العائد
العواصم مدن التيه تفرط في الرمل إلى حد ضياعها وضياعك ، ولكنك ملاح ،لك ميزان نجومك تبصر وتتبصر ، ترى بعينيك وقلبك فلا تتوه ولا نتوه عنك .أيها النائي القريب
أيها القريب الغائب
أيها الموجود
أيها القائد العائد
العواصم والمدن مقالع الوجع .. من بنغازي إلى طرابلس الغرب تفتح شهيتها على تغريبك ، ونفتح وجدنا على تغريدك ، تحجبهم عنك سدود امامهم وخلفهم ، وتفتح أعيننا على حقيقتك .
أيها الإمام الغريب !
الغريب إلى حد الدهشة
القادم من عندنا إلى حيث نحن في الأمس .
الرائي بعيون زرق ، وبعيون اليمام
الآتي من معارج الأنبياء إلى حطين اشتياقنا ، ويرموك انبهارنا ، وليطاني حلمنا .
أينك ؟ هاذاك انت سد على القرعون ، تحبس ماءنا الأبيض ليومنا الأسود .
لعلك حبيس العطش في كربلائنا ، وهم طعنوا النهر بخاصرته ، حتى لا تكون له قامة بلال وحسن وأحمد ، ولكنهم عادوا منكسرين يصنعون نهراً فيتلألأ الرمل بين ضفتيه ، وعلى ضفتينا حارسان محمد وخليل ... داود ومحمود .
للعواصم .. للمدن عيون فارغة تحدّق في قامتك أيها المديد القامة . ظلك الجبل الذي ما مسّه ظالم بسوء إلا وقسم الله له ظهره .
للعواصم .. للمدن العاجزة إلا ما جمعت بطرف عباءتك . لسان بر الحقيقة ، وسيف في الماء وعين حارسة للتاريخ -صور- .
للقرى ، للدساكر التي أودعتها كلمة سرك -أمل- أفواج مقاومة ، بل أمواج لا تهدأ ولا تستريح ، ولا تغفو بل تكر كأفراس الصحابة أنصاراً ومهاجرين لمؤسستك التي غرست قرب حدودنا المقدسة نقطة علام ، وناراً على علم .
لمؤسساتنا بذار أرواح شهدائنا الذين اندلق أريجهم الرمضاني رمضائياً لترانيم العتب والتعب التي انزاح دمعها المختلس في المقاومة التي صارت وطناً واحداً ، وجيشاً موحّداً .
لك !
نبدأ من بدايتك التي لا تنتهي من يومك الممتلئ تيناً وزيتوناً .
نبدأ بالقسم ، وبالميثاق بأن نصون حدودنا حتى الحدود ، حراساً لوطننا ، لا لأساطير الآخرين .
نبدأ من الجنوب من بذارك في الأرض الطيبة
والحق كما قلت لنا : ان هذا الجبل ، لا يزول ولن يزول .
نبيه بري 1991
تعليق