إن من دلائل العقل و كمال الرشد أن يكون للانسان منهج يسير عليه في يومه ، و خطة يترسّمها في حياته . و لقد وضّح الاسلام هذه الخطة و نظم هذا المنهج ليكون المسلم في حياته مترسماً الخطة المثلى و متجهاً نحو المثل الأعلى .
و أول ما رسمه الاسلام و دعا إلى المحافظة عليه : هو الوقت ؛ إذ أنه هو الحياة . و ما ينبغي للانسان أن يفرط في شيء منه . فإن التفريط في جزء منه ، إنما هو تفريط في الحياة نفسها .
والله سبحانه و تعالى يقول : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) أي أن الليل يأتي بعد النهار والنهار يأتي بعد الليل ؛ و يخلف كل منهما الآخر .
و إنما جعلهما كذلك ليكونا مجالاً للشكر وللذكر . و هما الجناحان اللذان يطير بهما الانسان إلى الله عز و جل . و إن الذين يضيعون أوقاتهم في اللهو والعبث والتافه من الأمر إنما يضيّعون رأس املهم الذي لا عوض له ، فيأتون يوم القيامة و هم نادمون .
يقول الله سبحانه : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) . فالآية تقرر أنه في يوم القيامة ، يظهر تفريط المفرط في وقته والمضيع لعمره ؛ و هذا هو معنى التغابن .
والمفرط والمقصر في حق وقته تحضره الحسرة والندامة و إن كان قد أحسن وانتهى أمره إلى الجنة . قال رسول الله ( ص ) : " لن يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت عليهم في غير ذكر الله عز و جل " فهم و إن دخلوا الجنة يذكرون هذه الأوقات العابثة و هذه الحياة المضيعة فيتحسرون عليها ، و هم يتقلبون في الجنة في أنعم الله ، إذ لم يكونوا أنفقوها في ذكر الله .
و تبدو قيمة الوقت حينما تحضر الوفاة هؤلاء الذين ضيّعوا أوقاتهم فيسألون الله عز و جل أن يُمدّ في أعمارهم من أجل أن يزدادوا من العمل الصالح : ( حتى إذا جاء أحدهم الموقت قال : رب ارجعونِ * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت . كلا . إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) . فالله يقول : كلا : بمعنى الزجر والردع . فهذا ليس الوقت الذي يمكن أن يمدّ العمر فيه . و قد أعطى الفرصة للعاملين ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) أي ألم نعطكم العمر الطويل الذي كان يمكن أن يتذكر فيه من يريد أن يتذكر ؟ و جاءكم النذير ... فلا حجة لكم بعد .
والنبي ( ص) يقول : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " فنعمة الصحة و نعمة الفراغ لا يعرف الانسان قدرهما إلا بعد فواتهما ، فلا يعرف الانسان قيمة الوقت و لا قيمة الصحة إلا بعد فقدهما .
إن الله سائلنا عن أعمارنا فلنقدر هذه المسؤولية الكبرى . يقول الرسول ( ص ) : " لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، و عن شبابه فيما أبلاه ، و عن علمه فيما عمل به ، و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه " .
هذا أمر أول يحرص الاسلام عليه .
و ثمة أمر آخر يطالبنا الاسلام به و هو المحافظة على فرائض الله ، فإن الله سبحانه له حق علينا . و من حقه أن نؤدي فرائضه .
و روح العبادة الإخلاص . فإذا تجردت منه كان نفاقاً و رياء . يقول الحق تبارك و تعالى : ( و ما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) .
و عبادة الله كما أنها حق له و واجب علينا فهي تكسبنا محبته والقرب منه . ففي الحديث القدسي : " و ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها ، و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذ بي لأعيذنه " .
و لابدّ في العبادة من فقه و دراسة ، فكل عبادة ليس فيها فقه و لا علم فهي أقرب إلى المعصية منها إلى الطاعة ، لأنه لا يتقرب إلى الله بجهل قط . فعلى الانسان أن يتعلم كيف يتطهر و كيف يصلي و كيف يؤدي حق الله عليه .
و وراء العبادة شيء آخر تجب المحافظة عليه . فهذه الأعضاء أمانة ائتمننا الله عليها . فالسمع أمانة ، والبصر واللسان واليد و سائر الأعضاء أمانة ، فهذه الأعضاء إنما وهبها الله لنا لنستعملها في الخير و نطهرها من الإثم والدنس . يقول الله تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) .
فلكل عضو من هذه الأعضاء أدب خاص ، أمر الاسلام بالتزامه حتى لا يخرج عن المنهج القويم . فحيثما نمارس نشاطنا في أي مجال : في الشارع أو في البيت ، في المأكل أو في المشرب ، يجب أن نراعي الأدب في يقظة و وعي .
و إتقان العمل و إجادته مما ألزم به الاسلام ؛ سواء أكان هذا من الأعمال الدنيوية أو الدينية . والإتقان ، إنما يتحقق بأن نبذل كل جهد و نصدق غاية الصدق . يقول الرسول ( ص ) : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
و أي تفريط فيما يسند للانسان من عمل يعتبر خيانة . و إذا تفشى هذا الداء في أمة كان ذلك إيذاناً بزوالها .
والانسان بعد ذلك لا يخلو من إحدى حالات ثلاث : من نعمة تنزل به فتجب مقابلتها بالشكر . أو مصيبة تحل به فتقابل بالصبر . أو معصية فتقابل بالتضرع والاستغفار والتوبة .
هذا هو المنهج المرسوم للانسان . فإذا حافظ على وقته في حياته اليومية ، و قام بالفرائض التي فرضت عليه ، واتقى الله في جوارحه و أعضائه، و أدى واجبه نحو العمل المطلوب منه ، و راعى كل حالة بما يناسبها : يكون قد حقق المنهج ، و بلغ الغاية ، و وصل إلى الكمال الانساني .
و لقد ضرب الرسول ( ص ) المثل الأعلى في التزام هذا المنهج فكان يقول : " إذا أتى عليّ يوم لم أزدد فيه علماً و لم أزدد فيه هدى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم " .
فإذا حافظ عليه بلغ الغاية من الكمال الذي ينشده الاسلام .
* المصدر : البلاغ
و أول ما رسمه الاسلام و دعا إلى المحافظة عليه : هو الوقت ؛ إذ أنه هو الحياة . و ما ينبغي للانسان أن يفرط في شيء منه . فإن التفريط في جزء منه ، إنما هو تفريط في الحياة نفسها .
والله سبحانه و تعالى يقول : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) أي أن الليل يأتي بعد النهار والنهار يأتي بعد الليل ؛ و يخلف كل منهما الآخر .
و إنما جعلهما كذلك ليكونا مجالاً للشكر وللذكر . و هما الجناحان اللذان يطير بهما الانسان إلى الله عز و جل . و إن الذين يضيعون أوقاتهم في اللهو والعبث والتافه من الأمر إنما يضيّعون رأس املهم الذي لا عوض له ، فيأتون يوم القيامة و هم نادمون .
يقول الله سبحانه : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) . فالآية تقرر أنه في يوم القيامة ، يظهر تفريط المفرط في وقته والمضيع لعمره ؛ و هذا هو معنى التغابن .
والمفرط والمقصر في حق وقته تحضره الحسرة والندامة و إن كان قد أحسن وانتهى أمره إلى الجنة . قال رسول الله ( ص ) : " لن يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت عليهم في غير ذكر الله عز و جل " فهم و إن دخلوا الجنة يذكرون هذه الأوقات العابثة و هذه الحياة المضيعة فيتحسرون عليها ، و هم يتقلبون في الجنة في أنعم الله ، إذ لم يكونوا أنفقوها في ذكر الله .
و تبدو قيمة الوقت حينما تحضر الوفاة هؤلاء الذين ضيّعوا أوقاتهم فيسألون الله عز و جل أن يُمدّ في أعمارهم من أجل أن يزدادوا من العمل الصالح : ( حتى إذا جاء أحدهم الموقت قال : رب ارجعونِ * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت . كلا . إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) . فالله يقول : كلا : بمعنى الزجر والردع . فهذا ليس الوقت الذي يمكن أن يمدّ العمر فيه . و قد أعطى الفرصة للعاملين ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) أي ألم نعطكم العمر الطويل الذي كان يمكن أن يتذكر فيه من يريد أن يتذكر ؟ و جاءكم النذير ... فلا حجة لكم بعد .
والنبي ( ص) يقول : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " فنعمة الصحة و نعمة الفراغ لا يعرف الانسان قدرهما إلا بعد فواتهما ، فلا يعرف الانسان قيمة الوقت و لا قيمة الصحة إلا بعد فقدهما .
إن الله سائلنا عن أعمارنا فلنقدر هذه المسؤولية الكبرى . يقول الرسول ( ص ) : " لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، و عن شبابه فيما أبلاه ، و عن علمه فيما عمل به ، و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه " .
هذا أمر أول يحرص الاسلام عليه .
و ثمة أمر آخر يطالبنا الاسلام به و هو المحافظة على فرائض الله ، فإن الله سبحانه له حق علينا . و من حقه أن نؤدي فرائضه .
و روح العبادة الإخلاص . فإذا تجردت منه كان نفاقاً و رياء . يقول الحق تبارك و تعالى : ( و ما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) .
و عبادة الله كما أنها حق له و واجب علينا فهي تكسبنا محبته والقرب منه . ففي الحديث القدسي : " و ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها ، و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذ بي لأعيذنه " .
و لابدّ في العبادة من فقه و دراسة ، فكل عبادة ليس فيها فقه و لا علم فهي أقرب إلى المعصية منها إلى الطاعة ، لأنه لا يتقرب إلى الله بجهل قط . فعلى الانسان أن يتعلم كيف يتطهر و كيف يصلي و كيف يؤدي حق الله عليه .
و وراء العبادة شيء آخر تجب المحافظة عليه . فهذه الأعضاء أمانة ائتمننا الله عليها . فالسمع أمانة ، والبصر واللسان واليد و سائر الأعضاء أمانة ، فهذه الأعضاء إنما وهبها الله لنا لنستعملها في الخير و نطهرها من الإثم والدنس . يقول الله تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) .
فلكل عضو من هذه الأعضاء أدب خاص ، أمر الاسلام بالتزامه حتى لا يخرج عن المنهج القويم . فحيثما نمارس نشاطنا في أي مجال : في الشارع أو في البيت ، في المأكل أو في المشرب ، يجب أن نراعي الأدب في يقظة و وعي .
و إتقان العمل و إجادته مما ألزم به الاسلام ؛ سواء أكان هذا من الأعمال الدنيوية أو الدينية . والإتقان ، إنما يتحقق بأن نبذل كل جهد و نصدق غاية الصدق . يقول الرسول ( ص ) : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
و أي تفريط فيما يسند للانسان من عمل يعتبر خيانة . و إذا تفشى هذا الداء في أمة كان ذلك إيذاناً بزوالها .
والانسان بعد ذلك لا يخلو من إحدى حالات ثلاث : من نعمة تنزل به فتجب مقابلتها بالشكر . أو مصيبة تحل به فتقابل بالصبر . أو معصية فتقابل بالتضرع والاستغفار والتوبة .
هذا هو المنهج المرسوم للانسان . فإذا حافظ على وقته في حياته اليومية ، و قام بالفرائض التي فرضت عليه ، واتقى الله في جوارحه و أعضائه، و أدى واجبه نحو العمل المطلوب منه ، و راعى كل حالة بما يناسبها : يكون قد حقق المنهج ، و بلغ الغاية ، و وصل إلى الكمال الانساني .
و لقد ضرب الرسول ( ص ) المثل الأعلى في التزام هذا المنهج فكان يقول : " إذا أتى عليّ يوم لم أزدد فيه علماً و لم أزدد فيه هدى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم " .
فإذا حافظ عليه بلغ الغاية من الكمال الذي ينشده الاسلام .
* المصدر : البلاغ
تعليق