عربية عبد الرحمن الراشد تجرد سيد المقاومة من القابه .... هكـذا تفوقـت الفضـائيـات
وإذا ما تحدّثنا عن الفضائيات دون القنوات الأرضية، نجد أن الجمهور نفسه يختفي على شاشتي «المستقبل» و«ال بي سي» الفضائيتين، وتختفي معه التقارير التي قدّمتها «العربية» و«الجزيرة» و«السي أن أن» عن الاستعدادات للمهرجان والمتوقع منه ومستوى حدة خطاب السيد ومضمونه و«رفعه لسقف الكلام أو خفضه...».
الدقائق الأخيرة قبل أن يعلو هتاف الجمهور بأقصى ما يملك من قوة. السيد يطلّ من بينهم. من بين مجموعة منهم. كاميرات القنوات أجمع تبحث عنه. عن عمامة سوداء بين رايات صفراء. عن «نجم» الاحتفال الذي أطلّ بأول ظهور جماهيري له منذ الثاني عشر من تموز. بالكاد ظهر. الكاميرا تلجأ الى استخدام أبعد عدساتها وأكثرها تطوراً لتلتقط مشهد دخوله. بانت العمامة واختفى اللباس الرمادي تحت العباءة السوداء، ليخرج السيد بعدها من إطار العدسات منسلاًّ بين مرافقيه، لثوانٍ بدت طويلة على الجمهور وعلى القنوات، التي لجأت كاميراتها الى نقل مشاهد من استقبالات الحضور على المنصة حيناً، والمشاركين في الاحتفال حيناً آخر.
حضر السيد واختفت كل التساؤلات عن مشاركته شخصياً أم إطلالته عبر بثّ مباشر من أحد الاماكن السرية.
حضر السيد. اختفى التقرير الرياضي على «الجزيرة»، انتقلت «العربية» الى البث المباشر، «السي أن أن» أيضاً، «المستقبل» الفضائية، «العالم»، «السورية» وكل القنوات الأرضية. «الحرة» تبث مقابلة حول «الاغتصاب» ثم تنتقل الى الضاحية. أما الـ«ال بي سي» الفضائية فلا تجد «مهرجان الانتصار» أهم من مسلسل «جوليانا» المكسيكي. ينتهي المسلسل، يكمل المهرجان، يطل مسلسل خليجي، يستمر المهرجان، يطل برنامج السينما الأسبوعي. مهرجان حزب الله لم يزر شاشة «ال بي سي» الفضائية بالأمس. كم تختلف الـ«ال بي سي» الفضائية عن قناة «السعودية» على سبيل المثال؟ ربما ليس كثيراً، فالسعودية قررت نقل سباقات الخيل لجمهورها. وللتذكير: السباقات مهمة جداً!
قبل بدء خطاب السيد، تنبئنا «العربية» أنها ستواكبه، وأنها قد تقوم بتحليله وأن الحضور قُدر عدده بين 250 ألف و400 ألف مشارك. تلحقه بتعليق أسفل شاشتها عن أن الجمهور يلوّح بأعلام «حزب الله» و«أمل» و«الشيوعي» و«القومي». تركز عدستها على بقعة ضيقة تجتمع فيها هذه الأعلام ويطغى علم «أمل» بشكل أساسي عليها. بعدها يأتي دور اتصال من الصحافي عقاب صقر، متسائلاً عن الانتصار الذي سيُهديه السيد الى إيران وسوريا «هو انتصار على مَن؟»، يقول صقر، «ولمن؟»، لا يبقى السؤال مفتوحاً. الجواب يأتي منه «هو على جزء من اللبنانيين... وهذه كارثة كبرى!». أما «الجزيرة» فتعطي الهواء لمراسلها في بيروت، عباس ناصر مباشرة من الاحتفال، وتطلب منه تعليقاً وانطباعات حول الأجواء على الأرض. عندها بدت جلية «الحرية» التي تفسحها «الجزيرة» لمراسليها، ناصر لا يقدّم انطباعاً فقط، يضيف عليه تحليل عن الأجواء الاحتفالية للمهرجان، عن التحية التي لم توجّه لممثل عن رئيس الحكومة، وبالتالي عدم مشاركته، وعن.. «ايديولوجية» الحزب الظاهرة في أجواء الاحتفال وتوقيته وسببه. صوت السيد نصرالله ينطلق من الميكرفون الى مكبرات الصوت الى آذان المشاركين على الأرض والى الجمهور المتسمّر أمام الشاشات. حان موعد التعليقات أسفل الشاشة. مِن المحطات مَن تجاهلها كـ«ال بي سي»، «المستقبل»، «أن بي أن»، ، ومنها من «استمتع» في انتقاء جمل معينة من الخطاب. جمل تُعلم، تخبر، توصل كلمات السيد وتحتها تمرر أحياناً سياسة القناة. وذلك.. حسب الجملة فقط.
على سبيل المثال، لا تجد جملة مثل «المقاومة اللبنانية قدّمت نموذجاً للصمود الأسطوري» متنفساً لها على «العربية»، التي تنتظر كلاماً آخر للسيد، قد يبدو «مفيداً» أكثر كـ: «نصرالله: مقتل ألف في لبنان ليس مهماً، ففي العراق يقتل الآلاف»، أو اقتباس آخر، لا بد أنه سيستفز جزءاً ليس قليلاً من المؤيدين لرئيس الحكومة: «نصرالله ينتقد دموع السنيورة ويقول إن القوة هي الحل». وجملة أخرى «ننزع سلاحنا عندما تكون هناك حكومة قوية».
الى هنا، يكون قد قطع نصف خطاب السيد تقريباً، أو يكاد. «الحرة» تتعب من النقل المباشر، أو على الأقل من لبنان، حان وقت تقرير «لا يؤجل» عن زيارة الرئيس الباكستاني لواشنطن. غريب. «الحرة» تتعب، «سي أن أن» لا تفعل، مراسلها برانت سادلر يوافينا بتقارير مباشرة عبر الهاتف من بيروت. على الأقل «صبر» «السي أن أن» أطول من «الحرة». تصبر على السيّد، وتعطيه مزيداً من مساحة هوائها، ثم تنتقل الى واشنطن، على أن تعود الينا لاحقاً، وتفعل. «أنا حسن نصرالله أرفض أن يهان شعبنا»، يصرخ السيد. يصمت الجمع. تركز الكاميرات عدساتها على وجه نصرالله، وهو يكمل انتقاده لتصريح أحد القادة مطالباً بوقف السجالات. تعليق «الجزيرة» يأتي خبرياً بحتاً «نصرالله يطالب بوقف السجالات». بينما ترى «العربية» أنه لا ضير من نكهة اضافية «شرعية»، «نصرالله يطالب بوقف السجالات ويهاجم 14 آذار
ينتهي الخطاب. لا يتوقف تحليل «العربية» مع الصحافي جورج ناصيف والنائب السابق فارس سعيد، وتبدأ مداخلة عباس ناصر على «الجزيرة»، بالاضافة الى مداخلات وتحليلات من قطر. تكاد القناتان أن تكونا الوحيدتين، (بالاضافة الى «المنار»)، اللتين استمرتا في تناول الخطاب وأبعاده ومضمونه. ليسجّل لهما مرة جديدة اهتماماً أكبر وتغطية مميزة تفوقت على القنوات المحلية لخطاب زعيم لبناني له أهميته العربية والاقليمية والعالمية.
السفير - جهينة خالدية
تعليق