إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ممنوع دخول غير المسلمين ...

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ممنوع دخول غير المسلمين ...

    هذا المقال هو للفائدة و ليس مطلوب من أحد من يرد عليه أو ينتقده، كل المطلوب هو تخصيص 10 دقائق من وقتكم الثمين و الاطلاع عليه.

    تساهل المسلمين مع أهل الذمة وتشددهم مع الفرق الاسلامية

    د. محمد علي البار

    لقد تميزت تعاليم الاسلام بالسماحة مع الأديان الأخرى وخاصة مع أهل الكتاب قال تعالى { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } [ البقرة 256 ] . وقال تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف 29 ] . وقال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن } [ العنكبوت46 ] . وأباح سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتزوجوا من الكتابيات العفيفات (المحصنات) وأن يأكلوا من طعامهم ( ما عدا الخمر والخنـزير وما أهلّ لغير الله به ) قال تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات . وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حِلٌّ لهم . والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أُتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذين أخدان . ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهـو في الآخـرة من الخاســرين } [ المائدة 5 ] . وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط . ولا يجرمنّكم شنئآن قوم على الا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى . واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } [ المائدة 8 ] . وعندما سألت احدى المهاجرات وهي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها , الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هل تصل أمها المشركة الوثنية التي لم تحارب الاسلام ، نزل قرآن من السماء يتلى قال تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم . إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون }[ الممتحنة 8،9 ] . وقال تعالى في حق الوالدين المشركين اللذين يناوئان ابنهما ويدعوانه الى الشرك { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } [ لقمان15 ] ، فلم ينهَ عن معاملتهما بالحسنى بل أمر بذلك رغم جهادهما في إخراج ابنهما من دائرة الاسلام الى دائرة الكفر والعياذ بالله .
    وقد رويت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب معاملة أهل الذمة بالحسنى . ( ومن آذى ذميا فقد برئ مني .. ) وفي رواية ( كنت خصمه يوم القيامة ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضرب أروع الأمثلة في حسن معاملة أهل الذمة رغم كيد اليهود له ومناوأتهم اياه . ومحاولة اغتياله مرات عدة بالقاء حجر كبير وبالسم وبغير ذلك . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعود غلاما يهوديا مرض ودعاه الى الاسلام فنظر الغلام الى أبيه فقال : " أطع أبا القاسم " فأسلم قبل أن يموت فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متهللاً فرحاً حيث أنقذه الله به من النار .
    وتزوج صلى الله عليه وآله وسلم صفية بنت حُيي بن أخطب ألدّ أعدائه من اليهود ، وعندما أرادت الركوب ، وكانت من غنائم الحرب ، وضع لها فخذه الشريفة لتصعد عليها حتى ترقى الى الناقة وأردفها خلفه ، ثم تزوجها بعد إنقضاء عدتها من زوجها اليهودي المحارب لله ورسوله . وقد أحسن اليها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه . وعندما افتخرت عليها عائشة بأنها إبنة أبي بكر الصديق وحفصة بأنها إبنة عمر الفاروق جاءته باكية فقال لها قولي لهما : " أبي هارون وعمي موسى " عليهما السلام . وهي تنتسب الى هارون عليه السلام حتى قيل عنها " صفية الهارونية " ، وصارت من أمهات المؤمنين في الدنيا والآخرة .
    وسار الصحابة الكرام وآل البيت الأطهار على نهج المصطفى . وعندما فتحت مصر ذهب القبطي من مصر الى الفاروق عمر في المدينة يشكوه ابن الأكرمين ( ابن عمرو ابن العاص والي مصر ) الذي ضربه بسوط بعد أن سبقه القبطي . فما كان من عمر الا أن استدعى عمرو بن العاص وابنه . وأمر القبطي بضرب ابن الاكرمين وقال لعمرو قولته المشهورة : " يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " .
    ودخل الناس في دين الله أفواجا . وكان سلمان الفارسي حاكما في عهد عمر على فارس وخراسان فكان القدوة في الزهد والعفة وحُسن الخلق حتى أسلم الألآف على يديه ، وعلى يد أتباعه .
    وعندما بدأ عهد الأثرة والملك العضوض كان الظلم يستشري على طوائف الأمة ويمسّ من حين لآخر أهل الكتاب . حتى أن الجزية التي كانت مفروضة عليهم كانت تقام على من أسلم ، فلما جاء عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل أبطل ذلك الاجراء المقيت فأخبره الولاة أن بيت المال سينكسر ( أي يصاب بالعجز ) فقال قولته المشهورة " إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً " فدخل الناس مرة أخرى في دين الله أفواجا حتى أن رئيس النصارى في مصر كان يقول عن عمر بن عبدالعزيز أنه الدجال الأكبر لأن الناس قد تركت دينها ودخلت في هذا الدين الجديد .. وأن ظلم بني أمية السابق خير من عدل عمر ، فقد كان الظلم يمنع كثيرين من دخول الاسلام ، أما عدل عمر فقد أدّى الى خلو الكنائس ، وبالتالي فقدان البطارقة نفوذهم وسلطانهم .
    ورغم ذلك فقد كان وضع أهل الكتاب أفضل بكثير من طوائف عدة من المسلمين . ومنذ عهد معاوية عند بدء الملك العضوض والى انتهاء دولة الخلافة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ومحمد رشاد اللذين عزلتهما حركة الاتحاد والترقي في تركيا الحديثة على يد كمال أتاتورك ( انهاء الخلافة عام 1924 ) ، كان معظم أطباء الخليفة أو السلطان من اليهود أو النصارى أو الصابئة . كما كان المستشار المالي أو وزير المالية منذ عهد معاوية الى الوقت الراهن للحاكم في كثير من البلاد العربية والاسلامية إما يهوديا أو نصرانيا . كما تولى الوزارة الكبرى عدد من هؤلاء اليهود والنصارى والصابئة . ومن هؤلاء اليهود الذين تولوا الوزارة يعقوب بن كلس الذي وزر للمعز لدين الله الفاطمي ثم لابنه عبدالعزيز ( وفاته 380هـ/991م ) ، وابن النغريله في الاندلس الذي وزر هو وابنه في دول الطوائف حتى وصلت الوقاحة بالابن أن يسب الاسلام ورسول الاسلام ، ويؤلف في ذلك الكتب والرسائل . مما دفع ابن حزم الى الرد على وقاحته وأن تثور العامة ضده . ومن آخرهم الوزير جوزيف أصلان قطاوي الذي تولى وزارة المالية في مصر سنة 1924 وفي العراق تولى عدد من هؤلاء اليهود الوزارات . وأما النصارى الذين تولوا الوزارات والمناصب الهامة في الدولة فلا يعدون كثرة . وإذا نظرت اليوم الى قائمة اسماء الوزراء في معظم الدول العربية فلا شك أنك ستجد واحدا أو اثنين على الأقل في كل وزارة ، وستجد منهم نائبا لرئيس الوزراء . أما لبنان فلا بد أن يكون رئيس الجمهورية مارونيا حسب اتفاق تم عند الاستقلال . وأما الحبشة وأريتريا ذات الغالبية المسلمة فإنهما تحكمان من قبل النصارى ، وهذا كله يدل على سماحة الاسلام وعلى تساهل المسلمسن في كثير من الأحيان حتى خرجوا عن حدّ العدل وأضرّوا بدولة الاسلام حين سلّموا المناصب الهامة في الدولة لغير المسلمين . والاسلام لايدعوهم الى جعل المسلمين تحت حكم غير المسلميـن حتى قال الشاعر :
    يهود هذا الزمان قد بلغــوا غاية آمالهم وقد ملكوا
    العزُّ فيهم والمال عندهـــمُ ومنهم المستشار والملِكُ
    يا أهل مصر اني نصحت لكم تهوّدوا ، قد تهوَّد الفَلكُ
    وكان لكل طائفة من هذه الطوائف حريتها الدينية الكاملة ، بل وكانت الطائفة تختار رئيسها ، وعادة ما يوافق عليه الخليفة ، ويصدر مرسوما بذلك ، ويعطيه الخليفة أو السلطان صلاحيات كاملة ، ليس فقط في النظر في الشئوون الدينية للطائفة بل أيضا في النظر في شؤونها الأخرى . ويحق لهم التقاضي لديه أو لدى من ينوبه ، ويجعل الخليفة أو السلطان لهذا الرئيس شرطة وسجنا ، وله حق تنفيذ الاحكام بين أبناء طائفته دون الرجوع الى المحاكم الاسلامية .. ولم يكن الجاوون ( رئيس اليهود ) أو رئيس البطارقة ( رئيس النصارى ) يدين بالولاء والخضوع لأحد سوى الخليفة أو السلطان .. ومع هذا فيحقُّ لأبناء الطائفة أن يتحاكموا إلى القضاء الاسلامي إذا أرادوا ذلك . وهذا كله قد حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال تعالى عن اليهود الذين جاؤوا يتحاكمون الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طمعاً في أن يخفف عنهم بعض الأحكام الموجودة في كتابهم { سماعون للكذب أكّالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . وإن تعرض عنهم فلن يضروك شئيا . وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ، إن الله يحب المقسطين . وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك . وما أولئك بالمؤمنين } [ المائدة 42،43 ] .

    يتبع ...

  • #2
    تكملة

    وهكذا كان لليهود والنصارى نوع من الحكم الذاتي داخل إطار الحكم الاسلامي العام . وهو ما لم يحصل عليه المسلمون اليوم عندما يعيشون كأقليات بل ويحاربونهم عندما يريدون تطبيق حكم الشريعة ولو كانوا هم الأكثرية ، ففي نيجيريا حملة شعواء لأن بعض الولايات الفيدرالية التي تتمتع بالأغلبية الاسلامية الساحقة قد اختارت تنفيذ حكم الشريعة على المسلمين . وفي السودان حرب شعواء يقوم بها جارنج وأتباعه ومن ورائه الدول الغربية لأن الدولة تريد تطبيق حكم الشريعة على المسلمين . وتسمح للمسيحيين بأن يتحاكموا الى أي قانون يرضونه .. أما في تركيا فقد طُردت عضوة البرلمان بعد فوزها في الانتخابات لمجرد لبسها منديلا على رأسها ، وحُلَّ حزب السلامة وحزب الرفاه لكونهما أحزاباً تدعو الى الاسلام بصورة عامة وإنْ كانت تقبل العلمانية . وما حدث في الجزائر من انقلاب على الانتخابات التي فاز فيها المسلمون ، وما تلاها من مذابح مروعة دبّرتها الطغمة العسكرية المعادية للاسلام ( اللائكية ) والتي لا تزال الجزائر تعاني منها . والوضع مشابه في أماكن كثيرة بصور مختلفة تتراوح بين العلمانية والأتاتوركية المتشددة في أي طرح ديني الى أوضاع تدّعي الاسلام وتحاربه في نفس الوقت .
    والغريب حقا أن سماحة المسلمين مع أهل الكتاب لم تطل الفرق الاسلامية المختلفة فمنذ ظهور الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، كما قال خير البريّة ، وهم يقتلون أهل القرآن ويدعون أهل الصلبان . وكانوا يمتحنون الصحابة وابناءَهم ، يسألونهم عن عثمان وعلي رضي الله عنهما فإن قالوا فيهما خيراً قتلوهم وإن سبّوهما ولعنوهما وتبرأوا منهما تركوهم . وإن رأوا يهوديا أو نصرانيا قالوا هذا من أهل الذمة فتركوه بل قاموا بايصاله الى مأمنه وهم يتلون قول الله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه . ذلك بأنهم قوم لايعلمون } [ التوبة 6 ] ، ومنذ تحول الخلافة الراشدة الى ملك عضوض كم سالت من دماء المسلمين وكم قُتلت وأزهقت من الأنفس الزكية .. ولم يقع ذلك قط على أهل الذمة من اليهود والنصارى والصابئة ، بل ولا حتى المجوس الذي سنّ المسلمون بهم سنة أهل الكتاب .
    وتمترس الحكم بمقولات ضد الفئات المناوئة ، ووجد أعوانا من بعض علماء السلطان يزينون له محاربة المناؤيين وايذاءهم وظلمهم باعتبارهم مبتدعة !! وقامت كل فئة نتيجة ما حاق بها باتهام الآخرين بمثل ما أُتهمت به . وتبادل المسلمون الشتائم والتكفير والتبديع والتفسيق . وظهرت الفلسفة وجاءت ردود الفعل وإزدادت الانقسامات . وظهرت الجهمية والمعطلة والمعتزلة .. ولم يكتف أولئك بأقوالهم ولكن ما أن استطاع المعتزلة الوصول الى الحكم حتى أغروا المأمون بايذاء الآخرين زاعمين أنهم هم أهل العدل والتوحيد ، وأن ما عداهم أهل الفسق والبدعة والضلالة . ووصل الأمر الى مداه بامتحان أئمة أهل السنة حتى وصل الأمر الى أحمد بن حنبل فوقف وقفته تلك ، وتحمّل ضرب السياط ، وتعذيب السجن والضرب والاهانة .. واستمر البلاء زمانا طويلا ، على آخر عهد المأمون ثم المعتصم ثم المقتدر ، ثم تحول الأمر وأنقلب الأمر الى اضطهادٍ للمعسكر البادئ بالظلم منذ عهد المتوكل .
    وازدادت الفتنة قتامة حتى أن الامام محمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح المشهور لم يستطع أن يدخل بخارى ، ومات محاصراً في قرية خرتنك ، وهم يتهمونه بالبدعة والمروق من الدين !! وكذلك فعلوا بالامام ابن جرير الطبري صاحب التفسير المشهور وصاحب التاريخ المرجع ، ومات في بيته محصورا ولم يتمكنوا من دفنه حيث ثارت العامة المتعصبة لمذهب الامام أحمد فدفنوه في بيته .
    وكانت الفتن بين الحنابلة والأحناف ، ثم انتقلت الى الحنابلة والشافعية ، وكل فرقة تفسّق الأخرى وتبدّعها . فأهل الحديث ومتعصبة الحنابلة يرمون الأحناف بأنهم ماتريدية ، ويرمون الشافعية بأنهم أشعرية ، وكلاهما عندهم مبتدعة . والأحناف والشافعية يرون متعصبة الحنابلة مجسمة مثل اليهود !! واختلفوا في زواج الحنفي أو الشافعي للحنبلية ، وقال الحنابلة لا يجوز ونعاملهم مثل اليهود والنصارى فيجوز للحنبلي أن يتزوج شافعية أو حنفية ، ولكن لا يجوز للشافعي أو الحنفي الزواج من حنبلية .. واستمرت المعارك دهوراً طوالا ثم أذن الله بانفراج الغمة وانقشاع الفتنة ، وقبل الحنابلة بالمذاهب الأخرى كما قبلت المذاهب الأخرى مذهب الامام أحمد . وإن بقيت مسائل العقيدة تثار الى اليوم . ولا يقبل من الشافعية ولا الأحناف أقوال الاشاعرة والماتريدية . ويرى السلفيون ذلك كفراً أو على أقل تقدير بدعة وفسوقا .. والآخرون يرونهم بنفس النظرة ويقولون عنهم هؤلاء مجسّمة مشبهّة يجعلون لله حيّزا ومكانا .
    وانقسم المسلمون كذلك في ولائهم للصحابة رضوان الله عليهم . واتهم الخوارج الجميع ما عدا الشيخين ابي بكر وعمر ، وقتلوا كل من خالفهم .. وبالغ بعض أهل السنة في بغض آل البيت رغم ورود الأحاديث الكثيرة الحاثة على موالاة آل البيت ومحبتهم ونصرتهم ، حتى أن الامام الحاكم صاحب ( المستدرك ) قد أُتهم بالتشيع ، وأوذي في ذلك . كما أن الامام النسائي ضُرب حتى الممات بسبب إيراده حديثين في معاوية بن أبي سفيان .. بل إن الامام الشافعي أُتهم بالتشيع وكاد يفقد حياته بسبب ذلك ، ولولا محمد بن الحسن لقتله الرشيد . وأما الامام مالك فقد أدّت فتواه "ليس على مكره طلاق" الى ضربه وخلع كتفه واصابته بسلس البول حتى ترك الصلاة في المسجد . وأما الامام أحمد فقد أتهم بموالاته للامام علي لكثرة ما أورد في المسند من أحاديث في فضله ، وأما الامام أبو حنيفة فقد كان لتأييده ثورة الامام زيد بن علي زين العابدين أبلغ الأثر في نهاية الدولة الأموية ، ثم لما جاءت الدولة العباسية أنكر على السفاح والمنصور سفكهما الدماء البرئية وظلمهما . ووقف ضد هذه الدولة الظالمة التي حاولت أن تغريه بمنصب قاضي القضاة فأبى عليهم فسجن وضرب وعذب حتى مات شهيدا .
    وتعددت فرق السنة وفرق الشيعة وظهرت الصوفية بفرقها العديدة وطرقها المتكاثرة كما ظهرت الدعوة السلفية . وكل فرقة من هؤلاء تفسّق وتبدّع الأخرى . ويصل الأمر في كثير من الأحيان الى تكفير الآخرين بزعم أنهم الفرقة الناجية وماعداهم حطب جهنم ، وتستخدم في الحرب العنيفة بين الفرق المختلفة الادعاءات والأكاذيب .. وكل فرقة تفتري على الأخرى ما لم تقله ، أو يؤول كلامها بحيث يصبح كفراً بواحاً أو على أقل تقدير فسوقا وخروجا عن جادة الطريق وسواء السبيل . وتأججت نار العداوة حتى أُصيبت الأمة بعذاب الفرقة وما يستتبعه ذلك من ذهاب الريح والفشل . قال تعالى { ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم } [ الانفال 46 ] وجعل المولى سبحانه وتعالى من أنواع العذاب الذي يصبّه على من خالف الجادة { ويذيق بعضكم بأس بعض } [ الانعام 65 ] ، فبدأت الأمة في الانهيار واجتاحها الصليبيون ثم التتار ولما عادوا الى الألفة والوحدة نصرهم الله على أهل الصليب وأهل المغول .. ولكن الفتن عادت فطُرِد المسلمون من الأندلس .. ثم وقعت أراضيهم واحدة تلو الأخرى فريسة للاستعمار الأوربي . ثم كانت الطامة في عصرنا بظهور دولة اسرائيل وطرد أهل فلسطين من ديارهم وتشتيتهم في أركان المعمورة .. والعرب والمسلمون سادرون في غيّهم ، مستمرّون في معاركهم ، غافلون عن أعدائهم حتى أصبحوا لاحراك لهم . والمسجد الأقصى يناديهم .. والقدس تصرخ فيهم ولا معتصم هناك .. والأطفال والنساء والشيوخ يقتّلون ويذبّحون على مرأى العالم ومسمعه .. والليل مدلهم والخطب جلل ، ولا يزال كثير من الشباب المتديّن وشيوخهم مشغولين بتكفير الفرق الاسلامية الأخرى وتبديعها وتفسيقها ، تاركين العدو يمرح ويسرح في أرض الاسراء والمعراج .. وهم في معاركهم الدون كيشوتيه يقاتلون طواحين الهواء ، ويركزون كل جهودهم في تبديع هذه الفرقة ، وتفسيق تلك الأخرى ، واخراج الثالثة من دائرة الاسلام بأكمله . واليهود والنصارى يستعبدون أرض المسلمين ويستغلّون خيراتها ، وهم سعداء في معاركهم الوهمية بأنهم في سبيل الله يجاهدون ، تاركين اخوانهم فريسة لشذّاذ الآفاق وعبّاد العجل وأتباع السامري .
    ولا بد من إعادة لُحمة الأمة والارتفاع فوق الخلافات والحزازات والنعرات ، وتناسي مآسي الماضي واختلافاته حول هذه القضية أو تلك فما تعانيه الأمة ينبغي أن يدفعها الى لمّ شعثها ومداواة جروحها وتقريب وجهات النظر بين الفرق المختلفة التي تقرٌّ كلها بالله ربّا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولا .. والتي تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى .. والتي تقيم أركان الاسلام الخمسة : شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا .. قبلتنا جميعا واحدة ووجهتنا وعبادتنا لله وحده . فلامجال إذن للاختلاف على الفروع .
    والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل من الأعرابي إسلامه بالشهادتين وباقراره بمبادئ الاسلام . ولا يطلب منه سوى ذلك . ولم يكن يسألهم عن تفاصيل صفات الألوهية وصفات الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات فهي كلها داخلة في الشهادتين ، وفيما يتلونه من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
    وما يجمع المسلمين بفرقهم المختلفة أكثر بكثير مما يفرقهم ، ولكن الشيطان يغريهم بالعداوة والبغضاء والبحث عن أوجه الخلاف حتى يمزّقهم كل ممزق ، ويجعلهم لقمة سائغة لأوليائه من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وعبدة الشيطان .
    وممن انتهض لمهمة إذكاء روح الاخوة والمحبة بين فرق المسلمين الشيخ حسن بن موسى الصفار الذي ولد في مدينة القطيف من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية عام 1377هـ / 1957م . فقد جعل الشيخ حسن ، زاده الله علما وخلقا ، كل همه منذ حداثة سنه وميعة صباه أن يدعو الى الله بالموعظة الحسنة وأن يزيل قدر المستطاع تراكمات الحزازات والإحن من القلوب بين طائفتين من طوائف المسلمين اقتتلتا طويلا ، وتعادتا عبر الأزمان والقرون المتطاولة .. وهما طائفة الشيعة الامامية الجعفرية وطوائف السنة .


    يتبع ...

    تعليق


    • #3
      تكملة ...

      واستمعت الى خطبة العديدة في المناسبات والجُمع وفي عاشوراء مسجلة ، وقرأت كثيرا من كتبه فوجدت علماً وخلقاً ، وتبصيراً لمن يستمع اليه بأخلاق المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه . وأخلاق آل بيته الكرام . وكيف كانوا في القمة من السماحة ولين الجانب والعفو عمّن ظلمهم . فها هو الامام علي كرم الله وجهه ورضي عنه يدعو الخوارج الذي أغلظوا له القول إلى الجادة بالحكمة والموعظة الحسنة ، بل ويسمح لهم بالاصرار على موقفهم الظالم والخاطئ طالما أنهم لم يسفكوا الدم الحرام .. فلما سفكوا الدم الحرام قاتلهم ، ولكن لم يجهز على جريحهم ، ولم يستعبد أسيرهم ولم يأخذهم وأموالهم غنيمة بل عاملهم معاملة أهل البغي كما فعل في كل حروبه . "فهم إخواننا بغوا علينا" ، وتحدث عن موقف الحسن بن علي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيد شباب أهل الجنة هو وأخيه الحسين ( ع ) . وكيف تنازل الحسن ( ع ) عن الخلافة لمعاوية مع يقينه أنه هو الاجدر والأحق بها ، ولكنه فعل ذلك كله من أجل حقن دماء المسلمين وإقامة الصلح بين الفئتين .
      وعندما سُمَّ الحسن وتقطعت أمعائه بفعل السم سأله أخوه الحسين عمّن سمّه فأبى أن يصرّح باسمه حتى لا يثير فتنة .. وكذلك أوصى أخاه الحسين بأن يدفنه عند جده بعد أن أذنت السيدة عائشة الا إذا أبى مروان وثارت الفتنة ، وطلب من أخيه أن لا تسفك فيه محجمة دم ، وقَبِلَ أن يدفن بالبقيع وفعل الحسين ذلك وآل بيته على مضض .
      وكيف كانت أخلاق الحسين ( ع ) ثم كيف كانت أخلاق علي زين العابدين وماذا فعل لمن سبّه وشتمه . ألم يعامله بالحسنى ويكرمه بالعطاء ويدعو له بالخير .. وكذلك فعل محمد الباقر الذي بقر العلم ، ثم جعفر الصادق الذي نشره في آفاق الأرض .. ثم موسى الكاظم الذي كظم عيظه وصبر على الأذى والحبس والظلم . ولم يكن منه الا العطاء والبذل لكافة المسلمين والنصح لهم .
      وهكذا في العترة كلها . فما أجدر أتباعهم أن يتخلقوا بأخلاقهم ويسيروا على هديهم ويقولوا بقولهم . فما عُرِفَ من أحد منهم قط أنه كان سبّاباً ، بل تحملوا الأذى والسباب وسؤ الخلق بتلك الأخلاق النبوية العالية ، وكانوا منارات هدى ودعاة وحدة ، وصبروا على الضيم حتى لا تتفرق الأمة وتتمزق كل ممزق . فكيف يدّعي من أتى بعدهم وانتسب اليهم أنه منهم وهو سبّاب لعّان . ما هذه طريقتهم ولا هذه دعوتهم ، بل هم دعاة هدى ومنارات للوحدة والوئام .
      وهكذا بذل الشيخ حسن الصفار جهده وعلمه في توضيح طريق الأئمة وجهادهم وصبرهم ورفيع أخلاقهم وحرصهم على وحدة الصف ولم الشعث ووحدة الكلمة ، مع ترفعهم عن السباب واللعان والصخب والمماراة . { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } [ الفرقان63 ] . ثم إن معركتنا اليوم مع يهود وأشياعهم لا تسمح لأحد بأن يصرف أي جهد سوى في استنقاذ الأقصى من براثن هذه الطغمة الفاسقة الفاجرة ، إخوة القردة ، وأشباه الخنازير . وهذا لايعني أن الخلافات بين الفرق الاسلامية ستزول بين ليلة وضحاها .. ولكن المطلوب هو الالتقاء على ما يجمع ويقرّب لا البحث عن نقط الاختلاف وتوسيع شقة الخلاف . وما يجمع فرق المسلمين كثير كثير ..
      والغريب حقا أن رابطة العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي والأزهر الشريف قد أقامت حواراً بناء مع الفاتيكان ، بل وتعاونت معه تعاونا وثيقا في مواجهة مؤتمر السكان العالمي الذي انعقد في القاهرة عام 1994 والذي كان يدعو في بنوده وقراراته الى إباحة الفاحشة بكافة أنواعها وإلى اعتبار الزنا واللواط ( الشـذوذ الجنسي ) من الأمور الشخصية العادية . بل أعتبر حياة رجل مع رجل كما يعيش الرجل مع زوجته أسرة ، وخاصة إذا تبنّوا طفلا ، وكذلك معيشة المرأة مع المرأة ، أو معاشرة رجل وامرأة خارج نطاق الزوجية .. وأصبحت أجهزة الاعلام تتحدث عن المثليين ( المقصود الشاذين جنسيا ) من الرجال والنساء وحقهم في ذلك .. وحق الأطفال في المعاشرة الجنسية مع الكبار ، ومنع الزواج قبل سن الخامسة والعشرين حتى ينتشر النتن والعفن .. والسماح بالاجهاض حسب الطلب .. وفرض عقوبات على الدول التي تخالف هذا النتن ، فلما تعاون الفاتيكان مع الهئيات الاسلامية من السنة والشيعة استطاعوا أن يبطلوا هذه القرارات وأن يفشلوا مؤتمر السكان في القاهرة ومؤتمر المرأة في بكين ..
      وهكذا كان لهذا التعاون بين الفاتيكان ( قيادة الكاثوليك في روما ) والكنائس الارثوذكسية التي تبعت الفاتيكان بعد ذلك من جهة ، وبين المنظمات الاسلامية الرسمية وغير الرسمية مثل الازهر ورابطة العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومجموعات رسمية من ايران من جهة ثانية ، كان لهذا التعاون أبلغ الأثر في ايقاف الهجوم الكاسح الذي كانت تنظمه الهئيات والدول العلمانية على الأخلاق والقيم .
      فإذا أمكن ايجاد تعاون بناء بين المسلمين والفاتيكان فلماذا لا يمكن أن يتم مثل ذلك التعاون وأكثر بين فرق المسلمين المختلفة ؟
      إن العقلاء وعلى رأسهم الشيخ حسن بن موسى الصفار يدعون لذلك . ويرون أن لا سبيل لنهوض الأمة وسلامتها من أمراضها وكبواتها سوى بهذا التعاون ، وهذه الروح الخلاقه التي تدعو الى السلم والوئام بين فئات المسلمين ونبذ الفرقة والخصام والالتفاف حول ما يجمع والابتعاد عن كل ما يفرّق .
      وليس معنى هذا أن الخلافات بين المذاهب ستزول ، ولكن معنى ذلك أن نتجاوز هذه الخلافات الى ما يجمع وهو كثير .. وأن ندع للزمن أن يزيل أوجه الاختلاف تدريجيا . وعلى الجانبين أن يبتعدا تماما عن السب والتكفير والتفسيق .. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الكرام وصحبه الأعلام هم القدوة والمثل الأعلى فعلى الجميع أن يستنّ بسنتهم ويهتدي بطريقتهم ، فلم يكن أحد منهم سبّاباً ولا لعّاناً بل كان العفو وجميل الأخلاق شيمتهم { إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [ فصلت34 ] . والجميع مطالب بذلك ، وأن يُسمح للسنة بممارسة كافة أوجه نشاطهم في ايران ، كما يُسمح للشيعة في المناطق الأخرى التي هم فيها اقلية بمثل ذلك . وأن يعامل الجميع بالعدل والاحسان . { إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي . يعظكم لعلكم تذكّرون } [ النحل90 ] .
      والله أسأل أن يجمع القلوب على محبته وطاعته وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...

      جده :
      بتاريخ : 16/6/1422هـ
      الموافق : 4/9/2001م

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X