اللعب الأمريكي بورقة إعدام صدام
كتابات - راسم المرواني
كلنا رأى الفلم التفصيلي لإعدام الطاغية المقبور ، وكلنا رأينا كيف دارت الأحداث ، ومن المفيد أن نقول أن مجرد المشاركة بإعدام هذا الكائن فهو شرف عظيم ، ومجرد نيل شرف وضع الحبل برقبته فهو فخر ونصر للإنسانية بمعناها الأشمل ، بل ومن المنطقي أن تطالب حتى جمعية الرفق بالحيوان وحماية البيئة بإعدام هذا الشخص لما له من أذى حتى على البيئة والكائنات الحية ، وفي الواقع فليس غريباً أن تصدر بعض الأصوات هنا وهناك لطلب الصفح عن صدام ، وليس غريباً أن يكون له محبين وأنصار ، فنحن نعرف أن حتى ( الشيطان ) له أنصاره وعباده العلنيين والمتخفين ، وكلنا يعرف أن منطقة من مناطق العراق يشتهر فيها مسجد كبير يحمل إسم ( جامع الخليفة معاوية بن أبي سفيان ) رغم شهادة التاريخ بقذارة معاوية وأبيه وأمه وأبنه وذويه ، فللطواعيت أنصارهم ، وللمجرمين أتباعهم ، وإلا كيف يمكن للباطل أن ينتصر دون أتباع ؟
أريد عبر هذه الأسطر أن أشير الى أن إعدام صدام كان فرحة وغبطة لأمهات الشهداء ، ولعوائل المفقودين ، ولكل ضمير إنساني ، وهو بعد يوم من أيام الله ، انتصر فيه الإسلام على أعداء الإسلام ، وانتصر فيه الحق على المتمسحين بعباءة الإسلام من حثالة التكفيريين والسلفيين ، وهو بعد يمثل تهديداً لكل طواغيت الأرض ، ومستقبلاً محسوساً ومحسوباً لكل الحكام الذين لا يحترمون شوبهم ، وينازعون الله رداء كبريائه ، ولذا رأينا بعض الحكام العرب يقيمون المآتم على روح صدام التي نزلت أسفل قاع جهنم ، محفوفة بصراخات الأطفال وعويل الأيامى والثكالى ، يسوقها ملائكة النار الى الهاوية ، وما تلك لمآتم التي أقامها هؤلاء الحكام إلا تعبير عن نعيهم لأنفسهم ، وشعورهم بمستقبلهم الذي ينتظرهم على يد شعوبهم .
وهنا ينبغي أن نلفت الى مسألة مهمة ، وهي التي رأيناها عبر التصوير الكامل لإعدام الطاغية ، حيث سمعنا أحدهم يردد العبارة التالية كما قالها (( اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعجل فرجهم ، والعن عدوهم مقتدى مقتدى مقتدى )) هكذا وردت العبارة ، وأصلها (( اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعجل فرجهم ، والعن عدوهم ، وانصر ولدهم مقتدى مقتدى مقتدى )) وليعد القارئ قراءة العبارتين ليفهم ما أريد أن أرمي إليه .
المفترض أن ( التعجيل ) يحفظه الصدريون عن ظهر قلب ، ويحفظه حتى الأطفال من أبنائهم دون سن المدرسة ، وهو مما لا يخطئ فيه أحد من أبناء المنهج الصدري ، وأعتقد أن الذي ردد العبارة قد زج بها زجاً أثناء الإعدام ، هذا لو تناسينا أن الأخ مقتدى الصدر قد منع ( تكراراً ) ترديد الفقرة التي تتعلق باسمه ، وقد حذفت تماماً من قواميس الصدريين ، ولم يعد أحد ليرددها .
أستطيع أن أفهم أن اسم مقتدى الصدر قد زُج زجاً في هذه اللحظات ، وأستطيع أن أفهم أن المراد من زج اسم مقتدى هو مراد سئ ، فرغم أن عملية اغتيال المولى المقدس ( والد مقتدى ) وأخويه لوحدها تستدعي إعدام صدام ، ورغم أن إعدام صداميمثل رداً لإعتبار دماء الشهداء ، ولكن ترديد اسم مقتدى ( حصراً ) كان يمثل كلمة حق يراد منها الباطل ، والغاية منها - كما أفهم - هو توجيه أنظار العالم الى أن مقتدى - وحده - المسؤول عن محاكمة صدام وإعدامه ، من جهة ، وتوجيه جهد البعثيين والتكفيريين من أيتام صدام الى أن ثأرهم يكمن عند مقتدى وأتباعه ، ومن جهة أخرى ، فالهتاف يمكن أن يشير المتلقي الى أن إعدام صدام مسألة تتعلق بثارات مقتدى وحده ، دون الإشارة الى أن عملية الإعدام هي مطلب كل العراقيين الشرفاء بشيعتهم وسنتهم وكافة أطيافهم وإثنياتهم وتوجهاتهم ، هذا فضلاً عن الترويج الإعلامي للبعض على أن إعدام صدام كان مؤامرة أمريكية صهيونية ، وبالتالي ، فذكر إسم مقتدى أثناء عملية الإعدام يوجه وعي المشاهد ( المغرر به إعلامياً ) الى وجود علاقة بين مقتدى وقوات الإحتلال .
إن عملية زج إسم مقتدى الصدر في هذه العملية ، تشبه - ولكن بشكل معكوس - عملية رفع صور (مقتدى) وصدام من قبل البعض في تكريت إبان الإنتفاضة الصدرية المباركة ، وكانت الغاية منها إضفاء صفة ( البعثية الصدامية ) على انتفاضة الصدريين ورمزهم المتمثل بمقتدى الصدر ،ومحاولة اسقاطهم بنظر العراقيين ، أما هنا فالغاية من ذكر اسم مقتدى الصدر أثناء إعدام صدام هي تحريك المشاعر ( الفوضوية ) العربية البعثية تجاه الصدريين حصراً ، وهو غاية ما يتمناه المحتل ، حيث يضع ( الصدريين ) بين مطرقة التكفير والبعثيين والعرب المخدوعين ، وبين سندان الإحتلال ، وهي أشبه بعملية إطباق الفك على الصدريين ، خصوصاً بعد فشل محاولة الإطباق على الصدريين عبر مؤامرات الإئتلاف الجديد ضد الصدريين داخل أروقة الحكومة والبرلمان .
بقي أن نشير الى أن الصلاة التعجيلية الصدرية الشيعية كانت رسالة الى العرب الى أن صدام قد أعدم على يد الشيعة ، وكان المفترض أن يصل للعالم أن صدام قد أعدم على يد العراقيين كلهم ، وأن حبل مشنقته كان مغزولاً من ألم العراق ، وأن الحكم الذي صدر به هو حكم الله والقرآن ، وليس حكم الشيعة وحدهم ، فالشيعة ليسوا سوى جزء من الإنسانية التي قامت - كلها - بإعدام هذا الطاغوت .
* مستشار الهيئة الثقافية العليا لمكتب السيد الشهيد الصدر
العراق / عاصمة العالم المحتبة
marwanyauthor@yahoo.com
تعليق