]الصُّحبة في الحديث النَّبوي[
فحينما طلب عُمَر بن الخطّاب من رسول الله 9 أن يقتل عبد الله بن أُبي بن سلول - المُنافق المشهور - قال 9 : )فكيف يا عُمَر إذا تحدَّث الناس أنَّ مُحمَّداً يقتل أصحابه ؟((2) .
وحينما طلب عبد الله بن عبد الله بن أُبي من رسول الله 9 أن يقوم بنفسه بقتل والده أجابهُ 9 بالقول: )بل نترفق به ، ونحسن صحبته ما بقي معنا((1) .
فقد أطلق 9 لفظ الصحابي ليشمل حتّى من اشتهر بفسقه كعبد الله ابن أُبي بن سلول ، وأطلقه أيضاً على المستور نفاقهم ، فقال 9 : )إنَّ في أصحابي منافقين((2) .
]المعنى الاصطلاحي للصحابي[
الرأي الأول : لا يشترط أصحاب هذا الرأي كثرة الملازمة والمعاشرة مع النّبي 9 في إطلاق لفظ الصحابي ، بل يكتفون بها ولو كانت ساعة أو كانت مجرد رؤية .
ففي رواية عبدوس بن مالك العطّار عن أحمد بن حنبل أنّه قال : (أفضل الناس بعد أهل بدر القرن الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه ، فهو من أصحابه)(3) .
ومن القائلين بهذا الرأي البخاري : (ومن صحب النّبي 9 أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)(4) .
وقال علي بن المديني : (من صحب النبي 9 أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي 9)(1) .
وقال ابن حجر العسقلاني : (الصحابي من لقي النبي 9 مؤمناً به ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى)(2) .
وذهب ابن حزم الأندلسي إلى هذا الرأي ، ولكنّه قيّده بعدم النفاق ، فقال : (أمّا الصحابة M فهو كلّ من جالس النّبي 9 ولو ساعة ، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها ، أو شاهد منه C أمراً يعيه ، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتى ما توا على ذلك ، ولا مثل من نفاه C باستحقاقه ، كهيت المخنّث ، ومن جرى مجراه ، فمن كان كما وصفنا أولاً فهو صاحب... ووفد عليه جميع البطون من جميع القبائل وكلهم صاحب)(3) .
وقيد (لم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر ) مخالف لما ورد من روايات أطلق فيها رسول الله 9 اسم الصحابي على المنافق المشهور وغيره .
وتابع زين الدين العاملي رأي المشهور من المحدِّثين فقال : (الصحابي : من لقي النّبي 9 مؤمناً به ومات على الإسلام ، وإن تخللت ردّته بين كونه مؤمناً وبين كونه مسلماً على الأظهر ، والمراد باللّقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر ، وإن لم يكالمه)(1) .
ووزّع الحاكم النيسابوري الصحابة على طبقات ، وذكر في الطبقة الثانية عشرة :
(صبيان وأطفال رأوا رسول الله 9 يوم الفتح وفي حجة الوداع... ومنهم أبو الطفيل عامر بن واثلة)(2) .
ومن خلال هذه الأقوال يصدق معنى الصحابي على كلِّ من صحب النبي 9 ولو ساعة من الزمان ، ورآه وإن لم يكلّمه ، سواء كان رجلاً كبيراً أو امرأة أو طفلاً صغيراً ، ويشترط فيه الإسلام الظاهري فيشمل المؤمن والمنافق .
الرأي الثاني : الصحابي من عاصر النبي 9 وإن لم يره .
وذهب إلى هذا الرأي يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، فقال : (إنّ الصحابي من عاصره فقط) وقال : (وممن دفن : أي بمصر من أصحاب رسول الله 9 ممن أدركه ولم يسمع به : أبو تميم الجيشاني ، واسمه عبد الله بن مالك ، كان صغيراً محكوماً بإسلامه تبعاً لأَحد أبويه)(3) .
وعلى هذا الرأي فإنّ الصحابي يطلق على جميع من عاصر النبي 9 من المسلمين كباراً وصغاراً وإن لم يروه ، وبعبارة أخرى ، إنّ جميع المسلمين في عهد النبي 9 هم من الصحابة ، وكذا من يحكم بإسلامهم تبعاً لأحد الأبوين .
الرأي الثالث : رأي الأصوليين .
الصحابي في رأي الأصوليين : هو من رأى النبي 9 واختص به ، واتبعه أو رافقه مدة يصدق معها إطلاق ( صاحب فلان ) عليه بلا تحديد لمقدار تلك الصحبة .
نقل هذا الرأي محمد أمين المعروف بأمير بادشاه ونسبه إلى جمهور الأصوليين(1) . ونسب الآمدي هذا الرأي إلى عمر بن يحيى وآخرين لم يذكر أسماءهم(2) .
وذهب إلى هذا الرأي الغزالي ، فقال : (لا يطلق إلاّ على من صحبه ، ثم يكفي للاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة ، ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته)(3) .
لكن سعيد بن المسيب جعل حدّاً معلوماً في أحد شرطين ، إذ كان لا يعدّ في الصحابة إلاّ من أقام مع النبي 9 سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً(4) .
وقد اعترض البعض على هذا الرأي ، ومنهم ابن حجر العسقلاني ، فقال : (والعمل على خلاف هذا القول ، لأنّهم اتفقوا على عدّ جمعٍ جمٍّ في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي 9 إلاّ في حجة الوداع)(5) .
واعترض ابن حزم الأندلسي على هذا الرأي فقال : (... وهذا خطأ بيقين ، لأنّه قول بلا برهان ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذكر وعن مدة الزمان الذي اشترط)(1) .
وعند متابعة الكتب المؤلفة في الصحابة نجد أنّ كثيراً من المذكورين فيها لم يروا أو يصحبوا النبي 9 إلاّ ساعات أو أيام معدودة ، بل أنّ بعضهم كان طفلاً صغيراً كجرير بن عبد الله وغيره .
الرأي الرابع : أنّ الصحابي هو : من صحب النبي 9 وطالت صحبته وأخذ عنه العلم . نسب أبو يعلى الفرّاء الحنبلي إلى عمرو بن بحر الجاحظ أنّه قال : (إنّ هذا الاسم إنّما يُسمى به من طالت صحبته للنبي 9 واختلاطه به ، وأخذ عنه العلم)(2) .
والذي قيل في هذا الرأي : إنّ طول الصحبة ليس شرطاً في إطلاق التسمية على من صحبه ، لأنّه يلزم إخراج كثير من الذين سُموا صحابة عن الصحبة ، واشتراط أخذ العلم أيضاً يستلزم تضييق عدد الصحابة وإخراج الكثير منهم لأنّهم لم يأخذوا العلم منه(3) .
(2)السيرة النبوية ، لابن هشام 3 : 303 . والسيرة النبوية ، لابن كثير 3 : 299 .
وبنحوه في : صحيح البخاري 6 : 192 . وأسباب نزول القرآن ، للواحدي : 452 .
(1)السيرة النبوية ، لابن هشام 3 : 305 . والسيرة النبوية ، لابن كثير 3 : 301 .
وبنحوه في : الطبقات الكبرى ، لابن سعد 2 : 65 . وأسباب نزول القرآن : 453 .
(2)مسند أحمد 5 : 40 . وتفسير القُرآن العظيم ، لابن كثير 2 : 399 .
(3)العدّة في أُصول الفقه ، للفرّاء الحنبلي 3 : 988 ـ الرياض 1410 هـ ط2 .
(4)فتح الباري : 7 : 3 .
(1)فتح الباري : 7 : 3 .
(2)الإصابة ؛ لابن حجر العسقلاني 1 : 4 دار الكُتُب العلمية .
(3)الإحكام في أصول الأحكام ، لابن حزم الأندلسي 5 : 86 دار الجيل ـ بيروت 1407 هـ ط2.
(1)الدراية ، زين العابدين العاملي : 120 مطبعة النعمان – النجف الأَشرف .
(2)معرفة علوم الحديث ، للحاكم النيسابوري : 24 دار الكُتب العلمية 1397هـ ط2 .
(3)تيسير التحرير ، لمحمد أمير بادشاه 3 : 67 ـ دار الفكر .
(1)تيسير التحرير 3 : 66 .
(2)الإحكام في أُصول الأحكام 2 : 321 .
(3)المستصفى ، للغزالي 2 : 261 المدينة المنورة 1413 هـ .
(4)فتح الباري 7 : 2 .
(5)فتح الباري 7 : 2 .
(1)الإحكام في أُصول الأحكام 5 : 86 .
(2)العدة في أصول الفقه 3 : 988 .
(3)راجع العدة في أصول الفقه 3 : 989 .