بسم الله الرحمن الرحيم
اخوانى واخواتى وابنائى الاعزاء احب ان انقل لكم موضوع مهم كثير وشيق و شدنى لقراءة كل سطر فيه مما جعلنى ان انقله لكم للاستفادة وجزا الله خيرا كاتبة هذا الموضوع فى موقع يا زينب
وتبدأ صاحبة الموضوع بالكلام فتفضلوا يا احبتى :
" قرأت هذا الكتاب وأحببت أن أنقله لحضراتكم
تدريجيا (وهو كتاب بين يدي الاستاذ . . . . السيد حسن الابطحي
مقدمة المؤلف
بدأت الكتابة في ليلة الميلاد المبارك لسيدنا الحسين (3 شعبان 1403هـ) مستمدا عزيمتي من تلك الروح العظيمة في طرح اعقد الموضوعات العلمية والروحية في قوالب لفظية سهلة ، لتكون امثلة واضحة للسائرين في طريق الحق والحقيقة ، وما توفيقي الا بالله ، وما هدفي الا رضاه .
بين يدي الاستاذ
كان لي استاذ طيب ، وكم كان بي رؤوفا ؛ ما سألته الا واجاب ، وكان يقص علي القصص ..
عيناه نافذتان تطلان على عالم الحقائق ، فما اكثر ما حدثني عن عالم الروح .. ادرك حقيقتها واحوالها ، فاوضح لي ما اوضح ، وكفاه انه يرى الحقيقة عيان او مشاهدة ، فيحدث عنها ، وكنت كلما جلست اليه اشعر بان روحي تحلق في عالم الصفاء ، فازداد حبا لله .
اجد نفسي في رحاب الله ، وفي حضرة النبي والائمة الاطهار من آله صلى الله عليه وسلم . فلا ارتكب خطيئة ولا اقترب من محرم .. يمسح بكفه على رأسي ، ويشع علي كمالا من كماله .
يشاركني حزني ، ويحميني من الشرور التي تهاجم الروح ..
وآن لي ان استعيد اللذائذ التي اقتطفتها روحي في اوراق هذا الكتاب ، فلعلني 36
اتلذذ مرة اخرى ، ولعل ابواب الرحمة الالهية تنفتح امامي ، ولعلكم يا قرائي الكرام تنتفعون بتجربتي ، وتكون لكم زادا في طريق الكمال ، وعندها تجلسون كما جلست بين يدي استاذي ، وتنهلون من عمله .
من هذا الاستاذ ، واين هو ؟
لماذا تبحثون عنه وتسألون ؟ أليست غايتكم الانتهال من علمه واخلاقه وروحه ؟
ها انا اكتب اليكم ، فان غاب عنكم شخصا شاخصا فكلماته بين ايديكم في هذا الكتاب .
بل افترضوا انه لا يوجد ثمة استاذ ، وانما اردت ان اضع امامكم حقائق روحية كبرى ، فاخترت لها هذه الطريقة .. فهل على هذا مؤاخذة ؟ لا اظن !
فليكن همكم حقائق الاسلام العليا ومعارفه الكبرى ، ولقد بذلت جهدا في بسطها ما استطعت ، وساذكر الاستاذ دائما بـ «قال لي معلمي» ، وانا لا اقصد غيره على مدى فصول الكتاب .
واني اسجل عمق ايماني بهذا الكتاب جاعلا اياه حجتي بيني وبين ربي ؛ ذلك انه خلاصة آيات من القرآن الكريم وروايات اهل البيت عليهم السلام
اليقظة والصحوة
قال لي معلمي :
ذات ليلة ، وكنت قد فرغت من صلاة العشاء ، غرقت في افكاري .. قلت في نفسي : اننا وان كنا نختلف عن الماديين وفلاسفتهم بنفيهم عالم ما وراء الطبيعة .. لكننا في سلوكنا لسنا باقل منهم !
لا نعرف عن ماضينا شيئا ولا عن مستقبلنا (1) .
واين هو ارتباطنا بالله سبحانه ؟ فهل تحدثنا اليه ؟ ام سمعنا منه جوابا ؟ (2) .
لقاؤنا مع ائمة الهدى جميعا من طرف واحد ، فكم نحييهم ونسلم عليهم دون ان نسمع جوابا .. بل اننا لا نتوقع منهم الجواب !
وهذا امام زماننا الذي نعتقد بحياته .. متى تحدثنا معه ، وانسنا به ، وهو حجة الله علينا ، بل ان بعضنا ليكذب بلقائه ببعض الناس ! (3) .
الصلاة اضحت لدينا عادة الفناها ، فلا هي تقربنا الى الله زلفى ، ولا نعرف معنى القربان من الله (4) .
(1) كما جاء في الاثر عن امير المؤمنين علي عليه السلام : «رحم الله امرء عرف قدره ، وعلم من اين ؟ وفي اين ؟ والى اين ؟ ...» .
(2) «فالهمها فجورها وتقواها» الشمس : الآية 8 .
(3) هذا المطلب موجود بصورة كاملة في كتابي «المصلح الغيبي ولقاءات مع صاحب الزمان» .
(4) النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلاة قربان كل تقي» بحار الانوار 10 / 99 .
38
والصلاة التي «المعراج» متى انطلقنا في معراجها ؟ بل متى ادركنا معنى العروج والسمو ؟ (1) .
ما نهت عن الفحشاء والمنكر وما منعتنا (2) .
ما رأينا الملائكة ، وماعرفنا علة خلقهم ، ونحن نزعم اننا على خطى علي بن ابي طالب (3) .
ما عرفنا الجن ، ولا اعتقدنا بوجودهم اعتقادا تاما (4) .
لا نعرف عن الشيطان الا اسمه ، فما فكرنا كيف تأتى له خداع بين آدم (5) . والاهم من كل ذلك اننا نجهل انفسنا ، فما عرفنا اسرار الرقاد واسرار الموت .
وفي النهاية ما تزال ستائر المادة تلقي بظلالها القاتمة على رؤيتنا (6) .
اجل غرقت في تأملاتي تلك الليلة ، وكان هاجسي لماذا نحن هكذا ؟
وكادت عاصفة الافكار التي اجتاحتني لدقائق ان تطيح بتوازني فاخرج هائما ، اصرخ في الفلوات ، واندب حظي العاثر (7) .
فجأة خامرني احساس «انني اؤمن بالله» ، وكيف لا ، وقد اقمت لتلاميذي عشرة من الادلة على وجود الله ، سنوات طويلة عشتها مع الادلة حتى وصلت
(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم :«الصلاة معراج المؤمن» عين الحياة : 201 .
(2) قال الله عز وجل : «اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون» العنكبوت : الآية 45 .
(3) قال الرضا عليه السلام : «ان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا» عيون اخبار الرضا عليه السلام : باب 26 ، الحديث 22 .
(4) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
(5) قال عز من قائل : «قال هذا صراط علي مستقيم» الحجر : الآية 41 .
(6) «هلك امرؤ لم يعرف قدره» نهج البلاغة : 491 .
(7)بسم الله الرحمن الرحيم
«والعصر * ان الانسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر » سورة العصر .
39
الى مرحلة اليقين ..
انني احب الله ولا احب شيئا حبي اياه ، هو الذي يغمرني برحمته رحيما ورحمانا ، وهو بي رؤوف (1) .
فلم لا اطلب منه ان يزيح الحجب ؟
انطلق الى بيته عاشقا ، حتى اذا جلست الى قبلته وانتبهت اليه انتابتني مشاعر تذهلني من كل شيء الا هو فتتفتح بصيرتي واجد نفسي في حضرته مشدوها بوجوده . حتى كلمات الدعاء تفر عني فلا اعد استحضر الا كلمات ذي النون يونس وهو يسبح الله في الاعماق المتكاثفة الظلام (2) .
فلا اكرر غيرها ، وهي التي تعني انه لا قوة في هذا العالم الا قوتك ، وانك وحدك الذي حبوتني بكل شيء حتى البلاء ما منحتنيه الا تطهيرا لي .. فتعالى اسمك وتبارك اذ منحتني الالم ..
انا الذي اظلم نفسي ، وانا الذي وقفت مع زمرة الظالمين ، وما هذه الحجب التي تفصلني عنك الا فعلي ..
لا ادري كم رددت هذا الذكر ! ربما كررته اكثر من مئة مرة ، وانا ساجد حتى اضاءت في قلبي كلمة الله .. الله الرحمن الحبيب العزيز الذي وعد عباده بالخلاص قالئلا : «وكذلك ننجي المؤمنين» (3) .
فزالت من بصيرتي الحجب ، وانزاحت عني الآلام .. ها انا اعيش لحظات الرحمة التي عاشها يونس ، فاذا القلب يتفتح ، والصدر ينشرح ، وشعرت ان شكري لله نعمة تستوجب مني شكرا (4) .
(1) ورايات في تفسير البسملة . تفسير البرهان 1 / 40 .
(2) «ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين» الانبياء : الآية 87 .
(3) الانبياء : الآية 88 .
(4) «ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود : اشكرني حق شكري ! فقال : يا رب ، كيف اشكرك وانا لا استطيع ان اشكرك الا بنعمة ثانية منك» جامع السادات 3 / 242 .
40
عندها اصبحت كالذي هب من نومه وادرك تخلفه عن الركب ..
آه كم انا مسكين .. كم انا خاسر ..
كيف اجبر ما مضى ؟
قال لي :
ـ بعد تلك الاستغراقة من التأمل استطعت ان ارى محبوبي .. الهي الرحمن الرحيم ، ببصيرتي رأيت ، وبقلبي سمعت .. سمعت كلماته ، وعانقت النور الذي اضاء بقلبي وذبت في لا نهائيته .
كيف لا يكون معي وهو القائل : «وهو معكم» (1) .
أليس هو القائل : «ونحن اقرب اليه من حبل الوريد» (2) .
ألم يقل : «وهو على كل شيء قدير» (3) .
ألم يقل : «الا انه بكل شيء محيط» (4) .
وألم يقل : «ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها» (5) .
وكيف يلهم النفوس القدرة على عمل الخير والشر ولا يكلمني ؟ !
قال لي :
ذات ليلة وقد بلغت الحلم ، ولم اكن لادرك حقائق العالم واسرار الخليقة ، نهضت لصلاة الليل ، وكان شيخ وقور قد علمنيها ..
ولعلي كنت في السجدة الاخيرة من الصلاة عندما غفوت ، فسمعت صوتا يتلو علي سورة من القرآن :
ـ «بسم الله الرحمن الرحيم * والشمس وضحاها * والقمر اذا تلاها * والنهار
(1) الحديد : الآية 4 .
(2) ق : الآية16 .
(3) المائدة : الآية 120 و ...
(4) فصلت : الآية 54
(5) الشمس : الآيتان 7 و 8 .
41
اذا جلاها * والليل اذا يغشاها * والسماء وما بناها * والارض وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها» (1)
وفي تلك اللحظة صحوت ، وكانت الآية الاخيرة ما تزال تدوي !
«قد افلح من زكاها» .
«قد افلح من زكاها» .
«قد افلح من زكاها» .
وكان الصوت يشتد دويا ويشتد ، حتى ويملأ اعماقي رهبة ، وسقطت على الارض مغشيا علي فاقدا الوعي .
وفي تلك اللحظة انكشفت لي الرؤيا :
يا ايها الذين قالوا آمنا بالله واسلمنا .
لماذا لا تنصتوا لله الذي خلقكم ووهبكم من كل شيء .
ومن هو كلامه حق وصدق ؟
الا تصغون الى ما يقسم به ليؤكد ان تزكية النفس هو طريق الفلاح ..
من اجل ان يصحو الانسان وينتبه من غفلته يقسم الله سبحانه بمخلوقاته .
اقسم بالشمس .
«اقسم بمحمد» (2) .
اقسم بنور الشمس البهية .
بروح محمد .
اقسم بالقمر الذي يتلوها .
(1) الشمس : الآيات 1ـ 9 .
(2) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والشمس وضحاها» ، قال : «الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، به اوضح الله عز وجل للناس دينهم» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
42
اقسم بعلي الذي قال : انا عبد من عبيد محمد (1) .
اقسم بالنور والنهار .
اقسم بالحسن والحسين وذريتهماالطيبة وكلماتهم التي اضاءت العالم (2) .
اقسم بالليل الذي يغمر العالم بستائره وحجبه ، وبالسماء .
بهذه القبة المرصعة بالنجوم .
اقسم بالارض .
وبالذي بسطها .
اقسم بالنفس الانسانية .
بالذي الهمها طريق الخير وطريق الشر .
افلح الذي يصقل نفسه ، واخفق الذي يدنسها ويثقلها بالخطأيا .
الا توقظكم هذه السورة من سباتكم العميق .
ألم يقل الله سبحانه : «قد افلح من زكاها» ؟
أليس «قد» تفيد التاكيد والحتمية ؟
قال لي : ذات ليلة اجريت تجربة «فصل الروح» ، وكان استاذي قد علمني الطريقة .
اديت مقدماتها ، استلقيت على الفراش ، وكانت عيناي ما تزال مفتوحتين عندما احسست فجأة ان قدمي تخفان وثقل في رأسي وصدري ، ثم رأيت روحي تنسل من قدمي وترتفع بنفسي شكل بدني .
وهذا الانفصال حدث الى منطقة الحزام ، يعني ان صدري ورأسي ما زالا متحدين بالروح .
(1) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والقمر اذا تلاها» ، قال : «ذاك امير المؤمنين عليه السلام» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
(2) عن ابي بصير في قول الله عز وجل : «والنهار اذا جلاها» «الحسن والحسين عليهما السلام » تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 2 .
43
ودهشت لما حصل لي ، فانتفضت من مكاني ، وعاد ما انفصل من الروح الى بدني .
ادركت من تلك الحادثة ان الروح ـ على خلاف البدن ـ متألفة من شيء يشبه البخار الشفاف ، هذا كل ما حصلت عليه من تجربتي الناقصة .
ولكني وفي تجربة لاحقة عرفت اشياء اكثر عندما نجحت باتمام التجربة وانفصال الروح كليا عن البدن .. كانت روحي بيضاء وشفافة جدا ، ولم يكن بدني سوى لحم وعظم ودم .. وكانت له حياة نباتية .. كان بدني هامدا في الفراش كمنظرنا في النوم (1) .
في الحقيقة ان تجربة فصل الروح هي ذاتها حالة النوم ، ولكنها تختلف عن النوم العادي في ان الانسان في هذه التجربة يدرك انفصال روحه ، ويتحكم في اعادتها الى البدن ، كما ان كل ما يراه ويفهمه لا ينساه بسرعة كما ينسى الرؤيا والاطياف .
للروح صفات وادراكات ، ولم اكن اعي ذلك فيما مضى . لم اكن اعرف من اين اكتسبت الروح هذه المعلومات ، ولكن في مقابل هذا تنطوي النفس على نزعات منحطة . وادركت بعد تأملات ان الروح اكتسبت كل ذلك بعد حياتها في عالم الذر ، ثم ارتباطها واتحادها بالبدن ، وانها اذا ارادت ان تطوي طريق الفضيلة ، وتخلص صوب عوالم الكمال ، فان عليها ان تتطهر من صفات الرذيلة وتتزكى ، والا فان هذه الصفات كالحديد تثاقل الى الارض ، وتجر بها الى الحياة المادية .
ولذا فقد عادت روحي الى بدني ، لأني لم اتزكى لم استطع ان احافظ على انفصالها سوى لحظات .
قال لي : ومرت ليالي بعد تلك التجربة في انفصال الروح .. كنت قد اعتدت قبل ان اغفو ان اتحدث مدة نصف ساعة مع سادتي اهل البيت عليهم السلام .. اتحدث بصميمية
1ـ وردت احاديث في بيان جسمية الروح في كتب لها اعتبار ، ومن جملة هذه الاحاديث ما عن الصادق عليه السلام : «الروح لا توصف بثقل ولا خفية ، وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا» بحار الانوار 61 /7 .
44
وحب ، وكنت كالمعتاد ابدا بسيدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ..
ولاني اعتقد بان ارواحهم عظيمة تحيط بي ، فانا انحني كمن اقبل يديه واقول : سلام عليكم ، واتحدث معه بحب .
ثم افعل ذلك مع سيدتي فاطمة الزهراء ، وبعدها الائمة الاطهار واحدا واحدا ، حتى اذا وصل الدور الى سيدي بقية الله في الارضين ، ولاني اعتقد بانه حي في دار الدنيا فانا اظهر له من الادب اكثر ، فان كنت جالسا نهضت ، وان كنت واقفا انحنيت ، ثم اضع كفي على رأسي واقول سلام عليكم ، فداك يا سيدي ، روحي ومالي وولدي وكل ما لدي ، وربما القي بنفسي على الارض في النقطة التي اتصورها محلا لقدميه ، ثم لا افرغ من مناجاته حتى يلقى في روعي انه اجاب سلامي .
في تلك الليلة فعلت ذلك ، ولكن بعد ليالي ولأن روحي كانت مثقلة بغرائز حيوانية ، كنت اشعر بالالم بكيت اكثر ، وطلبت من امامي ومحبوبي ، ومن العالم باسره فداه ان يدلني ويرشدني ويأخذ بيدي لازكي روحي ، واطهر نفسي من ادران هذا العالم .
قلت له : سيدي ومولاي ، ان يوسف كان نبيا وقد قال : «وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي» (1) .
من انا وما شأني حتى اقدر ان اطهر نفسي بنفسي ؟
انت ساعدني من اجل الزهراء فاطمة .
فجأة رأيت المكان مغمورا بالضوء .. يسبح في غلالة من نور ، وشعرت ان النور يتسلل الى اعماق وجودي .
استحال كل شيء الى زجاج تغمره الشمس .
لم يكن نورا طاغيا .
لا يمكن قياسه بانوار المادة .
نور يغمر دفئه الجميع .
(1) يوسف : الآية 53 .
45
نور مقدس يضيء كل شيء .
قلت له : ايها النور المقدس من انت وما تكون ؟
هل بمقدورك ايها النور ان تجعلني مثلك شفافا ؟ هل بامكانك ان تطهرني من ادران المادة ، ومن الظلمات والحجب الكثيفة ، ومن كل صفات الحيوان ؟
اجابني ـ ولكن بغير ما اعتدنا من اصوات ينقلها الهواء وتتردد في الآذان ، بل بصوت سمعه قلبي ـ :
ـ لقد خلقني الله لاضيء لك الطريق وامثالك ؛ انا ملاذك وسأحميك من الادران (1) .
ولكن قبل هذا عليك ان تعرفني ، ثم تعرف نفسك ، حتى تعرف الطريق في تزكية روحك ، فاذا لم تعرفني وانا معلمك ، ولا تعرف الدروس بترتيبها ، فانك لن توفق ولن تنجح . والى هنا انتهى حديث النور المقدس .
كنت اشبه بالساهم مشتت الفكر .
ثم صحوت من غفلتي وذرفت الدموع ، وكأني احاول ان اغسل بها الادران التي تنوء بها روحي ؛ وكانت حالة من الشوق تغمرني .. الشوق للقاء النور .
وكيف لا اشتاق وآيات القرآن تدعونا جميعا الى ان نتطهر ، والعقل ايضا يدعونا لذلك .
ام ترانا كتب علينا ان نبقى اسرى الطبيعة المثقلة بالمادة ، وان نبقى سجناء الحيوانية ؟!!
ام ترانا نستمر في نوم الغفلة حتى الموت !
ألم يخلق الله سبحانه الانسان لمناجاته ؟
ألم يصرح القرآن بان العناية من خلق الانسان هي العبادة (2) .
فلِمَ كل هذه الغفلة ، ولِمَ هذا الاعراض عن تزكية النفس وتطهير الروح ؟!
(1) «اين السبب المتصل بين الارض والسماء ... خلقته لنا عصمة وملاذا» دعاء الندبة .
(2) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
46
ارجو الله سبحانه ان يوقظنا من نوم الغفلة .
قال لي : ومضت ايام وانا ابكي .. لا اعرف ماذا افعل ، وذات ليلة جلست في زاوية من غرفتي ، وضعت خدي على التراب ، وقد تساقطت عليه الدموع .. وكنت الح في طلب العفو والمغفرة ، فجأة رأيت نفسي مغلولا في صحراء مد البصر ، وكنت اشعر بثقل الاغلال ، وفقدت القدرة على النهوض .. عندها شعرت بكلمات من دعاء كميل تشرق في اعماقي : «وقعدت بي اغلالي» ، غمرتني موجة حزن ، وانطلقت صيحات استغاثة :
ـ يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان !
فجأة شعرت بوجود «المنقذ» الى جانبي .
وحبيب اقرب الي من نفسي لنفسي .
وان هذا اعجب من بعده .
قلت : لسوف احقق الوصل يوما .
قال : انظر بحسن فلعلك ادركت الوصال .
قلت : سيدي .. مولاي يا من العالم فداؤك ..
ساعدني ! حط هذه الاغلال عني .. كيف يمكنني ان اطوي طريق الكمال وهذه الغلال تقعدني ..
واذا به يأمرني ان اقرأ دعاء : «يا من تحل به عقد المكاره» (1) .
وقرأت الدعاء من كل قلبي وردّدت وقت الزوال : «القدوس» حتى انطلق من اغلالي .. ردّدت : القدوس مئة وسبعين مرة ، فلقد روي عن سيدنا علي بن موسى الرضا عليه السلام محفوظ من يردّد مئة وسبعين مرة في وقت الزوال من وسوسة النفس وشرور الشيطان (2) .
(1) الدعاء السابع من الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام اذا عرضت له مهمة ، او نزلت به ملمة ، وعند الكرب .
(2) كتاب بحر الغرائب .
47
الاستاذ ضرورة :
قال لي معلمي :
كان لي تلميذ فيما مضى على قدر كبير من الفطنة والذكاء ، وكان يحبني كثيرا ، وكنت اراه يطوي المسافات في طريق الكمال .
في البداية كان يعصيني ، وكان لا يصغي الي يفي كل شيء . قال لي ذات مرة :
ـ هل من ضرورة للاستاذ اذا اراد المرء ان يطوي الطريق الى الله واكتساب الكمال الروحي ، ام ان الانسان بمفرده يمكنه ان يفعل ذلك معتمدا على عقله ؟
قلت له : ما اصعب هذا ؛ لان المشكلة تكمن في انسانية الانسان ، والحفاظ عليها ، وقديما قيل :
«ما ايسر ان يصبح المرء ملا . وما اصعب ان يكون انسانا» .
فكيف يمكن للمرء ان يطوي طريقا محفوظا بالاخطأر ، وكيف يمكن ان يحقق الانسان نموا روحيا ، وهو من اصعب الامور واعقدها ، دون ان يكون له دليل ومرشد ؟!
وهنا ذكرت له قصة سيدنا موسى بن عمران والخضر قلت له : لقد كان موسى عليه السلام نبيا من اولي العزم ، وكان بحاجة الى ترشيد روحي ، ذلك انه عندما ذهب الى الميقات ، وتكلم مع الله سبحانه ، وتلقى الالواح ، وعاد الى قومه وتحدث معهم عن لطف الله به ، برقت في ذهنه : هل يوجد من هو اعلم منه في الارض ؟!
هنالك اوحى الله سبحانه الى جبريل ان ادرك موسى قبل ان يهلك ، وقل له يذهب الى مجمع البحرين سيجد رجلا هناك على صخرة ، هو اعلم منك ، فتعلم منه .. وهبط جبريل يؤدي الرسالة ..
شعر موسى بالخجل ، وادرك ما وقع فيه من خطأ .
ودعا فتاه «يوشع» لمرافقته في رحلته العجيبة ، قال له : هناك .. هناك في مكان عند التقاء البحرين (1) رجل آتاه الله العلم ، وقد امرت ان اذهب اليه ، واتعلم منه .
(1) البحر المتوسط والمحيط في المنطقة التي تدعى اليوم مضيق جبل طارق . (المترجم)
48
واعد الفتى يوشع متاع الطريق ، وكان فيه سمكة ، وغادرا ديارهما حتى اذا وصلا مجمع البحرين ، وجدا رجلا جالسا على صخرة مطرقا برأسه ، ولكن موسى لم يلتفت اليه ، وواصلا طريقهما ، وشعر موسى بالتعب فقال لفتاه : نجلس هنا ونستريح ونأكل طعامنا .
وهنا تذكر يوشع ما جرى له قرب تلك الصخرة ، قال : لكني نسيت ان اقول لك : انني غسلت السمكة وتركتها على الصخرة لتجف ، ولكن ما حصل ان السمكة الميتة عادت لها الحياة وقفزت في البحر واخذت طريقها في المياه .. لقد انساني الشيطان ان اذكر لك ذلك . قال موسى : ارأيت الرجل الجالس على الصخرة انه هو من نبحث عنه ، هيا الى نفس الطريق الذي سلكناه .
وكانت آثارهما ما تزال مرسومة على الطريق حتى اذا وصلا الصخرة وجدا ذلك العبد الصالح مستغرقا في الصلاة .
وجلس موسى ينتظر حتى اذا فرغ الرجل من صلاته حياه موسى بأدب .
سأل الرجل : من انت ؟
قال موسى : انا موسى بن عمران .
قال الرجل : انت الذي كلمت الله تكليما .
قال موسى : اجل .. انا .
قال الرجل : : ماذا تريد مني ؟
قال موسى : جئت اتعلم مما علمك الله .
قال الرجل : انت لا تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ؟
قال موسى : ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا .
قال الرجل : ان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا .
وأتفقا على ذلك فانطلقا .
(وشرط التعلم في السفر ان يطيع التلميذ استاذه) .
حتى اذا وصلا شاطئ البحر استقلا سفينة ، كان موسى يراقب بدقة حركات استاذه ، يتعلم من سلوكه .. فجأة رأى موسى امرا مهولا .. رأى استاذه
منقول
اخوانى واخواتى وابنائى الاعزاء احب ان انقل لكم موضوع مهم كثير وشيق و شدنى لقراءة كل سطر فيه مما جعلنى ان انقله لكم للاستفادة وجزا الله خيرا كاتبة هذا الموضوع فى موقع يا زينب
وتبدأ صاحبة الموضوع بالكلام فتفضلوا يا احبتى :
" قرأت هذا الكتاب وأحببت أن أنقله لحضراتكم
تدريجيا (وهو كتاب بين يدي الاستاذ . . . . السيد حسن الابطحي
مقدمة المؤلف
بدأت الكتابة في ليلة الميلاد المبارك لسيدنا الحسين (3 شعبان 1403هـ) مستمدا عزيمتي من تلك الروح العظيمة في طرح اعقد الموضوعات العلمية والروحية في قوالب لفظية سهلة ، لتكون امثلة واضحة للسائرين في طريق الحق والحقيقة ، وما توفيقي الا بالله ، وما هدفي الا رضاه .
بين يدي الاستاذ
كان لي استاذ طيب ، وكم كان بي رؤوفا ؛ ما سألته الا واجاب ، وكان يقص علي القصص ..
عيناه نافذتان تطلان على عالم الحقائق ، فما اكثر ما حدثني عن عالم الروح .. ادرك حقيقتها واحوالها ، فاوضح لي ما اوضح ، وكفاه انه يرى الحقيقة عيان او مشاهدة ، فيحدث عنها ، وكنت كلما جلست اليه اشعر بان روحي تحلق في عالم الصفاء ، فازداد حبا لله .
اجد نفسي في رحاب الله ، وفي حضرة النبي والائمة الاطهار من آله صلى الله عليه وسلم . فلا ارتكب خطيئة ولا اقترب من محرم .. يمسح بكفه على رأسي ، ويشع علي كمالا من كماله .
يشاركني حزني ، ويحميني من الشرور التي تهاجم الروح ..
وآن لي ان استعيد اللذائذ التي اقتطفتها روحي في اوراق هذا الكتاب ، فلعلني 36
اتلذذ مرة اخرى ، ولعل ابواب الرحمة الالهية تنفتح امامي ، ولعلكم يا قرائي الكرام تنتفعون بتجربتي ، وتكون لكم زادا في طريق الكمال ، وعندها تجلسون كما جلست بين يدي استاذي ، وتنهلون من عمله .
من هذا الاستاذ ، واين هو ؟
لماذا تبحثون عنه وتسألون ؟ أليست غايتكم الانتهال من علمه واخلاقه وروحه ؟
ها انا اكتب اليكم ، فان غاب عنكم شخصا شاخصا فكلماته بين ايديكم في هذا الكتاب .
بل افترضوا انه لا يوجد ثمة استاذ ، وانما اردت ان اضع امامكم حقائق روحية كبرى ، فاخترت لها هذه الطريقة .. فهل على هذا مؤاخذة ؟ لا اظن !
فليكن همكم حقائق الاسلام العليا ومعارفه الكبرى ، ولقد بذلت جهدا في بسطها ما استطعت ، وساذكر الاستاذ دائما بـ «قال لي معلمي» ، وانا لا اقصد غيره على مدى فصول الكتاب .
واني اسجل عمق ايماني بهذا الكتاب جاعلا اياه حجتي بيني وبين ربي ؛ ذلك انه خلاصة آيات من القرآن الكريم وروايات اهل البيت عليهم السلام
اليقظة والصحوة
قال لي معلمي :
ذات ليلة ، وكنت قد فرغت من صلاة العشاء ، غرقت في افكاري .. قلت في نفسي : اننا وان كنا نختلف عن الماديين وفلاسفتهم بنفيهم عالم ما وراء الطبيعة .. لكننا في سلوكنا لسنا باقل منهم !
لا نعرف عن ماضينا شيئا ولا عن مستقبلنا (1) .
واين هو ارتباطنا بالله سبحانه ؟ فهل تحدثنا اليه ؟ ام سمعنا منه جوابا ؟ (2) .
لقاؤنا مع ائمة الهدى جميعا من طرف واحد ، فكم نحييهم ونسلم عليهم دون ان نسمع جوابا .. بل اننا لا نتوقع منهم الجواب !
وهذا امام زماننا الذي نعتقد بحياته .. متى تحدثنا معه ، وانسنا به ، وهو حجة الله علينا ، بل ان بعضنا ليكذب بلقائه ببعض الناس ! (3) .
الصلاة اضحت لدينا عادة الفناها ، فلا هي تقربنا الى الله زلفى ، ولا نعرف معنى القربان من الله (4) .
(1) كما جاء في الاثر عن امير المؤمنين علي عليه السلام : «رحم الله امرء عرف قدره ، وعلم من اين ؟ وفي اين ؟ والى اين ؟ ...» .
(2) «فالهمها فجورها وتقواها» الشمس : الآية 8 .
(3) هذا المطلب موجود بصورة كاملة في كتابي «المصلح الغيبي ولقاءات مع صاحب الزمان» .
(4) النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلاة قربان كل تقي» بحار الانوار 10 / 99 .
38
والصلاة التي «المعراج» متى انطلقنا في معراجها ؟ بل متى ادركنا معنى العروج والسمو ؟ (1) .
ما نهت عن الفحشاء والمنكر وما منعتنا (2) .
ما رأينا الملائكة ، وماعرفنا علة خلقهم ، ونحن نزعم اننا على خطى علي بن ابي طالب (3) .
ما عرفنا الجن ، ولا اعتقدنا بوجودهم اعتقادا تاما (4) .
لا نعرف عن الشيطان الا اسمه ، فما فكرنا كيف تأتى له خداع بين آدم (5) . والاهم من كل ذلك اننا نجهل انفسنا ، فما عرفنا اسرار الرقاد واسرار الموت .
وفي النهاية ما تزال ستائر المادة تلقي بظلالها القاتمة على رؤيتنا (6) .
اجل غرقت في تأملاتي تلك الليلة ، وكان هاجسي لماذا نحن هكذا ؟
وكادت عاصفة الافكار التي اجتاحتني لدقائق ان تطيح بتوازني فاخرج هائما ، اصرخ في الفلوات ، واندب حظي العاثر (7) .
فجأة خامرني احساس «انني اؤمن بالله» ، وكيف لا ، وقد اقمت لتلاميذي عشرة من الادلة على وجود الله ، سنوات طويلة عشتها مع الادلة حتى وصلت
(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم :«الصلاة معراج المؤمن» عين الحياة : 201 .
(2) قال الله عز وجل : «اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون» العنكبوت : الآية 45 .
(3) قال الرضا عليه السلام : «ان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا» عيون اخبار الرضا عليه السلام : باب 26 ، الحديث 22 .
(4) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
(5) قال عز من قائل : «قال هذا صراط علي مستقيم» الحجر : الآية 41 .
(6) «هلك امرؤ لم يعرف قدره» نهج البلاغة : 491 .
(7)بسم الله الرحمن الرحيم
«والعصر * ان الانسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر » سورة العصر .
39
الى مرحلة اليقين ..
انني احب الله ولا احب شيئا حبي اياه ، هو الذي يغمرني برحمته رحيما ورحمانا ، وهو بي رؤوف (1) .
فلم لا اطلب منه ان يزيح الحجب ؟
انطلق الى بيته عاشقا ، حتى اذا جلست الى قبلته وانتبهت اليه انتابتني مشاعر تذهلني من كل شيء الا هو فتتفتح بصيرتي واجد نفسي في حضرته مشدوها بوجوده . حتى كلمات الدعاء تفر عني فلا اعد استحضر الا كلمات ذي النون يونس وهو يسبح الله في الاعماق المتكاثفة الظلام (2) .
فلا اكرر غيرها ، وهي التي تعني انه لا قوة في هذا العالم الا قوتك ، وانك وحدك الذي حبوتني بكل شيء حتى البلاء ما منحتنيه الا تطهيرا لي .. فتعالى اسمك وتبارك اذ منحتني الالم ..
انا الذي اظلم نفسي ، وانا الذي وقفت مع زمرة الظالمين ، وما هذه الحجب التي تفصلني عنك الا فعلي ..
لا ادري كم رددت هذا الذكر ! ربما كررته اكثر من مئة مرة ، وانا ساجد حتى اضاءت في قلبي كلمة الله .. الله الرحمن الحبيب العزيز الذي وعد عباده بالخلاص قالئلا : «وكذلك ننجي المؤمنين» (3) .
فزالت من بصيرتي الحجب ، وانزاحت عني الآلام .. ها انا اعيش لحظات الرحمة التي عاشها يونس ، فاذا القلب يتفتح ، والصدر ينشرح ، وشعرت ان شكري لله نعمة تستوجب مني شكرا (4) .
(1) ورايات في تفسير البسملة . تفسير البرهان 1 / 40 .
(2) «ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين» الانبياء : الآية 87 .
(3) الانبياء : الآية 88 .
(4) «ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود : اشكرني حق شكري ! فقال : يا رب ، كيف اشكرك وانا لا استطيع ان اشكرك الا بنعمة ثانية منك» جامع السادات 3 / 242 .
40
عندها اصبحت كالذي هب من نومه وادرك تخلفه عن الركب ..
آه كم انا مسكين .. كم انا خاسر ..
كيف اجبر ما مضى ؟
قال لي :
ـ بعد تلك الاستغراقة من التأمل استطعت ان ارى محبوبي .. الهي الرحمن الرحيم ، ببصيرتي رأيت ، وبقلبي سمعت .. سمعت كلماته ، وعانقت النور الذي اضاء بقلبي وذبت في لا نهائيته .
كيف لا يكون معي وهو القائل : «وهو معكم» (1) .
أليس هو القائل : «ونحن اقرب اليه من حبل الوريد» (2) .
ألم يقل : «وهو على كل شيء قدير» (3) .
ألم يقل : «الا انه بكل شيء محيط» (4) .
وألم يقل : «ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها» (5) .
وكيف يلهم النفوس القدرة على عمل الخير والشر ولا يكلمني ؟ !
قال لي :
ذات ليلة وقد بلغت الحلم ، ولم اكن لادرك حقائق العالم واسرار الخليقة ، نهضت لصلاة الليل ، وكان شيخ وقور قد علمنيها ..
ولعلي كنت في السجدة الاخيرة من الصلاة عندما غفوت ، فسمعت صوتا يتلو علي سورة من القرآن :
ـ «بسم الله الرحمن الرحيم * والشمس وضحاها * والقمر اذا تلاها * والنهار
(1) الحديد : الآية 4 .
(2) ق : الآية16 .
(3) المائدة : الآية 120 و ...
(4) فصلت : الآية 54
(5) الشمس : الآيتان 7 و 8 .
41
اذا جلاها * والليل اذا يغشاها * والسماء وما بناها * والارض وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها» (1)
وفي تلك اللحظة صحوت ، وكانت الآية الاخيرة ما تزال تدوي !
«قد افلح من زكاها» .
«قد افلح من زكاها» .
«قد افلح من زكاها» .
وكان الصوت يشتد دويا ويشتد ، حتى ويملأ اعماقي رهبة ، وسقطت على الارض مغشيا علي فاقدا الوعي .
وفي تلك اللحظة انكشفت لي الرؤيا :
يا ايها الذين قالوا آمنا بالله واسلمنا .
لماذا لا تنصتوا لله الذي خلقكم ووهبكم من كل شيء .
ومن هو كلامه حق وصدق ؟
الا تصغون الى ما يقسم به ليؤكد ان تزكية النفس هو طريق الفلاح ..
من اجل ان يصحو الانسان وينتبه من غفلته يقسم الله سبحانه بمخلوقاته .
اقسم بالشمس .
«اقسم بمحمد» (2) .
اقسم بنور الشمس البهية .
بروح محمد .
اقسم بالقمر الذي يتلوها .
(1) الشمس : الآيات 1ـ 9 .
(2) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والشمس وضحاها» ، قال : «الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، به اوضح الله عز وجل للناس دينهم» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
42
اقسم بعلي الذي قال : انا عبد من عبيد محمد (1) .
اقسم بالنور والنهار .
اقسم بالحسن والحسين وذريتهماالطيبة وكلماتهم التي اضاءت العالم (2) .
اقسم بالليل الذي يغمر العالم بستائره وحجبه ، وبالسماء .
بهذه القبة المرصعة بالنجوم .
اقسم بالارض .
وبالذي بسطها .
اقسم بالنفس الانسانية .
بالذي الهمها طريق الخير وطريق الشر .
افلح الذي يصقل نفسه ، واخفق الذي يدنسها ويثقلها بالخطأيا .
الا توقظكم هذه السورة من سباتكم العميق .
ألم يقل الله سبحانه : «قد افلح من زكاها» ؟
أليس «قد» تفيد التاكيد والحتمية ؟
قال لي : ذات ليلة اجريت تجربة «فصل الروح» ، وكان استاذي قد علمني الطريقة .
اديت مقدماتها ، استلقيت على الفراش ، وكانت عيناي ما تزال مفتوحتين عندما احسست فجأة ان قدمي تخفان وثقل في رأسي وصدري ، ثم رأيت روحي تنسل من قدمي وترتفع بنفسي شكل بدني .
وهذا الانفصال حدث الى منطقة الحزام ، يعني ان صدري ورأسي ما زالا متحدين بالروح .
(1) عن ابي محمد ، عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : «والقمر اذا تلاها» ، قال : «ذاك امير المؤمنين عليه السلام» تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 1 .
(2) عن ابي بصير في قول الله عز وجل : «والنهار اذا جلاها» «الحسن والحسين عليهما السلام » تفسير البرهان 4 / 467 ، الحديث 2 .
43
ودهشت لما حصل لي ، فانتفضت من مكاني ، وعاد ما انفصل من الروح الى بدني .
ادركت من تلك الحادثة ان الروح ـ على خلاف البدن ـ متألفة من شيء يشبه البخار الشفاف ، هذا كل ما حصلت عليه من تجربتي الناقصة .
ولكني وفي تجربة لاحقة عرفت اشياء اكثر عندما نجحت باتمام التجربة وانفصال الروح كليا عن البدن .. كانت روحي بيضاء وشفافة جدا ، ولم يكن بدني سوى لحم وعظم ودم .. وكانت له حياة نباتية .. كان بدني هامدا في الفراش كمنظرنا في النوم (1) .
في الحقيقة ان تجربة فصل الروح هي ذاتها حالة النوم ، ولكنها تختلف عن النوم العادي في ان الانسان في هذه التجربة يدرك انفصال روحه ، ويتحكم في اعادتها الى البدن ، كما ان كل ما يراه ويفهمه لا ينساه بسرعة كما ينسى الرؤيا والاطياف .
للروح صفات وادراكات ، ولم اكن اعي ذلك فيما مضى . لم اكن اعرف من اين اكتسبت الروح هذه المعلومات ، ولكن في مقابل هذا تنطوي النفس على نزعات منحطة . وادركت بعد تأملات ان الروح اكتسبت كل ذلك بعد حياتها في عالم الذر ، ثم ارتباطها واتحادها بالبدن ، وانها اذا ارادت ان تطوي طريق الفضيلة ، وتخلص صوب عوالم الكمال ، فان عليها ان تتطهر من صفات الرذيلة وتتزكى ، والا فان هذه الصفات كالحديد تثاقل الى الارض ، وتجر بها الى الحياة المادية .
ولذا فقد عادت روحي الى بدني ، لأني لم اتزكى لم استطع ان احافظ على انفصالها سوى لحظات .
قال لي : ومرت ليالي بعد تلك التجربة في انفصال الروح .. كنت قد اعتدت قبل ان اغفو ان اتحدث مدة نصف ساعة مع سادتي اهل البيت عليهم السلام .. اتحدث بصميمية
1ـ وردت احاديث في بيان جسمية الروح في كتب لها اعتبار ، ومن جملة هذه الاحاديث ما عن الصادق عليه السلام : «الروح لا توصف بثقل ولا خفية ، وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا» بحار الانوار 61 /7 .
44
وحب ، وكنت كالمعتاد ابدا بسيدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ..
ولاني اعتقد بان ارواحهم عظيمة تحيط بي ، فانا انحني كمن اقبل يديه واقول : سلام عليكم ، واتحدث معه بحب .
ثم افعل ذلك مع سيدتي فاطمة الزهراء ، وبعدها الائمة الاطهار واحدا واحدا ، حتى اذا وصل الدور الى سيدي بقية الله في الارضين ، ولاني اعتقد بانه حي في دار الدنيا فانا اظهر له من الادب اكثر ، فان كنت جالسا نهضت ، وان كنت واقفا انحنيت ، ثم اضع كفي على رأسي واقول سلام عليكم ، فداك يا سيدي ، روحي ومالي وولدي وكل ما لدي ، وربما القي بنفسي على الارض في النقطة التي اتصورها محلا لقدميه ، ثم لا افرغ من مناجاته حتى يلقى في روعي انه اجاب سلامي .
في تلك الليلة فعلت ذلك ، ولكن بعد ليالي ولأن روحي كانت مثقلة بغرائز حيوانية ، كنت اشعر بالالم بكيت اكثر ، وطلبت من امامي ومحبوبي ، ومن العالم باسره فداه ان يدلني ويرشدني ويأخذ بيدي لازكي روحي ، واطهر نفسي من ادران هذا العالم .
قلت له : سيدي ومولاي ، ان يوسف كان نبيا وقد قال : «وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي» (1) .
من انا وما شأني حتى اقدر ان اطهر نفسي بنفسي ؟
انت ساعدني من اجل الزهراء فاطمة .
فجأة رأيت المكان مغمورا بالضوء .. يسبح في غلالة من نور ، وشعرت ان النور يتسلل الى اعماق وجودي .
استحال كل شيء الى زجاج تغمره الشمس .
لم يكن نورا طاغيا .
لا يمكن قياسه بانوار المادة .
نور يغمر دفئه الجميع .
(1) يوسف : الآية 53 .
45
نور مقدس يضيء كل شيء .
قلت له : ايها النور المقدس من انت وما تكون ؟
هل بمقدورك ايها النور ان تجعلني مثلك شفافا ؟ هل بامكانك ان تطهرني من ادران المادة ، ومن الظلمات والحجب الكثيفة ، ومن كل صفات الحيوان ؟
اجابني ـ ولكن بغير ما اعتدنا من اصوات ينقلها الهواء وتتردد في الآذان ، بل بصوت سمعه قلبي ـ :
ـ لقد خلقني الله لاضيء لك الطريق وامثالك ؛ انا ملاذك وسأحميك من الادران (1) .
ولكن قبل هذا عليك ان تعرفني ، ثم تعرف نفسك ، حتى تعرف الطريق في تزكية روحك ، فاذا لم تعرفني وانا معلمك ، ولا تعرف الدروس بترتيبها ، فانك لن توفق ولن تنجح . والى هنا انتهى حديث النور المقدس .
كنت اشبه بالساهم مشتت الفكر .
ثم صحوت من غفلتي وذرفت الدموع ، وكأني احاول ان اغسل بها الادران التي تنوء بها روحي ؛ وكانت حالة من الشوق تغمرني .. الشوق للقاء النور .
وكيف لا اشتاق وآيات القرآن تدعونا جميعا الى ان نتطهر ، والعقل ايضا يدعونا لذلك .
ام ترانا كتب علينا ان نبقى اسرى الطبيعة المثقلة بالمادة ، وان نبقى سجناء الحيوانية ؟!!
ام ترانا نستمر في نوم الغفلة حتى الموت !
ألم يخلق الله سبحانه الانسان لمناجاته ؟
ألم يصرح القرآن بان العناية من خلق الانسان هي العبادة (2) .
فلِمَ كل هذه الغفلة ، ولِمَ هذا الاعراض عن تزكية النفس وتطهير الروح ؟!
(1) «اين السبب المتصل بين الارض والسماء ... خلقته لنا عصمة وملاذا» دعاء الندبة .
(2) «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الذاريات : الآية 56 .
46
ارجو الله سبحانه ان يوقظنا من نوم الغفلة .
قال لي : ومضت ايام وانا ابكي .. لا اعرف ماذا افعل ، وذات ليلة جلست في زاوية من غرفتي ، وضعت خدي على التراب ، وقد تساقطت عليه الدموع .. وكنت الح في طلب العفو والمغفرة ، فجأة رأيت نفسي مغلولا في صحراء مد البصر ، وكنت اشعر بثقل الاغلال ، وفقدت القدرة على النهوض .. عندها شعرت بكلمات من دعاء كميل تشرق في اعماقي : «وقعدت بي اغلالي» ، غمرتني موجة حزن ، وانطلقت صيحات استغاثة :
ـ يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان ! يا صاحب الزمان !
فجأة شعرت بوجود «المنقذ» الى جانبي .
وحبيب اقرب الي من نفسي لنفسي .
وان هذا اعجب من بعده .
قلت : لسوف احقق الوصل يوما .
قال : انظر بحسن فلعلك ادركت الوصال .
قلت : سيدي .. مولاي يا من العالم فداؤك ..
ساعدني ! حط هذه الاغلال عني .. كيف يمكنني ان اطوي طريق الكمال وهذه الغلال تقعدني ..
واذا به يأمرني ان اقرأ دعاء : «يا من تحل به عقد المكاره» (1) .
وقرأت الدعاء من كل قلبي وردّدت وقت الزوال : «القدوس» حتى انطلق من اغلالي .. ردّدت : القدوس مئة وسبعين مرة ، فلقد روي عن سيدنا علي بن موسى الرضا عليه السلام محفوظ من يردّد مئة وسبعين مرة في وقت الزوال من وسوسة النفس وشرور الشيطان (2) .
(1) الدعاء السابع من الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام اذا عرضت له مهمة ، او نزلت به ملمة ، وعند الكرب .
(2) كتاب بحر الغرائب .
47
الاستاذ ضرورة :
قال لي معلمي :
كان لي تلميذ فيما مضى على قدر كبير من الفطنة والذكاء ، وكان يحبني كثيرا ، وكنت اراه يطوي المسافات في طريق الكمال .
في البداية كان يعصيني ، وكان لا يصغي الي يفي كل شيء . قال لي ذات مرة :
ـ هل من ضرورة للاستاذ اذا اراد المرء ان يطوي الطريق الى الله واكتساب الكمال الروحي ، ام ان الانسان بمفرده يمكنه ان يفعل ذلك معتمدا على عقله ؟
قلت له : ما اصعب هذا ؛ لان المشكلة تكمن في انسانية الانسان ، والحفاظ عليها ، وقديما قيل :
«ما ايسر ان يصبح المرء ملا . وما اصعب ان يكون انسانا» .
فكيف يمكن للمرء ان يطوي طريقا محفوظا بالاخطأر ، وكيف يمكن ان يحقق الانسان نموا روحيا ، وهو من اصعب الامور واعقدها ، دون ان يكون له دليل ومرشد ؟!
وهنا ذكرت له قصة سيدنا موسى بن عمران والخضر قلت له : لقد كان موسى عليه السلام نبيا من اولي العزم ، وكان بحاجة الى ترشيد روحي ، ذلك انه عندما ذهب الى الميقات ، وتكلم مع الله سبحانه ، وتلقى الالواح ، وعاد الى قومه وتحدث معهم عن لطف الله به ، برقت في ذهنه : هل يوجد من هو اعلم منه في الارض ؟!
هنالك اوحى الله سبحانه الى جبريل ان ادرك موسى قبل ان يهلك ، وقل له يذهب الى مجمع البحرين سيجد رجلا هناك على صخرة ، هو اعلم منك ، فتعلم منه .. وهبط جبريل يؤدي الرسالة ..
شعر موسى بالخجل ، وادرك ما وقع فيه من خطأ .
ودعا فتاه «يوشع» لمرافقته في رحلته العجيبة ، قال له : هناك .. هناك في مكان عند التقاء البحرين (1) رجل آتاه الله العلم ، وقد امرت ان اذهب اليه ، واتعلم منه .
(1) البحر المتوسط والمحيط في المنطقة التي تدعى اليوم مضيق جبل طارق . (المترجم)
48
واعد الفتى يوشع متاع الطريق ، وكان فيه سمكة ، وغادرا ديارهما حتى اذا وصلا مجمع البحرين ، وجدا رجلا جالسا على صخرة مطرقا برأسه ، ولكن موسى لم يلتفت اليه ، وواصلا طريقهما ، وشعر موسى بالتعب فقال لفتاه : نجلس هنا ونستريح ونأكل طعامنا .
وهنا تذكر يوشع ما جرى له قرب تلك الصخرة ، قال : لكني نسيت ان اقول لك : انني غسلت السمكة وتركتها على الصخرة لتجف ، ولكن ما حصل ان السمكة الميتة عادت لها الحياة وقفزت في البحر واخذت طريقها في المياه .. لقد انساني الشيطان ان اذكر لك ذلك . قال موسى : ارأيت الرجل الجالس على الصخرة انه هو من نبحث عنه ، هيا الى نفس الطريق الذي سلكناه .
وكانت آثارهما ما تزال مرسومة على الطريق حتى اذا وصلا الصخرة وجدا ذلك العبد الصالح مستغرقا في الصلاة .
وجلس موسى ينتظر حتى اذا فرغ الرجل من صلاته حياه موسى بأدب .
سأل الرجل : من انت ؟
قال موسى : انا موسى بن عمران .
قال الرجل : انت الذي كلمت الله تكليما .
قال موسى : اجل .. انا .
قال الرجل : : ماذا تريد مني ؟
قال موسى : جئت اتعلم مما علمك الله .
قال الرجل : انت لا تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ؟
قال موسى : ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا .
قال الرجل : ان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا .
وأتفقا على ذلك فانطلقا .
(وشرط التعلم في السفر ان يطيع التلميذ استاذه) .
حتى اذا وصلا شاطئ البحر استقلا سفينة ، كان موسى يراقب بدقة حركات استاذه ، يتعلم من سلوكه .. فجأة رأى موسى امرا مهولا .. رأى استاذه
منقول
تعليق