إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

تفضل يا موالي وأقرأ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفضل يا موالي وأقرأ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اخوانى واخواتى وابنائى الاعزاء احب ان انقل لكم موضوع مهم كثير وشيق و شدنى لقراءة كل سطر فيه مما جعلنى ان انقله لكم للاستفادة وجزا الله خيرا كاتبة هذا الموضوع فى موقع يا زينب


    وتبدأ صاحبة الموضوع بالكلام فتفضلوا يا احبتى :

    " قرأت هذا الكتاب وأحببت أن أنقله لحضراتكم
    تدريجيا (وهو كتاب بين يدي الاستاذ . . . . السيد حسن الابطحي

    مقدمة المؤلف
    بدأت الكتابة في ليلة الميلاد المبارك لسيدنا الحسين (3 شعبان 1403هـ) مستمدا عزيمتي من تلك الروح العظيمة في طرح اعقد الموضوعات العلمية والروحية في قوالب لفظية سهلة ، لتكون امثلة واضحة للسائرين في طريق الحق والحقيقة ، وما توفيقي الا بالله ، وما هدفي الا رضاه .
    بين يدي الاستاذ
    كان لي استاذ طيب ، وكم كان بي رؤوفا ؛ ما سألته الا واجاب ، وكان يقص علي القصص ..
    عيناه نافذتان تطلان على عالم الحقائق ، فما اكثر ما حدثني عن عالم الروح .. ادرك حقيقتها واحوالها ، فاوضح لي ما اوضح ، وكفاه انه يرى الحقيقة عيان او مشاهدة ، فيحدث عنها ، وكنت كلما جلست اليه اشعر بان روحي تحلق في عالم الصفاء ، فازداد حبا لله .
    اجد نفسي في رحاب الله ، وفي حضرة النبي والائمة الاطهار من آله صلى الله عليه وسلم . فلا ارتكب خطيئة ولا اقترب من محرم .. يمسح بكفه على رأسي ، ويشع علي كمالا من كماله .
    يشاركني حزني ، ويحميني من الشرور التي تهاجم الروح ..
    وآن لي ان استعيد اللذائذ التي اقتطفتها روحي في اوراق هذا الكتاب ، فلعلني 36
    اتلذذ مرة اخرى ، ولعل ابواب الرحمة الالهية تنفتح امامي ، ولعلكم يا قرائي الكرام تنتفعون بتجربتي ، وتكون لكم زادا في طريق الكمال ، وعندها تجلسون كما جلست بين يدي استاذي ، وتنهلون من عمله .
    من هذا الاستاذ ، واين هو ؟
    لماذا تبحثون عنه وتسألون ؟ أليست غايتكم الانتهال من علمه واخلاقه وروحه ؟
    ها انا اكتب اليكم ، فان غاب عنكم شخصا شاخصا فكلماته بين ايديكم في هذا الكتاب .
    بل افترضوا انه لا يوجد ثمة استاذ ، وانما اردت ان اضع امامكم حقائق روحية كبرى ، فاخترت لها هذه الطريقة .. فهل على هذا مؤاخذة ؟ لا اظن !
    فليكن همكم حقائق الاسلام العليا ومعارفه الكبرى ، ولقد بذلت جهدا في بسطها ما استطعت ، وساذكر الاستاذ دائما بـ «قال لي معلمي» ، وانا لا اقصد غيره على مدى فصول الكتاب .
    واني اسجل عمق ايماني بهذا الكتاب جاعلا اياه حجتي بيني وبين ربي ؛ ذلك انه خلاصة آيات من القرآن الكريم وروايات اهل البيت عليهم السلام


    اليقظة والصحوة
    قال لي معلمي :
    ذات ليلة ، وكنت قد فرغت من صلاة العشاء ، غرقت في افكاري .. قلت في نفسي : اننا وان كنا نختلف عن الماديين وفلاسفتهم بنفيهم عالم ما وراء الطبيعة .. لكننا في سلوكنا لسنا باقل منهم !
    لا نعرف عن ماضينا شيئا ولا عن مستقبلنا (1) .
    واين هو ارتباطنا بالله سبحانه ؟ فهل تحدثنا اليه ؟ ام سمعنا منه جوابا ؟ (2) .
    لقاؤنا مع ائمة الهدى جميعا من طرف واحد ، فكم نحييهم ونسلم عليهم دون ان نسمع جوابا .. بل اننا لا نتوقع منهم الجواب !
    وهذا امام زماننا الذي نعتقد بحياته .. متى تحدثنا معه ، وانسنا به ، وهو حجة الله علينا ، بل ان بعضنا ليكذب بلقائه ببعض الناس ! (3) .
    الصلاة اضحت لدينا عادة الفناها ، فلا هي تقربنا الى الله زلفى ، ولا نعرف معنى القربان من الله (4) .
    (1) كما جاء في الاثر عن امير المؤمنين علي عليه السلام : «رحم الله امرء عرف قدره ، وعلم من اين ؟ وفي اين ؟ والى اين ؟ ...» .
    (2) «فالهمها فجورها وتقواها» الشمس : الآية 8 .
    (3) هذا المطلب موجود بصورة كاملة في كتابي «المصلح الغيبي ولقاءات مع صاحب الزمان» .
    (4) النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلاة قربان كل تقي» بحار الانوار 10 / 99 .
    38
    والصلاة التي «المعراج» متى انطلقنا في معراجها ؟ بل متى ادركنا معنى العروج والسمو ؟ (1) .
    ما نهت عن الفحشاء والمنكر وما منعتنا (2) .
    ما رأينا الملائكة ، وماعرفنا علة خلقهم ، ونحن نزعم اننا على خطى علي بن ابي طالب (3) .
    ما عرفنا الجن ، ولا اعتقدنا بوجودهم اعتقادا تاما (4) .
    لا نعرف عن الشيطان الا اسمه ، فما فكرنا كيف تأتى له خداع بين آدم (5) . والاهم من كل ذلك اننا نجهل انفسنا ، فما عرفنا اسرار الرقاد واسرار الموت .
    وفي النهاية ما تزال ستائر المادة تلقي بظلالها القاتمة على رؤيتنا (6) .
    اجل غرقت في تأملاتي تلك الليلة ، وكان هاجسي لماذا نحن هكذا ؟
    وكادت عاصفة الافكار التي اجتاحتني لدقائق ان تطيح بتوازني فاخرج هائما ، اصرخ في الفلوات ، واندب حظي العاثر (7) .
    فجأة خامرني احساس «انني اؤمن بالله» ، وكيف لا ، وقد اقمت لتلاميذي عشرة من الادلة على وجود الله ، سنوات طويلة عشتها مع الادلة حتى وصلت
    (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم :«الصلاة معراج المؤمن» عين الحياة : 201 .
    (2) قال الله عز وجل : «اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون» العنكبوت : الآية 45 .
    (3) قال الرضا عليه السلام : «ان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا» عيون اخبار الرضا عليه السلام : باب 26 ، الحديث 22 .
    (4) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
    (5) قال عز من قائل : «قال هذا صراط علي مستقيم» الحجر : الآية 41 .
    (6) «هلك امرؤ لم يعرف قدره» نهج البلاغة : 491 .
    (7)بسم الله الرحمن الرحيم
    «والعصر * ان الانسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر » سورة العصر .
    39
    الى مرحلة اليقين ..
    انني احب الله ولا احب شيئا حبي اياه ، هو الذي يغمرني برحمته رحيما ورحمانا ، وهو بي رؤوف (1) .
    فلم لا اطلب منه ان يزيح الحجب ؟
    انطلق الى بيته عاشقا ، حتى اذا جلست الى قبلته وانتبهت اليه انتابتني مشاعر تذهلني من كل شيء الا هو فتتفتح بصيرتي واجد نفسي في حضرته مشدوها بوجوده . حتى كلمات الدعاء تفر عني فلا اعد استحضر الا كلمات ذي النون يونس وهو يسبح الله في الاعماق المتكاثفة الظلام (2) .
    فلا اكرر غيرها ، وهي التي تعني انه لا قوة في هذا العالم الا قوتك ، وانك وحدك الذي حبوتني بكل شيء حتى البلاء ما منحتنيه الا تطهيرا لي .. فتعالى اسمك وتبارك اذ منحتني الالم ..
    انا الذي اظلم نفسي ، وانا الذي وقفت مع زمرة الظالمين ، وما هذه الحجب التي تفصلني عنك الا فعلي ..
    لا ادري كم رددت هذا الذكر ! ربما كررته اكثر من مئة مرة ، وانا ساجد حتى اضاءت في قلبي كلمة الله .. الله الرحمن الحبيب العزيز الذي وعد عباده بالخلاص قالئلا : «وكذلك ننجي المؤمنين» (3) .
    فزالت من بصيرتي الحجب ، وانزاحت عني الآلام .. ها انا اعيش لحظات الرحمة التي عاشها يونس ، فاذا القلب يتفتح ، والصدر ينشرح ، وشعرت ان شكري لله نعمة تستوجب مني شكرا (4) .
    (1) ورايات في تفسير البسملة . تفسير البرهان 1 / 40 .
    (2) «ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين‌» الانبياء : الآية 87 .
    (3) الانبياء : الآية 88 .
    (4) «ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود : اشكرني حق شكري ! فقال : يا رب ، كيف اشكرك وانا لا استطيع ان اشكرك الا بنعمة ثانية منك» جامع السادات 3 / 242 .
    40
    عندها اصبحت كالذي هب من نومه وادرك تخلفه عن الركب ..
    آه كم انا مسكين .. كم انا خاسر ..
    كيف اجبر ما مضى ؟
    قال لي :
    ـ بعد تلك الاستغراقة من التأمل استطعت ان ارى محبوبي .. الهي الرحمن الرحيم ، ببصيرتي رأيت ، وبقلبي سمعت .. سمعت كلماته ، وعانقت النور الذي اضاء بقلبي وذبت في لا نهائيته .
    كيف لا يكون معي وهو القائل : «وهو معكم» (1) .
    أليس هو القائل : «ونحن اقرب اليه من حبل الوريد» (2) .
    ألم يقل : «وهو على كل شيء قدير» (3) .
    ألم يقل : «الا انه بكل شيء محيط» (4) .
    وألم يقل : «ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها» (5) .
    وكيف يلهم النفوس القدرة على عمل الخير والشر ولا يكلمني ؟ !
    قال لي :
    ذات ليلة وقد بلغت الحلم ، ولم اكن لادرك حقائق العالم واسرار الخليقة ، نهضت لصلاة الليل ، وكان شيخ وقور قد علمنيها ..
    ولعلي كنت في السجدة الاخيرة من الصلاة عندما غفوت ، فسمعت صوتا يتلو علي سورة من القرآن :
    ـ «بسم الله الرحمن الرحيم * والشمس وضحاها * والقمر اذا تلاها * والنهار
    (1) الحديد : الآية 4 .
    (2) ق : الآية16 .
    (3) المائدة : الآية 120 و ...
    (4) فصلت : الآية 54
    (5) الشمس : الآيتان 7 و 8 .
    41
    اذا جلاها * والليل اذا يغشاها * والسماء وما بناها * والارض وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها» (1)
    وفي تلك اللحظة صحوت ، وكانت الآية الاخيرة ما تزال تدوي !
    «قد افلح من زكاها» .
    «قد افلح من زكاها» .
    «قد افلح من زكاها» .
    وكان الصوت يشتد دويا ويشتد ، حتى ويملأ اعماقي رهبة ، وسقطت على الارض مغشيا علي فاقدا الوعي .
    وفي تلك اللحظة انكشفت لي الرؤيا :
    يا ايها الذين قالوا آمنا بالله واسلمنا .
    لماذا لا تنصتوا لله الذي خلقكم ووهبكم من كل شيء .
    ومن هو كلامه حق وصدق ؟
    الا تصغون الى ما يقسم به ليؤكد ان تزكية النفس هو طريق الفلاح ..
    من اجل ان يصحو الانسان وينتبه من غفلته يقسم الله سبحانه بمخلوقاته .
    اقسم بالشمس .
    «اقسم بمحمد» (2) .
    اقسم بنور الشمس البهية .
    بروح محمد .
    اقسم بالقمر الذي يتلوها .

    (1) الشمس : الآيات 1ـ 9 .
    (2) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والشمس وضحاها» ، قال : «الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، به اوضح الله عز وجل للناس دينهم» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
    42
    اقسم بعلي الذي قال : انا عبد من عبيد محمد (1) .
    اقسم بالنور والنهار .
    اقسم بالحسن والحسين وذريتهماالطيبة وكلماتهم التي اضاءت العالم (2) .
    اقسم بالليل الذي يغمر العالم بستائره وحجبه ، وبالسماء .
    بهذه القبة المرصعة بالنجوم .
    اقسم بالارض .
    وبالذي بسطها .
    اقسم بالنفس الانسانية .
    بالذي الهمها طريق الخير وطريق الشر .
    افلح الذي يصقل نفسه ، واخفق الذي يدنسها ويثقلها بالخطأيا .
    الا توقظكم هذه السورة من سباتكم العميق .
    ألم يقل الله سبحانه : «قد افلح من زكاها» ؟
    أليس «قد» تفيد التاكيد والحتمية ؟
    قال لي : ذات ليلة اجريت تجربة «فصل الروح» ، وكان استاذي قد علمني الطريقة .
    اديت مقدماتها ، استلقيت على الفراش ، وكانت عيناي ما تزال مفتوحتين عندما احسست فجأة ان قدمي تخفان وثقل في رأسي وصدري ، ثم رأيت روحي تنسل من قدمي وترتفع بنفسي شكل بدني .
    وهذا الانفصال حدث الى منطقة الحزام ، يعني ان صدري ورأسي ما زالا متحدين بالروح .
    (1) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والقمر اذا تلاها» ، قال : «ذاك امير المؤمنين عليه السلام» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
    (2) عن ابي بصير في قول الله عز وجل : «والنهار اذا جلاها» «الحسن والحسين عليهما السلام » تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 2 .
    43
    ودهشت لما حصل لي ، فانتفضت من مكاني ، وعاد ما انفصل من الروح الى بدني .
    ادركت من تلك الحادثة ان الروح ـ على خلاف البدن ـ متألفة من شيء يشبه البخار الشفاف ، هذا كل ما حصلت عليه من تجربتي الناقصة .
    ولكني وفي تجربة لاحقة عرفت اشياء اكثر عندما نجحت باتمام التجربة وانفصال الروح كليا عن البدن .. كانت روحي بيضاء وشفافة جدا ، ولم يكن بدني سوى لحم وعظم ودم .. وكانت له حياة نباتية .. كان بدني هامدا في الفراش كمنظرنا في النوم (1) .
    في الحقيقة ان تجربة فصل الروح هي ذاتها حالة النوم ، ولكنها تختلف عن النوم العادي في ان الانسان في هذه التجربة يدرك انفصال روحه ، ويتحكم في اعادتها الى البدن ، كما ان كل ما يراه ويفهمه لا ينساه بسرعة كما ينسى الرؤيا والاطياف .
    للروح صفات وادراكات ، ولم اكن اعي ذلك فيما مضى . لم اكن اعرف من اين اكتسبت الروح هذه المعلومات ، ولكن في مقابل هذا تنطوي النفس على نزعات منحطة . وادركت بعد تأملات ان الروح اكتسبت كل ذلك بعد حياتها في عالم الذر ، ثم ارتباطها واتحادها بالبدن ، وانها اذا ارادت ان تطوي طريق الفضيلة ، وتخلص صوب عوالم الكمال ، فان عليها ان تتطهر من صفات الرذيلة وتتزكى ، والا فان هذه الصفات كالحديد تثاقل الى الارض ، وتجر بها الى الحياة المادية .
    ولذا فقد عادت روحي الى بدني ، لأني لم اتزكى لم استطع ان احافظ على انفصالها سوى لحظات .
    قال لي : ومرت ليالي بعد تلك التجربة في انفصال الروح .. كنت قد اعتدت قبل ان اغفو ان اتحدث مدة نصف ساعة مع سادتي اهل البيت عليهم السلام .. اتحدث بصميمية
    1ـ وردت احاديث في بيان جسمية الروح في كتب لها اعتبار ، ومن جملة هذه الاحاديث ما عن الصادق عليه السلام : «الروح لا توصف بثقل ولا خفية ، وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا» بحار الانوار 61 /7 .
    44
    وحب ، وكنت كالمعتاد ابدا بسيدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ..
    ولاني اعتقد بان ارواحهم عظيمة تحيط بي ، فانا انحني كمن اقبل يديه واقول : سلام عليكم ، واتحدث معه بحب .
    ثم افعل ذلك مع سيدتي فاطمة الزهراء ، وبعدها الائمة الاطهار واحدا واحدا ، حتى اذا وصل الدور الى سيدي بقية الله في الارضين ، ولاني اعتقد بانه حي في دار الدنيا فانا اظهر له من الادب اكثر ، فان كنت جالسا نهضت ، وان كنت واقفا انحنيت ، ثم اضع كفي على رأسي واقول سلام عليكم ، فداك يا سيدي ، روحي ومالي وولدي وكل ما لدي ، وربما القي بنفسي على الارض في النقطة التي اتصورها محلا لقدميه ، ثم لا افرغ من مناجاته حتى يلقى في روعي انه اجاب سلامي .
    في تلك الليلة فعلت ذلك ، ولكن بعد ليالي ولأن روحي كانت مثقلة بغرائز حيوانية ، كنت اشعر بالالم بكيت اكثر ، وطلبت من امامي ومحبوبي ، ومن العالم باسره فداه ان يدلني ويرشدني ويأخذ بيدي لازكي روحي ، واطهر نفسي من ادران هذا العالم .
    قلت له : سيدي ومولاي ، ان يوسف كان نبيا وقد قال : «وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي» (1) .
    من انا وما شأني حتى اقدر ان اطهر نفسي بنفسي ؟
    انت ساعدني من اجل الزهراء فاطمة .
    فجأة رأيت المكان مغمورا بالضوء .. يسبح في غلالة من نور ، وشعرت ان النور يتسلل الى اعماق وجودي .
    استحال كل شيء الى زجاج تغمره الشمس .
    لم يكن نورا طاغيا .
    لا يمكن قياسه بانوار المادة .
    نور يغمر دفئه الجميع .
    (1) يوسف : الآية 53 .
    45
    نور مقدس يضيء كل شيء .
    قلت له : ايها النور المقدس من انت وما تكون ؟
    هل بمقدورك ايها النور ان تجعلني مثلك شفافا ؟ هل بامكانك ان تطهرني من ادران المادة ، ومن الظلمات والحجب الكثيفة ، ومن كل صفات الحيوان ؟
    اجابني ـ ولكن بغير ما اعتدنا من اصوات ينقلها الهواء وتتردد في الآذان ، بل بصوت سمعه قلبي ـ :
    ـ لقد خلقني الله لاضيء لك الطريق وامثالك ؛ انا ملاذك وسأحميك من الادران (1) .
    ولكن قبل هذا عليك ان تعرفني ، ثم تعرف نفسك ، حتى تعرف الطريق في تزكية روحك ، فاذا لم تعرفني وانا معلمك ، ولا تعرف الدروس بترتيبها ، فانك لن توفق ولن تنجح . والى هنا انتهى حديث النور المقدس .
    كنت اشبه بالساهم مشتت الفكر .
    ثم صحوت من غفلتي وذرفت الدموع ، وكأني احاول ان اغسل بها الادران التي تنوء بها روحي ؛ وكانت حالة من الشوق تغمرني .. الشوق للقاء النور .
    وكيف لا اشتاق وآيات القرآن تدعونا جميعا الى ان نتطهر ، والعقل ايضا يدعونا لذلك .
    ام ترانا كتب علينا ان نبقى اسرى الطبيعة المثقلة بالمادة ، وان نبقى سجناء الحيوانية ؟!!
    ام ترانا نستمر في نوم الغفلة حتى الموت !
    ألم يخلق الله سبحانه الانسان لمناجاته ؟
    ألم يصرح القرآن بان العناية من خلق الانسان هي العبادة (2) .
    فلِمَ كل هذه الغفلة ، ولِمَ هذا الاعراض عن تزكية النفس وتطهير الروح ؟!
    (1) «اين السبب المتصل بين الارض والسماء ... خلقته لنا عصمة وملاذا» دعاء الندبة .
    (2) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
    46
    ارجو الله سبحانه ان يوقظنا من نوم الغفلة .
    قال لي : ومضت ايام وانا ابكي .. لا اعرف ماذا افعل ، وذات ليلة جلست في زاوية من غرفتي ، وضعت خدي على التراب ، وقد تساقطت عليه الدموع .. وكنت الح في طلب العفو والمغفرة ، فجأة رأيت نفسي مغلولا في صحراء مد البصر ، وكنت اشعر بثقل الاغلال ، وفقدت القدرة على النهوض .. عندها شعرت بكلمات من دعاء كميل تشرق في اعماقي : «وقعدت بي اغلالي» ، غمرتني موجة حزن ، وانطلقت صيحات استغاثة :
    ـ يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان !
    فجأة شعرت بوجود «المنقذ» الى جانبي .
    وحبيب اقرب الي من نفسي لنفسي .
    وان هذا اعجب من بعده .
    قلت : لسوف احقق الوصل يوما .
    قال : انظر بحسن فلعلك ادركت الوصال .
    قلت : سيدي .. مولاي يا من العالم فداؤك ..
    ساعدني ! حط هذه الاغلال عني .. كيف يمكنني ان اطوي طريق الكمال وهذه الغلال تقعدني ..
    واذا به يأمرني ان اقرأ دعاء : «يا من تحل به عقد المكاره» (1) .
    وقرأت الدعاء من كل قلبي وردّدت وقت الزوال : «القدوس» حتى انطلق من اغلالي .. ردّدت : القدوس مئة وسبعين مرة ، فلقد روي عن سيدنا علي بن موسى الرضا عليه السلام محفوظ من يردّد مئة وسبعين مرة في وقت الزوال من وسوسة النفس وشرور الشيطان (2) .
    (1) الدعاء السابع من الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام اذا عرضت له مهمة ، او نزلت به ملمة ، وعند الكرب .
    (2) كتاب بحر الغرائب .
    47
    الاستاذ ضرورة :
    قال لي معلمي :
    كان لي تلميذ فيما مضى على قدر كبير من الفطنة والذكاء ، وكان يحبني كثيرا ، وكنت اراه يطوي المسافات في طريق الكمال .
    في البداية كان يعصيني ، وكان لا يصغي الي يفي كل شيء . قال لي ذات مرة :
    ـ هل من ضرورة للاستاذ اذا اراد المرء ان يطوي الطريق الى الله واكتساب الكمال الروحي ، ام ان الانسان بمفرده يمكنه ان يفعل ذلك معتمدا على عقله ؟
    قلت له : ما اصعب هذا ؛ لان المشكلة تكمن في انسانية الانسان ، والحفاظ عليها ، وقديما قيل :
    «ما ايسر ان يصبح المرء ملا . وما اصعب ان يكون انسانا» .
    فكيف يمكن للمرء ان يطوي طريقا محفوظا بالاخطأر ، وكيف يمكن ان يحقق الانسان نموا روحيا ، وهو من اصعب الامور واعقدها ، دون ان يكون له دليل ومرشد ؟!
    وهنا ذكرت له قصة سيدنا موسى بن عمران والخضر قلت له : لقد كان موسى عليه السلام نبيا من اولي العزم ، وكان بحاجة الى ترشيد روحي ، ذلك انه عندما ذهب الى الميقات ، وتكلم مع الله سبحانه ، وتلقى الالواح ، وعاد الى قومه وتحدث معهم عن لطف الله به ، برقت في ذهنه : هل يوجد من هو اعلم منه في الارض ؟!
    هنالك اوحى الله سبحانه الى جبريل ان ادرك موسى قبل ان يهلك ، وقل له يذهب الى مجمع البحرين سيجد رجلا هناك على صخرة ، هو اعلم منك ، فتعلم منه .. وهبط جبريل يؤدي الرسالة ..
    شعر موسى بالخجل ، وادرك ما وقع فيه من خطأ .
    ودعا فتاه «يوشع» لمرافقته في رحلته العجيبة ، قال له : هناك .. هناك في مكان عند التقاء البحرين (1) رجل آتاه الله العلم ، وقد امرت ان اذهب اليه ، واتعلم منه .
    (1) البحر المتوسط والمحيط في المنطقة التي تدعى اليوم مضيق جبل طارق . (المترجم)
    48
    واعد الفتى يوشع متاع الطريق ، وكان فيه سمكة ، وغادرا ديارهما حتى اذا وصلا مجمع البحرين ، وجدا رجلا جالسا على صخرة مطرقا برأسه ، ولكن موسى لم يلتفت اليه ، وواصلا طريقهما ، وشعر موسى بالتعب فقال لفتاه : نجلس هنا ونستريح ونأكل طعامنا .
    وهنا تذكر يوشع ما جرى له قرب تلك الصخرة ، قال : لكني نسيت ان اقول لك : انني غسلت السمكة وتركتها على الصخرة لتجف ، ولكن ما حصل ان السمكة الميتة عادت لها الحياة وقفزت في البحر واخذت طريقها في المياه .. لقد انساني الشيطان ان اذكر لك ذلك . قال موسى : ارأيت الرجل الجالس على الصخرة انه هو من نبحث عنه ، هيا الى نفس الطريق الذي سلكناه .
    وكانت آثارهما ما تزال مرسومة على الطريق حتى اذا وصلا الصخرة وجدا ذلك العبد الصالح مستغرقا في الصلاة .
    وجلس موسى ينتظر حتى اذا فرغ الرجل من صلاته حياه موسى بأدب .
    سأل الرجل : من انت ؟
    قال موسى : انا موسى بن عمران .
    قال الرجل : انت الذي كلمت الله تكليما .
    قال موسى : اجل .. انا .
    قال الرجل : : ماذا تريد مني ؟
    قال موسى : جئت اتعلم مما علمك الله .
    قال الرجل : انت لا تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ؟
    قال موسى : ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا .
    قال الرجل : ان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا .
    وأتفقا على ذلك فانطلقا .
    (وشرط التعلم في السفر ان يطيع التلميذ استاذه) .
    حتى اذا وصلا شاطئ البحر استقلا سفينة ، كان موسى يراقب بدقة حركات استاذه ، يتعلم من سلوكه .. فجأة رأى موسى امرا مهولا .. رأى استاذه


    منقول





  • #2
    ظلمات النفس

    قال لي : سنوات وانا مستغرق الفكر من انا ؟ ومن اي شيء صنعت ، وما هي الاشياء التي اتألف منها ؟
    ذات يوم رأيت شخصا خلف منضدة التشريح كان واقفا عندما جاءوا بي اليه ، قال لي :
    ساقوم بتشريحك حتى تعرف من اي شيء تتكون ، ومن تكون ، وما انت .
    حاولت الهروب والفرار لكني كنت اخفق في كل مرة .. لكأنما فقدت كل قدرة وخانتني ارادتي .
    وضعوني على منضدة التشريح ، فشقني بسكين في يده الى شطرين .. لم اشعر باي الم ، فجأة ظهر لي انني اتألف من ثلاثة اشياء :
    الاول : «الجسد» الذي يبقى شاخصا بعد الموت ، يعني ذلك الشيء المؤلف من لحم وجلد وعظم ودم . وقد قام هذا الشخص بفصل جسدي ووضعه جانبا وكأنه شيء اضافي لا حاجة له به .
    الثاني : «الروح النباتية» وهي تنتهي مع انتهاء البدن ، ونصطلح عليها الروح لمجرد تشخيصها ؛ ذلك انها ليست مستقلة بل مرتبطة مع البدن ، فهي قائمة ما دام البدن قائما ، ومبدأها مع انعقاد النطفة في البدن ، وتستمر باستمرار حياة الانسان ، فاذا مات انتهت ، ولم يعد لها بعد ذلك وجودا خارجيا .
    الثالث : «الروح» وهي نفس الانسان وحقيقته ، وهي الشيء الذي اذا نام الانسان او اغمي عليه توقف نشاطها في البدن ، فهي موجودة ما دام الانسان في حالة صحو
    54
    ووعي فاذا نام انفصلت عنه (1) .
    ها انا ارى روحي بدقة .. رأيت ما يشبه طبقة سوداء من الدخان تحيط روحي ، عرفت ان هذا الدخان قد اختلط ببخار الروح المتألق بالنور ، فهو يعطل نورها .
    الشخص الذي يتولى التشريح اشار الى الدخان ان ينفصل عن الروح ، والدخان اطاع الاوامر فورا .. ودهشت لمنظر روحي الشفاف المتألق فظللت مبهوتا انظر اليها .
    خاطبني الشخص قائلا : والآن انظر هذه هي حقيقتك ..
    هكذا خلقك الله .. فلا بدنك ولا تلك الروح النباتية ، ولا هذا الدخان يشكل جزء من وجودك الحقيقي .
    لقد وهبت البدن فيما بعد حتى يمكنك الاستمتاع بلذائذ الدنيا وتنهض بما عهد اليك ربك من واجبات ، فالبدن وسيلتك لادائها (2) .
    (1) عن ابي جعفر الثاني عليه السلام : «... نعم ، اما الرجل اذا نام فان روحه يخرج مثل شعاع الشمس فيتعلق بالريح ، والريح بالهواء ، فاذا اراد الله ان ترجع جذب الهواء الريح ، وجذب الريح الروح ، فرجعت الى البدن ، فاذا اراد الله ان يقبضها جذب الهواء الريح ، وجذب الريح الروح ، فقبضها» بحار الانوار 58 / 39 ، الحديث 9 .
    (2) عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : لاي علة جعل الله عز وجل الارواح في الابدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في ارفع محل ؟ فقال عليه السلام : «ان الله تبارك وتعالى علم ان الارواح في شرفها وعلوها متى ما تركت على حالها نزع اكثرها الى دعوى الربوبية دونه عز وجل ، فجعلها بقدرته في الابدان التي قدر لها في ابتداء التقدير نظرا لها ، ورحمة بها ، واحوج بعضها الى بعض ، وعلق بعضها على بعض ، ورفع بعضها على بعض ، ورفع بعضها فوق بعض درجات ، وكفى بعضها ببعض ، وبعث اليهم رسله ، واتخذ عليهم حججه مبشرين ومنذرين ـ يأمرون بتعاطي العبودية ، والتواضع لمعبودهم بالانواع التي تعبدهم بها ، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل ـ ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ؛ ليرغبهم بذلك في الخير ، ويزهدهم في الشر ، وليذلهم بطلب المعاش والمكاسب ، فيعلموا بذلك انهم بها مربوبون وعباد مخلوقون ، يقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الابد وجنة الخلد ، ويأمنوا من النزوع الى ما ليس لهم بحق» . =
    55
    واضافة الى هذا فان خلايا جسدك تهدم كل يوم ، بل كل لحظة ، وتاتي بدلها خلايا جديدة عن طريق التغذية ، والحقيقة ان بدنك مثل جدول ماء يتجه صوب الفناء والزوال ، ولولا انك تتغذى لتجبر ما يتهدم فان بدنك يضعف شيئا فشيئا ويتلاشى ، واذن فبدنك لا يمتلك قدرا كبيرا من الاهمية التي تتصورها .
    واما الروح النباتية فهي من اجل حفظ حياتك فقط ، هي ادنى مرتبة من البدن نفسه ، وما عملها سوى ايصال المواد الغذائية الى خلايا الجسد .
    فكما ان النباتات تمتلك هذه الروح لحفظ حياتها ، فكذا بدن الانسان تحفظه هذه الروح ، ولذا اطلقنا عليها اسم الروح النباتية .
    واما الدخان الذي ازلته عنك فهو في الحقيقة التلوث الذي يصيب الانسان في عالم الدنيا ، سواء كان فعل النفس او بسبب تلوث البيئة ، فاصيبت الروح بها ، وهنا يتوجب عليها التزكية التي يتم معظمها في هذه الدنيا .
    وبوضوح اكثر ان هذا السواد وهذه الظلمة ، انما جاءت بسبب افعالك الجاهلة واستغراقك اكثر مما يجب في الدنيا وتأثيرات الشيطان . وما واجبك في دار الدنيا الا ان تزيح هذا الظلام عن نفسك .
    ولتعلم ان هذا السواد اذا لم يكن اكثر تأثيرا من روحك فهو لا يقل عنها ؛ ذلك انه بقدر ما يؤثر تهلك وروحك في طريق سعادتك ، فان هذا السواد الذي يدعي مرة : «النفس الامارة بالسوء» ويدعى اخرى : «الروح الحيوانية» يعمل من اجل شقائك .

    قال لي : ودققت النظر في ذلك السواد الذي انفصل عن روحي فاذا هو كثيف = ثم قال عليه السلام : «يابن الفضل ، ان الله تبارك وتعالى احسن نظرا لعباده منهم لانفسهم ، الا ترى انك لا ترى فيهم الا محبا العلو على غيره حتى انه يكون منهم لمن قد نزع الى دعوى الربوبية ، ومنهم من نزع الى دعوى النبوة بغير حقها ، ومنهم من نزع الى دعوى الامامة بغير حقها ، وذلك مع ما يرون في انفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام والمناوبة عليهم والموت الغالب لهم والقادر لجميعهم . يابن الفضل ، ان الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم ، ولا يظلم الناس شيئا ، ولكن الناس انفسهم يظلمون» علل الشرائع : 1 / 15 و16 . بحار الانوار 58 / 133 ، الحديث 6 .
    56
    جدا مثقل بالقذارة .
    انه يفوق بشاعة الشيطان الذي رأيته ذات ليلة بهذه البشاعة .
    اعني تلك الليلة وكنت في مطلع شبابي ، وكنت في خلوة بغرفتي نائما وحدي ، وكانت فتاة شابة هي الاخرى نائمة في غرفة ثانية .
    فجأة انتبهت على كف توقظني .. لا ادري اذا كنت قد انتبهت في كامل وعيي او انني كنت بين النوم واليقظة عندما رأيت كائنا يشبه الانسان لكنه اسود الدخان ، وكانت الخيانة واضحة على هيئته .. دعاني لان اخون .. فصرخت من ذعري وخوفي واغمي علي .
    ها انا الآن ادرك ان تلك الصورة الشيطانية قد انعكست في روحي الشفافة المتألقة الزاخرة بالنور ، فاذا تلك الملامح الشيطانية اجدها الآن قد ظهرت في روحي .
    وكما اخبرني ذلك الشخص انه يتوجب علي ان اميط عن روحي ذلك ، والا اصبحت مثل الشيطان الذي طرد من رحاب الله بسبب جهله وخيانته وتكبره وانانيته ، وبسبب صفاته القبيحة هذه ، وسيبقى رجيما تلاحقه اللعنة الى يوم القيامة وسيكون مصيره جهنم خالدا فيها .
    وحتى لا يكون مصيري كمصيره رتبت برنامجا ساشرحه لك في ما بعد من اجل انقاذ روحي من ذلك السواد ..
    اي انني سأقوم بمعرفة ذلك السواد جزء جزء ، ثم اقوم بتنقية روحي ، ولاصل الى مقام الانسانية الكريم .
    قال لي : وهنا وقع ما اربك الحالة وعادت الاشياء التي فصلها الشخص الى ما كانت عليه من اتصال .
    اشكر الله سبحانه الذي لطف بي اذ ايقظني من نوم الغفلة وعرفني نفسي ، وعندما رجعت الى الآيات القرآنية والروايات وجدت ان الحقيقة لم تكن غير ما رأيت .
    ولذا انصب همي بعد ذلك اليوم على الدخان الاسود الذي ولج روحي ،
    57
    وحاولت وبكل الوسائل ان انزعه من وجودي حتى اتمكن من مواصلة السير الى الله ، وابلغ حالة الوصل التام .
    لكني ظللت في حيرة من اين ابدأ ، وكيف لي التخلص من صفات الرذيلة التي تنوء بها روحي .. وذات ليلة وانا اتلو القرآن واستمده العون ، فاذا هذه الآيات تشع في قلبي :
    «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون * لا يستوي اصحاب النار واصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون * لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون * هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم» (1) .
    ورحت اتأمل في هذه الآيات متدبرا اسبر معانيها من طرف ، ومن طرف آخر جاء في الروايات عن الائمة الاطهار ما يقرأ المؤمن آية او سورة من القرآن لحاجة الا قضيت له ، فانااقرأ هذه الآيات لهذه الحاجة ... من اجل الخلاص من الظلمات التي هي في روحي .
    فجأة حدث لي ما حدث في المرة السابقة .. انفصلت روحي عن البدن ، وتحررت الروح مما اكتنفها من سواد .. وفي هذه المرة استطعت ان آخذ روحي الى المختبر لانظر كيف هي ، وما هذا السواد الذي يلفها ؟
    ومن حسن الحظ اني عرفت في المختبر كنه ذلك السواد وطريقة الخلاص منه .
    نظرت فيه فاذا الجهل متجسدا من اخمص قدميه الى قمة رأسه ، ولذا فان علاجه الوحيد هو العلم .
    (1) الحشر : من الآية 18 الى آخر السورة .
    58
    وتوضيح ذلك ان هذا السواد في روحي جاء من الاعراض عن عالم الارواح ، ونسيان ما تعلمه الروح في مدرسة اهل البيت عليهم السلام .
    فالجهل والنسيان احتلا مكان العلم والمعرفة ، وعلى هذا احتل الشر مكان الخير والكفر محل الايمان .
    فاذا قمت بتعزيز ايماني فان الكفر والشر سينحسر شيئا فشيئا ، وازحت قليلا ذلك السواد عن روحي .
    فكرت ماذا افعل حتى انجو من الظلمة التي تكتنف روحي ؟ ولم ادرك كم هي شاقة هذه المهمة ؟
    مرت سنوات وانا مستغرق في ترويض نفسي مستخدما وسائل مختلفة .
    مرة اتأمل في ادلة وجود الله ، ومرة استغرق في آيات الآفاق والانفس ، وساعة اغوص في دقائق هذا العالم من نبات وحشرات وكيفية الخلق ، وبالرغم من ان هذا كان يؤثر في نفسي ولكن قلبي لم يكن يقر له قرار .
    ومع كل ما عانيت لم احصل الا على ايمان مؤقت ، اي ان السواد كان ينحسر قليلا ثم يعود ، وكان ايماني يشتد تارة فتغمر قلبي السكينة ، ثم يهجم الكفر والجهل فيمتلئ وجودي بالشر والسوء ، فلم يكن ايماني مستقرا ، وهذا ما ضاعف من معاناتي .
    ذلك ان الغياب الكامل للايمان يكون محسوسا بشكل واضح كأنه دوامة من العذاب تعصف بالمرء .
    مع اني كنت مبتهجا لانني صنعت عشا لايماني في القلب ، والايمان كما لو انه حمامة تضع قدمها لاول مرة في عش جديد ، فهي لم تعتد عليه بعد ، فاذا وجدت حشرات تؤذيها غادرت العش وقد لا تعود اليه .
    ولذا تأملت في عش قلبي ، وفي علة اضطراب حالة الايمان فيه ، فاذا وفقت في الوقوف عليها ، فربما استقر ايماني .
    ولكن يا للاسف عندما اراجع روحي ونفسي وعش الايمان فيها ارى كثيرا من الحشرات والديدان ، والتي سادعوها باسمائها جميعها ، او قسما منها ، والتي تعاني
    59
    منها انت ايضا ، وبسببها يضطرب ايمانك ؛ ولذا يتوجب عليك القضاء عليها ؛ لان لكل واحد منها دورا في تكثيف الظلمة والسواد في روحك وهي كما يلي :
    حب الدنيا ، طلب الجاه والرئاسة والنفوذ ، ظلم الناس ، النفاق ، نكران النعمة ، القسوة ، العجلة ، التكبر ، الجفاء ، حب الشهرة ، الحقد ، الحسد ، البخل ، الخيانة ، الوقاحة ، الاسراف ، الحرص ، الغلظة ، الاستغراق في الشهوات ، النميمة ، الانحطاط ، الانتقام ، فقدان الصبر ، الانكار والعناد ، الكذب ، فقر الذات ، العدوان ، التفاخر والتباهي (1) .
    طبعا لم ابتل بجميع هذه الصفات ، فلقد عشت في بيئة وفي ظل اسرة غذتني صفات كريمة ، او يمكن القول انها لم تدع للرذائل طريقا الى نفسي .
    لكني ما زلت اعاني من حب الدنيا والشهرة والرئاسة ، وهذا ما جعل الظلمة تتكاثف في روحي .
    غير اني وببركة اهل بيت الوحي صلى الله عليهم وسلم بدأت التطهير في روحي ، وتخلصت مما يثقلها من اللوث .
    وها انا اضع حصيلة تجربتي في هذا الكتاب من اجلك .
    (1) اصول الكافي ـ جنود العقل والجهل 1 / 14 .


    الانبساط والانقباض


    قال لي : ذات يوم جاءني شاب احبه كثيرا ، وكان من اسرة اصيلة ، جاءني وقال لي : لقد فقدت ايماني بالمرة ، انني اكاد انفجر لاني فقدت ايماني بحقائق الوجود .. ارجوك ساعدني في الشفاء من هذا المرض !
    ولاني اعرفه ، واعرف انه يجهل الدلائل العلمية والعقلية والنقلية في اصول العقائد ... يعني انه لم يحقق فيها ، ولم يطالع كتابا حولها ، امرته ان يطالع دورة في اصول العقيدة ، ويعزز عقائده علميا فلعل ايمانه يعود اليه .
    واستجاب لما نصحته ، وذهب الى استاذ طيب ، قلت لاستاذه : يجب ان ينظم برنامجه بدقة حتى يتعلم اصول العقائد في مدة قصيرة ..
    وكانت النتيجة ان شفي من مرضه الروحي .
    قال لي : وذات يوم جاءني رجل كان قد اجتاز سن الكهولة ، وعلى حد تعبيره انه امضى سنوات طويلة في درأسة الفلسفة والعقائد الاسلامية ، واصبح استاذا مختصا بهما وقال لي : لا ادري لماذا يهتز ايماني مع اني اعرف ادلة كثيرة في اثبات وجود الله وسائر القضايا العقيدية .. اكاد اتشظى .. وكأن الادلة التي اعرفها في وجود الله هي ادلة في انكاره !! ماذا بوسعي ان افعل ؟
    قلت له : لعل السبب في ان بيت فؤادك يكتظ بالرذائل من الصفات ، ولم تزك نفسك ، ولذا فان الايمان يلج قلبك وهو مثقل بالاغلال ، ولانه لا ينسجم مع الرذائل فهو يغادر قلبك في اول غفلة لك ، واذا غادر الايمان القلب فمن الصعب ان يعود .. انه في هذه الحالة كحمامة تجبرها على دخول وكر يموج بالحيوانات المفترسة .. انها لن يقر لها قرار في مثل هكذا مكان .. وهكذا الايمان في وجود الرذائل .


    حب الدنيا

    قال لي : ذات يوم توجهت لزيارة مرقد الامام الرضا عليه السلام .. قرأت الزيارة الجامعة من كل قلبي ، وكنت اعيش معانيها ، وكأني اخاطب اهل البيت ، فحلقت روحي ، وكنت اشع بالسعادة والبهجة كما لو كنت حمامة تخلصت ، القضبان والقفص ، وراحت تحلق صوب منابع النور ، الضوء .
    ولكن يا للحسرة كنت اشعر وانا في تلك الحالة بان حجرا ثقيلا معلقا في قدمي يشدني الى الارض حتى اسقط .. نظرت الى ذلك الحجر فاذا مكتوب عليه «حب الدنيا» هو مصدر كل الخطأيا (1) .
    ماذا افعل يا الهي لكي اجتاز هذه العقبة يجب الا يكون في قلبي حب للدنيا ولو مقدار ذرة .
    آه يا ربي ماذا افعل مع حب الدنيا ؟
    لماذا اجهل هذه الحقيقة .. ان الدنيا لعب ولهو .
    لماذا لا ادرك انني ساغادرها وليس في وسعي ان آخذ منها شيئا (2) .
    اليست هي زاخرة بالمتاعب ؟
    اليست هي محفوفة بالاخطأر والبلايا ؟ (3) .
    وهل يخلد فيها احد ، ام هي باقية لاحد ، فلماذا اتعلق بها واركن اليها ؟!
    (1) «حب الدنيا رأس كل خطيئة» بحار الانوار 72 / 90 ، الحديث 62 .
    (2) «الدنيا دار ممر ، لا دار مقر» نهج البلاغة : الحكمة 133 .
    (3) «دار بالبلاء محفوفة» نهج البلاغة : الخطبة 217 .
    63
    لماذا اورط نفسي في شباكها .. لا .. لا ينبغي لي الا اتعلق بها ولو مقدار ذرة ..
    يجب علي ان افترض نفسي راحلا عنها ، مفارقا لها ، فلا يبقى في قلبي تعلقا بها .
    ساترك كل شيء وارحل .. سارحل مودعا الحياة ؛ بيتي وابنائي واموالي وحتى بدني .. اجل كل شيء .. وسارحل وحيدا مجردا من كل شيء ، وساقف في رحاب ربي ، فاذا كان لي تعلق بالدنيا فلن اكون حاضرا بكل كياني امام الهي ، وعندها سيحل بي غضب ربي .. سيطردني ويصب علي اللعنة كما طرد الشيطان من حضرته فيما مضى .. ستلاحقني لعنته الى يوم القيامة .
    فلماذا احب دنيا كهذه ، ولماذا اخلق لنفسي كل هذه المتاعب .. احمد الله انني تخلصت من حب الدنيا ببركة اهل البيت .. كحمامة تخلصت من الفخ واتجهت الى السماء ، سمت نفسي وحلقت صوب الحقائق المتألقة .
    قال لي : كان يوم عرفة .. وكنتاقرأ دعاء سيدي الحسين في هذا اليوم .. لم اكن قد انتبهت بعد عندما وقعت لي مكاشفة !!
    رأيت نفسي في حال ساشرحها بعد لحظات ، ولاني رأي الدينا في صورة ، فقد حل بعضها في قلبي ولم اعد اثق بها .
    في تلك المكاشفة رأيت نفسي في واد تحيط به جبال شاهقة من كل جهاته فكان كهاوية سحيقة لا يمكن الفرار منها ، ولو ان صخرة وقعت من اعلى القمم لسقطت فوق رأسي .
    فشعرت بالوحشة والرهبة ، وما زاد في رعبي اني رأيت صخورا تنقلع من القمم ، فهي تتجه الي وكان مكتوبا على كل صخرة بلاء من بلايا الدنيا ، ولو سقطت علي لدفنتني فاشقى بذلك الى الابد .
    وفي الاثناء تألقت في عيني انوار اهل البيت ، واحاطت برأسي تتطلع الى مسكنتي ..
    فتوسلت بـ «بقية الله» شكوت له .. قلت له : ان البلايا تنصب على رأسي .. فالوذ بك يا سيدي !
    «وانت يا مولاي كريم من اولاد الكرام ، ومأمور بالضيافة والاجارة ، فاضفني
    64
    واجرني صلوات الله عليك وعلى اهل بيتك الطاهرين» (1) .
    فقال لي انها ستتوقف عند حدودها .. وتناهى لي صوت رخيم يرتل بآيات القرآن .. وكان صوتا لم اسمع مثله في حياتي كلها !
    «وما الحياة الدنيا الا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون افلا تعقلون» (2) .
    «ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الا قليل» (3) .
    «ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * اولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون» (4) .
    «انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كان لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون» (5) .
    «ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور» (6) .
    «فاما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فان الجحيم هي المأوى * واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فان الجنة هي المأوى» (7) .
    آه يا له من صوت يخطف القلوب ، ويا لها من كلمات مؤثرة تأخذني بعيدا عن
    (1) مفاتيح الجنان ـ زيارة يوم الجمعة : 120 .
    (2) الانعام : الآية 32 .
    (3) التوبة : الآية 38 .
    (4) يونس : الآيتان 7 و 8 .
    (5) يونس : الآية 24 .
    (6) لقمان : الآية 33 .
    (7) النازعات : 37 ـ 41 .
    65
    حب الدنيا وتقربني للآخرة ..
    لكني ما زلت في تلك الهاوية ، تحيطني الجبال الشاهقة ، ولا ادري ماذا افعل ؟!
    وعاودني الهم مع انقطاع الصوت حتى اخذ على قلبي ، وعادت الصخور تهوي باتجاهي .. فبكيت وتوسلت ـ كلما اصابني حجر ـ بواحد من اهل البيت وسلمني الله ببركتهم .
    وادركت كم هي سيئة هذه الدنيا ، وكم هو مجنون من يتعلق بها .
    لا عقل لمن يحب دنيا تهوي عليه بالبلايا من كل صوب ، ولا نجاة لاحد من بلاياها ، الا من استضاء بنور اهل البيت ولاذ بهم وفاء الى ظلالهم الوارفة .
    «من اتاكم نجى ، ومن لم يأتكم هلك» (1) .
    الآن وقد مرت عشرون من السنين على تلك المكاشفة لم تصبني من بلايا الدنيا شيء .. لاني كنت لائذا بحمى اهل البيت عليهم السلام .
    قال لي : ذات يوم كنت في مجلس حسيني ، وقارئ يتلو مصاب سيد الشهداء ، ذكر اعراض اصحاب الحسين عليه السلام عن الدنيا . وبكيت لمصابهم ، وبكيت لمصابي انا ، لماذا لم اكن مثلهم ..
    فجأة رأيت نفسي في حالة .. لم اكن نائما .. اجل .. ولعل ماحصل لي كان مكاشفة .. مكاشفة تختلف عن المكاشفات العادية . وعلى اية حال رأيت نفسي في سجن ، وكان السجن في فوضى ، وكان بعض الاشقياء يؤذون الآخرين ، ولم يكونوا يكترثون للسجان ، وكانوا يشيعون اخبارا مختلفة عن خارج السجن .
    يقول احدهم : اذا تحررتم من السجن فان الملك القوي سوف يقبض عليك ويعذبكم اشد العذاب ، بل وسيرميكم في النار ، ولن يمهلكم لتتنفسوا نفسا واحدا .
    الذين صدّقوا هذه الشائعة لم يكونوا يرغبون في الخروج من السجن ، فالسجن بكل آلامه لديهم افضل .
    (1) الزيارة الجامعة الكبيرة .
    66
    الجهلة من الذين فقدوا ذاكرتهم نسوا بالمرة وما وراء قضبان السجن ، وكانوا يقولون : لا يوجد شيء خارج السجن ، فكل ما هو موجود هو هذا السجن ، ولذا فانهم يرفضون الخروج من السجن .
    ولكن كان هناك بضعة افراد يدركون انهم في سجن ، سجن مع الاعمال الشاقة ، وان السجن في فوضى وان حقوق السجناء المحدودة تُسحق تحت الاقدام .. كانوا يدركون اية نعمة هي خارج السجن ، واية لذة ، واية قصور جميلة هي بانتظارهم .. لهذا كانوا يعدون اللحظات ، وكانوا يقدمون طلبا باطلاق سراحهم يوميا ..
    وفي الاثناء همس احدهم في اذني :
    مثل هذا السجن ومثل هؤلاء السجناء مثل الدنيا واهلها (1) .
    فلو انك قلت لهذين الفريقين : «خلصكم الله من هذا السجن» ، فكأنك قلت لاحد من اهل الدنيا : «اماتك الله» ، ولكنك لو قلت لذوي العقل من اولياء الله : اماتك الله فكأنك قلت له : خلصك الله من هذا السجن ، وسيبتهج بما قلت له : كما فعل اصحاب سيد الشهداء الحسين عليه السلام عشية عاشوراء ، فقد كانوا فرحين لانه غدا سيطلق سراحهم من السجن ... سجن الدنيا (2) .
    «قل يا ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين * ولا يتمنونه ابدا» (3) .
    قال لي : لو ان امرء التفت الى اخبار المعصومين في ذم الدنيا والثناء عليها لعالج في ذاته مرض حب الدنيا ، وادرك قيمتها .
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نِعم العون على طاعة الله المال» (4) .
    (1) «الدنيا سجن المؤمن» الخصال 1 / 53 .
    (2) خرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحسين : «ما هذه ساعة ضحك» . قال حبيب : «واي موضع احق بالسرور من هذا ؟ ما هو الا ان يميل هؤلاء باسيافهم فنعانق الحور» . رجال الكشي : 53 . مقتل الحسين عليه السلام : 216 .
    (3) الجمعة : الآيتان 6و 7 .
    (4) وسائل الشيعة 6 / 17 .
    67
    ويقول الامام الصادق عليه السلام : «نِعم العون على الآخرة الدنيا» (1) .
    ويقول الامام الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم : «العبادة سبعون جزء ، افضلها طلب الحلال» (2) .
    ويقول الامام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم : «ملعون من القى كله على الناس» (3) .
    ويقول الامام السجاد عليه السلام : «الدنيا دنياءان : دنيا بلاغ ، ودنيا ملعونة» (4) .
    فالدنيا في رؤية الامام دنيا يفيد المرء منها قدر ما يحتاج ، والاخرى ملعونة لا خير فيها .
    ويقول الامام الباقر عليه السلام : «من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس ، وسعيا على اهله ، وتعطفا على جاره ، لقى الله عز وجل ووجهه مثل القمر ليلة البدر» (5) .
    وقال الامام الصادق عليه السلام : «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (6) .
    وقال في رجل قال : لاقعدن في بيتي ، ولاصلين ، ولاصومن ، ولاعبدن ربي ، فاما رزقي فسيأتني ، قال عليه السلام : «هذا احد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم» (7) .
    وقال عليه السلام : «ان الله ليحب الاغتراب في طلب الرزق» (8) .
    وقال له رجل : والله انا لنطلب الدنيا ونحب ان نؤتيها .
    فقال عليه السلام : «تحب ان تصنع بها ماذا ؟» .
    قال : اعود بها على نفسي وعيالي ، واصل رحمي ، واتصدق بها ، واحج واعتمر .
    فقال عليه السلام : «ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة» (9) .
    (1) وسائل الشيعة 12 / 11 . مسند احمد 3 / 128 . سنن النسائي 7 / 61 .
    (2) و (5) وسائل الشيعة 12 / 11 .
    (3) وسائل الشيعة 12 / 18 .
    (4) اصول الكافي 2 / 317 .
    (6) اصول الكافي 5 / 88 .
    (7) وسائل الشيعة 12 / 14 .
    (8) اصول الكافي 5 / 88 .
    (9) وسائل الشيعة 12 / 19 .
    68
    وقال في مناسبة اخرى : «ليس منا من ترك دنياه لآخرته» (1) .
    وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» (2) .
    وقال صلى الله عليه وسلم في مناسبة اخرى : «الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، الا ما كان لله منها» (3) .
    وقال صلوات الله عليه : «من احب دنياه اضر بآخرته ، ومن احب اخرته اضر بدنياه ، فآثروا ما بقى على ما يفنى» (4) .
    وقال عليه الصلاة والسلام : «حب الدنيا رأس كل خطيئة» (5) .
    وقال عليه الصلاة والسلام : «يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور» (6) .
    وقال صلى الله عليه وسلم : «من اصبح والدنيا اكبر همه فليس من الله في شيء ، والزم الله قلبه اربع خصال : هما لا ينقطع عنه ابدا ، وشغلا لا يتفرغ منه ابدا ، وفقرا لا ينال غناه ابدا ، واملا لا يبلغ منتهاه ابدا» (7) .
    وقال الامام الصادق عليه السلام : «الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له» (8) .
    وروي عليه السلام ، عن جده صلى الله عليه وسلم : قوله : «ما لي وللدنيا ، انما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فنام تحتها ثم راح وتركها» (9) .
    وقيل لامير المؤمنين عليه السلام : صف لنا الدنيا . فقال عليه السلام : «وما اصف لك من دار : من صح فيها ما امن ، ومن سقم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ،
    (1) من لا يحضره الفقيه 2 / 51 . وسائل الشيعة 12 / 49 .
    (2) و (3) المحجة البيضاء 5 / 353 .
    (4) المستدرك ـ الحاكم النيسابوري 4 / 319 .
    (5) و (6) المحجة البيضاء 5 / 353 .
    (7) المصدر المتقدم : 355 .
    (8) اصول الكافي 2 / 129 .
    (9) المصدر المتقدم : 134 .
    69
    في حلالها حساب ، وفي حرامها العذاب» (1) .
    وقال الامام الصادق عليه السلام : «ما اعجب رسول الله من الدنيا الا ان يكون فيها جائعا خائفا» (2) .
    وقال لقمان لابنه وهو يعظه : «يا بني ، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا» (3) .
    وتمثل الامام الحسن المجتبى بيتا من الشعر يقول :
    «يا اهل الدنيا لا بقاء لها ان اغترارا بظل زائل حمق» (4)


    وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : «الدنيا حلم واهلها عليها مجازون معاقبون» (5) .
    وتمثلت الدنيا لعيسى عليه السلام في صورة امراة زرقاء فقال لها : «كم تزوجت ؟» قالت : كثيرا . قال : «فكم طلقك ؟» . قالت : بل كلهم قتلت ! قال : «فويح ازواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين ؟» (6)
    وقال عليه السلام : «الدنيا جسر فاعبروها ولاتعمروها» .
    وقال ايضا : «انما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها» (7) .
    وكتب امير المؤمنين علي عليه السلام الى سلمان الفارسي : «امّا بعد ، فانما مثل الدنيا مثل الحية : لين مسها ، قاتل سمها ؛ فاعرض عما يعجبك فيها ، لقلة ما يصحبك منها ؛ وضع عنك همومها ، لما ايقنت به من فراقها ، وتصرف حالاتها ؛ وكن آنس ما تكون بها ، احذر ما تكون منها ؛ فان صاحبها كلما اطمأن فيها الى سرور اشخصته عنه الى
    (1) نهج البلاغة : الخطبة 80 .
    (2) اصول الكافي 2 / 129 .
    (3) المحجة البيضاء 5 / 369 .
    (4) المحجة البيضاء 6 / 9 . بحار الانوار 73 / 122 .
    (5) المحجة البيضاء 6 / 10 .
    (6) بحار الانوار 73 / 125 و 126 .
    (7) بحار الانوار 73 / 93 . الخصال 1 / 33 .
    70
    محذور ، او الى ايناس ازالته عنه الى ايحاش ! والسلام» (1) .
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشي في الماء ، هل يستطيع الذي يمشي في الماء الا تبتل قدماه ؟» (2) .
    وقال الامام الصادق عليه السلام : «مثل الدنيا كمثل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله» (3) .
    وقارن النبي صلى الله عليه وسلم متاع الدنيا بالآخرة قائلا : «ما الدنيا في الآخرة الا كمثل ما يجعل احدكم اصبعه في اليم فلينظر بم ترجع اليه من الاصل» (4) .
    وعن الامام الكاظم عليه السلام : «ان لقمان وعظ ابنه قائلا : يا بني ، ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الايمان ، وشراعها التوكل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر» (5) .
    وروى الامام الصادق عليه السلام ، عن ابيه الباقر عليه السلام قوله : «مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج ، حتى تموت غما» (6) .
    (1) نهج البلاغة 5 / 68 .
    (2) المحجة البيضاء 6 / 12 .
    (3) اصول الكافي 2 / 136 .
    (4) المحجة البيضاء 6 / 14 .
    (5) اصول الكافي 1 / 16 . بحار الانوار 78 / 299 .
    (6) اصول الكافي 2 / 134 .

    تعليق


    • #3
      الانقطاع عن الخلق والثقة بالنفس
      قال لي معلمي :
      ذات يوم من ايام شعبان قرأت المناجاة المروية عن امير المؤمنين علي عليه السلام والمعروفة بالمناجاة الشعبانية ، واضطربت حالي وانا في وسط المناجاة ، وذهلت عن نفسي فلم اعد ادري اين وما الذي افعل ، ورأيت الله ببصيرتي ، وشاهدت نوره المقدس وذاته المقدسة المتعالية التي هي مصدر الفيض حتى اذا وصلت الى هذا المقطع : «الهي ، بك عليك الا الحقتني بمحل اهل طاعتك ، والمثوى الصالح من مرضاتك فاني لا اقدر لنفسي دفعا ، ولا املك لها نفعا . الهي ، اناعبدك الضعيف المذنب ، ومملوكك المنيب فلا تجعلني ممن صرفت عنه وجهك ، وحجبه سهوه عن عفوك . الهي هب لي كمال الانقطاع اليك ، وانر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك ، حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور ، فتصل الى معدن العظمة ، وتصير ارواحنا معلقة بعز قدسك» (1) .
      وفي تلك اللحظات شعرت بالفناء في جمال الحق ، حتى انني لم اكن استطع قراءة هذه الجمل ، بل كانت تجري في قلبي وروحي ، فتمزقت حجب النور ، وبلغت معدن العظمة والعزة والكرامة .
      وفي هذه المكاشفة اكتشفت حجب النور التي لا يعرفها الكثير من الناس .
      وفي هذه المكاشفة عرفت معنى الوصول الى معدن العظمة والرحمة .
      وفي هذه المكاشفة ادركت معنى العبودية التامة .
      (1) مفاتيح الجنان ـ المناجاة الشعبانية : 156 .
      78
      وادركت اني لا شيء في حضرة المعبود ، ولعلك تسأل كيف اكتشفت ذلك في هذا المقطع من المناجاة ؟
      فاقول لك : ان في بعض من هذه الحالات تكون الروح في لحظات لا يمكن تصويرها حتى لو سود المرء مئات الصفحات ، او تكلم ساعات وساعات . لكني بحول الله وقوته سأشرح لك ما تيسر لي وساعدك الفهم عليه .
      اولا : قلت : انني ادركت في هذه المكاشفة معنى حجب النور ؛ اجل يا عزيزي ، ان حجاب النور يكون مرة في هدف غير الهي لكن فيه رضا الله ، كما هو الحال في العبادة رهبة من النار او اداء الاعمال المستحبة التي تستجلب الرزق ، او عبادة لدفع البلاء .. وهذه اهداف لا توجب سخط الله سبحانه ، بل اننا نجد الله سبحانه في كتابه يحث الناس على ذلك ، ومع هذا فان مثل هذه الاهداف لا توصل الى الله ، ولا تجعل صاحبها في زمرة المحبين المخلصين .
      ذلك ان هدفهم ليس الله ، وهذه الاهداف ستكون حجابا ؛ لانها تتنافى مع الخلوص الحقيقي غير انها نور . فهي ليست مبغوضة من لدن الله تعالى ، وقد احلها الله عز وجل ، وهي متضادة مع الاهداف الشيطانية ، والاهداف الشيطانية حجاب ظلماني ، فالاهداف الشيطانية حجب ظلمانية تجعل صاحبها يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض (1) .
      ولكن الانسان عندما يمزق حجب النور ، يعني انه وصل مقام الخلوص ، واعرض عن رغباته النفسية ، حلالها وحرامها ، فلا يريد شيئا الا الوصل مع المحبوب ، قد ملأ حب الله قلبه ، ولم يعد في قلبه من حب لغيره ، حتى قدر ذرة ، فهو منقطع الى الله ، اخترق حجب النور ، وحظى بوصل المحبوب ، وبلغ الحقيقة .
      ثانيا : قلت : انني لامست في هذه المكاشفة معنى الانقطاع عن الخلق .
      (1) قال الحسين عليه السلام : «ان قوما عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجار ، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وان قوما عبدو ا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار ، وهي افضل العبادة» تحف العقول : 250 ، الحديث 5 .
      79
      اجل يا عزيزي ، انني اجتزت حجب النور في تلك المكاشفة ، وحصلت على الخلوص الحقيقي ، وعرفت انني احب فطرة الكمالات الجمالية والجلالية ، وانها تتجمع في نقطة واحدة هي الله تبارك وتعالى .
      ان فطرتي تتجه اليه ، لا من اجل النعم التي افاضها علي ، ولا من اجل طمع حبه .. انني احبه لانه محبوب ، وانني كنت احبه ولا احب احدا سواه ، فكيف وانا احتاج الى المحبوب .
      ثالثا : قلت : انني ادركت في هذه المكاشفة معنى الوصول الى معدن العظمة والرحمة .
      نعم ! لقد انتبهت الى ان الغاية الحقيقية من «السير الى الله» هو الوصول الى هذا المعدن ، والمعدن بعني مركز الجواهر والاشياء الثمينة ، ولا ريب انه لا شيء يفوق المعدن قيمة ، ولو ان الله وهب احدهم قدرا منها لاصبح قريبا من الله .
      وقد لاحظت ان معدن الكمال الذي يتوجب بلوغه ، وقد بلغته ، هو الانوار المقدسة لارواح المعصومين عليهم السلام ؛ لانهم اول ما خلق الله (1) .
      ذلك النور الذي تتجلى فيه صفات الكمال الالهية .
      ذلك النور الذي نقرأه في المناجاة الرجبية : «لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك» (2) .
      واخيرا ذلك النور المقدس لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمعصومين من ذريته ؛ ذلك انهم معدن الرحمة الالهية ، وقد جاء في الزيارة الجامعة : «السلام عليكم يا اهل بيت النبوة ، ... ومعدن الرحمة» .
      وهي الرحمة التي نجدها في دعاء كميل رضي الله عنه : «وبرحمتك التي وسعت كل شيء» ، وهي الرحمة التي لو وسعت حال امرئ لبلغ بها المجد والكمال .
      (1) عن جابر بن عبد الله ، قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اول شيء خلق الله تعالى ما هو ؟ فقال : «نور نبيك يا جابر ، خلقه الله ، ثم خلق منه كل خير» بحار الانوار 15 / 24 ، الحديث 43 .
      (2) مفاتيح الجنان : بحار الانوار : ج98 .
      80
      وقد قال سيدنا علي في تفسير «الرحمة» انها «للمؤمنين خاصة» (1) .
      وهنا قال الاستاذ : اعرف انك لا تستوعب جيدا ما اقول ولذا ساوضح لك الموضوع اكثر .
      كان الله ولم يكن شيء (2) ، ثم خلق نور اهل بيت العصمة والرسالة (3) .
      وجعلهم واسطة الفيض الالهي (4) ، وان الله سبحانه اعلى واجل من ان يرتبط بمخلوقاته من الاشرار ؛ ولذا لا نجد في الشريعة الالهية جملة الا جاءت وحيا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين ، ان غاية ومقصود جميع السالكين الى الله هو بلوغ معرفته عز وجل ، وكسب فيضه ، وانهم مرآة ذلك كله ميزان الاعمال (5) .
      وفيهم صفات وخصائص معدن العظمة والرحمة ، فلو ان امرء وصل مقصده فقد وصل حقيقة «المناجاة الشعبانية» ، يعني انه اخترق حجب النور ، ووصل معدن العظمة والرحمةالالهية ، والتحقت روحه بعزة الله .
      وقد يخطر في خيالك كيف افسر السير الى الله ببلوغ انوار المعصومين ؟
      واقول لك في الجواب : اطمئن ان هذا ايضا سير الى الله ؛ لان المعصوم نفسه يقول : «معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل» (6) .
      (1) ذيل الآية الشريفة : «بسم الله الرحمن الرحيم» البرهان 1 / 40 .
      (2) روي عن الامام علي عليه السلام : «وكان الله ولا شيء معه» بحار الانوار 15 / 27 ، وقول الزهراء عليها السلام في خطبتها في المسجد : «ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها» الاحتجاج ـ الطبرسي .
      (3) روي عن امير المؤمنين عليه السلام ، قال : «فأول ما خلق نور حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والارض واللوح و...» .
      (4) «اين السببب المتصل بين الارض والسماء» دعاء الندبة .
      (5) «السلام على يعسوب الايمان ، وميزان الاعمال» مفاتيح الجنان ـ زيارة الامام امير المؤمنين عليه السلام : 353 .
      (6) قال امير المؤمنين عليه السلام : «معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ، ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية ، وهو الدين الخالص» بحار الانوار 26 / 2 ، الحديث 1 .
      81
      وقد تعلمنا بان نخاطبهم في الزيارة هكذا : «ومن عرفهم فقد عرف الله» .
      ان الاقتناع بهذا الموضوع ليس عسيرا عقليا ؛ ذلك ان صفات الله تبارك وتعالى تنحصر بذاته وهي لا تدرك ، وقد نهينا حتى عن التفكير فيها ، ولكن صفات افعاله ممكنة ، وادراكها ممكن ، وتجب بها المعرفة ، وهي تتجلى قطعا في قادتنا المعصومين . وعلى هذا فان معرفة المعصومين هو معرفة الله ، والانطلاق الى هذا البحر من المعرفة سير الى الله .
      رابعا : قلت : انني في هذه المكاشفة ادركت معنى العبودية التامة ، وانني لا شيء ازاء معبودي .
      اجل ! لقد عرفت انني لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا ، وهو الغني المطلق وانا الفقير ، وهو الولي المطلق وانا المسكين ، فكل ما عندي منه ، فوجودي والنعمة التي تغمرني كلها منه ، وما انا الا صفر ازاءه ، فعرفت انه ليس لي الا ان اكون عبده ، اتوكل عليه واسلم له تسليما . ولست اريد الا ان اذكر لك شيئين من هذه المكاشفة ، وانك لن تكون كاملا حتى تعمل بهما :
      الاول : انه لن تتقرب الى الله حتى تجد في نفسك الصفات الحسنة ، اذ كيف يتسنى لك وانت بخيل ان تقترب من الله الرزاق الجواد الرحمن ، فهل انك تجود او تكون حسن الاخلاق مع من يسيء اليك ، وكيف لك ان تكون قريبا من الله وانت ظالم والله رحمن رحيم عادل ؟
      واذن اذا لم تكن اعمالك من سنخ اعمال المعصومين وصفاتهم فدونك الحجب الفاصلة .
      الثاني : عليك ان تعرف انك لم تبلغ حقيقة التشيع وحقيقة الاسلام وحقيقة الانسانية حتى تفرغ قلبك من كل شيء ، الا من الله وتسلم له وتحبه .
      قال لي معلمي :
      في محفل يضم اصدقاء كنا نتوسل بـ «بقية الله» روحي له الفداء ، وقد انشرحت احوالنا ، فعوفي المرضى من ذلك المحفل ، مما جعلني اتأمل في ذلك كيف شوفي هؤلاء المرضى من امراض هي مستعصية ؟!
      82
      فجأة سطع على قلبي الهام ان علة شفائهم انهم انقطعوا لحظة عن مظاهر العالم ، واتصلوا بالنبع الروحي لمعدن الرحمة الالهية الذي هو «بقية الله» .
      وهذا الهام تؤيده آيات وروايات انقل لك بعضها :
      1 ـ قوله تعالى : «فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون» (1) .
      2 ـ ان البلاء الذي يجعل الانسان في حالة انقطاع الى الله عز وجل يؤدي الى الفرج ، وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك .
      3 ـ ان المجالس التي يحصل فيها انقطاع الى الله سبحانه تشهد حالات شفاء للمرضى في ذلك المجلس ، او استشمام لعبير المعنويات وشذاها ، وسطوع انوار ورؤية ارواح الاولياء .
      4 ـ ان كثيرا من المرضى يشفون عند ترددهم على اضرحة الاولياء ومشاهدهم ، وعندما يسأل المرضى الذين شملهم الشفاء عن تلك اللحظات فانهم جميعا يقولون : اننا شعرنا بجد روحي وحالة انقطاع ، وان قلوبنا توجهت نحو الله عز وجل وانّا طلبنا من الله الشفاء .
      5 ـ كثير من المرضى الذين يئسوا من طب الاطباء عندماانقطعوا الى الله وقطعوا الامل بغير الله فتوسلوا الى الله بوسيلته ، يعني ارواح المعصومين ، وحصلت جراء ذلك المعجزة .
      وهذا الانقطاع الى الله ، اي الطاعة له دائما يفيض عليه من قدرة الله ما يجعل ارادته من ارادةالله سبحانه وقد ورد في الحديث القدسي : «عبدي اطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون» (2) ؛ ولذا لا يستبعد ان نقول ان فلانا من اولياء الله ، وبأتكائه على قدرة الله يستطيع ان يتصرف في الكائنات ؛ ذلك لان رأينا امثلة ذلك في كل مكان .
      (1) العنكبوت : الآية 65 .
      (2) الجواهر السنية في الاحاديث القدسية : 361 .ا

      الرياء
      قال لي معلمي :
      في ايام شبابي كثير ما احببت ان يعرفني الناس بالتدين ، ولذا كنت ابذل كل ما بوسعي في اخفاء ذنوبي ، واظهار افعالي الطيبة ، وشيئا فشيئا اكتشفت بانني مصاب بالرياء .
      يعني ان صلاتي في خلوتي تختلف عن صلاتي بين الناس ، مناجاتي ودموعي وآهاتي في حضور الناس افضل مما كان ذلك في خلوة بعيدا عن العيون .
      حتى في تناول الطعام كنت احرص على تناول اليسير ، ابدا بالملح ، واختتم به واقول بسم الله في اوله ، والحمد لله في آخره ، وبصوت يسمعه مني الناس حتى يقولوا انه يؤدي المستحبات من الاعمال الطيبة ، وهو ملتزم بها التزامه بالواجبات (1) .
      ذات يوم قال احدهم : عفا الله عني وعنك .
      ومع اني غارق في الذنوب لكني لم اسر بما قال ، ذلك اني لا اود ان يعدني من اهل الذنوب ويحشرني معه .
      وذات يوم خطر في بالي ان اضغط بجبهتي على محل السجود حتى تظهر آثار السجود على جبيني ، واظهر بمظهر العابد الزاهد امام الناس .
      وكنت احرص على حلاقة رأسي بالموسى مع اني ما ازال شابا كي اظهر بمظهر المتوسّين .
      (1) قال امير المؤمنين عليه السلام : «ثلاث علامات للمرائي : ينشط اذا رأى الناس ، ويكسل اذا كان وحده ، ويحب ان يحمد في جميع الامور» بحار الانوار 69 / 288 ، الحديث 8 .
      84
      وكنت في المحافل اذا ما جلست على المنبر اتحدث مع الناس بصوت رقيق شجي وكنت اعصر عيني فلعل دمعة تظهر اخدع بها الناس .
      بل انني نصحت الناس ذات مرة الا يكونوا مرائين في اعمالهم ، فيما انا امارس الرياء في افعالي .
      وربما التزمت الصمت في محفل لانه ليس لدي ما اقول فاتظاهر بصمت الحكماء .
      ولعلي سعيت بان اظهر نفسي بمظهر يوحي الى الناس كما لو اني على ارتباط باولياء الله .
      غير اني كنت اتعذب ؛ ذلك اني عندما اكون وحدي كنت اواجه نفسي اللوامة تنكل بي فاشعر باشقاء .
      ذات ليلة وقد مارست الرياء بشكل فظيع ، تعرضت الى تقريع نفسي اللوامة ، فتوسلت بـ «سيد الشهداء» ، وبكيت للمصائب التي حلت به ؛ ثم غلبني النوم ، فرأيت صحراء الحشر وجاء ملك يحمل قصعة اعمالي ، ووضعها قرب الميزان ، اخرج في البداية صلواتي ، وكانت تشبه تفاحة قد نخرها الدود ، فلم يضعها في الميزان وانما رماها بعيدا (1) .
      ثم جاء بصومي ، فاذا هو كالكمثرى ، تملؤها الديدان ، فلما اراد ان يطوح به امسكت بساعده وقلت :
      ان املي في هذه الصحراء القاحلة هو ان ابيع هذه الاشياء فلعلي احصل على مبلغ من المال يؤمن حياتي .
      قال : حسنا ولكني اعرف انه لا يقبل بمثل هذا .
      قلت : من تعني ؟
      (1) سمعت ابا عبد الله عليه السلام قال : «يجاء بعبد يوم القيامة قد صلى فيقول : يا رب ، صليت ابتغاء وجهك ، فيقال له : بل صليت ليقال ما احسن صلاة فلان ، اذهبوا به الى النار ، و...» بحار الانوار 69 / 301 ، الحديث 44 .

      الظلم

      قال لي معلمي :
      من الطاف الله سبحانه بي انني انفر من الظلم .. فلا اظلم احدا ، ولا ارتضي ظلم الظالمين .. ذلك ان الظلم من اقبح الصفات ، وضمير الانسان ينفر منه .. ولقد لعن الله الظالمين ووعدهم عذابا اليما (1) .
      فمن كانت فيه هذه الصفة الحيوانية فقد ابتعد عن الله واوليائه مسافات ومسافات ، بل انه يخرج عن اطار الانسانية .
      وذات يوم جاءني احد المتنفذين ، وكان منصبه في الدولة ـ ومع الاسف ـ رفيعا ، زارني كما يزور المريض طبيبا ، قال لي : لا اعرف ماذا افعل ؟ اذ كلما قدرت على احد وددت ان اظلمه .
      اردت نصحه فقال : انني لأعرف الظلم اكثر من اي انسان آخر ، واعرف عواقبه ، واعرف منزلة الظلم والظالمين السيئة عند الله .
      ولكني اطلب منك انت لو استطعت ان تشفيني من هذا المرض المميت ، وتنقذني من هذا الشقاء .
      قدمت له بعض النصح والارشاد وصارحته قائلا : انه ما دامت هذه الصفة فيك فانت بعيد عن الله ، قريب من الشياطين والطواغيت .
      افلا تعرف ان الله تعالى عرّف نفسه بـ «الرحمن الرحيم» ، وهو «ارحم الراحمين» ، وان كل سورة تبدأ بهذه الصفة واننا نقرأ سورة الحمد كل يوم
      (1) «فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم» الزخرف : الآية 65 .
      87
      عشر مرات على الاقل في صلواتنا ..
      الا تعلم ان الله لا يرضى ان تكون القدرة في ايدي الظالم ولو لحظة واحدة فقال : «لا ينال عهدي الظالمين» (1) ، قال : سيدي ، لقد قلت انني اعرف كل ذلك ولا احتاج وعظا ونصيحة ، فلا تذر ملحا على جراحي ، فان كانت لديك وصفة علاج فاكتبها لي !
      قلت : لعلك لا تصغي .. ولكن لو عاهدتني على الاصغاء لكل ما اقول ، ولو بدا في رأيك جهلا فساكتب لك وصفة في صباح غد .. انتظرك في الساعة الثامنة ..
      فودعني وانصرف ..
      لعلك تسألني : لمَ لم تكتب له وصفة العلاج في نفس الوقت ؟
      وفي الجواب اقول لك : لا لم اكن اعرف لحظتها شيئا مفيدا ؛ ولذا اردت ان اطلب المدد في منتصف الليل من الائمة الاطهار فلعلهم يقدمون لي العون في ذلك .
      فالدعاء بلسان الغير مستجاب اكثر . انه ظالم وآثم ، ولقد عصى الله بلسانه كثيرا ، وعذب كثيرا من الناس ، وان الله لن يكترث للقلقة لسان عاص ، ولن يستجيب دعاءه ، فلو دعوت الله له بلسان لم اعص به الله ، فان الله يستجيب .
      في تلك الليلة تضرعت الى الله كثيرا وانتحبت .. وانا اضع خدي على التراب ، وطلبت من الله ان يعفو عنه ، وان يشافيه من مرضه الروحي .
      وتوسلت بالامام الحسن المجتبى لمحاسبة اعرفها ، فاخذتني غفوة ، فرأيت في عالم النوم من يخاطبني !
      ـ قل له : اننا سننجيه من هذا المرض فعلا ، ولكن ليعلم ان الامراض الروحية كالادمان ، تعود لاقل غفلة ؛ ولذا ففي كل مرة يغويك شيطانك ويوسوس لك بالظلم ، فضع نفسك مكان المظلوم .. يعني تصور نفسك في قبضة ظالم (2) .
      (1) البقرة : الآية 124 .
      (2) قال ابو جعفر الباقر عليه السلام : «اياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله» بحار الانوار 72 / 308 ، الحديث 1 .
      88
      فلا ترض لغيرك ما لا ترضاه لنفسك .. وانظر الى نفسك في المرآة ، ونكل نفسك وذق طعم الاهانة والاذلال حتى لا تظلم الآخرين .
      واعلم ايها الظالم ان كل مخلوق له ادراك وشعور وهو مثلك ، فكما انك تتململ من القهر والاذى ، وكما انك تتعذب في السجن والضيق ، فان الآخرين هم ايضا يعتريهم مثل الذي يعتريك .. انهم ايضا يشعرون بالالم .
      فلاتظلم حتى النملة الصغيرة .
      من تكون حتى تموت مئات الحيوانات من اجلك ومن اجل ان تعيش ؟!
      من انت حتى تستعمل المبيدات السامة للقضاء على الذباب والحشرات فلا تزعج استراحتك في غرفتك ؟!
      ومن تكون حتى يسخر الله لك ما في السموات والارض ؟!
      الا ان تكون رحيما ، كما ان الله رحيم .
      والا تظلم ، كما ان الله لا يظلم احدا .
      والا ان تكون مظهرا لصفات الكمال ، وان تكون اشرف المخلوقات .
      فان تكن ظالما فانت بعيد عن الله ، ولو ظلمت احدا مقدار ذرة ابتعدت عن الله مسافات طويلة ، وانسلخت عن انسانيتك . وتنزلت الى درجة الحيوانية او ادنى منها .
      وعندما حل اليوم التالي كتبت له وصفة العلاج ، فتأثر ايما تأثر ، وواظب على الصلاح ، فما هي الا ايام حتى زالت عن قلبه صفة الظلم ، واصبح من الرحمة انه لا يؤذي ذبابة او نملة .
      نعم ، هكذا يتخلص الانسان من صفات الحيوانية ، يعني على الانسان نفسه ان يشعر بالخطر ، وان يدرك حجم الاضرار ثم ينتهج الوسيلة للخلاص من الرذائل ، وأي وسيلة امضى من التوسل باهل البيت عليهم السلام .
      قال لي معلمي :
      كان لي استاذ أمرني بأمر ، والزمني فعله اربعين يوما كلما رمت الخروج من المنزل . لاتظن ان ذلك كان رياضة او ذِكرا .. ساشرح ما وقع لي بعد عشرين


      89
      يوم من المداومة .
      في اليوم الواحد والعشرين عرض لي امر فلم استطع اداء ما كنت مواظبا عليه وخرجت من المنزل ، فرأيت الطريق يكتظ بالحيوانات الاهلية والوحشية .. في البداية تعجبت كيف تسنى لهذه الحيوانات دخول المدينة ؟
      لكني تذكرت ما قاله لي استاذي ، اذ قال لي : ربما تنفتح عينك البرزخية وترى الناس على هيئة الحيوانات ، فادركت حينئذ حالتي البرزخية .
      وتذكرت ما حكى لي احد الاصدقاء قال لي : انه رأى في عالم الاطياف ان حرم الامام الرضا كان يعج بالحيوانات ، ولم يكن ممن على هيئة الانسان الا نفر قليل .
      وعلى كل حال ذهبت في طريقي ، فصادفني شخص على هيئة الخنزير ، تقدم الي وحياني وسألني عن حالي . قلت : لماذا انت في هذه الحال ؟!
      فقال : ابحث عن شخص ثري جدا ، وليس له عقل كامل ، وهو يبحث عن بضاعة لا يملكها غيري ، لانني احتكرتها منذ فترة طويلة ، وذا قررت ان اعثر عليه وابيعه هذه البضاعة باضعاف قيمتها الاصلية ، يعني استغل هذه الفرصة الى اقصى حد !
      قلت له : لا تفعل ، فهذا ظلم ، والله لا يحب الظالمين .. انك لو تدري على اية هيئة الآن ما فعلت ذلك .
      وشعرت بالدهشة لانه قال لي : اعرف حالي الآن .
      قلت : فاية حال ؟
      قال : مثل خنزير يلتذ بأكل القاذورات والحرام ، ويلتذ بظلم الآخرين .
      قلت له : يا مسكين ، افلا تعتقد بالموت ؟ الا تحب ان يغيثك الله بعد الموت ويرحمك ؟
      الم تسمع قول الله سبحانه في القرآن الكريم : «والله لا يحب الظالمين» (1) .
      اما تدري قول الله : «انه لا يفلح الظالمون» (2) .
      (1) آل عمران : الآيتان 57 ، 140 .
      (2) الانعام : الآيتان 21 ، 135 .
      90
      افلا تعلم مصيرهم : «ان الظالمين لهم عذاب اليم» (1) .
      وانه «وما للظالمين من نصير» (2) .
      وجرت الدموع من عينيه وانااقرأ عليه هذه الآيات ، واظهر الندم ، وكانه اغتسل بالدموع فعاد الى صورته الآدمية .
      (1) ابراهيم : الآية 22 .
      (2) الحج : 71 .


      النفاق

      قال لي معلمي :
      كان لي صديق مبتلى بالربو وضيق الصدر وكان يتجرع الآلام ، راجع الاطباء والمختصين ، وذهب سعيه هباء ، ثم فكر في مراجعة احد الاولياء ، فقال له الرجل الصالح : ان اردت الشفاء فعليك بتلاوة القرآن ، ان الله سبحانه وتعالى يقول : «يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين» (1) .
      قلت له : وقد جاء في الاثر ذلك ايضا ، ولكن عليك ان تفهم ان القرآن شفاء لامراض الروح ، وان الذي نصحك بقراءة القرآن انما اول هذه الآية (2) ، فان اردت شفاء صدرك فاقرأ القرآن ، ولتكن قراءتك عن الايمان الكامل بانه كلام الله عز وجل ، واعمل به ، واعلم ان الله هو الشافي من كل الامراض ، وهو قول ابراهيم كما جاء في القرآن الكريم : «واذا مرضت فهو يشفين» (3) .
      وقوله تعالى : «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا» (4) .
      فان شئت الشفاء من مرضك هذا عليك ان تعالج نفسك روحيا ، ثم تشفى من
      (1) يونس : الآية 57 .
      (2) روي عن العالِم عليه السلام : «في القرآن شفاء من كل داء» وقال : «داووا مرضاكم بالصدقة ، واستشفوا بالقرآن ، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاء له» بحار الانوار 89 / 202 ، الحديث 26 .
      (3) الشعراء : الآية 81 .
      (4) الاسراء : الآية 82 .
      92
      مرضك الجسمي .
      ولان الآلام المبرحة التي المت به جعلته يقبل ان يكون علاجه تحت اشرافي ، وكان علي ان اواجه صفات الرذيلة فيه .
      وكانت اولى صفاته الظاهرة فيه هي النفاق ، ولذا رأيت ان ابدا بهذه الصفة فرحت اتلو عليه ...
      1 ـ «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون ايديهم نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم» (1) .
      2 ـ
      بسم الله الرحمن الرحيم

      «اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون * اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون * واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون * واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون * سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ان الله لا يهدي القوم الفاسقين * هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» (2) .
      3 ـ «بشر المنافقين بان لهم عذابا اليما * الذين يتخذون الكافرين اولياء من دون
      (1) التوبة : الآيتان 67 و 68 .
      (2) المنافقون : الآيات 1 ـ 8 .
      93
      المؤمنين ايبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا * وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا * الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا الم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالوا الم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا * ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الاقليلا * مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا * يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين اتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا * ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا» (1) .
      4 ـ «ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون * واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون * الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا انؤمن كما آمن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين * مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون * او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء
      (1) النساء : الآيات 138 ـ 145 .
      94
      لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير » (2) .
      5 ـ «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما» (2) .
      وعندما قرأت عليه هذه الآيات ، وكان يعرف العربية ، رأيت دموعه تموج في عينيه ، وكان يجهش بالبكاء ، كلما سمع آية فيها وعيد بالعذاب حتى رأيت اليأس بطبع ملامح وجهه لكن عندما سمع آخر آية : «ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما» رأيت الامل يتألق في عينيه ، وقال : أأنت من كان يقرأ القرآن ؟!
      قلت : نعم ، فمن تظن اذن ؟
      قال : لا انه كلام الله ، وما انت الا شجرة كتلك التي كلم الله بها موسى . واقول بصراحة اكثر لو انك انت الذي اخترت هذه الآيات فلماذا لم تقرأها بترتيبها القرآني ؟
      لقد غمرتني حالة عجيبة من اول آية قرأتها ذلك اني لم اكن اراك ، ولم اكن اشعر بوجودي ، ولا حتى هذا المكان لم اكن ارى سوى روحي المنافقة مطأطأة الرأس في حضرة الخالق العظيم يخاطبني بهذه الكلمات .
      ولذا عندما وصلت الى آيات سورة البقرة رأيتها تنطبق علي ، حتى اجتاحتني رغبة في الصراخ من اليأس ومن الشقاء الذي انا فيه ، لكن الآية الاخيرة من سورة الاحزاب فتحت امامي نافذة امل ، وادركت ان للمنافقين كوة من الامل ، فالله غاضب عليهم لكنه غفور رحيم .
      وقد صدق الرجل ، لم اكن قد اخترت ترتيبا للآيات لكني قراتها كما حفظتها ، والترتيب القرآني يقضي بقراءة آيات سورة البقرة ، لكني رأيت ان التشديد عليه
      (1) البقرة : الآيات 8 ـ 20 .
      (2) الاحزاب : 23 ـ 24 .
      95
      افضل في العلاج ، فقرأتها عليه كما ذكرتها لك . اي من سورة الاحزاب ، ثم قرأت الآيات من سورة المنافقين ، وهي من اشد الآيات وقعا في النفس ، فهي تفضحهم وتعرّيهم ، وتكشف عن سوءاتهم ، وتبعث اليأس في نفوسهم المريضة ، ثم قرأت عليه الآيات في سورة النساء ، وكأنما تستأنف نفس التنكيل السابق ، ثم جاء دور الآيات في سورة البقرة ، التي فجرت الدموع في عينيه ، وحتى اجهش بالبكاء ، ووصل الى درجة الاحساس بالشقاء الابدي ، حتى اذا تلوت عليه الآية 22 من سورة الاحزاب رأيت الامل يموج في عينيه .
      قلت له : لا اكتمك انني عندما قرأت «ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا» (1) .
      لم اقرأعليك الآية التي تليها : «الا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فاولئك مع المؤمنين» (2)
      قال : فلِمَ لم تقرأها ؟!
      قلت : اردت ان اقرأها غابت عني فعلمت ان قلبك لم يلن مئة بالمئة ، لكني تذكرتها الآن ، فانظر الى آثار رحمة ربك ، انه يفتح ابواب رحمته حتى امام المنافقين ودعاهم الى الخلوص واصلاح انفسهم .
      فبكى ، لكن بكاءه هذه المرة كان شوقا ، وقد ولد عزم في قلبه على ان يروض نفسه ويتوسل بـ «سيد الشهداء» ان ينقذه من النفاق وقد وفقه الله ، فكان يتلو القرآن وخاصة سورة الحمد المباركة ، فشافاه الله من الربو .
      (1) النساء : الآية 145 .
      (2) النساء : الآية 146 .


      تعليق


      • #4
        الغيظ
        قال لي معلمي :
        ذات ليلة رأيت نفسي في عالم الرؤيا ممتطيا جوادا ماضيا في طريق ، فجأة قام الجواد بحركة غير عادية ورماني الى الارض ، شعرت بالغضب الشديد ونهضت من مكاني وسددت سلاحي نحوه وجرحت الحيوان المسكين .
        نطق الجواد وقال : لقد كنت معذورا فيما قمت به اذ وقعت عيني على شيء اخافني ففزعت منه ، اما انت فما هو عذرك في جرحي ؟ أليس شعور بالغيظ مني وهذه صفة حيوانية ، فما الذي يجعلك تختلف عني اذن ؟
        وهنا انتبهت من نومي ، وكان موعد صلاة الليل قد حان ، اذ لم يبق على طلوع الفجر سوى ساعة واحدة . نهضت من مكاني واستغرقت في صلاة الليل ، وكنت اتضرع الى الله في قنوتي وسجودي ان يخلصني من هذه الصفة الحيوانية .
        لقد ادركت ان هذه الصفة هي احدى الحجب التي اعاني منها ، ومن كانت عنده هذه الصفة فهو محروم من الحكمة . وقد قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام : «غير منتفع بالحكمة عقل مغلوب بالغضب والشهوة» (1) ؛ ولذا رحت اتضرع الى الله سبحانه في كل دعاء ومناجاة ، وتوسلت بـ «بقية الله» روحي فداه في الخلاص من هذه الصفة الحيوانية ، وارتفاع هذا الحجاب عن روحي .
        لم اكن متأكدا من خلاصي ، ولكني كيف لي ان اعرف ذلك ، ومن اين ابدا ؟ وذات يوم وقد عدت الى منزلي من سفر بعيد ، وكان قد حدث في غيابي ما عكّر
        (1) غرر الحكم : 223 .
        107
        الصفو ، ولذا استلقيت في فراشي ساعتين دون ان انام ، وكانت اعصابي تهتز هزات خفيفة ، عشر مرات اغمضت عيني ، وكانت قافلة الاعداد في مخيلتي تمضي ، فلعل النوم يغلبني ، ولكني كنت افتح عيني مرة اخرى ، الى ان غفوت عدة دقائق لا ادري كيف .
        فجأة رن جرس الباب ، فانتفضت من نومي وبدني يرتجف ، لكني وجدت نفسي في حالة غير عصبية . نهضت من فراشي وتوجهت الى فتح الباب لاجد شابا دل منظره انه لم يكن في توازن عقلي قال لي : هل هذا منزل فلان ؟
        قلت له : كلا لقد وقعت في خطأ .
        ولم يقنع الشاب بجوابي وراح يجادلني ، وفي الاثناء فتح جاري باب منزله وراح يتطلع الى منظرنا ضاحكا .
        وعلى اية حال اغلقت الباب وعدت ادراجي الى غرفة النوم مترنحا ، وكدت اتعثر في طريقي واسقط .
        وعانيت الكثير لكي انام ، وفي هذه المرة رن جرس الهاتف ، وكان احد اصدقائي وراء الخط يسألني عن حالي ! ثم قال انه سوف يتوجه الى منزلي بعد دقائق لعمل ضروري لا يمكن مناقشته في الهاتف ، قلت له : لا بأس يمكنك المجيء .
        وكان من الطبيعي ان تفر فكرة النوم من ذهني اذ لا يمكنني ذلك ، وحضر صديقي .
        قال لي : ان فلانا يصر على ان اتزوج ابنته ، ولذا اطلب منك ان تكتب له رسالة او تحدثه في الهاتف وتقول له عني اني اذا تزوجت ابنته فلن اتحمل نفقتها ابدا !!
        ودهشت من نفسي لانني ما زلت متمالكا اعصابي ، وانني بامكاني ان افهمه ان هذا الشرط غير مشروع ، وادركت حينئذ ان الله استجاب دعائي في كظم الغيظ ، وان هذا الحجاب قد ارتفع نهائيا .
        وكان تأملي في هذه الاحاديث مفيدا جدا :
        1 ـ الامام الصادق عليه السلام : «الغضب مفتاح كل شر» (1) .
        (1) بحار الانوار 70 / 263 ، الحديث 4 .
        108
        2 ـ امير المؤمنين عليه السلام في جواب عن سؤال : من اعلم الناس ؟ قال : «الذي لا يغضب» (1) .
        3 ـ النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم : «من كف غضبه ستر الله عورته» (2) .
        4 ـ النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم : «الغضب جمرة من الشيطان» (3) .
        5 ـ النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم : «الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل» (4) .
        6 ـ وسئل صلى الله عليه وسلم : ما يبعد عن غضب الله تعالى ؟ قال : «لا تغضب» (5) .
        7 ـ الامام الصادق عليه السلام : «من لا يملك غضبه لم يملك عقله» (6) .
        الامام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كف نفسه عن اعراض الناس اقال الله نفسه يوم القيامة ، ومن كف غضبه عن الناس كف الله تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة» (7) .
        قال لي معلمي :
        قبل ميلاد المسيح بسنوات طويلة كان هناك رجل يدعى «عويد بن اديم» الذي عرف بـ «ذي الكفل» ، وكان من اقارب نبي ذلك الزمان .
        ذات يوم كان جالسا الى ذلك النبي في طائفة من اصحابه فقال النبي : من يلي امر الناس بعدي على ان لا يغضب ؟ قال : فقام فتى فقال : انا ، فلم يلتفت اليه ، ثم قال كذلك ، فقام الفتى ، فمات ذلك النبي ، وبقي ذلك الفتى وجعله الله نبيا ، وكان الفتى يقضي اول النهار ، فقال ابليس لاتباعه : من له ؟ فقال واحد منهم يقال له الابيض : انا ، فقال ابليس : فاذهب اليه لعلك تغضبه ، فلما انتصف النهار جاء الابيض الى
        (1) امالي الصدوق : 237 .
        (2) ثواب الاعمال : 120 . بحار الانوار 70 / 266 ، الحديث 21 .
        (3) بحار الانوار 70 / 265 ، الحديث 15 .
        (4) المصدر المتقدم : الحديث 21 .
        (5) المصدر المتقدم : 267 ، الحديث 21 .
        (6) المصدر المتقدم : 278 ، الحديث 33 .
        (7) المصدر المتقدم : 280 ، الحديث 34 .
        109
        ذي الكفل وقد اخذ مضجعه فصاح وقال : اني مظلوم ، فقال ذو الكفل للحاجب : ادخله ، فقال ذو الكفل له : مَن الذي ظلمك ؟ قال الابيض : ظلمني من ليس في قلبه عطف وشفقة ، فاعطاه خاتمه وقال : اذهب واتيني بصاحبك ، فذهب حتى اذا كان من الغد جاء تلك الساعة التي اخذ هو مضجعه ، فصاح : اني مظلوم ، وان خصمي لم يلتفت الى خاتمك ، فقال له الحاجب : ويحك دعه ينم ، فانه لم ينم البارحة ولا امس قال : لا ادعه ينام وانا مظلوم ، فدخل الحاجب واعلمه ، فكتب له كتابا وختمه ودفعه اليه ، فذهب حتى اذا كان من الغد حين اخذ مضجعه جاء فصاح ، فقال : ما التفت الى شيء من امرك ، ولم يزل يصيح حتى قام واخذ بيده في يوم شديد الحر لو لوضعت فيه بضعه لحم على الشمس لنضجت ، فلما رأى الابيض ذلك انتزع يده من يده ويئس منه ان يغضب ؛ فانزل الله تعالى قصته على نبيه ليصبر على الاذى كما صبر الانبياء عليهم السلام على البلاء 1) .
        فالغضب من الصفات التي تحتاج الى ضبط وسيطرة ، ولا يعني هذا ان على الانسان الا يغضب ابدا ، بل عليه ان لا يغضب في بعض الموارد ، فالغضب كقوة انسانية يستلزم السيطرة عليه في اعماق الانسان ، فكما يتوجب السيطرة على الغاز في شبكة داخل المدينة ، بحيث لا يتسرب منه ولو ذرة واحدة ، فكذلك قوة الغضب في داخل الانسان يجب ان تبقى في قنواتها الخاصة ، ولا تتسرب من اي مكان ؛ لان ذلك ينطوي على مخاطر كثيرة .
        اما نفس الغضب فقد كان المعصومون يغضبون لله ، وفي سبيل الله ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها السلام : «ان الله يغضب لغضب فاطمة» (2) .
        ولذا فان الغضب من الصفات التي يحتاج الى السيطرة والضبط ؛ لانها قوة من قوى الانسان لا يمكن ازالتها نهائيا ، وانما يجب منعها من النفوذ الى دائرة العقل والسيطرة عليه ، وهذا ما تؤكد عليه الروايات .
        (1) بحار الانوار 13 / 404 ، قصص ذي الكفل عليه السلام .
        (2) صحيح البخاري : باب فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام .

        الغل والعدوان

        كان في محلتنا شاب معروف بالفحش والشقاوة ، حتى ان امه تقول اذا لم يتشاجر غلام مع احد فيضرب او يُضرب فانه لا يعود مسرورا الى البيت !
        الناس جميعا يذمونه ، وذات يوم رأيت غلاما هذا ، وهو عرفني كما يبدو ، اقترب مني وحياني بطريقته . فجأة شعرت بأنه وقع في قلبي موقعا طيبا قلت له : لماذا لا تزورني يا غلام ؟
        قال : كيف ازورك وانا من الفساق وانت عالم من العلماء .
        قلت له : لماذا تفكر هكذا ، لنذهب الآن الى بيتي ونتحدث معا .
        قال : لا يا سيدي .. دعني لحالي .. انك تتلطف معي وانا لا استحق ذلك .. ألم تسمع الناس ما يقولونه عني ؟!
        قلت : ولكني اشعر تجاهك الآن بالحب ، وقد لا احب في هذه المحلة شخصا اكثر منك .
        عندما سمع مني ذلك رأيت حبات العرق على جبينه وقال : شكرا لك ولكني .. الا تدري مقدار اذيتي للناس ؟!
        ألم تسمع بمشاجراتي كل يوم .. وانني سجنت بسبب اشهاري السكين عدة مرات ؟!
        قلت : كل شيء قابل للاصلاح .. هذه الامور ليست شيئا ذا بال .. كما ان فيك صفات طيبة وانا احبك من اجلها .
        قال : واية صفة طيبة في وانا لا ادري بها ؟!
        قلت : وهذه صفة طيبة الا يعلم المرء ان في نفسه صفة طيبة .
        111
        ويرى نفسه عاصيا مذنبا هذا اولا ، وثانيا ان من الرجولة والشهامة الا يكذب المرء .
        وتلقى «غلام» كلماتي بارتياح ؛ نسيت ان اقول اننا كنا نتحدث ونحن في طريقنا الى المنزل .
        وعندما وصلنا امتنع عن الدخول فقلت له : من اجل محبتي لك اترك ما انت عليه من شقاوة !
        قال : انا لا احب ان اكون كذلك ، ولكني اعتدت هذا السلوك .. لا استطيع ضبط اعصابي عندما يواجهني شيء لا ارتاح له . كم من مرة قررت ان اغير مسلكي لكن لا فائدة .
        قلت له : عندي لك برنامج يساعدك على الخلاص مما انت فيه .. اعرف انك شهم ، وان ارادتك ستكون اقوى في الوفاء عندما تعد احدا .. انا اطلب منك ان تعمل بكل ما اقول !
        قال : سمعا وطاعة يا سيدي انني افديك بروحي !
        قلت له : غلام ! عندما تثور لامر ما واردت ان تتشاجر مع احد ، فان كنت واقفا فاجلس ، وان كنت جالسا فانهض ، وعندها فكر بالشجار .
        قال : حاضر .
        قلت : انني آمرك بشيء ، وهو كلما اردت تفحش على احد صل على محمد وآله اولا ثم افحش .
        قال : حاضر .
        قلت : وامر آخر ، عليك ان تنظر الى كل من تعاديه وتفكر في نفسك ان هذا الشخص من مخلوقات الله سبحانه .
        قال : حاضر .
        عندما ودعني كنت متأكدا بانه سوف ينفذ ما قلت له ، كنت متأكدا من شهامته . مضت ثلاثة ايام ثم جاءني قائلا : لم استطع ان اتشاجر مع احد لقد نفذت كل ما طلبته مني لكني اشعر بانني سأنفجر .. لهذا جئت لالغاء العهد !
        112
        قلت له : اجلس ونفس عما يموج في صدرك ؛ اشتمني كما تحب حتى تستريح .. انت شهم يا غلام ، فلا تسيء الى شهامتك .
        قال : اقطع لساني اذا شتمتك يا سيدي .. سمعا وطاعة ان عهدنا كما هو ..
        قال ذلك ونهض .. ومضت ايام ثم جاء مرة اخرى وقال : لقد اصبحت اضحوكة الاصدقاء .. انهم يؤذونني فاذا شعرت بالغضب جلست لحظة ، فيضحكون مني . وانا ايضا اصبحت اضحك من نفسي ، ان اعصابي اصبحت باردة .. لم اعد اثور اذا شعرت بالغضب . بالامس اردت ان افحش لكني صليت على النبي وآله بصوت خافت .. خاصة لانه من ذرية فاطمة فشعرت بالخجل كيف اصلي على النبي واشتم ذريته .
        سكت لحظة واستطرد قائلا : ان تعليماتك يا سيدي تسبب لي العناء .. لكني اشعر الآن بانني تخلصت من عاداتي بنسبة خمسين بالمئة !
        قلت له : تعال معي اذن لاشرح لك اي العادات السيئة نجوت منها .. الله سبحانه يقول في كتابه الكريم : «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (1) .
        ويقول تعالى : «ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا» (2) .
        وعن الامام الرضا ، عن آبائه ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اياكم ومشاجرة الناس فانها تظهر الغرة ، وتدفن العزة» (3) .
        وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لم يزل جبرئيل ينهاني عن ملاحات الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الاوثان» (4) .
        وعن الامام الباقر ، عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كثر همه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن لاحن الرجال سقطت مروءته ، وذهبت كرامته» (5) .
        وقال الامام الصادق عليه السلام : «لا يكون المؤمن فحاشا» .
        (1) الانفال : الآية 46 .
        (2) الحشر : الآية 10 .
        (3) بحار الانوار 72 / 210 ، الحديث 3 .
        (4) و (5) المصدر المتقدم : الحديث 4 .

        القسوة والحب

        قال لي معلمي :
        سنوات وانا اتمنى بلوغ الكمال الروحي ، لكني لم اكن اعرف ماذا افعل ؟ خاصة وانني اتصور حجابا في نفسي يعذبني ، وهذا الحجاب هو القسوة ازاء الناس ، فلم يكن في قلبي حب للناس .. وهذه الصفة اللانسانية كانت تعذبني .
        لقد سمعت قصصا في حياة المرحوم «حسن مدرس» خاصة يوم اطلقوا عليه النار في اصفهان في مدرسة «جدة بزرك» ، والقي القبض على الفاعلين ، وجاءوا بهم الى السيد ، فقال لهم : اهربوا الآن قبل ان تقعوا بايدي الشرطة وقد يؤذونكم .. انتم لستم مقصرين ، اعدائي خدعوكم ، وانتم لا تعرفونني .
        هذه القصة هزت وجداني وقصص غيرها في حياة الائمة الاطهار ، خاصة قصة امير المؤمنين علي عليه السلام مع قاتله ابن ملجم ؛ اشعرتني هذه القصص بالنقص الذي اعاني منه .. ان في داخلي صفة حيوانية يجب ان اتخلص منها ..
        ان على الانسان ان يحب ابناء نوعه .. ان يساعد الناس ، وقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : «من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس منهم» (1) .
        الحيوانات هي المخلوقات التي لا تفكر الا في نفسها ، اما الانسان فانه مسؤول امام ابناء نوعه .. عليه ان يكون متسامحا معهم يؤثرهم على نفسه ، ويضحي من اجلهم .. ويعاني من اجل ان يعيش الناس في راحة ودعة ، وان يكون في خدمة مجتمعه وامته .
        (1) بحار الانوار 71 / 337 ، الحديث 116 .
        114
        ولذا ومن اجل معالجة هذا المرض الروحي عاهدت نفسي على تلاوة سورة الدهر اربعين صباحا .. انني لم اجد في الروايات شيئا يوحي بهذا ، ولكني اعلم ان من يقرأ قدرا من آيات القرآن الكريم لقضاء حاجة قضيت له (1) .
        كما ان سورة الدهر بالذات تبين كرامة اهل البيت وايثارهم ، ومن البديهي ان يكون لها تأثير ورحي ، وعلاوة على ذلك كنت اسألل الله بعد تلاوتها واقسم عليه بحق اهل البيت ان يشفيني منهذا المرض الروحي وان يطهر روحي منه .
        حتى جاء يوم كنت قد غفوت بعد تناولي طعام الغداء ، فرأيت سيدا وقورا في هيئة العالم ، اقترب مني وفصد ظهري واخرج منه عروقه وما اسودّ ونبذه بعيدا ، واحسست بالراحة ، وان قلبي مغمور بالحنان ، لكني لم اعرف من يكون ذلك السيد الوقور .
        في اليوم التالي جاءني سيد كانه السيد الذي رأيته في المنام وطلب مني ان اقضي له حاجة ، وكانت حاجته تسبب لي مشكلة ، فحاولت ان اعتذر له كعادتي لكنه وعظني بجملتين او ثلاث ونصحني في التخلص من تلك الصفة .. تذكرت حلم اليوم الفائت وتدفق في قلبي حنان وحب ، فنهضت لحل مشكلته وقد سهل الله ذلك ، فله الحمد .
        ومن يومها وانا اسعى في قضاء حوائج الناس وكنت احب المؤمنين اكثر من نفسي ، واوقفت حياتي من اجل خدمة الناس .
        (1) قال الامام الحسن بن علي عليه السلام : «من قرأ القرآن كانت له دعوة مجابة ، اما معجلة واما مؤجلة» بحار الانوار 89 / 204 ، الحديث 31 .

        العجلة

        قال لي معلمي :
        في مطلع شبابي كنت عجولا ، اي كنت ابادر في القيام بعمل ما قبل حلول وقته المناسب ، كما كنت اتلهّف لان ينجز لي عمل ما قبل وقته الطبيعي ، ومن الطبيعي ان يصاب انسان كهذا بالغم والهم ، كما ان الاعمال لن تكون الا ناقصة .. فيخونه صبره ، ولا يقوى على انجاز عمل صحيح . وعلي ان اوضح هنا ان معنى العجلة بانه المبادرة الى انجاز عمل ما قبل وقته المناسب .
        وعلى هذا فان العجلة في انجاز اعمال الخير ليست عجلة ، وانما هو استباق محمود ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : «فاستبقوا الخيرات» (1) .
        اما العجلة فهي انجاز عمل قبل اوانه ، كقطف الثمار قبل نضوجها ، وتناول الطعام ولما يبرد بعد ، واداء الصلاة قبل حلول وقتها ، فهناك اعمال ترتبط بوقت محدد .
        قال لي معلمي :
        كانت هذه الحالة الروحية تعذبني في اوائل شبابي ، وكم اديت من طقوس العبادة من صلاة وصيام ودعاء ، بالطبع دون الاستعانة باستاذ ، لكن دون جدوى ، لاني ادركت انه لا ينبغي العجلة حتى في معالجة هذا المرض النفسي .. وكان علي ان اتبع منهج المحاسبة والمراقبة للنفس شيئا فشيئا ، وبتأن وهدوء وتعلمت ذلك من رجل في مكلة ليلة عرفة وكان رجلا صالحا .
        كان يوم الثامن من ذي الحجة الحرام ، وكانت الشمس تجنح للمغيب ، واكثر
        (1) البقرة : الآية 148 .
        116
        الحجاج انطلقوا الى عرفات ، كنت في زاوية من المسجد الحرام وقد اخذني النوم من شدة التعب .
        فجأة استيقظت من النوم ، وكنت مرتبكا من فرط عجلتي للذهاب الى عرفات ، ويحسبني من رآني في حالة غير عادية ؛ لانني كنت ابحث عن واسطة نقل تأخذني الى ذلك المكان الزاخر بالمعاني .
        فجأة وقع بصري على رجل في وجهه سيماء الاولياء ، وكان يتصرف بوقار وهدوء وتغمره السكينة ، كان يتجه الى المسجد الحرام لاداء الصلاة .. قلت له : الا تذهب للوقوف في عرفات ؟
        قال لي وكأنه عرف مرضي : لا تعجل ! نذهب غدا في الصباح .
        سحبت يدي من يديه لانني اظن نفسي قد تأخرت قلت : كل الحجاج ذهبوا .
        قال لي بهدوء : انهم ذهبوا ليخلو امامنا الطريق ، وسنذهب في الصباح في راحة .
        قال ذلك وتوقف يعظني للحظات ، وكان ما قال لي : لنفترض انك تريد الذهاب الآن فقف على جانب الطريق وانتظر السيارة ولا داعي للاضطراب .
        سكت لحظة ثم استطرد :
        والآن لنذهب الى المسجد الحرام لنصلي العشاءين وبعد ذلك نقرر .
        قلت : اخشى الا نصل الموقف في عرفات .
        قال : انها خمسة عشر كيلومترا لا اكثر فحتى لو ذهبت مشيا فانك ستقطع هذه المسافة اكثر من مرة قبل الظهر .
        وحقا ما قال لان الواجب هو الوقوف في عرفات ، يعني ان على الحجاج ان يتواجدوا في صحراء عرفات في التاسع من ذي الحجة من الظهر الى الغروب .
        وما تحرك القوافل في يوم الثامن من ذي الحجة الا تجنبا للازدحام الذي يسبب اذى للحجاج كثيرا .
        وعلى كل حال عدنا الى المسجد الحرام وادينا العشاءين ، وقال لي بعد الصلاة : لنذهب الآن لنتناول الطعام في مكان اعرفه .
        ذهبت معه لاني احببت مصاحبته ووجدت في احاديثه متعة .


        117
        قال لي بعد ان تناولنا غذاءنا : انها ليلة عرفة ، فدعنا نبيت في المسجد الحرام .
        قلت له : وماذا عن عرفات ؟
        فقال لي : انا ايضا اؤدي مناسك الحج فاصنع ما اصنع انا .
        وافقت على ذلك دون ان ابدي رايا .
        امضينا ليلتنا هناك ، وادينا صلاة الصبح ، طبعا اكتسبت طول تلك المدة قدرا من الهدوء ، ولكن الرجل الصالح عاد الى محل اقامته لينام ، وكان قد قال لي : استرح انت ايضا .
        وهنا شعرت بالامتعاض . قلت له : ماذا لو غلبنا النوم ولم نصل الموقف ؟
        قال : سوف استيقظ في الساعة الثامنة باذن الله وسنذهب في التاسعة ، وانت بهذه العجلة التي عندك . اما انه لن تنام او لن يغلبك النوم ، فلماذا لا تستريح قليلا ؟
        لم اقل شيئا ، فمضى هو لينام ، اما انا ومع اني لم اذق طعم النوم في الليلة الفائتة فلم انم ، وكنت انظر الى الساعة باستمرار مترقبا حلول الساعة الثامنة ..
        بقيت دقائق معدودة ليؤشر عقرب الساعة على الثامنة ، وفي تلك اللحظات استيقظ الرجل الصالح ، واخذني الى المسجد الحرام مرة اخرى ، وهناك ادى ركعتين بطمأنينة تامة ، ثم ارتدينا رداء الاحرام وانحدرنا الى الطريق .
        كانت السيارات تترى تحمل المسافرين الى عرفات .
        استقلنا سيارة قطعت الطريق في ساعة ونصف . وما تزال هناك ساعتان لبدء الوقوف ، وعندما وصلنا قال : هذه صحراء عرفات هنا ينبغي ان تعرف الحقائق ، وانني اوصيك في هذا المكان واقول لك لا تعجل ، ففي العجلة يضيع الوقت ولا ينجز العمل تاما ، وان العجلة من الشيطان ، فمن كانت فيه هذه الصفة ففيه شيطان .
        وها انا انصحك ان تتوسل بـ «بقية الله» ، وهو حاضر هنا لا شك في ذلك ، وتطلب منه ان يخلصك من هذا المرض .
        فروض نفسك ، وتعلم الا تقوم بعمل قبل اوانه ، وعليك ان تعلم بان ذلك لن يحصل دفعة واحدة وانما تدريجيا .
        شكرته وعملت بنصائحه ودعوت الله سبحانه ان يشفيني .

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X