عند الغيبة أو الاغتياب ، ينبغي للإنسان أن يتدبر و يفكر في أن هذا الكلام الذي يخرج من فمه ليس فيه إلا الضرر والمفسدة، والنفاق ، والابتلاء الدنيوي و سخط الله والعذاب الشديد الأخروي ، فينبغي للانسان العاقل أن يقول لنفسه : علامَ أُقدم على مثل هذا الكلام الذي يجلب هذا الضرر الكثير والفساد الكبير .
ثانياً : لابد لمعالجة مرض ما ، من تشخيص أسبابه و جراثيمه للقضاء عليها ، فكذلك الحال بالنسبة إلى مرض الاغتياب الوبيل ، فلابد من القضاء على بواعثها و أسبابها .
أن هناك بواعث كثيرة تجرّنا إلى الاغتياب ، و أهمّ تلك البواعث والأسباب ثلاثة (( الحسد ، والحقد ، والغضب )) إذ تجرنا هذه البواعث إلى الاغتياب والتهم ، و مع كل الأسف ، فإننا لا نلتفت إلى علاج هذا المرض والقضاء على جراثيمه الروية التي ذكرناها آنفاً .
فهذه الجراثيم تنفذ إلى أعماق أنفسنا يوماً بعد يوم و هي تهيئ المجال لإفساد الروح ، والعذاب الأخروي إننا عندما تُصاب أبداننا بالأمراض ، نسرع إلى أفضل الأطباء ، ليعطونا ((نسخة)) العلاج الناجع، فنعمل بما و صفوه لنا من الدواء لتشفى أجسامنا و تصحّ أبداننا .
لكننا عندما تمرض أرواحنا لا نكترث بها و لا نُفكر في مراجعة الطبيب ، مع أن هذا الجسد و هذه الروح سيحترقان في نار جهنم غداً يوم القيامة . قال الإمام الصادق (ع): (( كتب رجل لأبي ذر كتاباً يسأله عطاءً نفيساً من العلم ، فكتب له أبو ذر ، أن العلم كثير ، إلا أنك إذا استطعت أن لا تسيئ إلى أحد فلا تُسيئ إلى أحد تحبه ، ( واعمل بهذا و كفى ) )) .
قال الصادق (ع) : (( فقال الرجل لأبي ذر : هل رأيت أحداً يسيئ إلى مَن يحبه ، فقال أبو ذر : نعم ، إن نفسك أحب الناس إلى نفسك ، فمتى عصيت الله ، فقد أسأت إلى نفسك )).
إذن : إذا كنّا نحب أنفسنا فعلينا أن نجتنب الاغتياب و أن نبعّد عنها بواعث الغيبة والتي تتجلى كثيراً في الحسد الحقد والغضب ، لنأمن من العذاب الدنيوي والعذاب الأخروي .
ثالثاً : قد يكون من بواعث الغيبة موافقة الأصدقاء ، فمن أجل أن نسرّ الأصدقاء ، نغتاب الآخرين و نذكر عيوبهم ، و عند هذه الحالة ينبغي التأمل والتفكر بأن رضى الأصدقاء مقرونٌ بغضب الله (سبحانه) ، و قد ورد في بعض الروايات أن : (( مَن يشتري سخط الخالق برضى المخلوق فلا دين له ! )) إذن فيجب علينا أن نتقي سخط الله ( عند إرضاء المخلوق ) فلا نغتاب الآخرين .
رابعاً : لنتأمل في آثار الغيبة السيئة فإن من آثارها السيئة محوَ حسناتنا ، ففي غد حيث ( تذهل كل مرضعة عما أرضَعت ) و كل يفكر في نفسه دون غيره ، و تتقطع الوشائج والأنساب ، تتجلى قيمة الحسنات ، فعلينا أن لا نُذهب بهذه الحسنات الغالية سُدىً أدراج الرياح ، فلا يبقى لنا في سوق المحشر أمام الله أي سلعةٍ يُعتد بها.
لنتأمل في هذه الرواية الشريفة :
عن النبي (ص) أنه قال : (( هل تدرون مَن المفلس )) ، قالوا : المفلس فينا يا رسول الله ، مَن لا درهم له و لا متاع ، فقال (ص) : (( المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة ، بصلاةٍ و زكاةٍ و صيامٍ ، و يأتي قد شتم هذا ، و قذف هذا ، و أكل مال هذا ، و سفك دمَ هذا ، و ضرب هذا ، فيعطي هذا من حسناته ، و هذا من حسناته ، و إن فُنيت حسناتُه ، قبلَ أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم يطرح في النار )) .
يا لها من محنةٍ ما أشدها يوم القيامة ، إذ تسلب الذنوب المختلفة و لا سيما الغيبة حسناتنا ، التي هي بمثابة رؤوس أموالنا في الأخرى ، فعلينا أن نتذكر هذه الروايات و أمثالها عندما نريد أن تغتاب لئلا نجر ألسنتنا في كلام لا طائل تحته .
خامساً : لنتذكر حالنا يوم القيامة عندما يقف بوجهنا أخونا في الله الذي كنّا نتظاهر له بالمحبة و نغتابه من خلفه ، فأيةُ حالةٍ ستصيبنا من الخجل والحياء ، فماذا نعدُّ له جواباً و سيمانا في وجوهنا من أثر اغتيابه . فماذا نقول له ؟ لو قال : يا فلان ! لم أكن لأتوقع منك أن أرى فيك كل هذا ، فعلام كنت تغتابني و تريقُ ماء وجهي ؟ إذن ، أنت خائن أيضاً و ذو وجهين و لونين .
فمتى ما أردنا أن نغتاب فعلينا أن نتصور مواجهتنا له في عرصات المحشر لئلا نخجل أنفسنا يوم القيامة . فقد نغتاب أحداً فيصله خبر اغتيابنا فيعتب علينا فنطوي حديثنا أو نكتم الموضوع عليه و ننكره لكن هل ينفع كتماننا عليه غداً يوم القيامة ؟ لأن اللسان بنفسه سينطق بإذن الله و يشهدُ علينا و يقول : يا فلان لا تكتم و لا تُنكر فقد اغتبته بي ! ربنا نعوذ بك من الفضيحة في يوم القيامة .
سادساً : فلنتأمل ، كم أنفقنا و أتلفنا من ساعات عمرنا الغالية في تقصي عيوب الآخرين فلولا كنّا أنفقناها و قضيناها في معالجة عيوبنا !
و قد ورد في سيرة بعض العلماء (الصالحين) الأعاظم أنه متى ما سئل عن شخص أو عن سيرته ، فإنه كان يقول الحمد لله رب العالمين ، فيسأل ثانية نراك تحمد الله و تشكره ، فيقول : اشكر الله لأني أرى انساناً أصلح عيوب نفسه ، و هو اليوم يفكر في شؤون الآخرين و يسأل عن أحوالهم !
* حسين هاشمي