هذا موضوع منقول
لسماحة السيد جواد القزويني دام عزه وهذا هو الموضوع بتمامه:
إن شخصية النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) شخصية متفردة لم يخلق الله لها مثيلاً على الإطلاق لا من الأولين ولا الآخرين وهي من القدسية بمكان يصعب على أحد أن ينال شيئاً من صفاته (صلّى الله عليه وآله) الذاتية والكسبية وهو (صلّى الله عليه وآله) أكمل الأفراد مطلقا في كل شيء، ولذا لا يتوقع أن يصدر منه (صلّى الله عليه وآله) فعل يتنافى مع هذه القدسية التي أحاطه بها المولى تعالى وأكمله بها.
ومن هنا نعلم أن الذين حاولوا أن يناولوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يستطيعوا تحصيل غرضهم إلاّ بالالتواء المفضوح والسافر، حتى بات قول الباري عزّ وجل (لَقدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) يؤرق كثيراً ممن لا يريدون أن يتخذوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أسوة حسنة فوثبوا لإلصاق بعض الأحاديث به التي لا تناسب الفرد العادي فضلا عن أعظم مخلوق خلقه الله تعالى حتى يخلقوا من رسول الله أسوة تنسجم مع منهجيتهم السقيمة والتي يريدون أن يقنعوا بها البسطاء من الناس حتى لا يكونوا تحت يد المسائلة.
فنسبوا أحاديثاً مشينة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) لا تمت إلى المستوى العادي من البشر بصلة ثم اقترفوها بحجة إنها صدرت من رسول الله (الأسوة) فلذا هم معذورون في هذه الأفعال مع أنها يتصبب لها الجبين عرقاً، فهل مع ذلك يلومهم أحد لأنهم على حدّ زعمهم قد اقتدوا بالأسوة؟!.
وهذه عائشة التي تروي في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) روايات مكذوبة حتى تحطّ من قدره (صلّى الله عليه وآله) ولكي تُوهم المسلمين بأنه (صلّى الله عليه وآله) كان شخصية عادية كباقي البشر بل وأنه يقترف أفعالاً ربما البسيط من الناس تشمئز نفسه من اقترافها، لأجل أن ترفع قوماً لا يحملون من الصفات إلاّ أجلفها وحتى يقول المسلم الجديد الذي لم يرَ عظمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّ القوم سواء بل بالنسبة إلى بعض الأفعال أنّ القوم أفضل من النبي (صلّى الله عليه وآله)!
وأنا هنا أستعرض معكم أحبائي جملة من الروايات التي تتحدث فيها عائشة عن أفعال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فترة حيضها وسوف أعلق على ما يستحق التعليق عليه.
1 – (حدثنا أبو نعيم الفضل ابن دكين سمع زهيرا عن منصور بن صفية أنّ أمّه حدثته أنّ عائشة حدثتها إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلم) كان يتكئ في حجري وأنّا حائض ثم يقرأ القرآن).
(صحيح البخاري – البخاري ج 1، ص 77)
(حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن منصور ابن صفية، عن أمّه، عن عائشة، قالت: لقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يضع رأسه في حجري وأنا حائض، ويقرأ القرآن)(سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني ج 1، ص 208):
أقول: سلمنا أنّ الحائض ليست بنجسة العين وأنّ بدنها لا يكون نجساً نتيجة حيضها، لكن هل يُعقل أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو الذي يعرف قدسية القرآن الذي قال فيه تعالى (لَوْ أنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَّرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعَاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتَلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
لا يجد مكاناً يقرأ فيه القرآن إلاّ حجر المرأة الحائض؟
ومن قرينة في الحديث يتضح زورها حيث أنّ المؤلفة لهذه الرواية قد نسيت أنهم اتهموا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأنّه أمي لا يقرأ ولا يكتب فكيف في هذه الرواية استطاع قراءة القرآن؟
ربما لحجر المرأة الحائض خصوصية نجهلها؟
2 – حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا عبد الله – يعني ابن عمر بن غانم – عن عبد الرحمان – يعنى ابن زياد – عن عمارة بن غراب، إنّ عمة له حدثته أنّها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلاّ فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وسلم): دخل فمضى إلى مسجده، - قال أبو داود تعنى مسجد بيته – فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد، فقال: "أدني مني" فقلت: إني حائض، فقال: "وإن، اكشفي عن فخذيك" فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخدي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام.
(سنن أبي داود – ابن الأشعث السجستاني ج 1، ص 67)
أقول: قبلنا أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قد غلبه البرد ويريد أن يرفع برده بدفء مكان ما فلماذا لم يختر من أجزاء البدن إلاّ ما يكون قريبا من موضع النجاسة وهو (صلّى الله عليه وآله) الطهر بعينه؟ ثم هل يوجد اليوم رجل متدين ممن يعملون بهذه الروايات فضلا عن رجل الدين يفعل هذه الفعلة وهل يقبل أن تنقل زوجته عنه هذا الفعل؟ بالتأكيد لا يوجد، فكيف يقبلون هذا على أعظم نبي، إنها قمة الوقاحة ممن وضع هذا الحديث.
3 – أخبرني أيوب بن محمد الوزان قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه ويشرب من فضل شرابي وأنا حائض.
(سنن النسائي – النسائي ج 1، ص 190)
أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال سعمت عائشة رضي الله عنها تقول كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه.
(سنن النسائي – النسائي ج 1، ص 149)
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة، عن المقدام بن شريح ابن هانئ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كنت أتعرق العظم وأنا حائض. فيأخذه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فيضع فمه حيث كان فمي. وأشرب من الإناء، فيأخذه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فيضع فمه حيث كان فمي. وأنا حائض.
(سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني ج 1، ص 211)
أقول: إن شخصية مثل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُتبرك بإثارها ناهيك عنه هو شخصياً كيف يتحرى موضع فم عائشة بقيد إنها حائض حتى يشرب منه، فإن كان هذا الفعل يعني التبرك بموضع فمها فهو ممنوع عليه لأنه (صلّى الله عليه وآله) هو البركة المطلقة وإن كانت عائشة تريد أن تعكس واقعاً معيناً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها وهو المحبة فما وجه تقيده بالحائض، فلو كان هذا التصرف محبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لذكر لنا أنه كان يفعل هذا مع غيره من أمهات المؤمنين ولنقل إلينا أنه كان يفعل هذا الفعل أثناء طهر عائشة، لكن الأمر مشوه جداً ويكتنفه نوع من العقدة الجنسية.
4 – (أخبرنا) أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك انبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها فذكر الحديث وفيه كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يتوشحني وينال من رأسي وأنا حائض وعليّ الازار.
(السنن الكبرى – البيهقي ج 1، ص 312)
حدثنا إسماعيل بن خليل قال أخبرنا علي بن مسهر قال أخبرنا أبو إسحاق هو الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك اربة كما كان النبي (صلّى الله عليه وسلم) يملك اربة تابعة.
(صحيح البخاري – البخاري ج 1، ص 78)
أقول: صحيح أنّ إتيان الحائض من المحرمات وأمر لا يجوز لكن جرت العادة عند كثير من الرجال الذين لهم معرفة ولو بسيطة بالدين أن لا يباشر الزوجة أثناء الحيض وذلك لما يترتب عليه من آثار غير صحية ولعدم وجود الميل النفسي أساسا، وعلى فرض أنه يوجد من يباشر الزوجة وهي حائض وهو قطعا موجود إلاّ الطبيعة السوية للرجل لا يقبل أن تُذكر سيرته في أنه قد باشر الزوجة وهي حائض لما يُعتبر أنه أمر خصوصي لا يخرج عن دائرة الزوج والزوجة أضف إليه الحياء الذي يزين المرأة المسلمة، وأتحدى اليوم أي عالم من علمائهم يقبل أن تحكي زوجته للناس ما يجري بينها وبين زوجها فمهما طال البحث فلن تجد لأنهم أغير على نسائهم من غيرتهم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)!
5 – حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت أني حائض فقال إنّ حيضتك ليست في يدك.
(حدثنا) أبو كريب حدثنا ابن أبي زائدة عن حجاج وابن أبي غنية عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت أني حائض فقال تناوليها فإنّ الحيضة ليست في يدك.
(صحيح مسلم – مسلم النيسابوري ج 1، ص 168)
هذه الرواية تتحدث وبشكل واضح أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأمر عائشة أن تدخل المسجد أو أن تعبر وهي حائض و(الخمرة) هنا معناها الحصيرة.
وذلك بتقريب أنّ النبي طلب من عائشة أن تناوله الحصيرة من المسجد فاعترضت عليه عائشة بأنها حائض أي كيف أدخل المسجد وأنا حائض فأجابها النبي (صلّى الله عليه وآله) بأنّ حيضتك ليست بيدك.
ولنا أن نقف عند هذه الرواية لننتزع منها بعض الأحكام:
الوقفة الأولى: هل يصح النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بما يكون خلافاً للشرع؟
قطعا لا يصح هذا فكيف يجوز للحائض أن تدخل المسجد، وإن جاز فإنما يكون للعبور فقط لضرورة كما قيّد الفقهاء فأي ضرورة هنا؟
إن قلت إنّ أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الضرورة فهذا مصادرة على المطلوب إذ كيف يصح أن يأمر النبي الحائض بدخول المسجد ويصبح بأمره هذا ضرورة تبيح للحائض أن تجوز المسجد؟
الوقفة الثانية: جواب عائشة إني حائض يعكس أنّ المرتكز في ذهنها وهي القريبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والعالمة كما يدّعون أنّ الحائض لا يجوز لها دخول المسجد ولهذا تجدها بمقام المنكرة للخطاب والحاكية عن أمر تعلمه النساء عادة.
وبعبارة أدق:
إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) طلب منها أن تأتي بالخمرة من المسجد ظنا منه (صلّى الله عليه وآله) إنها طاهرة ولما تلقت الأمر من النبي (صلّى الله عليه وآله) ذكّرته بأنها حائض أي أنّ المرتكز في ذهن عائشة أنّ الحائض لا يجوز لها الدخول للمسجد، وإلاّ فما معنى قولها إني حائض إذا كانت لا تعلم بالحكم؟
فلو كانت لا تعلم بالحكم لتراها قد امتثلت دون ذكرها إنّها حائض.
ومن هنا نعرف أنّ الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد ومع هذا أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) عائشة الحائض بدخول المسجد.
الوقفة الثالثة: قال النبي في الرواية (صلّى الله عليه وآله) حيضتك ليست بيدك.
وإذا أردنا أن نستفيد من هذه العلة المذكورة فيصح للمجنب من الاحتلام دخول المسجد إذ أن الاحتلام أمر ليس بيده وهذا مما لا يلتزم به أحد.
أضف إلى كل هذا النهي العام الوارد من النبي (صلّى الله عليه وآله) من دخول المجنب والحائض إلى المسجد لم يستثنى عائشة فكما جاء في الخبر:
أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة أنبأ أبو الحسن محمد بن الحسن بن إسماعيل السراج ثنا مطين ثنا يحيى ابن حمزة التمار قال سمعت عطاء بن مسلم يذكر عن إسماعيل بن أمية عن جسرة عن أم سلمه رضي الله عنها قالت قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلاّ على محمد وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم – (السنن الكبرى – البيهقي ج7، ص 65):
فهذه الرواية صريحة بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قد حرّم دخول مسجده على كل رجل مجنب وعلى كل امرأة حائض إلاّعليه (صلّى الله عليه وآله) وعلى آل بيته (عليهم السلام) الذين سماهم بأسمائهم وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لأنهم مطهرون قد طهرهم الله تعالى من كل دنس ورجس، فلو كانت عائشة من ضمن الذين استثناهم النبي (صلّى الله عليه وآله) لذكرها وإنك ترى إن الرواية مروية بطرق العامة ولم تذكر عائشة، فيكون التعارض واقع بين الرواية الأولى وهذه الرواية لا محالة.
إذن وبعد استعراضنا لهذه الروايات نجد بوضوح أنّ القوم عمدوا إلى تشويه صورة النبي (صلّى الله عليه وآله) لغرض أترك ذكره رعاية لأحاسيس القوم وإن كنت أظن أنّ ما أردت إيصاله قد وصل لمن يملك عقلا منفتحا غير متحجر.
ودمتم لكل خير
جواد القزويني
نسالكم الدعاء
لسماحة السيد جواد القزويني دام عزه وهذا هو الموضوع بتمامه:
إن شخصية النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) شخصية متفردة لم يخلق الله لها مثيلاً على الإطلاق لا من الأولين ولا الآخرين وهي من القدسية بمكان يصعب على أحد أن ينال شيئاً من صفاته (صلّى الله عليه وآله) الذاتية والكسبية وهو (صلّى الله عليه وآله) أكمل الأفراد مطلقا في كل شيء، ولذا لا يتوقع أن يصدر منه (صلّى الله عليه وآله) فعل يتنافى مع هذه القدسية التي أحاطه بها المولى تعالى وأكمله بها.
ومن هنا نعلم أن الذين حاولوا أن يناولوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يستطيعوا تحصيل غرضهم إلاّ بالالتواء المفضوح والسافر، حتى بات قول الباري عزّ وجل (لَقدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) يؤرق كثيراً ممن لا يريدون أن يتخذوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أسوة حسنة فوثبوا لإلصاق بعض الأحاديث به التي لا تناسب الفرد العادي فضلا عن أعظم مخلوق خلقه الله تعالى حتى يخلقوا من رسول الله أسوة تنسجم مع منهجيتهم السقيمة والتي يريدون أن يقنعوا بها البسطاء من الناس حتى لا يكونوا تحت يد المسائلة.
فنسبوا أحاديثاً مشينة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) لا تمت إلى المستوى العادي من البشر بصلة ثم اقترفوها بحجة إنها صدرت من رسول الله (الأسوة) فلذا هم معذورون في هذه الأفعال مع أنها يتصبب لها الجبين عرقاً، فهل مع ذلك يلومهم أحد لأنهم على حدّ زعمهم قد اقتدوا بالأسوة؟!.
وهذه عائشة التي تروي في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) روايات مكذوبة حتى تحطّ من قدره (صلّى الله عليه وآله) ولكي تُوهم المسلمين بأنه (صلّى الله عليه وآله) كان شخصية عادية كباقي البشر بل وأنه يقترف أفعالاً ربما البسيط من الناس تشمئز نفسه من اقترافها، لأجل أن ترفع قوماً لا يحملون من الصفات إلاّ أجلفها وحتى يقول المسلم الجديد الذي لم يرَ عظمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّ القوم سواء بل بالنسبة إلى بعض الأفعال أنّ القوم أفضل من النبي (صلّى الله عليه وآله)!
وأنا هنا أستعرض معكم أحبائي جملة من الروايات التي تتحدث فيها عائشة عن أفعال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فترة حيضها وسوف أعلق على ما يستحق التعليق عليه.
1 – (حدثنا أبو نعيم الفضل ابن دكين سمع زهيرا عن منصور بن صفية أنّ أمّه حدثته أنّ عائشة حدثتها إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلم) كان يتكئ في حجري وأنّا حائض ثم يقرأ القرآن).
(صحيح البخاري – البخاري ج 1، ص 77)
(حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن منصور ابن صفية، عن أمّه، عن عائشة، قالت: لقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يضع رأسه في حجري وأنا حائض، ويقرأ القرآن)(سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني ج 1، ص 208):
أقول: سلمنا أنّ الحائض ليست بنجسة العين وأنّ بدنها لا يكون نجساً نتيجة حيضها، لكن هل يُعقل أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو الذي يعرف قدسية القرآن الذي قال فيه تعالى (لَوْ أنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَّرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعَاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتَلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
لا يجد مكاناً يقرأ فيه القرآن إلاّ حجر المرأة الحائض؟
ومن قرينة في الحديث يتضح زورها حيث أنّ المؤلفة لهذه الرواية قد نسيت أنهم اتهموا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأنّه أمي لا يقرأ ولا يكتب فكيف في هذه الرواية استطاع قراءة القرآن؟
ربما لحجر المرأة الحائض خصوصية نجهلها؟
2 – حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا عبد الله – يعني ابن عمر بن غانم – عن عبد الرحمان – يعنى ابن زياد – عن عمارة بن غراب، إنّ عمة له حدثته أنّها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلاّ فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وسلم): دخل فمضى إلى مسجده، - قال أبو داود تعنى مسجد بيته – فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد، فقال: "أدني مني" فقلت: إني حائض، فقال: "وإن، اكشفي عن فخذيك" فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخدي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام.
(سنن أبي داود – ابن الأشعث السجستاني ج 1، ص 67)
أقول: قبلنا أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قد غلبه البرد ويريد أن يرفع برده بدفء مكان ما فلماذا لم يختر من أجزاء البدن إلاّ ما يكون قريبا من موضع النجاسة وهو (صلّى الله عليه وآله) الطهر بعينه؟ ثم هل يوجد اليوم رجل متدين ممن يعملون بهذه الروايات فضلا عن رجل الدين يفعل هذه الفعلة وهل يقبل أن تنقل زوجته عنه هذا الفعل؟ بالتأكيد لا يوجد، فكيف يقبلون هذا على أعظم نبي، إنها قمة الوقاحة ممن وضع هذا الحديث.
3 – أخبرني أيوب بن محمد الوزان قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه ويشرب من فضل شرابي وأنا حائض.
(سنن النسائي – النسائي ج 1، ص 190)
أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال سعمت عائشة رضي الله عنها تقول كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه.
(سنن النسائي – النسائي ج 1، ص 149)
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة، عن المقدام بن شريح ابن هانئ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كنت أتعرق العظم وأنا حائض. فيأخذه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فيضع فمه حيث كان فمي. وأشرب من الإناء، فيأخذه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فيضع فمه حيث كان فمي. وأنا حائض.
(سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني ج 1، ص 211)
أقول: إن شخصية مثل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُتبرك بإثارها ناهيك عنه هو شخصياً كيف يتحرى موضع فم عائشة بقيد إنها حائض حتى يشرب منه، فإن كان هذا الفعل يعني التبرك بموضع فمها فهو ممنوع عليه لأنه (صلّى الله عليه وآله) هو البركة المطلقة وإن كانت عائشة تريد أن تعكس واقعاً معيناً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها وهو المحبة فما وجه تقيده بالحائض، فلو كان هذا التصرف محبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لذكر لنا أنه كان يفعل هذا مع غيره من أمهات المؤمنين ولنقل إلينا أنه كان يفعل هذا الفعل أثناء طهر عائشة، لكن الأمر مشوه جداً ويكتنفه نوع من العقدة الجنسية.
4 – (أخبرنا) أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك انبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها فذكر الحديث وفيه كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يتوشحني وينال من رأسي وأنا حائض وعليّ الازار.
(السنن الكبرى – البيهقي ج 1، ص 312)
حدثنا إسماعيل بن خليل قال أخبرنا علي بن مسهر قال أخبرنا أبو إسحاق هو الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك اربة كما كان النبي (صلّى الله عليه وسلم) يملك اربة تابعة.
(صحيح البخاري – البخاري ج 1، ص 78)
أقول: صحيح أنّ إتيان الحائض من المحرمات وأمر لا يجوز لكن جرت العادة عند كثير من الرجال الذين لهم معرفة ولو بسيطة بالدين أن لا يباشر الزوجة أثناء الحيض وذلك لما يترتب عليه من آثار غير صحية ولعدم وجود الميل النفسي أساسا، وعلى فرض أنه يوجد من يباشر الزوجة وهي حائض وهو قطعا موجود إلاّ الطبيعة السوية للرجل لا يقبل أن تُذكر سيرته في أنه قد باشر الزوجة وهي حائض لما يُعتبر أنه أمر خصوصي لا يخرج عن دائرة الزوج والزوجة أضف إليه الحياء الذي يزين المرأة المسلمة، وأتحدى اليوم أي عالم من علمائهم يقبل أن تحكي زوجته للناس ما يجري بينها وبين زوجها فمهما طال البحث فلن تجد لأنهم أغير على نسائهم من غيرتهم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)!
5 – حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت أني حائض فقال إنّ حيضتك ليست في يدك.
(حدثنا) أبو كريب حدثنا ابن أبي زائدة عن حجاج وابن أبي غنية عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت أني حائض فقال تناوليها فإنّ الحيضة ليست في يدك.
(صحيح مسلم – مسلم النيسابوري ج 1، ص 168)
هذه الرواية تتحدث وبشكل واضح أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأمر عائشة أن تدخل المسجد أو أن تعبر وهي حائض و(الخمرة) هنا معناها الحصيرة.
وذلك بتقريب أنّ النبي طلب من عائشة أن تناوله الحصيرة من المسجد فاعترضت عليه عائشة بأنها حائض أي كيف أدخل المسجد وأنا حائض فأجابها النبي (صلّى الله عليه وآله) بأنّ حيضتك ليست بيدك.
ولنا أن نقف عند هذه الرواية لننتزع منها بعض الأحكام:
الوقفة الأولى: هل يصح النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بما يكون خلافاً للشرع؟
قطعا لا يصح هذا فكيف يجوز للحائض أن تدخل المسجد، وإن جاز فإنما يكون للعبور فقط لضرورة كما قيّد الفقهاء فأي ضرورة هنا؟
إن قلت إنّ أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الضرورة فهذا مصادرة على المطلوب إذ كيف يصح أن يأمر النبي الحائض بدخول المسجد ويصبح بأمره هذا ضرورة تبيح للحائض أن تجوز المسجد؟
الوقفة الثانية: جواب عائشة إني حائض يعكس أنّ المرتكز في ذهنها وهي القريبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والعالمة كما يدّعون أنّ الحائض لا يجوز لها دخول المسجد ولهذا تجدها بمقام المنكرة للخطاب والحاكية عن أمر تعلمه النساء عادة.
وبعبارة أدق:
إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) طلب منها أن تأتي بالخمرة من المسجد ظنا منه (صلّى الله عليه وآله) إنها طاهرة ولما تلقت الأمر من النبي (صلّى الله عليه وآله) ذكّرته بأنها حائض أي أنّ المرتكز في ذهن عائشة أنّ الحائض لا يجوز لها الدخول للمسجد، وإلاّ فما معنى قولها إني حائض إذا كانت لا تعلم بالحكم؟
فلو كانت لا تعلم بالحكم لتراها قد امتثلت دون ذكرها إنّها حائض.
ومن هنا نعرف أنّ الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد ومع هذا أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) عائشة الحائض بدخول المسجد.
الوقفة الثالثة: قال النبي في الرواية (صلّى الله عليه وآله) حيضتك ليست بيدك.
وإذا أردنا أن نستفيد من هذه العلة المذكورة فيصح للمجنب من الاحتلام دخول المسجد إذ أن الاحتلام أمر ليس بيده وهذا مما لا يلتزم به أحد.
أضف إلى كل هذا النهي العام الوارد من النبي (صلّى الله عليه وآله) من دخول المجنب والحائض إلى المسجد لم يستثنى عائشة فكما جاء في الخبر:
أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة أنبأ أبو الحسن محمد بن الحسن بن إسماعيل السراج ثنا مطين ثنا يحيى ابن حمزة التمار قال سمعت عطاء بن مسلم يذكر عن إسماعيل بن أمية عن جسرة عن أم سلمه رضي الله عنها قالت قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلاّ على محمد وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم – (السنن الكبرى – البيهقي ج7، ص 65):
فهذه الرواية صريحة بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قد حرّم دخول مسجده على كل رجل مجنب وعلى كل امرأة حائض إلاّعليه (صلّى الله عليه وآله) وعلى آل بيته (عليهم السلام) الذين سماهم بأسمائهم وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لأنهم مطهرون قد طهرهم الله تعالى من كل دنس ورجس، فلو كانت عائشة من ضمن الذين استثناهم النبي (صلّى الله عليه وآله) لذكرها وإنك ترى إن الرواية مروية بطرق العامة ولم تذكر عائشة، فيكون التعارض واقع بين الرواية الأولى وهذه الرواية لا محالة.
إذن وبعد استعراضنا لهذه الروايات نجد بوضوح أنّ القوم عمدوا إلى تشويه صورة النبي (صلّى الله عليه وآله) لغرض أترك ذكره رعاية لأحاسيس القوم وإن كنت أظن أنّ ما أردت إيصاله قد وصل لمن يملك عقلا منفتحا غير متحجر.
ودمتم لكل خير
جواد القزويني
نسالكم الدعاء
تعليق