بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمان لا يستقرّ في قلب المرء ما لم يتبصر موقعه في الدنيا ومن الدنيا، ومالم يتعرف أو يحاول التعرّف الى الدار الآخرة، فهي خلقت من أجل الإنسان وبإرادته.. إذ لو لم ينتخب الناس أو بعضهم طريق السعادة لما خلقت الجنة، ولو لم ينتخب الباقون الذنوب لما خلق الله النار.
وهذه النعم القائمة بين أيدينا إنما هي دلائل النعم الأبدية التي سينالها المؤمنون في جنّات الله، أما الآلام البدنية والنفسية فهي الأخرى أمارات غضب الله الأخروي وما أعده للمذنبين المسرفين.
في الحياة الأولى؛ حينما يصل الألم الى درجة معينة يغمى على المريض فيفقد الاحساس بالألم، وإذا بلغ مرتبة أشد سيموت؛ وهذا من رحمة الله بعباده أن جعل حدّاً محدوداً لألمهم. لكنّ آلام يوم القيامة ليست على هذه الصورة وهذه البساطة، فالله عز وجل يقول: ]كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً[ (النساء/56) فالألم في جهنم لا تحدّه الضوابط ولا تتعرض له الرحمـة. ]وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ[ (الزخرف/77).
فلا تجديد في القضاء والحكم، ولا نهاية للألم، بل هناك نار سجّرها جبّارها لغضبه. أتعلم أيها الإنسان الغافل ماذا يفعل العطش بأهل النار؟ إنه يشتد عليهم الى درجة يؤتى اليهم بالماء وهو يغلي بمعدن مذاب أو بصديد لا توصف رائحته، وعندما يشربونه يتساقط لحم وجوههم فيه، ولكن مع ذلك فهم يشربون لشدة العطـش. وهذه صورة مبسطة من صور جهنم – أعاذنا الله وإياكم من دخولها -.
أما الجنة؛ ففيها من النعيم الأبدي ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. النعيم الخالد الذي يتوجب على الناس أن يهرعوا إليه ويطلبوه من الله سبحانه بكل حماس وإصرار. فمن أكثر طرق الباب أوشك أن يسمع الجواب، ومن لجّ ولج. وهذا الإلحاح المتواصل والمطلوب هو لإسقاط الحجب المتراكمة على قلب الإنسان؛ حجاباً بعد حجاب، فيومئذ لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ليصل الى معدن النور.
ومن صفات الجنّة ما جاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة طويلة:
"من تولّى أذان مسجد من مساجد الله فأذّن فيه وهو يريد وجه الله أعطاه الله عزّ وجل ثواب أربعين ألف ألف نبي، وأربعين ألف ألف صدّيق، وأربعين ألف ألف شهيد، وأدخل في شفاعته أربعين ألف ألف اُمّة، في كل اُمّة أربعين ألف ألف رجل. وكان له فـي كـل جنة من الجنان أربعين ألف ألف مدينة، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كل قصر أربعون ألف ألف دار، في كل دار أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، في كل سرير زوجة من الحور العين؛ سعة كل بيت منها مثل الدنيا أربعون ألف ألف مرة، بين يدي كل زوجة أربعون ألف ألف وصيف وأربعون ألف ألف جارية وأربعون ألف ألف وصيفة، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة فـي كل قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعان، لو نـزل بـه الثقلان لأدخلهم أدنى بيت من بيوتها، لهم فيها ما شاؤوا من الطعام والشراب والطيب والثمار وألوان التحف والطرائـف من الحلـيّ والحلل، كل بيت منها يكتفي بما فيه من هذه الأشياء عمّا في البيت الآخر. فإذا أذّن المؤذّن فقال أشهد أن لا إله إلاّ الله اكتنفه أربعون ألف ألف ملك كلهم يصلّون عليه ويستغفرون له وكان في ظل الله عزّ وجل حتى يفرغ وكتب له ثوابه أربعون ألف ألف ملك ثم صعدوا به الى الله عز وجل".([1])
هل اشتقت الى الجنـة أم لا؟ إنك ستدخل الجنة – وما تقدم وصف واحد من أوصافها فقط – بشرط وحيد و هو ]فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ[ (البقرة/132).
ولقد جاء في الحديث أن في صحف موسى بن عمران: "يا عبادي إني لم أخلق الخلق لأستكثر بهم من قلة، ولا لآنس بهم من وحشة، ولا لأستعين بهم على شيء عجزت عنه، ولا لجرّ منفعة ولا لدفع مضرة. ولو أن جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتيّ لا يفترون عن ذلك ليلاً ولا نهاراً مازاد ذلك في ملكي شيئاً سبحاني وتعاليت عن ذلك". ([2])
وقد سئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام: لِمَ خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ولـم يتركه سدىً، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلّفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم الى نعيم الأبد". ([3])
إن الله سبحانه وتعالى غني عن العباد على الإطلاق، إلا أنه أحب أن يدخلنا جنّاته وأن يصيبنا رضوانه؛ فلماذا نبخل على أنفسنا بالجنة، ونغفل عن هذا الكرم والحب والرأفة بنا؟
الهوامش:
([1]) بحار الأنوار، ج81، ص123.
([2]) الجواهر السنية للحر العاملي، ص63.
([3]) بحار الأنوار، ج5، ص313.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمان لا يستقرّ في قلب المرء ما لم يتبصر موقعه في الدنيا ومن الدنيا، ومالم يتعرف أو يحاول التعرّف الى الدار الآخرة، فهي خلقت من أجل الإنسان وبإرادته.. إذ لو لم ينتخب الناس أو بعضهم طريق السعادة لما خلقت الجنة، ولو لم ينتخب الباقون الذنوب لما خلق الله النار.
وهذه النعم القائمة بين أيدينا إنما هي دلائل النعم الأبدية التي سينالها المؤمنون في جنّات الله، أما الآلام البدنية والنفسية فهي الأخرى أمارات غضب الله الأخروي وما أعده للمذنبين المسرفين.
في الحياة الأولى؛ حينما يصل الألم الى درجة معينة يغمى على المريض فيفقد الاحساس بالألم، وإذا بلغ مرتبة أشد سيموت؛ وهذا من رحمة الله بعباده أن جعل حدّاً محدوداً لألمهم. لكنّ آلام يوم القيامة ليست على هذه الصورة وهذه البساطة، فالله عز وجل يقول: ]كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً[ (النساء/56) فالألم في جهنم لا تحدّه الضوابط ولا تتعرض له الرحمـة. ]وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ[ (الزخرف/77).
فلا تجديد في القضاء والحكم، ولا نهاية للألم، بل هناك نار سجّرها جبّارها لغضبه. أتعلم أيها الإنسان الغافل ماذا يفعل العطش بأهل النار؟ إنه يشتد عليهم الى درجة يؤتى اليهم بالماء وهو يغلي بمعدن مذاب أو بصديد لا توصف رائحته، وعندما يشربونه يتساقط لحم وجوههم فيه، ولكن مع ذلك فهم يشربون لشدة العطـش. وهذه صورة مبسطة من صور جهنم – أعاذنا الله وإياكم من دخولها -.
أما الجنة؛ ففيها من النعيم الأبدي ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. النعيم الخالد الذي يتوجب على الناس أن يهرعوا إليه ويطلبوه من الله سبحانه بكل حماس وإصرار. فمن أكثر طرق الباب أوشك أن يسمع الجواب، ومن لجّ ولج. وهذا الإلحاح المتواصل والمطلوب هو لإسقاط الحجب المتراكمة على قلب الإنسان؛ حجاباً بعد حجاب، فيومئذ لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ليصل الى معدن النور.
ومن صفات الجنّة ما جاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة طويلة:
"من تولّى أذان مسجد من مساجد الله فأذّن فيه وهو يريد وجه الله أعطاه الله عزّ وجل ثواب أربعين ألف ألف نبي، وأربعين ألف ألف صدّيق، وأربعين ألف ألف شهيد، وأدخل في شفاعته أربعين ألف ألف اُمّة، في كل اُمّة أربعين ألف ألف رجل. وكان له فـي كـل جنة من الجنان أربعين ألف ألف مدينة، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كل قصر أربعون ألف ألف دار، في كل دار أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، في كل سرير زوجة من الحور العين؛ سعة كل بيت منها مثل الدنيا أربعون ألف ألف مرة، بين يدي كل زوجة أربعون ألف ألف وصيف وأربعون ألف ألف جارية وأربعون ألف ألف وصيفة، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة فـي كل قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعان، لو نـزل بـه الثقلان لأدخلهم أدنى بيت من بيوتها، لهم فيها ما شاؤوا من الطعام والشراب والطيب والثمار وألوان التحف والطرائـف من الحلـيّ والحلل، كل بيت منها يكتفي بما فيه من هذه الأشياء عمّا في البيت الآخر. فإذا أذّن المؤذّن فقال أشهد أن لا إله إلاّ الله اكتنفه أربعون ألف ألف ملك كلهم يصلّون عليه ويستغفرون له وكان في ظل الله عزّ وجل حتى يفرغ وكتب له ثوابه أربعون ألف ألف ملك ثم صعدوا به الى الله عز وجل".([1])
هل اشتقت الى الجنـة أم لا؟ إنك ستدخل الجنة – وما تقدم وصف واحد من أوصافها فقط – بشرط وحيد و هو ]فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ[ (البقرة/132).
ولقد جاء في الحديث أن في صحف موسى بن عمران: "يا عبادي إني لم أخلق الخلق لأستكثر بهم من قلة، ولا لآنس بهم من وحشة، ولا لأستعين بهم على شيء عجزت عنه، ولا لجرّ منفعة ولا لدفع مضرة. ولو أن جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتيّ لا يفترون عن ذلك ليلاً ولا نهاراً مازاد ذلك في ملكي شيئاً سبحاني وتعاليت عن ذلك". ([2])
وقد سئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام: لِمَ خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ولـم يتركه سدىً، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلّفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم الى نعيم الأبد". ([3])
إن الله سبحانه وتعالى غني عن العباد على الإطلاق، إلا أنه أحب أن يدخلنا جنّاته وأن يصيبنا رضوانه؛ فلماذا نبخل على أنفسنا بالجنة، ونغفل عن هذا الكرم والحب والرأفة بنا؟
الهوامش:
([1]) بحار الأنوار، ج81، ص123.
([2]) الجواهر السنية للحر العاملي، ص63.
([3]) بحار الأنوار، ج5، ص313.
تعليق