بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر :
سلام الله على أهل طاعة الله ، ممَّن هو سلم لأهل ولاية الله ، أما بعد :
فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته ، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، لكنه خلقهم عبيداً وجعل منهم غوياً ورشيداً ، وشقياً وسعيداً ، ثم اختار على علم فاصطفى وانتخب محمداً


وقد رأيتك تساميه ، وأنت أنت ، وهو هو السابق المبرز في كل خير ، أول الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نية ، وأفضل الناس ذرية وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عم ، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة ، وعمه سيد الشهداء يوم أُحد وأبوه الذاب عن رسول الله

على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليه بذلك من تدنى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله

فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعليّ !! وهو وارث رسول الله

فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك بن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ن وكيدك قد وهى ، وسوف يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا!
واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ، وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، والسلام على من اتبع الهدى . (جمهرة رسائل العرب ج1 ص475 ، مروج الذهب للمسعودي ج2 ص59 ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص283) .
من معاوية بن صخر إلى الرازي على أبيه محمد بن أبي بكر :
سلام على أهل طاعة الله ، أما بعد :
فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما أصفى به رسول الله

ذكرت فيه فضائل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله

فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حق ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلما اختار الله لنبيه (عليه الصلاة والسلام) ما عنده ، وأتم له ما وعده وأظهر دعوته وأفلحج حجته ، وقبضه الله إليه (صلوات الله عليه) ، كان أبوك وفاروقه أول من ابتز حقه وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما ، حتى قبضهما الله ، وانقضى أمرهما ، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما .
فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ ، ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدرك ذو مدى أناته .
وأبوك مهَّد له مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبد به ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع ، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب . (جمهرة رسائل العرب ج1 ص477 ، مروج الذهب للمسعودي ج2 ص60 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج1 ص284) .
* * * *
في الرسالة الأولى التي كتبها محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) لمعاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) فيها حقائق دامغة لكل باحث عن الحقيقة ، فهي تصف معاوية بأنه ضال مضل وأنه لعين بن لعين ، وأنه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله ويبذل الأموال لتحريف الدين ويبغي لدين الله الغوائل ، وأنه عدوٌّ لله ولرسوله ويعمل بالباطل بإعانة عمرو بن العاص .
كما وأن الرسالة تكشف عن فضائل ومزايا الإمام علي بن أبي طالب


* * * *
ونستنج من رد معاوية على رسالة محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) بأن معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه ، ولكنه تجرَّأ عليه احتذاءً بأبي بكر وعمر ، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ
ولا تقدم عليه أحدٌ من الناس ، كما يعترف معاوية بأن أبا بكر هو الذي مهَّد لبني أمية وهو الذي بنى ملكهم وشاده .
ونفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول الله
، ولم يهتد بهديه ، عندما اعترف بأن عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما .
وبذلك نستنتج ويتبين لنا بوضوح بأنهم جميعاً تركوا سُنّة النبي
واقتدى بعضهم ببدعة بعض .

ونفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول الله

وبذلك نستنتج ويتبين لنا بوضوح بأنهم جميعاً تركوا سُنّة النبي

ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي رد بها يزيد بن معاوية على ابن عمر وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى .
فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال :
لما قُتِلَ الحسين بن علي (عليهما السلام) كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها :
أما بعد : فقد عظمت الرزيّة وجلَّت المصيبة ، وحدث في الإسلام حدثٌ عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحُسَين !!! .
فكتب يزيد إليه :
أما بعد : يا أحمق فإنا جئنا إلى بيوت مجددة وفرش ممهدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عليها .
فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سنَّ هذا واستأثر بالحق على أهله .
لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم من هكذا صحابة !!!!!

تعليق