هذا المقال هو للفائدة و ليس مطلوب من أحد من يرد عليه أو ينتقده، كل المطلوب هو تخصيص 10 دقائق من وقتكم الثمين و الاطلاع عليه.
تساهل المسلمين مع أهل الذمة وتشددهم مع الفرق الاسلامية
د. محمد علي البار
لقد تميزت تعاليم الاسلام بالسماحة مع الأديان الأخرى وخاصة مع أهل الكتاب قال تعالى { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } [ البقرة 256 ] . وقال تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف 29 ] . وقال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن } [ العنكبوت46 ] . وأباح سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتزوجوا من الكتابيات العفيفات (المحصنات) وأن يأكلوا من طعامهم ( ما عدا الخمر والخنـزير وما أهلّ لغير الله به ) قال تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات . وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حِلٌّ لهم . والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أُتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذين أخدان . ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهـو في الآخـرة من الخاســرين } [ المائدة 5 ] . وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط . ولا يجرمنّكم شنئآن قوم على الا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى . واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } [ المائدة 8 ] . وعندما سألت احدى المهاجرات وهي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها , الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هل تصل أمها المشركة الوثنية التي لم تحارب الاسلام ، نزل قرآن من السماء يتلى قال تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم . إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون }[ الممتحنة 8،9 ] . وقال تعالى في حق الوالدين المشركين اللذين يناوئان ابنهما ويدعوانه الى الشرك { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } [ لقمان15 ] ، فلم ينهَ عن معاملتهما بالحسنى بل أمر بذلك رغم جهادهما في إخراج ابنهما من دائرة الاسلام الى دائرة الكفر والعياذ بالله .
وقد رويت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب معاملة أهل الذمة بالحسنى . ( ومن آذى ذميا فقد برئ مني .. ) وفي رواية ( كنت خصمه يوم القيامة ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضرب أروع الأمثلة في حسن معاملة أهل الذمة رغم كيد اليهود له ومناوأتهم اياه . ومحاولة اغتياله مرات عدة بالقاء حجر كبير وبالسم وبغير ذلك . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعود غلاما يهوديا مرض ودعاه الى الاسلام فنظر الغلام الى أبيه فقال : " أطع أبا القاسم " فأسلم قبل أن يموت فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متهللاً فرحاً حيث أنقذه الله به من النار .
وتزوج صلى الله عليه وآله وسلم صفية بنت حُيي بن أخطب ألدّ أعدائه من اليهود ، وعندما أرادت الركوب ، وكانت من غنائم الحرب ، وضع لها فخذه الشريفة لتصعد عليها حتى ترقى الى الناقة وأردفها خلفه ، ثم تزوجها بعد إنقضاء عدتها من زوجها اليهودي المحارب لله ورسوله . وقد أحسن اليها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه . وعندما افتخرت عليها عائشة بأنها إبنة أبي بكر الصديق وحفصة بأنها إبنة عمر الفاروق جاءته باكية فقال لها قولي لهما : " أبي هارون وعمي موسى " عليهما السلام . وهي تنتسب الى هارون عليه السلام حتى قيل عنها " صفية الهارونية " ، وصارت من أمهات المؤمنين في الدنيا والآخرة .
وسار الصحابة الكرام وآل البيت الأطهار على نهج المصطفى . وعندما فتحت مصر ذهب القبطي من مصر الى الفاروق عمر في المدينة يشكوه ابن الأكرمين ( ابن عمرو ابن العاص والي مصر ) الذي ضربه بسوط بعد أن سبقه القبطي . فما كان من عمر الا أن استدعى عمرو بن العاص وابنه . وأمر القبطي بضرب ابن الاكرمين وقال لعمرو قولته المشهورة : " يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " .
ودخل الناس في دين الله أفواجا . وكان سلمان الفارسي حاكما في عهد عمر على فارس وخراسان فكان القدوة في الزهد والعفة وحُسن الخلق حتى أسلم الألآف على يديه ، وعلى يد أتباعه .
وعندما بدأ عهد الأثرة والملك العضوض كان الظلم يستشري على طوائف الأمة ويمسّ من حين لآخر أهل الكتاب . حتى أن الجزية التي كانت مفروضة عليهم كانت تقام على من أسلم ، فلما جاء عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل أبطل ذلك الاجراء المقيت فأخبره الولاة أن بيت المال سينكسر ( أي يصاب بالعجز ) فقال قولته المشهورة " إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً " فدخل الناس مرة أخرى في دين الله أفواجا حتى أن رئيس النصارى في مصر كان يقول عن عمر بن عبدالعزيز أنه الدجال الأكبر لأن الناس قد تركت دينها ودخلت في هذا الدين الجديد .. وأن ظلم بني أمية السابق خير من عدل عمر ، فقد كان الظلم يمنع كثيرين من دخول الاسلام ، أما عدل عمر فقد أدّى الى خلو الكنائس ، وبالتالي فقدان البطارقة نفوذهم وسلطانهم .
ورغم ذلك فقد كان وضع أهل الكتاب أفضل بكثير من طوائف عدة من المسلمين . ومنذ عهد معاوية عند بدء الملك العضوض والى انتهاء دولة الخلافة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ومحمد رشاد اللذين عزلتهما حركة الاتحاد والترقي في تركيا الحديثة على يد كمال أتاتورك ( انهاء الخلافة عام 1924 ) ، كان معظم أطباء الخليفة أو السلطان من اليهود أو النصارى أو الصابئة . كما كان المستشار المالي أو وزير المالية منذ عهد معاوية الى الوقت الراهن للحاكم في كثير من البلاد العربية والاسلامية إما يهوديا أو نصرانيا . كما تولى الوزارة الكبرى عدد من هؤلاء اليهود والنصارى والصابئة . ومن هؤلاء اليهود الذين تولوا الوزارة يعقوب بن كلس الذي وزر للمعز لدين الله الفاطمي ثم لابنه عبدالعزيز ( وفاته 380هـ/991م ) ، وابن النغريله في الاندلس الذي وزر هو وابنه في دول الطوائف حتى وصلت الوقاحة بالابن أن يسب الاسلام ورسول الاسلام ، ويؤلف في ذلك الكتب والرسائل . مما دفع ابن حزم الى الرد على وقاحته وأن تثور العامة ضده . ومن آخرهم الوزير جوزيف أصلان قطاوي الذي تولى وزارة المالية في مصر سنة 1924 وفي العراق تولى عدد من هؤلاء اليهود الوزارات . وأما النصارى الذين تولوا الوزارات والمناصب الهامة في الدولة فلا يعدون كثرة . وإذا نظرت اليوم الى قائمة اسماء الوزراء في معظم الدول العربية فلا شك أنك ستجد واحدا أو اثنين على الأقل في كل وزارة ، وستجد منهم نائبا لرئيس الوزراء . أما لبنان فلا بد أن يكون رئيس الجمهورية مارونيا حسب اتفاق تم عند الاستقلال . وأما الحبشة وأريتريا ذات الغالبية المسلمة فإنهما تحكمان من قبل النصارى ، وهذا كله يدل على سماحة الاسلام وعلى تساهل المسلمسن في كثير من الأحيان حتى خرجوا عن حدّ العدل وأضرّوا بدولة الاسلام حين سلّموا المناصب الهامة في الدولة لغير المسلمين . والاسلام لايدعوهم الى جعل المسلمين تحت حكم غير المسلميـن حتى قال الشاعر :
يهود هذا الزمان قد بلغــوا غاية آمالهم وقد ملكوا
العزُّ فيهم والمال عندهـــمُ ومنهم المستشار والملِكُ
يا أهل مصر اني نصحت لكم تهوّدوا ، قد تهوَّد الفَلكُ
وكان لكل طائفة من هذه الطوائف حريتها الدينية الكاملة ، بل وكانت الطائفة تختار رئيسها ، وعادة ما يوافق عليه الخليفة ، ويصدر مرسوما بذلك ، ويعطيه الخليفة أو السلطان صلاحيات كاملة ، ليس فقط في النظر في الشئوون الدينية للطائفة بل أيضا في النظر في شؤونها الأخرى . ويحق لهم التقاضي لديه أو لدى من ينوبه ، ويجعل الخليفة أو السلطان لهذا الرئيس شرطة وسجنا ، وله حق تنفيذ الاحكام بين أبناء طائفته دون الرجوع الى المحاكم الاسلامية .. ولم يكن الجاوون ( رئيس اليهود ) أو رئيس البطارقة ( رئيس النصارى ) يدين بالولاء والخضوع لأحد سوى الخليفة أو السلطان .. ومع هذا فيحقُّ لأبناء الطائفة أن يتحاكموا إلى القضاء الاسلامي إذا أرادوا ذلك . وهذا كله قد حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال تعالى عن اليهود الذين جاؤوا يتحاكمون الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طمعاً في أن يخفف عنهم بعض الأحكام الموجودة في كتابهم { سماعون للكذب أكّالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . وإن تعرض عنهم فلن يضروك شئيا . وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ، إن الله يحب المقسطين . وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك . وما أولئك بالمؤمنين } [ المائدة 42،43 ] .
يتبع ...
تساهل المسلمين مع أهل الذمة وتشددهم مع الفرق الاسلامية
د. محمد علي البار
لقد تميزت تعاليم الاسلام بالسماحة مع الأديان الأخرى وخاصة مع أهل الكتاب قال تعالى { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } [ البقرة 256 ] . وقال تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف 29 ] . وقال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن } [ العنكبوت46 ] . وأباح سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتزوجوا من الكتابيات العفيفات (المحصنات) وأن يأكلوا من طعامهم ( ما عدا الخمر والخنـزير وما أهلّ لغير الله به ) قال تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات . وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حِلٌّ لهم . والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أُتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذين أخدان . ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهـو في الآخـرة من الخاســرين } [ المائدة 5 ] . وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط . ولا يجرمنّكم شنئآن قوم على الا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى . واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } [ المائدة 8 ] . وعندما سألت احدى المهاجرات وهي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها , الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هل تصل أمها المشركة الوثنية التي لم تحارب الاسلام ، نزل قرآن من السماء يتلى قال تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم . إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون }[ الممتحنة 8،9 ] . وقال تعالى في حق الوالدين المشركين اللذين يناوئان ابنهما ويدعوانه الى الشرك { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } [ لقمان15 ] ، فلم ينهَ عن معاملتهما بالحسنى بل أمر بذلك رغم جهادهما في إخراج ابنهما من دائرة الاسلام الى دائرة الكفر والعياذ بالله .
وقد رويت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب معاملة أهل الذمة بالحسنى . ( ومن آذى ذميا فقد برئ مني .. ) وفي رواية ( كنت خصمه يوم القيامة ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضرب أروع الأمثلة في حسن معاملة أهل الذمة رغم كيد اليهود له ومناوأتهم اياه . ومحاولة اغتياله مرات عدة بالقاء حجر كبير وبالسم وبغير ذلك . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعود غلاما يهوديا مرض ودعاه الى الاسلام فنظر الغلام الى أبيه فقال : " أطع أبا القاسم " فأسلم قبل أن يموت فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متهللاً فرحاً حيث أنقذه الله به من النار .
وتزوج صلى الله عليه وآله وسلم صفية بنت حُيي بن أخطب ألدّ أعدائه من اليهود ، وعندما أرادت الركوب ، وكانت من غنائم الحرب ، وضع لها فخذه الشريفة لتصعد عليها حتى ترقى الى الناقة وأردفها خلفه ، ثم تزوجها بعد إنقضاء عدتها من زوجها اليهودي المحارب لله ورسوله . وقد أحسن اليها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه . وعندما افتخرت عليها عائشة بأنها إبنة أبي بكر الصديق وحفصة بأنها إبنة عمر الفاروق جاءته باكية فقال لها قولي لهما : " أبي هارون وعمي موسى " عليهما السلام . وهي تنتسب الى هارون عليه السلام حتى قيل عنها " صفية الهارونية " ، وصارت من أمهات المؤمنين في الدنيا والآخرة .
وسار الصحابة الكرام وآل البيت الأطهار على نهج المصطفى . وعندما فتحت مصر ذهب القبطي من مصر الى الفاروق عمر في المدينة يشكوه ابن الأكرمين ( ابن عمرو ابن العاص والي مصر ) الذي ضربه بسوط بعد أن سبقه القبطي . فما كان من عمر الا أن استدعى عمرو بن العاص وابنه . وأمر القبطي بضرب ابن الاكرمين وقال لعمرو قولته المشهورة : " يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " .
ودخل الناس في دين الله أفواجا . وكان سلمان الفارسي حاكما في عهد عمر على فارس وخراسان فكان القدوة في الزهد والعفة وحُسن الخلق حتى أسلم الألآف على يديه ، وعلى يد أتباعه .
وعندما بدأ عهد الأثرة والملك العضوض كان الظلم يستشري على طوائف الأمة ويمسّ من حين لآخر أهل الكتاب . حتى أن الجزية التي كانت مفروضة عليهم كانت تقام على من أسلم ، فلما جاء عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل أبطل ذلك الاجراء المقيت فأخبره الولاة أن بيت المال سينكسر ( أي يصاب بالعجز ) فقال قولته المشهورة " إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً " فدخل الناس مرة أخرى في دين الله أفواجا حتى أن رئيس النصارى في مصر كان يقول عن عمر بن عبدالعزيز أنه الدجال الأكبر لأن الناس قد تركت دينها ودخلت في هذا الدين الجديد .. وأن ظلم بني أمية السابق خير من عدل عمر ، فقد كان الظلم يمنع كثيرين من دخول الاسلام ، أما عدل عمر فقد أدّى الى خلو الكنائس ، وبالتالي فقدان البطارقة نفوذهم وسلطانهم .
ورغم ذلك فقد كان وضع أهل الكتاب أفضل بكثير من طوائف عدة من المسلمين . ومنذ عهد معاوية عند بدء الملك العضوض والى انتهاء دولة الخلافة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ومحمد رشاد اللذين عزلتهما حركة الاتحاد والترقي في تركيا الحديثة على يد كمال أتاتورك ( انهاء الخلافة عام 1924 ) ، كان معظم أطباء الخليفة أو السلطان من اليهود أو النصارى أو الصابئة . كما كان المستشار المالي أو وزير المالية منذ عهد معاوية الى الوقت الراهن للحاكم في كثير من البلاد العربية والاسلامية إما يهوديا أو نصرانيا . كما تولى الوزارة الكبرى عدد من هؤلاء اليهود والنصارى والصابئة . ومن هؤلاء اليهود الذين تولوا الوزارة يعقوب بن كلس الذي وزر للمعز لدين الله الفاطمي ثم لابنه عبدالعزيز ( وفاته 380هـ/991م ) ، وابن النغريله في الاندلس الذي وزر هو وابنه في دول الطوائف حتى وصلت الوقاحة بالابن أن يسب الاسلام ورسول الاسلام ، ويؤلف في ذلك الكتب والرسائل . مما دفع ابن حزم الى الرد على وقاحته وأن تثور العامة ضده . ومن آخرهم الوزير جوزيف أصلان قطاوي الذي تولى وزارة المالية في مصر سنة 1924 وفي العراق تولى عدد من هؤلاء اليهود الوزارات . وأما النصارى الذين تولوا الوزارات والمناصب الهامة في الدولة فلا يعدون كثرة . وإذا نظرت اليوم الى قائمة اسماء الوزراء في معظم الدول العربية فلا شك أنك ستجد واحدا أو اثنين على الأقل في كل وزارة ، وستجد منهم نائبا لرئيس الوزراء . أما لبنان فلا بد أن يكون رئيس الجمهورية مارونيا حسب اتفاق تم عند الاستقلال . وأما الحبشة وأريتريا ذات الغالبية المسلمة فإنهما تحكمان من قبل النصارى ، وهذا كله يدل على سماحة الاسلام وعلى تساهل المسلمسن في كثير من الأحيان حتى خرجوا عن حدّ العدل وأضرّوا بدولة الاسلام حين سلّموا المناصب الهامة في الدولة لغير المسلمين . والاسلام لايدعوهم الى جعل المسلمين تحت حكم غير المسلميـن حتى قال الشاعر :
يهود هذا الزمان قد بلغــوا غاية آمالهم وقد ملكوا
العزُّ فيهم والمال عندهـــمُ ومنهم المستشار والملِكُ
يا أهل مصر اني نصحت لكم تهوّدوا ، قد تهوَّد الفَلكُ
وكان لكل طائفة من هذه الطوائف حريتها الدينية الكاملة ، بل وكانت الطائفة تختار رئيسها ، وعادة ما يوافق عليه الخليفة ، ويصدر مرسوما بذلك ، ويعطيه الخليفة أو السلطان صلاحيات كاملة ، ليس فقط في النظر في الشئوون الدينية للطائفة بل أيضا في النظر في شؤونها الأخرى . ويحق لهم التقاضي لديه أو لدى من ينوبه ، ويجعل الخليفة أو السلطان لهذا الرئيس شرطة وسجنا ، وله حق تنفيذ الاحكام بين أبناء طائفته دون الرجوع الى المحاكم الاسلامية .. ولم يكن الجاوون ( رئيس اليهود ) أو رئيس البطارقة ( رئيس النصارى ) يدين بالولاء والخضوع لأحد سوى الخليفة أو السلطان .. ومع هذا فيحقُّ لأبناء الطائفة أن يتحاكموا إلى القضاء الاسلامي إذا أرادوا ذلك . وهذا كله قد حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال تعالى عن اليهود الذين جاؤوا يتحاكمون الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طمعاً في أن يخفف عنهم بعض الأحكام الموجودة في كتابهم { سماعون للكذب أكّالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . وإن تعرض عنهم فلن يضروك شئيا . وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ، إن الله يحب المقسطين . وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك . وما أولئك بالمؤمنين } [ المائدة 42،43 ] .
يتبع ...
تعليق