بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة أوجدت المذاهب
بالقراءة المتأنية للتاريخ نجد أن السياسة هي التي أوجدت المذاهب الأربعة وحاربت كل من تمذهب بغيرها. ولو عملت السياسة بالمذاهب الأخرى مثلما عملت بالمذاهب الأربعة لكانت موجودة الآن يتعبد بها الناس ولا يرضون بغيرها بدلا.
فمعتنقوها خلقوا فوجدوا هذه المذاهب في مجتمعاتهم وتبنوها، هذا كل ما في الأمر، وليس في هذا دليل على وجوب اتباعها.
يقول المقريزي: " استمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة 566 هـ حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة، وعودي من تمذهب بغيرها، وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم، وأعلن الظاهر بيبرس سد باب الاجتهاد، ومازال أمر بيبرس نافذا بالرغم من زوال ملكه " (1).
قال عبد المتعال الصعيدي: " وإني أستطيع أن أحكم هنا بأن منع الاجتهاد قد حصل بطرق ظالمة، وبوسائل القهر والإغراء بالمال، ولا شك أن هذه الوسائل لو قدرت لغير المذاهب الأربعة التي نقلدها الآن لبقي لها جمهور يقلدها أيضا، ولكانت الآن مقبولة عند من ينكرها " (2).
قيل في الأئمة الأربعة
وهؤلاء الأئمة تكلموا في بعضهم البعض، وانتقدهم العلماء في مختلف العصور، من ذلك: ما أخرجه الخطيب بالإسناد إلى وكيع، قال: اجتمع سفيان الثوري وشريك
____________
1 - الخطط المقريزية: 2 / 333. وقد ذهب السيد سابق الى أن للحكام دورا كبيرا في ايجاد هذه المذاهب، راجع: فقه السنة: 1 / 14.
2 - ميدان الاجتهاد: ص 14.
والحسن بن صالح وابن أبي ليلى، فبعثوا إلى أبي حنيفة، قال: فأتاهم، فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه، ونكح أمه، وشرب الخمر في رأس أبيه؟ فقال: مؤمن، فقال له ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة ابدا، وقال له سفيان الثوري: لا كلمتك ابدا، وقال له شريك:
لو كان لي من الأمر شئ لضربت عنقك وقال له الحسن بن صالح: وجهي من وجهك حرام أن أنظر إلى وجهك ابدا... وعندما سمع بوفاته سفيان الثوري قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه" (1).
وعن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك بن أنس: أيذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت:
نعم، قال: ماينبغي لبلدكم أن يسكن! (2) وقد رد على أبي حنيفة مايقرب من خمسة وثلاثين إماما، منهم: أيوب السجستاني، جرير بن حازم، حماد بن سلمة، أبو عوانة، مالك بن أنس، جعفر بن محمد، والأوزاعي، وعبد الله بن مبارك، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن أبي ليلى... " (3).
" وكان الأوزاعي يقول: إنا لاننقم على أبي حنيفة أنه رأى، كلنا يرى، ولكننا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخالفه إلى غيره " (4).
وأخرج الخطيب البغدادي عن أبي صالح القراء، قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعمائة حديث أو أكثر.
قال: وقال أبو حنيفة لو أدركني النبي وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن " (5).
____________
1 - تاريخ بغداد: 13 / 374.
2 - العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل 2 / 547، تحقيق وتخريج وصى الله عباس، وصحح اسناده.
3 - تاريخ بغداد: 13 / 369 - 370.
4 - تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة: ص 52.
5 - راجع هذه الأخبار وغيرها الكثير في تاريخ بغداد: 13 / 369 - 424.
* * *
وعن سفيان قال: " استتاب أصحاب أبي حنيفة أبا حنيفة مرتين أو ثلاثا " وكان سفيان شديد القول في الإرجاء والرد عليهم (1).
يقول ابن عبد البر: " وممن طعن عليه وجرحه محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعماني بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد:
حدثنا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ سمعنا سفيان الثوري يقول: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين، وقال نعيم الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: كان يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود شر منه. هذا ما ذكره البخاري " (2).
وقال الألباني: " إن الإمام (رحمه الله) - يقصد أبا حنيفة - قد ضعفه من جهة حفظه:
البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي، وغيرهم من أئمة الحديث " ثم ذكر أقوالهم (3).
ولم يسلم أبو حنيفة من التكفير في هذا العصر، فقد كفره زعيم السلفية في مصر حامد الفقهي (4).
أما الإمام مالك بن أنس، فقال فيه ابن عبد البر: " وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره وهو مشهور عنه، قال إنكارا منه لقول مالك في حديث البيعين بالخيار، وكان إبراهيم بن سعد يتكلم وكان ابراهيم بن يحيى يدعو عليه، وتكلم في مالك أيضا - فيما ذكره الساجي في كتاب العلل - عبد العزيز ابن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابن اسحاق وابن أبي يحيى وابن أبي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته
____________
1 - العلل ومعرفة الرجال، وصححه وصي الله عباس: 3 / 239.
2 - الانتقاء: ص 150.
3 - سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1 / 465 عند حديث رقم: 458.
4 - راجع سر تأخر العرب والمسلمين، محمد الغزالي: ص 53 - 54.
عن داود بن الحصين وثور بن زيد.
وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شئ من رأيه حسدا لموضع إمامته، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفي فتياه بإتيان النساء في الأعجاز... " (1).
وفي تاريخ بغداد: " أن جماعة من أهل العلم عابوا مالكا بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والصدق والأمانة " (2).
أما الشافعي فقد تكلم فيه يحيى بن معين - إمام الجرح والتعديل - فقال عنه:
" ليس بثقة " (3).
قال ابن عبد البر: " وقد صح عن ابن معين من طرق أنه كان يتكلم في الشافعي " (4).
الأئمة الأربعة والسنة الشريفة
وبتتبع آراء الأئمة نجد أنهم خالفوا السنة، كطلاق الثلاث بلفظ واحد، فقد عده الأئمة الأربعة ثلاث طلقات خلافا لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، (5) وجمع المحقق ابن دقيق العيد المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفرادا واجتماعا، في مجلد ضخم ((6).
وقد ذكر الألباني خمسا وخمسين مسألة خالف بها الأئمة والفقهاء السنة
____________
1 - جامع بيان العلم: 2 / 1115.
2 - ترجمة ابن إسحاق من تاريخ بغداد.
3 - جامع بيان العلم: 2 / 1114.
4 - المصدر السابق: ص 394.
5 - صحيح مسلم: كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث.
6 - راجع صفة صلاة النبي، الألباني: ص 37.
الصحيحة. وقال ابن حزم عن الأحاديث التي خالفها الأئمة والفقهاء: " لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف " (2).
وقال الليث بن سعد: " أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما قال فيها برأيه " (2).
وقد يقال: إن الأئمة خالفوا السنة لأنها لم تصلهم. نعم وهذا احتمال وارد، ولكن ما ذنبنا نحن؟! هل نقلدهم ونخالف السنة لأن السنة لم تصلهم؟! فالذي يظهر لي أننا أمام خيارين: أن نقلدهم ونخالف السنة، أو أن نترك تقليدهم لنتبع السنة، والثاني هو الصحيح، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالإتباع من الأئمة الأربعة، ومن قال غير ذلك فنسأل الله له السلامة!
الخلاصة
بعد ما مضى، نخلص إلى القول بأن هذا المنهج ليس هو المنظومة الإلهية التي يريد الله لنا أن نتبعها، لكثرة الثغرات والجوانب السلبية فيها (3)، فلا دليل على هذا المنهج ورموز هذا المنهج أموات، ولا نستطيع ترجيح مذهب على آخر. كما أن هؤلاء الأئمة كثيرا ما يختلفون ويتعثرون في آرائهم ويخالفون السنة ولو بدون قصد. فضلا عن هذا كله فقد نهوا الناس عن تقليدهم، كل هذا يجعلنا ننتقل نقلة لا رجعة فيها لنرى الأطروحة الثانية فربما نجد بغيتنا.
يقول الزمخشري المفسر المعروف:
____________
1 - الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام، الألباني: ص 58.
2 - جامع بيان العلم: 2 / 1080.
3 - ومع أننا انتهينا من مدرسة الأشاعرة وإشكالاتها إلا أن هناك إشكالات اخرى ترد عليها سنعرض لها - في الباب الثاني. ولا داعي لتشخيصها بل يدركها قارئنا اللبيب بنفسه.
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت قالوا بأنني * ثقيل حلولي بغيض مجسم (1)
____________
1 - ترجمة الزمخشري المطبوعة بالجزء الرابع من الكشاف: 310.
السياسة أوجدت المذاهب
بالقراءة المتأنية للتاريخ نجد أن السياسة هي التي أوجدت المذاهب الأربعة وحاربت كل من تمذهب بغيرها. ولو عملت السياسة بالمذاهب الأخرى مثلما عملت بالمذاهب الأربعة لكانت موجودة الآن يتعبد بها الناس ولا يرضون بغيرها بدلا.
فمعتنقوها خلقوا فوجدوا هذه المذاهب في مجتمعاتهم وتبنوها، هذا كل ما في الأمر، وليس في هذا دليل على وجوب اتباعها.
يقول المقريزي: " استمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة 566 هـ حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة، وعودي من تمذهب بغيرها، وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم، وأعلن الظاهر بيبرس سد باب الاجتهاد، ومازال أمر بيبرس نافذا بالرغم من زوال ملكه " (1).
قال عبد المتعال الصعيدي: " وإني أستطيع أن أحكم هنا بأن منع الاجتهاد قد حصل بطرق ظالمة، وبوسائل القهر والإغراء بالمال، ولا شك أن هذه الوسائل لو قدرت لغير المذاهب الأربعة التي نقلدها الآن لبقي لها جمهور يقلدها أيضا، ولكانت الآن مقبولة عند من ينكرها " (2).
قيل في الأئمة الأربعة
وهؤلاء الأئمة تكلموا في بعضهم البعض، وانتقدهم العلماء في مختلف العصور، من ذلك: ما أخرجه الخطيب بالإسناد إلى وكيع، قال: اجتمع سفيان الثوري وشريك
____________
1 - الخطط المقريزية: 2 / 333. وقد ذهب السيد سابق الى أن للحكام دورا كبيرا في ايجاد هذه المذاهب، راجع: فقه السنة: 1 / 14.
2 - ميدان الاجتهاد: ص 14.
والحسن بن صالح وابن أبي ليلى، فبعثوا إلى أبي حنيفة، قال: فأتاهم، فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه، ونكح أمه، وشرب الخمر في رأس أبيه؟ فقال: مؤمن، فقال له ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة ابدا، وقال له سفيان الثوري: لا كلمتك ابدا، وقال له شريك:
لو كان لي من الأمر شئ لضربت عنقك وقال له الحسن بن صالح: وجهي من وجهك حرام أن أنظر إلى وجهك ابدا... وعندما سمع بوفاته سفيان الثوري قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه" (1).
وعن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك بن أنس: أيذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت:
نعم، قال: ماينبغي لبلدكم أن يسكن! (2) وقد رد على أبي حنيفة مايقرب من خمسة وثلاثين إماما، منهم: أيوب السجستاني، جرير بن حازم، حماد بن سلمة، أبو عوانة، مالك بن أنس، جعفر بن محمد، والأوزاعي، وعبد الله بن مبارك، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن أبي ليلى... " (3).
" وكان الأوزاعي يقول: إنا لاننقم على أبي حنيفة أنه رأى، كلنا يرى، ولكننا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخالفه إلى غيره " (4).
وأخرج الخطيب البغدادي عن أبي صالح القراء، قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعمائة حديث أو أكثر.
قال: وقال أبو حنيفة لو أدركني النبي وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن " (5).
____________
1 - تاريخ بغداد: 13 / 374.
2 - العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل 2 / 547، تحقيق وتخريج وصى الله عباس، وصحح اسناده.
3 - تاريخ بغداد: 13 / 369 - 370.
4 - تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة: ص 52.
5 - راجع هذه الأخبار وغيرها الكثير في تاريخ بغداد: 13 / 369 - 424.
* * *
وعن سفيان قال: " استتاب أصحاب أبي حنيفة أبا حنيفة مرتين أو ثلاثا " وكان سفيان شديد القول في الإرجاء والرد عليهم (1).
يقول ابن عبد البر: " وممن طعن عليه وجرحه محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعماني بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد:
حدثنا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ سمعنا سفيان الثوري يقول: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين، وقال نعيم الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: كان يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود شر منه. هذا ما ذكره البخاري " (2).
وقال الألباني: " إن الإمام (رحمه الله) - يقصد أبا حنيفة - قد ضعفه من جهة حفظه:
البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي، وغيرهم من أئمة الحديث " ثم ذكر أقوالهم (3).
ولم يسلم أبو حنيفة من التكفير في هذا العصر، فقد كفره زعيم السلفية في مصر حامد الفقهي (4).
أما الإمام مالك بن أنس، فقال فيه ابن عبد البر: " وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره وهو مشهور عنه، قال إنكارا منه لقول مالك في حديث البيعين بالخيار، وكان إبراهيم بن سعد يتكلم وكان ابراهيم بن يحيى يدعو عليه، وتكلم في مالك أيضا - فيما ذكره الساجي في كتاب العلل - عبد العزيز ابن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابن اسحاق وابن أبي يحيى وابن أبي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته
____________
1 - العلل ومعرفة الرجال، وصححه وصي الله عباس: 3 / 239.
2 - الانتقاء: ص 150.
3 - سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1 / 465 عند حديث رقم: 458.
4 - راجع سر تأخر العرب والمسلمين، محمد الغزالي: ص 53 - 54.
عن داود بن الحصين وثور بن زيد.
وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شئ من رأيه حسدا لموضع إمامته، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفي فتياه بإتيان النساء في الأعجاز... " (1).
وفي تاريخ بغداد: " أن جماعة من أهل العلم عابوا مالكا بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والصدق والأمانة " (2).
أما الشافعي فقد تكلم فيه يحيى بن معين - إمام الجرح والتعديل - فقال عنه:
" ليس بثقة " (3).
قال ابن عبد البر: " وقد صح عن ابن معين من طرق أنه كان يتكلم في الشافعي " (4).
الأئمة الأربعة والسنة الشريفة
وبتتبع آراء الأئمة نجد أنهم خالفوا السنة، كطلاق الثلاث بلفظ واحد، فقد عده الأئمة الأربعة ثلاث طلقات خلافا لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، (5) وجمع المحقق ابن دقيق العيد المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفرادا واجتماعا، في مجلد ضخم ((6).
وقد ذكر الألباني خمسا وخمسين مسألة خالف بها الأئمة والفقهاء السنة
____________
1 - جامع بيان العلم: 2 / 1115.
2 - ترجمة ابن إسحاق من تاريخ بغداد.
3 - جامع بيان العلم: 2 / 1114.
4 - المصدر السابق: ص 394.
5 - صحيح مسلم: كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث.
6 - راجع صفة صلاة النبي، الألباني: ص 37.
الصحيحة. وقال ابن حزم عن الأحاديث التي خالفها الأئمة والفقهاء: " لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف " (2).
وقال الليث بن سعد: " أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما قال فيها برأيه " (2).
وقد يقال: إن الأئمة خالفوا السنة لأنها لم تصلهم. نعم وهذا احتمال وارد، ولكن ما ذنبنا نحن؟! هل نقلدهم ونخالف السنة لأن السنة لم تصلهم؟! فالذي يظهر لي أننا أمام خيارين: أن نقلدهم ونخالف السنة، أو أن نترك تقليدهم لنتبع السنة، والثاني هو الصحيح، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالإتباع من الأئمة الأربعة، ومن قال غير ذلك فنسأل الله له السلامة!
الخلاصة
بعد ما مضى، نخلص إلى القول بأن هذا المنهج ليس هو المنظومة الإلهية التي يريد الله لنا أن نتبعها، لكثرة الثغرات والجوانب السلبية فيها (3)، فلا دليل على هذا المنهج ورموز هذا المنهج أموات، ولا نستطيع ترجيح مذهب على آخر. كما أن هؤلاء الأئمة كثيرا ما يختلفون ويتعثرون في آرائهم ويخالفون السنة ولو بدون قصد. فضلا عن هذا كله فقد نهوا الناس عن تقليدهم، كل هذا يجعلنا ننتقل نقلة لا رجعة فيها لنرى الأطروحة الثانية فربما نجد بغيتنا.
يقول الزمخشري المفسر المعروف:
____________
1 - الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام، الألباني: ص 58.
2 - جامع بيان العلم: 2 / 1080.
3 - ومع أننا انتهينا من مدرسة الأشاعرة وإشكالاتها إلا أن هناك إشكالات اخرى ترد عليها سنعرض لها - في الباب الثاني. ولا داعي لتشخيصها بل يدركها قارئنا اللبيب بنفسه.
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت قالوا بأنني * ثقيل حلولي بغيض مجسم (1)
____________
1 - ترجمة الزمخشري المطبوعة بالجزء الرابع من الكشاف: 310.
تعليق