هو
حبيب بن مظهر
حبيب بن مظهر
بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، أبو القاسم الأسدي الفقعسي .
كان صحابيا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ذكره ابن الكلبي (1) ، وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنى أبا ثور الشاعر الفارس .
قال أهل السير : إن حبيبا نزل الكوفة ، وصحب عليا ( عليه السلام ) في حروبه كلها ، وكان من خاصته وحملة علومه .
وروى الكشي عن فضيل بن الزبير (2) قال : مر ميثم التمار على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتى اختلف عنقا فرسيهما ، ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق ، قد صلب في حب أهل بيت نبيه ، فتبقر بطنه على الخشبة .
فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر له ضفيرتان ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة . ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين .
قال : فلم يفترق المجلس حتى أقبل رشيد الهجري فطلبهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا . فقال رشيد : رحم الله ميثما نسي ويزاد في عطاء الذي يجئ بالرأس مأة درهم .
ثم أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم . قال : فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثما مصلوبا على باب عمرو بن حريث . وجئ برأس حبيب قد قتل مع الحسين ( عليه السلام ) ، ورأينا كلما قالوا (3) .
وذكر أهل السير : أن حبيبا كان ممن كاتب الحسين ( عليه السلام ) (4) .
قالوا : ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف (5) إليه ، قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري ، وثناه حبيب فقام وقال لعابس بعد خطبته : رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وأنا والله الذي لا إله إلا هو لعلى مثل ما أنت عليه . قالوا : وجعل حبيب ومسلم (6) يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم وفر أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما ، فلما ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه .
وروى ابن أبي طالب أن حبيبا لما وصل إلى الحسين ( عليه السلام ) ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه ، قال للحسين : إن ههنا حيا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك ، لعل الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك .
فأذن له الحسين ( عليه السلام ) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم ، وقال في كلامه : يا بني أسد ، قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه ، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين ، وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه ، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه ، فوالله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة ، وقد خصصتكم بهذه المكرمة ، لأنكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحما . فقام عبد الله بن بشير الأسدي وقال : شكر الله سعيك يا أبا القاسم ، فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب ، أما أنا فأول من أجاب ، وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب ، وانسل منهم رجل فأخبر ابن سعد ، فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم ، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا عن منازلهم .
وعاد حبيب إلى الحسين ( عليه السلام ) فأخبره بما كان . فقال ( عليه السلام ) : وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) * ولا حول ولا قوة إلا بالله (7) .
وذكر الطبري : أن عمر بن سعد لما أرسل إلى الحسين ( عليه السلام ) كثير بن عبد الله الشعبي وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده ( قرة بن قيس الحنظلي ) (8) فلما رآه الحسين ( عليه السلام ) مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال له حبيب : نعم ، هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، قال : فجاء حتى سلم على الحسين ( عليه السلام ) وأبلغه رسالة عمر ، فأجابه الحسين ( عليه السلام ) ، قال : ثم قال له حبيب : ويحك يا قرة أين ترجع ، إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأبي (9) .
وذكر الطبري أيضا قال : لما نهد القوم إلى قتال الحسين ( عليه السلام ) قال له العباس : يا أخي أتاك القوم ، قال : إذهب إليهم وقل لهم ما بدا لكم ؟ فركب العباس وتبعه جماعة من أصحابه فيهم حبيب بن مظهر ، وزهير بن القين ، فسألهم العباس فقالوا : جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم : لا تعجلوا حتى أخبر أبا عبد الله ثم ألقاكم . فذهب إلى الحسين ( عليه السلام ) ووقف أصحابه ، فقال حبيب لزهير : كلم القوم إذا شئت . فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكلمهم أنت . فقال لهم حبيب : معاشر القوم إنه والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون على الله ، وقد قتلوا ذرية نبيه ، وعترته وأهل بيته ، وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيرا .
فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت (10) .
فأجابه زهير بما يأتي . وروى أبو مخنف : أن الحسين ( عليه السلام ) لما وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها : " أما بعد ، فانسبوني من أنا وانظروا " إلى آخر ما قال .
اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ، فقال حبيب : أشهد أنك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنك لا تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثم عاد الحسين ( عليه السلام ) إلى خطبته (11) .
وذكر الطبري (12) وغيره (13) أن حبيبا كان على ميسرة الحسين ( عليه السلام ) وزهيرا على الميمنة وأنه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز ، طلب سالم مولى زياد ويسار مولى ابنه عبيد الله مبارزين وكان يسار مستنتل أمام سالم فخف إليه حبيب وبرير فأجلسهما الحسين . وقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي .
قالوا : ولما صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين ( عليه السلام ) ومعه حبيب ، فقال حبيب عز علي مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنة . فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشرك الله بخير .
فقال حبيب : لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة . فقال له : بلى أوصيك بهذا رحمك الله ، وأومأ بيديه إلى الحسين ( عليه السلام ) أن تموت دونه ، فقال حبيب : أفعل ورب الكعبة (14) .
قالوا : ولما استأذن الحسين ( عليه السلام ) لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال له الحصين بن تميم : إنها لا تقبل منك ! فقال له حبيب : زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقبل منك يا حمار ! فحمل الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه فحمله أصحابه واستنقذوه (15) .
وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :
أقسم لو كنا لكم أعدادا * أو شطركم وليتم أكتادا
يا شر قوم حسبا وآدا
ثم قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مظهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر * حقا وأتقى منكم وأعذر
ولم يزل يقولها حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف قسقط ، فنزل إليه التميمي فاحتز رأسه ، فقال له حصين
ونحن أعلى حجة وأظهر * حقا وأتقى منكم وأعذر
ولم يزل يقولها حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف قسقط ، فنزل إليه التميمي فاحتز رأسه ، فقال له الحصين : إني شريكك في قتله .
فقال الآخر : والله ما قتله غيري .
فقال الحصين : أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أني شركت في قتله ، ثم خذه أنت فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه ، فأبى عليه فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك ، فدفع إليه رأس حبيب فجال به في العسكر قد علقه بعنق فرسه ، ثم دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلقه في لبان فرسه ، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه فارتاب به ، فقال : ما لك يا بني تتبعني ؟ قال : لا شئ ، قال : بلى يا بني فأخبرني ، قال : إن هذا رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه ؟ قال : يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن ، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا . فقال القاسم : لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب ، أم والله لقد قتلته خيرا منك ، وبكى ثم فارقه ، ومكث القاسم حتى إذا أدرك لم تكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه ، فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد (16) .
وروى أبو مخنف : أنه لما قتل حبيب بن مظهر هد ذلك الحسين ( عليه السلام ) وقال : " عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي " (17) .
وفي ذلك أقول :
إن يهد الحسين قتل حبيب * فلقد هد قتله كل ركن
بطل قد لقى جبال الأعادي * من حديد فردها كالعهن
لا يبالي بالجمع حيث توخى * فهو ينصب كانصباب المزن
أخذ الثأر قبل أن يقتلوه * سلفا من منية دون
من قتلوا منه للحسين حبيبا * جامعا في فعاله كل حسن
( ضبط الغريب ) مما وقع هذه الترجمة :
( مظهر ) : بضم الميم وفتح الظاء المعجمة بزنة محمد على الأشهر ، ويضبط بالطاء المهملة في بعض الأصول ، ويمضى على الألسن وفي الكتب مظاهر ، وهو خلاف المضبوط قديما .
( نهد ) : نهض .
( ظهرانيكم ) : يقال : هو بين ظهرانيكم وبين ظهريكم وبين أظهركم ، فالأولى بفتح النون ولا تكسر ، والثانية بصورة التثنية كالأولى ، والثالثة بصورة الجمع ، كل ذلك بمعنى في وسطكم وبين معظمكم .
( مستنتل ) : بالميم والسين والنون بين التائين المثناتين فوق بمعنى متقدم عليه .
( أكتادا ) : جمع كتد وهو : مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره .
( آد ) : في قوله : ( حسبا وآدا ) : بمعنى القوة .
( العقفاني ) : بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة إلى عقفان بضم العين حي من خزاعة .
( باجميرا ) : بالباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة تحت والراء المهملة والألف المقصورة ، موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير يعسكر به في محاربة عبد الملك بن مروان حين يقصده من الشام أيام منازعتهما في الخلافة .
(1) جمهرة النسب : 1 / 241 .
(2) عده الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) . راجع رجال الشيخ : 143 ، الرقم 1546 . 269 الرقم 3875 .
(3) رجال الكشي : 78 ، الرقم 133 . راجع منتهى المقال في أحوال الرجال 2 / 328 .
(4) راجع الإرشاد : 2 / 37 ، والكامل : 4 / 20 .
(5) راجع الإرشاد : 2 / 41 ، واللهوف : 108 ، والكامل : 4 / 22 ، والأخبار الطوال : 231 ، وفي مقاتل الطالبيين ، 100 : نزل مسلم دار هاني بن عروة المرادي .
(6) المقصود هنا هو : مسلم بن عوسجة ( رحمه الله ) .
(7) تسلية المجالس : 2 / 260 - 261 ، راجع البحار : 44 / 386 ، الباب 37 . والآية في سورة الإنسان / 29 .
(8) تاريخ الطبري : 3 / 311 .
(9) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(10) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(11) تاريخ الطبري : 3 / 319 بتفاوت في النقل ، راجع الإرشاد : 2 / 98 .
(12) تاريخ الطبري : 3 / 319 .
(13) راجع الإرشاد : 2 / 95 ، والأخبار الطوال : 256 .
(14) الإرشاد : 2 / 103 ، اللهوف : 162 ، الكامل : 4 / 68 .
(15) الكامل : 4 / 70 .
(16) الكامل : 4 / 71 .
(17) تاريخ الطبري : 3 / 327 ، راجع الكامل : 4 / 71 .
(2) عده الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) . راجع رجال الشيخ : 143 ، الرقم 1546 . 269 الرقم 3875 .
(3) رجال الكشي : 78 ، الرقم 133 . راجع منتهى المقال في أحوال الرجال 2 / 328 .
(4) راجع الإرشاد : 2 / 37 ، والكامل : 4 / 20 .
(5) راجع الإرشاد : 2 / 41 ، واللهوف : 108 ، والكامل : 4 / 22 ، والأخبار الطوال : 231 ، وفي مقاتل الطالبيين ، 100 : نزل مسلم دار هاني بن عروة المرادي .
(6) المقصود هنا هو : مسلم بن عوسجة ( رحمه الله ) .
(7) تسلية المجالس : 2 / 260 - 261 ، راجع البحار : 44 / 386 ، الباب 37 . والآية في سورة الإنسان / 29 .
(8) تاريخ الطبري : 3 / 311 .
(9) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(10) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(11) تاريخ الطبري : 3 / 319 بتفاوت في النقل ، راجع الإرشاد : 2 / 98 .
(12) تاريخ الطبري : 3 / 319 .
(13) راجع الإرشاد : 2 / 95 ، والأخبار الطوال : 256 .
(14) الإرشاد : 2 / 103 ، اللهوف : 162 ، الكامل : 4 / 68 .
(15) الكامل : 4 / 70 .
(16) الكامل : 4 / 71 .
(17) تاريخ الطبري : 3 / 327 ، راجع الكامل : 4 / 71 .
تعليق