إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

موقع الإمام الخميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موقع الإمام الخميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي

    موقع الإمام الخميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي
    محمد قوجاني (*)

    في الذكرى السابعة عشرة لوفاته





    موقع الإمام الخميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي

















    [LIST]

    [*]الخميني اجتاز ثلاث مراحل قبل ولاية الفقيه
    [*]استقرار الحكم الصفوي جعل الشاه يعين 'شيخ الإسلام'
    [*]الانفصال بين الحوزة والحكومة بدأ مع زوال الحكم الصفوي
    [*]المؤسسة الدينية ماقبل السلالة القاجارية كانت مؤسسة حكومية
    [*]الشاه طهماسب الصفوي كان يعتبر نفسه نائب المرجع الأعلى الكركي
    [*]لأول مرة يؤيد المراجع مرجعا واحدا بنص مكتوب
    [*]رسالته حول ولاية الفقيه أنهت صرحا أقامه الشاه بصفته نائبا للفقيه
    [*]إثبات المراجع لمرجعية الخميني ردع الشاه عن أذيته
    [*]مطالبة بأن تكون أبواب الاجتهاد مفتوحة في الحكومة الإسلامية
    [*]المرجعية في المرحلة الصفوية حلت مكان مؤسسة الإمامة في الفكر الشيعي
    [*]النفي إلى النجف بدأ مرحلة جديدة.. وفصل المرجعية عن القيادة السياسية
    [*]الخميني لم يشترط المرجعية ل 'القائد' واكتفى بالاجتهاد في مقام ولاية الفقيه[/LIST]

    ترجمة: محمد الفرطوسي (باحث وكاتب إيراني)
    يوم الأحد الرابع من يونيو الماضي صادفت الذكرى 17 لرحيل قائد الثورة الإسلامية في إيران الامام الخميني (يونيو 1989)، وقد كتب رئيس تحرير جريدة 'شرق' الإيرانية، محمد قوجاني، مقالا في ملحق تذكاري للجريدة بهذه المناسبة، ينشر بالتزامن في مجلة 'الحضور' التي تنشر من قبل مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني في إيران تحت عنوان 'من السيد الحاج روح الله.. إلى الإمام الخميني'.


    المقدمة.. التاريخ والفرضية:
    استقرار الإمام الخميني بمحل قائد الجمهورية الإسلامية في إيران وتوليه المتزامن لمقامي 'المرجعية' و'ولاية الفقيه'، وضع الفقه السياسي الشيعي أمام قضية حديثة عليه لم يعرفها من قبل. والقضية كالتالي:
    ظهور مؤسسة المرجعية بشكلها الحديث (المقتدر والمتمركز) كان حصيلة الزوال لمؤسسة السلطنة المتدرج في نهاية العصر الصفوي، فخلافا لما يعتقده البعض فإن دخول إيران للعصر الحديث و'الحقبة الحديثة' من تاريخها لم يكن في مرحلة 'الملكية الدستورية'، بل علينا إرجاع جذور الحداثة الإيرانية لسقوط أصفهان (عاصمة الحكم الصفوي). أي فيما يعد حادث سقوط الدولة الساسانية نهاية 'الحقبة القديمة' لتاريخ إيران، سقوط الدولة الصفوية أيضا يعد نهاية مرحلة 'الحقبة الوسطى' لتاريخ إيران. وبعد ذلك وبالتزامن مع الثورات السياسية والفكرية الأوروبية، بدأت التحولات السياسية والفكرية في إيران وظهرت بوادر الحداثة مع ظهور الحكم البنابارتي (حكم نادر شاه الأفشاري) إلى وقوع الثورات السياسية (ثورة الملكية الدستورية) في إيران.
    لكن إحدى أهم هذه البوادر تحظى باهتمام جدير، وبحجة محتواها التقليدي غض النظر عن موقعها الحديث: وهي تحولات المؤسسة الدينية الشيعية، فهذه المؤسسة في مرحلة ما قبل السلالة القاجارية كانت تعد مؤسسة حكومية من المنظور السياسي ومؤسسة تقليدية من المنظور الفكري.
    تقي شيخ الإسلام
    فسياسيا كان الملك هو الذي يعين أعلى مقام ديني في البلد، الذي كان يسمى آنذاك 'شيخ الإسلام'. ومع ان 'الشاه طهماسب' الصفوي كان يسمي نفسه 'نائب المحقق الكركي' (المرجع الأعلى آنذاك) ولكن بعد استقرار الحكم الصفوي وخاصة بعد سلطنة 'شاه عباس'، كان الملك هو من يعين 'شيخ الإسلام' في البلاد.
    وفكريا، العصر الصفوي كان يعد عصر نمو النزعة الاخبارية. علماء الشيعة الكبار في أصفهان كانوا من أتباع النص والنقل ولم يكترثوا كثيرا للعقل والتأويل والتفسير، فالحضور المشهود للصوفية في الديوان الصفوي (الذي كان يفتخر بانتسابه لأحد أقطاب الصوفية) ونزعتهم التأويلية، وبروز فلاسفة مثل صدر المتألهين الشيرازي وكانت من أهم اسباب امتناع الفقهاء من التأويل الصوفي والتفسير الفلسفي وتوجه بعض العلماء أمثال العلامة محمد باقر المجلسي إلى كتابة معاجم الأحاديث والروايات.
    المرحلة الأصولية
    لكن، وبزوال الصفويين، خفت وطأة الاخباريين أيضا وبدأت المرحلة الأصولية. والعلماء الأصوليون من الشيعة الذين كانت لهم نزعة عقلية حلوا محل الإخباريين. 'وحيد البهبهاني' كان الأستاذ الأعظم لهذا التيار الذي أحيا بدوره العقلانية في الفقه الشيعي وبذلك بدأ العصر الحديث للمؤسسة الدينية الشيعية.
    وفي ساحة السلطة أيضا انتقلت المؤسسة من شكل حكومي إلى إطار مدني. بزوال الحكم الصفوي، زال مقام 'شيخ الإسلام' أيضا وبذلك بدأ الانفصال بين الحوزة والحكومة وبين 'الشيخ' و'الشاه'، الذي كان من شأنه انقسام مؤسساتي بين الدين والدولة وتغيير المشهد.
    ولم يهتم فقهاء 'الحقبة الحديثة' بالحكام بل رجعوا إلى الفلاسفة المسلمين ليعيدوا صياغة علم الأصول بإعانتهم. لذلك ليس خطاء (مقارنة بإرجاع بداية عصر التنوير الأوروبي إلى كتابة كانت الرسائل الفلسفية في الحقوق) أن نقول بدأ العصر الجديد في إيران قبل كتابة الدستور والقوانين المدنية في حقبة الملكية الدستورية بكثير، وذلك حينما بدأ فقهاء الشيعة بالاهتمام بأصول الفقه وفلسفة الفقه وشرعوا بكتابة الرسائل الفقهية العملية وتكلموا فيها عن الحقوق والتكاليف الشرعية الفردية والاجتماعية للمؤمنين. في طريق مثل هذا تولدت المؤسسة المرجعية بالتدريج.
    نظام تربوي
    في 'الحقبة الوسطى' (من سقوط الساسانيين إلى سقوط الصفويين) كان التدين شأنا فرديا، ولم يكن للمؤسسة الدينية الشيعية من معنى ولا وجود، ولم يكن هناك نظام تربوي ديني منسجم مع استمرار السلسلة الصفوية وغلبة الشيعة، اهتم علماء الدين والفقهاء في تشريع أمور الحكم وتأسيس نظام للحكم ودستور لتسيير أمور البلد بدل الاهتمام بتدبير شؤون الدين لعامة الناس. ولكن 'الحقبة الحديثة' (من سقوط الصفوية إلى ظهور المشروطة) كانت وريثة نظام تعليمي وحوزي معين، ابتعد بمرور الزمن في عصر نادر شاه (الأفشاري) وكريم خان (الزندي) من مصدر الحكم وزال التزامه بالحكومة والسلطنة، وحتى نادر شاه سعى لاتخاذ موقف حيادي بين الشيعة وأهل السنة.
    بعد هذا صمم فقهاء الشيعة أو أجبرتهم هذه الحالة على تأسيس مؤسسة توازي الحكومة والسلطنة، ولم يستطع ذكاء أغا محمد خان القاجارفي احترامه للفقهاء وسعى فتحعلي شاه لتكرار تجربة شاه طهماسب الصفوي في إعلان نيابة السلطنة من جانب الفقهاء، للحؤول دون نجاح عملية استقلال مؤسسة المرجعية واستقرار المؤسسة الدينية.
    واجهت مؤسسة الحكم بظهور الشيخ مرتضى الانصاري كأول مرجع عام للشيعة وبعده مراجع كـ الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والسيد أبو الحسن الاصفهاني وآية الله البروجردي منافسة مقتدرة وجادة متمثلة في مؤسسة المرجعية التي كانت بين حين واخر تقلص من سلطتها.
    فمراجع تقليد الشيعة في العصرين القاجاري والملكية الدستورية لم يكونوا 'شيوخ اسلام' بينما كانوا في العهد الصفوي يعدون الساعد الايمن للسلطان. في واقع الامر انهم كانوا في بعض الاوقات يجعلون السلطان ساعدهم التنفيذي، وكان ذلك السبب وراء رواج نظرية النيابة، وكما كان في اوروبا البابا يتوج الشارلماني او نابليون فقد كان الفقيه يعطي في ايران اذن السلطنة لشاه طهماسب او فتحعلي شاه، او كما فعل الميرزا الشيرازي كان يحكم بتحريم احكام الشاه، او كما فعل الاخواند الخراساني يصدر جوازا شرعيا لاقامة حكومة ملكية دستورية، وكان آخرهم، آيت الله البروجردي، يراقب اعمال الحكومة مع الشاه.
    ملك واحد وقضية واحدة
    طوال مائتي سنة من تاريخ 'الحقبة الحديثة'، على موقع اقليمي جغرافي واحد كان يسمى 'الممالك المحروسة الايرانية'، كان ملكان يحكمان البلاد في آن واحد: احدهما ديني والآخر دنيوي، يسير اولهما المجتمع بينما كان يسيطر الثاني على الحكم. كان الشاه حاكم الدنيا، والفقيه حاكما بين الناس وفي زمن الصفويين خرجت ايران من مرحلة ملوك الطوائف وتبدل الوضع الى مملكة واحدة، تضيف كل يوم سهولة الاتصالات على قوة المركز. فان كان في الماضي لكل ولاية حاكمها ولكل قرية امامها، مع اتحاد الولايات واحياء الحدود العامة لايران، اصبح للبلد ملك واحد وفقيه واحد.
    الفقيه كان رئيس الحوزة العلمية ورئيس المذهب وكانت عاصمة الشيعة تتغير، مرة السامراء (في عهد الميرزا الشيرازي) وتارة النجف (في عهد الاخواند الخراساني) ومرة قم (في عهد آية الله البروجردي).
    لكن بظهور الامام الخميني واجهت المرجعية الشيعية عصرا جديدا: عصر تبديل المرجعية الى ولاية الفقيه، الامام قبل وصوله الى الامامة السياسية والقيادة الدينية اجتاز مراحل ثلاث تتمايز بثلاثة عناوين والقاب مختلفة:
    اولا: السيد الحاج روح.. (حاج اقاروح)


    نعرف ان المرحوم الامام كان يتمتع بعلم فقهي واسع، علاوة على الذكاء السياسي وان نفسية الامام كانت كما يقال صحيحا فلسفية وعرفانية، لكن حزمه السياسي والاجتماعي لم يمنعه من الاهتمام بعلم الفقه.
    في البداية كان الامام مدرسا للفلسفة والاخلاق وكان ابن العربي في العرفان وصدر المتألهين في الفلسفة محبوبيه، وربما لولا النظام التعليمي المسيطر على الحوزة، لبقي الامام في سيره الفلسفي وسلوكه العرفاني. كانت علائقه غير الفقهية وعلمه وذكاؤه الحاد في هذه المعارف بالمستوى الذي جعل المرحوم مرتضى الحائري (نجل مؤسس الحوزة العلمية في قم) يأسف على تغيير مساره من الفلسفة الى الفقه ويقول: كان شرحه على صدر المتألهين في بعض الاحيان بقوة تظهره وكأنه اعلم من صدر المتألهين نفسه! والمرحوم مهدي الحائري (الابن الآخر لمؤسس الحوزة العلمية في قم) يحكي عن زمن كان يقيم فيه في اميركا ولم يجد امام نفسه طريقا لحل مسألته الفلسفية الا بالرجوع الى الامام الخميني الذي كان آنذاك في المنفى! مع ذلك فالامام الخميني رجح عدم التضحية بنفسه (المصطلح الذي استخدمه آية الله الخوئي ليصف اصرار العلامة الطبطبائي على الفلسفة وامتناعه من الدرس والتدريس الفقهي) وان يتحول الى فقيه تام يستحق المرجعية مع احتفاظه على علائقه الفلسفية والعرفانية (التي بقيت حتى آخر حياته).
    قبل ذلك الامام (الذي كان آنذاك يعرف بعنوان السيد الحاج روح) لعب دورا اساسيا في احياء المرجعية العامة واستمرارها واستقلالها. بشهادة جميع المستندات والمذكرات التاريخية، كان من اكثر الناس تأثيرا على هجرة آية الله البروجردي من مدينته الى قم واستقرار المرجعية العامة بعد عصر الآيات الثلاث.
    مراجع قم .. الآيات العظام حجت الخواساري والصدر
    في احد المصادر تروى قصة 'ذهاب السيد الخميني الى السيد البروجردي ودعوته واقناعه للقدوم الى قم، وايضا جواب الامام الى اهل مدينة بروجرد الذين كانوا يطالبون السيد البروجردي بالعودة الى مدينتهم'. 'لو يبقى السيد البروجودي في قم سيكون سيد ايران، في حال انه رجع الى بروجود سيصبح سيد بروجرد فقط'. ويروي المصدر نفسه قصة تسلية الامام والآخرين للسيد البروجردي حينما واجه مشاكل في اعطاء الشهرية لطلبة علوم الدين (مبلغ شهري قليل يدفعه المرجع لطلبة علوم الدين لدفع حاجاتهم اليومية) قائلين: 'الطلبة يريدونك لدرسك لا لمالك' (آية الله المنتظري: ص 112 - 111).
    في واقع الامر جهد الامام لتثبيت مرجعية آية الله البروجردي وصل الى مرحلة كتب فيها رسالة للشيخ محمد تقي الفلسفي (الخطيب الشهير في البلاد آنذاك)، يشرح فيها مشاكل السيد البروجردي المالية وقروضه (لارسال الخبر الى النجف والسامراء واعطاء الشهرية في قم، اصفهان، مشهد و..) ويقترح عليه ان يشكل في طهران (الذي يعد مركز الوجوه الشرعية تؤمن به 80% من الوجوه) مجمع من التجار المحترمين يشرح لهم الظروف، ليتكفلوا بتأدية قروض السيد وتأمين ما سيحتاجه في المستقبل (كقرض حسن) خوفا منه على فقد هذا الحصن (صحيفة الامام، المجلد 1، ص 34).
    هذا الوجه من الامام، هو 'السيد الحاج روح الله الخميني'. المدرس الرفيع الشأن في الحوزة العلمية الذي كان يدرس عصر يومي الخميس والجمعة في الفيضية درس الاخلاق.
    'في درس الاخلاق، العرفان حاضر بكثرة، كان يذكر شيئا من كلمات الخواجة عبدالانصاري (من مشايخ المحدثين والعرفاء، 439 - 814 ه) وكان بيانه جذابا وجيدا، يتكلم فيه عن التوبة والانابة والمعاد، حتى كان يبكي الكثيرين، وكان يدرس الفلسفة: المنظومة للملا هادي السيزواري والاسفار لصدر المتألهين. ولم يكن يدرس الفقه والاصول'. (المنتظري: 91-90) وان بدأ الامام بعد ذلك بتدريس الفقه والاصول، لكن بعنوانه السيد الحاج روح (الذي كان وجهه الغالب حتى وفاة السيد البروجردي كان يعرف بتدريسه الفلسفة والعرفان والاخلاق: 'في الطرف المقابل كان البعض يخالفون الفلسفة وامثال هذه البحوث. وكان بعضهم يكفر الفلاسفة. انا اعرف الشخص القائل ان يغسلوا كأس الماء التي شرب منها الحاج مصطفى (ابن الامام) وقال بعده لكن لان امه ليست بفيلسوفة فان شاء الله سيتبع الولد اشرف الوالدين... والطريف ان الامام كان يستلطف الرجل ويقول انا مبسوط من هذا الرجل. يحكم على اساس اعتقاده ان مثل هذه المواقف ادت الى اقتراب الامام الى الفقه.
    نصيحة
    آية الله محمد اليزدي من تلامذة الامام (رئيس السلطة القضائية في ايران السابق) يروي نهاية تدريس الفلسفة: حينما كنا نشارك في دروسه الفقهية والاصولية، كان قد اعتزل الفلسفة. على الظاهر كان بعض اصدقائه نبهوه ان اهتمامك بالفلسفة سيرطح اسمك في قم كفيلسوف، وسيسبب ذلك في عدم حصولكم على المقام اللائق بكم في الفقه، والفقيه المعروف بامكانه ان يعمل اكثر من فيلسوف شهير. والامام عمل بهذه النصيحة وابتعد عن البحوث الفلسفية'. (آية الله اليزدي: 44') السيد الحاج روح الله في زمن حياة آية الله البروجردي سعى جاهدا لتقوية الاجهزة المرجعية والفقهية.
    علاوة على سعيه لانتقال المرحوم البروجردي الى قم وجهده لتثبيت الشهرية، كانت مرتبة السيد الحاج روح الله في مكتب آية الله البروجردي رفيعة جدا الى درجة كان يقال انه وزير الخارجية في مؤسسة المرجعية كان لتواصل السيد البروجردي مع الحكومة وزيران وسفيران، اولهما الشيخ محمد تقي الفلسفي والثاني السيد الحاج روح الله الخميني الذي كان مقامه ارفع من المرحوم الفلسفي وكان يعد اعلى من سفير او وزير وكمستشار للمرجع، ويمكن فهم اختلاف الرتبة.
    هذا من رسالة الامام الى المرحوم الفلسفي. مراتب هذين الشخصين في الوقت نفسه تثبت ان المؤسسة المرجعية كان لها كالحكومة، ادارة واضحة وهرمية المراتب. ان كان للسلطنة الديوان، فللمؤسسة المرجعية ايضا بيوت العلماء والمراجع، وان كان للسلطنة السفراء والوزراء، فالمرجعية ايضا كانت تتمتع بمثل هذين المعتمدين، وبدل الضريبة الحكومية كان يستفاد من الوجوه الشرعية. في جهاز مثل هذا كان للمرجع الاستقلال التام ليخاطب السلطان.
    مكانة المرحوم الفلسفية، كانت ممتازة في بيت آية الله البروجردي، فهو يروي في مذكراته أن السيد البروجردي لم يوافق على الاستعانة من التجار في قضية الشهرية ولا على مقترح الامام الخميني لاخذ قرض حسن منهم (فلسفي: 177) ويروى ايضا: 'في نهاية العام 2531 ه. 1937، بعث لي السيد البروجردي برسالة لالتقي مع الشاه واقول له كما كتبت الجرائد عن اتمام التمهيدات اللازمة لفرض التعليم الابتدائي في البلاد، عليهم وضع التعاليم الدينية ايضا جنب التعليم الابتدائي'. (نفسه، 181).


    التقى الفلسفي مع محمد رضا شاه البهلوي عدة مرات. لكن في مرتبة اعلى كان السيد البروجردي يرسل سفيرا اعلى شأنا، اي الامام نفسه. يقول آية الله اليزدي: 'الامام كان قد اعلن عن استعداده للقاء الشاه، وبتقدير من المرحوم السيد البروجردي، حدث هذا اللقاء الشهير الذي وضع الامام فيه الشاه امام الامر الواقع'. (آية الله اليزدي: 124). ليس هناك من تقدير شامل عن اللقاء الوحيد بين الامام والشاه، لكن ما يثير الانتباه، هو استقلال مؤسسة المرجعية في المواجهة المتكافئة مع نظام السلطنة. احد التقارير القليلة الباقية من لقاء الشاه والامام لآية الله محمد اليزدي: 'من مجموع الكلام المنتشر آنذاك وحتى في لقاءات كرامة الامام مع المرحوم آية الله البروجردي او لقاء الامام مع الشاه، لا يستفاد ان المؤسسة الدينية كانت تريد او بامكانها امساك زمام الحكم'. (آية الله اليزدي: 68).
    علاقة الامام الخميني وآية الله البروجردي في السنين التالية تدهورت، لكن مع ذلك حتى نهاية حياة آية الله البروجردي لم يقف في وجهه وآثر لنفسه تقوية مكانته العلمية والفقهية. في هذه السنين التي كان يعرف بها ب 'السيد الحاج روح الله' كان اهم كتاب للامام 'كشف الاسرار' الذي يوضح رؤيته السياسية المثالية. فيكتب مثلا عن المؤسسة الدينية قائلا: لتفعيل عجلة الدين نحتاج لهؤلاء الموظفين (رجال الدين). الكل يعرف ان لو يكون هؤلاء حزبا متميزا يطرح اسمه عند الشعب باجلال واكرام، سيصبح كلامهم من دون اثر'. (كشف الاسرار: 105) ويوضح قصده: 'لو نريد ترويج التدين بين الناس وان نخدم بذلك الناس والبلد بمساع حميدة، علينا ان نقول حزب رجال الدين، هو حزب متميز ومستقل' (كشف الاسرار: 306).
    في هذا الكتاب يطرح السيد الحاج روح الله فكرة تأسيس مجلس من رجال الدين، مشيرا الى مجلس المؤسسين (الذي يختار شخصا للسلطنة) ومجلس الشورى الذي يدير البلد ويسأل: 'تشكيل مثل هذا المجلس من مجتهدين متدينين، عالمين بحكم الله وعادلين.. ما سلبيته لنظام الملك وان تشكل مجلس الشورى من الفقهاء المتدينين او تحت مراقبتهم، كما يقول الدستور، فما عيبه' (نفسه: 185).


    ثانيا: آية الله الخميني
    بمثل هذه الرؤية وبعد وفاة السيد البروجردي، رشح الإمام للمرجعية. من سنة 0413ه . ش (1961م) كان يعرف بعنوان 'آية الله الخيمني'. لقب 'آية الله' للإمام في ذلك الوقت كان تأكيدا على درجاته الفقهية والأصولية، فقهية على حساب الجوانب الفلسفية والعرفانية، بالتأكيد لم يكن السيد الحاج روح الله ميالا للمرجعية ومع حزمه وبعد نظره السياسي، الذي ازدهر في ذهنه منذ كتابة 'كشف الأسرار'، كان يرجح كباقي مراجع التقليد عند الشيعة أن يصل إلى هذه المرتبة عن الطريق التقليدي لاختيار المراجع ولولا ذلك ما كان له ادعاء بشيء.
    المرجعية والسلطنة
    في واقع الأمر أحد أهم وجوه التعبير بين المرجعية والسلطنة في 'إيران الحديثة' كان في طريقه الى تدشين هاتين المؤسستين. ملوك إيران القديمة وإيران الوسطى كانوا يصلون إلى الحكم عن طريق القهر وغلبة طائفة على طائفة أخرى وكانت قوتهم في المقاتلة أو موروثهم القتالي هو الكفيل ببناء السلالة الحاكمة، في حال أن مراجع التقليد كانوا يعينون على أساس مستوى مراجعة الناس لهم وعدد طلابهم والوجوه التي تدفع لهم من التجار. فإن كان لا يرقد ملكان في ملك واحد، كان ينام فقيهان على سجاد واحد:
    أي انه لم يكن في إيران ما بعد الدولة الصفوية زمن غير فترات الانتقال من سلالة إلى أخرى يحكم فيها البلد ملكان، لكن كانت مراحل كثيرة تنعم فيها البلاد بوجود فقهاء متعددين يتصدرون المرجعية في الوقت نفسه. من أكثر هذه الحالات صيتا كانت فترة ما بعد آية الله الحائري المؤسس لحوزة قم وكان هناك آيات ثلاث في قم هم السيد الصدر، السيد الخوانساري والسيد الجنت. هذا المشهد تكرر أيضا بعد وفاة آية الله البروجودي، الذي ظهر آيات 'ثلاث' جديدة:
    بعد رحيل آية الله البروجردي، واجهت الحوزة مشكلتين: أولا أي مرجع أو مركز سيتصدى لمسألة 'الشهرية' (رواتب طلاب الحوزة) وثانيا من سيراجع الطلاب في دروسهم؟ بعدما تكفل لمسألة 'الشهرية' الآيات السيدان الكلبايكاني والشريعمداري، أعرب الإمام عن ارتياحه وقال: عمل هؤلاء السادة حفظ الحوزة من أن تتلاشى. وفي مسألة التدريس أيضا تصدى الإمام للأمر، بحيث كان يغني الطلاب بالمعرفة، (آية الله اليزدي: 159).
    في هذه الحقبة الزمنية اهتم الإمام بتدريس الفقه والأصول ومن موقعه كآية الله حصل على مكانة مرموقة لكنه لم يكن يسعى للمرجعية: 'الإمام كان يخالف أن يسعى أحد في سبيل مرجعيته وكان يواجه بعض الأشخاص بهذا الشأن ويقول لهم: ما لكم وهذا الأمر، اهتموا بدرسكم' (نفسه: 291).
    المصادر الأخرى أيضا تؤكد عدم رغبة الإمام في الوصول إلى مقام المرجعية. فمثلا يقول الحاج محمد الشانجي أحد التجار والوطنيين المعروفين في ذلك الوقت: 'ذهبنا الى بيت السيد الحاج روح الله وانتظرناه حتى وصل. بعد وصوله كعادته طأطأ برأسه ومن دون أن ينظر إلى أحد رد على السلام ودخل إلى البيت، بعد دقائق قليلة جاء وجلس، فتكلم معه أصحاب الحاجات الموجودون ثم ذهبوا. بعد ذلك ذهبنا نحن له وقلنا اننا جئنا من 'الجبهة الوطنية' لتعيين المرجع، ولذلك جئنا اليكم. قال حسنا.. ولكن واجهنا ببرودة تامة. وحتى عندما طلبنا منه رسالته (العلمية) قال: ما عندي رسالتة، عليكم أن تشتروها من المكتبات ولم يعطنا حتى رسالة واحدة. هذا في حال كان المراجعون الآخرون يعطون الرسائل ويقدمون الغداء ويعطون نقودا وكل شيء، قلت لنفسي نحن 'إن لم يمكننا التأكد من مستوى علم هؤلاء، لأن الأمر يحتاج الى معاشرتهم، ولكن من حيث التقوى فهذا السيد أنقى من الآخرين'. (نقلا من الحاج محمد الشانجي، كتاب 'ثورة إيران' برواية BBC ص 11).
    كان آية الله الخميني صارما في نشر رسالته العلمية: 'حينما طرحت فكرة نشر الرسالة العلمية لكرامة الإمام، لم يقبل بذلك... فاضطررت وبعض من تلامذة الإمام لنترجم حاشية الإمام على كتاب 'وسيلة النجاة' للمرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني إلى الفارسية ونضعها ما بين يدي مقلديه كرسالة علمية... في نهاية المطاف وافق الإمام على أصل الفكرة، ولكن حسب الظاهر يخالف نشرها وتوزيعها بالمجان وأمر أن من يريدها ليذهب ويشتريها'. (آية الله اليزدي292.
    مع ذلك فإن الظروف السياسية والاجتماعية ونشاط الإمام الثوري خدمت بعضا من تلامذته والترويج لمرجعيته. بعد أحداث يوم 15 من شهر خرداد في سنة 1342 ه. ش. (المصادف للخامس من يونيو سنة 1963م) ونشر مدرسو الحوزة العلمية في قم بيانين من شدة القلق على حياة آية الله الخميني ولأن إثبات مرجعيته كان كفيلا بردع النظام دون التعرض لحياته، فأيدوا في البيانين مرجعية الإمام: 'لأنه كان حديثا منتشرا حول إمكانية إحالة الإمام إلى المحكمة كما كتب السيد الشريعتمداري ، السيد الميلاني، السيد المرعشي النجفي، والسيد الحاج شيخ محمد تقي الآملي نصا يعرفون فيه آية الله الخميني كمرجع ليمنعوا قتله، آية الله الكلبايكاني كان آنذاك في قم ولم يتجه إلى طهران وآية الله الخونساري لم يكن يوقع شيئا في ذلك الوقت'. (آية الله منتظري236.
    كما كتب أيضا 12 شخصا من مدرسي الحوزة العلمية في قم بيانا لتأييد مرجعية الإمام الخميني وتقع أهمية هذه البيانات في وجهين.
    مؤشران لأهمية المرجع
    الأول: يظهر موقع مؤسسة المرجعية، حرمتها وقدر شأنها أمام نظام السلطنة، بحيث كان يحول دون محاكمة مرجع التقليد.
    الثاني: انه للمرة الأولى كانت مجموعة من المراجع تؤيد مرجعية فقيه آخر عن طريق نص مكتوب، وهذه النقطة بالذات تدلنا على أول تغيير أدخله حضور الإمام في المؤسسة المرجعية. قبل ذلك أيضا كان آية الله الخميني قد سعى لإحداث تغيير في نظام الحوزات العلمية وتطوير برامجه. منها كان تشكيل لجنة تضم 11 شخصا تحت عنوان 'إصلاح البرامج الحوزية' فيها كل من السادة: رباني الشيرازي، آذري قمي، مشكيني، أميني وقدوسي منتظري، هاشمي رفسنجاني، خامنئي، مصباح اليزدي، حيدري النهاوندي ومهدي الحائري الطهراني، الذين كانوا جميعا متأثرين بالامام. كانت هذه من اولى مساعي المقربين من آية الله الخميني لاصلاح الحوزة. يقال ان هذه البرامج كانت من اسباب الخلاف بين الامام وآية الله البروجردي.
    المرجع في النجف
    بالتأكيد لم يجد الامام الخميني بعد وفاة السيد آية الله البروجردي الوقت الكافي لمتابعة برامجه الاصلاحية في قم. ولكن نفيه للنجف بدأ مرحلة جديدة لمقام المرجعية. في الحوزة العلمية في النجف، الحوزة الشيعية الاكثرشهرة وقم وفرت للامام الخميني أعلى المراتب العلمية. فهناك بدأ دروسه في ولاية الفقيه، لا كمجاهد سياسي او رجل ثوري، بل كمرجع جامع وفقيه، كامل قام بتبيين فلسفته السياسية.
    في رسالة ولاية الفقيه انتقد الامام الذين لم يهتموا بالشؤون السياسية لرجل الدين اكثر من غيرهم: 'الملالي الذين لا يفكرون بتبيين النظريات والانظمة الكونية للاسلام (واية الفقيه)' ويخصص الفصل الاخير من رسالته 'خطة النضال لتدشين الحكومة الاسلامية' لاصلاح الحوزات والمؤسسة الدينية، ويتكلم فيه عن اصلاح اشباه المقدسين وتصفية الحوزات. فالامام، وفي مواصلة لمشروعه غير المكتمل لاصلاح الحوزات العلمية ينتقد 'قضية دخول العلماء في اجهزة السلاطين والظلمة' (نفسه: 146) ويكتب: 'اذا دخل فقيه في جهاز الظلمة، كأنها دخلت امة كاملة' (نفسه) وفي خطاب لم يعهد منذ عهد الصفوية حتى ذلك الوقت ينتقد وعاظ السلاطين ويقول: الكلام على اولئك الذين يضعون العمائم، متعلمين او غير متعلمين ينضمون الى الاجهزة لبطونهم او بسط الرئاسة. ماذا نفعل بهم هؤلاء ليسوا فقهاء الاسلام، على شبابنا ان يخلعوا عمائمهم. يجب خلع عمائم هؤلاء الذين باسم فقهاء الاسلام باسم علماء الاسلام يتسببون بمثل هذه المفسدة في مجتمع المسلمين. (نفسه: 148).
    أشباه المقدسين
    بمثل هذا الخطاب اطاح الامام بصرح كان قد بناه نظام السلطنة في 'ايران الحديثة' من العصر الصفوي الى الملكية الدستورية، على اساسه كان يسمي الشاه نفسه نائبا للفقيه، وبذلك وضع الامام المؤسسة الدينية - المرجعية التي كانت تماشي الحكومة امام منعطف جديد في حياته السياسية والاجتماعية، ويروي في كتاب 'ولاية الفقيه' ذكرى مهمة: 'كان يوما المرحوم السيد البروجردي، المرحوم السيد الخميني، المرحوم السيد الصدر والمرحوم السيد الخوساري رضوان الله عليهم (المراجع الاربعة في قم آنذاك) مجتمعين في بيتنا لنتحدث حول شأن سياسي قلت لهم قبل كل شيء عليكم التصدي لاشباه المقدسين بوجود هؤلاء كأنكم يهجم عليكم العدو ويقيد ايديكم بشدة، هؤلاء الذين اسمهم مقدسة وليسوا مقدسين حقيقين ولم يدركوا المقاصد والمصالح، يقيدون ايديكم وان شئتم فعل شيء، الامساك بالحكم او السيطرة على المجلس لمنع مثل هذه المفاسد، سيهشمونكم وينزلون من قدركم في المجتمع. فلذلك قبل كل شيء عليكم ان تجدوا طريقة لهم'. (نفسه: 144).
    كان آية الله الخميني حين تدريسه ولاية الفقيه في النجف قد اطلق يديه وكان يفكر بمثاليته السياسية في كشف الاسرار و'ولاية الفقيه' من دون ان يكترث الى رغبة المؤسسة الرسمية الدينية او نظام السلطنة الحاكم.
    السيد الحاج روح الله، مدرس الفلسفة والعرفان، وآية الله الخميني، الاصولي والفقيه المرجع، كان لم يلبس بعد ثوب المدرس والمرجع في قم. كان هذا اللباس قد ضاق عليه. فانتقل من عنوان 'آية الله الخميني' الى عنوان. الامام الخميني، وانتهت مرحلة الاكتفاء بالمرجعية وحدها والتفت على البحث والدرس بسرعة، وبدخوله الى باريس وثم طهران ولد الامام مرة اخرى.
    ثالثا: الإمام الخميني
    تعبير الامام ل 'آية الله الخميني' غير الدلالات السياسية وكان يدل ايضا على التغيير الذي حصل في الخطابات الفكرية في المجتمع الايراني، فنظام السلطة ومؤسسة المرجعية من العصرالصفوي الى نهاية حقبة الملكية الدستورية كانا قد اسسا بالمجموع لخطاب في ايران ليحل محل مؤسسة الامامة في الفكر الشيعي.
    في واقع الامر الشيعة في غياب المعصوم وفي الفصل الاخير من تاريخ الامامة ارادوا وبشكل واضح ان يؤسسوا نظاما سياسيا يجبر فقد الامام الحاضر. فالملوك لم يكونوا قادرين على مثل هذا الفعل، نظرا لمكانة القهر والغلبة في تدشين نظمهم السلطانية. والفقهاء ايضا نظرا لفقدهم القوة والقدرة المالية، ما كان باستطاعتهم تشكيل حكومة. فعلى اساس اتفاق تاريخي شكلت السلطنة والمرجعية معا الحكم (في العهد الصفوي) حكم كان يملك القوة من جهة والشرعية من جهة اخرى، والاثنان معا كانا يمتلكان المشروعية. في حقبة الملكية الدستورية الرأي والروية الشعبية حلت محل القهر والغلبة الملكية، لكن حتى النظام السياسي الملكي الدستوري (المشروطة) كان يتمتع بالمشروعية، فقط حينما يحامي عنه العلماء والفقهاء (المشروعة).
    الامام الخميني كحكيم وفقيه جامع ابطل هذه النظرية وشرع في الانتقاد المتزامن من مؤسستي السلطة والدين. لا يوجد في رسالة 'ولاية الفقيه' ذكر للمرجعية، ولكن النقد الموجه من المرحوم الامام الى المرحوم البروجردي، جهد الامام لاصلاح الحوزة واهتمام وصراحة بعض من تلامذته (كالمرحوم مطهري) في اصلاح الحوزة كان علامة على الاهتمام الذي كان يوليه الإمام لقضية إصلاح منظمة الحوزة، وعن السلطنة أيضا كان الإمام الفقيه الأكبر شهرة الذي أصدر ببطلانها (ولاية الفقيه: 14) كان الإمام منتبها إلى صيرورة الحكم الملكي وبذكاء استخدم دعاوى اتباع الملكية الدستورية (التأكيد على الدستور)، وأتباع الجمهورية (التأكيد على الشعب) من دون أن يؤيد لزوما الصيغتين فكتب: 'الحكم في الإسلام ليس سلطانيا ولا ملكيا ولا إمبراطوريا. في هذه الأنواع من الحكم يسيطر الحكام على نفوس وأموال الناس ويتصرفون بها مستبدين في الرأي'. (سنة 46) في إطار التنفيذ طرأت بعض التغييرات في طريقة الإمام لتأسيس الحكومة الإسلامية: فمثلا حل 'مجلس التخطيط' محل 'المجلس التقنيني' (ولاية الفقيه: 144) ونفى الحكم 'الجمهوري' ليحل مكانه 'الجمهورية الإسلامية' أو 'مجلس الشورى الإسلامي'، ولكن الرأي الأساسي للإمام على تغيير نظام السلطنة وتحول مؤسسة المرجعية لم يتغير.
    وصف آية الله الخميني ب 'الإمام' كان إعادة إنتاج لنظرية الإمامة من بعد انقراض السلطنة. بعد الثورة كان جهد الإمام الأساسي منصرفا لإعادة بناء مؤسسة المرجعية، فبعد انتصار الثورة والمكوث القيصر في طهران، اتجه الإمام إلى مدينة قم ليواصل فيها بمقام آية الله الخميني دوره المرجعي. مرجعية لها شأن سياسي، لم تتدخل في التفاصيل التنفيذية ولكنها تتولى ترسيم الخطة وكتابة السياسات العامة لنظام الحكم.
    إصلاح المؤسسة الدينية
    لذلك وقع الإمام الورقة التمهيدية للدستور (التي كان قد كتبها الدكتور حسن حبيبي)، من دون أن يكون فيها ذكر لموقع ولي الفقيه. هذا لا يعني ان الإمام كان قد عدل من نظرية ولاية الفقيه، لأنه في حكمه لتنصيب المهندس بازركان وفي خطبته في مرقد الشهداء (عند دخوله إلى إيران) يشير إي موقعه الشرعي، لكن تأييده الإجمالي للدستور، إقامته في قم وعدم رجوعه إلى طهران إلا بعد مرض قلبه، والإلحاح المستمر، هذه الإمارات كلها تشير إلى طموح الإمام، بعد انقراض السلطنة، على صرف جل اهتمامه على إصلاح المؤسسة الدينية وقد كانت قم أفضل مكان لذلك. لكن المشاكل التي طرأت لاسيما إثر تصادم 'الدولة الموقعة' و'شورى الثورة'، وأزمات النظام الجديد التأسيسي أجبرته كمؤسس للجمهورية الإسلامية على الحضور في طهران والتأثير والتحكم في الحكم. في هذا الاختبار الجديد كان الإمام يسعى جادا ألا يتدخل في التفاصيل وعلاوة على ذلك كان لفترة يمنع دخول علماء جديدين من أمثال السيد آية الله البهشتي في الأمور التنفيذية. يقال انه كان يخالف اشتراط الاجتهاد لوزير الأمن، وحينما سمع بقرار المجلس، ومع انه لم يكن يريد مخالفة القرار، أعرب عن عدم ارتياحه من تورط رجال الدين في الشؤون الأمنية.
    فتح باب الاجتهاد
    بالتزامن مع إعادة بناء مؤسسة الحكومة واستبدال السلطة بالجمهورية سعى الإمام الخميني في العقد الأخير من حياته لإصلاح الحوزات العلمية. يكتب في إحدى أهم رسائله الموجهة الى محمد علي الأنصاري: 'في الحكومة الإسلامية يجب أن تكون أبواب الاجتهاد مفتوحة دائما.. الاجتهاد المصطلح في الحوزات لا يكفي. فإذا كان شخص أعلم الناس في العلوم المعهودة في الحوزات ولكنه لا يستطيع تمييز المصلحة أو الأشخاص الصالحين والنافعين من الأشخاص غير الصالحين، وبشكل عام يفتقد البصيرة الصحيحة وقوة اتخاذ القرار، فهذا الشخص لن يكون في المسائل الاجتماعية والحكومية مجتهدا'. (صحيفة الإمام، المجلد 21، ص 177 - 178).
    وبهذا المنطق، حذف الإمام في مرحلة إعادة صياغة الدستور (في سنة 1989) اشتراط المرجعية من شروط القائد في الجمهورية الإسلامية واكتفى بالاجتهاد كشرط لتصدي مقام ولاية الفقيه.
    فصل المرجعية عن القيادة
    هذا الفصل بين المرجعية والقيادة، بدل الزام دمج الاثنين، كان آخر ابداعات المرحوم الامام. وباعطائه ايضا مزيدا من السلطات التنفيذية والحكومية للقائد، اثبت مقام القائد في مرتبة 'رئيس البلد' بدل 'رئيس المذهب'، مااكده سماحة القائد ايضا من بعد الامام.
    في واقع الامر كان الامام الخميني يرجح وصول مجتهد لهذا المقام يكون اجتهاده اوسع من المصطلح في الحوزات، بدل وصول مرجع يكتفي مع علمه وتقواه بالاجتهاد المصطلح. كانت النهاية العملية لهذا التفكيك فرز رئاسة البلد عن رئاسة المذهب.
    هذا والحال انه الامام في فترة توليه المتزامن للرئاستين، كان يسعى الى ترك زمام شؤون الحوزة العلمية للمراجع. تقليد تمسك به خليفة الامام بعده مع احتفاظه بموقعه ومرتبته الدينية: ترك شؤون الحوزات العلمية لمراجع التقليد.
    الامام وان كان في كل سنوات حضوره في طهران لم يتدخل في شؤون الحوزة العلمية في قم وتركها الى آية الله الكلبايكاني، ولكن كان بين حين وآخر يعبر عن مثاله الفكري لاصلاح الحوزة وتغييرتنظيم مؤسسة المرجعية بمثل العبارات المذكورة اعلاه. فانه ومن موقعه كامام سعى لتحقيق قسط من التغيير في الفقه التقليدي الى الفقه الحركي من خلال الاحكام الحكومية التي اصدرها، وبذلك كما يوضح بعض المحققين والمنظرين (كسعيد حجاريان)، وضع الفقه السياسي الشيعي امام مدرسة جديدة تسمى 'فقه المصلحة'.
    الإمام الخميني
    الامام الخميني طوال فترة حياته تمكن من تغيير النظام السياسي الحاكم على ايران وايضا تغيير النظرية السياسية السائدة على المحافل الفكرية. كان ظهوره نهاية لحياة نظرية السلطنة الشيعية (دمج السلطة والمرجعية) بعد ذلك توجه لتحقيق غايتين اثنتين: احلال الجمهورية محل السلطنة وارتقاء مفهوم المرجعية عن طريق استقرار ولاية الفقيه. اتاح له المجال لمثل هذا التغيير الخطابي العظيم، ما كان يختفي وراء التعابير المختلفة التي كانت تطلق عليه: فمن يذكر السيد الحاج روح الله ينظر الى موقعه الفلسفي والعرفاني والاخلاقي، ومن يذكر آية الله الخميني يتذكر موقعه الفقهي والاصولي، ومن يتكلم عن الامام الخميني يذكرنا بمجاله السياسي والاجتماعي، ولكن هذه الاوجه الثلاثة كانت تروي فقط قسما من مكانة آية الله الامام السيد الحاج روح الله الخميني. رجل كان ظهوره نهاية لتاريخ طوله 400 سنة.





    -----------------------------


    - المصدر : جريدة القبس الكويتية 9/6/2006


    (*) رئيس تحرير جريدة 'شرق' الإيرانية

  • #2
    رحم الله آية الله الخميني

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X