إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

جولة في عقل الامام علي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جولة في عقل الامام علي

    أحمد عبدالرحمن العرفج

    للإمام علي بن أبي طالب روح علميّة، ونظرة فلسفيّة، تخطو الحداثة في مدارجها، كما أنّها لا تتخلى عن قيم القدامة، إنّه صحابي يثري عقلك قبل أن يصقل قولك.. إنّه المفكّر الذي تجد فيه تطلّعات القائل المبدع، و»حرفنة» الحرف الممتع، وقفزات الرّاحل المسرع، وقطفات الحقل المُمرع!!

    تأمّل قوله - الذي تراه الآن بين أقوامنا شاهدًا وواقعًا- وهل مثل قوله قول في مستوى العمق البشري، حيث يقول رضي الله عنه: «إذا أقبلت الدّنيا على أحدٍ أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه».

    اللّهم لا تعليق!

    ثمّ يُطرق مليًّا ويرفع رأسه بقوله: «خالطوا النّاس مخالطةً، إن مُتُّم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنّوا إليكم»!

    يا إلهي أين هؤلاء النّاس؟!

    ويقول في نظرة لا تنقصها الإنسانيّة الرّاقية: «إذا قدرت على عدوِّك فاجعل العفوَ عنه شكرًا للقدرة عليه»..

    اللّهمّ إنّي غير معلّقٍ!

    ثمّ يتأمّل الوجوه فيصدر حكمه الخالب للألباب قائلاً: «ما أضمر أحدٌ شيئًا إلا ظهر على فلتات لسانه، وصفحات وجهه»!

    يقول – وهو الزّاهد في الأشياء والوجوه والدّنيا من حوله – مُردِّدًا: «أفضل الزّهد إخفاء الزّهد»!

    وينظر إلى وجوه الصّحاب في ليالي المودة العِذاب قائلاً: «أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر بهم»!

    اللّهم اجعلنا ممّن يحرصون على روابط الصّداقة مع أهل الحداثة والقدامة، ومع أهل الثّياب ولابسي الطرابيش والعمامة!

    وعن الغنى يقول علي بن أبي طالب: «أشرف الغِنى تركُ المُنى»، ثمّ يؤكّد بأنّ «من أطال الأمل أساء العمل»!

    إنّه عليٌّ الذي قال فيه المُصطفى صلّى عليه الله وبارك: «يا عليّ.. لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق».. اللّهمّ فاشهد إنّنا نحبّ عليًّا، محبّة لذاته و خروجًا من دائرة النّفاق، واستيطانًا في حقل «الإيمان»!

    إنّه عليٌّ القائل: «الغِنَى في الغربة وطنٌ، والفقر في الوطن غربةٌ».. اللّهمّ اشهد بأنّني أحبّ وطني في حالة الفقر والغنى، فالحبّ حبّ صادق يخلو من الفوائد والمصالح والمكاسب والمرابح!

    ومن غير مفكّرنا عليّ بن أبي طالب يقول: «القناعة مالٌ لا ينفد»، أمّا رأيه في المال الحقيقي فمنظور في قوله: «المال مادّة الشّهوات»!

    وفقدان الأحبّة أو غيابهم يشكّل «غربة» أين منها غربة الوطن والسّكن في منظور الإمام الفيلسوف، أمّا البذل فإن رأي علي بن أبي طالب فيه صريح، حيث يقول:: «لا تستحِ من إعطاء القليل، فإنّ الحرمان أقلّ منه»! ومن تأمّلات عليٍّ التي لم يسبقه إليها أحدٌ من العالمين قوله: «إذا تمّ الفعلُ نقصَ الكلام». تُرى ماذا يعني شيخنا عليٌّ بهذا؟ أيعني أن الثّرثار ناقص عقلٍ.. أم أنّ الفصيح مدخول في عقله؟! وهو ما يؤكّده القرآن الكريم حيث ذكر دعاء موسى طالبًا من ربّه أن يحلّ عقدة من لسانه، أو يرسل معه هارون بوصفه أفصح لسانًا، وأفقه قولا! أم هو من قبيل مقولة الإمام النّفري عندما قال: «كلما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة»! أم تُرى أنّ عليًّا - رضي الله عنه أو كرّم الله وجهه - يعني بذلك أن تمام العقل والكلام لا يجتمعان!؟


    2/2

    أحمد عبدالرحمن العرفج

    لا أدري لماذا يلحّ علينا فكر وفلسفة الإمام علي بن أبي طالب بالحضور في هذا الوقت بالذّات، أهو لضياع الأمور؟! أم لانقلاب العصور؟ أم لتدهور الدّنيا التي هي متاع الغرور؟!

    ترى الوجوه التي أمامك فتلحظ غيابًا شبه كامل للأمانة والصّدق والإخلاص، إنّك تُصاب بالذّهول من ممارسة الأستذة وإبداء الرأي من قِبل البعض دون أن يُطلب منهم ذلك! وكأنّهم يوزعون نصائحهم بشكلٍ مجّاني مقرف!

    من هنا يقول الإمام علي رضي الله عنه: «من نصَّب نفسه للنّاس إمامًا فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومُعلّم نفسه ومُؤدّبها أحقّ بالإجلال من مُعلّم النّاس ومُؤدِّبهم»!

    إنّ الإمام هنا يُلزم من يُعلّم النّاس الابتداء بنفسه، وينصّ على التزام السّلوك التّطبيقي لقوله قبل تنظير ذلك بلسانه، لأنّ القوم ابتلوا بكثرة الآمرين النّاس بالأمانة والحقّ والمعروف، ولكنّهم – مع الأسف – ينسون أنفسهم، مردّدين مقولة عربيّة سخيفة مفادها: «دعْ عملي وخُذْ علمي»!!

    اللّهمّ فاشهد أنّنا لا نريد هذا النّوع من النّظريّات، فالذي لا يستطيع تطبيق النّظريّات على نفسه، فليعلم أنّ غيره من باب أَوْلَى غير قادر على تطبيقها، لأنّ ربّ الفكرة أوْلى وأحقّ وأقدر على انجازها.. أليس كذلك يا معشر العقلاء!

    وإن قال أحمد شوقي متأخّرًا:

    دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قَائِلة لهُ

    إنّ الحياةَ دقائقٌ وثواني

    فقد قال إمامنا علي قبل مئات السّنين: «نَفَسُ المرء خطاهُ إلى أجله».

    وهذه الأنفاس هي وقود الحياة ورابطها الزّئبقي، لذا ظهر الإمام عليّ كرّم الله وجهه صريحًا حينما زجر الدّنيا قائلاً: «يا دنيا، يا دنيا إليك عنّي، أَبِي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقتِ؟ هل حان حينك، هيهات.. غُرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثًا لا رجعة فيها، فعيشك قصيرٌ، وخطرك يسيرٌ، وأملك حقيرٌ، آهٍ من قلّة الزّاد وطول الطريق وبُعدِ السّفر وعظيم المورد».

    اللّهمّ اشهدانّنا نحاول الزّهد في الدّنيا، ولكن محاولاتنا تُصاحب الفشل، وتقترب من الإخفاق، نحاول مثنى وثلاث ورباع ولكن متاع الدّنيا أكبر من طموحاتنا ومحاولاتنا، إنّنا لسنا أكثر من قوم يتّبعون «المال والبنين»، وتلك لعمري «زينة الحياة الدّنيا»!

    بقيت وصايا الإمام التي تحتاج منّا التأمّل والوقوف طويلاً كلما توغّلنا في عمق الأمور ووجوه الحضور وأهل البروز والظّهور.. يقول علي رضي الله عنه: «أُوصيكم بخمسٍ لو ضربتم إليها أكباد الإبل لكانت لذلك أهلا، لا يَرْجُوَنَّ أحدٌ منكم إلا ربّه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه، ولا يستحيينَّ أحدٌ منكم إذا سُئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحيينَّ أحدٌ إذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه، وعليكم بالصّبر، فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، ولا خير في جسدٍ لا رأس معه، ولا إيمان لا صبر معه»!

    اللّهمّ اشهدأنّنا نخافك ونرجوك ونصبر طوعًا أو كرهًا، ونطلب العلم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا..

    أمّا ادّعاء العلم فبعضنا يوغل فيه ادّعاءً زائفًا، وبعضنا الآخر يردّد مقولة الإمام مالك: «لا أدري نصف العلم»، لذا يبقى هذا البعض القائل «لا أدري» أعلم النّاس، وهذا شاعرنا العملاق الصّافي النّجفي عندما سمع أنّ «لا أدري نصف العلم» ردّ قائلاً:

    إذنْ فأنا أعلمُ من النّاسِ كلّهم

    فعندي لو - فُتّشتُ - ألف لا أدري!


    منقول للفائده
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X