قراءة في أحداث شهر
حديث الانتصار خارطة الرمل
حديث الانتصار خارطة الرمل
فضل شرورو
وضع علم التأريخ، تعريفه الخاص.. بشأن الحروب الصغيرة، وبشأن الحروب الكبيرة.. بشأن النزاعات، وبشأن الحرب الاقليمية، والعالمية لكنه. حسب اطلاعنا، لم يلحظ، في عصر الحداثة، تعريفاً لما حصل منذ 12 تموز 2006 وخلال 33 يوماً مع لياليها.
هل خاض <حزب الله> حرباً، صغيرة مع حكومة أولمرت؟ أم خاض حرباً اقليمية مع الاحتلال الاستيطاني الذي يعزز بالقوة و<الغطرسة> حسب أقوال جنرالاته استمرار وتواصل وجوده؟.. أم ان <حزب الله> خاض حرباً، بالوكالة مع الولايات المتحدة الأميركية، كشفها التخطيط المسبق، والغطاء السياسي المفضوح لحكومة أولمرت والاحتلال، والسلاح العاجل المنقول جواً على وجه السرعة؟ وتغيّرت الصفة النمطية المكررة.. بأن <حزب الله> يخوض، ومنذ زمن حرب إيران، وسوريا.. فإذا عدوه، هو الذي يخوض الحرب نيابة عن القطب الأوحد؟
حزمة الأسئلة، ليست لها نهاية.. ذلك ان النهايات.. مرهونة، حتى الآن، غامضة، متأرجحة.. تخطّ وتمحى، بين لحظة سكون ريح وهبتها.. بين حديث الادعاء الذي يأتي من معظم الأطراف، واحتدام الخلافات داخل المؤسسة العسكرية، والمؤسسة السياسية من الكنيست إلى الأحزاب المكونة للمجتمع الصهيوني كله، داخل الارض المحتلة وخارجها، وتصريحات إدارة بوش، وكثرة كلامه في المؤتمرات الصحافية التي تعدّدت، مؤخراً، وتنوعت، وبين مداولات واجتماعات وتأجيلات مجلس جامعة الدول العربية وقمتها المعلقة، المسحوبة، والمجدّدة.. كل هذا.. مقابل الصمت، الذي يمارسه قائد المقاومة، السيد حسن نصر الله.. الذي وجّه أكثر من رسالة، أيام الحرب وأسابيعها.. وحين صمت صوت الرصاص، وهدير الدبابات وغابت الطائرات عن السماء، والبوارج عن البحر.. ركن للصمت، بعد أن كان آخر حديث له.. للناس، إيفاء بما وعد.. وإيعازاً ببدء إزالة مخلفات الحرب، المادية او مخلفات الحرب السياسية منها والعسكرية، وتقييم الحاضر ومؤشرات المستقبل. فقد استمهل السيد، وترك للفحص والتدقيق والمعاينة، أسئلة توالد أسئلة.. وصمت يوالد اسئلة.. ما لم يخرج على الناس، قبل نشر <القراءة> ليضع حداً لطنين النحل الذي يملأ الأجواء يوزع اللدغات في كل اتجاه.
المفهوم، في كل الحروب، إن المهزوم يدفع الثمن.. وتفاصيل الحراك داخل الاستيطان تفشى وعلى غير صعيد، نوع ومقدار الثمن الذي سيظهر بالصوت والصورة مدوياً.. حتى لو كانت الدولة الأقوى، الولايات المتحدة، تعد بجوائز ترضية للحفاظ على ماء الوجه.. عبر تحكمها بمجريات القرار في الأروقة الدولية، وتلك التي تسمى <الشرعية الدولية> التي يمثلها الآن، مجلس الأمن، حيث طُوّع هذا المجلس بالتمام والكمال، بعد الحرب على العراق العام 2003 غير أن خرائط الرمل التي ترسم موسمياً.. لا تزال تذرو خطوطها الريح.. وفي غير مكان.. وصلت اليه القوة العسكرية للرئيس الاميركي جورج بوش، من افغانستان، مروراً بالعراق، والى لبنان، ودائماً، في فلسطين.
في مواسم الثلج.. يُقام لقاء النحت على الجليد.. الذي ما إن يواجه بعض حرارة الشمس، يذب ويتلاشَ.. وفي مواسم الصيف، لقاء تصميم الهياكل والتماثيل الرملية. التي ما إن تهطل اولى تباشير المطر.. حتى ينهار الرمل ويتناثر.
هذا هو حال، المحاولات، التي تطلقها إدارة الرئيس بوش، وتابعه بلير حول <الشرق الأوسط> الكبير، الموسّع، او الجديد.. رغم المحاولات الحماسية التي يُراد له أن تغلف او تحمل الخارطة غير الثابتة.. في ادعاءات <نشر الديموقراطية> في وجه التخلف، او الإرهاب.
ما حصل.. لوحة او خارطة رمل.. مهدّدة في كل حين، خطوطها لا تزال طرية.. أمطار، آب، أغسطس المبكرة تهدّدها، وتباطؤ الاشتراك الدولي ب<اليونيفل> تهدّدها، وتفسيرات التواجد لهذه القوات بين الردع والنزع والحصار تهدّدها.. كما يهدّدها.. ودائماً، اتجاهات السير المتعاكسة بين إرادة لبنان. وادعاءات الولايات المتحدة الأميركية بأنها تسعى للوصول لنقطة التقاء المصالح بين ادعاءاتها تجاه لبنان، ودعمها الأبدي لأمن الاحتلال في فلسطين.. وقد يكون في هذا، بعض تفسير لبطء الخطوات، او تأجيلها.. وقد يكون البطء والتأجيل محاولة إخفاء لما يعد ويخطط لمسرح عمليات جديد.
? الانتصار:
نترك للآخرين، خصوصاً للعسكريين، تقييم ما تحقق من انتصار أنجزه <حزب الله> في حرب تموز ..2006 لكننا كفلسطينيين عرب.. لدينا بعض المعايير التي جاءت نتاج احتكاك مباشر مع هذا العدو، أخذ في بعض المناطق الفلسطينية شكل <المعايشة> المفروضة، بالإكراه.. وتالياً الخوض في يوميات المجتمع الصهيوني، وتقلباته وتجلياته.. منحى الرأي العام وتوجهه.. في التأجج او في الإحباط.
الانتصار، تحقق.. رغم اختلاف زاوية الرؤيا.. لكن الانتصار، كما دائماً ليس محل ادعاء مشاركة، فحسب بل محل فعل <نهش> يشكل خطورة، بقدر ما يثير المخاوف.. وعادة، أيضاً.. يطلب من الذي حقق الانتصار، القيام بخطوات، سريعة، لكنها فاعلة.. غرضها الأول، هو <تثبيت> الانتصار، وحمايته من عملية <النهش> و<القضم> والتفسير العملاني على الأرض.
خطوات التثبيت هذه.. بقدر ما هي ملحة، في حدودها، المحلية الحاضنة بقدر ما تحتاج الى سياج حماية أوسع من حدود المحلية.. وهذا بحدّ ذاته عمل دؤوب، محفوف بالتفسيرات المغرضة التي من شأنها أن تحدّ من هذا التحرك.
سد الذرائع، كما سد الثغرات، في خطوات <التثبيت> للانتصار.. تحتاج إلى دينامية ودأب.. وبالوقت نفسه الى معرفة حقيقية لمواضع الاقدام في كل حركة، صغيرها وكبيرها.. وقد يكون، من نافل القول، امام قوة <حزب الله> التي ظهرت عملياً في أيام حرب تموز ومجرياتها وتداعياتها، والتواضع الجمّ في إعلان النصر، قد يكون من نافل القول.. أن ندعو الى عملية نشطة لتثبيت الانتصار.. ممن حقق الانتصار وأنجزه، إنما قد يكون من الضروري جداً.. التنبيه الى ذلك.
إن ما ظهر، او نشر، او عرف، حتى الآن، عن أحداث، او اتصالات جرت خلف الأستار.. أثناء حرب تموز، وأيام هذه الحرب.. لا يزال في حدود النزر اليسير.. وهذا الذي نشر وظهر، وعرف، بحدوده الدنيا، يكفي لإعلان حالة استنفار قصوى باتجاه خطوات لفرض <تثبيت> الانتصار وتدعيمه وحمايته.. بل والمراكمة عليه. لأن من خطوات التثبيت المعروفة والمعتمدة، تأتي عملية المراكمة في بداية سلم الأولويات وقد يكون في ما تحقق من هذا الانتصار.. دليل على أهمية المراكمة.. التي جاءت بعد تحرير الجنوب العام ,2000 وتوضيح لما أردنا قوله.
حديث الانتصار، يطول، لكننا أمام جملة للرئيس جورج بوش.. رددها البعض، في الأروقة السياسية وكأنها تصدر عن قناعة هذا البعض، نحن أمام جملة للرئيس الأميركي، مفادها: أن من يتريّث ويدقق يجد أن حزب الله لم يحقق أي انتصار.
هذه الجملة.. ستردّ عليها التفاعلات في المجتمعات العربية.. بعض هذه التفاعلات قد بدأ، وبعضها الآخر.. لا يزال في المراجل.. لكن العراق، وفلسطين.. مرشحان، للردّ على هذه الجملة.. رداً عملياً.. وعلى الأرض.. فالانتصار يشكل حالة تحريض.. ومحاولة استفادة من دروسه.. أما الهزيمة فتشكل حالة إحباط وانكماش.. أما لوحة العراق.. فقد ردت بالأرقام وأيام حرب تموز وخلالها.. ردّت بالأرقام حول ارتفاع نسبة العمليات ضد الاحتلال الاميركي، وفي عدد ضحايا العنف في العراق، وفي الأحاديث التي كانت من المحرمات.. حول الاعتراف بالحرب الأهلية التي جاء بها الاحتلال الاميركي والذي ليس من دواء لها سوى الانصهار في بوتقة محاربة الاحتلال الأميركي بوجوده العسكري، وهيمنته السياسية.. وفساده الاقتصادي.. أما في فلسطين.. فقد سبق لعملية تحرير الجنوب العام 2000 ان شكلت حالة إلهام لانتفاضة الأقصى.. الأشدّ من الانتفاضة الاولى، والتي شهدت التطور النوعي المسلح في أدائها.. وما الصواريخ الصغيرة، ذات الصنع المحلي البدائي التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية من فلسطين وضد المستوطنات إلا <بروفة> مفترضة لحال وصول صواريخ بقدرة ما استخدمه حزب الله في حربه المنتصرة في تموز .2006 لحظة تخيل واحدة، لهذه الحالة المفترضة.. يمكن لها ان تتجاوز مجرد التفكير بالردّ على جملة الرئاسة الأميركية التي تفضح الحال بأكثر مما تحاول تغطيته..
? ما بعد 12 تموز:
يحق التساؤل، هنا: هل نقول ما بعد 12 تموز.. أم نقول ما بعد 14 آب 2006؟ لا شك في ان التاريخين، يختلفان في الدلالة او في أهداف الأطراف.
صحيح ان التاريخ الثاني 14 آب، هو نتيجة للتاريخ الاول12 تموز. لكن الأيام التي فصلت بين التاريخين كان لها دور أساس في التحكم بمنحى النتيجة.. وفي محاولة حرف هذا المنحى، ليعطي نتيجة أخرى.. لكن التوقف عند أحد التاريخين، وبخاصة 12 تموز، هو محاولة للمقاربة من تداعيات هذا التاريخ على الإقليم ككل.. فمركز الحدث ل 12 تموز، حقق انتصاره ومضى للإعمار، وأكثر الظن، بدأ في الخطوات العملية لتثبيت انتصاره.. أما الاقليم.. وهو هنا الأقطار العربية.. وخصوصاً المعنية منها: فلسطين، سوريا.. ثم إيران وعلى خطوة منها.. تركيا.. فإن 12 تموز سيكون له ما بعده بالنسبة للإقليم كله.
المحللون الإيطاليون، على اختلاف ميولهم السياسية، الذين يدعمون مشاركة بلادهم في <اليونيفيل> يقدرون أن <حزب الله> قد حقق انتصاراً لا شك فيه.. انتصاراً في <المعركة>، لكن الحرب لم تضع أوزارها، وهي مرشحة لعدة خروقات، أحدها، ستكون حرباً فاصلة.. لذلك، فهم يريدون لعب دور لمنع ذلك.. باعتبار أن ايطاليا الأقرب الى المنطقة العربية، وهي تريد ان تظهر للعرب، أنها قادرة على منع العدوان، وتريد ايضاً، ان تظهر للغرب أنها تستطيع أن تقوم بدور فعال، نيابة عنه في هذه المنطقة القلقة، وتريد أن تقول للولايات المتحدة، التي تنتهي مدة بقاء قواعدها، على الارض الايطالية في العام القادم، أن ايطاليا، سيدة نفسها وتستطيع ان تقوم بدورها، من دون دعم من القواعد الاميركية.. لكن ايطاليا المسلّمة، بأنها ليست عضواً دائماً في مجلس الأمن، لأنها من الخاسرين في الحرب العالمية الثانية، تعتقد ان فرنسا، لن تسمح لها في آخر المطاف بأن تتولى القيادة في <اليونيفيل> خصوصاً ان التردد الفرنسي في المشاركة.. قد حسم.
وفق هذا التوجه.. يكون 12 تموز قد وضع المنطقة برمّتها أمام خيارين:
الخيار الأول: انتظاري، بمعنى بدء الاستعداد الجدي، في انتظار الحرب القادمة، والتي ترسم ما بعد 12 تموز أسهم التوجه لآلتها الحربية.
والترجيحات، تحصر هذا التوجه باتجاهين: اتجاه سوريا، اتجاه ايران بالرغم من أن البعض يقول إن حرباً باتجاه ايران، مع الخشية من انقلاب الوضع في العراق، تكفي لتغيير الموازين في المنطقة وبرمّتها، مع لفت الأنظار بأن هذا البعض يعتقد سلفاً، بأن أميركا ستخوض حربا منتصرة، ونهائية ضد ايران.. للتخلص من آخر المعيقات التي تحول دون تنفيذ برامجها.. أما التحسّب لحرب مع سوريا، فهو تحسّب ينطلق من منطلقين.. خشية ان تكون سوريا أعدّت لمواجهة تعتمد نهج المقاومة لا نهج الحرب الكلاسيكية وخشية أن تكون اي حرب ضد سوريا سبباً اضافياً لكراهية العرب والمسلمين، ليس لأميركا فحسب، بل لكل الغرب، وتالياً تحوّل الارض السورية الى حالة استقطاب لكل المتعطشين لمقاتلة أميركا وحليفتها أو أداتها كما ظهرت في حرب تموز.
الخيار الثاني: وهو خيار <تحريكي> بمعنى تحريك ما توقف من مفاوضات ما كان يُسمّى ب<عملية السلام> وفق معايير مدريد القديم، او الدعوة الى مدريد جديد، بالاعتبار ما أعاق هذه العملية.. اي من دون اعتماد المبادرة العربية، او استخلاصات أوسلو: بل البحث في <سلة> مترابطة لاتفاقات ثنائية مرتبطة باتفاق عام، قد تكون جامعة الدول العربية، ممثلة لجميع الأعضاء خيمتها العامة.
هل خاض <حزب الله> حرباً، صغيرة مع حكومة أولمرت؟ أم خاض حرباً اقليمية مع الاحتلال الاستيطاني الذي يعزز بالقوة و<الغطرسة> حسب أقوال جنرالاته استمرار وتواصل وجوده؟.. أم ان <حزب الله> خاض حرباً، بالوكالة مع الولايات المتحدة الأميركية، كشفها التخطيط المسبق، والغطاء السياسي المفضوح لحكومة أولمرت والاحتلال، والسلاح العاجل المنقول جواً على وجه السرعة؟ وتغيّرت الصفة النمطية المكررة.. بأن <حزب الله> يخوض، ومنذ زمن حرب إيران، وسوريا.. فإذا عدوه، هو الذي يخوض الحرب نيابة عن القطب الأوحد؟
حزمة الأسئلة، ليست لها نهاية.. ذلك ان النهايات.. مرهونة، حتى الآن، غامضة، متأرجحة.. تخطّ وتمحى، بين لحظة سكون ريح وهبتها.. بين حديث الادعاء الذي يأتي من معظم الأطراف، واحتدام الخلافات داخل المؤسسة العسكرية، والمؤسسة السياسية من الكنيست إلى الأحزاب المكونة للمجتمع الصهيوني كله، داخل الارض المحتلة وخارجها، وتصريحات إدارة بوش، وكثرة كلامه في المؤتمرات الصحافية التي تعدّدت، مؤخراً، وتنوعت، وبين مداولات واجتماعات وتأجيلات مجلس جامعة الدول العربية وقمتها المعلقة، المسحوبة، والمجدّدة.. كل هذا.. مقابل الصمت، الذي يمارسه قائد المقاومة، السيد حسن نصر الله.. الذي وجّه أكثر من رسالة، أيام الحرب وأسابيعها.. وحين صمت صوت الرصاص، وهدير الدبابات وغابت الطائرات عن السماء، والبوارج عن البحر.. ركن للصمت، بعد أن كان آخر حديث له.. للناس، إيفاء بما وعد.. وإيعازاً ببدء إزالة مخلفات الحرب، المادية او مخلفات الحرب السياسية منها والعسكرية، وتقييم الحاضر ومؤشرات المستقبل. فقد استمهل السيد، وترك للفحص والتدقيق والمعاينة، أسئلة توالد أسئلة.. وصمت يوالد اسئلة.. ما لم يخرج على الناس، قبل نشر <القراءة> ليضع حداً لطنين النحل الذي يملأ الأجواء يوزع اللدغات في كل اتجاه.
المفهوم، في كل الحروب، إن المهزوم يدفع الثمن.. وتفاصيل الحراك داخل الاستيطان تفشى وعلى غير صعيد، نوع ومقدار الثمن الذي سيظهر بالصوت والصورة مدوياً.. حتى لو كانت الدولة الأقوى، الولايات المتحدة، تعد بجوائز ترضية للحفاظ على ماء الوجه.. عبر تحكمها بمجريات القرار في الأروقة الدولية، وتلك التي تسمى <الشرعية الدولية> التي يمثلها الآن، مجلس الأمن، حيث طُوّع هذا المجلس بالتمام والكمال، بعد الحرب على العراق العام 2003 غير أن خرائط الرمل التي ترسم موسمياً.. لا تزال تذرو خطوطها الريح.. وفي غير مكان.. وصلت اليه القوة العسكرية للرئيس الاميركي جورج بوش، من افغانستان، مروراً بالعراق، والى لبنان، ودائماً، في فلسطين.
في مواسم الثلج.. يُقام لقاء النحت على الجليد.. الذي ما إن يواجه بعض حرارة الشمس، يذب ويتلاشَ.. وفي مواسم الصيف، لقاء تصميم الهياكل والتماثيل الرملية. التي ما إن تهطل اولى تباشير المطر.. حتى ينهار الرمل ويتناثر.
هذا هو حال، المحاولات، التي تطلقها إدارة الرئيس بوش، وتابعه بلير حول <الشرق الأوسط> الكبير، الموسّع، او الجديد.. رغم المحاولات الحماسية التي يُراد له أن تغلف او تحمل الخارطة غير الثابتة.. في ادعاءات <نشر الديموقراطية> في وجه التخلف، او الإرهاب.
ما حصل.. لوحة او خارطة رمل.. مهدّدة في كل حين، خطوطها لا تزال طرية.. أمطار، آب، أغسطس المبكرة تهدّدها، وتباطؤ الاشتراك الدولي ب<اليونيفل> تهدّدها، وتفسيرات التواجد لهذه القوات بين الردع والنزع والحصار تهدّدها.. كما يهدّدها.. ودائماً، اتجاهات السير المتعاكسة بين إرادة لبنان. وادعاءات الولايات المتحدة الأميركية بأنها تسعى للوصول لنقطة التقاء المصالح بين ادعاءاتها تجاه لبنان، ودعمها الأبدي لأمن الاحتلال في فلسطين.. وقد يكون في هذا، بعض تفسير لبطء الخطوات، او تأجيلها.. وقد يكون البطء والتأجيل محاولة إخفاء لما يعد ويخطط لمسرح عمليات جديد.
? الانتصار:
نترك للآخرين، خصوصاً للعسكريين، تقييم ما تحقق من انتصار أنجزه <حزب الله> في حرب تموز ..2006 لكننا كفلسطينيين عرب.. لدينا بعض المعايير التي جاءت نتاج احتكاك مباشر مع هذا العدو، أخذ في بعض المناطق الفلسطينية شكل <المعايشة> المفروضة، بالإكراه.. وتالياً الخوض في يوميات المجتمع الصهيوني، وتقلباته وتجلياته.. منحى الرأي العام وتوجهه.. في التأجج او في الإحباط.
الانتصار، تحقق.. رغم اختلاف زاوية الرؤيا.. لكن الانتصار، كما دائماً ليس محل ادعاء مشاركة، فحسب بل محل فعل <نهش> يشكل خطورة، بقدر ما يثير المخاوف.. وعادة، أيضاً.. يطلب من الذي حقق الانتصار، القيام بخطوات، سريعة، لكنها فاعلة.. غرضها الأول، هو <تثبيت> الانتصار، وحمايته من عملية <النهش> و<القضم> والتفسير العملاني على الأرض.
خطوات التثبيت هذه.. بقدر ما هي ملحة، في حدودها، المحلية الحاضنة بقدر ما تحتاج الى سياج حماية أوسع من حدود المحلية.. وهذا بحدّ ذاته عمل دؤوب، محفوف بالتفسيرات المغرضة التي من شأنها أن تحدّ من هذا التحرك.
سد الذرائع، كما سد الثغرات، في خطوات <التثبيت> للانتصار.. تحتاج إلى دينامية ودأب.. وبالوقت نفسه الى معرفة حقيقية لمواضع الاقدام في كل حركة، صغيرها وكبيرها.. وقد يكون، من نافل القول، امام قوة <حزب الله> التي ظهرت عملياً في أيام حرب تموز ومجرياتها وتداعياتها، والتواضع الجمّ في إعلان النصر، قد يكون من نافل القول.. أن ندعو الى عملية نشطة لتثبيت الانتصار.. ممن حقق الانتصار وأنجزه، إنما قد يكون من الضروري جداً.. التنبيه الى ذلك.
إن ما ظهر، او نشر، او عرف، حتى الآن، عن أحداث، او اتصالات جرت خلف الأستار.. أثناء حرب تموز، وأيام هذه الحرب.. لا يزال في حدود النزر اليسير.. وهذا الذي نشر وظهر، وعرف، بحدوده الدنيا، يكفي لإعلان حالة استنفار قصوى باتجاه خطوات لفرض <تثبيت> الانتصار وتدعيمه وحمايته.. بل والمراكمة عليه. لأن من خطوات التثبيت المعروفة والمعتمدة، تأتي عملية المراكمة في بداية سلم الأولويات وقد يكون في ما تحقق من هذا الانتصار.. دليل على أهمية المراكمة.. التي جاءت بعد تحرير الجنوب العام ,2000 وتوضيح لما أردنا قوله.
حديث الانتصار، يطول، لكننا أمام جملة للرئيس جورج بوش.. رددها البعض، في الأروقة السياسية وكأنها تصدر عن قناعة هذا البعض، نحن أمام جملة للرئيس الأميركي، مفادها: أن من يتريّث ويدقق يجد أن حزب الله لم يحقق أي انتصار.
هذه الجملة.. ستردّ عليها التفاعلات في المجتمعات العربية.. بعض هذه التفاعلات قد بدأ، وبعضها الآخر.. لا يزال في المراجل.. لكن العراق، وفلسطين.. مرشحان، للردّ على هذه الجملة.. رداً عملياً.. وعلى الأرض.. فالانتصار يشكل حالة تحريض.. ومحاولة استفادة من دروسه.. أما الهزيمة فتشكل حالة إحباط وانكماش.. أما لوحة العراق.. فقد ردت بالأرقام وأيام حرب تموز وخلالها.. ردّت بالأرقام حول ارتفاع نسبة العمليات ضد الاحتلال الاميركي، وفي عدد ضحايا العنف في العراق، وفي الأحاديث التي كانت من المحرمات.. حول الاعتراف بالحرب الأهلية التي جاء بها الاحتلال الاميركي والذي ليس من دواء لها سوى الانصهار في بوتقة محاربة الاحتلال الأميركي بوجوده العسكري، وهيمنته السياسية.. وفساده الاقتصادي.. أما في فلسطين.. فقد سبق لعملية تحرير الجنوب العام 2000 ان شكلت حالة إلهام لانتفاضة الأقصى.. الأشدّ من الانتفاضة الاولى، والتي شهدت التطور النوعي المسلح في أدائها.. وما الصواريخ الصغيرة، ذات الصنع المحلي البدائي التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية من فلسطين وضد المستوطنات إلا <بروفة> مفترضة لحال وصول صواريخ بقدرة ما استخدمه حزب الله في حربه المنتصرة في تموز .2006 لحظة تخيل واحدة، لهذه الحالة المفترضة.. يمكن لها ان تتجاوز مجرد التفكير بالردّ على جملة الرئاسة الأميركية التي تفضح الحال بأكثر مما تحاول تغطيته..
? ما بعد 12 تموز:
يحق التساؤل، هنا: هل نقول ما بعد 12 تموز.. أم نقول ما بعد 14 آب 2006؟ لا شك في ان التاريخين، يختلفان في الدلالة او في أهداف الأطراف.
صحيح ان التاريخ الثاني 14 آب، هو نتيجة للتاريخ الاول12 تموز. لكن الأيام التي فصلت بين التاريخين كان لها دور أساس في التحكم بمنحى النتيجة.. وفي محاولة حرف هذا المنحى، ليعطي نتيجة أخرى.. لكن التوقف عند أحد التاريخين، وبخاصة 12 تموز، هو محاولة للمقاربة من تداعيات هذا التاريخ على الإقليم ككل.. فمركز الحدث ل 12 تموز، حقق انتصاره ومضى للإعمار، وأكثر الظن، بدأ في الخطوات العملية لتثبيت انتصاره.. أما الاقليم.. وهو هنا الأقطار العربية.. وخصوصاً المعنية منها: فلسطين، سوريا.. ثم إيران وعلى خطوة منها.. تركيا.. فإن 12 تموز سيكون له ما بعده بالنسبة للإقليم كله.
المحللون الإيطاليون، على اختلاف ميولهم السياسية، الذين يدعمون مشاركة بلادهم في <اليونيفيل> يقدرون أن <حزب الله> قد حقق انتصاراً لا شك فيه.. انتصاراً في <المعركة>، لكن الحرب لم تضع أوزارها، وهي مرشحة لعدة خروقات، أحدها، ستكون حرباً فاصلة.. لذلك، فهم يريدون لعب دور لمنع ذلك.. باعتبار أن ايطاليا الأقرب الى المنطقة العربية، وهي تريد ان تظهر للعرب، أنها قادرة على منع العدوان، وتريد ايضاً، ان تظهر للغرب أنها تستطيع أن تقوم بدور فعال، نيابة عنه في هذه المنطقة القلقة، وتريد أن تقول للولايات المتحدة، التي تنتهي مدة بقاء قواعدها، على الارض الايطالية في العام القادم، أن ايطاليا، سيدة نفسها وتستطيع ان تقوم بدورها، من دون دعم من القواعد الاميركية.. لكن ايطاليا المسلّمة، بأنها ليست عضواً دائماً في مجلس الأمن، لأنها من الخاسرين في الحرب العالمية الثانية، تعتقد ان فرنسا، لن تسمح لها في آخر المطاف بأن تتولى القيادة في <اليونيفيل> خصوصاً ان التردد الفرنسي في المشاركة.. قد حسم.
وفق هذا التوجه.. يكون 12 تموز قد وضع المنطقة برمّتها أمام خيارين:
الخيار الأول: انتظاري، بمعنى بدء الاستعداد الجدي، في انتظار الحرب القادمة، والتي ترسم ما بعد 12 تموز أسهم التوجه لآلتها الحربية.
والترجيحات، تحصر هذا التوجه باتجاهين: اتجاه سوريا، اتجاه ايران بالرغم من أن البعض يقول إن حرباً باتجاه ايران، مع الخشية من انقلاب الوضع في العراق، تكفي لتغيير الموازين في المنطقة وبرمّتها، مع لفت الأنظار بأن هذا البعض يعتقد سلفاً، بأن أميركا ستخوض حربا منتصرة، ونهائية ضد ايران.. للتخلص من آخر المعيقات التي تحول دون تنفيذ برامجها.. أما التحسّب لحرب مع سوريا، فهو تحسّب ينطلق من منطلقين.. خشية ان تكون سوريا أعدّت لمواجهة تعتمد نهج المقاومة لا نهج الحرب الكلاسيكية وخشية أن تكون اي حرب ضد سوريا سبباً اضافياً لكراهية العرب والمسلمين، ليس لأميركا فحسب، بل لكل الغرب، وتالياً تحوّل الارض السورية الى حالة استقطاب لكل المتعطشين لمقاتلة أميركا وحليفتها أو أداتها كما ظهرت في حرب تموز.
الخيار الثاني: وهو خيار <تحريكي> بمعنى تحريك ما توقف من مفاوضات ما كان يُسمّى ب<عملية السلام> وفق معايير مدريد القديم، او الدعوة الى مدريد جديد، بالاعتبار ما أعاق هذه العملية.. اي من دون اعتماد المبادرة العربية، او استخلاصات أوسلو: بل البحث في <سلة> مترابطة لاتفاقات ثنائية مرتبطة باتفاق عام، قد تكون جامعة الدول العربية، ممثلة لجميع الأعضاء خيمتها العامة.