بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى البابا بنديتكتوس السادس عشر..
حضرة البابا ..
سمعنا بتصريحاتكم التي تعرضتم فيها بالنقد لدين الاسلام ونبي الهدى والحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وخصصتم بالذكر والنقد إباحة القتال في الاسلام مستخلصين أن دينكم الذي لا يسمح بمثله هو أكثر "تحضرا" من الاسلام.
ربما سيكون من المفيد لي ولكم أن نتناقش في مفهوم "التحضر" وما هو التعريف الدقيق له قبل أن ننطلق إلى الجزم بأن الحكم الفلاني "متحضر" أو غير "متحضر" .
وإني ارجح أنكم تعتبرون (سلفا) أن "التحضر" هو المفاهيم التي يرددها الرئيس جورج بوش وأمثاله من الزعماء الاوروبيين من حقوق الانسان والمرأة والديمقراطية واحترام الاراء المتباينة والحريات الشخصية والفكرية والسياسية والاقتصادية وجميع ما ناضل لاجله الاوروبيون ضد تسلط كنيستكم وطغيانها ونصوصها الانجيلية المحرفة.
وهذه بالفعل فكرة مثيرة للاهتمام أن يتبنى البابا في العصر الحالي أفكارا كان يعتبرها أسلافه "كفرية" و"علمانية" وينحاز بشكل لافت لثوار الامس على كنيسته وعلى دينه ومبادئه وسلطانه وقيوده الطغيانية المفروضة
ربما يكون هذا مقبولا في دينكم أن يتدخل البابا في تحليل ما كان محرما عند أسلافه وأن ينسب ما يحله إلى الله مثل ما كان أسلافه ينسبون ما يحرمونه إلى نفس الله ، وأن يسمى هذا وذاك دينا إلهيا لم يبق لله فيه سوى تحمل مسؤولية ما يشرعه الباباوات والاساقفة والكهان ، فهم يشرعون والله تعالى سيجازي بالجنة أو النار!
وربما ومن نفس هذه المنطلقات يقوم المسيحيون بشتى أنواع الجرائم الحربية البشعة ويبيدون مدنا وأمما بأسلحة الدمار الكونية ويتجاهلون كلامكم الرتيب عن "السلام" و"التحضر" و"بشاعة القتل" لانهم لا يعتبرون دينكم دينا إلهيا ولا يجدون في شخصكم أو رأيكم ما يلزمهم أو يشعرهم بوخزة ضمير وكأنما هم مقتنعون أنكم لا تمتون إلى الله بصلة.
وكذلك جميع المسيحيين في المجتمعات الغربية الذين رأوا في دينكم معارضة "لتحضرهم" فاستباحوا الزنا واستثقلوا الزواج واستبدلوا الحياة الاسرية الدافئة بالاسلوب الحيواني الذي ملأ مجتمعاتكم بالاطفال غير الشرعيين
وكذلك فإن ارتفاع معدل الجريمة في مجتمعاتكم الغنية و"المتحضرة" يجعلنا نتسائل حول مستوى الجدية التي يتعامل بها أتباعكم مع "تحضر مبادئكم" التي قد غفرت لهم سلفا كل جريمة يقترفونها بما في ذلك ممارسة القتل الشنيع بلا ضوابط أو رحمة.
وشيوع الخمور والرذائل في مجتمعاتكم والتي تتسبب في الكثير من الجرائم والمصائب والامراض وهذا ما يتم بترخيص من دينكم الذي تنسبونه إلى الله
وانتهاك كرامة الفتيات في مجتمعاتكم أصبح علامة بارزة لإنسانية مبادئكم و"تحضركم" الذي يستخدم جسد المرأة للتسويق والتجارة ويستبيح عرضها للقاصي والداني بدون أدنى التزام أو حقوق وكأنها جائزة لمن صقل لسانه بمعسول الكلام أو بذل الرخص من ماله أو استغل نفوذه في أماكن العمل للتحرش أو استغل براءة زميلاته في المدارس الاعدادية والثانوية وربما الابتدائية للتفاخر بين الانداد فيكون ثمرة كل ذلك أطفالا لا آباء لهم ولا أسر يستظلون بفيئها وأمراضا مدمرة كالايدز والبرود الجنسي وابتكار طرق جديدة تحرك الشهوة وتطمح إلى كسر المحرمات الاعلى كالشذوذ الجنسي والزنا بالاخوات والامهات والمحارم.
وكذلك فإن ملاحظاتنا المتكررة لمجتمعاتكم المسيحية تلاحظ أن الفكر العنصري المبثوث في ما تسمونه بكتبكم المقدسة جعل العنصرية ضد الزنوج أمرا دينيا مبررا ، واستباحة الشعوب الادنى لنشر "التحضر" بالحديد والنار سلوكا تاريخيا متكررا.
ومع كل تلك المعطيات والاختلالات الحضارية الخطيرة في مجتمعاتكم ، أليس من الغريب - حضرتكم - أن تستخدموا مبادئ الثوار على دينكم وطغيان كنيستكم للترويج ضد الاسلام ؟!.
ولعل أكثر ما أثار استغرابي حول تصريحكم المنتقد للاسلام ونبيه الكريم أنه جاء بعد الصمود العظيم لمجاهدي حزب الله ضد آلة إسرائيل العسكرية المتفوقة ومن ورائها أمريكا المسيحية ، فهل حيركم هذا الصمود الاسطوري ورسخ القناعة لديكم بأن الدين الاسلامي دين لا يقهر ولا يستسلم ولا يذل حتى في ظل موازين القوى المخلولة؟! فتحولت الحيرة لديكم إلى عدم ارتياح للعقيدة الاسلامية والاوامر الالهية بعدم الاستسلام وبالقدوة العظيمة التي جسدها الرسول وأحفاده الحسينيون عبر التاريخ في مواجهة الظلم والطواغيت.
لقد خشينا - حضرتكم - أن يعتقد البعض أن نقدكم للاسلام ما هو إلا تعبير عن الاحباط بفشل المشاريع المسيحية في إذلال المسلمين ؟ أو هو تعبير عن الخشية من عقلية المسلمين التي لا تقهر ولا تقبل الذل والمهانة والاستسلام مهما اختلت موازين القوى؟!
وإذا كنتم مصرين على نقد إباحة القتال في الاسلام وهي إباحة مضبوطة بالكثير من الضوابط المعروفة فأخبروني ما هي تصوراتكم حول الدفاع عن الحقوق والاوطان والاعراض والانفس والاموال ؟!
لا أعتقد بأن اقتراحكم بتلقي "اللطمات" ثم تلقي اللطمات هو الحل الذي يليق بمقامكم أو هو الحل الذي يصبو إليه المستضعفون في الارض ، فهذا الاسلوب في الحياة ليس من اللائق أن يوصف من العقلاء "بالتحضر والسلام" بل هو وبكل وضوح "ترسيخ الظلم والطغيان" و"رضوخ للذل والهوان والاستسلام".
فإذا قبلت مبادئكم أن يظلم الظالمون براحة وطمأنينة وأمان ، وأن يعيش المظلومون في ذل ومهانة واستسلام وتحاشيتم الخيارات الاخرى فإن الاسلام لا يقبل ذلك وحاشاه أن يقبله.
ولذلك فإن حزب الله وإخوانه من المسلمين لن يقبلوا أبدا بالمشاريع التي يفرضها أتباعكم من المحافظين الجدد وفيها ذرة من الذل والمهانة والاستسلام عليهم ، ولن يتأثروا بوجهة نظركم "المتحضرة" عن إباحة القتال بل والامر به والتحريض عليه ، لان هذا هو الاليق بإنسانية الانسان المسلم أن يخضع لله وأن لا يخضع لسواه لاسيما إذا كان طاغوتا عنيدا.
صحيح أن التضحيات قد تحدث ولكنها في صفوف المسلمين تكون عرسا وشهادة وفي صفوف المعتدين قصاصا وردعا وضرورة لا ينكرها إلا مكابر جاهل عنيد.
وإذا كان المسلمون يقاتلون لان الله أمرهم بذلك ووضع لهم ضوابط سيحاسبون عليها في الدنيا والاخرة فإن المسيحيين يقاتلون رغم أنكم ترفضون مبدأ القتال ! وقد قاتلوا سابقا أيضا رغم تحريم ذلك في دينكم !! فهل يرى مخالفوكم المسيحيون أن دينكم غير واقعي فشرعوا لانفسهم شريعة القتال وهم يدركون أن الله لن يحاسبهم على ما شرعنوه لانفسهم ففعلوا الشنائع بسبب ذلك؟!
ولتسمحوا لنا أن نبين لكم - لو كنتم تجهلون - أن ديننا إذ يشرع القتال لنصرة المظلومين والمستضعفين لكنه يشدد جدا على حرمة قتل المدنيين والمعاهدين ويحرم قتل النساء والاطفال والشيوخ أو الاجهاز على مدبر أو قتل أسير أو خرق هدنة أو معاهدة أو وثيقة أو عهد بل ويحرم قطع شجرة أو هدم جدار.
ونرى أن دينكم وتوجيهاتكم بعدم جواز القتال لاتباعكم قد أدت بهم إلى فعله ولكن دون ضوابط فاستباحوا بذلك القتل لاجل التوسع والقتل لاجل النفط والقتل لاجل الديمقراطية والقتل لاجل "التحضر" بما في ذلك قتل المدنيين والمعاهدين وقتل النساء والاطفال والشيوخ في الملاجئ الامنة وتعذيب الاسرى وانتهاك أعراضهم وخرق المعاهدات ومحو ملامح الحضارات المغايرة بل ومحو مدن بأسرها من الوجود.
حضرة البابا بنديكتوس السادس عشر..
إذا كنتم تشيرون بكلامكم إلى أحداث 11 سبتمبر فليس من اللائق بمثلكم أن يختزل الاسلام كله في تلك الاحداث لاسيما وقد أدانها معظم علماء الاسلام ووجوهه ومفكريه واعتبروها مؤامرة صهيوأمريكية لتبرير الحرب على الارهاب ولتشويه صورة الاسلام بعد انتشاره الكبير في مجتمعاتكم الخاوية دينيا وفكريا ، وإذا أصررتم على اختزال الاسلام في 11 سبتمبر فهل تقبلون أن يختزل أحدهم المسيحية في الحروب الصليبية أو في محاكم التفتيش أو في قنبلة هيروشيما أو في عصور الظلام أو في قتل غالليليو وسلبه حقه المشروع في البحث العلمي؟!.
وانبهكم أنكم إذا كنتم تفكرون أن نقدكم لاباحة القتال قد يدفع المسلمين إلى تغيير أحكام القران الكريم لتتلائم مع معايير "التحضر" الطارئة في الغرب فإننا نؤكد لكم أن ديننا ليس كدينكم وأن تعاملنا مع أحكام الاسلام ليس كتعاملكم وأن احترامنا لله وإرادته وأحكامه وتوجيهاته هو أسمى من أي شئ في حياتنا ، فنحن لا نستبدل حكم الله بأي حكم حتى لو انتقده العالم أجمع ولا نستجيز تعديل أحكام الله لتتلائم مع معايير "التحضر" ونعتبر تبليغ أحكام الله كما أنزلت عنه أمانة في أعناقنا نبلغها عن نبيه الكريم لا نجتهد فيها ولا نتدخل ولا نشتري بها ثمنا بخسا ولا نداهن فيها لكسب مودة الاخرين ولا نستحي أن نقول بكل اعتزاز وفخر أننا بها عبيد لله صاغرون لارادته وراضون بأحكامه مهما لم تتفهموا ذلك أنتم أو جميع القوى "المتحضرة" في الكون ولو اضطررنا إلى ان نضحي بأنفسنا وأموالنا وأهلينا دون ذلك.
ونحن نتفهم استغرابكم من تمسكنا الشديد بالاسلام المحمدي وعدم قبولنا بأي خدش فيه أو تعديل ، فتاريخكم بالكامل هو عبارة عن طائفة من الانقلابات على المسيحية الحقة وعلى نبيها الاكرم كلمة الله عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه تمترون ، ونحن نعتبر ذلك التباين نابعا من التباين الاصلي بيننا وبينكم في النظرة إلى الله الذي ألبستموه ثوب البشرية والابوية فاتخذتم أحباركم ورهبانكم أربابا من دونه يناطحونه في تشريعاته "يحلونه عاما ويحرمونه عاما" ويبيعون صكوك الغفران لمن اشترى حتى لم يعد للتكليف في دينكم معنى.
أما نحن - حضرتكم - فننظر إلى الله نظرة تقديس وتمجيد وخضوع لا يضاهيه فيها معه أحد من البشر مهما بدا لكم "متحضرا" و"ديمقراطيا" و"حقوقيا" و"حريصا على الحريات واحترام الاراء" فهو عزوجل خالقنا ومالكنا وسيدنا والمؤيد نبينا محمدا صلى الله عليه وآله بالمعجزات ، وهو الحكيم الذي فاقت حكمته حكمة البشر والحضارات وهو العدل الذي راعت عدالته ما خفي على عقولنا المخلوقة المملوكة السطحية والتي مؤداها أن ننعم في الجنة خالدين إذا التزمنا وصبرنا ورضينا بجوار نبينا وآله وأصحابه أو أن نخلد في النار مهانين إذا تكبرنا وعاندنا وغيرنا وبدلنا.
وفي الختام نؤكد على حضرتكم أن تعرضكم بالنقد لديننا ونبينا في هذه المرحلة الحساسة وبما تمثلونه هو خدمة لطواغيت العصر وقتلته فهم لا يعيشون إلا في ظل إذكاء التباينات بين الاديان وبين المذاهب وبين الاجناس والاعراق ويعملون في الليل والنهار لاثارة النعرات والفتن وشق الصف ونربأ بكم أن تكونوا جزءا من هذا المخطط الطاغوتي اللاإنساني ونؤكد أننا سنظل في وئام وسلام وتعاون وانسجام جنبا إلى جنب مع شركائنا في الارض واللغة والمصير والانسانية والمظلومية من المسيحيين والله المستعان وهو القائل {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }.
نسأل الله لنا ولكم ولجميع البشرية الهداية ولا نقول لكم إلا ما أمرنا الله تعالى أن نقول : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }المائدة68
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }المائدة82
صدق الله العظيم
رسالة إلى البابا بنديتكتوس السادس عشر..
حضرة البابا ..
سمعنا بتصريحاتكم التي تعرضتم فيها بالنقد لدين الاسلام ونبي الهدى والحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وخصصتم بالذكر والنقد إباحة القتال في الاسلام مستخلصين أن دينكم الذي لا يسمح بمثله هو أكثر "تحضرا" من الاسلام.
ربما سيكون من المفيد لي ولكم أن نتناقش في مفهوم "التحضر" وما هو التعريف الدقيق له قبل أن ننطلق إلى الجزم بأن الحكم الفلاني "متحضر" أو غير "متحضر" .
وإني ارجح أنكم تعتبرون (سلفا) أن "التحضر" هو المفاهيم التي يرددها الرئيس جورج بوش وأمثاله من الزعماء الاوروبيين من حقوق الانسان والمرأة والديمقراطية واحترام الاراء المتباينة والحريات الشخصية والفكرية والسياسية والاقتصادية وجميع ما ناضل لاجله الاوروبيون ضد تسلط كنيستكم وطغيانها ونصوصها الانجيلية المحرفة.
وهذه بالفعل فكرة مثيرة للاهتمام أن يتبنى البابا في العصر الحالي أفكارا كان يعتبرها أسلافه "كفرية" و"علمانية" وينحاز بشكل لافت لثوار الامس على كنيسته وعلى دينه ومبادئه وسلطانه وقيوده الطغيانية المفروضة
ربما يكون هذا مقبولا في دينكم أن يتدخل البابا في تحليل ما كان محرما عند أسلافه وأن ينسب ما يحله إلى الله مثل ما كان أسلافه ينسبون ما يحرمونه إلى نفس الله ، وأن يسمى هذا وذاك دينا إلهيا لم يبق لله فيه سوى تحمل مسؤولية ما يشرعه الباباوات والاساقفة والكهان ، فهم يشرعون والله تعالى سيجازي بالجنة أو النار!
وربما ومن نفس هذه المنطلقات يقوم المسيحيون بشتى أنواع الجرائم الحربية البشعة ويبيدون مدنا وأمما بأسلحة الدمار الكونية ويتجاهلون كلامكم الرتيب عن "السلام" و"التحضر" و"بشاعة القتل" لانهم لا يعتبرون دينكم دينا إلهيا ولا يجدون في شخصكم أو رأيكم ما يلزمهم أو يشعرهم بوخزة ضمير وكأنما هم مقتنعون أنكم لا تمتون إلى الله بصلة.
وكذلك جميع المسيحيين في المجتمعات الغربية الذين رأوا في دينكم معارضة "لتحضرهم" فاستباحوا الزنا واستثقلوا الزواج واستبدلوا الحياة الاسرية الدافئة بالاسلوب الحيواني الذي ملأ مجتمعاتكم بالاطفال غير الشرعيين
وكذلك فإن ارتفاع معدل الجريمة في مجتمعاتكم الغنية و"المتحضرة" يجعلنا نتسائل حول مستوى الجدية التي يتعامل بها أتباعكم مع "تحضر مبادئكم" التي قد غفرت لهم سلفا كل جريمة يقترفونها بما في ذلك ممارسة القتل الشنيع بلا ضوابط أو رحمة.
وشيوع الخمور والرذائل في مجتمعاتكم والتي تتسبب في الكثير من الجرائم والمصائب والامراض وهذا ما يتم بترخيص من دينكم الذي تنسبونه إلى الله
وانتهاك كرامة الفتيات في مجتمعاتكم أصبح علامة بارزة لإنسانية مبادئكم و"تحضركم" الذي يستخدم جسد المرأة للتسويق والتجارة ويستبيح عرضها للقاصي والداني بدون أدنى التزام أو حقوق وكأنها جائزة لمن صقل لسانه بمعسول الكلام أو بذل الرخص من ماله أو استغل نفوذه في أماكن العمل للتحرش أو استغل براءة زميلاته في المدارس الاعدادية والثانوية وربما الابتدائية للتفاخر بين الانداد فيكون ثمرة كل ذلك أطفالا لا آباء لهم ولا أسر يستظلون بفيئها وأمراضا مدمرة كالايدز والبرود الجنسي وابتكار طرق جديدة تحرك الشهوة وتطمح إلى كسر المحرمات الاعلى كالشذوذ الجنسي والزنا بالاخوات والامهات والمحارم.
وكذلك فإن ملاحظاتنا المتكررة لمجتمعاتكم المسيحية تلاحظ أن الفكر العنصري المبثوث في ما تسمونه بكتبكم المقدسة جعل العنصرية ضد الزنوج أمرا دينيا مبررا ، واستباحة الشعوب الادنى لنشر "التحضر" بالحديد والنار سلوكا تاريخيا متكررا.
ومع كل تلك المعطيات والاختلالات الحضارية الخطيرة في مجتمعاتكم ، أليس من الغريب - حضرتكم - أن تستخدموا مبادئ الثوار على دينكم وطغيان كنيستكم للترويج ضد الاسلام ؟!.
ولعل أكثر ما أثار استغرابي حول تصريحكم المنتقد للاسلام ونبيه الكريم أنه جاء بعد الصمود العظيم لمجاهدي حزب الله ضد آلة إسرائيل العسكرية المتفوقة ومن ورائها أمريكا المسيحية ، فهل حيركم هذا الصمود الاسطوري ورسخ القناعة لديكم بأن الدين الاسلامي دين لا يقهر ولا يستسلم ولا يذل حتى في ظل موازين القوى المخلولة؟! فتحولت الحيرة لديكم إلى عدم ارتياح للعقيدة الاسلامية والاوامر الالهية بعدم الاستسلام وبالقدوة العظيمة التي جسدها الرسول وأحفاده الحسينيون عبر التاريخ في مواجهة الظلم والطواغيت.
لقد خشينا - حضرتكم - أن يعتقد البعض أن نقدكم للاسلام ما هو إلا تعبير عن الاحباط بفشل المشاريع المسيحية في إذلال المسلمين ؟ أو هو تعبير عن الخشية من عقلية المسلمين التي لا تقهر ولا تقبل الذل والمهانة والاستسلام مهما اختلت موازين القوى؟!
وإذا كنتم مصرين على نقد إباحة القتال في الاسلام وهي إباحة مضبوطة بالكثير من الضوابط المعروفة فأخبروني ما هي تصوراتكم حول الدفاع عن الحقوق والاوطان والاعراض والانفس والاموال ؟!
لا أعتقد بأن اقتراحكم بتلقي "اللطمات" ثم تلقي اللطمات هو الحل الذي يليق بمقامكم أو هو الحل الذي يصبو إليه المستضعفون في الارض ، فهذا الاسلوب في الحياة ليس من اللائق أن يوصف من العقلاء "بالتحضر والسلام" بل هو وبكل وضوح "ترسيخ الظلم والطغيان" و"رضوخ للذل والهوان والاستسلام".
فإذا قبلت مبادئكم أن يظلم الظالمون براحة وطمأنينة وأمان ، وأن يعيش المظلومون في ذل ومهانة واستسلام وتحاشيتم الخيارات الاخرى فإن الاسلام لا يقبل ذلك وحاشاه أن يقبله.
ولذلك فإن حزب الله وإخوانه من المسلمين لن يقبلوا أبدا بالمشاريع التي يفرضها أتباعكم من المحافظين الجدد وفيها ذرة من الذل والمهانة والاستسلام عليهم ، ولن يتأثروا بوجهة نظركم "المتحضرة" عن إباحة القتال بل والامر به والتحريض عليه ، لان هذا هو الاليق بإنسانية الانسان المسلم أن يخضع لله وأن لا يخضع لسواه لاسيما إذا كان طاغوتا عنيدا.
صحيح أن التضحيات قد تحدث ولكنها في صفوف المسلمين تكون عرسا وشهادة وفي صفوف المعتدين قصاصا وردعا وضرورة لا ينكرها إلا مكابر جاهل عنيد.
وإذا كان المسلمون يقاتلون لان الله أمرهم بذلك ووضع لهم ضوابط سيحاسبون عليها في الدنيا والاخرة فإن المسيحيين يقاتلون رغم أنكم ترفضون مبدأ القتال ! وقد قاتلوا سابقا أيضا رغم تحريم ذلك في دينكم !! فهل يرى مخالفوكم المسيحيون أن دينكم غير واقعي فشرعوا لانفسهم شريعة القتال وهم يدركون أن الله لن يحاسبهم على ما شرعنوه لانفسهم ففعلوا الشنائع بسبب ذلك؟!
ولتسمحوا لنا أن نبين لكم - لو كنتم تجهلون - أن ديننا إذ يشرع القتال لنصرة المظلومين والمستضعفين لكنه يشدد جدا على حرمة قتل المدنيين والمعاهدين ويحرم قتل النساء والاطفال والشيوخ أو الاجهاز على مدبر أو قتل أسير أو خرق هدنة أو معاهدة أو وثيقة أو عهد بل ويحرم قطع شجرة أو هدم جدار.
ونرى أن دينكم وتوجيهاتكم بعدم جواز القتال لاتباعكم قد أدت بهم إلى فعله ولكن دون ضوابط فاستباحوا بذلك القتل لاجل التوسع والقتل لاجل النفط والقتل لاجل الديمقراطية والقتل لاجل "التحضر" بما في ذلك قتل المدنيين والمعاهدين وقتل النساء والاطفال والشيوخ في الملاجئ الامنة وتعذيب الاسرى وانتهاك أعراضهم وخرق المعاهدات ومحو ملامح الحضارات المغايرة بل ومحو مدن بأسرها من الوجود.
حضرة البابا بنديكتوس السادس عشر..
إذا كنتم تشيرون بكلامكم إلى أحداث 11 سبتمبر فليس من اللائق بمثلكم أن يختزل الاسلام كله في تلك الاحداث لاسيما وقد أدانها معظم علماء الاسلام ووجوهه ومفكريه واعتبروها مؤامرة صهيوأمريكية لتبرير الحرب على الارهاب ولتشويه صورة الاسلام بعد انتشاره الكبير في مجتمعاتكم الخاوية دينيا وفكريا ، وإذا أصررتم على اختزال الاسلام في 11 سبتمبر فهل تقبلون أن يختزل أحدهم المسيحية في الحروب الصليبية أو في محاكم التفتيش أو في قنبلة هيروشيما أو في عصور الظلام أو في قتل غالليليو وسلبه حقه المشروع في البحث العلمي؟!.
وانبهكم أنكم إذا كنتم تفكرون أن نقدكم لاباحة القتال قد يدفع المسلمين إلى تغيير أحكام القران الكريم لتتلائم مع معايير "التحضر" الطارئة في الغرب فإننا نؤكد لكم أن ديننا ليس كدينكم وأن تعاملنا مع أحكام الاسلام ليس كتعاملكم وأن احترامنا لله وإرادته وأحكامه وتوجيهاته هو أسمى من أي شئ في حياتنا ، فنحن لا نستبدل حكم الله بأي حكم حتى لو انتقده العالم أجمع ولا نستجيز تعديل أحكام الله لتتلائم مع معايير "التحضر" ونعتبر تبليغ أحكام الله كما أنزلت عنه أمانة في أعناقنا نبلغها عن نبيه الكريم لا نجتهد فيها ولا نتدخل ولا نشتري بها ثمنا بخسا ولا نداهن فيها لكسب مودة الاخرين ولا نستحي أن نقول بكل اعتزاز وفخر أننا بها عبيد لله صاغرون لارادته وراضون بأحكامه مهما لم تتفهموا ذلك أنتم أو جميع القوى "المتحضرة" في الكون ولو اضطررنا إلى ان نضحي بأنفسنا وأموالنا وأهلينا دون ذلك.
ونحن نتفهم استغرابكم من تمسكنا الشديد بالاسلام المحمدي وعدم قبولنا بأي خدش فيه أو تعديل ، فتاريخكم بالكامل هو عبارة عن طائفة من الانقلابات على المسيحية الحقة وعلى نبيها الاكرم كلمة الله عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه تمترون ، ونحن نعتبر ذلك التباين نابعا من التباين الاصلي بيننا وبينكم في النظرة إلى الله الذي ألبستموه ثوب البشرية والابوية فاتخذتم أحباركم ورهبانكم أربابا من دونه يناطحونه في تشريعاته "يحلونه عاما ويحرمونه عاما" ويبيعون صكوك الغفران لمن اشترى حتى لم يعد للتكليف في دينكم معنى.
أما نحن - حضرتكم - فننظر إلى الله نظرة تقديس وتمجيد وخضوع لا يضاهيه فيها معه أحد من البشر مهما بدا لكم "متحضرا" و"ديمقراطيا" و"حقوقيا" و"حريصا على الحريات واحترام الاراء" فهو عزوجل خالقنا ومالكنا وسيدنا والمؤيد نبينا محمدا صلى الله عليه وآله بالمعجزات ، وهو الحكيم الذي فاقت حكمته حكمة البشر والحضارات وهو العدل الذي راعت عدالته ما خفي على عقولنا المخلوقة المملوكة السطحية والتي مؤداها أن ننعم في الجنة خالدين إذا التزمنا وصبرنا ورضينا بجوار نبينا وآله وأصحابه أو أن نخلد في النار مهانين إذا تكبرنا وعاندنا وغيرنا وبدلنا.
وفي الختام نؤكد على حضرتكم أن تعرضكم بالنقد لديننا ونبينا في هذه المرحلة الحساسة وبما تمثلونه هو خدمة لطواغيت العصر وقتلته فهم لا يعيشون إلا في ظل إذكاء التباينات بين الاديان وبين المذاهب وبين الاجناس والاعراق ويعملون في الليل والنهار لاثارة النعرات والفتن وشق الصف ونربأ بكم أن تكونوا جزءا من هذا المخطط الطاغوتي اللاإنساني ونؤكد أننا سنظل في وئام وسلام وتعاون وانسجام جنبا إلى جنب مع شركائنا في الارض واللغة والمصير والانسانية والمظلومية من المسيحيين والله المستعان وهو القائل {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }.
نسأل الله لنا ولكم ولجميع البشرية الهداية ولا نقول لكم إلا ما أمرنا الله تعالى أن نقول : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }المائدة68
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }المائدة82
صدق الله العظيم
تعليق