التي رد فيها المسلمون التتار نزفت الدماء الزكية من أبناء المسلمين. وخلال الأربعة العقود الماضية من هذا القرن ودماء المسلمين في فلسطين تسيل طاهرة زكية وما زالت قوافل الشهداء تترى.
لذا سنتخطى تلك الفترات حتى نبدأ في عرض المؤامرة في العصر الحديث...
*وفي عام 1798م: أصدر اليهود خطابا, اقترحوا فيه إنشاء مجلس يهودي من كل يهود العالم.
*وفي 4 أبريل 1799م: وجه نابليون نداءه المشهور لليهود جاء فيه: (ان العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا.. هي التي جعلت من القدس مقري العام.. اني لا أطالب ورثة فلسطين الشرعيين باحتلال وطنهم فحسب.. بل أطالبهم بضمان ومؤازرة هذه الأمة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا أسياد بلادكم)
*يعتبر تيودور هرتزل (1860-1904م) صاحب كتاب الدولة اليهودية, أول من بدأ الحركة الصهيونية كحركة سياسية حين قام عام 1894م بنشر كتابه (الدولة اليهودية) وهو بالأصل رسالة موجهة إلى ادموند روتشيلد وعموم أفراد هذه الأسرة اليهودية الثرية ملتمسا منهم إنقاذ الشعب اليهودي. عمل هرتزل على عقد مؤتمر بال في سويسرا في أغسطس عام 1897م. ومما جاء في كلمته في افتتاح المؤتمر: (إننا هنا لنضع الحجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية)
*كان من الطبيعي أن يتجه هرتزل بأنظاره نحو استانبول عاصمة الخلافة العثمانية.. فهناك يقبع السلطان عبد الحميد.. الذي يمرّ بأزمات متلاحقة.. وهناك سيضع أموال اليهود تحت قدميه, وسيعرض عليه أن تكون جميع إمكانات اليهود في العالم تحت تصرفه مقابل أن يسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين.. ولكن الأمور سارت في استانبول على عكس ما يشتهي.. فلم يستطع مقابلة السلطان ونقل إليه صديقه نفلنسكي رد السلطان الذي جاء فيه: (على الهر هرتزل أن لا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن. لا أستطيع أن أبيع بوصة واحدة من البلد لأنه ليس ملكي بل ملك شعبي. لقد أوجد هذه الأمبراطورية وغذاها بدمه, وسنغطيها مرة أخرى بدمنا قبل أن نسمح بتمزيقها. ان الشعب العثماني هو مالك هذه الامبراطورية لا أنا. لا أستطيع التخلي عن أي جزء منها. يستطيع اليهود أن يوفروا ملايينهم حين تقسم الامبراطورية قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء. لكن لن تقسم إلا على جثثنا لأنني لن أسمح أبدا بتشريحنا ونحن أحياء).
لا يسمح المقام هنا أن نعلق على هذه الرسالة التي ينبغي أن تكتب بماء الذهب, ويتعلمها الأبناء فيعرفون معنى الأوطان.. ويتعلمها الساسة فيعرفون كيف يحافظون على الأمانة والعهود..
وفهم هرتزل الرسالة.. فاتخذ قراره من فوره وهو: ان السيطرة على فلسطين لا تتم إلا عن طريق انهيار الامبراطورية العثمانية وتقطيع أوصالها..
*بعد سقوط السلطان عبد الحميد عام ,1909 فقدت فلسطين وغيرها من بلاد العرب الحماية الحقيقية.. وشعرت الدول الغربية وحلفاؤها اليهود أن الفرصة باتت مواتية والثمرة على وشك النضوج ، فقد اعتبرت سقوط السلطان عبد الحميد خطوة كبيرة في الطريق إلى تدمير الدولة العثمانية, وبالتالي الاستفراد بفلسطين لإقامة دولتهم على أنقاض شعبها.
*(إتفاقية سايكس بيكو): في مايو 1916م كانت بريطانيا تجلس مع فرنسا للتفاوض على مستقبل البلاد العربية وشارك في تلك المباحثات معتمد روسي لتطبيق المبادئ المقررة بموجب المعاهدة الثلاثية بينهم. وإذا أردنا تبسيط هذه المعاهدة لقلنا: إن الدول الحليفة قسمت البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية كما يلي:
1- سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
2- والعراق تحت الانتداب البريطاني, مع الاحتفاظ باتفاقات خاصة بين إمارات الخليج وبريطانيا.
3- فلسطين وطن قومي لليهود, وشرقي الأردن موطن للفلسطينيين الذين سوف يهاجرون إليها بعد هجرتهم من أرضهم.
*الثورة العربية الكبرى 1916م : حيث تمرد قائدها الشريف حسين ومن يليله على الخلافة الاسلامية ووالوا الانجليز ، وابرموا بينهم وبين الانجليز صفقة مفادها انهم يوافقون على قيام المشروع الصهيوني على ارض فلسطين مقابل ان توافق حكومة الانجليز على قيام مملكة عربية مستقلة، وتم تنفيذ ذلك فيما بعد ، وقام المشروع الصهيوني في حينه على ارض فلسطين ، وتحقق حلم ابطال الثورة العربية الكبرى وقامت لهم مملكة ، ولكنهم ظلوا على شعور ان قيام مملكتهم ارتبط مع قيام المشروع الصهيوني ، وان نجاح مملكتهم ارتبط مع نجاح المشروع الصهيوني ، وان استمرار مملكتهم ارتبط مع نجاح استمرار وجود المشروع الصهيوني ، وان استتباب الامن في مملكتهم مربوط مع استتباب الامن في حاضر ومستقبل المشروع الصهيوني !! لذلك فقد رحبوا -بالخفاء- بقيام المشروع الصهيوني لا بل دعموه وآزروه ومهدوا له كل الطرق حتى يحرز نجاحا كبيرا في اقصر وقت ممكن .
*وعد بلفور 1917م : وبلفور هو وزير خارجية بريطانيا الذي أصدر الوعد المشهور في 2 نوفمبر عام 1917م وقد صاغ وعده في العبارات التالية: (إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي, وسوف تبذل مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية. وليكن معلوما أنه لا يسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن, أو بالحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى وبمركزهم السياسي فيها).
*عام 1917 دخلت القوات الانكليزية القدس.. وتحدث المارشال اللنبي لسكان المدينة فقال: اليوم انتهت الحروب الصليبية.
*مؤتمر السلم في باريس 1919م : كان الممثل الوحيد الذي أتيح له حضور جلسات مؤتمر السلم في باريس هو الأمير فيصل بن الشريف حسين أمير مكة وقائد الثورة العربية.. وفي المرة الوحيدة التي تكلم فيها أمام المؤتمر ولمدة عشرين دقيقة في 6 فبراير 1919م قال: (إن العرب إجمالا يشكلون وحدة في الدم والتاريخ والعقيدة واللغة ولكنه عندما طالب للبلدان العربية بالاستقلال استثنى فلسطين, بالنظر إلى طابعها العالمي).
*المؤتمر العربي الفلسطيني الأول 1919م : وتحرك الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم وبلدهم, فشكلوا مجلسا أطلقوا عليه اسم المؤتمر العربي الفلسطيني. عقد المؤتمر الأول في يناير 1919 والمؤتمر السابع والأخير في يونيو .1928 أهم قرارات المؤتمر كانت: رفض وعد بلفور, والهجرة اليهودية, والانتداب البريطاني, والمطامع الفرنسية في المنطقة, ورفض شعار فلسطين للفلسطينيين, الذي أراد به اليهود الانفراد بفلسطين وإبعادها عن بلاد العروبة والإسلام.
*نشبت في يافا في أول مايو 1921م ثورة كبيرة ضد الوجود اليهودي والبريطاني فكانت ثورة فلسطين الثانية بعد ثورة القدس الأولى عام 1920م. وامتدت الاضطرابات إلى المناطق المجاورة ليافا, ثم إلى منطقة اللد والرملة والمجدل, واستمرت أسبوعا كاملا سقط فيها مئات الشهداء والجرحى العرب وقتل وجرح أكثر من 550 يهوديا وجنديا بريطانيا.
*ثورة البراق: في 14 أغسطس 1929 قام اليهود بتظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير الهيكل, وفي اليوم التالي انتقلت الأحداث إلى القدس.. وعندما تصدى لهم الفلسطينيون كانت بداية ثورة البراق التي انطلقت من ساحات المسجد الأقصى تحطم كل ما أحدثه اليهود من مظاهر إلى جانب حائط البراق. والبراق هو مكان صغير من الحائط الغربي للحرم الشريف في بيت المقدس. سمي بهذا الاسم نسبة إلى البراق الذي امتطاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. وهو مكان مقدس عند اليهود, فهم يعتقدون أنه الجدار الباقي من الهيكل الأخير الذي بناه (هيرودس), كما يعتقدون أن هيكل سليمان (عليه السلام) كان قائما في نفس المكان. وتوالت الاشتباكات حتى كان الانفجار الكبير يوم الجمعة في 23 أغسطس 1929م,, فقد هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود, مما أدى إلى تدخل البوليس البريطاني بعنف مستخدما الأسلحة المختلفة والطائرات الحربية. وانتقلت الاشتباكات من القدس إلى المدن الأخرى والقرى, وشهدت فلسطين لأول مرة أسبوعا دمويا بين العرب من جهة وكل من البريطانيين واليهود من جهة أخرى, وسقط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين.
*توالت بعد ذلك الثورات التي ضحى فيها أبناء فلسطين المسلمين بآلاف الأرواح دفاعا عن مسرى النبي ومعراجه ، حيث كان عام 1934م العام الذي شهد تشكيل النواة الرئيسية للدولة اليهودية اللقيطة ، وما لحق ذلك من قرارات تقسيم أعطت الشرعية لليهود في اغتصابهم لهذه البقعة العزيزة على قلب كل مسلم ، ثم ما تم الاتفاق عليه بعد ذلك في معاهدات الاستسلام العربية مع اليهود والتي بموجبها صار اليهود الذين نزحوا من أوروبا ومن شرق أوروبا ومن أفريقيا صاروا هم الملاك الحقيقيين لهذه الأرض المقدسة ، بل صار من الواجب على دول الجوار أو ما يعرف بدول الطوق الدفاع عن هذه الدولة اللقيطة بوصفها الدولة الرئيسة في المنطقة..ولا يزال مسلسل الإنهزامات يتوالى..ولكن النصر آت لا محالة..فالله وعد والله لا يخلف الميعاد.
ونخلص من هذا العرض التاريخي الموجز لهذه القضية إلى أن الدولة العثمانية رفضت وعلى لسان آخر سلاطينها وبشكل قاطع التنازل عن أي شبر من فلسطين ، وهذا ما جعل التفكير يتحول إلى هدم الخلافة الإسلامية العثمانية ، وتأجيج الخلافات في داخلها ، ودعم الثورات التي قادها حلفاء الانجليز في المنطقة ضد الخلافة العثمانية ، بل وزرع اليهود في الدولة العثمانية بعد سقوط الخلافة فيها من أمثال أتاتورك والذي قاد تركيا إلى العلمانية حتى عصرنا الحاضر، وكان حلفاء الإنجليز الذين قاموا على دولة الخلافة الإسلامية هم نفسهم الحلفاء الذين دعموا فيما بعد مشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين..فمن إذا هم الذين باعوا فلسطين يا عزيزي؟؟
والله المستعان
*************************************
المصادر:
1- القدس والتحدي الحضاري- مصطفى محمد الطحان
2- إسرائيل الكبرى- أسعد رزوق
3- القضية الفلسطينية في الواقع العربي- عودة بطرس عودة
4- ملف وثائق فلسطين
5- الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية- قسطنطين خمار
6- الإسلام وبنو إسرائيل- جواد رفعت أتلخان
7- التيار الإسلامي في فلسطين –محسن محمد صالح
8- مقال للشيخ رائد صلاح رئيس هيئة إعمار المسجد الأقصى
تعليق