أساتذة الطب النفسي يحللون مشهد الإعدام:
صدام لم يرهب الموت والمشهد أفاده أكثر من خصومه
استطلع مجموعة من آراء أساتذة الطب النفسي حول تفسيرهم وتحليلهم لمشهد الإعدام.. والسمات الشخصية التي تتميز بها شخصية الرئيس العراقي السابق وفق ما ظهر من خلال المشهد.. وسر هذا الثبات الشديد الذي بدا عليه قبيل إعدامه.
الاراءالمختلفة من المتخصصين في الطب النفسي حول ذات الموضوع. قال الدكتور حميد اليماني استشاري الطب النفسي ان صدام استطاع أن يسيطر على الخوف من داخله وكبح جماحه وظهر شجاعاً في هذا المشهد الرهيب .. واستطاع أن يتكلم ويرد على المحيطين حوله ويصعد السلم ويتحرك بهدوء من دون أن يرتجف.. وأضاف أن هناك بعض مظاهر الخوف الطبيعية وإن كانت محدودة.. غير أن هذا في الحقيقة لا يعكس الشجاعة الكاملة من جانب شخصية صدام.. وعزى الدكتور حميد ذلك إلى أن صدام لو يملك شجاعة حقيقة لأقدم على قتل نفسه عندما قبض عليه في القبو بعد قتل ولديه. وفسر الدكتور اليماني مشهد الثبات الشديد لصدام عند لحظة الإعدام بأن الرئيس العراقي كان يعرف بالحكم منذ فترة.. وتقريباً يعرف مصيره المحتوم فكان من الناحية النفسية مهيأ بقوة لاستقبال مثل هذا الأمر .. بل أكاد أجزم بأنه كان يرتب كل كلمة ذكرها خلال مشهد الإعدام وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعروبة وغير ذلك.. والتي ساهمت في تصويره بطلا عربيا. وقال الدكتور اليماني ان صدام استفاد كثيراً من إعدامه.. أكثر من خصومه.. وهذا في الحقيقة لا يعكس ذكاءً كلياً لأن شخصية صدام سبق لها ارتكاب حماقات عديدة على صعيد مواقفه السياسية الداخلية والخارجية التي تسببت فيما آلت إليه الأوضاع الحالية في بلده وفي الأمة العربية.. ونحن لسنا في صدد تفسير ذلك الآن.. لكن كان لابد أن نذكر استفادته من الموقف جيداً والأخطاء التي وقع فيها خصومه سواء في توقيت الإعدام أو في إعلانه وتصويره.. وهو ما أوجد تعاطفاً كبيراً من جانب المجتمع العربي والمسلم الذي لم يعتد مشاهدة إعدام أناس عاديين سواء كانوا مجرمين أو غيرهم.. فما بالك برئيس دولة والظروف التي أحاطت بالمحاكمة من تدخل أمريكا وغير ذلك. «قلبه ميت «!!
واعتبر الدكتور شبر القاهري استشاري الأمراض النفسية أن شخصية الرئيس العراقي المعدوم «صدام حسين« تمثل النموذج القوي والواضح للشخصية «السيكوباتية« العدوانية التي لا تأبه بالموت ولا تخشاه نتيجة تراكمات سابقة وتجارب حياتية مليئة بالعنف والقتل.. وقال إنها شخصية ضد المجتمع تتلذذ بالقتل وليس لديه أي شعور بالشفقة تجاه أحد.. أو أدنى شعور بالذنب .. وقال الدكتور شبر أن نوعية مثل صدام يتلذذ بالموت حتى ولو كان لذاته.. وأنهم لو تركوه لنفسه لأمسك بالحبل من ذاته وشنق نفسه.. وهو ما نطلق عليه بالمفهوم الشعبي «قلبه ميت «!! أن استعراض بسيط لملامح مشهد الإعدام وما قبله يؤكد ذلك.. فالرجل الذي لم تعبر ملامح وجهه عن أي خوف.. وصمم على الخروج للموت مكشوف الوجه دون القناع الأسود يؤكد عدوانيته.. وعندما سئل عن حاجته أو مطلبه الأخير قبل تنفيذ الحكم فماذا طلب؟.. طلب منهم أن يأكل طبق من الأرز والدجاج!! هذا الإنسان الذي يواجه الموت بطلب مادي حسي يتعلق بالأكل.. هو إنسان وصل إلى قمة التبلد والعدوانية لأنه درج على مشاهد القتل والموت.. ومعروف أن نظام صدام حسين كان من الأنظمة المبدعة في وسائل القتل لأعدائه وخصومه .. أن صدام قتل العديد من خصومه بيديه إمعاناً في الانتقام منهم.. وأضاف أن هذه النوعية من البشر مخه وعقله وقلبه في «فريزر« فهو بالتالي لا يأبه للموت ولا يعطيه الاعتبار أو الرهبة التي يحملها كل إنسان طبيعي بداخله لهذا المشهد الصعب. بل لقد وصل به الأمر إلى أن يسخر من شانقيه ويستهزئ بهم وهو مقدم على الإعدام.. وقال لهم في التسجيل الصوتي «أهذه مشنقتكم؟!!«. أما ترديده للشهادة وصلاته ركعتين قبل تنفيذ حكم الإعدام فهو من سبيل الأمور الاعتيادية التي يدرج عليها أي إنسان مسلم ولديه أدنى قدر من الإيمان في مثل هذه المواقف.
ويقول الدكتور عصام سرحان اختصاصي الطب النفسي أن أكثر المشاهدين كان يشعر بالألم والمرارة أكثر من صدام نفسه.. وأوضح إنه عندما يكون الموقف أصعب من الاحتمال.. يبدأ المخ في البحث عن الحلول العاجلة حتى لو كانت غير طبيعية.. وبالتالي كان الرئيس العراقي السابق في هذا المشهد يعيش حالة ذهنية بدائية جدا هي حالة «إنكار الواقع«.. وهو ما نطلق عليه في الطب النفسي )لمٌَّ ُن ْمفٌىٌّ( واستطاع عقله الباطن أن يرتب له سيناريو مختلف تماما للأحداث. وأضاف أن صدام كان يرى إنه لا يعاقب لسنوات طغيانه أو دكتاتوريته وقراراته القاتلة.. لكنه كان ببساطة يشعر انه المجاهد العظيم الذي اجتمعت عليه كل كلاب الأرض لتنتقم منه وانه ككل عظماء التاريخ الذين أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب.. ولعله رفض أن يغطي وجهه لهذا السبب.. فهو يرى أنهم لا يعدمونه كلص لكن يقتلون المجاهد والثائر العظيم .. وهو لم يجد أي صعوبة في أن يقتنع بهذا المبدأ فنحن في لحظات الكوارث الكبرى في حياتنا نستسلم تماماً للعقل الباطن.. ولأن شر البلية ما يضحك فقد ظهر أعداؤه أكثر ذلا ومهانة منه. إن التاريخ في النهاية سيقول كلمته.. فصدام لم يقتل دفاعا عن المجد والتاريخ كما اعتقد هو.. ولم يقتل إحقاقا للعدل والحق كما اعتقد بوش.. ولكنه قتل في شجار تاريخي كبير بين مجموعة من اللصوص.
وفي تصريحات صحفية وصف الدكتور أحمد عكاشة الخبير النفسي المصري الشهير «مشهد الإعدام وثبات صدام« بما يسمى «التجاوز المتسامي« أو تجاوز حدود الذات، مشيراً إلى أن هذا التجاوز يحدث للأفراد أثناء المحن والكروب والاعتقال والالتحام في الحروب والانتحار والتعذيب والإعدام، كما في حالة صدام، والذي كان يتمتع بسمات شخصية يستطيع من خلالها تخفيف شدة الكرب. وقال عكاشة: التجاوز المتسامي يجعل الفرد يتجاوز جسده وينظر إلى ذاته، وكأنه خارج الجسد، فلا يشعر بالألم، ولكنه يتوحد مع إيمانه واعتقاده الخاص بأنه مع الشهداء. وأضاف: الذين يقدمون على تفجير أنفسهم لأغراض عقائدية، يكون إحساسهم بالبطولة والتضحية وقبول العالم الآخر ملاذاً، بل أحياناً يعطيهم ذلك شجاعة وإقداماً وثباتاً ورباطة جأش، ولا شك في أن صدام حسين بشخصيته الصلبة الجامدة والتعالي و«انتفاخ الذات«، استطاع أثناء اعتقاله أن يتجه إلى هذا التجاوز المتسامي وأصبح ملتصقاً بالدين والقرآن، واتضح هذا جلياً في كل محاكماته التي ظهر فيها المصحف بين يديه وأثناء إعدامه أيضاً. وأكد عكاشة أن صدام تمكن من الإحياء الذاتي واعتقد أنه يضحي في سبيل وطنه ودينه، وأنه شهيد أمام الطغاة والاحتلال، مشيراً إلى أنه أصبح ينظر إلى ما يفعلونه حوله بتعال وسمو وكأنهم لا يدركون ما يفعلون. وقال: الإيحاء الذاتي والتجاوز المتسامي، جعلا صدام ينسي أنه يواجه هذا المصير، واستطاع أن يجد مصداقية مع ذاته بأنه سيقابل «الله سبحانه وتعالى« شهيدا، مع نسيان تام لما فعله بالآخرين وما أقدم عليه في حكمه الديكتاتوري المنصرم.
م
ن
ق
و
ل
بتصرف
تعليق