بواعث حرب الجمل :
أضطر طلحة والزبير تحت ضغط الرأي العام أن يقطعا أملهما في الخلافة ، ويبادرا إلى بيعة علي قبل غيرهما ليمنا بذلك عليه ، ويكون لهما السهم الأوفر في عهده ، غير أنه لم يميز بينهما وبين الآخرين من أفراد المسلمين ، فخاب فألهما ، وضاع أملهما في علي ، وكانا يراجعانه في ما كانا يبغيان من الحظوة بالإمرة على ما ذكره اليعقوبي ( 153 ) في تاريخه وقال : أتاه طلحة والزبير ، فقالا : إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال : " أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود " .
وروى بعضهم : أنه ولى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين ، فلما دفع إليهما عهديهما ، قالا له : وصلتك رحم ، قال :
( 153 ) اليعقوبي 2 / 179 180 ، عند ذكره كيفية بيعة علي من تاريخه .
- ج 1 ص 181 -
" وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين " واسترد العهدين منهما ، فعتبا من ذلك وقالا : " آثرت علينا " فقال : " ولولا ما ظهر من حرصكما فقد كان لي فيكما رأي " ( 154 ) .
وفي الطبري ( 155 ) : وسأل طلحة والزبير ان يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال : تكونان عندي فاتجمل بكما فإني وحش لفراقكما .
وقد أورد ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 156 ) تفصيل ما دار بينهما وبين ابن أبي طالب وكيف تلقيا مساواة علي بين المسلمين في العطاء عندما وزع بيت المال على المسلمين فأعطى لكل واحد منهم ثلاثة دنانير سواء المولى والعربي خلافا لما كان عليه الأمر في عهد الخليفة عمر ، وما دار من كلام واحتجاج حول ذلك ( 157 ) .
وروى الطبري ( 158 ) ان طلحة قال : ما لنا من هذا الأمر إلا كلحسة الكلب أنفه . بقي طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليا من قريب ، حتى إذا أيسا منه وبلغهما موقف أم المؤمنين بمكة عزما على الخروج من المدينة ، فأتيا عليا ، فقالا : إنا نريد العمرة ، فأذن لنا في الخروج ، فقال علي لبعض أصحابه : " والله ما أرادوا العمرة ، ولكنهما أرادا الغدرة " ( 159 ) فأذن لهما في الخروج بعد أن جددا له البيعة فخرجا من المدينة ، والتحقا بركب أم المؤمنين عائشة . كما التحق بركبها بنو أمية ، فإنهم كانوا يتربصون في المدينة ، فلما بلغهم
( 154 ) كان النبي لا يولي الحريص على الإمارة . البخاري 4 / 156 ومسلم 5 / 6 .
( 155 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 ، وابن كثير 7 / 227 228 .
( 156 ) شرح النهج 11 من تقسيم المؤلف . ( 2 / 170 173 ) .
( 157 ) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم 2 / 248 .
( 158 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 .
( 159 ) اليعقوبي 2 / 180 ، وابن أعثم 2 / 275 ، ط . حيدر آباد 1388 ه 1968 م بلفظ مختلف . ( * )
- ج 1 ص 182 -
مجاهرة أم المؤمنين بالخلاف على علي ، غادروا المدينة إلى مكة ، والتحق بها أيضا ولاة عثمان الذين عزلهم علي عن الأمصار ، وهم يحملون معهم من أموال المسلمين ما يحملون .
أخرج الطبري ( 160 ) عن الزهري أنه قال : ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر ، وابن عامر بها يجر الدنيا ، وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير ، وزيادة على أربعمائة بعير ، فاجتمعوا في بيت عائشة ( رض ) ، فأداروا الرأي ، فقالوا : نسير إلى علي فنقاتله ، فقال بعضهم : ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى ، وللزبير بالبصرة هوى ومعونة . فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة والكوفة ، فاعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا ، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة والكوفة ، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل .
وفي رواية أخرى للطبري قال ( 161 ) : أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف ، وحمل سبعين رجلا من قريش ، وحمل عائشة ( رض ) على جمل يقال له : عسكر ، أخذه بثمانين دينارا . وقالت أم سلمة لعائشة لما همت بالخروج ( 162 ) : يا عائشة ! إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أمته ، حجابك مضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن الله عقيراك ، فلا
( 160 ) الطبري 5 / 168 ، وط . أوربا 1 / 3103 . ابن عامر هو عبد الله بن عامر ابن خال عثمان وواليه على البصرة .
( 161 ) الطبري 5 / 167 ، وط . أوربا 1 / 3102 ، عن عوف بن يعلى كان على اليمن فعزله علي .
( 162 ) ابن طيفور بلاغات النساء ص 8 وفي نسخة كتبت إليها ام سلمة ، وراجع الفائق للزمخشري 1 / 290 ،
والعقد الفريد 3 / 69 ، وشرح النهج 2 / 79 ، وفي رواية اليعقوبي بعض الاختلاف مع ما أوردناه . ( * )
- ج 1 ص 183 -
تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد فيك ، عهد ، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عارضك بأطراف الفلوات ناصة قلوصك قعودا من منهل إلى منهل ؟ ! إن بعين الله مثواك ! وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله تعرضين ، ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا جعله الله علي ، فاجعليه سترك ، وقاعة البيت قبرك حتى تلقيه وهو عنك راض
وفي رواية بعده ( 163 ) ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة والسلام . فقالت عائشة : يا أم سلمة ! ما أقبلني لوعظك ، واعرفني بنصحك ليس الأمر كما تقولين ، ولنعم المطلع مطلعا أصلحت فيه بين فئتين متناجزتين ( * )
وروى الطبري ( 164 ) وقال : خرج أصحاب الجمل . . . من مكة وأذن مروان حين فصل من مكة ، ثم جاء حتى وقف عليهما فقال : على أيكما أسلم بالامرة وأؤذن بالصلاة . فقال عبد الله بن الزبير : على أبي عبد الله . وقال محمد بن طلحة : على أبي محمد ، فأرسلت عائشة ( رض ) إلى مروان
( 163 ) هذه الزيادة في رواية العقد الفريد 4 / 316 317 ط . دار الكتاب العربي وفي الفاظه بعض الاختلاف مع رواية ابن طيفور
( * ) " السدة " : الباب " ولا تندحيه " لا تفتحيه وتوسعيه " والعقيري " مصغر : عقر الدار ، واصحر : خرج إلى الصحراء . أي جعل الله عقر دارك لك سكنا فلا تبرحيها " والنهش " العض " والرقشاء " الافعى المنقطة و " المطرقة " من صفات الافعى .
وفي المحاسن والمساوئ للبيقهي ط . مكتبة نهضة مصر ( 1 / 481 ) : أن أم سلمة حلفت أن لا تكلم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب علي . فدخلت عليها عائشة يوما وكلمتها فقالت ام سلمة : ألم انهك ؟ ألم أقل لك ؟ قالت : إني استغفر الله . كلميني ، فقالت ام سلمة : يا حائط ألم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ فلم تكلمها أم سلمة حتى ماتت .
( 164 ) راجع الطبري 5 / 168 169 ، وط . أوربا 1 / 3106 3107 ، حول النزاع على الصلاة ومكالمة سعيد مع بني أمية الآتية . ( * )
- ج 1 ص 184 -
فقالت : مالك ؟ أتريد أن تفرق أمرنا ؟ ليصل ابن أختي ، فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدم البصرة ، فكان معاذ بن عبيدالله يقول : والله لو ظفرنا لافتتنا . ما خلى الزبير بين طلحة والأمر خلى طلحة بين الزبير والأمر ( 165 ) .
ولقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال : أين تذهبون وثاركم على أعجاز الإبل ؟ ! أقتلوهم ، ثم ارجعوا إلى منازلكم . لا تقتلوا أنفسكم ، قالوا : بل نسير ، فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا ، فخلا سعيد بطلحة والزبير ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني ، قالا : لاحدنا أينا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، قالا : ندع شيوخ المهاجرين ، ونجعلها لأبنائهم ، قال : أفلا أراني أسعى لاخرجها من بني عبد مناف ، فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد ( 166 )
فقال المغيرة بن شعبة : من كان ههنا من ثقيف فليرجع . فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان ، والوليد بن عثمان ، فاختلفوا في الطريق فقالوا : من ندعو لهذا الأمر ؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله ، وخلا طلحة بعلقمة بن وقاص الليثي ، وكان يؤثره على ولده ، فقال أحدهما : إئت الشام ، وقال الآخر : إئت العراق ،
( 165 ) وفي طبقات ابن سعد 5 / 23 بترجمة سعيد ولم يذكر قول سعيد : ان ظفرتما لمن تجعلان الأمر ؟ وسعيد هذا ، هو ابن العاص بن أمية ، وجده المعروف بأبي أحيحة كان من أشراف قريش وأمه أم كلثوم بنت عمرو العامرية ، قتل علي أباه يوم بدر ، وكان سعيد من أشراف قريش وفصحائهم ، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد ، ولما قتل عثمان اعتز ولم يشهد الجمل وصفين ، وكان معاوية يوليه المدينة إذا عزل عنها مروان ويولي مروان إذا عزله ، توفي سنة تسع وخمسين . أسد الغابة 2 / 309 310 .
( 166 ) عبد الله خالد بن أسيد بن أبي العيص بن امية بن أخي عتاب بن أسيد ، استعمله زياد على بلاد فارس ، واستخلفه على الكوفة زياد حين مات فصلى على زياد وأقره معاوية على الولاية . أسد الغابة 3 / 149 . ( * )
- ج 1 ص 185 -
وحاور كل منهما صاحبه ، ثم اتفقوا على البصرة . وأخرج في رواية الزهري قبل هذا وقال : فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الانصاري ، فخرج فسار حتى نزل ذاقار ، وكان مسيره إليها ثماني ليال ، ومعه جماعة من أهل المدينة .
وروى ابن عبد البر بترجمة طلحة في الاستيعاب ( 167 ) : أن عليا قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل : إن الله عزوجل فرض الجهاد وجعل نصرته وناصره ، وما صلحت دنيا ولا دين إلا به ، وإني بليت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى ابن أمية ( 168 ) والله ما أنكروا علي شيئا منكرا ، ولا استأثرت بمال ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولقد ولوه دوني ، وان كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه ، وما تبعة عثمان إلا عندهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية ، بايعوني ، ونكثوا بيعتي وما استأنسوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي ، واني لراض بحجة الله عليهم ، وعلمه فيهم ، واني مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم
( 167 ) ورواه ابن عبد ربه في ذكره الجمل من العقد الفريد مع اختلاف في بعض ألفاظه ، والاغاني 11 / 119 .
( 168 ) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظلي . كنيته أبو صفوان أو أبو خالد وهو المعروف بيعلى بن منية وهي أمة منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان وقيل ان منية هي بنت الحارث بن جابر عمة عتبة ، وجدة يعلى أم أبيه ، وجدة الزبير بن العوام ام أبيه .
أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك ، واستعمله عمر على بعض اليمن فحمى لنفسه حمى فجلبه عمر فمات قبل أن يصل إليه ، فاستعمله عثمان على صنعاء وكان ذا منزلة عظيمة عند عثمان ولما بلغه قتل عثمان أقبل لينصره فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه فقدم بعد انقضاء الحج واستشرف إليه الناس فقال : من يخرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه فأعان الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين من قريش وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال عليه ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صار من أصحاب علي وقتل معه بصفين . أسد الغابة 5 / 128 129 وترجمته في الاستيعاب والاصابة . ( * )
- ج 1 ص 186 -
فإن قبلوا فالتوبة مقبولة ، والحق أولى ما أنصرف إليه ، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا ، والله إن طلحة الزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وهم مبطلون .
أضطر طلحة والزبير تحت ضغط الرأي العام أن يقطعا أملهما في الخلافة ، ويبادرا إلى بيعة علي قبل غيرهما ليمنا بذلك عليه ، ويكون لهما السهم الأوفر في عهده ، غير أنه لم يميز بينهما وبين الآخرين من أفراد المسلمين ، فخاب فألهما ، وضاع أملهما في علي ، وكانا يراجعانه في ما كانا يبغيان من الحظوة بالإمرة على ما ذكره اليعقوبي ( 153 ) في تاريخه وقال : أتاه طلحة والزبير ، فقالا : إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال : " أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود " .
وروى بعضهم : أنه ولى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين ، فلما دفع إليهما عهديهما ، قالا له : وصلتك رحم ، قال :
( 153 ) اليعقوبي 2 / 179 180 ، عند ذكره كيفية بيعة علي من تاريخه .
- ج 1 ص 181 -
" وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين " واسترد العهدين منهما ، فعتبا من ذلك وقالا : " آثرت علينا " فقال : " ولولا ما ظهر من حرصكما فقد كان لي فيكما رأي " ( 154 ) .
وفي الطبري ( 155 ) : وسأل طلحة والزبير ان يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال : تكونان عندي فاتجمل بكما فإني وحش لفراقكما .
وقد أورد ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 156 ) تفصيل ما دار بينهما وبين ابن أبي طالب وكيف تلقيا مساواة علي بين المسلمين في العطاء عندما وزع بيت المال على المسلمين فأعطى لكل واحد منهم ثلاثة دنانير سواء المولى والعربي خلافا لما كان عليه الأمر في عهد الخليفة عمر ، وما دار من كلام واحتجاج حول ذلك ( 157 ) .
وروى الطبري ( 158 ) ان طلحة قال : ما لنا من هذا الأمر إلا كلحسة الكلب أنفه . بقي طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليا من قريب ، حتى إذا أيسا منه وبلغهما موقف أم المؤمنين بمكة عزما على الخروج من المدينة ، فأتيا عليا ، فقالا : إنا نريد العمرة ، فأذن لنا في الخروج ، فقال علي لبعض أصحابه : " والله ما أرادوا العمرة ، ولكنهما أرادا الغدرة " ( 159 ) فأذن لهما في الخروج بعد أن جددا له البيعة فخرجا من المدينة ، والتحقا بركب أم المؤمنين عائشة . كما التحق بركبها بنو أمية ، فإنهم كانوا يتربصون في المدينة ، فلما بلغهم
( 154 ) كان النبي لا يولي الحريص على الإمارة . البخاري 4 / 156 ومسلم 5 / 6 .
( 155 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 ، وابن كثير 7 / 227 228 .
( 156 ) شرح النهج 11 من تقسيم المؤلف . ( 2 / 170 173 ) .
( 157 ) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم 2 / 248 .
( 158 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 .
( 159 ) اليعقوبي 2 / 180 ، وابن أعثم 2 / 275 ، ط . حيدر آباد 1388 ه 1968 م بلفظ مختلف . ( * )
- ج 1 ص 182 -
مجاهرة أم المؤمنين بالخلاف على علي ، غادروا المدينة إلى مكة ، والتحق بها أيضا ولاة عثمان الذين عزلهم علي عن الأمصار ، وهم يحملون معهم من أموال المسلمين ما يحملون .
أخرج الطبري ( 160 ) عن الزهري أنه قال : ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر ، وابن عامر بها يجر الدنيا ، وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير ، وزيادة على أربعمائة بعير ، فاجتمعوا في بيت عائشة ( رض ) ، فأداروا الرأي ، فقالوا : نسير إلى علي فنقاتله ، فقال بعضهم : ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى ، وللزبير بالبصرة هوى ومعونة . فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة والكوفة ، فاعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا ، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة والكوفة ، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل .
وفي رواية أخرى للطبري قال ( 161 ) : أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف ، وحمل سبعين رجلا من قريش ، وحمل عائشة ( رض ) على جمل يقال له : عسكر ، أخذه بثمانين دينارا . وقالت أم سلمة لعائشة لما همت بالخروج ( 162 ) : يا عائشة ! إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أمته ، حجابك مضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن الله عقيراك ، فلا
( 160 ) الطبري 5 / 168 ، وط . أوربا 1 / 3103 . ابن عامر هو عبد الله بن عامر ابن خال عثمان وواليه على البصرة .
( 161 ) الطبري 5 / 167 ، وط . أوربا 1 / 3102 ، عن عوف بن يعلى كان على اليمن فعزله علي .
( 162 ) ابن طيفور بلاغات النساء ص 8 وفي نسخة كتبت إليها ام سلمة ، وراجع الفائق للزمخشري 1 / 290 ،
والعقد الفريد 3 / 69 ، وشرح النهج 2 / 79 ، وفي رواية اليعقوبي بعض الاختلاف مع ما أوردناه . ( * )
- ج 1 ص 183 -
تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد فيك ، عهد ، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عارضك بأطراف الفلوات ناصة قلوصك قعودا من منهل إلى منهل ؟ ! إن بعين الله مثواك ! وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله تعرضين ، ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا جعله الله علي ، فاجعليه سترك ، وقاعة البيت قبرك حتى تلقيه وهو عنك راض
وفي رواية بعده ( 163 ) ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة والسلام . فقالت عائشة : يا أم سلمة ! ما أقبلني لوعظك ، واعرفني بنصحك ليس الأمر كما تقولين ، ولنعم المطلع مطلعا أصلحت فيه بين فئتين متناجزتين ( * )
وروى الطبري ( 164 ) وقال : خرج أصحاب الجمل . . . من مكة وأذن مروان حين فصل من مكة ، ثم جاء حتى وقف عليهما فقال : على أيكما أسلم بالامرة وأؤذن بالصلاة . فقال عبد الله بن الزبير : على أبي عبد الله . وقال محمد بن طلحة : على أبي محمد ، فأرسلت عائشة ( رض ) إلى مروان
( 163 ) هذه الزيادة في رواية العقد الفريد 4 / 316 317 ط . دار الكتاب العربي وفي الفاظه بعض الاختلاف مع رواية ابن طيفور
( * ) " السدة " : الباب " ولا تندحيه " لا تفتحيه وتوسعيه " والعقيري " مصغر : عقر الدار ، واصحر : خرج إلى الصحراء . أي جعل الله عقر دارك لك سكنا فلا تبرحيها " والنهش " العض " والرقشاء " الافعى المنقطة و " المطرقة " من صفات الافعى .
وفي المحاسن والمساوئ للبيقهي ط . مكتبة نهضة مصر ( 1 / 481 ) : أن أم سلمة حلفت أن لا تكلم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب علي . فدخلت عليها عائشة يوما وكلمتها فقالت ام سلمة : ألم انهك ؟ ألم أقل لك ؟ قالت : إني استغفر الله . كلميني ، فقالت ام سلمة : يا حائط ألم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ فلم تكلمها أم سلمة حتى ماتت .
( 164 ) راجع الطبري 5 / 168 169 ، وط . أوربا 1 / 3106 3107 ، حول النزاع على الصلاة ومكالمة سعيد مع بني أمية الآتية . ( * )
- ج 1 ص 184 -
فقالت : مالك ؟ أتريد أن تفرق أمرنا ؟ ليصل ابن أختي ، فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدم البصرة ، فكان معاذ بن عبيدالله يقول : والله لو ظفرنا لافتتنا . ما خلى الزبير بين طلحة والأمر خلى طلحة بين الزبير والأمر ( 165 ) .
ولقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال : أين تذهبون وثاركم على أعجاز الإبل ؟ ! أقتلوهم ، ثم ارجعوا إلى منازلكم . لا تقتلوا أنفسكم ، قالوا : بل نسير ، فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا ، فخلا سعيد بطلحة والزبير ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني ، قالا : لاحدنا أينا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، قالا : ندع شيوخ المهاجرين ، ونجعلها لأبنائهم ، قال : أفلا أراني أسعى لاخرجها من بني عبد مناف ، فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد ( 166 )
فقال المغيرة بن شعبة : من كان ههنا من ثقيف فليرجع . فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان ، والوليد بن عثمان ، فاختلفوا في الطريق فقالوا : من ندعو لهذا الأمر ؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله ، وخلا طلحة بعلقمة بن وقاص الليثي ، وكان يؤثره على ولده ، فقال أحدهما : إئت الشام ، وقال الآخر : إئت العراق ،
( 165 ) وفي طبقات ابن سعد 5 / 23 بترجمة سعيد ولم يذكر قول سعيد : ان ظفرتما لمن تجعلان الأمر ؟ وسعيد هذا ، هو ابن العاص بن أمية ، وجده المعروف بأبي أحيحة كان من أشراف قريش وأمه أم كلثوم بنت عمرو العامرية ، قتل علي أباه يوم بدر ، وكان سعيد من أشراف قريش وفصحائهم ، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد ، ولما قتل عثمان اعتز ولم يشهد الجمل وصفين ، وكان معاوية يوليه المدينة إذا عزل عنها مروان ويولي مروان إذا عزله ، توفي سنة تسع وخمسين . أسد الغابة 2 / 309 310 .
( 166 ) عبد الله خالد بن أسيد بن أبي العيص بن امية بن أخي عتاب بن أسيد ، استعمله زياد على بلاد فارس ، واستخلفه على الكوفة زياد حين مات فصلى على زياد وأقره معاوية على الولاية . أسد الغابة 3 / 149 . ( * )
- ج 1 ص 185 -
وحاور كل منهما صاحبه ، ثم اتفقوا على البصرة . وأخرج في رواية الزهري قبل هذا وقال : فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الانصاري ، فخرج فسار حتى نزل ذاقار ، وكان مسيره إليها ثماني ليال ، ومعه جماعة من أهل المدينة .
وروى ابن عبد البر بترجمة طلحة في الاستيعاب ( 167 ) : أن عليا قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل : إن الله عزوجل فرض الجهاد وجعل نصرته وناصره ، وما صلحت دنيا ولا دين إلا به ، وإني بليت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى ابن أمية ( 168 ) والله ما أنكروا علي شيئا منكرا ، ولا استأثرت بمال ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولقد ولوه دوني ، وان كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه ، وما تبعة عثمان إلا عندهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية ، بايعوني ، ونكثوا بيعتي وما استأنسوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي ، واني لراض بحجة الله عليهم ، وعلمه فيهم ، واني مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم
( 167 ) ورواه ابن عبد ربه في ذكره الجمل من العقد الفريد مع اختلاف في بعض ألفاظه ، والاغاني 11 / 119 .
( 168 ) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظلي . كنيته أبو صفوان أو أبو خالد وهو المعروف بيعلى بن منية وهي أمة منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان وقيل ان منية هي بنت الحارث بن جابر عمة عتبة ، وجدة يعلى أم أبيه ، وجدة الزبير بن العوام ام أبيه .
أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك ، واستعمله عمر على بعض اليمن فحمى لنفسه حمى فجلبه عمر فمات قبل أن يصل إليه ، فاستعمله عثمان على صنعاء وكان ذا منزلة عظيمة عند عثمان ولما بلغه قتل عثمان أقبل لينصره فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه فقدم بعد انقضاء الحج واستشرف إليه الناس فقال : من يخرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه فأعان الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين من قريش وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال عليه ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صار من أصحاب علي وقتل معه بصفين . أسد الغابة 5 / 128 129 وترجمته في الاستيعاب والاصابة . ( * )
- ج 1 ص 186 -
فإن قبلوا فالتوبة مقبولة ، والحق أولى ما أنصرف إليه ، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا ، والله إن طلحة الزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وهم مبطلون .
تعليق