بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
والعن أعداءهم والمجسمة عبدة الشاب الأمرد أجمعين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
والعن أعداءهم والمجسمة عبدة الشاب الأمرد أجمعين
للشيعة الإمامية أربعة كتب معتمدة, وهي ( الكافي ) للكليني و ( من لا يحضره الفقيه ) للصدوق و ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) للطوسي. وقد ظن بعض المخالفين أن الشيعة يعتقدون بأن كل ما جاء في هذه الكتب صحيح ومعتمد من دون الحاجة إلى النظر في سند الرواية, والحقيقة أن أصحاب هذا الرأي هم أتباع المنهج الأخباري, بينما خالفهم الأصولييون وذهبوا إلى الحاجة للنظر في سند كل رواية ثم الحكم عليها.
وهنا سأنقل ما قاله السيد الخوئي في مقدمة كتابه ( معجم رجال الحديث ) حيث ناقش هذا الرأي وبين دليل كلا الفريقين وخرج بنتيجة وهي أن ما ذهب إليه الأصوليون من الحاجة إلى فحص سند روايات الكتب الأربع هو المذهب الصحيح.
روايات الكتب الاربعة ليست قطعية الصدور
ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الاربعة قطعية الصدور .
وهذا القول باطل من أصله ؟ إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد . ولاسيما أن في رواة الكتب الاربعة من هو معروف بالكذب والوضع ، على ما ستقف عليه قريبا وفي موارده إن شاء الله تعالى . ودعوى القطع بصدقهم في خصوص روايات الكتب الاربعة - لقرائن دلت على ذلك - لا أساس لها ، فانها بلا بينة وبرهان ، فإن ما ذكروه في المقام - وادعوا أنها قرائن تدلنا على صدور هذا الروايات من المعصوم - عليه السلام - لايرجع شئ منها إلى محصل . وأحسن ما قيل في ذلك هو : أن اهتمام أصحاب الائمة عليهم السلام وأرباب الاصول والكتب بأمر الحديث إلى زمان المحمدين الثلاثة - قدس الله أسرارهم - يدلنا على أن الروايات التي أثبتوها في كتبهم قد صدرت عن المعصومين عليهم السلام ، فإن الاهتمام المزبور يوجب - في العادة - العلم بصحة ما أودعوه في كتبهم ، وصدوره من المعصومين عليهم السلام .
ولكن هذه الدعوى فارغة من وجوه :
أولا : إن أصحاب الائمة عليهم السلام وإن بذلوا غاية جهدهم واهتمامهم في أمر الحديث وحفظه من الضياع والاندراس حسبما أمرهم به الائمة عليهم السلام ، إلا أنهم عاشوا في دور التقية ، ولم يتمكنوا من نشر الاحاديث علنا ، فكيف بلغت هذه الاحاديث حد التواتر أو قريبا منه ! وهذا ابن أبي عمير حبس أيام الرشيد ، وطلب منه أن يدل على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام ، وأن أخته دفنت كتبه عند ما كان في الحبس فهلكت ، أو تركها في غرفته ، فسال عليها المطر فهلكت . وهكذا حال سائر أصحاب الائمة عليهم السلام ، فإن شدتهم في ما كانوا عليه ، وعدم تمكنهم من نشر الاحاديث علنا مما لاشك فيه ذو مسكة . ومع ذلك كيف يمكن دعوى : أنها قطعية الصدور ؟
ثانيا : إن الاهتمام المزبور لو سلمنا أنه يورث العلم ، فغاية الامر أنه يورث العلم بصدور هذه الاصول والكتب عن أربابها ، فنسلم أنها متواترة ، ولكنه مع ذلك لايحصل لنا العلم بصدور رواياتها عن المعصومين عليهم السلام ، وذلك فإن أرباب الاصول والكتب لم يكونوا كلهم ثقات وعدولا ، فيحتمل فيهم الكذب . وإذا كان صاحب الاصل ممن لايحتمل الكذب في حقه ، فيحتمل فيه السهو والاشتباه . وهذا حذيفة بن منصور قد روى عنه الشيخ بعدة طرق :
منها : ما رواه بطرقه المعتبرة عن محمد بن أبي عمير عنه رواية : أن شهر رمضان لاينقص عن ثلاثين يوما ( 1 ) ثم قال : ( وهذا الخبر لايصح العمل به من وجوه : أحدها أن متن هذا الحديث لايوجد في شئ من الاصول المصنفة ، وإنما هو موجود في الشواذ من الاخبار . ومنها : أن كتاب حذيفة بن منصور عري منه ، والكتاب معروف مشهور ، ولو كان هذا الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه ) . إلى آخر ماذكره - قدس سره - .
فنرى أن الشيخ - قدس سره - يناقش في صحة هذا الحديث عن حذيفة مع أن في رواتها عنه محمد بن أبي عمير . وقد رواها الشيخ عنه بطرق معتبرة ، ولا يكون منشأ ذلك إلا احتمال وقوع السهو والاشتباه من الرواة ، فإذا كانت مثل هذه الرواية لايحكم بصحتها ، فما حال الروايات التى يرويها الضعفاء أو
______________________
( 1 ) التهذيب : الجزء 4 ، باب علامة أول شهر رمضان وآخره ، الحديث 477 - 482 . ( * )
المجهولون ؟ ! .
ثالثا : لو سلمنا أن صاحب الكتاب أو الاصل لم يكذب ولم يشتبه عليه الامر ، فمن الممكن أن من روى عنه صاحب الكتاب قد كذب عليه في روايته ، أو أنه اشتبه عليه الامر ، وهكذا . . ومن هنا قال الشيخ - قدس سره - في كتاب العدة عند بحثه عن حجية خبر الواحد . والذى يدل على ذلك : إجماع الفرقة المحقة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ، ولا يتدافعونه حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشئء لايعرفونه سألوه من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور ، وكان راوية ثقة لاينكر حديثه سكتوا ، وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله . فإن دلالة هذا الكلام على أن روايات الكتب المعروفة والاصول المشهورة لم تكن قطعية الصدور ، وإنما يلزم قبولها بشرط أن تكون رواتها ثقات ، للاجماع على حجيتها - حينئذ - واضحة ظاهرة .
رابعا : إن الاصول والكتب المعتبرة لو سلمنا إنها كانت مشهورة ومعروفة إلا أنها كانت كذلك على إجمالها ، وإلا فمن الضروري أن كل نسخة منها لم تكن معروفة ومشهورة ، وأنما ينقلها واحد إلى آخر قراءة أو سماعا ، أو مناولة مع الاجازة في روايتها ، فالواصل إلى المحمدين الثلاثة إنما وصل إليهم من طريق الآحاد ، ولذلك ترى أن الشيخ الصدوق بعد ما ذكر في خطبة كتابه من لايحضره الفقيه أن : جميع ما أورده فيه مستخرج من كتب مشهورة معروفة أشار إلى طريقه إليها ، وقال : ( وطرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضى الله عنهم ) . فإنه يظهر من ذلك أنه - قدس سره - كان قد ألف فهرسا ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه ، فهو إنما يروي الكتب بتلك الطرق المعروفة في ذلك الفهرس ، ولكنه لم يصل إلينا ، فلا نعرف من طرقه غير ماذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه . وأما طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا ، ولا ندري أن أيا منها كان صحيحا ، وأيا منها غير صحيح . ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام .
وعلى الجملة : إن دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الاربعة من المعصومين عليهم السلام واضحة البطلان . ويؤكد ذلك أن أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك .
وهذا محمد بن يعقوب - قدس الله تعالى سره - بعد ما ذكر أنه طلب منه تأليف كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام ، قال بعد كلام له :
( فالعم يا أخي أرشدك الله أنه لايسع أحدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء - عليهم السلام - برأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام : أعرضوا على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه . وقوله : دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم . وقوله عليه السلام : خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لاريب فيه . ونحن لانعرف من جميع ذلك إلا أقله ، ولانجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام : وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم . وقد يسر الله - ولله الحمد - تأليف ما سألت ، وأرجوا أن يكون بحيث توخيت ) .
وهذا الكلام ظاهر في أن محمد بن يعقوب لم يكن يعتقد صدور روايات كتابه عن المعصومين عليهم السلام جزما ، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بالمشهور من الروايتين عند التعارض ، فان هذا لايجتمع مع الجزم بصدور كلتيهما ، فإن الشهرة إنما تكون مرجحة لتمييز الصادر عن غيره ، ولا مجال للترجيح بها مع الجزم بالصدور .
وأما الشيخ الصدوق - قدس سره - فقد قال في خطبة كتابه :
( ولم أقصد فيه قصد المصنفين من إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد أنه حجة فيما بيني وبين ربي ) .
فإن هذا الكلام ظاهر في أن كتاب الكافي في اعتقاد الصدوق كان مشتملا على الصحيح وغير الصحيح كسائر المصنفات ، فكيف يمكن أن يدعى أن جميع رواياته قطعية الصدور ؟ . وأيضا ، فإن الشيخ الصدوق إنما كتب كتابه : من لايحضرة الفقيه ، إجابة لطلب السيد الشريف إبي عبدالله المعروف ب ( نعمة الله ) فإنه قد طلب من الشيخ الصدوق أن يصنف له كتابا في الفقه ليكون إليه مرجعه ، وعليه معتمده ، ويكون شافييا في معناه مثل ما صنفه محمد بن زكريا الرازي وترجمه بكتاب : من لايحضره الطبيب . ولا شك أن كتاب الكافي أوسع وأشمل من كتاب من لايحضره الفقيه ، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق - قدس سره - فضلا عن أن تكون قطعية الصدور لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب : من لايحضره الفقيه ، بل كان على الشيخ الصدوق أن يرجع السيد الشريف إلى كتاب الكافي ، ويقول له : إن كتاب الكافي في - بابه - ككتاب من لايحضره الطبيب في بابه في أنه شاف في معناه .
ويزيد ذلك وضوحا : أن الشيخ الصدوق قال في باب الوصي يمنع الوارث : ( ماوجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب ، ولارويته إلا من طريقه ) فلو كانت روايات الكافي كلها قطعية الصدور ، فكيف يصح ذلك القول من الشيخ الصدوق - قدس سره - .
بقي هنا شئ ، وهو : أنه قد يتوهم أن شهادة الشيخ الصدوق بصحة جميع روايات كتابه شهادة منه بصدور جميعها عن المعصومين عليهم السلام ، فإن الصحيح عند القدماء هو ما علم صدوره من المعصوم عليه السلام ، فهو وإن لم يكن يرى صحة جميع روايات الكافي ، إلا أنه كان معتقدا بصحة جميع ما اشتمل عليه كتابه من الروايات .
ولكن هذا توهم صرف ، فإن الصدوق إنما يريد بالصحيح ماهو حجة بينه وبين الله ، أي ما أحرز صدوره من المعصوم عليه السلام ولو بالتعبد ، ولم يزد بذلك قطعي الصدور وما لايحتمل فيه الكذب أو الخطأ ، كما سيجئ منه - قدس سره - عند البحث عن صحة جميع أخبار الكتب الاربعة وعدمها : تصريحه بأنه يتبع في التصحيح وعدمه شيخه ابن الوليد ، فيصحح ما صححه ، ولايصحح ما لم يصححه . أفهل يمكن أن يقال : أنه كان يتبع شيخه في القطع بالصدور وعدم القطع به ؟ فكل ما كان مقطوع الصدور لابن الوليد كان مقطوع الصدور للشيخ الصدوق وإلا فلا .
فالمتلخص : أنه لم يظهر من الشيخ الصدوق إلا أنه كان يعتقد حجية جميع روايات كتابه ولم يكن يرى ذلك بالاضافة إلى الكافي وغيره من المصنفات .
وأما الشيخ - قدس سره - فلا شك في أانه لم يكن يعتقد صدور جميع روايات كتابيه ولا سائر الكتب والاصول عن المعصومين عليهم السلام . ومن ثم ذكر في آخر كتابه أنه يذكر طرقه إلى أرباب الكتب الذين روى عنهم في كتابه ، لتخرج الروايات بذلك عن الارسال إلى الاسناد ، فان هذا الكلام صريح في أن مارواه في كتابه أخبار آحاد محتملة الصدق والكذب ، فإن كان الطريق إليها معلوما كانت من الروايات المسندة ، وإلا فهي مرسلات وغير قابلة للاعتماد عليها .
وبعبارة أخرى : إن الشيخ إنما التزم بذكر الطريق ، لئلا تسقط روايات كتابه عن الحجية لاجل الارسال ، فلو كانت تلك الروايات قطعية الصدور ، وكان ذكر الطريق لمجرد التيمن والتبرك ، لم يكن الامر كذلك مع أنه خلاف ماصرح به - قدس سره - ، وأيضا فإنه قد تقدم منه أن جواز العمل بما في الكتب المعروفة والاصول المشهورة مشروط بوثاقة الراوي . وهذا ظاهر في أنه لم يكن يرى صحة جميع روايات تلك الكتب ، فضلا عن القطع بصدورها .
وأيضا إنه - قدس سره - قد ناقش في غير مورد من كتابه في صحة رواية رواها عن الكافي أو أنه لم يروها عنه ، ولكنها موجودة في الكافي ، أو فيه وفي من لايحضره الفقيه أيضا ، ومع ذلك قد حكم بضعفها ، فلو كانت تلك الروايات صحيحة ومقطوعة الصدور من المعصومين عليهم السلام فكيف ساغ للشيخ أن يناقش فيها بضعف السند . ومن تلك الموارد :
1 - ما رواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بلالا أن ينادي . . ) ( 1 ) فإنه قال بعد رواية الحديث : قال محمد بن الحسن : فما تضمن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الاهلي موافق للعامة ، والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم عامة ، ومايختصون بنقله لايلتفت إليه .
وهذا تصريح منه بأن روايات الكافي ليست كلها بصحيحة ، فضلا عن كونها مقطوعة الصدور .
2 - ما رواه عنه بسنده عن عمران الزعفراني ، قال : ( قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن السماء تطبق علينا . . ) ، وما رواه عنه بسنده عن عمران الزعفراني أيضا ، قال : ( قلت لابي عبدالله عليه السلام : إنا نمكث في الشتاء . . ) ( 2 ) . فإنه قال بعد روايتهما : ( إنهما خبر واحد لايوجبان علما ولا عملا ، ولان راويهما عمران الزعفراني ، وهو مجهول ، وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لانعمل بما يختصون بروايته ) .
_______________________
( 1 ) التهذيب : الجزء 9 ، باب الصيد والزكاة ، الحديث 170 .
( 2 ) الاستبصار : الجزء 2 ، باب ذكر جمل من الاخبار يتعلق بها أصحاب العدد ، الحديث 230 ، 231 .
وهذا تصريح من الشيخ بأن كل رواية في الكافي أو غيره إذا كان في سندها ضعفاء لايعمل بها فيما إذا اختصوا بروايتها .
3 - ما رواه بسنده عن القاسم بن محمد الزيات ، قال : ( قلت لابي الحسن الرضا عليه السلا : إني ظاهرت من امرأتي . . ) ، وما رواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن ابن بكير عن رجل : ( قال : قلت لابى الحسن عليه السلام : إني قلت لامرأتي . . ) ، وما رواه بطريقه عن ابن فضال عمن أخبره عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال : ( لايكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق ) ( 1 ) . والاولى من هذه الروايات الثلاث رواها محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن القاسم بن محمد الزيات ( 2 ) . كما إن الثالثة منها روها الشيخ الصدوق - قدس سره - مرسلة عن الصادق عليه السلام ( 3 ) . قال الشيخ بعد ذكر هذه الروايات : ( أول ما في هذه الاخبار أن الخبرين منهما وهم الاخيران مرسلان ، والمراسيل لايعترض بها على الاخبار المسندة لما بيناه في غير موضع . وأما الخبر الاول فراويه أبوسعيد الآدمي - سهل بن زياد - وهو ضعيف جدا عند نقاد الاخبار ، وقد استثناه أبوجعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة ) .
أقول : لو كان الشيخ يعتقد أن جميع روايات الكافي والفقيه قطعية الصدور أو أنها صحيحة ، وإن لم تكن قطعية الصدور لم يكن يعترض على هذه الروايات بضعف السند أو بالارسال ، ولاسيما أن المرسل ابن بكير وهو من أصحاب الاجماع ، وابن فضال المعروف بالوثاقة .
4 - الروايات التي دلت على أن شهر رمضان لاينقص عن ثلاثين يوما أبدا فإن هذا الروايات مع أن جملة منها مذكورة في الكافي والفقيه قد ناقش فيها
____________________
( 1 ) الاستبصار : الجزء 3 ، باب أنه لايصح الظهار بيمين ، الحديث 933 - 935 .
( 2 ) الكافي : الجزء 6 ، الكتاب 2 ، باب الظهار 73 ، الحديث 24
( 3 ) الفقيه : الجزء 3 : باب الظهار ، الحديث 1639 .
الشيخ ومن قبله الشيخ المفيد ، وحكما بعدم صحتها ، وبأنها من شواذ الاخبار .
وبيان ذلك : أن محمد بن يعقوب قد عقد بابا ذكر فيه ثلاث روايات دلت على أن شهر رمضان لاينقص أبدا ، الاولى : ما رواه حذيفة بن منصور عن أبي عبدالله عليه السلام . الثانية : ما رواه محمد بن اسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام . الثالثة : ما رواه حذيفه بن منصور عن معاذبن كثير عن أبي عبدالله عليه السلام ( 1 ) .
وهذه الروايات ذكرها الصدوق ، إلا أنه روى الثانية عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن محمد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام : وزاد رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام ، ورواية ياسر الخادم . عن الرضا عليه السلام ( 2 ) .
قال الصدوق بعد ذكر هذه الروايات : ( قال المصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : من خالف هذه الاخبار ، وذهب إلى الاخبار الموافقة للعامة في ضدها ، أتقي كما يتقي العامة ولايكلم إلا بالتقية كائنا من كان ، إلا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبين له ، فإن البدعة إنما تمات وتبطل بترك ذكرها ولا قوة إلا بالله ) .
أقول : هذه الروايات التي ذكرها محمد بن يعقوب ، وصححها الصدوق ، وبالغ في تصحيحها ولزوم العمل بها قد تعرض لها الشيخ المفيد - قدس سره - في رسالته المعروفة بالرسالة العددية ، وناقش في إسنادها ، وذكر أنها روايات شاذة لايمكن الاستدلال بها .
قال المفيد : ( وأما ما تعلق به أصحاب العدد من أن شهر رمضان لايكون أقل من ثلاثين يوما ، فهي أحاديث شاذة قد طعن نقلة الآثار من الشيعة في سندها ، وهي
_______________________
( 1 ) الكافى : الجزء 4 ، الكتاب 2 ، باب نادر 7 .
( 2 ) الفقيه : الجزء 2 ، باب النوادر ، الحديث 470 ، ومابعده . ( * )
مثبتة في كتب الصيام ، في أبواب النوادر ، والنوادر هي التي لا عمل عليها . وأنا أذكر جملة ما جاءت به الاحاديث الشاذة وأبين عن خللها وفساد التعلق بها في خلاف الكافة إن شاء الله . فمن ذلك حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا . وهذا حديث شاذ نادر غير معتمد عليه . في طريقة محمدبن سنان ، وهو مطعون فيه ، لاتختلف العصابة في تهمته وضعفه ، وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين . ومن ذلك حديث رواه محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن محمد بن اسماعيل ، عن بعض اصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : إن الله عزوجل خلق الدنيا في ستة أيام ، ثم اختزلها من أيام السنة ، فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وشعبان لايتم ، وشهر رمضان لاينقص أبدا ، ولا تكون فريضة ناقصة ، إن الله تعالى يقول : ولتكملوا العدة . وهذا الحديث شاذ مجهول الاسناد ، ولو جاء بفعل صدقة أو صيام أو عمل لوجب التوقف فيه ، فكيف إذا جاء بشئ يخالف الكتاب والسنة وإجماع الامة ، ولا يصح على حساب ذمي ولا ملي ولا مسلم ولا منجم ، ومن عول على مثل هذا الحديث في فرائض الله تعالى فقد ضل ضلالا بعيدا ، وبعد : فالكلام الذي فيه بعيد من كلام العلماء فضلا عن أئمة الهدى عليهم السلام ، لانه قال فيه لاتكون فريضة ناقصة وهذا لامعنى له ، لان الفريضة بحسب ما فرضت ، فاذا أديت على الثقيل أو الخفيف لم تكن ناقصة ، والشهر إذا كان تسعة وعشرين يوما ، ففرض صيامه لا ينسب إلى النقصان في الفرض ، كما أن صلاة السفر إذا كانت على الشطر من صلاة الحضر لايقال لها صلاة ناقصة ، وقد أجل الله إمام الهدى عليه السلام عن القول بأن الفريضة إذا أديت على التخفيف كانت ناقصة . وقد بينا أن من صام شهرين متتابعين في كفارة ظهار ، فكانا ثمانية وخمسين يوما لم يكن فرضا ناقصا ، بل كان فرضا تاما . ثم احتج لكون شهر رمضان ثلاثين يوما لم ينقص عنها بقوله تعالى : ولتكملوا العدة . وهذا نقد في قضاء الفائت بالمرض والسفر . ألا ترى إلى قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ، ولتكملوا العدة ) أي عدة صوم شهر رمضان ، وما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوما إذا كان ناقصا . وقد بينا ذلك في صيام الكفارة إذا كانا شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملا والآخر ناقصا . ومما تعلقوا به أيضا حديث رواه محمدبن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمدن بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قلت له : إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله صام شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صام ثلاثين يوما ؟ فقال : كذبوا ما صام إلا تاما ، ولاتكون الفرائض ناقصة . وهذا الحديث من جنس الاول وطريقه ، وهو حديث شاذ لا يثبت عند أصحابه إلا نادرا ، وقد طعن فيه فقهاء الشيعة ، فإنهم قالوا محمد بن يعقوب بن شعيب لم يرو عن أبيه حديثا واحدا غير هذا الحديث ، ولو كانت له رواية عن أبيه لروى عنه أمثال هذا الحديث ، ولم يقتصر على حديث واحد لم يشركه فيه غيره ، مع أن ليعقوب بن شعيب رحمه الله أصلا قد جمع فيه كل ما رواه عن أبي عبدالله عليه السلام ، ليس هذا الحديث منه ، ولو كان مما رواه يعقوب بن شعيب لاورده في أصله الذي جمع فيه حديثه عن أبي عبدالله عليه السلام ، ليس هذا الحديث منه ، ولو كان مما رواه يعقوب بن شعيب لاورده في اصله الذي جمع فيه حديثه عن أبي عبدالله عليه السلام ، وفي خلوا أصله منه دليل على أنه وضع ، مع أن في الحديث ما قد بيناه بعده في قول الائمة عليهم السلام وهو الطعن في قول من قال : إن شهر رمضان تسعة وعشرون يوما ، لان الفريضة لاتكون ناقصة ، والشهر إذا كان تسعة وعشرين يوما كانت فريضة الصوم فيه غير ناقصة وإذا كان فرض السفر لصلاة الظهر ركعتين لم يكن الفرض ناقصا ، وإن كان على الشطر من صلاة الحضر ، كما أن صلاة العليل جالسا لايكون فرضها ناقصا كذلك إذا صام الكفارة فصام شهرين ناقصين لاتكون الكفارة ناقصة . وهذا يدلك على أن واضع الحديث عامي غفل بعيد من العلماء ، وحاشا أئمة الهدى عليهم السلام مما أضافه إليهم الجاهلون ، وعزاه إليهم المفترون والله المستعان . فهذه الاحاديث الثلاثة مع شذوذها ، واضطراب سندها وطعن العلماء في رواتها التي يعتمد عليها أصحاب العدد المتعلقون بالنقل ، وقد بينا ضعف التعلق بها مما فيه كفاية ( والحمدلله ) .
وتقدم كلام الشيخ الطوسي في ذلك قريبا .
ولا شك في أن المفيد والشيخ كانا يعاملان مع روايات الكافي والفقيه وغيرها من الروايات المودعة في الكتب والاصول معاملة الخبر غير القطعي فإن كان راويها من الضعفاء أو كانت الرواية مرسلة طرحاها ، سواء كانت الرواية مروية في الكافي أو الفقيه أو غيرهما من الكتب والاصول المعروفة والمشهورة .
وليت شعري إذا كان مثل المفيد والشيخ - قدس سرهما - ، مع قرب عصرهما ، وسعة اطلاعهما لم يحصل لهما القطع بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام ، فمن أين حصل القطع لجماعة متأخرين عنهما زمانا ورتبة ؟ أو ليس حصول القطع يتوقف على مقدمات قطعية بديهية أو منتهية إلى البداهة ؟ .
وقد ذكر صاحب الوسائل لاثبات ما ادعاه من صحة ما أودعه في كتابه من الاخبار ، وصدورها من المعصومين عليهم السلام وجوها ، سماها أدلة ، ولايرجع شئ منها إلى محصل ، ولايترتب على التعرض لها والجواب عنها غير تضييع الوقت ، وأحسنها الوجه الاول الذي أشرنا اليه وأجبنا عنه ، ولا بأس أن نذكر له كلاما في المقام ليظهر للباحث حال بقية ما ذكره دليلا على مدعاه . قال في الوجه التاسع مما ذكره :
( والعجب أن هؤلاء المتقدمين ، بل من تأخر عنهم كالمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولا عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامة أو الخاصة أو نقل كلاما من كتاب معين ، ورجعنا إلى وجداننا ، نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه وصحة نقله - لا الظن - وذلك علم عادي ، كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا ، والبحر لم ينقلب دما . فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم ، ولايحصل من نقله عن المعصوم غير الظن ، مع أنه لايتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني ، وربما يتساهل في الاول ) ( 1 ) .
أقول : ليت شعري كيف خفي على مثل الشيخ الحر : الفارق بين الامرين ، والمائز بين الموردين ؟ فإن المحقق والعلامة والشهيدين وأمثالهم إذا نقلوا شيئا من أبي حنيفة ، فإنما ينقلونه عن حس ، لمشاهدة ذلك في كتاب جامع لآرائه ، وأما إذا نقلوا أمرا من معصوم ، فإنما ينقلونه عنه حسبما أدت إليه آراؤهم وأنظارهم ، وكيف يقاس الثانى بالاول .
ومما يؤكد أيضا بطلان دعوى القطع بصدور أخبار الكتب الاربعة عن المعصومين عليهم السلام ، اختلاف هذه الكتب في السند أو المتن . وسنبين موارده في ضمن التراجم إن شاء الله تعالى .
بل يتفق - في غير مورد - أن الرواية الواحدة تذكر في كتاب واحد مرتين أو أكثر مع الاختلاف بينهما في السند أو المتن ، وأكثر هذه الكتب اختلافا كتاب التهذيب حتى أنه قال في الحدائق ( 2 ) : ( قلما يخلو حديث فيه من ذلك ( 3 ) في متنه أو سنده ) . وما ذكره - قدس سره - وإن كان لايخلو من نوع من المبالغة ، إلا أنه صحيح في الجملة . والخلل في روايات التهذيب كثير ، نتعرض لبيانه من جهة
____________________
( 1 ) الوسائل : الجزء 20 ، الصفحة 99 ، الطبعة الحديثة .
( 2 ) الجزء 4 ، الصفحة 209 ، الطبعة الحديثة .
( 3 ) أي التحريف ، والتصحيف ، والزيادة ، والنقصان . ( * )
السند ضمن التراجم إن شاء الله .
ثم إن في الكافي - ولا سيما في الروضة - روايات لايسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السلام ، ولابد من رد علمها إليهم عليهم السلام . والتعرض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب ، لكننا نتعرض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين .
فقد روى محمد بن يعقوب باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون . فرسول الله صلى الله عليه وآله الذكر وأهل بيته المسؤولون وهم أهل الذكر ) ( 1 ) .
أقول : لو كان المراد بالذكر في الآية المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله فمن المخاطب ، ومن المراد من الضمير في قوله تعالى : لك ولقومك وكيف يمكن الالتزام بصدور مثل هذا الكلام من المعصوم عليه السلام فضلا عن دعوى القطع بصدوره ؟ ! .
وعلى الجملة : ان دعوى القطع بعدم صدور بعض روايات الكافي عن المعصوم عليه السلام - ولو إجمالا - قريبة جدا ، ومع ذلك كيف يصح دعوى العلم بصدور جميع رواياته عن المعصوم عليه السلام ؟ بل ستعرف - بعد ذلك - أن روايات الكتب الاربعة ليست كلها بصحيحة ، فضلا عن كونها قطعية الصدور .
___________________
( 1 ) الكافي : الجزء 1 ، الكتاب 4 ، باب ان أهل الذكر هم الائمة عليهم السلام 20 ، الحديث 4 .
تعليق