بسم الله
يا علي
قبل أيام كنا في ضيافة رسول الله ، في مدينته المباركة ، تجلس مابين نور رسول الله ، وغلاظة وفظاظة الساكنين هناك ، ثمة شعور يراودني يجعلني أرق لذاك النبي الذي عاش مع هؤلاء ... عندما تتحدث مع أحدهم ، تعرف عمق البلاء الذي ابتلي به رسول الله ، وأن ما كان يفعله أجداد القوم مع أشرف المخلوقات حيث ينبطح جلف من أجلافهم على بطنه ويقول حدثنا يا محمد... أمر غريب ، وبلاء لاحق رسول الله ، وأدركت حينها لماذا يقول المعيدي (الله يخلق ومحمد يبتلي)
في ذلك الخضم ، بين هؤلاء ، تصنف زيارة القبور شرك وكفر بالله ، ويصنف القوم خزان الله في أرضه ، وأن هيئة الأمر بالمنكر هي المتصرفة بشؤون الخلق ، المتولية لحسابهم ، فتقبيل الأضرحة ، والتمسح بالقبور جريمة لا تغتفر ، ولابد أن تحاسب عليها في دنياك في سراديبهم كما ستلقى جهنم في أخراك ...
إني ومع كل ذلك ، ومع بغضي لهم ، عقدت النية على أن أقبل مرقد إمامي المجتبى ... لقد عقدت النية على أن أفعلها رغم أنوفهم ، ورغم أوسع است كان لأغلظ وهابي هناك ...
وصلنا المدينة مساء الجمعه ، الحرم مغلق ، والبقيع مغلق ، كان موعدنا فجر السبت ، هناك كانت أول مرة في حياتي أشاهد مرقد إمامي الحسن وأدرك ماذا يحتوي ...
لقد دمعت عيناني رغمًا عنهما ، هناك لم أقرأ زيارة ولم أقرأ شيئًا ، كل مافي الأمر أني سلمت على أئمتي واحدًا واحدًا وخرجت مودعًا إياهم ، على أن ألتقي بهم عاجلا ... لكن قبل أن أخرج عاهدت نفسي أن لا أرجع بلدي إلا بعد أن أقبل قبر الحبيب المجتبى ...
جئت عصرًا وعدت لأزور البقيع ، زرت إمامي مرة أخرى على نفس الحالة وأفكر في حيلتي للدخول ودمعت كما دمعت أول مرة والغرابة والذهول تحكمني ... أحقًا أمامي الإمام المجتى ؟
غريب وأطراف البيوت تحوطه ... ألا كل من تحت التراب غريب
حتى أتذكر أن أحد الزوار الإيرانين سألني لمن هذه القبور استغربت من جهله ، فأجبته أن ذاك القبر لفاطمة بنت أسد ، أشار إلى الجهة الأخرى ، فأجبته أن القبر للعباس عم النبي ، أشار مرة أخرى يقول لم أقصد هذين ... أشير إلى القبر ذي الأربع !!!
لا أدري هل كان لا يعلم ، أم يحاول أن يصانع نفسه ويخادعها لعل القبر يكون ليس لأئمته ...
أجبته : هذه قبور الإمام الحسن والسجاد والباقر والصادق ... نظر نظرة ، رفع يديه وضرب بهما وجهه ضربة مؤلمة كلها انفعال وتحسر على مايجري وكأنه في قلبه لعن كل وهابي وكل وهابية لخناء أنجبت وهابيًا !
بقيت حتى نهاية الموعد ، ويأتيني أحد الأجلاف ... انتهى وقت الزيارة ، فلعنته وخرجت ، على أن أعود في الغد ...
حان فجر الأحد ، الآن في كامل استعداداتي ... سأزور إمامي الآن ، حافيًا حاسرًا ، ولاشيئ في جيبي ، لا محفظة ، ولا أوراق ولا أقلام ولا أي شيء معي ، لم آتي إلا بثياب متعطرة بعد أن اغتسلت ...
أنا مستعد لزيارة أئمتي الآن ، ذهبت للحرم النبوي ... صليت ماتيسر لي ثم سلمت على رسول الله وزرته على عجالة وخرجت إلى البقيع قبل صلاة الفجر ، هناك انتظرت قليلا ، تذكرت بعض مصائب أئمتي ، بكيتهم ... ثم صليت الفجر ... وبعد لحظات تم فتح أبواب البقيع ...
وقفت على الباب مستئذنًا ... بعدها دخلت ، ولم أستقبل القبور بعد ،،،
أثناء دخولي شادت شيخًا كبيرًا يدعو ويبكي ، فالتمست الدعاء منه ، لعل دعاءه يجاب وأوفق لما أنوي ، ومشيت ...
وكلما شاهدت زائرًا يرفع صوته بالزيارة وقفت معه أزور ... حتى فرغت من الزيارة استقبلت القبور ووقفت أنظر وأدمع ...
إنها ساعتي الموعودة ... الآن سأزور أئمتي ... أنا مستعد للزيارة ، ومستعد لأدخل سراديبهم ، أيضًا ... لكن أريد انتهاز الفرصة كي أحظى بأكبر وقت لأبقى هناك... بجاوري أحد الزوار ... ساسرته بالدخول ؛ فأبدى استجابة ملؤها التخوف ... لم أتشجع للدخول معه ولم أستعجل ... بقيت هناك أتأمل أئمتي وألعن كل جلف يقف حارسًا هناك ...
لا أدري كم كان الوقت ، لكن أظنه استغرق أكثر من ساعة ونصف أو ساعتين فالشمس بدأت تسخن ...عمومًا تعتبت من الانتظار هكذا ، فالأجلاف لا يتركون لي فرصة مناسبة أهنئ بها في زيارتي ، سيكون دخولي سراديبهم أسرع من اللازم ...
عدت لأحتال بحيلة ، ولا أدري ماهي ! المهم ذهبت للمقبرة من جهة في الخلف ، وخلوت بنفسي هناك ، وطاب لي الجلوس ، فعقدت النية على أن أزور الحسين وأهدي زيارتي للحسن عليهما السلام ... وفعلتها وجلست أتأمل ... وأتوسل ...
مضى الوقت وأنا جالس ولا أدري كم مضى !
لحظات وإذا شاهد نقطة دم بيدي ، ففكرت أن أقوم بتطهيرها ، وكأن الله شاء أن أتزحز هذه اللحظة لأطهر يدي ... سبحان الله ، ذهبت وإذا أشاهد الأجلاف هناك من هيئة الأمر بالمنكر يخرجون الزوار ، طهرت يدي ، وحدقت بعيني إلى حيث أئمتي !!!
الأجلاف ليسوا هنا ، نظرة أخرى أتأكد ، بالفعل لا يوجد أحد هنا !!!
شاهدت أحد الزوار الإحسائين وسألته: أين رجال الأمر بالمنكر ، أجاب لا يوجد أحد لكن توجد كاميرات !
وما شأني بالكاميرات ؟ أنا مستعد للسرداب أصلا ...
خطوات قبل الدخول ... الوقت يفصلني عن الحبيب لا أكثر ...
قبل أن أدخل ، شاب فارسي واقف هناك ... تبادلنا النظرات ؛ كلانا يفكر بما يفكر به الآخر ... سألني بالفارسية التي لم أفهمها لولا إيحاءات وجهه بأنه لا أحد هنا ؟ ، فأجبته بعربية لم يفهمها ذهبوا لإخراج الزوار...
ثم بفارسية لكناء عرجاء خاطبته : بقو يا علي ... وبرو
نظر إلي ، قال : يا علي ، فتح السلاسل المحيطة بالبقيع ، دقات قلبي بدأت تنبض أكثر من اللازم ... سبقني ودخل بعد أن خلع حذاءه ... لحقته وبدأت أركض بسرعه خاطفة ، لكني لم أصل بعد مع قصر المسافة ...
الركض لم يعد يجدي ، أشعر من فرط السرعه أنني أطير ...
لحظات ...
قلبي بدأ يبنض أكثر من اللازم ...
الآن وصلت إلى الحبيب ...
هويت على القبر ، كثاكلة عادت إلى قبر مثكِلها بعد أن فارقته عقودًا ، لا تدري تبكي جزعًا عليه ، أم تضحك فرحًا للقياه بقبرها ...
لقد هويت على القبر فاقد العقل !
لازلت أتخيل المنظر حاسرٌ حافٍ يركض في مقبرة ، ثم يهوي على قبر ٍ، فيعفر خديه به ، ويقبل التراب كالأبله ، ... مجنون نعم ، دعوا العقل لكم ، ألفت الجنون وأحببته ...
ثم قبضت على حفنة تراب وضعتها في جيبي الأعزل ... قبضت على ما كنت أقوى على أن أقبض عليه ...
ولعل الشاب الإيراني فعل كما فعلت ... لا أدري كنت خارج وعيي ولا أدرك ما يدور وماذا فعل صاحبي !
قبل أن أخرج قبلت أربع صخور كانت بمثابة شاهد على حيث يرقد أنوار الله في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى !
منظر يقطع القلوب ، وحالة أثملتني فلم أع ما يحدث ...
خرجت ولا زلت في نشوتي لا أدرك ما يدور حولي ...
حان وقت العودة ...
لكن قبل العودة لا بد أن أشكر المنعم على ما أنعم ... وأنا على باب تلك المقبرة ، صليت ركعتين شكرًا لله على أن أصلي بعدهما ركعتين للزيارة ...
بعد أن أتمت الركعة الأولى وبدأت بالوقوف للركعة الثانية سمعت صراخ وهابي ٍ آسيوي ٍ لا أشك مقدار أنمله أنه جمع الثلاث لعنه الله ... يصرخ موجهًا خطابه لي ولشخص بجاوري بأنهما دخلا إلى قبور أهل البيت ، فأدركت أن الزائر الإيراني أراد أن يسلم علي قبل أن يغادر ، لكن هذا الجلف أراد أن يمنع ذلك وأن يدخلنا في سردابهم ... أتمتت صلاتي وأشاهد منظر الزائر الإيراني ويراد أن يجر وأن أجر معه ...
توقفت لأرفع صوتي وألاسنهم ، حيث تجمع وهابي آخر ومعه عسكريين من أجلاف المدينه ، أحدهم مطعون في عجانته بشكل يقيني ، والآخر لعله ابن حيض والله العالم ...
وهم يريدون أخذي إلى سردابهم ...
لم أكن أخشى الدخول ، لكن تذكرت أمرًا لم أكن حسبت له حسابًا من قبل ، وهو أن تراب البقيع الذي قبضته من قبر الحبيب لا يزال في جيبي وهذا ما قد يصادر مني هناك ...
بدأت بملاسنتهم ، والصراخ في وجههم وأنكرت دخولي هناك ...
فأقسم الجلف الآسيوي أنه شاهدني أدخل ، فقلت له أقسم برسول الله وبقبته الخضراء ، فقال بأنه أقسم بالله ، فأجبته على الفور اجعل رسول الله بيني وبينك شاهدًا يا كذاب ... قال لا أحتاج إلى شاهد ...
اتهمته بالكذب ولم يكن يكذب ، واستخدمت التورية في حواري معهم ، وبعدها تدخل زائر عراقي وآخر كويتي وحاولا حل النزاع وأنا لازلت أنكر وأتحجج بأني لابد أن أعود إلى الكويت الآن ... الحملة سترجع في هذه الساعه وأنتم تعطلوني ، فقال الوهابي سنأخذك للتحقيق أقل من خمسة دقائق ، فأجبته لا وقت لدي ... أنا مستعجل ...
خرجت مع الزائرين الذين كان لهما الفضل بعد الحبيب المجتبى في إخراجي من بين هؤلاء الأجلاف ...
خرجت وأنا لازلت في نشوتي ... وضعت يدي في جيبي أخذت حفنة تراب ، أهديتها للزائر الكويتي ، ثم حفنة أخرى للزائر العراقي ... ولعل هؤلاء الأجلاف تركوا الزائر الإيراني وشأنه كما كان يبدو لي حيث لاحظت انشغالهم بمجادلتي لعنهم الله ...
عدت ماشيًا أترنح وحسب ما أذكر كنت فاقدًا لقواي العقلية ... تذكرت أني لم أصل ركعتي الزيارة بعد ... فصليتهما هنا في طريقي ... ثم سجدت سجدة شكرًا لله قبل العودة إلى الفندق ...
أما مسلسل ما داخل الفندق بين الشباب فلا ينتهي ...
اللهم العن الوهابية الأجلاف ، وأزلهم عن الوجود عاجلا ، وأرنا قبور أئمتنا منيرة بقبابها بأعجل ما يكون ...
وصلى الله على حبيبه المصطفى وآله الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا ...
__________________
يا علي
قبل أيام كنا في ضيافة رسول الله ، في مدينته المباركة ، تجلس مابين نور رسول الله ، وغلاظة وفظاظة الساكنين هناك ، ثمة شعور يراودني يجعلني أرق لذاك النبي الذي عاش مع هؤلاء ... عندما تتحدث مع أحدهم ، تعرف عمق البلاء الذي ابتلي به رسول الله ، وأن ما كان يفعله أجداد القوم مع أشرف المخلوقات حيث ينبطح جلف من أجلافهم على بطنه ويقول حدثنا يا محمد... أمر غريب ، وبلاء لاحق رسول الله ، وأدركت حينها لماذا يقول المعيدي (الله يخلق ومحمد يبتلي)
في ذلك الخضم ، بين هؤلاء ، تصنف زيارة القبور شرك وكفر بالله ، ويصنف القوم خزان الله في أرضه ، وأن هيئة الأمر بالمنكر هي المتصرفة بشؤون الخلق ، المتولية لحسابهم ، فتقبيل الأضرحة ، والتمسح بالقبور جريمة لا تغتفر ، ولابد أن تحاسب عليها في دنياك في سراديبهم كما ستلقى جهنم في أخراك ...
إني ومع كل ذلك ، ومع بغضي لهم ، عقدت النية على أن أقبل مرقد إمامي المجتبى ... لقد عقدت النية على أن أفعلها رغم أنوفهم ، ورغم أوسع است كان لأغلظ وهابي هناك ...
وصلنا المدينة مساء الجمعه ، الحرم مغلق ، والبقيع مغلق ، كان موعدنا فجر السبت ، هناك كانت أول مرة في حياتي أشاهد مرقد إمامي الحسن وأدرك ماذا يحتوي ...
لقد دمعت عيناني رغمًا عنهما ، هناك لم أقرأ زيارة ولم أقرأ شيئًا ، كل مافي الأمر أني سلمت على أئمتي واحدًا واحدًا وخرجت مودعًا إياهم ، على أن ألتقي بهم عاجلا ... لكن قبل أن أخرج عاهدت نفسي أن لا أرجع بلدي إلا بعد أن أقبل قبر الحبيب المجتبى ...
جئت عصرًا وعدت لأزور البقيع ، زرت إمامي مرة أخرى على نفس الحالة وأفكر في حيلتي للدخول ودمعت كما دمعت أول مرة والغرابة والذهول تحكمني ... أحقًا أمامي الإمام المجتى ؟
غريب وأطراف البيوت تحوطه ... ألا كل من تحت التراب غريب
حتى أتذكر أن أحد الزوار الإيرانين سألني لمن هذه القبور استغربت من جهله ، فأجبته أن ذاك القبر لفاطمة بنت أسد ، أشار إلى الجهة الأخرى ، فأجبته أن القبر للعباس عم النبي ، أشار مرة أخرى يقول لم أقصد هذين ... أشير إلى القبر ذي الأربع !!!
لا أدري هل كان لا يعلم ، أم يحاول أن يصانع نفسه ويخادعها لعل القبر يكون ليس لأئمته ...
أجبته : هذه قبور الإمام الحسن والسجاد والباقر والصادق ... نظر نظرة ، رفع يديه وضرب بهما وجهه ضربة مؤلمة كلها انفعال وتحسر على مايجري وكأنه في قلبه لعن كل وهابي وكل وهابية لخناء أنجبت وهابيًا !
بقيت حتى نهاية الموعد ، ويأتيني أحد الأجلاف ... انتهى وقت الزيارة ، فلعنته وخرجت ، على أن أعود في الغد ...
حان فجر الأحد ، الآن في كامل استعداداتي ... سأزور إمامي الآن ، حافيًا حاسرًا ، ولاشيئ في جيبي ، لا محفظة ، ولا أوراق ولا أقلام ولا أي شيء معي ، لم آتي إلا بثياب متعطرة بعد أن اغتسلت ...
أنا مستعد لزيارة أئمتي الآن ، ذهبت للحرم النبوي ... صليت ماتيسر لي ثم سلمت على رسول الله وزرته على عجالة وخرجت إلى البقيع قبل صلاة الفجر ، هناك انتظرت قليلا ، تذكرت بعض مصائب أئمتي ، بكيتهم ... ثم صليت الفجر ... وبعد لحظات تم فتح أبواب البقيع ...
وقفت على الباب مستئذنًا ... بعدها دخلت ، ولم أستقبل القبور بعد ،،،
أثناء دخولي شادت شيخًا كبيرًا يدعو ويبكي ، فالتمست الدعاء منه ، لعل دعاءه يجاب وأوفق لما أنوي ، ومشيت ...
وكلما شاهدت زائرًا يرفع صوته بالزيارة وقفت معه أزور ... حتى فرغت من الزيارة استقبلت القبور ووقفت أنظر وأدمع ...
إنها ساعتي الموعودة ... الآن سأزور أئمتي ... أنا مستعد للزيارة ، ومستعد لأدخل سراديبهم ، أيضًا ... لكن أريد انتهاز الفرصة كي أحظى بأكبر وقت لأبقى هناك... بجاوري أحد الزوار ... ساسرته بالدخول ؛ فأبدى استجابة ملؤها التخوف ... لم أتشجع للدخول معه ولم أستعجل ... بقيت هناك أتأمل أئمتي وألعن كل جلف يقف حارسًا هناك ...
لا أدري كم كان الوقت ، لكن أظنه استغرق أكثر من ساعة ونصف أو ساعتين فالشمس بدأت تسخن ...عمومًا تعتبت من الانتظار هكذا ، فالأجلاف لا يتركون لي فرصة مناسبة أهنئ بها في زيارتي ، سيكون دخولي سراديبهم أسرع من اللازم ...
عدت لأحتال بحيلة ، ولا أدري ماهي ! المهم ذهبت للمقبرة من جهة في الخلف ، وخلوت بنفسي هناك ، وطاب لي الجلوس ، فعقدت النية على أن أزور الحسين وأهدي زيارتي للحسن عليهما السلام ... وفعلتها وجلست أتأمل ... وأتوسل ...
مضى الوقت وأنا جالس ولا أدري كم مضى !
لحظات وإذا شاهد نقطة دم بيدي ، ففكرت أن أقوم بتطهيرها ، وكأن الله شاء أن أتزحز هذه اللحظة لأطهر يدي ... سبحان الله ، ذهبت وإذا أشاهد الأجلاف هناك من هيئة الأمر بالمنكر يخرجون الزوار ، طهرت يدي ، وحدقت بعيني إلى حيث أئمتي !!!
الأجلاف ليسوا هنا ، نظرة أخرى أتأكد ، بالفعل لا يوجد أحد هنا !!!
شاهدت أحد الزوار الإحسائين وسألته: أين رجال الأمر بالمنكر ، أجاب لا يوجد أحد لكن توجد كاميرات !
وما شأني بالكاميرات ؟ أنا مستعد للسرداب أصلا ...
خطوات قبل الدخول ... الوقت يفصلني عن الحبيب لا أكثر ...
قبل أن أدخل ، شاب فارسي واقف هناك ... تبادلنا النظرات ؛ كلانا يفكر بما يفكر به الآخر ... سألني بالفارسية التي لم أفهمها لولا إيحاءات وجهه بأنه لا أحد هنا ؟ ، فأجبته بعربية لم يفهمها ذهبوا لإخراج الزوار...
ثم بفارسية لكناء عرجاء خاطبته : بقو يا علي ... وبرو
نظر إلي ، قال : يا علي ، فتح السلاسل المحيطة بالبقيع ، دقات قلبي بدأت تنبض أكثر من اللازم ... سبقني ودخل بعد أن خلع حذاءه ... لحقته وبدأت أركض بسرعه خاطفة ، لكني لم أصل بعد مع قصر المسافة ...
الركض لم يعد يجدي ، أشعر من فرط السرعه أنني أطير ...
لحظات ...
قلبي بدأ يبنض أكثر من اللازم ...
الآن وصلت إلى الحبيب ...
هويت على القبر ، كثاكلة عادت إلى قبر مثكِلها بعد أن فارقته عقودًا ، لا تدري تبكي جزعًا عليه ، أم تضحك فرحًا للقياه بقبرها ...
لقد هويت على القبر فاقد العقل !
لازلت أتخيل المنظر حاسرٌ حافٍ يركض في مقبرة ، ثم يهوي على قبر ٍ، فيعفر خديه به ، ويقبل التراب كالأبله ، ... مجنون نعم ، دعوا العقل لكم ، ألفت الجنون وأحببته ...
ثم قبضت على حفنة تراب وضعتها في جيبي الأعزل ... قبضت على ما كنت أقوى على أن أقبض عليه ...
ولعل الشاب الإيراني فعل كما فعلت ... لا أدري كنت خارج وعيي ولا أدرك ما يدور وماذا فعل صاحبي !
قبل أن أخرج قبلت أربع صخور كانت بمثابة شاهد على حيث يرقد أنوار الله في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى !
منظر يقطع القلوب ، وحالة أثملتني فلم أع ما يحدث ...
خرجت ولا زلت في نشوتي لا أدرك ما يدور حولي ...
حان وقت العودة ...
لكن قبل العودة لا بد أن أشكر المنعم على ما أنعم ... وأنا على باب تلك المقبرة ، صليت ركعتين شكرًا لله على أن أصلي بعدهما ركعتين للزيارة ...
بعد أن أتمت الركعة الأولى وبدأت بالوقوف للركعة الثانية سمعت صراخ وهابي ٍ آسيوي ٍ لا أشك مقدار أنمله أنه جمع الثلاث لعنه الله ... يصرخ موجهًا خطابه لي ولشخص بجاوري بأنهما دخلا إلى قبور أهل البيت ، فأدركت أن الزائر الإيراني أراد أن يسلم علي قبل أن يغادر ، لكن هذا الجلف أراد أن يمنع ذلك وأن يدخلنا في سردابهم ... أتمتت صلاتي وأشاهد منظر الزائر الإيراني ويراد أن يجر وأن أجر معه ...
توقفت لأرفع صوتي وألاسنهم ، حيث تجمع وهابي آخر ومعه عسكريين من أجلاف المدينه ، أحدهم مطعون في عجانته بشكل يقيني ، والآخر لعله ابن حيض والله العالم ...
وهم يريدون أخذي إلى سردابهم ...
لم أكن أخشى الدخول ، لكن تذكرت أمرًا لم أكن حسبت له حسابًا من قبل ، وهو أن تراب البقيع الذي قبضته من قبر الحبيب لا يزال في جيبي وهذا ما قد يصادر مني هناك ...
بدأت بملاسنتهم ، والصراخ في وجههم وأنكرت دخولي هناك ...
فأقسم الجلف الآسيوي أنه شاهدني أدخل ، فقلت له أقسم برسول الله وبقبته الخضراء ، فقال بأنه أقسم بالله ، فأجبته على الفور اجعل رسول الله بيني وبينك شاهدًا يا كذاب ... قال لا أحتاج إلى شاهد ...
اتهمته بالكذب ولم يكن يكذب ، واستخدمت التورية في حواري معهم ، وبعدها تدخل زائر عراقي وآخر كويتي وحاولا حل النزاع وأنا لازلت أنكر وأتحجج بأني لابد أن أعود إلى الكويت الآن ... الحملة سترجع في هذه الساعه وأنتم تعطلوني ، فقال الوهابي سنأخذك للتحقيق أقل من خمسة دقائق ، فأجبته لا وقت لدي ... أنا مستعجل ...
خرجت مع الزائرين الذين كان لهما الفضل بعد الحبيب المجتبى في إخراجي من بين هؤلاء الأجلاف ...
خرجت وأنا لازلت في نشوتي ... وضعت يدي في جيبي أخذت حفنة تراب ، أهديتها للزائر الكويتي ، ثم حفنة أخرى للزائر العراقي ... ولعل هؤلاء الأجلاف تركوا الزائر الإيراني وشأنه كما كان يبدو لي حيث لاحظت انشغالهم بمجادلتي لعنهم الله ...
عدت ماشيًا أترنح وحسب ما أذكر كنت فاقدًا لقواي العقلية ... تذكرت أني لم أصل ركعتي الزيارة بعد ... فصليتهما هنا في طريقي ... ثم سجدت سجدة شكرًا لله قبل العودة إلى الفندق ...
أما مسلسل ما داخل الفندق بين الشباب فلا ينتهي ...

اللهم العن الوهابية الأجلاف ، وأزلهم عن الوجود عاجلا ، وأرنا قبور أئمتنا منيرة بقبابها بأعجل ما يكون ...
وصلى الله على حبيبه المصطفى وآله الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا ...
__________________
تعليق