بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد الأمين وآله وصحبه أجمعينالسلام عليكم
أخوكمmad man من مِصْر
قبل كل شيء بوركتم على هكذا منتدى يغلب فيه صوت الاحترام بغض النظر عن بعض التجاوزات التي تسيء لصاحبها قبل المُساء إليه.
سأسرد عليكم قصتي وأدعو الله أن يلهمكم الصبر وعدم الملل.
ربما تتساءلون "وما أهمية هكذا قصة؟"
أعتقد أنها توضح الكثير من واقعنا المؤسف.
انتقل أبويّ للعمل في المملكة السعودية وأنا في الصف الرابع الابتدائي حتى أكملت الثانوية ثم عدنا لمِصْر.
قبل أن أعود مررت بعدة مراحل.
أولها .. مرحلة غسيل دماغ شبه كاملة في المدارس والمجتمع السعودي حتى أصبحت ما أسميته لاحقاً متطرفاً وهابياً من الدرجة الأولى.
اعتبرت أن كل من خرج عن الفقه السعودي -أو بالأصح الفقه البدوي- بل وكل ما خرج عن التقاليد البدوية السعودية من ملبس و مشرب والتي تُعلّم في السعودية على أنها جزء لا يتجزأ من الدين اعتبرته مرتداً أو على الأقل فاسقاً يجب معاقبته بل و منعه و جعله عبرة لمن لا يعتبر.
حتى موطني و أهلي لم يسلموا من نظرتي تلك.
ناهيك عمّا اعتقدته في الشيعة من قبيل أنهم كفرة مرتدين لا يؤمنون بنبوة محمد ويطعنون في القرآن و الصحابة.
(أذكر تفسيرهم لحديث الرسول عن يهود آخر الزمان مرتدي الطواليت أن المقصود بهم شيعة إيران مرتدي العمائم السوداء !)
وللأسف كنت أروج تلك "الأكاذيب"
ببساطة كنت ابن لادن من الملايين من بني لادن الذين تخرّجهم مدارس ومساجد السعودية.
ثم كان عام 98 وعمليات الجيش الأمريكي في العراق .. على ما أعتقد ثعلب الصحراء.
رأيت القوات الأمريكية في قواعدها في الطائف وبجوار منزلي قرب القصيم تحتشد في ما كنت أعتقد أنه حامي حمى الإسلام لتقتل مسلمين آخرين.
كنت في أوائل المرحلة الثانوية واشترينا جهاز "دش"
ورأيت عالم آخر..
عالم طالما حُذرت من رؤيته كما كان يردني من فتاوى ابن باز المُخلِّدة في النار لكل من اقترف كبيرة إدخال الدش إلى بيته.
وعرفت مم كان يخاف السعوديون..
ليس الخلاعة والإباحية في تلك الفضائيات فهذا لا يهم أي مسلم محترم قادر على ضبط نفسه
بل من الخيارات الأخرى.
تلك الخيارات الفقهية و السياسية والاجتماعية والتي لا تأتي على هوى فقهاء السعودية ومن ورائهم ملوكهم.
حق الاختيار في حد ذاته خطر داهم لا يقدر فقهاء وحكام السعودية على مواجهته لذا كان دائماً من الأسهل أن يقوموا هم بالاختيار نيابة عن المسلمين.
ربما يقول البعض "ريموت كنترول فعل كل هذا؟"
بالتأكيد لا..
فطالما راودتني تساؤلات حول ما أقدر أن أسميه "الإسلام السعودي" وكونه غير عملي لغالبية المسلمين –بالنسبة لغير البدو- و مُنفّر جداً لمن هو خارج الإسلام.
كما كنت أتساءل إن كان هذا هو المجتمع الإسلامي الأفضل فلم كل ذلك الانحلال وضعف التدين في المجتمع السعودي ؟
بالتأكيد يوجد علة ما ..
عندها انتهت تلك المرحلة المريرة في حياتي
وبدأت مرحلة أمرّ و أسوأ .. مرحلة من أنا ؟ وسأذكر هنا من أنا من الناحية الدينية لأن الموضوع طويل بما فيه الكفاية دون التطرق للنواحي العاطفية و القومية.
في السابق الإجابة كانت بسيطة جداً .. سُني
ولكن ما معنى سُني ؟
عندما سألت قيل لي أن السنة هم من يتّبعون سنة النبي و الدين الصحيح
و لكن في الفضائيات الشيعة يقولون نفس الشيء
وكان الرد الجاهز دائماً أنهم منافقين ويقولونها تقية ولا تسمع لهم.
ولكن عندما ذهبت للحج كان يُعجبني جداً منظر الشيعة الإيرانيين في تدينهم و أدبهم
وكنت أجلس معهم لكن لم أكن أملك الجرأة لأسألهم عن ماهية التشيع على الأقل كي لا أسبب أي إحراج..
و بما أني أصبحت عادلاً بعض الشيء فبدأت أهاجم من يهاجم الشيعة في الفصل المدرسي
ليس لمعرفتي بهم بل لكونهم طرف غائب لم أسمع وجهة نظرهم ولا يوجد أي مرجع محايد يشرح من هم الشيعة ولطالما تسبب ذلك في مشاكل مع الطلبة السعوديين ومدرس التربية الدينية الذي صادر مني كتاب أدعية أعطاني إياه حاج شيعي.
كما أنني لم أبتلع موضوع التقية المطلقة كما يقول السعوديون عن الشيعة وأن تُوصف أمة كاملة بالكذب..
بل واقتنعت لاحقاً بوجهة النظر الشيعية في ذلك الموضوع لأن أي إنسان يوضع في موقف "مُهدد" لحياته قد يلجأ للكذب وهذا وارد عند كل البشر حتى السنة منهم وكما ورد عن ما فعله الصحابي الجليل عمار بن ياسر عندما طعن في الرسول الكريم عندما عُذب و قُتل أبويه أمام عينيه ثم برأه الرسول لأنه كان مُكرهاً و هذا معروف في السنة .. لذا الكذب تحت التهديد عند الجميع سواءً أعطوها تسمية كما يفعل الشيعة أو لم يعطوها كما يفعل السنة.
وبالتأكيد كتاب مادة التاريخ السعودي لا يسمن ولا يغني من جوع في تبيين أو حتى ذكر ما علمت لاحقاً أنه حدث سواء بعد وفاة الرسول مباشرةً أو ما فعله معاوية وجنده في سيدي علي ومن بعده من الذرية المطهرة وأدى إلى تفرق المسلمين بهذا الشكل.
فيكفي الكتاب أنه يتحدث عن آل سعود أكثر مما تحدث عن آل البيت !
بالإضافة لتكفيره وتسفيهه كل من وقف أمام نشأة الدولة السعودية الأولى والثانية و خصوصاً المصريين
بل و يُزيد من الأمور غموضاً بالحديث عن تلك الحقبة التاريخية ويتكلم عن فتنة حدثت بدون توضيح ماهيتها ثم يتحدث عن بعض الخوارج ثم مؤامرة لقتل الإمام علي و معاوية في نفس الوقت دبرها المجوس أو شخص ما ولم تُفلح إلا في قتل الإمام علي ولا يأتي على الإطلاق موضوع قتل سيدي الحسين وآله في كربلاء ولا عما فعله الأمويون في كل من والى –أو بالأصح- شايع سيدنا علي كرم الله وجهه.
------------------------
ما سبب كل ذلك العداء ؟
اعتقد أننا يوماً بعد يوم ندرك أن ولاء حكام السعودية للحكومة الأمريكية -لاحظ الارتباط الوثيق بينهما منذ أوائل القرن العشرين وكيف أخرج الاحتكار الأمريكي للنفط السعودي لخمسين عاماً أمريكا من الكساد الكبير عندما انهار الاقتصاد الأمريكي في أوائل القرن الماضي- وهذا لا يخفى على أحد
ومن عادى أمريكا فهو في عداء مع السعودية
بالإضافة للفائدة الشخصية لحكام السعودية تماماً كأي حاكم لا مصداقية له بأن يفرض سلطان الخوف من عدو ما على شعبه وبذلك يضمن اصطفافهم خلفه وقطع رقبة أي من خرج من ذلك الخوف بتهمة العمالة و الخيانة بل و الكفر في حالتنا هذه
ولا يوجد أفضل من غطاء ديني تعطيه للعداء مع إيران ذو الغالبية الشيعية
حتى أنهم أعطوا العداء بُعد قومي إضافة للبُعد الديني مستغلين العداء القديم بين العرب و الفرس بمحاولة نسب الشيعة كلهم لإيران الفارسية بالرغم من أن مذهب الإمامية الإثنى عشرية ظهر في جنوب لبنان العربي قبل إيران وأن الحوزة في النجف الأشرف أقدم من حوزة قم المقدسة كما سمعت و أنه يوجد في الشيعة العرب من يختلف مع إيران -بل وقد يعاديها سياسياً- كما أنهم كانوا من أهم من دعم الثورة القومية العربية كما ورد عن دعم شيعة العراق لجمال عبد الناصر إبان ثورته في مِصْر
فالسعوديون يعملون طبقاً لأجندة أمريكية بغطاء ديني قومي وأبسط دليل على هذا أنه لم نكن نسمع عن تحريض سعودي باسم السنة ضد الشيعة –وخصوصاً الإيرانيين- قبل مجيء ثورة 79 على الشاه في إيران بالرغم من أن الشيعة كانوا موجودين قبل عام 79 ببساطة لأنه لم يكن هناك عداء إيراني أمريكي
كما أننا نسمع حالياً في القنوات الإعلامية الممولة سعودياً عند الحديث عن العراق تعبير "العرب السنة" في حين لا يوصف الشيعة بالعروبة نهائياً
تماماً كما فعل الصرب في تمهيدهم لتطهير يوغوسلافيا من مسلميها بربط الديانة المسيحية الأرثوذوكسية –عقيدة الصرب- بالقومية اليوغوسلافية وسلب تلك القومية من المسلمين بل و ربطهم بالدولة القريبة ذات العداء مع يوغوسلافيا وهي ألبانيا المسلمة
نفس الأُسلوب في كلا الصراعين تمهيداً لاجتثاث العناصر الغير مرغوب بها
حيث عملوا على تأجيج صراع لم يكن موجود على الأقل بين العقلاء من فقهاء المسلمين
يقول أبو حنيفة النعمان عن دراسته على يد الإمام جعفر الصادق "لولا السنتان لهلك النعمان"
يقصد الفترة التي قضاها في الدراسة على يد الصادق وهذه أعلى درجات التعايش
يعني كانوا يحيون جنباً إلى جنب بغض النظر عما كان يفعله الحكام السنة في الشيعة وفقهائهم عامةً والسنة وفقهائهم إن خرجوا عليهم
أما سبب التعتيم عن أحداث الفتنة ومقتل سيدنا علي وآله ومن والاهم هو أن الدولة السعودية ترتكز على نفس قواعد الدولة الأموية الفقهية والسياسية و أي تشكيك في الأمويين -مغتصبي الحق و مدشني نظام الوراثة الملكية المهلك للحريات- يعني تشكيكاً و لو ضمنياً في الدولة الملكية السعودية
هذا رأيي...
"نحن نخاف ما نجهل"
وهذا ما كنت عليه سابقاً عندما خضعت لسلطان الجهل و الخوف في السعودية
------------------------------------
عُدت إلى مِصْر عام 2002 ميلادية و التحقت بكلية مرموقة و الحمد لله
ولاحظت الحفاوة التي يتعامل بها المصريين مع ذكرى آل البيت
وكما قال أحد فقهاء الأزهر " نحن سنة بمزاج شيعي"
وهذه كلمة كافية لإباحة دمه في السعودية.
و أبقيت على احترامي للشيعة ومهاجمة من يهاجمهم وخصوصاُ من الوهابيين المصريين الذين امتد إليهم المد السعودي خصوصاُ بعد حركة الهجرة الضخمة لدول الخليج بعد الانفتاح الاقتصادي المشئوم في السبعينيات مع تغييب كل القوى الدينية المعتدلة.
صدقوا أو لا تصدقوا ولكن من ستة أشهر فقط قرأت ولأول مرة عن مذبحة آل البيت في كربلاء في جريدة الدستور المعارضة للأستاذ إبراهيم عيسى (والذي اتضح أنه يشاركني نفس الخلفية و العداء للفقه البدوي لأنه تربى أيضا مثلي في السعودية و أيضاُ مثلي لم يقتنع بما يقولون)
وقد نشرها مجدداُ من حوالي الشهر دعماُ للسيد حسن نصر الله وتذكيراُ بالتخاذل العربي سواء مع السيد حسن نصر الله أو سيد الشهداء سيدنا الحسين عليه السلام.
وسمعت من بعض الشيوخ والفقهاء المصريين عن الدعوات للتقريب والتعايش بين الشيعة والسنة وعن ما يفعله السعوديون دائماً من محاولات لإفشال هكذا حركات كما قال الشيخ القرضاوي.
كما سمعت لأحد المشايخ الشيعة على قناة المستقلة وهو ينفي الأكاذيب السعودية عن كراهية الشيعة "الحقيقيين" لأبي بكر و عمر وكيف أن الأمام جعفر الصادق رحمه الله طعن في دين من سبهم أو تطاول عليهم من جهلاء الشيعة.
و أنا أفهم أنه كما يوجد متطرفين سنة يوجد متطرفين شيعة..
ناهيك عن أن المتطرف لا دين له ولا ملة ولا يصح أن نصفهم لا بسنة ولا بشيعة.
كما قرأت في كُتيب لشيخ أزهري أعتقد أنه محمد -أو محمود-عمارة في السياسة الإسلامية عن ما يقول به الشيعة وما يقول به السنة في موضوع الإمامة..
وبالرغم من أنه كان مُنظّرأُ للموقف السني إلا أنه عرض الموقف الشيعي بأمانة وهذا ما تأكدت منه عند متابعتي لبعض فقهاء الشيعة في قنوات فضائية مثل الفرات و الأنوار.
وهذا هو الجميل في الموضوع إن كان هناك أي جمال في وضعنا الحالي
حوار عقلاني لا يصل لإهدار دماء المسلمين
أو تحريم معونتهم كما سمعنا عن الفتوى العقيمة لابن جبرين عن معاونة حزب الله والدعاء لهم بالنُصرة.
(أتذكر كيف كانوا يقولون لي أن اليهودي أفضل من الشيعي !! حسبي الله ونعم الوكيل)
عن نفسي لو سمعت كلمة أو حكم "أعجبني" عن الأمام جعفر الصادق أو الكاظمي أو غيرهم من أئمة الشيعة فسآخذه وكذلك نفس الأمر مع الشافعي وغيره من فقهاء السنة "المعتدلين"
ولكن الآن أين يضعني كل هذا؟
شيعي أم سُني؟
ببساطة أنا مسلم
و لطالما أعجبتني تلك الإجابة
------------------------
رجاء أخير .. كما أنني أغضب لشيعة آل البيت فإنني أغضب للسنة لذا أرجوكم أنه عندما تتحدثون عن ما يفعله أولئك الأعراب من الوهابية ومن والاهم لا تعمموه على كل السنة
-----------------------
دمتم سالمين و السلام عليكم
أخوكمmad man من مِصْر
تعليق