اعتبروا وانهضوا قبل فوات الأوان!
نصر شمالي
15 ابريل 2005
ظلت المؤسسات الأميركية الرسمية لعقود طويلة تزعم بإصرار أن عدد السكان الأصليين في أميركا الشمالية لم يكن يتجاوز المليون عند وصول كولومبس، وأمام الاكتشافات والاعتراضات أضافت مليوناً آخر، غير أن رقم المليونين لم يصمد بدوره أمام الدراسات العلمية الميدانية، وفي عقد الخمسينات من القرن الماضي خلصت جامعة كاليفورنيا إلى أن عدد السكان الأصليين في القارة زمن كولومبس كان يزيد على مائة مليون! وبتطبيق التقنيات العلمية توصل هنري دوبينز إلى أن العدد الإجمالي كان في حدود 112 مليوناً، أما في أميركا الشمالية، أي في ما يسمى اليوم بالولايات المتحدة تحديداً، فقد كان عدد السكان الأصليين في حدود 18.5 مليوناً! ويقول منير العكش في بحثه الهام (أميركا والإبادات الجماعية) أن 112 مليون آدم وحواء ينتمون إلى أكثر من أربعمائة شعب، كانوا يملأ ون القارة بضحكة الحياة، لم يبق منهم في إحصاء عام 1900 سوى ربع مليون!
93 حرباً جرثومية إبادية!
نذكر ذلك ونحن نتابع ما يجري في فلسطين والعراق، حيث تتكرّر عمليات الإبادة الشاملة ضدّ أمتنا في أجواء عربية وإسلامية مرعبة، هي خليط من الغفلة العامة والتواطؤ المحدّد، ونتساءل بقلوب واجفة: ترى هل تتكرّر المأساة، وينجح الإنكليز والأميركيون واليهود الصهاينة مرة أخرى في حروبهم الإبادية الشاملة؟ هل ينجحون مرة أخرى في استبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة؟
إن البيض الأنكلوسكسون البروتستانت، الذين اصطلح على اختصار أوصافهم هذه بالأحرف Wasp، أي "واسب" التي يصبح لها في الوقت نفسه معنى محدّد بالإنكليزية هو" الدبابير"، هؤلاء اللوثريين الصهاينة لم يكتفوا في عملياتهم الإبادية ضدّ الشعوب الأصلية الأميركية بالرصاص والنار، بل شنوا ضدّها أيضاً حروباً جرثومية شاملة بلغ تعدادها 93 حرباً! ويصنّف المؤرخ دوبنيز أنواع الأوبئة الشاملة كالتالي: 41 جدري، 4 طاعون، 17 حصبة، 10 أنفلونزا، 25 سل ودفتريا وتيفوس وكوليرا !ويقول أنه كان لكل من هذه الحروب الجرثومية آثارها الوبائية المهلكة التي اجتاحت مساحات شاسعة من الأراضي، من فلوريدا في جنوب شرق الولايات المتحدة إلى أورغون في الشمال الغربي، وأن بعض الجماعات من السكان الأصليين وصلتها الأوبئة وأبادتها قبل أن ترى وجه الغزاة البيض!
إما عبيداً، وإما قتلى!
لقد أتت الحروب الجرثومية على حياة الملايين من السكان الأصليين المسالمين في عمليات إبادة جمعية هي الأعظم والأطول في التاريخ الإنساني، وقد حاول المنتصرون محو وقائعها وذكرها من على وجه الأرض، ولم تعترف الإدارات الأميركية المتوالية قط بجراثيم الجدري التي أرسلت إلى خليج ماسا شوسيتس، مثلما لم تعترف بمبيد الأعشاب البرتقالي وغاز الخردل في كوريا وفيتنام، ومثلما لا تعترف اليوم باليورانيوم المستنفد في العراق، الذي أهلك مئات الألوف من الأطفال خاصة.
إنهم يرون أن تاريخ الإنسان في أميركا لم يبدأ إلا مع وصول الإنسان الأبيض، مثلما هو في فلسطين لم يبدأ إلا مع وصول اليهود الصهاينة، ومثلما يحاولون أن يواصلوا في العراق وغيره، فالسكان قبل ذلك كانوا في أميركا مجرّد متوحشين، وفي البلاد العربية يكادون يوصفون بالوصف ذاته، حيث هم غير ديمقراطيين بالسليقة، أي غير متحضرين ولا يمكن أن يتحضرّوا بمحض إرادتهم، وبالتالي لابد من تحضيرهم بالقوة، أوإفنائهم!
يقول منير العكش: ولأنه ليس هناك من يعرف عمق هذه الهاوية فإن المأساة المشؤومة التي واكبت انتشار الحضارة في العالم الجديد تبقى مفتوحة على جميع أنواع الثقافات والأعراق الإنسانية في العالم، فهذا قدر الأنكلوسكسون وهذه رسالتهم الخالدة التي كتبتها لهم السماء كما يزعمون، وذلك منذ خلع أوليفر كرومويل (أواسط القرن السابع عشر) على الإله الجنسية الإنكليزية! أي أن الخيارات أمام الشعوب هي واحد من إثنين: إما عبيداً، وإما قتلى!
ماذا تحت مدينة واشنطن؟
ولأن الكثيرين لا يعرفون بعد عمق الهاوية التي تتعرض لها أمتنا، لأنهم لا يعرفون حجم وطبيعة المأساة المشؤومة التي حملها الأنكلوسكسون إلى القارة الأميركية، فإنك ترانا، عموماً، كأنما نسير على دروب الهلاك والفناء التي سلكها قادة وشعوب أميركا الأصليون في مواجهة الغزاة، ويكفي هنا التذكير بأن واشنطن العاصمة نهضت على أنقاض وأجداث مدينة تجارية هندية مزدهرة، ابتداءً من عام 1623، حيث بدأت الحرب بدعوة الزعيم الهندي تشيسكياك للتفاوض مع الغزاة، فحضر هو وحاشيته، وسارت المفاوضات على ما يرام، وأعلن عن الصداقة الخالدة بين الأمتين، ثم جاء دور شرب الأنخاب، كالعادة، وإذا بالزعيم الهندي ينطرح صريعاً مسموماً تحت أقدام مفاوضيه (تذكروا مصرع الرئيس ياسر عرفات) وسرعان ما أعمل القتل بأسرته ومستشاريه ومائتين من حاشيته! أما جورج واشنطن، الرئيس المؤسس للولايات المتحدة، فقد ظل يتظاهر بأنه لا يعلم شيئاً عما جرى لشعب كونوي الهندي ولمدينته التجارية، وظل يصرّ على أن الأرض التي اختارها لبناء عاصمته لم تكن سوى مجرّد مستنقعات خاوية!
غير أن وليام براد فورد، حاكم مستعمرة بليموث، اعترف لاحقاً بارتكاب عمليات الإبادة الجمعية الجرثومية قائلاً أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الإله! لقد شرح أنه مما يرضي الله ويفرحه أن تقوم بزيارة الهنود وأنت تحمل إليهم الأوبئة والموت، فيقضي 950 من كل ألف منهم، وتنتن جثثهم فوق الأرض دون أن تجد من يدفنها، وإن على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا وعلى نعمته! إن هذا الكلام مدوّن ويمكن الرجوع إليه.
استيقظوا، واعتبروا، وانهضوا!
يجدر بنا أن نشير إلى أن عمليات الإبادة الجمعية لسكان أميركا الأصليين بواسطة الحرب الجرثومية مأخوذة عن المدوّنات التوراتية الملفّقة التي تزعم أن "يهوه" إله اليهود انتقم لشعبه من المصريين بالأوبئة العشرة! إن الأنكلوسكسون اللوثريين الذين يعتمدون هذه الخرافات هم أكثر يهودية وصهيونية من اليهود أنفسهم، وفي مذكراته، بعد أن طاف في كثير من بقاع أميركا، كتب داروين (مؤلف أصل الأنواع) يقول: حيثما خطا الأوروبيون مشى الموت في ركابهم إلى أهل البلاد! أما هوارد سيمبسون فقد أورد في مقدمة كتابه عن دور الأوبئة في التاريخ الأميركي أن المستعمرين الإنكليز لم يجتاحوا أميركا بفضل عبقريتهم العسكرية، أو دوافعهم الدينية، أو طموحاتهم، أو وحشيتهم، بل بفضل حروبهم الجرثومية التي لم يعرف لها تاريخ الإنسانية مثيلاً!
يبقى أن نصرخ والقلب يدمى: استيقظوا وانظروا إلى ما يحدث في فلسطين والعراق! اعتبروا بغيركم وانهضوا يا أولي الألباب قبل فوات الأوان
==========
http://www.kefaya.org/05znet/050418nasrshamali.htm
نصر شمالي
15 ابريل 2005
ظلت المؤسسات الأميركية الرسمية لعقود طويلة تزعم بإصرار أن عدد السكان الأصليين في أميركا الشمالية لم يكن يتجاوز المليون عند وصول كولومبس، وأمام الاكتشافات والاعتراضات أضافت مليوناً آخر، غير أن رقم المليونين لم يصمد بدوره أمام الدراسات العلمية الميدانية، وفي عقد الخمسينات من القرن الماضي خلصت جامعة كاليفورنيا إلى أن عدد السكان الأصليين في القارة زمن كولومبس كان يزيد على مائة مليون! وبتطبيق التقنيات العلمية توصل هنري دوبينز إلى أن العدد الإجمالي كان في حدود 112 مليوناً، أما في أميركا الشمالية، أي في ما يسمى اليوم بالولايات المتحدة تحديداً، فقد كان عدد السكان الأصليين في حدود 18.5 مليوناً! ويقول منير العكش في بحثه الهام (أميركا والإبادات الجماعية) أن 112 مليون آدم وحواء ينتمون إلى أكثر من أربعمائة شعب، كانوا يملأ ون القارة بضحكة الحياة، لم يبق منهم في إحصاء عام 1900 سوى ربع مليون!
93 حرباً جرثومية إبادية!
نذكر ذلك ونحن نتابع ما يجري في فلسطين والعراق، حيث تتكرّر عمليات الإبادة الشاملة ضدّ أمتنا في أجواء عربية وإسلامية مرعبة، هي خليط من الغفلة العامة والتواطؤ المحدّد، ونتساءل بقلوب واجفة: ترى هل تتكرّر المأساة، وينجح الإنكليز والأميركيون واليهود الصهاينة مرة أخرى في حروبهم الإبادية الشاملة؟ هل ينجحون مرة أخرى في استبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة؟
إن البيض الأنكلوسكسون البروتستانت، الذين اصطلح على اختصار أوصافهم هذه بالأحرف Wasp، أي "واسب" التي يصبح لها في الوقت نفسه معنى محدّد بالإنكليزية هو" الدبابير"، هؤلاء اللوثريين الصهاينة لم يكتفوا في عملياتهم الإبادية ضدّ الشعوب الأصلية الأميركية بالرصاص والنار، بل شنوا ضدّها أيضاً حروباً جرثومية شاملة بلغ تعدادها 93 حرباً! ويصنّف المؤرخ دوبنيز أنواع الأوبئة الشاملة كالتالي: 41 جدري، 4 طاعون، 17 حصبة، 10 أنفلونزا، 25 سل ودفتريا وتيفوس وكوليرا !ويقول أنه كان لكل من هذه الحروب الجرثومية آثارها الوبائية المهلكة التي اجتاحت مساحات شاسعة من الأراضي، من فلوريدا في جنوب شرق الولايات المتحدة إلى أورغون في الشمال الغربي، وأن بعض الجماعات من السكان الأصليين وصلتها الأوبئة وأبادتها قبل أن ترى وجه الغزاة البيض!
إما عبيداً، وإما قتلى!
لقد أتت الحروب الجرثومية على حياة الملايين من السكان الأصليين المسالمين في عمليات إبادة جمعية هي الأعظم والأطول في التاريخ الإنساني، وقد حاول المنتصرون محو وقائعها وذكرها من على وجه الأرض، ولم تعترف الإدارات الأميركية المتوالية قط بجراثيم الجدري التي أرسلت إلى خليج ماسا شوسيتس، مثلما لم تعترف بمبيد الأعشاب البرتقالي وغاز الخردل في كوريا وفيتنام، ومثلما لا تعترف اليوم باليورانيوم المستنفد في العراق، الذي أهلك مئات الألوف من الأطفال خاصة.
إنهم يرون أن تاريخ الإنسان في أميركا لم يبدأ إلا مع وصول الإنسان الأبيض، مثلما هو في فلسطين لم يبدأ إلا مع وصول اليهود الصهاينة، ومثلما يحاولون أن يواصلوا في العراق وغيره، فالسكان قبل ذلك كانوا في أميركا مجرّد متوحشين، وفي البلاد العربية يكادون يوصفون بالوصف ذاته، حيث هم غير ديمقراطيين بالسليقة، أي غير متحضرين ولا يمكن أن يتحضرّوا بمحض إرادتهم، وبالتالي لابد من تحضيرهم بالقوة، أوإفنائهم!
يقول منير العكش: ولأنه ليس هناك من يعرف عمق هذه الهاوية فإن المأساة المشؤومة التي واكبت انتشار الحضارة في العالم الجديد تبقى مفتوحة على جميع أنواع الثقافات والأعراق الإنسانية في العالم، فهذا قدر الأنكلوسكسون وهذه رسالتهم الخالدة التي كتبتها لهم السماء كما يزعمون، وذلك منذ خلع أوليفر كرومويل (أواسط القرن السابع عشر) على الإله الجنسية الإنكليزية! أي أن الخيارات أمام الشعوب هي واحد من إثنين: إما عبيداً، وإما قتلى!
ماذا تحت مدينة واشنطن؟
ولأن الكثيرين لا يعرفون بعد عمق الهاوية التي تتعرض لها أمتنا، لأنهم لا يعرفون حجم وطبيعة المأساة المشؤومة التي حملها الأنكلوسكسون إلى القارة الأميركية، فإنك ترانا، عموماً، كأنما نسير على دروب الهلاك والفناء التي سلكها قادة وشعوب أميركا الأصليون في مواجهة الغزاة، ويكفي هنا التذكير بأن واشنطن العاصمة نهضت على أنقاض وأجداث مدينة تجارية هندية مزدهرة، ابتداءً من عام 1623، حيث بدأت الحرب بدعوة الزعيم الهندي تشيسكياك للتفاوض مع الغزاة، فحضر هو وحاشيته، وسارت المفاوضات على ما يرام، وأعلن عن الصداقة الخالدة بين الأمتين، ثم جاء دور شرب الأنخاب، كالعادة، وإذا بالزعيم الهندي ينطرح صريعاً مسموماً تحت أقدام مفاوضيه (تذكروا مصرع الرئيس ياسر عرفات) وسرعان ما أعمل القتل بأسرته ومستشاريه ومائتين من حاشيته! أما جورج واشنطن، الرئيس المؤسس للولايات المتحدة، فقد ظل يتظاهر بأنه لا يعلم شيئاً عما جرى لشعب كونوي الهندي ولمدينته التجارية، وظل يصرّ على أن الأرض التي اختارها لبناء عاصمته لم تكن سوى مجرّد مستنقعات خاوية!
غير أن وليام براد فورد، حاكم مستعمرة بليموث، اعترف لاحقاً بارتكاب عمليات الإبادة الجمعية الجرثومية قائلاً أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الإله! لقد شرح أنه مما يرضي الله ويفرحه أن تقوم بزيارة الهنود وأنت تحمل إليهم الأوبئة والموت، فيقضي 950 من كل ألف منهم، وتنتن جثثهم فوق الأرض دون أن تجد من يدفنها، وإن على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا وعلى نعمته! إن هذا الكلام مدوّن ويمكن الرجوع إليه.
استيقظوا، واعتبروا، وانهضوا!
يجدر بنا أن نشير إلى أن عمليات الإبادة الجمعية لسكان أميركا الأصليين بواسطة الحرب الجرثومية مأخوذة عن المدوّنات التوراتية الملفّقة التي تزعم أن "يهوه" إله اليهود انتقم لشعبه من المصريين بالأوبئة العشرة! إن الأنكلوسكسون اللوثريين الذين يعتمدون هذه الخرافات هم أكثر يهودية وصهيونية من اليهود أنفسهم، وفي مذكراته، بعد أن طاف في كثير من بقاع أميركا، كتب داروين (مؤلف أصل الأنواع) يقول: حيثما خطا الأوروبيون مشى الموت في ركابهم إلى أهل البلاد! أما هوارد سيمبسون فقد أورد في مقدمة كتابه عن دور الأوبئة في التاريخ الأميركي أن المستعمرين الإنكليز لم يجتاحوا أميركا بفضل عبقريتهم العسكرية، أو دوافعهم الدينية، أو طموحاتهم، أو وحشيتهم، بل بفضل حروبهم الجرثومية التي لم يعرف لها تاريخ الإنسانية مثيلاً!
يبقى أن نصرخ والقلب يدمى: استيقظوا وانظروا إلى ما يحدث في فلسطين والعراق! اعتبروا بغيركم وانهضوا يا أولي الألباب قبل فوات الأوان
==========
http://www.kefaya.org/05znet/050418nasrshamali.htm
تعليق