إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

بحث فقهي حول الاحتياط (( مهم جدا جدا))

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحث فقهي حول الاحتياط (( مهم جدا جدا))

    موضوع طويل ولكنه مهم غاية الاهمية لغرض تعميق الثقافة الفهية وترسيخها
    وهو بحث سماحة السيد المرجع الصادق الشيرازي دام ظله
    واتمنى من كل الاعضاء قرائته والتمعن فيه
    ما هو الاحتياط ومَن هو المحتاط ؟
    الاحتياط وطريقيّته
    أو محتاطاً والاحتياط هو : إمّا الاتيان بكلّ ما يحتمل كونه مأموراً به جمعاً : كالجمع بين القصر والتمام في الشكّ في المكلّف به .
    أو اتيانه وحده : كالشبهة البدوية الحكمية قبل الفحص ، مثل وجوب صلة الرحم .
    وإمّا الاتيان بما يحتمل دخله في صحّة المأمور به منضماً إلى غيره جزءاً : كجلسة الاستراحة ، أو شرطاً : كالوضوء بعد دخول الوقت بنيّة تلك الصلاة ، فعلاً كان كما ذكر ، أو تركاً كالرياء والعُجب المقارنين للعمل .
    ووجه كون العمل الاحتياطي صحيحاً ، ومجزياً ، هو القطع معه باتيان المأمور به ، ولا نريد في الاجزاء ، وسقوط التكليف ، أكثر من هذا ، ويترتّب على هذا القطع ، الامن من العقوبة ، لانّه فرع القطع باتيان المأمور به .
    فذكر بعض الاعلام لهما مرادفين بواو العطف ، يراد به العطف التوضيحي التفسيري على الظاهر .



    وجه انحصار الطرق في هذه الثلاث
    وأمّا وجه انحصار أداء التكليف في هذه الطرق الثلاث فهو : عدم دليل على اجزاء غيرها ، وهو يكفي دليلاً لعدم الحجّية ، لانّ الشكّ في الحجّية هو موضوع عدم الحجّية ، وبتعبير آخر : احتمال مخالفة العمل ـ من غير هذه الطرق الثلاث ـ للواقع ، ولا مؤمّن مع هذا الاحتمال(164).
    فالاستخارة ، والرؤيا ، والجفر ، والرمل ، وقول العرفاء ، وآراء الفلاسفة ، والقياس ، والمصالح المرسلة ، والاستحسان ، ونحوها ، لا تثبت حكماً ، ولا تسقط تكليفاً .
    ومسألة حجّية قول المعصوم في الرؤيا لمن رآه ، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من رآني في منامه فقد رآني ، لانّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي ... »(165).
    أو حجّية مطلق رؤيا المؤمن في آخر الزمان ، فرواياتهما بين ضعيف السند أو الدلالة أو كليهما ، وبين معرض عن دلالته اطلاقاً ومخالف للواقع كثيراً ، ومخالف لادلّة أُخرى عليها الاعتماد والمعوّل ، وقد حقّق في الاُصول تفصيلاً بطلانها ، أو توجيه الروايات الواردة بصددها .
    وما ذكره بعض محقّقي عصرنا : من أنّه لا يستحضر رواية واحدة تامّة السند في الباب ، ففيه : إنّ بعض رواياته تامّ السند ، مثل ما رواه في البحار ، عن الكافي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : « رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءاً من أجزاء النبوّة »(166).
    وقد أورد المسألة العلاّمة المجلسي (قدس سره) في البحار وبحثها طويلاً(167).



    العمل بالاحتياط وأهمّ الاشكالات عليه
    ولا بأس ـ ههنا ـ بذكر المهمّ من الايرادات التي أُوردت على صحّة العمل بالاحتياط، والجواب عنها بصورة جامعة ومختصرة، وإن كان البعض من العلماء قد أطال الكلام في هذه المسألة، وذكر من النقض والابرام ما أخرج المسألة عن كونها مسألة فقهيّة إلى مسألة كلامية وفلسفية.
    فنقول وبالله الاستعانة : ينقسم الاحتياط بالنسبة للصور العقلية فيه إلى أقسام:



    الاحتياط المذموم
    الاوّل : الاحتياط مع العلم الوجداني بالحكم الشرعي ، كمن حصل له العلم القطعي ـ بطريقة التشرّف أو بغير ذلك ـ بوجوب صلاة الظهر لا الجمعة ، فأراد الجمع بينهما احتياطاً ، أو كمن أراد الجمع بين الاتيان بصلاة الظهر أربع ركعات وبين الاتيان بها خمس ركعات ، مع علمه بأنّها أربع ركعات لا خمس .
    وهذا القسم لا إشكال في أنّه لغو ، ولا يسمّى الاحتياط فيه طاعة ، ولا رجاء طاعة ، ولا الانبعاث عنه انبعاثاً عن أمر المولى ، ولا عن احتمال أمره ، ولعلّه لا يتمشّى فيه قصد الطاعة أصلاً ، اللّهمّ إلاّ لغير الملتزم بالموازين العقلية والعرفية ، كالوسواسي الّذي يشكّك في وجدانياته ، وهو خارج عن مسير البحث ومصيره .
    صور الاحتياط



    الاحتياط الممدوح
    الثاني: الاحتياط مع عدم العلم الوجداني بالحكم الشرعي، وهذا القسم له ثمان صور:
    فإمّا أن يتمكّن من الامتثال التفصيلي بالحجّة، أو لا يتمكّن، وعلى الصورتين: إمّا أن يستلزم الاحتياط التكرار، أو لا يستلزم، وعلى الصور الاربع: إمّا الاحتياط في عبادة، أو في غير العبادة. فهذه ثمان صور إليك بيانها مع أمثلتها لتقريب الذهن.
    وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ بعد تمام بحث هذه الصور الثمان، بحث الاحتياط في الانشائيات من العقود والايقاعات ونحوهما، كالايمان، والنذور، والادلاء بالشهادة، والقذف، وبحث الاحتياط في التوصليات الصرفة، كتطهير المتنجّسات ونحوه.



    صور الاحتياط الثمان
    الاُولى : الاحتياط مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ويستلزم التكرار وكان في عبادة ، كالجمع بين القصر والتمام للمجتهد المتمكّن من تحصيل الحجّة على أحدهما بالنظر أو للمقلّد المتمكّن من تحصيل فتوى الفقيه .
    الثانية : هذه الصورة نفسها في غير العبادة ، كالجمع بين صيغ النكاح .
    الثالثة : الاحتياط مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ولا يستلزم التكرار وكان في العبادة ، كالاحتياط باتيان السورة ، أو جلسة الاستراحة ، للمتمكّن من تحصيل الحجّة على الحكم .
    الرابعة : نفس هذه الصورة في غير العبادة ، كالاحتياط بإجراء صيغة النكاح بالعربية .
    الخامسة : الاحتياط في العبادة مع استلزامه التكرار وعدم التمكّن من الامتثال التفصيلي ، كالصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلة .
    السادسة : نفس هذه الصورة في غير العبادة ، كالجمع بين صيغ النكاح مع عدم التمكّن من تحصيل الحجّة على الحكم .
    السابعة : الاحتياط في العبادة مع عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي ولا يستلزم التكرار في العبادة ، كجلسة الاستراحة لمن لا يقدر على تحصيل الحكم الشرعي .
    الثامنة : نفس هذه الصورة في غير العبادة ، كالعربية في صيغة البيع مع عدم التمكّن من تحصيل الحجّة على الحكم التفصيلي.



    الاحتياط ومواردها المثيرة للنقاش
    ولكن الّذي ورد النقاش الكثير فيه، والبحث عنه بين الاعلام غالباً من مسألة الاحتياط هي موارد ثلاثة كلّها في العبادات:
    الاوّل: الاحتياط في العبادة مع التمكّن من الامتثال التفصيلي وعدم لزوم التكرار .
    الثاني: الاحتياط في العبادة مع عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي ولزوم التكرار .
    الثالث: الاحتياط في العبادة مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ولزوم التكرار .
    الاحتياط: إشكالاً وجواباً
    وأمّا الاحتياط في العبادة مع عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي وعدم لزوم التكرار ، وكذا الاحتياط في غير العبادات سواء لزم التكرار أم لا، وسواء مع التمكّن من الامتثال التفصيلي أم عدمه، فهي أقلّ بحثاً ونقاشاً ، ونرجئ الكلام عنها مختصراً إلى بعد تمام هذا البحث ، والله نستعين في ذلك .



    موارد الاحتياط الثلاثة
    المورد الاوّل وإشكالاته الاربعة
    فلنبحث الاشكالات في الموارد الثلاثة وما فيها من النقاش:
    أمّا المورد الاوّل: وهو الاحتياط في العبادات مع التمكّن من الامتثال التفصيلي وعدم استلزامه للتكرار، كموارد الاجزاء والشرائط والموانع والقواطع المشكوك فيها، مثل السورة ، وجلسة الاستراحة ، والطمأنينة في بعض الاجزاء، وترك لبس اللباس المشكوك وترك التكتّف ونحو ذلك في الصلاة، فعمدة ما أُورد على الاحتياط فيها أربعة إشكالات:



    أوّل الاشكالات
    1 ـ لو جاز الاحتياط فيها لما وجب تعلّم الاجزاء والشرائط، والتالي باطل، فالاوّل مثله.
    أمّا بطلان التالي: فلانّ الادلّة الدالّة على وجوب التعلم من آيتي : النفر والسؤال ، وغيرهما ، وكذلك الروايات الدالّة على وجوب تحصيل العلم والتفقّه وذمّ ترك السؤال ، وغير ذلك ، كلّها تلزم وتوجب تعلّم اجزاء وشرائط العبادات التي بها تتحقّق مهيّاتها ، فلو فتح باب الاحتياط لم يبق مورد لهذه الادلّة .
    وفيه : قد حقّق في الاُصول أنّ أدلّة وجوب التعلّم كلّها إرشادية إلى عدم معذورية الجاهل الملتفت ، وليس وجوبها نفسياً، إمّا لابائها عن الحمل على النفسية، أو لعدم ظهورها في ذلك، أو لظهورها في الارشادية، على اختلاف ظواهرها ومفاداتها، وليس وجوبها غيريّاً (مقدّمياً) كالوضوء المأمور به مقدّمة للصلاة ـ مثلاً ـ وذلك لعدم المقدّمية بين العلم والعمل، وقد صرّح الفقهاء بارشادية تعلم الاجزاء والشرائط، والموانع والقواطع للعبادات في موارد عديدة فى الفقه:
    منها: في كتاب الصوم، فإنّهم صرّحوا بأنّ من لا يعرف المفطرات ولكنّه يعلم بأنّ صومه جامع لترك جميع المفطرات صحّ صومه ، ولم يترك واجباً.
    ومنها : في الحجّ، حيث صرّحوا بأنّ من لا يعرف تروك الاحرام ولكن علم أنّ إحرامه حاو على اجتناب كلّ التروك صحّ حجّه، ولم يترك واجباً.
    ومنها: في غيرهما.



    ثاني الاشكالات
    2 ـ إنّ العمل بالاحتياط يوجب إلغاء قصد الوجه المعتبر في العبادات كلاً ، أو جزءاً ، أو شرطاً ، أو وصفاً ، أو غاية ، بأن يأتي بالعبادة أو بأجزائها وشرائطها بوصف كونها واجبة أو مستحبة ، أو يأتي بها لوجوبها أو لاستحبابها ، وكذلك الاحتياط ينافي قصد التمييز الواجب ، بأن يميّز العبادة وأجزائها وشرائطها عن غيرها ممّا لم يكن مأموراً به ، ومع الاحتياط لا يمكن قصد الوجه ولا قصد التمييز ، لاحتمال أن تكون العبادة الواجبة ـ مثلاً ـ مجموع الصلاة مع السورة ، أو ما خلا السورة .
    وفيه : عدم الدليل على لزوم قصد الوجه والتمييز في أصل العبادات ، فكيف بأجزائها وشرائطها ؟ وهنا من الموارد التي يكون عدم الدليل فيها دليلاً على العدم ، لانّ الجزء أو الشرط الّذي يغفل عامّة الناس عنه إذا اشترطت صحّة العبادة به لزم أن يبيّن ، فإذا لم يبيّن كشف ذلك عن عدم لزومه ، وقد يعبّر عن مثل ذلك بالاطلاق السكوتي ، ولم نجد نحن ، ولا رأينا من الفقهاء الذين يعدّون بالاُلوف أحداً ذكر أنّه وجد دليلاً شرعياً على لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادات ، واعتباره في صحّتها ، وتفصيله مذكور في كتب الاُصول المفصّلة .



    اعتراض وجواب
    إن قلت : يمكن أن لا يكون المورد مشمولاً للقاعدة العرفية : « لو كان لبان » لاتيان المسلمين في زمن المعصومين (عليهم السلام) بالصلاة ـ مثلاً ـ تامّة الاجزاء والشرائط ، وفاقدة الموانع والقواطع ، وعلم المكلّفين بالاتيان بالعبادة على وجهها كاف ، وليس مراد من اشترط قصد الوجه أو التمييز إلاّ هذا .
    قلت أوّلاً : إن سلّمنا ذلك في الصلاة مثلاً ، فلا نستطيع قبوله في تمام العبادات ، حتّى مثل الحجّ الّذي لا يعلم ـ حتى اليوم مع كثرة كتب المسائل والمعلّمين للحجّ ـ كثير من الحجّاج اشتمال حجّهم على الواجب من الاجزاء والشرائط ، وفقده عن الحرام والمبطل من القواطع والموانع ، ومن شكّ في ذلك فليحجّ وليختلط بالحجّاج بضعة أيام ليلمس ذلك حسّاً ووجداناً .
    وثانياً : ما أكثر من يصلّون من المسلمين قليلي الالتزام بالاحكام ، وعديمي المعرفة بأكثر أحكامه ، وهم لا يعلمون ـ ولو جهلاً مركباً ـ أنّ صلواتهم جامعة مانعة .
    إذن : فمع هذه الغفلة ، فكيف يمكن اعتبار قصد الوجه والتمييز في صحة العبادة ، ولا ينبّه عليه ؟ لانّ تشريع مثل ذلك لغو ، وهو خلاف الحكمة كما فصّل بيانه في الاُصول .



    ثالث الاشكالات
    3 ـ ما ادّعي من الاجماع العقلي والنقلي على لزوم معرفة الاجزاء والشرائط ، لما نقل عن الشيخ نقلاً عن السيد الرضي وتقرير أخيه المرتضى (قدس سرهم) : من الاجماع على بطلان صلاة مَن لا يعلم أحكامها .
    وفيه : إنّ الاجماع العقلي غير حجّة في الشرعيّات ، بعد علم ، أو احتمال كون مدرك إجماعهم أمراً عقلياً لا أمراً شرعيّاً .
    والاجماع النقلي مضافاً إلى أنّه ليس بحجّة ، يرد عليه : وجود مخالفين من فطاحل العلماء من أمثال صاحب المدارك، والسيد بحر العلوم ، وكاشف الغطاء وغيرهم (قدس سرهم) بل لا يبعد ادّعاء الشهرة على الخلاف، وسيأتي شيء من التفصيل لذلك عند تعرّض الماتن (قدس سره) لبحثه(168) إن شاء الله تعالى .
    ثم إنّه قد يحتمل أن يكون مراد الرضي وتقرير أخيه (قدس سرهما) : بطلان عبادة من لا يعلم أصل الصحّة ، لا أنّه لا يعلم تمام أحكام الصلاة ، ومثل هذا الشخص تشمله قاعدة الاشتغال ، والبطلان بالمعنى العقلي يعني الاشتغال ، لا الشرعي ، فتدبّر .



    رابع الاشكالات وآخرها
    4 ـ الشكّ في تحقّق الطاعة والامتثال مع إمكان الطاعة التفصيلية بالاجتهاد أو بالتقليد ، والمرجع مع هذا الشكّ إلى الاشتغال وإن ذهبنا إلى البراءة في الشكّ في الاجزاء والشرائط ، وذلك لانّ هذا الشرط من شرائط تحقّق الامتثال ، وإذا كان الشكّ في تحقّق أصل الطاعة والامتثال كان الاشتغال هو المحكّم ، إذ صدق الامتثال متأخّر رتبة عن الامر ، والامر متأخّر عن المأمور به ، وحيث لا يمكن أخذ ما يأتي من ناحية الامر شرطاً في متعلّقه فلا تأتي أدلّة البراءة هنا ، لانّ مسرح أدلّة البراءة هو : إنّ ما يمكن جعله شرطاً لو لم يذكر كان ذلك دليل عدم الشرطية ، فهذا ـ على فرض شرطيته ـ لا يمكن ذكر شرطيّته في المأمور به ، فعدم ذكره لا يدل على عدم شرطيّته لانّ ما ليس قابلاً للوضع ليس قابلاً للرفع .



    مناقشة الاشكال الاخير
    وفيه أوّلاً : إنّا لا نشكّ في صدق الطاعة ، مع حكم العرف والعقل بأنّ من أتى بما أمره به مولاه كما أمر ، فهو مطيع .
    فمثلاً : لو كان المولى أمر باتيان الصلاة ولم يجعل السورة جزءاً منها ، أو جعل السورة جزءاً منها ، فأتى العبد بالصلاة مع السورة ـ مع فرض شكّه في أنّ السورة جزء أم لا ـ ألا يصدق عليه عرفاً أنّه مطيع ؟ نعم ، إنّه مطيع ومنقاد .
    وثانياً : إنّ قاعدة : ما ليس قابلاً للوضع فليس قابلاً للرفع ، كأنّه أجنبىّ عمّا نحن فيه ، فإنّ اشتراط الوجه قابل للوضع وقابل للرفع ، كيف لا ؟ ومن الممكن أن يأمر الشارع بالصلاة ثم يأمر بلزوم قصد الوجه فيها ، كما أمر أوامر أُخرى بتدخيل أجزاء وشرائط أُخرى وبيان قواطع وموانع .
    والحاصل : إنّه يمكن ذلك بمتمم الجعل .
    نعم ، بنفس الامر بالصلاة لا يمكن جعل قصد الوجه بدون تصور ما بعد الجعل ، ولكنّ الكلام في قابلية أصل الجعل والرفع ، لا الجعل والرفع بنفس الامر ، وقد فصّلنا الكلام حول ذلك في الاُصول ، واستقربنا إمكان ذلك تبعاً لجمع من المحقّقين .
    وثالثاً : مثل هكذا شرط الّذي هو قابل للوضع والرفع ـ وإن كان من شرائط الامتثال ـ يجري فيه البراءة إذا كان محل ابتلاء العامّة ، مع غفلة العامّة عنه وعدم ذكره في الشرع ، كما هو كذلك فيما نحن فيه .



    المورد الثاني وإشكاليه
    وأمّا المورد الثاني من موارد النقض والابرام في كفاية العمل بالاحتياط وعدمه ، فهو الاحتياط في العبادة فيما لم يمكن الامتثال التفصيلي مع لزوم التكرار ، كمورد دوران الامر بين المتنافيين ، كالصلاة في ثوبين علم اجمالاً بنجاسة أحدهما ، ولا طريق له لتحصيل العلم التفصيلي بالنجس ، وقد نقل عن ابن إدريس (قدس سره) ـ في هذه الجزئي فقط ـ المنع عن الاحتياط واتيان الصلاة عارياً .
    والّذي يستشكل به في ذلك أمران :



    الاشكال الاوّل وجوابه
    الاوّل: إنّه مناف لقصد الوجه الواجب في العبادات.
    وفيه: إنّ قصد الوجه ـ مضافاً إلى أنّه كلام شعري كما عن المحقّق (قدس سره) وإلى ما أسلفنا من عدم الدليل على لزومه اطلاقاً ـ غير آت هنا، فإنّ القائلين به إنّما يقولون به فيما إذا أمكن معرفة الوجه بالامتثال التفصيلي، لا فيما لا يمكن ذلك، كمسألة الثوبين المشتبهين، فإن قال أحد بلزوم معرفة الوجه حتّى فيما نحن فيه كان معنى ذلك: بطلان الاحتياط في العبادات مطلقاً، ولا يلتزم به.
    ولعلّ منع ابن إدريس عن الاحتياط بالصلاة في الثوبين المشتبهين إنّما هو ـ في نظره ـ لاجل مبغوضية الصلاة في النجس مبغوضية تطغى على حسن الاحتياط، لا لاجل لزوم قصد الوجه حتى فيما لم يمكن الامتثال التفصيلي فيه، فقول ابن إدريس (قدس سره) أخصّ من المدّعى.



    الاشكال الثاني وردّه
    الثاني: إنّ الاحتياط باتيان شيئين تشريع ، لانّ الشارع أمر بصلاة واحدة، لا بصلاتين، فاتيان صلاتين تشريع محرّم.
    وفيه أوّلاً: إنّ الاحتياط مقابل التشريع، فالتشريع عرفاً ولغة وشرعاً هو: إدخال ما ليس من الدين في الدين، أو شكّ إنّه من الدين، والاتيان به تديّناً وبعنوان إنّه دين الله والاحتياط خلاف هذا تماماً، فإنّه اتيان شيء برجاء كونه ديناً، ومطلوباً واقعاً، لتحصيل الواقع المعلوم من الشريعة ، محبوبيته على كلّ حال.
    فلو أتى المكلّف بصلاة الظهر مرّتين بعنوان أنّ الشارع أمر ـ وجوباً ـ بصلاتين للظهر كان هذا تشريعاً محرّماً ، أمّا لو أتى بصلاتين بعنوان إنّ الشارع أمر بصلاة واحدة وإنّي لا أعلم هل أمر بصلاة واحدة في هذا الثوب ، أم بصلاة واحدة في ذلك الثوب ؟ فإنّ هذا ليس من التشريع ، مع إنّ هذا في قصد الوجه، لا هنا، فتأمّل.
    مضافاً إلى أنّ هذا الاشكال لو تمّ كان اللازم القول به فيما أمكن للشخص الامتثال التفصيلي ، أمّا مع عدم إمكان الامتثال التفصيلي فلا مسرح للاشكال أصلاً .
    وثانياً : على فرض تسليم صدق التشريع في الاحتياط ، فهو في الجمع بين المحتملات ، وهذا لا يلزم منه تعلق التحريم بذاك الفرد المطابق للواقع في ضمن الاعمال المحتاط بها .
    وبعبارة أُخرى : لو كان تكرار الصلاة تشريعاً وحراماً ، فلا معنى لحرمة تلك الصلاة المطابقة للواقع من الصلوات المكرّرة .
    وثالثاً : لو فرض تسليم الحرمة من جهة التشريع ، فلا تسري إلى الصحّة ومطابقة المأتي به للمأمور به ، فلا يوجب هذا النوع من التشريع بطلان تلك الصلاة المطابقة للواقع المأتي بها مع جميع الخصوصيات حتّى القربة المعتبرة .
    ورابعاً : هل يفرق الحكم والموضوع في ما نحن فيه ، أم لا ؟ وكلّ منهما غير خال عن الاشكال ، فتأمّل .
    ولا يخفى إنّ هذه الشبهة كانت بمثابة من الضعف لا تستدعي الذكر أصلاً ، ولكن تناقل جمع من الفقهاء لها أوجب ذكرنا إيّاها أيضاً والجواب عنها .



    المورد الثالث وإشكالاته
    وأمّا المورد الثالث من موارد الاشكال في الاحتياط فهو : الاحتياط في العبادات فيما يمكن الامتثال التفصيلي مع لزوم التكرار ـ موضوعاً أو حكماً ـ كاشتباه القبلة ، واشتباه القصر والتمام ، إذا تمكّن المكلّف من تحصيل الحجّة على أحد الطرفين بالاجتهاد أو بالتقليد.



    أقوال المورد الثالث
    والاقوال في ذلك ثلاثة :
    1 ـ الجواز مطلقاً ، وهو للمشهور من المتأخرين ، ومنهم المحقّقون : العراقي ، والشيخ علي حفيد صاحب الجواهر ، وابن العم ، والحكيم (قدس سرهم) .
    2 ـ وعدمه ، وهو للمحقّقين : النائيني والحسيني البروجردي (قدس سرهما) .
    3 ـ والتفصيل بين كون التكرار لداع عقلائي وغيره ، بالجواز في الاوّل دون الثاني وهو للمحقّقين : صاحب العروة ، والحائري ، والحسيني القمّي ، والوالد (قدس سرهم) .
    ثم إنّ دليل المجوّزين : مطابقة المأتي به للمأمور به ، ودليل المفصّلين : نفس أدلّة المانعين في غير صورة الداعي العقلائي ، وإنّما الكلام في أدلّة المانعين ، فإنّ عمدة أدلّتهم ما يلي:



    عمدة أدلّة المانعين
    الدليل الاوّل
    الاوّل : إنّ التكرار في العبادات مع التمكّن من الامتثال التفصيلي أجنبي عن سيرة المتشرّعة ، غير معهود عندهم ، بل مثل ذلك ربما يعدّ مبغوضاً عند الشارع .



    الدليل الثاني
    الثاني : إنّ مثل هذا المكلّف يعدّ لاعباً بأمر المولى ، وقد قرّر ذلك : بأنّ من تردّد عنده القبلة إلى أربع جهات ، والثوب الطاهر بين خمسة ثياب ، وما يجوز السجود عليه بين خمسة أشياء فلو صلّى مائة صلاة مع التمكّن من صلاة واحدة ، كان هذا سفيهاً عابثاً لاعباً بأمر المولى ، ومثل هذه لا تسمّى طاعة وامتثالاً، والفرق بين تكرار الصلاة كثيراً وبين الصلاة مرتين لا يرجع إلى محصّل، فلا يجوز تكرار الصلاة مرتين مع التمكّن من الامتثال التفصيلي، وحكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.



    الدليل الثالث
    الثالث: لزوم كون الداعي والمحرّك إلى الاطاعة هو نفس أمر المولى، وفيما نحن فيه يكون المحرّك والداعي احتمال الامر لا نفسه، فالذي يأتي بصلاة واحدة ظهراً إنّما يأتي بها لانّها التي أمر بها الشرع، أمّا الّذي يأتي بصلاة الظهر مرتين، ففي كلّ صلاة واحدة منهما يأتي بها لاحتمال أن تكون هي المأمور بها، لا لانها مأمور بها.



    الدليل الرابع
    الرابع: توقّف صدق الطاعة في الامتثال الاجمالي، على عدم التمكّن من التفصيلي ، وذلك لما ذكره المحقّق النائيني (قدس سره) في الاُصول من لزوم هذا الترتّب.
    لكن هذه الادلّة كلّها غير تامّة.



    مناقشة الدليل الاوّل
    أمّا الاوّل : فيرد عليه أوّلاً : إنّ الاحتياط مطلقاً فيما نحن فيه ليس أجنبياً عن سيرة المتشرّعة ، لما نرى المتديّنين الملتزمين قد يحتاطون بالتكرار في العبادات ، مع وجود الحجّة عندهم على أحد الطرفين ، بل ينقل عن بعض الفقهاء الكبار أمثال العلاّمة الحلّي ، والشيخ الانصاري ، ونحوهما أمثال ذلك ، بل الفقهاء والمقدّسون من المتديّنين يعتبرون مثل ذلك إيغالاً في الانقياد والقرب إلى المولى ، فكيف يقال أنّه أجنبي عن سيرة المتشرّعة ؟
    نعم : ما أدّى من ذلك إلى الوسوسة فهو الاجنبي عن سيرة المتشرّعة وهو المبغوض للشارع ، والوسوسة خارجة عن محل الكلام .
    وثانياً : إن كان المراد بأنّه أجنبي عن سيرة المتشرّعة ، وجود السيرة القطعية المعتبرة المستمرّة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) على ترك الاحتياط في أمثال ما نحن فيه ، فدونه خرط القتاد .
    وثالثاً : السيرة على الترك للاحتياط ، أعمّ من عدم صحّته ، فلعلّها لاجل صعوبته ، كتحقق السيرة على عدم تحصيل العلم الوجداني ، فهل يكون ذلك دليل عدم كفاية العلم الوجداني ؟
    وإن كان المراد سيرة جماعة من المتشرّعة ، فليست هذه السيرة حجّة شرعيّة على بطلان مثل هذا الاحتياط .



    مناقشة الدليل الثاني
    وأمّا الثاني: فإنّ مسألة اللعب بأمر المولى قد أُطيل فيها الكلام بين الاعلام وقد بنى عليها صاحب الفصول (قدس سره) وتبعه المحقّق الانصاري في الرسائل ، وتبعهما آخرون.



    هنا ثلاث مناقشات
    المناقشة الاُولى
    لكن يرد عليها أوّلاً : لا نسلّم كون الاحتياط مطلقاً لعباً وعبثاً ، كيف والعقل والعقلاء يستحسنون الاحتياط كثيراً ، ولا نرى العرف يعتبرون مطلق الاحتياط عبثاً ولعباً ؟
    نعم ، لو لم يكن هناك داع أصلاً للاحتياط ، كان عبثاً ولغواً ـ كما في مقابل العلم الوجداني ـ وأمّا في مقابل الحجّة فليس عبثاً أصلاً ـ بما هو هو ـ .
    وأمّا المثال الّذي ذكر بتكرير الصلاة مائة مرّة ، فربما يكون من اللعب والعبث ، ولكن هذا المثال جزئي ، والجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً ، فلا يدلّ عبثية مورد خاص على عبثية مطلق الاحتياط الّذي هو محل الكلام .
    ألا ترى أنّ الّذي اشتبه عليه القبلة إلى جهتين فصلّى الصبح مرّتين ، أو اشتبه عليه الماء المضاف بالمطلق فتوضّأ مرّتين ، أو اشتبهت على المرأة أيام حيضها فصامت رمضان وصامت قضاءه ، لا يسمّون لدى العرف والعقلاء عابثين لاعبين ، بل يسمّون منقادين ملتزمين بالاطاعة أكثر من غيرهم؟
    ويؤيّد ذلك اطلاق ورود الامر بالصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلة .



    المناقشة الثانية
    وثانياً : على فرض كون الاحتياط باتيان المحتملات عبثاً ولغواً ، فإنّا لا نسلّم أن يكون عبثاً بأمر المولى ، ولعباً به ، وإنّما هو ـ على ما ذكره الاخوند ، وتبعه جمع من تلاميذه ، وارتضاه جمع آخر من المعاصرين ـ لعب بكيفية اطاعة أمر المولى ، وعبث بها ، إذ الطاعة تتحقّق بواحد من الافراد الّذي كان مأموراً به واقعاً ، والعبث واللعب يكونان في بقية الافراد الّتي ليست من الطاعة في شيء وإنّما هي محتملات الطاعة ، ولا يضرّ ذلك بصدق الطاعة ، والمطيع ، فهو مطيع عابث ، وهي طاعة وعبث ، ولا يطغى أحد العنوانين على الاخر ليزيل مفهومه ويضمحل .
    ألا ترى أنّ المولى إذا أمر عبده باتيان كتاب شرح اللمعة من مكتبته ، وكان بامكان العبد أن يسأل من المولى : ما هي صفات شرح اللمعة ، حتّى يأتي به فقط دون اشتباه ، ومع ذلك فإنّ العبد لم يسأل المولى ، وتحيّر في مراد المولى ، فجاء بمائة كتاب في ضمنها شرح اللمعة ووضعها بين يدي المولى ، فإنّه لا شكّ في أنّ المولى ينسب هذا العبد إلى الحمق واللعب ، ولكن لا يرى العرف أنّ ذلك يضرّ بصدق الطاعة ، فهو أطاع المولى وأتى بمقصوده ، وليس للمولى أن يقول : لماذا ما أطعتني ؟ ولو قال ، لكان للعبد أن يجيب : أطعتك فأتيت لك بما تريد .



    ردّ المناقشة
    وأورد بعض المعاصرين على هذا الجواب ما حاصله : إنّ هذه الاجزاء بواسطة عنوان الاحتياط صار كلّه عملاً واحداً ، ولم يبق هناك أجزاء مستقلّة ننسب بعضها إلى الطاعة وبعضها إلى العبثية واللعبية .
    وفيه : إنّ طرو عنوان الاحتياط على مجموع عدّة أعمال لا يجعلها في الخارج واحداً من جميع الجهات وذا أجزاء غير مستقلّة ، بل مع ذلك نرى أن العرف يرى الّذي يصلّي إلى أربع جهات إنّه أتى بأربعة أعمال ، لا أنّه أتى بعمل واحد ، واختبر بذلك بأمثلة عرفية أُخرى ليظهر لك الامر ، فلو أمر المولى عبده بأن يزور مكّة أو المدينة وشكّ العبد فيهما فأتى العبد المدينة وزار ، ثم أتى مكّة المكرّمة ، ألا يرى العرف أنّ العبد أتى بعملين ، لكن بداع واحد ، وهو الاحتياط في تحصيل مقصود المولى على كلّ حال ؟
    وبعبارة أُخرى : مجرد وجود جامع لا يجعل الاعمال المتعدّدة عرفاً ، عملاً واحداً عرفاً ، فتأمّل .



    المناقشة الثالثة
    وثالثاً : لو فرضنا أنّ الاحتياط باتيان المحتملات عبث ولعب بأمر المولى واستحقّ فاعله العقاب لذلك ، ولكن ـ بعد فرض أنّ المحتملات ليست عملاً واحداً ، وإنّما هي أعمال متعددة يقطع بحصول المقصود في ضمنها ـ أىّ مانع من أن يكون الرجل مطيعاً باعتبار اتيانه مقصود المولى ، وعاصياً باعتبار عبثه ولعبه بأمر المولى ؟
    ولنوضّح ذلك بمثال : لو قال المولى لعبده : اشرب هذا الشراب ، ونهاه عن شرب الخمر ، وقد اشتبه على العبد اناءان أحدهما خمر ، والاخر شراب ، وكان بإمكان العبد أن يسأل المولى أيّهما شراب ، ولكنّه ما سأل وشرب كليهما واحداً بعد الاخر ؟ ألا يرى العرف إنّه مطيع وعاص ، مطيع بشرب الشراب المأمور به وعاص بشرب الخمر ؟
    هذا إذا لم نقل باجتماع الامر والنهي ، وأمّا إذا قلنا به فيصحّ صدق الطاعة حتى لو اعتبرنا العملين واحداً من جهة الاحتياط ، ولقد أجاد بعض المحقّقين حيث ذكر بتحقيق طويل : إنّ اللعب والعبث إن كانا فإنّما هما في طريق تحصيل اليقين بالاطاعة لا في نفس أمر المولى ، ولا في كيفية الطاعة ، ما محصّله : إنّ لتحصيل اليقين بالامتثال طريقين :
    الطريق الاوّل : الامتثال التفصيلي .
    الطريق الثاني : الاحتياط اللعبي والعبثي .
    فاختيار الثاني دون الاوّل لعب وعبث في الطريق ، لا في نفسه ، ولا في كيفيته .



    مناقشة الدليل الثالث
    وأمّا الثالث : وهو لزوم كون الانبعاث في العبادات عن نفس أمر المولى ، وفي الاحتياط يكون الانبعاث عن احتمال الامر وهو لا يكفي .
    ففيه كبرىً وصغرىً ما يلي :



    مناقشة الكبرى
    أمّا كبرىً : فبأنه لا نسلّم لزوم كون الانبعاث عن ذات الامر ، بل يكفي الانبعاث عن احتمال الامر ، لانّ ذلك ممّا لم يدلّ عليه : لا الشرع ، لعدم وجود عين منه ولا أثر في الشريعة ، لا في آية ، ولا في رواية ، ولا في اجماع ، كما لم يدّعه أحد أيضاً .
    ولا العقل ، لاكتفاء العقل في مقام الامتثال والطاعة ـ في العبادات ـ باتيان الاجزاء والشرائط بنيّة القربة إلى الله تعالى .
    وشرطية الانبعاث عن نفس الامر ـ دون احتماله ـ إن كان فهو دقّي فلسفي ، ولم يبنِ الشرع يوماً مّا خطاباته على الدقّيات الفلسفية ، وإنّما بنى الشرع في كلّ شيء من فروع الدين على العرفيات والظواهر ونحوهما .
    والحاصل : إنّ المطلوب من المكلّف ـ في العبادات ـ اتيان العمل المقرّب إلى الله بنيّة التقرّب إليه سبحانه ، والّذي يحتاط بالجمعة والظهر ، لابدّ من كون إحدى الصلاتين مقرّبة إلى الله ، والمفروض أنّ المكلّف نوى التقرّب بكلّ واحدة منهما ، فهو إذن أتى بالعمل المقرّب مصحوباً بنيّة القربة .
    بل صدق الاطاعة والامتثال على المحتاط أشدّ من صدقهما على العامل بالعلم التفصيلي ، فالذي ينبعث بمجرّد احتمال الامر أقوى انقياداً من الّذي لا ينبعث إلاّ مع العلم بالامر .



    مناقشة الصغرى
    وأمّا صغرىً : فبأنّ الانبعاث الاحتياطي وإن كان عن احتمال الامر ، لكنّه بالاولى يكون انبعاثاً عن نفس الامر، لانّ نفس الامر الصادر عن الشارع هو الّذي سبب على المكلّف اتيان محتملاته ليتمّ نفس العمل الواقعي في ضمن المحتملات، فالمحرّك للعبد، والباعث له على الاطاعة هو ـ في الحقيقة ـ أمر المولى، وإن لم يكن الامر الواقعي في كلّ واحد واحد من المحتملات معيّناً ومعلوماً.
    واستنظر ذلك بالامر الخارجي ، فالذي يسلك طريقين لعلمه الاجمالي بوجود مال له في أحدهما ، إنّما محرّكه ـ حقيقة وواقعاً ـ للسير في كلا الطريقين هو وجود المال ، وسلوك الطريق المحتمل إنّما هو لاجتماع المحتملات وتحصيل المال بالنتيجة .
    وهذا هو ما أجاب به المحقّق العراقي (قدس سره) في تقريراته .



    إشكال وجواب
    وأورد عليه بعض المعاصرين بما حاصله لا يرجع إلى محصّل ، لانّه قال : « فإنّه لا يعقل أن يدعو شيء إلى أمر ما لم يكن ذلك الشيء موجوداً فإنّ الداعوية هي الاقتضاء والبعث من المقتضي ، ومع عدم المقتضي لا اقتضاء يعقل ، ولا بعث يتصوّر ، ففي صورة العلم بالامر يكون الامر موجوداً ومتحقّقاً في النفس ، فيؤثر الداعوية والاقتضاء والبعث ، وأمّا في صورة الاحتمال ، فإنّه لما لم يكن الامر موجوداً في النفس فلا يعقل أن يؤثر الاقتضاء فيها ، وإنّما الموجود فيها هو احتماله ، فيكون نفس الاحتمال هو الداعي ... » .
    وفيه : إنّا لا ننكر إنّ الاحتمال هو الداعي ، وإنّما نقول : كون الاحتمال هو الداعي معناه : إنّ نفس الامر كان داعياً قويّاً وباعثاً أكيداً ـ فعلاً ـ بحيث أثّرت هذه الداعوية والباعثية من الامر حتّى في محتملات الامر ، فباعثية الداعوية الاحتمالية لا تتمّ إلاّ مع باعثية الداعوية النفسية الواقعية ، كما مثّلنا بسلوك طريقين في أحدهما مال .
    نعم ، هذا لا يتمّ إلاّ في الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي الّذي يعلم وجود البعث القطعي فيها ، وأمّا الاحتياط في الشبهة البدوية ، فلا .
    لكن الاشكال الكبروي عليه تامّ ، وهو كاف ، فتأمّل .
    وقد يقال : إنّ الانبعاث عن الامر نفسه كاف في صدق الطاعة ، وفي الاحتياط ـ حتّى في الشبهة البدوية غير المنجز فيها التكليف المحتمل ـ يكون الانبعاث عن نفس الامر عند مصادفة الواقع ، وليس للعلم والجهل دخل في وجود الامر وعدمه ، فإنّهما سابقان على العلم والجهل كما هو واضح ، فتدبّر.



    الدليل الثالث ومناقشات أُخَر
    ثم إنّه قد نوقش الدليل الثالث بمناقشات أُخر، لا تخلو من خدشة .
    قال بعضهم : إنّ حسن الاحتياط لما كان محرزاً عقلاً فيكون محرزاً شرعاً أيضاً ، لقاعدة : كلّما حكم به العقل حكم به الشرع ، فإذا تمّ حسن الاحتياط شرعاً ، تمّ مطلوبيته ، وإذا كان مطلوباً كان عن أمر لا محالة .
    وفيه : إنّ حسن الاحتياط إنّما هو لاجل إنّه طاعة محتملة ، ولا يمكن أن يستكشف الامر الشرعي من الطاعة إلاّ على وجه دوري .
    بيان الدور : أنّ الامر بالاحتياط هنا موقوف على حسنه فيه ، وحسنه فيه موقوف على تحقّق عنوان الاحتياط فيه ، وتحقّقه فيه موقوف على الامر به ، فتوقّف الامر به على الامر به ، وهذا دور باطل .
    لكن قد يقال : بأنّ الموقوف عليه غير الموقوف عليه ، إذ هناك أمران : أمر بأصل المكلّف به ، وأمر بالاحتياط فيه ، فتأمّل ، فإنّ الامر الثاني انقيادي ومعه يكون تكراراً لما تقدّم .
    وقال بعضهم : يصحّ الاحتياط للامر به شرعاً في مستفيض الاخبار ، ومنها الحديث الشريف : « أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت »(169).
    وفيه أوّلاً : أنّ كلمة : « بما شئت » تفيد الرخصة في الاحتياط ، لا الامر به ، وإن كان ربما يجاب عن ذلك : بأنّه إذا رخّص الشارع في عبادة كفى به أمراً ، لانّا في العبادة لا نريد الامر الشرعي إلاّ لمعرفة أنّه مطلوب ، ومعرفة أنّه مطلوب يكفي في كشفه الرخصة من الشارع .
    وثانياً : إن « احتط » إرشادي نظير الامر بالاطاعة ، ويجاب هذا بما أُجيب به عن الاوّل .
    وثالثاً : إنّه لا يمكن تصحيح الاحتياط بهذا الامر إلاّ على وجه دائر كما مرّ آنفاً ، فتأمّل .
    إلى ما هنا لك من أجوبة وايرادات أُخرى نترك الكلام فيها خوف التطويل.



    مناقشة الدليل الرابع
    وأمّا الرابع : وهو توقّف صدق الطاعة في الامتثال الاجمالي على عدم التمكّن من التفصيلي ، فبأنّه لا دليل على هذا الترتيب ، لا من العقل ولا من الشرع ، وقد حقّق في الاُصول ، ولذا لم يلتزم به حتّى المحقّق النائيني في فقهه في عشرات الموارد ، فلاحظ حاشيته على العروة وغيرها.



    الاحتياط في الانشائيات
    وهل يصحّ الاحتياط في الانشائيات التوصّلية ـ غير العبادات ـ من العقود كالبيع والنكاح ، والايقاعات كالطلاق والعتق ، ونحوهما كالنذور والايمان ، ونحو ذلك مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ؟
    الظاهر : نعم ، فهي أسهل من العبادات ، لافتقار العبادات إلى القربة الواقعيّة وإلى قصد القربة ، ومع ذلك أجزنا الاحتياط فيها ، والانشائيات لا تحتاج ، لا إلى قصد القربة ، ولا إلى القربة الواقعيّة .



    هنا أمران
    ولكن عمدة الّذي قيل أو يقال للخدشة في الاحتياط في الانشائيات أمران :



    الامر الاوّل
    أحدهما : أنّه مع الشكّ في ترتّب أثر على لفظ ، أو على كيفيّة ، لا يتحقّق قصد الانشاء في العقود والايقاعات ، هذا القصد الّذي هو قوام تحقّق الانشائيات وحصولها في الخارج ، لانّه كيف يقصد بشيء ما لم يعلم وقوعه به ، وهذه الشبهة ذكرها الشيخ في الرسائل والمكاسب جميعاً(170).
    فمثلاً : مع الشكّ في أنّ اللازم هل هو : « أنكحت » أو « زوّجت » في إيجاد علقة الزواج الدائم لو قال : « أنكحت » وهو لا يعلم حصول الزواج الدائم به ؟ كيف يقصد انشاء الزواج الدائم من هذه اللفظة ، وقصد الانشاء مقوّم لحصول الزواج خارجاً ، وهكذا عند تلفّظه بـ « زوّجت » ؟
    وفيه : نقضاً : بالانشاء الّذي دلّ الدليل المعتبر عليه ، ولكن المنشىء يشكّ أو يظن ـ ظنّاً شخصيّاً غير معتبر ـ بعدم صحّته .
    وحلاً : بأنّ قصد الانشاء خفيف المؤونة ، ويمكن اتيانه ، بأدنى لحاظ ، وما دام المتكلّم ليس لاغياً ، أو ساهياً ، أو نائماً ، أو نحو ذلك ، وكان قاصداً لمضمون كلامه فهو قاصد الانشاء .
    قال الشيخ في الرسائل : « إنّ قصد الانشاء إنّما يحصل بقصد تحقّق مضمون الصيغة ، وهو : الانتقال في البيع ، والزوجية في النكاح ، وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعاً فضلاً عن الشكّ فيه ، ألا ترى إنّ الناس يقصدون التمليك في القمار ، وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة ؟ »(171).
    هذا في الاحتياط بدون تكرار ، أمّا مع التكرار والعلم بحصول المنشأ به بالمكرّر فالاشكال أخف .
    وأمّا حصول المنشأ به ، بهذا اللفظ ، أو بهذا القصد فهو أمر خارج عن نفس الانشاء ، ولا دخل له باللفظ والقصد ، لانّه مترتّب عليه ، لا من مقوّماته أو أركانه .



    نقض وإبرام
    وما يقال : من تلازم الانشاء والمنشأ به تلازم العلّة والمعلول ، فكيف يمكن انشاء ما يشكّ في حصوله به ؟
    فإنّه يقال : الامر التكويني والامر الاعتباري يتّفقان من جهة ويختلفان من جهة ، يتّفقان من جهة التلازم الواقعي بينهما ، ويختلفان من جهة ترتيب الاثر الممكن في الاعتباري دون التكويني .
    وأمّا ما ذكره (قدس سره) : من أنّه قد يتمشّى القصد حتّى مع العلم بعدم ترتّب الاثر كما في بيع المتاع المغصوب مع العلم بغصبيّته ، فغير واضح ، فإنّه ليس فيه قصد جدّي ، بل مجرّد عمل خارجي ، فتأمّل .



    الامر الثاني
    ثانيهما : إنّ العلم الاجمالي في طول العلم التفصيلي ، لا في عرضه بمعنى : إنّ العقل يحكم بلزوم الامتثال التفصيلي ما دام ممكناً ، فإذا لم يمكن انتقلت النوبة إلى الامتثال الاجمالي ، وهذا الكلام وإن كان في العبادات ، إلاّ أنّ مناطه العقلي ـ وهو : تقدّم العلم التفصيلي مرتبةً ، على العلم الاجمالي ـ آت هنا .
    وفيه أوّلاً : لا نسلّم كون العلم الاجمالي في طول العلم التفصيلي وإن مال اليه ، أو قال به جمع من الاجلّة ، منهم : السيد حسين البروجردي ، والمحقّق النائيني (قدس سرهما) في تقريرات الاُصول وحواشي العروة وغيرهما ، بل هما في عرض واحد ، لانّ المسألة إمّا عقلية أو عرفيّة ، والعقل والعرف متطابقان على صحّة العمل المأتي به بتمام شرائطه وأجزائه ، دون العلم التفصيلي بموافقة هذا للمولى أم ذاك ؟ أو جامعيّة هذا العمل للشرائط والاجزاء ، أو ذاك العمل ؟ وقد حقّق ذلك في الاُصول مفصّلاً .
    وثانياً : نفس القائلين بترتّب الامتثال الاجمالي على التفصيلي ـ كالنائيني والبروجردي ـ لم يلتزموا بذلك في الفقه ، ففي موارد أطلقوا التكرار عند الشك من دون اشارة إلى توقف جوازه على عدم إمكان الامتثال التفصيلي ، ومنها : في القبلة في الصلاة إلى أربع جهات أو جهتين ، ومنها : في غير ذلك .



    الاحتياط في التوصّليات الصرفة
    وهل يصحّ الاحتياط أيضاً في التوصّليات الصرفة ـ غير الانشائية ـ كغسل الثوب بماءين أحدهما مضاف ، والظاهر : عدم الاشكال في جواز الاحتياط فيها ، لانّ مقصود الشارع من الامر بغسل الثوب عن البول ـ مثلاً ـ هو حصول الغسل بالماء المطلق ليس إلاّ ، دون أيّ قيد أو شرط ، بلا حاجة إلى قربة ، أو انشاء ، وقد حصل هذا المقصود بالغسل مرتين بماءين : أحدهما مطلق ، سواء كان العلم التفصيلي ممكناً أم لا ؟
    نعم ، مسألة الحرمة التكليفية للوسوسة ، أو مطلق المبغوضية لها جارية في كل أنواع الاحتياط ، من غير فرق بين العبادات والانشائيات والتوصّليات الصرفة ، لكنّ الكلام هنا إنّما هو في الحكم الوضعي .



    هنا شبهات
    وهناك شبهات أُخر ذكرت في صحّة الاحتياط أو مقربيّته ، هي في البطلان كالسابقة أو أوهى ، نذكرها وأجوبتها للاحاطة بها .



    الشبهة الاُولى
    الاُولى : ما في رواية أبي خديجة المشهورة من قوله (عليه السلام) : « انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا »(172).
    وفي مقبولة عمر بن حنظلة : « ينظران مَن كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا »(173)وغيرهما ممّا ورد موردهما ، فإنّه يفهم منها لزوم العمل بنفس الاخبار ، أو بمن روى الاخبار ، وعلم شيئاً منها ، وهو : الاجتهاد والتقليد ، ويستفاد من ذلك التزاماً عدم طريقيّة غيرهما .
    وفيه أوّلاً : إنّما لم يذكر الاحتياط قسيماً للاجتهاد والتقليد لانّه طريق شاذّ وصعب لا يسلكه عامّة الناس ، وكان الاقتصار على طريقيّة الاجتهاد والتقليد فقط ، لانّهما الطريقان المعروفان في تحصيل الحجّة على أىّ شيء لدى العقلاء من كلّ الاُمم والاديان ، لا لان الاحتياط ليس طريقاً .
    ألا ترى أنّه لو سئل منك : كيف يحتفظ بصحّة الجسم ؟ تقول في الجواب : إمّا بتعلّم الطب ، أوبمراجعة الطبيب ، ولا تقول : أو بالاحتياط في أقوال الاطباء ، بل ربما لا يتبادر إلى ذهنك هذا الشقّ الثالث ، وليس هذا لعدم حجّيته وإنّما هو لعدم مألوفيته وعدم معروفيته من أجل صعوبته ، وعدم سلوكه غالباً .
    وثانياً : هذه الاخبار ـ الارجاعية ـ المقصود منها عدم أخذ الاحكام الشرعية من غير رواة الشيعة ، وليست للنهي عن امتثال الاحكام الشرعية بطريقة اليقين بجمع المحتملات .



    الشبهة الثانية
    الثانية : الاخبار الدالّة على : « صم للرؤية وافطر للرؤية »(174) تدلّ على عدم كفاية الاحتياط في الصوم ، بأن يؤتى به باحتمال وجوبه في آخر شعبان ، أو آخر شهر رمضان ، ولزوم الامتثال التفصيلي في الصوم ، وبالاجماع المركّب يتمّ المطلوب في غير الصوم أيضاً ، لعدم قائل بالفرق بين الصوم وغيره في جواز الاحتياط وعدمه .
    وفيه أوّلاً : المقصود بهذه الروايات : عدم جواز الصوم في يوم الشكّ بنيّة أنّه من شهر رمضان ، والظاهر : إنّ هذه الاخبار وردت للتنديد بالذين يصومون أوّل شهر رمضان قبل أن يثبت رؤية الهلال ، أو تقوم بها البيّنة ، بقرينة : « وافطر للرؤية » فإنّه لا إشكال في جواز الصوم بنيّة شهر رمضان في اليوم الّذي يشكّ أنّه أوّل شوّال ، اعتماداً على الاستصحاب ، مع أنّه يكون الصوم فيه احتمالياً صرفاً ـ غالباً ـ إذ قد يشهد بعض برؤية هلال شوّال ممّن لا يكتفى بهم في البيّنة ، فيختلج الانسان شك وجداني في أنّه آخر شهر رمضان أو أوّل شوّال .
    ولذا أفتى جمع قديماً وحديثاً بجواز صوم يوم الشك في أوّل شهر رمضان ، بنيّة احتمالية ، بأن ينوي هكذا : أصوم إن كان شعباناً فندباً ، وإن كان رمضاناً فوجوباً ، أو أشكلوا في البطلان ، ومنهم المحقّقون : صاحب العروة ، والنائيني ، والعراقي ، والوالد ، وابن العم ، والاخ الاكبر وغيرهم (قدس سرهم) .
    وثانياً : الاجماع المركّب غير تامّ ، إذ وجود قائلين كثيرين بجواز الاحتياط في غير الصوم ، وعدم جواز الاحتياط ـ بالنيّة الاحتمالية ـ في الصوم يكفي ردّاً للاجماع المركّب .
    وثالثاً : لو ثبت بطلان الصوم بالنيّة الاحتمالية ، فإنّما يصار إليه بدليل خاصّ بباب الصوم ، غير موجود في غيره ، إلاّ للقياس المحرّم عندنا .



    الشبهة الثالثة
    الثالثة : إنّ أدلّة جواز الاحتياط مقيّدة بعدم التمكّن من الطرق المجعولة شرعاً وهي : الاجتهاد والتقليد ، نظير تقيّد بقية أدلّة الاُصول العملية بعدم التمكّن من الادلّة الاجتهادية وهي الامارات والطرق ، وبنفس الدليل ، فالاحتياط أصل عملىّ نظير سائر الاُصول العمليّة .
    فالادلّة الّتي استفدنا منها تقيّد الرجوع إلى الاُصول العمليّة بظرف عدم التمكّن من الادلّة الاجتهادية : من ورود الادلّة الاجتهادية في مورد الاُصول العملية ، فإذا أردنا أن نعمل بالاُصول العملية لا يبقى مورد واحد للعمل بالادلّة الاجتهادية ، بخلاف العكس : فإنّه إذا عملنا بالادلّة الاجتهادية بقيت موارد كثيرة لا تشملها الادلّة الاجتهادية هي مسارح للاُصول العملية ، ومن أنّ أدلّة الاُصول العملية مقيّدة بـ « حتّى تعلم » والادلّة الاجتهادية بمنزلة العلم، فهي متقدّمة ـ بمفهوم أدلّة الاُصول ـ على الاُصول العملية، ومن غير ذلك.
    وبنفس تلك الادلّة نقول بتقيّد كفاية العمل بالاحتياط بظرف عدم التمكّن من الاجتهاد والتقليد .
    بيانه : إنّ الاجتهاد والتقليد وردا مورد الاحتياط ، فلو عملنا بالاحتياط في كلّ مسألة لم يبق مورد للعمل بالاجتهاد والتقليد ، بخلاف العكس : فإنّا لو عملنا بالاجتهاد والتقليد بقيت موارد لم يثبت من أدلّة الاجتهاد حكمها الجزمي ، فتكون تلك الموارد مسرحاً للعمل بالاحتياط .
    وكذلك الاحتياط فإنّه وضع لتحصيل الحجّة على اطاعة العبد حيث لا علم ، ومع الاجتهاد والتقليد يكونان هما العلم التعبّدي لاطاعة العبد .



    مناقشة الشبهة الثالثة
    وفيه أوّلاً : إنّ حكم العقل بحسن الاحتياط ، الّذي يستتبعه الحكم الشرعي ـ لانّه في سلسلة العلل لا المعلولات كما لا يخفى إن تمّت هذه العلّة ـ غير مقيّد بشيء فكلّ ما أحرز به الواقع ، مع فرض أنّ إحراز الواقع مطلوب على كلّ حال ، يكون حسناً ومطلقاً بلا تقيّد بشيء .
    وثانياً : إنّ ما ذكر دليلاً للتقيّد غير سليم ، فأمّا ورود الاجتهاد والتقليد مورد الاحتياط ، فهو لا يكون سبباً للتقيد ، لانّه نظير المثبتين الّذين لا يقيّد أحدهما الاخر ، وليس ذلك لانّ الاحتياط غير كاف ، وإنّما هو إمّا لعدم تمكّن كلّ الناس من الاحتياط ، أو لعدم معرفتهم به في كلّ المسائل ، أو لعدم إمكانه مطلقاً ، كما في الدوران بين المحذورين ، أو لتضرّرهم بالعمل به دائماً ، أو لنحو ذلك من أسباب عدم التقييد .
    وإمّا أنّ الاحتياط وضع لتحصيل الحجّة على اطاعة العبد حيث لا علم ـ أعمّ من التعبّدي ـ ولا يبقى له موضوع بعد تماميّة علمية الاجتهاد والتقليد تعبداً ، ففي كلتا المقدّمتين إشكال .
    أمّا الاُولى : فلانّ الاحتياط محرز للواقع الّذي لا يحرز بالاجتهاد والتقليد ، وليس للحجّة فقط .
    وأمّا الثانية : فتمامية حجّية الاجتهاد والتقليد لا تمنع عن حجّة ثالثة في البين ، وما ذلك إلاّ من قبيل المثبتات الّتي لا تصادم بينها .
    وهناك شبهات أُخر ذكرت ، أو يمكن أن تذكر ولكن الاضراب عنها أولى لطول الكلام ، أو لمعلوميّة أجوبتها من طي الاجوبة الّتي ذكرناها ، أو لوهنها في أنفسها .



    استنتاج
    فتبيّن من جميع ما ذكرناه : إنّ الاحتياط طريق لاداء التكليف الشرعي ، نظير الاجتهاد والتقليد ، ولا إشكال فيه ، والله العالم .



    تتمات
    التتمة الاُولى
    تتمّات الاحتياط
    يصحّ التبعيض في أدلّة التكاليف الشرعية بين الطرق الثلاثة ، بأن يحتاط المكلّف في بعض المسائل ، ويجتهد في مسائل أُخر ، ويقلّد في غيرهما ، لعدم الدليل على أكثر من لزوم سلوك إحدى هذه الطرق على سبيل منع الخلوّ ، ولم يقم دليل على لزوم اتّباع إحداها ـ على نحو القضية الحقيقية ـ في كلّ المسائل .
    وهل يصحّ للمجتهد أن يقلّد غيره ؟ سيأتي الكلام عنه مفصّلاً في طىّ ما يأتي من المباحث إن شاء الله تعالى ، وكذلك سيأتي : أنّ هذا التخيير بين الثلاث ابتدائي أو استمراري في المسألة التاسعة والعشرين من مسائل تقليد العروة .



    التتمة الثانية
    هل طرق تحصيل التكاليف الشرعية منحصرة في هذه الثلاثة : الاجتهاد ، والتقليد ، والاحتياط ، أم هناك طرق أُخرى ؟
    قيل : بوجود طريقين آخرين :



    طريقان آخران
    أحدهما : العلم الوجداني ، وأيّد ذلك بأنّ المعصوم (عليه السلام) يكون خارجاً عن هذا التخيير لو لم نعتبر العلم الوجداني من أطرافه ، مع أنّه مكلّف بالتكاليف كسائر الناس ، وعبّر عن العلم الوجداني بأقوى الطرق .
    ثانيهما : الامتثال الاحتمالي في بعض الموارد ، وهو ما لا يكون للمكلّف أيّة حجّة ، ولا يمكنه الاحتياط ، أو لا يجب الاحتياط لحرج أو ضرر أو غيرهما .
    لكن مجال المناقشة فيهما واسع .



    مناقشة الطريق الاوّل
    أمّا الاوّل : فلانّ الظاهر من الفقهاء أنّ الاجتهاد والتقليد والاحتياط في طول العلم ، لا في عرضه ، فمن ليس له علم بحكم ، فتكليفه إمّا الاجتهاد ، أو التقليد ، أو الاحتياط ، لانّ هذه إمّا أمارات على الواقع وهي الاجتهاد والتقليد وبعض موارد الاحتياط ، أو أصل عملي منجّز ومعذّر للواقع وهو الاحتياط في بعض آخر من موارده ، وقد قرّر في علم الاُصول أنّ الامارة ظرفها الشك ، والاصل العملي موضوعها الشك ، ومع العلم لا شك ، فلا مجال للامارة والاصل ، فلا معنى للتخيير بين العلم وبين الثلاثة .
    أمّا المعصوم (عليه السلام) الّذي يعلم أحكام الله تعالى من طرق غير عادية فليس له شكّ في الاحكام حتى يحتاج إلى الاجتهاد ، أو التقليد ، أو الاحتياط ، فخروج المعصوم (عليه السلام) عن هذا التخيير بالتخصّص ثابت ومسلّم .
    وكون تكليف المعصوم هو تكليف سائر الناس ليس معناه : أنّ طرقه إلى معرفة التكليف هي طرق سائر الناس ، فتأمّل .



    مناقشة الطريق الثاني
    وأمّا الثاني: وهو الامتثال الاحتمالي في بعض الموارد فقد يقال عليه : بأنّه غير محصّل ، لانّه إن كان الشك في أصل التكليف فهو مجرى البراءة فلا تكليف ، وإن كان الشك في المكلّف به وكان الدوران بين المحذورين فلا تكليف أيضاً ، للتخيير العقلي ، وإن كان الدوران بين الاقل والاكثر حتى الارتباطيين فالمعروف عدم التكليف بالاكثر الّذي هو احتمالي ، والتكليف بالاقل معلوم ، فهو داخل في العلم الوجداني، فأين مورد التكليف الاحتمالي الملزم حتى يكون مصداقاً للامتثال الاحتمالي ؟
    لكن في الجواب إشكالاً واضحاً ، إذ مورد منه أطراف العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة ، فإنّ جمعاً كبيراً قالوا بحرمة المخالفة القطعية فيها ووجوب الموافقة الاحتمالية ، ومورد آخر منه : مثل اشتباه القبلة إذا لم يسع الوقت لاربع صلوات ، أو لم يجب لحرج أو ضرر أو نحوهما ، فإنّه يجب عليه ما أمكنه من الصلوات ثلاثاً أو اثنتين أو واحدة ـ على المشهور بين الفقهاء ـ .
    نعم يمكن الاجابة على ذلك: بأنّ طريق لزوم هذا الاحتمال الامتثالي إمّا الاجتهاد، أو التقليد، أو الاحتياط.
    وبعبارة أُخرى : الامتثال الاحتمالي نوع احتياط ، ولكنّه ليس احتياطاً كاملاً إمّا لعدم إمكان الكامل ، أو للدليل على عدم وجوبه ، فيكون في طولها لا في عرضها ، فالتعبير عنهما بطريق رابع ، وطريق خامس ـ كما صدر عن بعض الافاضل ـ غير واضح الوجه .



    التتمّة الثالثة
    هل هذه الطرق الثلاثة : الاجتهاد ، والتقليد ، والاحتياط ، عرضية ، فيكون المكلّف من أوّل الامر مخيّراً في سلوك أيّها شاء ، أم أنّها طوليّة ؟
    فربما يقال : بتقدّم الاحتياط على أخويه ، نظراً إلى أنّه طريق عقلي وقطعي في إحراز الواقع ، وأمّا الاخران فيحتاجان إلى تقرير الشارع أو جعله لهما .
    وربما قيل : بالعكس ، وهو : أنّ الاجتهاد والتقليد متقدّمان على الاحتياط ، من جهتين :
    إحداهما : الخلاف في الاحتياط ، وعدمه في أخويه .
    ثانيتهما : بناء جواز الاحتياط في كلّ مورد على الاجتهاد أو التقليد ، لاختلاف موارد الاحتياط من أُصولية وفرعية ، وسببية ومسبّبية ، ومتعارضة ومتزاحمة ، ممّا لا يمكن غالباً تحقّق موضوع الاحتياط الّذي يجوّزه العقل إلاّ بالاجتهاد أو التقليد .
    وقد ذهب إلى هذا القول المحقّق النائيني (قدس سره) في تقريرات تلميذه الكاظمي (قدس سره) حيث جعل مراتب الامتثال أربعاً : العلم التفصيلي ، الظن الخاص ، العلم الاجمالي ، الظن العام .



    عرضية الطرق الثلاث
    أقول : الظاهر إنّ هذه الطرق الثلاث عرضية ، لانّ ما ذكر من الطرفين ليست أدلّة عقليّة ولا عقلائية ، ولا شرعية ، بل هي لا تعدو استحسانات لا تبنى على مثلها الشريعة ، إذ الدليل في باب الطرق واستكشاف مرادات المولى أحد اثنين :
    إمّا سيرة عقلائية ممضاة .
    أو دليل شرعي خاص .
    وليس ، فليس .
    ولعلّه يأتي فيما سيجيء من المباحث تفصيل لذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ .
    وهكذا ، مسألة تقدّم رتبة الاجتهاد على التقليد من هذا القبيل وقد مرّ تفصيله ، والله العالم .

  • #2
    أقسام الاحتياط
    المسألة (3) : قد يكون الاحتياط في الفعل ، كما إذا احتمل كون الفعل واجباً ، وكان قاطعاً بعدم حرمته كالسورة ، وجلسة الاستراحة .
    وقد يكون في الترك ، كما إذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعاً بعدم وجوبه كالدعاء بالفارسية في الصلاة ـ مثلاً ـ .
    وقد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار وكلمة « مع التكرار » مستغنىً عنها ، لانّها عين « الجمع بين أمرين » وقد ذكرت للتأكيد كما إذا لم يعلم أن وظيفته القصر أو التمام فيكرّر الصلاة قصراً مرّة ، وتماماً مرّة أُخرى.
    واعلم أنّ هذه الاقسام الثلاثة الّتي ذكرها المصنّف (قدس سره) غير منحصر الاحتياط فيها فقط ، بل الصور المتصورة الرئيسية عشر فالاحتياط إمّا في فعل واحد ، أو فعلين فما زاد ، أو ترك واحد ، أو تركين فما زاد ، أو في فعل وترك معاً ، وكل واحد من هذه الخمسة ، إمّا الاحتياط يكون بعمل مستقلّ ، أو بعمل ضمني ، فالاقسام عشرة هي بالتفصيل والمثال كما يلي:


    الاحتياط وصوره العشر
    1 ـ الاحتياط في فعل واحد ، مع كون العمل مستقلاً ، كالدعاء عند رؤية الهلال .
    2 ـ الاحتياط في فعل واحد ، مع كون العمل ضمنيّاً ، كالسورة وكجلسة الاستراحة .
    3 ـ الاحتياط في اتيان فعلين أو أكثر ، مع كون العملين مستقلّين ، كالصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلة ، وما أورده بعض الشرّاح على المصنّف في تمثيله لذلك بالجمع بين القصر والاتمام لاجل أنّهما ليس تكراراً ، بخلاف الصلاتين التامتين أو القصريتين مع اشتباه القبلة ، في غير محلّه . إذ لو كان المراد بالتكرار : المعنى الفلسفي ، ففي مورد صلاتي الظهر إلى جهتين أيضاً ليس تكراراً ، ولو كان المراد : المعنى العرفي المسامح فيه ، فصلاتين إحداهما قصر والاُخرى تامّة ، يعتبر تكراراً ، ألا ترى أنّه يصح عرفاً بلا تجوّز أن يقال : فلان كرّر صلاته ، أو فلان حينما يأتي المنطقة الفلانية يكرّر صلاته فيصلّي قصراً وتماماً ؟ فتأمّل .
    4 ـ الاحتياط في اتيان فعلين أو أكثر ، مع كون العملين ضمنيين ، كالعلم بوجوب إمّا الجهر ، أو الاخفات في ظهر يوم الجمعة .
    5 ـ الاحتياط بترك فعل واحد ، مع كون العمل مستقلاً كترك شرب التبغ .
    6 ـ الاحتياط بترك فعل واحد ، مع كون العمل ضمنيّاً ، كالشك في بطلان الصلاة بقول : « آمين » بعد الحمد وعدم البطلان ، فإنّه يحتاط بتركه .
    7 ـ الاحتياط بترك فعلين أو أكثر ، مع كون العملين مستقلّين ، كترك الخنثى الالبسة المختصّة بالرجال ، والمختصّة بالنساء .
    8 ـ الاحتياط بترك فعلين أو أكثر ، مع كون العملين ضمنيّين ، كالاحتياط بترك : آمين ، والتكفير ، إذا علم أنّ أحدهما غير المعيّن يبطل الصلاة .
    9 ـ الاحتياط باتيان فعل وترك آخر ، مع كون العملين مستقلّين ، كموارد تردّد الامر بين الحيض والاستحاضة ، فتجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة .
    10 ـ الاحتياط باتيان فعل وترك آخر ، مع كون العملين ضمنيين ، كتردّد الامر بين وجوب السورة وبطلان الصلاة بآمين ، إذا علم لزوم أحدهما فعلاً وتركاً .



    أقسام أُخرى للاحتياط
    وقد علّق المرحوم الوالد (قدس سره) على المتن هنا بقوله: «أو تركين، كما في الخنثى، أو فعل وترك، كما في موارد التردّد بين الحيض والاستحاضة» وعلّق مثله آخرون أيضاً.
    وقد تتكرّر الاقسام لو أضفنا إلى هذا التقسيم كونه موجباً للتكرار ، كالتردّد بين الجهر والاخفات.
    أم لا، كالتردّد بين وجوب السورة أو الجلسة، والفرق بين الشبهات البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي، وبين الشبهات الموضوعية والحكمية، إلى ما هنالك من أقسام ربما تزيد على المائة.
    ولا يخفى: إنّ أحكام هذه الشقوق مختلفة، فبعضها يجري البراءة فيها، وبعضها يجب الاحتياط فيها ، وبعضها يحسن، ممّا يعلم تفاصيلها من مراجعة الاُصول، ويأتي كلّ واحد منها في غضون المباحث القادمة بمناسباتها، إن شاء الله تعالى.

    تعليق


    • #3
      قسم بعضهم الاحتياط إلى الاحكام الخمسة ، لعروض أحكامها عليه باعتبار انطباق عناوينها عليه.



      الاحتياط الواجب
      ومثّلوا للاحتياط الواجب : بالشبهة التحريمية أو الوجوبية في موارد وجوب الاحتياط فيها من أطراف العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة ، سواء كان دليل وجوب الاحتياط الشرع ، أو الملازمة العقلية بين حكمي العقل والشرع ـ على الخلاف ـ .
      وقد يؤيّد ذلك : الصحيح في الفقيه ، عن إبراهيم بن هاشم ، مرفوعاً عن الامام الصادق (عليه السلام) والكليني صحيحاً عن يونس ، عن رجل عن الامام الصادق (عليه السلام) : « فإذا اختلف على الامام من خلفه ، فعليه وعليهم في الاحتياط الاعادة »(1).



      الاحتياط المحرّم
      وأمّا الاحتياط المحرم : فهو مثل ما كان وسواساً ، أو مؤدّياً إليه ، أو إلى اختلال النظام أو ملتفتاً للنفس أو الاطراف أو نحو ذلك ، بانضمام ثبوت التحريم بمثل هكذا انطباق ، إمّا لصدق بعض العناوين المحرّمة عليه ، أو للقبح العقلي المضاف إلى الملازمة بينه وبين التحريم الشرعي في سلسلة العلل، فتأمّل.



      الاحتياط المستحبّ
      وأمّا الاحتياط المستحب : فله موارد كثيرة ، وهي : كلّ ما كان احتمال المحبوبيّة ـ عامّاً أو خاصّاً ـ قائماً ، مع عدم احتمال المبغوضية خصوصاً أو عموماً ، ويدلّ عليه أخبار الاحتياط ، مثل خبر أبي هاشم الجعفري ، عن الامام الرضا (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد : « أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت »(2).
      ومرسل الشهيد في الذكرى عن الامام الصادق (عليه السلام) : « لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك »(3).
      ومرسله الاخر عن عنوان البصري ، عن الامام الصادق (عليه السلام) في حديث قال : « وخذ بالاحتياط في جميع أُمورك ما تجد إليه سبيلاً »(4).



      الاحتياط المكروه
      وأمّا الاحتياط المكروه: فكلّما انطبق عليه عنوان من العناوين المكروهة مع ثبوت رجحان الكراهة على الاستحباب من القرائن الداخليّة أو الخارجية، مثل الصلاة في الثياب المكروهة: «كالاسود، والقرمز»(5)ونحوهما، إذا كان ذلك لاجل الاحتياط غير اللازم للعلم الوجداني بطهارتها، وقاعدة الطهارة في غير المكروه من الثياب عنده.



      الاحتياط المباح
      وأمّا الاحتياط المباح: فكلّما تزاحم عنوانان لزوميان، أو اقتضائيان غير لازمين، ولم يعرف الرجحان الشرعي لاحدهما على الاخر، كما لو دار أمر الاحتياط بين الواجب والحرام، مثلما لو دار أمر القبلة بين أربع جهات، وكان فريداً في الصحراء، واحتمل أنّ أربع صلوات توجب هجوم السباع عليه، واحتمل أنّ الاربع تدفع عنه السباع لخوفهم من كثرة حركاته، أو دار بين المستحب والمكروه، كما لو شكّ في أنّ صوم عرفة يضعفه عن الدعاء أم لا ـ مع عدم كون هذا الشك مسرحاً لاصالة عدمه تعبّداً ـ وفي هذه الموارد يباح الاحتياط، لعدم دليل لا على رجحانه، ولا على رجحان تركه، والله العالم.

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
      ردود 119
      18,094 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
      استجابة 1
      100 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
      استجابة 1
      71 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
      ردود 2
      156 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
      استجابة 1
      160 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X