موضوع طويل ولكنه مهم غاية الاهمية لغرض تعميق الثقافة الفهية وترسيخها
وهو بحث سماحة السيد المرجع الصادق الشيرازي دام ظله
واتمنى من كل الاعضاء قرائته والتمعن فيه
ما هو التقليد ؟ وهو بحث سماحة السيد المرجع الصادق الشيرازي دام ظله
واتمنى من كل الاعضاء قرائته والتمعن فيه
أو مقلّداً والتقليد فيما نحن فيه كما يأتي هو : عبارة عن عمل العامي في الاحكام الشرعية بفتوى العالم بها ، استناداً إلى استنباط العالم من الادلّة الشرعية ، لا استناداً إلى نفس الادلّة.
التقليد والادلّة الاربعة
والتقليد بهذا المعنى يدلّ على جوازه التكليفي والوضعي ـ بالمعنى الاعمّ من الوجوب ـ أيضاً الادلّة الاربعة ، مضافاً إليها بناء العقلاء ، وسيرة المتشرّعة ، وارتكازهم .
قال صاحب الجواهر (قدس سره) في كتاب القضاء : « وبذلك ظهر لك أنّ دليل التقليد حينئذ هو جميع ما في الكتاب والسنّة من الامر بأخذ ما أنزل الله تعالى ، والقيام بالقسط والعدل ونحو ذلك »(59).
وقال أيضاً : « بل ممّا ذكرنا يظهر أنّ قبول الفتوى بعد اندراجها في الحقّ والعدل والقسط ونحو ذلك لا يحتاج إلى إذن من الامام (عليه السلام) ، بل الكتاب والسنّة ، بل والعقل متطابقة على وجوب الاخذ بها »(60).
الاستدلال للتقليد ـ المصطلح ـ بالقرآن الحكيم
1 ـ أمّا الكتاب : ففي آيات عديدة منه :
آية النفر
منها قوله تعالى : (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(61).
بتقريب : وجود الملازمة العرفيّة بين : الانذار وبين : الحذر عقيبه ، وليس هذا إلاّ جعلاً تعبّدياً لحجيّة إنذار المنذرين ، وإلاّ فلو لم يحذر المنذَرون ـ بالفتح ـ لزم لغوية إيجاب الانذار ، لانّ المقصود من الانذار الحذر ، وكذلك إطلاق وجوب الحذر ـ من دون قيد بحصول العلم من الانذار ـ يفيد حجّية الانذار بما هو إنذار ، لا بما هو مفيد للعلم .
مناقشات في الدلالة
أدلّة صحّة التقليد : الكتاب
وفيه مناقشات ، أصحّها هو : أنّ العرف الملتفت البعيد عن المناقشات المنطقية واللغوية ونحوهما ، إذا عرض عليه معنى هذه الاية لا يفهم منها تأسيس أو تشريع شيء جديد ، وإنّما يفهم منها بيان طريقة تكوينية عرفية لنشر الاحكام وعمل الناس بها ، وهي أن يتعلّم جماعة الاحكام ويبلّغونها لسائر الناس ، وطبيعي أن يحصل الاطمئنان ـ المعبر عنه بالعلم العادي ، والعلم العرفي ـ لكلّ سامع من قول أحدهم ، أو اثنين منهم ، وليس معنى الاية إنّه إذا كان في المنذرين أبو هريرة ـ مثلاً ـ فأنذر بشيء وجب اتّباعه لمجرد إنّه منذر .
نعم ، المنذر الصادق اللهجة ـ فيما نحن فيه ـ يجب اتّباعه لا لانّه منذر ، بل لانّ صدق لهجته يجعل إنذاره طريقة عرفية لتحصيل الحكم الشرعي ، التي يعذر فيها مع انكشاف المخالفة للواقع ولا يعذر مع انكشاف الموافقة .
وما قيل : من أنّه مع عدم الوثاقة وصدق اللهجة لا يصدق عليهم عنوان : المنذرين ، فمثل أبي هريرة وأضرابهم هم خارجون بالتخصّص لا بالتخصيص .
ففيه : تأمّل واضح ، إذ : الانذار ، ليس فيه للشارع اصطلاح جديد ، والمعنى اللغوي المعروف يشمل الثقة وغيره ، وصادق اللهجة وغيره .
وما ذكره المحقّق النائيني (قدس سره) في تقرير بحث الاُصول : من الاُمور الثلاثة التي بملاحظتها جعل دلالة الاية تامّة ، وهكذا ما ذكره بعض الفقهاء من تلاميذه : من أنّ الاية أصرح دلالة على حجّية الخبر الواحد من آية النبأ . ففيهما : ملاحظات ذكرناها في الاُصول ، فلا نطيل هنا .
نعم يمكن أن يقال في جواب المناقشة : بأنّ الطريقة العرفية قد أقرّها الشارع ـ كما تقدّم مثل ذلك في مسألة الوجوب في أوّل الكتاب ـ .
مناقشات أُخر
وأمّا سائر المناقشات في الاية : من أنّ الاية دلّت على قبول الانذار ، لا على قبول الافتاء ، وبينهما عموم من وجه ، فالانذار أخصّ وأعمّ من وجه ، والافتاء أعمّ وأخصّ من وجه ، لانّ الانذار معناه التبليغ مع التخويف وليس هذا في مطلق الافتاء الّذي محل البحث حجّيته .
أو احتمال تقيّد وجوب الحذر بما إذا حصل العلم القطعي بصدق المنذر ، أو اختصاص الاية بموارد نقل الاحاديث والاخبار الشريفة ـ كما كان ذلك دأب وديدن الصدر الاوّل ومن تأخّره من أصحاب النبي والائمّة (عليهم السلام) ـ .
وما ورد في تفسيرها مستفيضاً : من أنّ المراد بالتفقّه هو معرفة الامام بعد ارتحال الامام السابق ، فلا ارتباط لها بتعلّم فروع الدين ، أو نحو ذلك ، فهي لا تنافي الدلالة وقد نوقشت في كتب الاُصول عند البحث عن حجّية الخبر الواحد ، فلا نعيد .
آية السؤال
ومنها : قوله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(62) بتقريب : إنّ غير العالم يلزم رجوعه إلى العالم ، وهذا هو معنى التقليد .
مناقشة الدلالة
وفيه أيضاً مناقشات : أصحّها نفس المناقشة المذكورة في الاية السابقة ، وهي : أنّ الله سبحانه أراد أن يحمل اليهود على الاعتراف بالاسلام فقال لهم : إنّكم إن تقولوا لا نعلم كون : محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّاً ، فلا يحقّ لكم عدم الايمان به لمجرّد عدم علمكم بنبوّته بل يجب عليكم عقلاً أن تسألوا علماءكم الذين تعتقدون بهم عن علامات نبي آخر الزمان .
وليس معنى هذا أنّ مجرد سؤال الجاهل من العالم يجعل قول العالم حجّة لانّه عالم ، بل لانّ الجاهل إذا سأل العالم الّذي يعتقد به عن شيء ، يحصل له الاطمئنان ، أي : العلم العادي بقوله غالباً ، وذلك الاطمئنان هو الحجّة ، لا قول العالم لانّه قول عالم حتى ولو حصل الشكّ العرفي في صدقه ، لعدم الثقة به ، أو لغير ذلك .
وهذا نظير أن ينقل شخص فتوى مجتهد ، لمقلّده ، فإذا لم يقتنع المقلّد يقول له : إن كنت لا تعتقد بقولي فراجع رسالة هذا المجتهد ، فهل هذا القول معناه جعل الحجّية لرسالة المجتهد بما هي رسالة وإن كانت مشحونة بالاغلاط بحيث يسلب عرفاً الاعتماد عنها ؟ كلاّ ، وإنّما هو لانّ الرجوع إلى الرسالة يوجب عرفاً سكون النفس والاطمئنان بفتوى المجتهد غالباً ، وهكذا في آية السؤال .
والحاصل : إنّ الاية تأكيد لموضوع عرفي خارجي ، لا تشريع لطريق جديد شرعي .
نعم ، العالم الثقة الصادق اللهجة ، يجب الاخذ بقوله، لانقطاع العذر مع مخالفته، وهذه هي أهمّ مناقشة يمكن أن تعتبر صحيحة وموجبة للاشكال في استفادة الاطلاق من هذه الاية لكن قد عرفت الجواب عنها في الاية السابقة.
وأمّا بقية المناقشات فيها : بأنّ السياق في علماء اليهود ، وتأويلها في الائمّة (عليهم السلام) ، وليس في شيء منهما مراجعة العامي إلى العالم .
أو معنى ذلك السؤال من أهل الذكر ، حتّى تعلموا علماً خارجياً .
أو معنى ذلك حجّية قول العالم إذا سئل ، لا إذا ما لم يسأل أو غير ذلك ، فهي أيضاً غير تامّة ذكرت بالتفصيل مع أجوبتها في كتب الاُصول في موضوع : حجّية الخبر الواحد ، فلا حاجة لذكرها هنا .
آية النبأ
ومنها قوله تعالى في آية النبأ : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(63) دلّت ـ بمفهومها ـ على حجّية قول المخبر العادل ، والفقيه العادل ينبئ عن حكم الله ، فيجب قبول قوله وهذا هو التقليد .
وما يقال : من أنّ الفقيه يخبر عن رأيه ، يردّه : أنّه يخبر عن حكم الله ولكن بحدسه كأهل الخبرة الذين يخبرون عن القيمة الواقعية بحدسهم .
وما نوقش به في دلالة الاية على المفهوم من مناقشات كثيرة ربما بلغت النيف والعشرين ليس بشيء ، لانّها مناقشات لا تصادم الظهور العرفي سوى مناقشة احتمال أن يكون « إن جاءكم » من قبيل الشرط المحقّق للموضوع مثل : إن رزقت ولداً فاختنه ، فلا يكون للشرط مفهوم أصلاً ، فظاهر « إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا » هو أنّ خبر الفاسق يوجب التبيّن من دون لحاظ إنّ خبر العادل يوجب التبيّن أو لا يوجب ، وليس الموضوع : الخبر إن جاء به الفاسق ، حتّى يكون مفهومه : الخبر إن جاء به العادل ، لعدم خصوصيته .
ولا لحاظ المجيء أصلاً ، وإنّما الملحوظ هو صدور الخبر عن الفاسق ، فيكون مفهومه مفهوم اللقب المتسالم على عدمه بين المتأخرين .
ولعلّ هذه المناقشة هي التي ربما تصادم الظهور اللفظي ، وإن كان قد يقال : بأنّ الاصل في الشرط أن يكون قيداً للموضوع لا محقّقاً للموضوع ، فإذا شكّ في شرط إنّه قيد للموضوع ، أو محقّق له ، يحمل على القيدية ، فيكون للجملة الشرطية مفهوم مطلقاً ، إلاّ إذا علم أنّ الشرط فيها محقّق للموضوع ، فتأمّل .
آية قبول ما أتى به الرسول
ومنها قوله سبحانه : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)(64) رتّب سبحانه الذمّ على الكفّار بأنّهم قلّدوا آباءهم ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ، فتدلّ ـ بمفهوم الغاية ـ على أنّه لا ذمّ إذا كان الاباء يعلمون شيئاً ويهتدون ، والمجتهد العادل يعلم أحكام الله تعالى ويهتدي إليها فيجوز تقليده واتّباعه.
آية اتّباع الوحي
ومنها قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)(65) وهي كسابقتها في وجه الدلالة .
وما يقال : من أنّ الايتين وأمثالهما إنّما وردت في أُصول الدين ، التي لا يجوز التقليد فيها فالمراد حصول العلم ، وإنّهم إنّما ذُمّوا لعدم حصول العلم لهم من قول الاباء ، فكيف تدلّ على جواز التقليد في الاحكام مع خروج موردها عن هذه الادلّة ـ وخروج المورد مستهجن لا يُصار إليه في كلام الحكيم ـ ؟
ففيه : إنّه حقّق في الاُصول جواز التقليد في أُصول الدين إذا أوجب الاطمئنان والعلم العادي ، ولا دليل على لزوم الاستدلال في أُصول الدين زيادة على : المعرفة التي تطلق على التقليد الموجب للجزم وسكون النفس ، كما هو الغالب بل المتعارف في تقليد العوام لعلمائهم فإنّهم يجزمون ، بل يقطعون بالشيء بمجرّد تفوّه العالم المجتهد به .
وما أجاب به بعض الاساتيذ : بأنّ اطلاق الايتين تامّ وإن كان خرج من الاطلاق أُصول الدين ، فمنظور فيه ، إذ خروج المورد عن الاطلاق مستهجن بذاته ، وليس كخروج فرد آخر من الاطلاق كما هو مذكور مفصّلاً في بحوث الاُصول.
آية الامانات والعدل
ومنها قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الاَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(66)دلّت الاية على وجوب الحكم بالعدل ، وهو بدلالة الاقتضاء وصون كلام الحكيم عن اللغوية يدلّ على وجوب قبول الحكم بالعدل ، فإذا حكم المجتهد بالعدل أي : حكماً بالموازين الشرعية ـ لانّه من الحكم بالعدل ـ وجب على الناس تقليده والاخذ بحكمه ، ولذا قال أبو عبدالله (عليه السلام) في رواية معلّى بن خنيس في تفسير هذه الاية : « عدل الامام أن يدفع ما عنده إلى الامام الّذي بعده ، وأُمرت الائمّة بالعدل ، وأُمر الناس أن يتّبعوهم »(67) فأُمر الناس باتّباعهم يستفاد عرفاً من وجوب الحكم بالعدل.
الاشكال الاوّل
إنّ الاية خاصّة بالائمّة المعصومين (عليهم السلام) بقرينة هذه الرواية « وأُمرت الائمّة بالعدل » وظاهر : « الائمّة » هم الائمّة المعصومون (عليهم السلام) ولا إشكال في وجوب اتّباع المعصومين ، إنّما الكلام في غيرهم ، أي : المجتهدين.
مناقشة الاشكال الاوّل
وفيه : إنّ آيات القرآن عامّة لكلّ زمان وكلّ شخص ، لرواية مضمونها : « إنّما مثل القرآن مثل الشمس فكما أنّ الشمس تشرق كلّ يوم على أشخاص جديدين ، كذلك القرآن » ورواية « إنما نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي ياجارة »(68).
ولا ينافي ذلك كون التأويل في الائمّة (عليهم السلام) ككثير من الايات التي أُوّلت بهم (عليهم السلام) أو كونهم (عليهم السلام) أظهر المصاديق ، ولذا كان الحقّ المحقّق الّذي عليه المشهور : إنّ ظواهر القرآن حجّة يؤخذ بها وإن كان تأويلاتها فيهم (عليهم السلام)(69).
ويعضد ما ذكرناه : أنّ في صدر الاية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الاَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(70) ولا شك في أنّها دالّة على وجوب ردّ كلّ أمانة على كلّ أمين ، مع أنّها أيضاً أُوّلت في الائمّة (عليهم السلام) كما سمعت في رواية المعلّى بن خنيس ، وأنّ المراد بها ردّ ودائع الامامة للامام الّذي بعده ، والسياق واحد ، فكما أنّ وجوب ردّ الامانة عامّة لغيرهم (عليهم السلام) ، كذلك وجوب الحكم بالعدل ، ووجوب قبوله ، عامّان لغيرهم أيضاً .
ويؤيّده : ما ورد في تفسير هذه الاية أيضاً مستفيضاً ومنه ما رواه الصدوق (قدس سره) في المعاني بسنده عن يونس بن عبدالرحمن قال : « سألت موسى ابن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الاَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فقال (عليه السلام) : هذه مخاطبة لنا خاصّة ، أمر الله تبارك وتعالى كلّ إمام منّا أن يؤدّي إلى الامام الّذي بعده ويوصي إليه ، ثمّ هي جارية في سائر الامانات ، ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، أنّ علي بن الحسين قال لاصحابه : عليكم بأداء الامانة ، فلو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي (عليهما السلام) ائتمنني على السيف الّذي قتله به لادّيته اليه »(71).
ومنه أيضاً ، عن الكافي بسنده عن عمّار بن مروان ، قال : قال أبو عبدالله في وصيته له ـ : « اعلم أنّ ضارب علي (عليه السلام) بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لادّيت إليه الامانة »(72) ونحوهما غيرهما ، فقوله (عليه السلام) : « ثم هي جارية في سائر الامانات » والتنظير بالمثال الّذي هو في الامانات الخارجية ، لا خصوص الامامة ، قرينة على أنّ الامامة من باب المصداق الاكمل ، لا من باب الحصر.
الاشكال الثاني
إنّ الاية وردت في الحكم بين المتخاصمين ، وأين هو عن الفتوى التي هي محل الكلام ؟
مناقشة الاشكال الثاني
وفيه : إن الحكم لغة هو : الالزام ، وهو مرادف للافتاء تقريباً ، وأعمّ من أن يكون في خصومة أصلاً ، وكذلك عرفاً وشرعاً ، يقال : حكم فلان على ابنه بالدرس ، حكم الزوج على زوجته بلزوم الدار ، حكم المعلّم على التلميذ بحفظ القرآن ، وهكذا .
قال تعالى : (وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ)(73).
(لَهُ الْحُكْمُ)(74).
(إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِِ)(75).
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الاِْنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ)(76).
(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ)(77).
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ)(78).
وقد ورد في الاحاديث : « الحكم حكمان : حكم الله عزّوجلّ ، وحكم أهل الجاهلية ، فمن أخطأ حكم الله ، حكم بحكم الجاهلية »(79).
« إن لله جنّة لا يدخلها إلاّ ثلاثة : أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ »(80).
« ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت »(81).
« على المسلم أن يمنع نفسه ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله »(82).
« حكم الله عزّوجلّ في الاوّلين والاخرين وفرائضه عليهم سواء إلاّ من علّة »(83).
إلى غير ذلك من الموارد التي ورد الحكم فيها بمعنى : الالزام، والافتاء ، في القرآن والسنّة وهو كثير جدّاً ، ويقول الفقهاء: إنّ حكم الحاكم الشرعي لا يجوز نقضه، يريدون به الاعمّ من الحكم الابتدائي ، والحكم بين المتخاصمين.
مضافاً إلى أنّه على فرض اختصاص الاية بالحكم بين المتخاصمين ، يتعدّى عنه إلى الحكم الابتدائي بالمناط القطعي ، وهو : إنّ حجّية حكم الحاكم بين المتخاصمين ليس لانّه تخاصم ، بل لانّه عارف بالحكم ـ كما هو ظاهر أدلّة الرجوع في الحكم إلى العارف بأخبار المعصومين (عليهم السلام) ـ فإذا كان حجّية قوله لاجل معرفته بالحكم ، كانت هذه العلّة موجودة أيضاً في المفتي ابتداءً بلا خصومة .
إذن : فالاية دالّة على وجوب تقليد الحاكم بالعدل ، والمجتهد من مصاديقه .
آية الحكم بالحقّ
ومنها قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ)(84).
والخطاب فيها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والمعنى : إنّا أنزلنا القرآن بالحقّ لتحكم بين الناس بما أعلمك الله من القرآن ، فإذا كان نزول القرآن لكي يحكم عليه للناس كان اللازم على الناس قبول حكمه ، ويتعدّى هذا الحكم عن نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سائر المجتهدين بدليلين :
الاوّل : الاُسوة ، لقوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(85) فكلّما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو لسائر المسلمين إلاّ ما خرج بالدليل .
الثاني : سياق نفس الاية ، فإنّه لو كان نزول القرآن ليحكم به شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الناس فقط ، لتعطّل حكم القرآن بارتحال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بينهم ، والضرورة قائمة : على بقاء حكم القرآن مدى الدهر .
ويؤيّد ذلك : إنّ الحكم الصادر عن الادلّة المتّخذة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الاطهار (عليهم السلام) ـ بتوسّع عرفي ـ امتداد لما أرى الله نبيّه .
والاشكال بأنّه في مقام الحكم ، لا الافتاء، قد عرفت الجواب عنه في ذيل الاية السابقة .
آية النهي عن التحاكم إلى الطاغوت
ومنها : قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(86).
ومفهوم هذه الاية هو : إنّ الذين لا يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، بل يتحاكمون إلى المجتهد الّذي يفتي على الكتاب والسنّة ، فهم ممّن آمنوا صدقاً بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك ، وليس إيمانهم زعميّاً ، فيكون تقليدهم له جائزاً صحيحاً ، وإيماناً بما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نزل من قبله .
ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : « ياأبا محمّد إنّه لو كان لك على رجل حقّ ، فدعوته إلى حكّام أهل العدل فأبى عليك إلاّ أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له ، لكان ممّن حاكم إلى الطاغوت ، وهو قول الله عزّوجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ...)(87).
إشكال وجواب
والاشكال هنا : بأنّ المفهوم للوصف ، ولا حجّية له على المشهور بين المتأخّرين ، فيه : إن الوصف الّذي تضمّن عرفاً معنى الشرط ، له مفهوم ، لقضاء العرف به ، وهنا منه ، فإن ظاهر الاية ـ والله أعلم ـ إنّهم إن أرادوا التحاكم إلى الطاغوت فإيمانهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) زعم لا واقع له ، ومفهومه : إن لم يتحاكموا إلى الطاغوت فإيمانهم صدق وحقّ .
وكذا الاشكال فيه أيضاً : بأنّ الاية لا اطلاق لها من جهة حاكم العدل ، والقدر المتيقّن منه هم الائمّة المعصومون (عليهم السلام) فلا دلالة في الاية على حجّية قول المجتهد للعامي ، مجاب : بأنّ المجتهد الّذي يحكم على طبق القرآن والسنّة لا يسمّى طاغوتاً ، ويكفي في جواز الخصومة عنده ، وقبول قوله ، أن لا يكون طاغوتاً ، لانّ المذموم هو مراجعة الطاغوت فقط .
ويؤيّد ذلك ما ورد في صحيح أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : « ياأبا محمّد إنّه لو كان لك على رجل حقّ فدعوته إلى حكّام أهل العدل فأبى عليك إلاّ أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له ، لكان ممّن حاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عزّوجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ... )(88).
واطلاق : « حاكم أهل العدل » للفقيه الّذي يفتي على روايات أهل البيت (عليهم السلام) ظاهر لا غبار عليه .
وفي خبر أبي بصير الاخر عن الصادق (عليه السلام) أيضاً قال : « أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّ فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه ، فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله عزّوجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ...)(89).
وظهور قوله (عليه السلام) : « فدعاه إلى رجل من إخوانه » في فقهاء الشيعة ، واضح جليّ .
ونحوهما غيرهما أيضاً .
وقد مرّ جواب الاشكال بأنّ الاية في مقام حجّية قوله في الخصومة لا في الافتاء الابتدائي ، ويضاف إليه هنا : إن قوله تعالى : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) فيه إشارة إلى أنّ التحاكم أعمّ من فصل الخصومة ، فتأمّل.
آية الولاية والطاعة
ومنها قوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ)(90) وهذه الاية استدلّ بها على حجّية قول المجتهد ، وجواز التقليد ـ بالمعنى الاعمّ ـ بتقريبين :
التقريب الاوّل لدلالة الاية
الاوّل : إنّ « أُولي الامر » جمع مضاف ، وهو يفيد العموم ، خرج منه الحكّام الجائرون بالنصّ والاجماع ، وبقي الباقي وهم المعصومون (عليهم السلام) ومجتهدوا الشيعة العدول أعلى الله كلمتهم .
وقد أشكل على هذا التقريب بأنّ المراد من « أُولي الامر » هم الائمّة المعصومون (عليهم السلام) لا غير ، بقرائن :
إحداها : إنّ الظاهر من « أطيعوا » المحذوف المتعلّق هو : وجوب عموم الطاعة في كلّ شيء في الاحكام والموضوعات الخارجية ، وهذا النوع من الطاعة المطلقة مختصّة بالائمّة المعصومين (عليهم السلام) كما ثبت في محلّه بأدلّته .
ثانيتها : اقتران طاعة أُولي الامر بطاعة الله ورسوله يعطي وحدة نوع الطاعة لله ولرسوله ، ولاُولي الامر .
ثالثتها : المستفيضة الّتي قد يدّعى تواترها معنى ، وليس بالبعيد ، والتي منها رواية الكافي بسنده ، عن بريد العجلي ، عن الباقر (عليه السلام) في حديث : « ثمّ قال للناس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ) إيّانا عنى خاصّة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا »(91) ونحوها غيرها وهو كثير .
رابعتها : تعقيبه سبحانه ذلك بقوله : (إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ)وهو يشعر بأنّ عدم طاعة أُولي الامر يخرج الشخص عن ربقة الايمان بالله واليوم الاخر ، وعدم طاعة المجتهد ليس كذلك لقيام الضرورة على أنّ غير المقلد ليس خارجاً عن الايمان .
التقريب الثاني لدلالة الاية
أدلّة صحّة التقليد : السنّة
الثاني : إنّ التقليد وطاعة المجتهد العادل في الاحكام الشرعية هو امتداد لطاعة الائمّة المعصومين (عليهم السلام) ، لا لقوله (عليه السلام) : « وأمّا الحوادث الواقعة » وغيره من الاحاديث الارجاعية حتّى يورد عليه بأنّ الاستدلال بالاية لا بالاحاديث ـ بل لانّ المجتهد العادل يتعب نفسه في استخلاص فتاوى الائمّة المعصومين (عليهم السلام)بإخلاص ، فكلّما توصّل إليه واستنتجه من الاحكام الشرعية التي اعتقد أنّها التكاليف الواصلة إلينا بطريق المعصومين (عليهم السلام) فتقليده فيها ومتابعته ، والاخذ بقوله يعتبر ـ عرفاً ـ طاعة وانقياداً للائمّة (عليهم السلام) ، فإن لم يكن من الانقياد اللازم ، فلا شكّ إنّه من الانقياد المستحسن عند العقل والعقلاء .
ألا ترى : إنّه لو كتب مولى أوامره إلى عبيده في كتب ، وجاء عبد مخلص وعادل وأتعب نفسه في استفادة مرادات المولى من تلك الكتب ، ثم ذكر أنّه استفاد من كلمات المولى وأقواله أنّ أوامره كيت وكيت ، كان من الانقياد والطاعة للمولى : أن يأخذ سائر العبيد بقوله ويعملوا بما رآه أنّه أوامر المولى .
وهذا التقريب يفيد دلالة الاية الكريمة على حجّية قول المجتهد العادل ، لزوماً ، أو جوازاً على الاقل في مقام الاطاعة والمعصية لدى العقلاء ، ولا يرد عليه ما أُورد على التقريب الاوّل ، إلاّ أنّه قد يورد عليه بأنّه ليس استدلالاً بالاية ، بل بحجّية ما بنى العقلاء عليه في طرق الاطاعة والمعصية ، فتأمّل .
ومنها : آيات أُخر ، مثل آية الكتمان ، وآية الاذن ، وغيرهما ، وفي ما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى .
الاستدلال للتقليد ـ المصطلح ـ بالسنّة الشريفة
2 ـ السنّة : وأمّا السنّة التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدل بها على جواز التقليد بأنحاء الدلالات المختلفة : فهي طوائف عدّة تزيد على أقل مراتب التواتر الموجب للقطع بالصدور ، وربما تعدّ بالمئات .
الاخبار : الطائفة الاُولى
الطائفة الاُولى : الاخبار الدالّة على وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الشيعة التي تدلّ ـ بالالتزام ـ على حجّية فتاواهم ، لانّ الرجوع إليهم أعمّ من سؤال الرواية ، أو الاستفتاء.
صحيحة أحمد بن إسحاق
منها : صحيحة أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) « قال : سألته وقلت : مَن أُعامل ؟ وعمّن آخذ ؟ وقول مَن أقبل ؟ فقال (عليه السلام) : العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون »(92).
فاطلاق : « ما أدّى » وكذا : « ما قال » مؤيّداً بذيله : « فاسمع له وأطع » كلّ ذلك ، أو عمومه ، يشمل قسمي نقل الحديث ، والفتوى ، ألا ترى لو أنّ أحمد بن إسحاق سأل العمري عن الشكّ بين الثلاث والاربع ، فقال له العمري : ابنِ على الاربع ، فعمل به ، كان عاملاً بقول الامام (عليه السلام) ؟
ثمّ إنّه روي في البحار هذا الخبر عن الشيخ في كتاب الغيبة بتعبير آخر نورده إتماماً للفائدة :
قال أحمد بن إسحاق بن سعد القمّي : « دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد صلوات الله عليه في يوم من الايام ، فقلت : ياسيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت ، فقول مَن نقبل ؟ وأمر مَن نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الامين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه ، فلمّا مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمّد ، ابنه : الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) ذات يوم ، فقلت له مثل قولي لابيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الامين ، ثقة الماضي وثقتي في الحياة والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه »(93).
ولعلّ هذه التعبيرات أوضح دلالة على التعميم للفتوى ممّا مضى ، والله العالم.
رواية ابن يقطين
ومنها: رواية الحسن بن علي بن يقطين، عن الرضا (عليه السلام) قال : «قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»(94).
ومن الواضح أنّ أخذ معالم الدين يكون بالسؤال عن الرواية، والاستفتاء، كما إنّ هذه الرواية تدلّ على المفروغية عن الكبرى، وهي: حجيّة قول الثقة في نظر الحسن بن عليّ بن يقطين، وإنّما سأل الامام (عليه السلام) عن الصغرى، وإنّ يونس بن عبدالرحمن هل هو مصداق للكبرى وثقة أم لا؟ والامام أقرّه على الكبرى.
رواية الهمداني
ومنها : رواية عليّ بن المسيّب الهمداني قال : « قلت للرضا (عليه السلام) : شقّتي بعيدة ولست أصل اليك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال (عليه السلام) : من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا ، قال عليّ بن المسيّب : فلمّا انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه»(95).
حسنة ابن المهتدي
ومنها : حسنة عبدالعزيز بن المهتدي ، قال : « قلت للرضا (عليه السلام) : إنّ شقّتي بعيدة فلست أصل إليك في كلّ وقت ، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين ؟ قال (عليه السلام) : نعم »(96).
التوقيع الشريف بالارجاع إلى الفقهاء
ومنها : التوقيع الشريف عن صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أنصاره والتابعين له ـ إلى اسحاق بن يعقوب : « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله »(97).
والارجاع إليهم بإطلاقه يشمل أخذ الفتوى عنهم .
والاشكال فيها بأنّ لام : « الحوادث » للعهد ، ولا أقل من احتمال ذلك ، فلا يكون فيها عموم ، يدفعه : إنّ الظاهر من اللام في مثل المقام الاستغراق ، وكونه للعهد يحتاج إلى قرينة لا يصار إليه إلاّ بدليل أظهر ، مضافاً إلى أنّه الاصل فيها ـ كما حقّقناه في روايات الاستصحاب من الاُصول ـ .
واحتمال قرينية شيء ساقط عن الرواية أو غير مذكور من أجل تقطيع الاحاديث لذكر كلّ قطعة في بابها المناسب لها، مدفوع بالاصل. فضلاً عن القطع بالقرينية الّذي ادّعاه المحقّق العراقي حيث قال: «نظير الحوادث الواقعة المعلوم اقترانها بما يصلح للقرينية ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للتمسّك بالاطلاق»(98).
وذلك لعدم العلم، والاحتمال مدفوع بالاصل العقلائي ظاهراً في مثله، مع أنّ التعليل بـ: «أنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» يقتضي العموم.
مناقشات وردود
والمناقشة في السند بإسحاق بن يعقوب ومحمّد بن محمّد بن عصام ، لعدم توثيق لهما ، تقدّم تفنيدها ، وأمّا في الدلالة بأنّ الارجاع إنّما هو إلى الرواة ، لا إلى المجتهدين ، يدفعها ما يلي:
الردّ الاوّل
أوّلاً : بأنّ المجتهدين من أظهر مصاديق الرواة ، فهم رواة وزيادة واجتهادهم عن الروايات لا يخرجهم عن كونهم رواة .
أترى لو أنّ الرجل سأل الكليني (قدس سره) عن المذي ، فقال له الكليني (قدس سره) : هو طاهر وعمل الرجل بقوله أفلا يكون مصداقاً للتوقيع الشريف ؟ أوليس قد رجع في حكم الحادثة إلى رواة الحديث ؟ فهل يجب أن ينقل الكليني ـ في الجواب عن المسألة ـ رواية حتّى يصدق أنّ الرجل رجع إلى الرواة وإلاّ لا يصدق ؟
وكذلك المجتهدون رواة ينقلون للناس ما استفادوه من الروايات في الحوادث الواقعة.
الردّ الثاني
وثانياً: بعدم الفرق فيما لو سأل زيد وعمرو مجتهداً عن المذي، فقال لزيد: هو طاهر ونقل لعمرو رواية وقال له: في الحديث إنّه «ليس به بأس»(99) فهل رجوع عمرو إلى المجتهد من الرجوع إلى الرواة ، وليس رجوع زيد رجوعاً إلى الرواة ؟
الردّ الثالث
وثالثاً : بأنّ تعليل الامام (عليه السلام) بقوله : « فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله » دليل على عمومه لنقل الرواية والفتوى ، إذ « الحجّة » لا تنحصر فيمن ينقل متون الاحاديث ، بل إنّ شمول « الحجّة » للمجتهدين الّذين ينقلون متون الاحاديث مع بيان مراداتها أولى .
ثمّ المقابلة بين : « فإنّهم حجّتي » وبين « وأنا حجّة الله » يعطي ذلك أيضاً ، فهل كان الامام (عليه السلام) حينما يسأل عن المسائل ينقل عن الله آية أو حديثاً قدسيّاً في الجواب أم كان ديدنه ، وديدن أجداده الائمّة (عليهم السلام) أنّهم يفتون في جواب المسائل ، فكما أنّ الامام حجّة الله ، وليس معناه أن ينقل عن الله نصّاً ، كذلك الرواة حجّة الامام ، وليس معناه أن ينقلوا عن الائمّة (عليهم السلام) نصوص الروايات ، والتفريق بين الحجّتين ـ في معنى الحجّية ـ للفرق بين مورديها ، بلا فارق ظاهراً .
الردّ الرابع
ورابعاً : بأنّه لو لم يجز الرجوع في الاجتهاديات ، لايماء « رواة حديثنا » بالرجوع لسماع نصّ الحديث ، لكان في فقرة : « الحوادث الواقعة » كفاية في العموم ، إذ لا شكّ إنّ كل الحوادث الواقعة ليس في الروايات جزئياتها ، فتأمّل .
مضافاً إلى أنّ معنى : « الحجّة » لغة وعرفاً هو المعتبر قوله ، سواء نقل عن غيره شيئاً أو أفتى عن نفسه ما استفاده من كلام مولاه ، فلو قال زيد لعبيده : ابني حجّتي عليكم ، كان معناه : إنّ كلّ ما يأمركم به وينهاكم عنه ابني فهو معتبر عندي ، ويشمل عرفاً ذلك أن يقول الابن للعبيد : قال أبي : اصنعوا الغذاء الفلاني ، أو يقول ـ بدون قال أبي ـ : اصنعوا الغذاء الفلاني ، ولو عصى العبيد ، ولم يأتمروا حينما أمر الابن ـ بدون نقل عن أبيه ـ كان للمولى معاقبتهم ، والاعتذار بأنّه لم ينقل الابن عن المولى شيئاً ليس بنافع عرفاً .
وكذلك يقال : فلان حجّة في النحو ، أو حجّة في اللغة ، معناه : إنّ كلّ ما يقوله في النحو أو اللغة معتبر ، سواء نقل عن سيبويه النحوي ، أو الطريحي اللغوي شيئاً ، أو لم ينقل عن أحد ، ولكن قال : الفاعل يجب رفعه ، أو : الصعيد مطلق وجه الارض ، وهكذا .
رواية الاحتجاج
ومنها : رواية الاحتجاج عن تفسير الامام العسكري (عليه السلام) قال : قال الصادق (عليه السلام) : في حديث طويل : « وكذلك عوام أُمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبيّة الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، إلى أن قال (عليه السلام) : فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم »(100)تدلّ بمفهوم الحصر المستفاد من تقسيم الفقهاء إلى قسمين على أنّ الفقيه الّذي ليس له فسق ظاهر ، وعصبية شديدة ، وتكالب على حطام الدنيا ، يجوز تقليده .
وفي فقرة أُخرى من نفس هذه الرواية الطويلة : « فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لامر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه » .
وفي فقرة ثالثة منها أيضاً : « فإنّ من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة ، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً ولا كرامة » تدلّ بالمفهوم العرفي على قبول قول المجتهد الّذي لم يركب مراكب فسقة فقهاء العامّة .
وفي بعض فقرات أُخر من الرواية دلالات وإشارات على المقصود لم نذكرها لطولها .
ونوقش في هذه الرواية سنداً ودلالةً :
مناقشة رواية الاحتجاج سنداً
أمّا سنداً : فبأنّ التفسير لم تثبت صحّة نسبته إلى الامام العسكري (عليه السلام) ، لانّ الناقل للتفسير هو يوسف بن محمّد بن زياد ، وعليّ بن محمّد بن يسار ، وهما مجهولان ، وما روي في توثيقهما فطريقه هما بأنفسهما ، والاعتماد عليه دوري.
ردّ المناقشة السندية
وفيه : أنّه لا يبعد القول بحجيّة التفسير لاعتماد كثير من أساطين الحديث والفقه عليه ، والنقل عنه ، ونسبته إلى الامام (عليه السلام) قديماً وحديثاً من أمثال الصدوق (قدس سره) في : من لا يحضره الفقيه ، الّذي ضمن ما فيه وقال : « إنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي ... وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل وإليها المرجع » وفي « العلل » ، و « الامالي » وغيرهما وكذلك رواه عن الصدوق (قدس سره)جمع من أساطين الدين كالمفيد ، والطوسي ، والشيخ الطبرسي في الاحتجاج ، والراوندي في : الخرائج ، وابن شهر آشوب في : المناقب ، والمحقّق الكركي ، والشهيد الثاني ، والحبرين : المجلسيّين ، والمحقّق الوحيد البهبهاني ، والبحراني في : الفوائد النجفية ، والمولى محمّد جعفر الخراساني في اكليل الرجال ، والحرّ العاملي في : الوسائل ، والمحدّثين : الجزائري والتوبلي ، وتلميذ الشهيد الاوّل الحسن بن سليمان الحلّي ، والشيخ الحويزاوي صاحب : نور الثقلين ، وأبي الحسن الشريف ، والعَلَم النحرير الحاج ميرزا حسين النوري ، وجمع ممّن عاصرناهم ، وقد يستظهر من الشهيد والمحقّق الثانيين كون التفسير وراويه في غاية الاعتبار .
وهذا المقدار كاف في السيرة العقلائية للاعتماد على مثل هذا التفسير ، وليس في المقام إشكال سوى تضعيف العلاّمة (قدس سره) للتفسير ولراويه ، ووجود بعض القصص الغريبة فيه ، قال في الخلاصة ـ عن محمّد بن القاسم راوي التفسير ـ : « ضعيف كذّاب ، روى ـ يعني الصدوق (قدس سره) ـ عنه تفسيراً يرويه عن رجلين مجهولين : أحدهما يعرف بيوسف بن محمّد بن زياد ، والاخر بعليّ بن محمّد بن يسار ، عن أبيهما ، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ، والتفسير موضوع عن سهل الديباجي ، عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير »(101).
مضافاً إلى أنّ المعظم من فقهائنا المعاصرين والمقاربين لا يعتمدونه ، ولذلك فالتردّد والشكّ قائم .
ويجد الباحث التفصيل حول التفسير المذكور في خاتمة مستدرك الوسائل(102).
وشرّاح العروة والمصنّفون المعاصرون بين مصحّح ومضعّف ومتردّد ، والله العالم .
ثمّ إنّ هذا كلّه هو البحث في هذا التفسير الموجود الان والمطبوع المنسوب إلى الامام العسكري (عليه السلام) .
وهناك كتاب آخر في التفسير منسوب إليه (عليه السلام) لم يعثر عليه يقال : إنّه في مائة وعشرين مجلّداً(103).
مناقشة رواية الاحتجاج دلالةً
مناقشة رواية الاحتجاج دلالةً
وأمّا دلالة : فبأنّ الفقرة الثانية وقعت في الرواية بين الفقرتين الاُولى والثالثة ، ودلالتهما بالمفهوم ، ودلالة الثانية بالمنطوق ، والفقرتان الاُولى والثالثة بالمفهوم تدلاّن على ما نطقت به الفقرة الثانية ، والفقرة الثانية لا دلالة لها ، فلا دلالة للرواية على لزوم التقليد على العامي أصلاً ، وذلك لانّ لام « فللعوام » رخصة وجواز ، لا لزوم فيه ، كما يقال ـ مثلاً ـ : إذا صار المغرب في شهر رمضان فللناس الافطار .
ردّ المناقشة الدلالية
ردّ المناقشة الدلالية
وفيه أوّلاً : اللام هنا بمعنى على ، نظير اللام في قوله تعالى : (يَخِرُّونَ لِلاَْذْقَانِ سُجَّداً)(104).
وقوله سبحانه : (دَعَانَا لِجَنْبِهِ)(105).
وقوله عزّوجلّ : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)(106).
وقوله تعالى أيضاً : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)(107).
وقول الشاعر : « فخرّ صريعاً لليدين وللفم » .
إلى غير ذلك من الامثلة ، ومجيء اللام بمعنى : على ، غير عزيز ، والمتبادر إلى الذهن ـ غير المشوب بهذه الشبهات ـ هو كون اللام بمعنى : على ، أي : فعلى العوام أن يقلّدوه .
وثانياً: يمكن أن يكون اللام لدفع توّهم الحظر من قبيل قوله تعالى : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(108).
وقوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ)(109).
ونحوهما ، وذلك في مقابل عدم جواز تقليد فسقة الفقهاء .
وثالثاً : إنّ الكلام ليس في وجوب التقليد ، وإنّما هو في جوازه مقابل الاخباريين ، وبعض علماء حلب ، الذين حرّموا التقليد .
ورابعاً : بعد عدم تمكّن العامي من الاجتهاد والاحتياط يتعيّن عليه التقليد ، ولا يجوز له تركه ، فالجواز أعمّ من الوجوب .
والحاصل : إنّ الحديث الشريف حجّة دلالةً بما يقطع العذر عرفاً وإن أشكل فيه سنداً .
الاخبار: الطائفة الثانية
الطائفة الثانية : الاخبار الدالّة على جواز الافتاء الملازم عرفاً لجواز الاخذ به وتقليد الغير له.
رواية عطيّة العوفي
منها : قول الامام الباقر (عليه السلام) لعطيّة العوفي ـ كما في الرواية ـ : « اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإنّي أُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك »(110) فلو لم يجب للمستفتي العمل بالفتوى ، كانت لغواً والامام (عليه السلام) لا يأمر بالّلغو .
صحيح معاذ النحوي
ومنها : صحيح معاذ بن مسلم النحوي ـ على الاصحّ من صحّة إبنه أيضاً ـ عن الامام الصادق (عليه السلام) قال : « بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس ؟ قلت : نعم ، وأردت أن أسالك عن ذلك قبل أن أخرج : إنّي أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرّفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجيء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبّكم فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فأُدخل قولكم فيما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا فإنّي كذا أصنع »(111).
والرواية باطلاقها تشمل الافتاء ونقل الرأي : المستنبط من أقوالهم (عليهم السلام) ، بل كلمة : « فتفتي » شبه صريحة في ذلك ، وأيضاً : « فأُدخل قولكم » يعمّ نقل الخبر والافتاء ، وصدق مثل هذه الرواية ـ عرفاً ـ لمثل المجتهدين في العصر الحاضر ، الذين يستفتيهم الناس ، ويفتونهم لعلّه ممّا لا ينبغي الارتياب فيه .
وعن رجال الكشي ، عن محمّد بن مسعود ، عن أحمد بن منصور ، عن أحمد بن الفضل الكناسي قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : « أيّ شيء بلغني عنكم ؟ قلت : ما هو ؟ قال (عليه السلام) : بلغني أنّكم أقعدتم قاضياً بالكناسة ، قال : قلت : نعم جعلت فداك رجل يقال له : عروة القتات ، وهو رجل له حظّ من عقل نجتمع عنده فنتكلّم ونتساءل ، ثم يردّ ذلك إليكم . قال : لا بأس »(112).
وظاهر « يردّ ذلك إليكم » الاعمّ من نقل الرواية أو الافتاء المستنبط من الروايات .
الاخبار : الطائفة الثالثة
الطائفة الثالثة : الاخبار الناهية عن الافتاء بغير علم وارد عن المعصومين (عليهم السلام) ، الدالّة بمفهومها على جواز الافتاء مستنداً إلى ورود الحكم عنهم (عليهم السلام) ، وجواز هذا يلازم جواز العمل به عرفاً كما سبق.
صحيحة أبي عبيدة
منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه »(113).
مرسلا الكافي وقرب الاسناد
ومنها : ما في مرسل الكافي عن الامام الباقر (عليه السلام) : « من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادّ الله حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم »(114).
وعن قرب الاسناد بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال : « من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لا يعلم »(115).
مرسلا العوالي ومنية المريد
ومنها : ما في المستدرك ، عن عوالي اللئالي ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في حديث : « ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ ، والمحكم من المتشابه ، فقد هلك وأهلك »(116).
وفي منية المريد للشهيد الثاني (قدس سره) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من أفتى بفتيا من غير تثبت ـ وفي لفظ : بغير علم ـ فإنّما إثمه على من أفتاه »(117).
وهذا وإن كان مفهوم وصف، وهو غير حجّة على المشهور، إلاّ أنّ تردّده بين اثنين يجعله ذا مفهوم عرفاً ، نظير النهي عن شرب الماء واقفاً بالليل، فتأمّل .
ومثل الاحاديث الواردة بهذه المضامين في النهي عن القياس ، والاستنباطات الظنّية ، والاستحسانات ، والافتاء بالرأي ، ممّا تدلّ بمفهومها على جواز الافتاء بما ورد عنهم (عليهم السلام) ، وبالعلم ، وبالتثبّت ، وبغير الرأي ، وهو يعلم الناسخ من المنسوخ ، ونحو ذلك ، الملازم ذلك كلّه ـ عرفاً ـ لجواز العمل به ، وكتاب القضاء من الوسائل ، والمستدرك ، ومقدّمات كتاب جامع أحاديث الشيعة ، فيها غنيمة باردة بطائفة من أمثال هذه الاحاديث ، التي هي فوق أدنى التواتر قطعاً ، ويوجب العلم الّذي لا يشوبه ريب لجواز تقليد المجتهد الجامع للشرائط ، الاخذ علمه من روايات المعصومين (عليهم السلام) ، وإن كان بعضها ، أو معظمها ممّا خدش فيه البعض واحداً واحداً ، سنداً أو دلالة ، ولكنّ المجموع من حيث المجموع يورث العلم بلا ريب .
فلا وجه لما نقله بعض المعاصرين عن بعض مشايخه المحقّقين : من الاشكال في شمول دلالتها للتفقّه بإعمال النظر ، وهذا الاشكال إن كان ربما وجّه في دلالة : آية النفر ، فلا يوجّه فيما نحن فيه ، كما هو ظاهر .
الاستدلال للتقليد ـ المصطلح ـ بالاجماع
أدلّة صحّة التقليد : الاجماع
3 ـ الاجماع : قائم على جواز التقليد من وجهين :
الاجماع القولي
الوجه الاوّل : الاجماع القولي ، وقد نقله جمع .
وأشكل بأنّه محتمل الاستناد ، بل مقطوعه ـ كما ربما ادّعي ـ لما تقدّم من الايات والاخبار .
وفيه : إنّه ربما يقال : بصحّة الاستناد إلى الاجماع المحتمل الاستناد بما حاصله : إنّ الادلّة الشرعية ـ على المبنى المشتهر بين المتأخرين خصوصاً المعاصرين ـ ليست إلاّ منجّزات ومعذّرات عرفية ، فما كان عرفاً منجّزاً أو معذّراً ، صحّ الاستناد إليه في مقام صدق الاطاعة والمعصية عرفاً ، وإجماع فقهاء الشيعة إذا قام على حكم كان ذلك ـ عرفاً ـ موجباً لتنجّز مضمونه إذا طابق الواقع ، ومعذّراً إذا خالفه .
غاية ما يقال فيه : إنّ الاجماع المحتمل الاستناد فرع حجّية تلك الادلّة التي احتمل استناد الاجماع إليها ، وتلك الادلّة إن تمّ صدورها ودلالتها فهي المنجّزة والمعذّرة لا الاجماع ، وإن لم يتم صدورها أو دلالتها فما لا يثبته الاصل ، لا يثبته الفرع بطريق أولى ، ولكنّه مخدوش .
الاجماع والجبر السندي
وإنّما هو مخدوش ، لانّ الصدور والدلالة ، كلاهما يجبران بالاجماع ، أمّا الصدور : فظاهرٌ مشهورٌ بين الفقهاء في كتبهم الفقهية والاُصولية .
وما أصرّ عليه بعض مراجع العصر تبعاً لصاحب المدارك (قدس سره) : من عدم جبر السند بالاجماع ، بل بالغ في الانكار حتّى عبّر عنه بالحجر في جنب الانسان(118)، لا توافقه سيرة العقلاء ، المتّبعة في طرق الاطاعة والمعصية ـ كما يبدو لنا وتقدّم ويأتي بعض التقريب له ـ .
الاجماع والجبر الدلالي
وأمّا الدلالة : ففي الاُصول : صرّح بعضهم بجبرها بالاجماع أيضاً إذا كان اللفظ مجملاً ووهنه بالاجماع أيضاً إذا كان ظاهراً في شيء وتمّ الاجماع على خلاف ظاهره .
وفي الفقه : عمل عامّة المتأخرين تبعاً لسلفهم المتقدّمين (قدس سرهم) على الجبر والوهن إلاّ النادر ممّن اضطربت كلماته في الموارد ، وتخالفت أقواله في المسائل .
ووجه ذلك : إنّه لو رأينا رواية صحيحة السند ولكن كان في دلالتها على الحكم قصور من إجمال أو نحوه ، وقام إجماع على ذلك الحكم ، فلو تركنا الرواية لقصور الدلالة ، وطرحنا الاجماع لاحتمال استناده إلى تلك الرواية ، مع ما في المجمعين من فطاحل وأساطين وأعيان اجتمع فيهم دقّة النظر والتقوى الشديدة ، من أمثال الكليني ، والصدوق ، والمفيد ، والطوسي ، والمحقّق ، والشهيدين ، وكاشف الغطاء ، وبحر العلوم ، والمقدّس الاردبيلي ، والشيخ الانصاري ، والمجدّد الشيرازي ، والشيخ محمّد تقي الشيرازي ، وغيرهم من كبار فقهائنا (قدس سرهم) ، فإن ظهر واقعاً صحّة ذلك الحكم لم يكن لنا عرفاً معذّر ، كما إنّا إن استندنا إلى هذا الاجماع ، ثم ظهر واقعاً عدم صحّة الحكم كان ذلك معذّراً عرفاً .
أو بالعكس : كما لو كان دليل لفظي مطلقاً أو عامّاً ولم يكن له مقيّد أو مخصّص لفظي سوى فهم الفقهاء جميعاً عدم شمولهما لبعض الجزئيات ، فهل الاخذ بالعموم أو الاطلاق التارك لفهم الفقهاء قديمهم وحديثهم يكون معذوراً عند الاصابة ومنجّزاً عليه عند الخطأ عرفاً ؟ والعرف ببابك ، فاختبر نفسك بما إذا صدر أمر من السلطان بلزوم حضور الحكّام بحضرته يوم الاضحى ـ مثلاً ـ ثم رأى حاكم من حكّام أحد البلدان نصّ الامر فلم يفهم منه الوجوب ولكنّه رأى جميع الحكّام متّجهين إلى حضرة السلطان ، وحضر الجميع عند السلطان إلاّ هذا الحاكم ، فهل العقل والعرف يريانه معذوراً إذا كان الامر كما فهم الحكّام ؟ وهل يقبل عذره بأنّه لم يفهم من الامر ذلك ، مع إنّه رأى جميع الحكّام فهموا منه ذلك ؟
فإن وجدت من نفسك معذورية هذا الحاكم وصحّة عمله كان طرح الاجماع المحتمل الاستناد أيضاً كذلك ، وإن كان العكس فالعكس .
تأييد وتسديد
وممّا يؤيّد ذلك: ظهور العسر والضرر والحرج في الاطلاق الشامل لكلّ المحرّمات حتّى الزنا واللواط والسحق ونحوها مع أنّ الفقهاء لم يفهموا هذا الشمول ، فهل يصحّ لفقيه ـ لدى العرف والعقلاء ـ أن يفهم الاطلاق الشامل لامثالها ويفتي بجواز اللواط والزنا ـ والعياذ بالله تعالى ـ إذا كان حرجاً على الرجل أو المرأة الصبر عنهما ، لمجرّد أنّ أدلّة الضرر والحرج مطلقة ولا مقيّد لها بغير الزنا واللواط ؟ خصوصاً وبعض هذه المطلقات والعمومات آب عند التقييد والتخصيص ـ كما قيل (119).
نماذج وشواهد
ثمّ إنّ معظم أصحاب الكتب الفقهية من السابقين واللاحقين (قدس سرهم) يجبرون ضعف الدلالة بفهم الفقهاء ، ويوهنون قوّة الدلالة بعدم فهمها عند الفقهاء ، وكتاب الجواهر ، وغيره مليئة بذلك ، ولنذكر نماذج لذلك من هذا الكتاب ، دفعاً لما لعلّه أصبح في زماننا من المتسالم عليه عند بعضهم من عدم جبر الدلالة ولا وهنها بموافقة ومخالفة الاصحاب :
منها : في المندوب من الوضوء قوله : « والوهن في الدلالة مجبور بفتوى كثير من الاصحاب »(120).
ومنها: في تغيّر الماء من حمل الغلبة في الروايات على خصوص التغيّر بقوله : « وأيضاً بقرينة الشهرة ونحوها تحمل الغلبة على إرادة التغيّر»(121).
ومنها : في ماء الحمّام قال : « وما كان في هذه الروايات من ضعف في السند أو الدلالة فهو منجبر بما سمعت من الاجماع المنقول بل المحصّل ...»(122).
ومنها : ما في ماء الغسالة من قوله : « ولعلّ إمكان ذلك إنّما هو من جهة الاجماع الجابر لفهم ذلك من الاخبار »(123).
ومنها : موارد عديدة نعرض عن ذكرها لئلاّ يطول بنا الحديث(124).
هذا ما عثرت عليه في هذه العجالة ، ويكفي هذا المقدار للدلالة على أنّ مشارب الفقهاء المختلفة ، مجتمعة ـ كثير منها ـ في الفقه على الجبر والوهن الدلاليين بالاجماع ، بل بالشهرة أيضاً على الوفاق والخلاف .
هنا إشكالات
الاشكال الاوّل
والاشكال : بأنّ مرجع الجبر والوهن الدلاليين إلى تقييد حجّية الظواهر أو ظهورها بما إذا لم يوهن بمخالفة المشهور ، وحصر إجمال المجمل ـ موضوعاً أو حكماً ـ فيما لم يجبر بعمل المشهور ، ومعنى ذلك : عدم حجّية الظواهر مطلقاً وخروج المجمل عن الاجمال ، غير وارد ، بعد أن كان عمدة الدليل لظهور الظواهر وحجيّتها بناء العقلاء.
والوجدان حاكم بأنّ بناء العقلاء ليس مطلقاً ، بل محصور بما لم يفهم المشهور من أهل الخبرة العدول خلافها ، وبعد أن كان عمدة الدليل لعدم حجّية المجمل مستنداً إلى عدم بناء من العقلاء على حجّيته وحكومة الوجدان بأنّ عدم الحجّية ليس مطلقاً ، بل هو مادام لم يفهم المشهور من أهل الخبرة الثقات منه شيئاً معيناً ، والمسألة جديرة بالتأمّل التامّ ، والله العاصم .
الاشكال الثاني
والاشكال : بأنّ هذا سدّ لباب الاجتهاد ، إذ كلّ مسألة لا تخلو من فتوى المشهور فيها على طرف من أطرافها ، وكلّ فقيه يجب عليه متابعة المشهور ، غير تامّ لما يلي .
أوّلاً : بأنّ المشهور ذهبوا إلى الجبر والوهن الدلاليين ـ ممّا تقدّم كلمات بعضهم آنفاً ـ ولم يستلزم سدّ باب اجتهادهم ، بل مثل صاحب الجواهر ، والشيخ الانصاري ، والمحقّق العراقي من فحول المجتهدين وكبار الفقهاء كان فيهم .
وثانياً : بأنّا أبناء الدليل ، وحيثما مال نميل ، فما دام دليل الحجّية وعدمها بناء العقلاء وعدمه ، وما دام البناء وعدمه ـ في طرفي الجبر والوهن ـ محصور ، فكيف نطلقه نحن ؟
وثالثاً : بأنّ الكثير من المسائل الفرعية ليست فيها شهرة مقابل الشذوذ ، أو لم تحرز فيها ذلك ، والمتتبّع للفقه يجد ذلك عياناً .
الاشكال الثالث
والاشكال : بأنّ معنى ذلك حجّية الشهرة بنفسها كدليل مستقل ، وليس المبنى كذلك ، غير صحيح ، إذ لا تلازم بين الامرين ، كالظنون التي ليس كلّ واحد منها حجّة برأسه ، ولكن إذا اجتمعت أورثت الاطمينان وكانت حجّة وكذلك الاطمينان حجّة برأسه ولكن إذا شكّك مشكّك فيه ، ينقلب إلى الظنّ ويسقط عن الحجّية ، فتأمّل .
أدلّة صحّة التقليد : الاجماع
ونقل عن بعض تلاميذ المجدّد الشيرازي (قدس سره) : إنه كان يمثّل لجبر الدلالة ووهنها بالاجماع ، بل بالشهرة أيضاً ، بما إذا حضر شخص سفرة طعام ، وكان فيها طعام حسن المنظر جيّد الظاهر ، إلاّ أنّه رأى المجتمعين على تلك السفرة وكلّهم عقلاء وحكماء تركوا ذلك الطعام مع ما بهم من شدّة الجوع ، وأقبلوا على أكل طعام لا حسن في منظره ، ولا جودة في ظاهره ، وكلّما تأمّل هذا الشخص في سبب إعراضهم عن الطعام الجيّد الظاهر ، والاقبال على ما لا جودة في ظاهره لم يظهر له وجهه ، ومع ذلك فإنّه لو أقدم على الاكل من الطعام الجيّد الظاهر ، وأصابه مرض أو سوء منه ، ألا يلام لدى العقلاء بأنّك رأيت أهل الخبرة من الحكماء العقلاء يتركونه فلماذا أكلت منه ؟ ولو أصابه مرض أو سوء من تركه وأكل ذلك الطعام غير الجيّد الظاهر ، ألا يكون معذوراً لدى العقلاء لمتابعة أهل الخبرة فيما لم يظهر له وجهه ؟
نعم ، إنّنا لا ندّعي كون الجبر والوهن الدلاليين أقوى من كلّ الادلّة ، بحيث إنّه حتى لو علم الشخص خطأ الفقهاء في الفهم وجب مع ذلك اتّباع فهمهم أيضاً ، بل إنّنا ندّعي ـ وفاقاً لعامّة الفقهاء إلاّ من شذّ ـ كونهما من طرق الاطاعة والمعصية ، والله العالم .
وقد فصّلنا الكلام عن ذلك في مباحث الاُصول.
الاجماع العملي
الوجه الثاني : من وجهي الاجماع على جواز التقليد : الاجماع العملي أو سيرة الفقهاء ، وتقريره : إنّا نرى عمل الفقهاء طرّاً من زمن الغيبة إلى زماننا هذا وقد استقرّ بناؤهم ، واستمرّ ديدنهم على أن يسألوا عن مسألة لا يعرفونها عمّن يعرفها من الثقات من غير نكير من أحد ، وحتّى جمع من الاخباريين الذين اعتبروا معارضي التقليد ومحرّميه نراهم إذا سألهم العوام عن مسائل شرعية أجابوهم بأجوبتها ، ولم ينكروا على العامي السؤال ، ولم ينكر بعضهم على بعض إجابة المسؤول عنه للسائل ، مع أنّه لو لم يجز كان اغراءً بالجهل ، وهل التقليد ـ بمعناه العرفي ـ إلاّ هذا ؟
والاشكال في كلا قسمي الاجماع بأنّه ليس تعبديّاً كاشفاً عن رضى المعصوم (عليه السلام) ، ممّا لا يقتضيه التأمّل التامّ في مثل هذه المسألة .
فإنّ حدس موافقة المعصوم (عليه السلام) ـ الّذي هو مبنى المتأخرين غالباً ـ ملاكه اتّفاق الكلّ مطلقاً ، الحاصل فيما نحن فيه .
الاستدلال للتقليد ـ المصطلح ـ بالعقل
4 ـ العقل : وهو يدلّ على جواز التقليد ، لدعوة العقل كلّ جاهل في شيء إذا احتاجه أن يرجع إلى العالم بذلك الشيء ، فالذي يبني داراً ويجهل البناء يدعوه عقله إلى مراجعة البنّاء ، والّذي يريد سلوك طريق وهو جاهل بها يدعوه عقله إلى مراجعة العارف بذاك الطريق ، وهكذا المكلّف الّذي وجب عليه طاعة الله ، وتحصيل الاحكام للعمل بها يدعوه عقله إلى أن يراجع العالم بالاحكام الشرعية ، واطباق العقلاء كافّة في كلّ زمان ومكان على ذلك واستمرار بنائهم عليه ، خير شاهد على ذلك ، فإنّه يكشف عن حكم العقل بذلك .
ومن خدش في دلالة الايات والاخبار والاجماع على التقليد فلا مجال له في أن يخدش في هذا ، حتّى قيل : إنّه الدليل الوحيد للتقليد ، السالم عن المناقشات .
أدلّة صحّة التقليد : بناء العقلاء والسيرة
الاستدلال للتقليد ـ المصطلح ـ ببناء العقلاء
5 ـ وأمّا بناء العقلاء : فقد استقرّ على مراجعة الجاهل بالاحكام الشرعيّة إلى العالم بها ـ شأنه في ذلك شأن مراجعة أيّ جاهل بأيّ أمر إلى العالم بذلك الامر ـ وليس التقليد سوى هذا ، ومدرك حجّية هذا البناء العقلائي لنا ـ كما مرّ في بحث حجّية الاجتهاد ـ أمران على سبيل منع الخلو :
أحدهما : إنّ التقليد من طرق الاطاعة والمعصية ، ولا شكّ كما لا خلاف على الظاهر في أنّ المرجع في طرق الاطاعة والمعصية هو : بناء العقلاء ، ما لم يردع الشارع عنه ردعاً خاصاً ، لعدم وجود ردع عام كما حقّق في الاُصول.
ثانيهما : إنّ الظاهر اتّصال هذا البناء بعصر المعصومين (عليهم السلام) وعدم ردعهم عنه دليل حجّيته ، فيدخل في السنّة الشريفة من جهة تقرير المعصوم (عليه السلام).
وبعبارة أُخرى : هو السيرة المستمرّة للمتقدّمين .
وقد اعتبره بعضهم أقوى أدلّة حجّية العديد من الحجج الشرعية مثل حجّية الاجتهاد ، وحجّية التقليد ، وحجّية الظواهر ، وحجّية الخبر الواحد ، وغيرها من الاُصول المسلّمة في أُصول الفقه ، وفروعه .
وقد يقال : بحجّية هذا البناء العقلائي ، حتّى مع عدم إحراز اتّصاله بعصور المعصومين (عليهم السلام) ، وعدم إحراز تقريرهم له ، بما سنذكر إجماله في سيرة المتشرّعة إن شاء الله تعالى .
يتبع
تعليق