إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ما يصح السجود عليه وما لا يصح

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما يصح السجود عليه وما لا يصح

    ما يصح السجود عليه وما لا يصح1 - ما يصح السجود عليه :
    يمكن تقسيم ما يصح السجود عليه بحسب أدلته الثابتة إلى ما يأتي :
    أولاً : السجود على الأرض :
    سواء كانت تراباً أو رملاً أو حجراً أو مدراً أو حصى ً أو طيناً، بشرط تمكين الجبهة، ويدل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.. الذي روي بألفاظ متقاربة في كثير من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها.
    وقد دلَّ الحديث بمنطوقه ومفهومه على أنّ السجود لله تعالى - يكون على الأرض بصورة مطلقة وأنه لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، كما دلّ الحديث أيضاً على أنّ الأصل في الأرض هو الطهارة إلاّ ما خرج عن ذلك الأصل بدليل كوجود عين نجسة على بقعة فيها.
    ويؤيد هذا الحديث أحاديث أخر تشير إلى هذا المعنى صراحة، كأحاديث وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود وأنه لا صلاة لمن لا يفعل ذلك في سجوده.
    هذا زيادة على السُنّة الفعلية للنبي - صلى الله عليه وآله - المنقولة عن جملة من الصحابة والمؤكدة بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا سجد وضع جبهته وطرف أنفه على الأرض، وهكذا كان يفعل كبار الصحابة والتابعين حتى إن مسروق بن الاَجدع كان إذا أبحر أخرج معه لبنة يسجد عليها في السفينة في أوقات الصلاة.
    وقد دلّت جملة من الأخبار على صحّة السجود على ما ذكرناه من أنواع الأرض كالحصى والرمل حتى اشتكى الصحابة من حرّها فلم يشكهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. عن عبد الله بن مسعود قال : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وآله - حرّ الرمضاء فلم يشكنا.. مما اضطر الصحابة إلى اتخاذ أسلوب آخر - للتخلص من صعوبة السجود ومشقته بسبب حرارة الأرض - هو تبريد الحصى بأكفهم حتى يتسنى لهم السجود عليها.
    عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الظهر فأخذت قبضة من حصى في كفي أُبرّده ثم أحوله في كفي الأخرى فإذا سجدت وضعته لجبهتي.

    ثانياً : السجود على ما أنبتته الأرض أو المصنوع منه بشرط أن لا يكون مأكولاً أو ملبوساً، وقد ورد في ذلك جملة من الأخبار تؤكد سجود النبي - صلى الله عليه وآله - على الحصير والخمرة المصنوعة من سعف النخل.
    ولم يرد جواز السجود على ما يؤكل أو يلبس كما يفعله العامة في سجودهم، وهو قبيح في نفسه، لأنه أشبه بفعل الوثنيين الذين كانوا يسجدون على تماثيل من التمر ثم يأكلونها!..
    ولهذا ورد النهي صراحة عن السجود على القطن والكتان ؛ لأنه مما يكون لباساً، وكذلك النهي عن السجود على الثمار ؛ لأنه مما يؤكل.

    ثالثاً : السجود على الفرش والثياب في حالات الضرورة القصوى، وقد دلّت عليه جملة من أخبار الفريقين وآثارهم.

    علّة السجود على الأرض ونباتها :
    قال هشام بن الحكم : قلت لأبي عبد الله الصادق - عليه السلام - : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟.. قال - عليه السلام - : السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لُبس.. فقلت له : جُعلت فداك ما العلة في ذلك؟..
    قال - عليه السلام - : لاَنَّ السجود هو الخضوع لله - عزَّوجلَّ - فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يُلبس، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله تعالى، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها.. والسجود على الأرض أفضل ؛ لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزَّوجلَّ.
    إنّ هذا الكلام الواضح يكشف بجلاء عن أنّ السجود على التراب إنّما هو لأجل أنَّ مثل هذا العمل يتناسب مع التواضع أمام الله الواحد أكثر من أي شكل آخر، وهو الأصل كما جاء في العديد من النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.. روى محمد بن يحيى بإسناده عن الإمام الصادق - عليه السلام - أنّه قال : السجود على الأرض فريضة، وعلى الخمرة سُنّة.
    -.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.

    2 ـ ما لا يصح السجود عليه :
    وأما ما لا يصحّ السجود عليه - وقد مرّ بعضه - فأنواع كثيرة إذ ورد النهي عنها مع التصريح بعدم صحة السجود عليها في جملة من الأخبار، ونذكر تلك الأنواع :
    كور العمامة، والثوب والكمّ، والقلنسوة، والقطن والصوف، وبقايا الحيوان : كالعظام والجلود ونحوها، والطعام والثمار، والرياش، والقير، والنورة، والذهب، والفضة، والزجاج، والسبخة، والثلج، ونحوها.
    -.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.

    3 - من فتاوى علماء الإمامية حول موضع السجود :
    لقد وردت المضامين الحديثية المتقدمة في فتاوى فقهاء الإِمامية منذ القدم وإلى اليوم، وقد اخترنا أربعة نصوص للدلالة على أن الأَصل في السجود هو أن يكون على الأرض.
    1 - قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق الأول ت329 هـ) في وصيته إلى ولده أبي جعفر الصدوق الثاني كما نقلها عنه بقوله : (قال أبي - رحمة الله عليه - في رسالته إليَّ : اسجد على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ولا تسجد على الحصر المدنية ؛ لأنّ سيورها من جلد، ولا تسجد على شعر ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا زجاج ولا حديد ولا صفر ولا شبه ولا رصاص ولا نحاس ولا ريش ولا رماد.
    وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك الاحتراق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقرباً أو شوكة تؤذيك، فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان.
    وإن كان بجبهتك دمّل فاحفر حفرة فإذا سجدت جعلت الدمّل فيها.
    وإن كانت بجبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها، فاسجد على قرنك الأيمن من جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على قرنك الأيسر من جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول الله - عزَّوجلَّ - : (إنّ الذين أُوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً... ويزيدهم خشوعاً).. ولا بأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين والإبهامين على غير الأرض وترغم بأنفك، ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه تكون شبه المعلق لا يكون شيء من جسدك على شيء منه).
    2 - أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين عبد الله الحلبي (ت 447 هـ): قال : (لا يجوز السجود بشيء من الأعضاء السبع إلاّ على محل طاهر، ويختص صحّة السجود بالجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يُلبس، فإن سجد ببعض الأعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة).
    3 - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (ت460 هـ) قال : (لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يُلبس ويحتاج أن يجمع شرطين :
    أن يكون ملكاً أو ما في حكم الملك، ويكون خالياً من نجاسة، فأما الوقوف على ما فيه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به، والتنزه عنه أفضل).
    4 - السيد كاظم اليزدي قدس سره في العروة الوثقى قال : (يشترط مضافاً إلى طهارته - مسجد الجبهة من مكان المصلي - أن يكون من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول والملبوس، نعم يجوز على القرطاس أيضاً، فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج والقير والزفت ونحوهما، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما، ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوهما، ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن).
    -.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.

    4 - تغاير مواضع السجود :
    يجدر التنبيه على مسألة مهمة في السجود، وهي هل يشترط في السجود أن تكون مواضع السجود السبعة المعروفة كلّها على شيء واحد يصح السجود عليه أو لا يشترط ذلك؟..
    وبمعنى آخر ما هو حكم السجود الذي يكون على شيء وبدن الساجد على شيء آخر؟..
    والجواب باختصار : نعم، فقد وردت روايات متعددة عن أهل البيت - عليهم السلام - تؤكد على عدم اشتراط اتحاد مواضع السجود على شيء واحد، منها ما رواه حمران عن أحدهما - الباقر أو الصادق عليهما السلام - قال : لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام والسجود عليه.
    ووردت جملة من الفتاوى المدعومة بالأثر من طريق العامّة صريحة بصحة هذا السجود كما لو وضع الساجد مثلاً جبهته على التراب وكان جسمه على الفراش أو الثوب أو الحصير ونحو هذا، فالشرط إذن أن يكون موضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ولا يضر فيما لو كان البدن خارجاً ولكن في مكان طاهر.
    ومن هنا يتضح التوافق على جواز التغاير في مواضع السجود، ويختص مذهب أهل البيت - عليهم السلام - باشتراط وضع الجبهة على الأرض، أو ما أنبتت.
    ولا خلاف أيضاً في صحة السجود على أية بقعة من بقاع الأرض بعد إحراز طهارتها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السجود على جبل أو سهل، أو في أرض قاحلة أو في رياض غنّاء، وإنّما جاء تشريف بعض البقع على بعض من طريق الأثر الوارد عن النبي - صلى الله عليه وآله - وأهل بيته - عليهم السلام - الذين عصمهم الله في محكم كتابه من كل دنس ورجس.
    7كوثرفضل السجود وآثاره ونتائجهللسجود فضائل كثيرة وآثار محمودة ونتائج طيبة تعود بالخير على الساجد نفسه في عاجلته وآجلته، وبما أنّ للسجود حالات وأوصافاً متعددة لذا كانت نتائجه موافقة لحالاته وأوصافه، فقد يكون السجود طويلاً وكثيراً مصحوباً ببكاء الساجد وخشيته الشديدة من الله عزّ وجلّ، كما قد يكون قليلاً وسريعاً كنقر الغراب، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله : (إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقراً).. لأنه لا يتمكن من السجود ولا يطمئن فيه.
    وعن الإمام الصادق - عليه السلام - أنّه قال : أبصر أمير المؤمنين - عليه السلام - رجلاً وهو ينقر بصلاته فقال : منذُ كم صليت بهذه الصلاة؟.. فقال له الرجل : منذ كذا وكذا.. قال - عليه السلام - : مثلك عند الله مثل الغراب إذا ما نقر!.. لو متَّ، متَّ على غير ملة أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم..
    ثم قال أمير المؤمنين - عليه السلام - : إنّ أسرق السراق من سرق من صلاته، وقد يكون وسطاً بين هذا وذلك.
    والسجود الذي نروم الحديث عن فضله وآثاره ليس سجود المرائين والمنافقين القائم على أساس بلوغهم أهداف خسيسة زائلة، ومقاصد حقيرة عاجلة، فلا شكّ أنه ليس له من تلك الآثار نصيب، ولا لفاعله إلاّ الخيبة والخسران..
    وإنّما هو السجود الصادق لله - عزَّوجلّ - وإن اختلفت شدته ورتبته من ساجد إلى آخر، وبالجملة فإنّ السجود الصادق لله - عزَّوجلّ - له من الآثار والفضائل ما يجلّ وصفها، وسوف نذكر ما تيسر لنا منها اهتداء بأحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وآله - عليهم السلام - وعلى النحو الآتي :
    1 - مدح الساجدين في القرآن الكريم :
    لقد مدح الله تعالى - الساجدين في أكثر من موضع، ولاسيّما ممن جمع مع السجود الجهاد في سبيل الله وتحلّى بمكارم الأخلاق، قال تعالى : (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود).
    أي أنّ سجودهم لله تذللاً وتخشعاً أثّر في وجوههم أثراً، وهو سيماء الخشوع لله، ويعرفهم به من رآهم.
    روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - وهو يشير إلى هذا الصنف من الناس بقوله - عليه السلام - : إنّي لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود.
    وروي أنّ الإمام زين العابدين - عليه السلام - قال في معرض رده على قوم يزعمون التشيع لأهل البيت - عليهم السلام - : أين السّمَتُ في الوجوه؟!.. أين أثر العبادة؟!.. أين سيماء السجود؟!.. إنّما شيعتنا يعرفون بعبادتهم وشعثهم، قد قرحت العبادة منهم الآناف ودثرت الجباه والمساجد.
    2 - اتخاذ إبراهيم - عليه السلام - خليلاً لكثرة سجوده :
    من الآثار المباركة لكثرة سجود النبي إبراهيم عليه السلام، أن اتخذه الله خليلاً، كما يدلك على هذا حديث الإمام الصادق - عليه السلام - وقد سُئل : لِمَ اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟..
    فقال - عليه السلام - : لكثرة سجوده على الأرض.
    3 - اصطفاء موسى - عليه السلام - كليماً لكثرة سجوده :
    مما تميز به النبي موسى - عليه السلام - من بين جميع الأنبياء - عليهم السلام - هو أن الله - سبحانه وتعالى - اصطفاه بكلامه، ولم ينل هذه الرتبة إلاّ بعد أن جسّد موسى - عليه السلام - أقصى حالات التواضع والخضوع لله - جلَّ وعلا - فكان يطيل السجود ويعفّر خدّه في التراب، زيادة في التذلل وطلب القرب من العلي الأعلى.
    فقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - أنّه قال : كان موسى بن عمران - عليه السلام - إذا صلّى لم ينتفل - من صلاته - حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض.
    وروي عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - أنّه قال : أوحى الله - عزَّوجلَّ - إلى موسى - عليه السلام - : أن يا موسى أتدري لِمَ اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟.. قال : يا ربِّ ولِمَ ذاك؟.. فأوحى الله - تبارك وتعالى - إليه : أن يا موسى إني قلّبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي نفساً منك، يا موسى إنّك إذا صليت وضعت خدَّك على التراب - أو قال على الأرض -.
    4 - مباهاة الرب - عزَّوجلّ - الملائكة بالعبد الساجد :
    من وصايا الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - لصاحبه أبي ذر الغفاري - رحمه الله - وهو يرشده إلى أعمال يحبّها الله تعالى - ويباهي بها الملائكة قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : يا أبا ذر، إنّ ربك - عزَّوجلَّ - يباهي الملائكة بثلاثة نفر - إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم - ورجل قام من الليل فصلّى وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله - تعالى - : اُنظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد.
    وروى الحسن بن علي الوشاء عن الإمام أبي الحسن الرضا - عليه السلام - قال : سمعته - عليه السلام - يقول : إذا نام العبد وهو ساجد قال الله - عزَّ وجلّ - َ للملائكة : اُنظروا إلى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي.
    ومن وصايا النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - لأسامة بن زيد : يا أسامة، عليك بطريق الحق - إلى أن قال - يا أسامة، عليك بالسجود، فإنّه أقرب ما يكون العبد من ربّه إذا كان ساجداً، وما من عبد سجد لله سجدة، إلاّ كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، وباهى به ملائكته.
    5 - السجود طاعة لله تعالى - ونجاة للساجد :
    أخرج الشيخ المفيد رضي الله عنه بسنده عن أمير المؤمنين الإمام علي - عليه السلام - حديثاً تضمّن جملة وصايا حيث ركّز فيها على طول السجود باعتباره طاعة لله - عزَّوجل - ونجاة للساجد قال - عليه السلام - :... ولا تستصغروا قليل الآثام، فإنّ القليل يحصى ويرجع إلى الكثير، وأطيلوا السجود فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً، لأنه أُمر بالسجود فعصى، وهذا أُمر بالسجود فأطاع فنجا.
    6 - كثرة السجود تحتّ الذنوب :
    إنّ كثرة السجود تدلّل على استمرار تذلّل العبد لربه العظيم وطلب المغفرة وتطهيره من الذنوب، لما في السجود من تجسيد حقيقة العبودية بعد نفي التكبر والتمرّد والعصيان.
    جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : يا رسول الله، كثرت ذنوبي وضعف عملي، فقال له - صلى الله عليه وآله وسلم - : أكثر من السجود، فإنّه يحتّ الذنوب كما تحتّ الريح ورق الشجر.
    7 - طول السجود وكثرته طريق إلى الجنة :
    جاء في الحديث التأكيد على ضرورة إطالة السجود لمن أراد أن تكون له الجنة هي المأوى.
    فقد روى ثقة الإسلام الكليني - رضي الله عنه - بسنده عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنّه قال : مرَّ بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال : يا رسول الله ألا أكفيك؟.. فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - : شأنك، فلما فرغ قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : حاجتك؟.. قال : الجنة، فأطرق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال : نعم، فلمّا ولى قال له : يا عبد الله أعنّا بطول السجود.
    وفي خبر آخر، أنَّ قوماً أتوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا : يا رسول الله، اضمن لنا على ربك الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : على أن تعينوني بطول السجود.
    وعن ربيعة بن كعب أنه سأل النبي - صلى الله عليه وآله - بأن يدعو له بالجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أعنّي بكثرة السجود.
    8 - طول السجود طريق للحشر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
    ومن الفوائد المترتّبة على طول السجود، توفيق الله تعالى - لأن يحشر حليف السجدة الطويلة مع النبي - صلى الله عليه وآله - وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، وذلك هو الفوز العظيم.
    أورد الديلمي عن الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - أنّه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال : علّمني عملاً يحبّني الله، ويحبّني المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصح بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك..
    قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : هذه ست خصال تحتاج إلى ست خصال، إذا أردت أن يحبّك الله فخفه واتّقه، وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه، وإذا أردت أن يصحّ الله بدنك فأكثر من الصدقة، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصِلْ ذوي أرحامك، وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار.
    9 - السجود يحقّق الشفاعة في الآخرة :
    المستفاد من النصوص الواردة في السجود، أنّ لطوله وكثرته سهماً في نيل الشفاعة والوصول إلى الرضوان الإلهي وهو الجنة بدرجاتها والتخلص من النار وآثارها، ويدلّ عليه قول النبي - صلى الله عليه وآله - للرجل - كما في الحديث المتقدم - : أعني بكثرة السجود.. فإنّه يعني أنّ الشفاعة تحتاج إلى مقدمات أهمها الاستعانة بالصلاة وتفهّم أجزائها والتعايش مع أبعادها التربوية، قال تعالى : (استعينوا بالصبر والصلاة وإنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين).
    وهذه الاستعانة تكون لأمور شتى، منها الوصول إلى الشفاعة، ومن أهم أجزاء الصلاة التي يستعان بها هو السجود، فمن صلّى وأطال سجوده فقد توصّل إلى الشفاعة بالصلاة والسجود.
    10 - السجود من سنن الأوابين :
    إنّ الأوابين هم أولئك الذين صفت نفوسهم وارتفعت إلى مدارج الكمال بحيث سمت نفوسهم التقية فوق مستوى المادة، فهم على صلة مع الله عزَّوجلّ - في كلِّ حين.
    لذا كان من الطبيعي جداً أن يكون سجودهم له طعمه الخاص ولونه الخاص في صفته وطوله، ومن هنا جاء في حديث الإمام الصادق - عليه السلام - ما يؤكد على أن طول السجود من سنن الأوابين.
    فقد جاء في وصيته لأبي بصير قوله - عليه السلام - : يا أبا محمد عليك بطول السجود، فإنّ ذلك من سنن الأوابين.
    11 - مواضع السجود لا تأكلها النار :
    ومن فضل السجود عند الله عزَّوجلّ - أنه يثيب عليه حتى من غلبت سيئاته حسناته فدخل النار، وذلك بتكريم مواضع السجود لله في حياته فلا تأكلها النار، وقد ورد في الحديث ما يؤيد ذلك، ففي المروي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنّه قال :... إنّ النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلاّ موضع السجود فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما نبت الحبة في حميل السّيل.
    وفي حديث آخر عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال في وصف أهوال يوم القيامة :... حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يُخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلاّ أثر السجود...
    12 - شهادة الأرض للساجد عليها يوم القيامة :
    ورد عن النبي - صلى الله عليه وآله - وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - استحباب تغيير مكان الصلاة باستمرار وخصوصاً في الأماكن المقدسة، وذلك لأن الأرض تشهد للمصلي عند الله تبارك وتعالى، ولاسيّما البقعة التي يضع عليها جبهته سجوداً لله جلَّ وعلا..
    عن أبي ذر الغفاري - رحمه الله - في حديث وصية النبي - صلى الله عليه وآله - أنّه قال : يا أبا ذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له بها يوم القيامة..
    يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلاّ وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً : يا جارة، هل مرَّ بكِ اليوم ذاكر لله عزَّوجلَّ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى؟.. فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم، اهتزّت وانشرحت وترى أنّ لها فضلاً على جارتها.
    وعن الإمام الصادق - عليه السلام - قال : صلّوا في المساجد في بقاع مختلفة، فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة.
    13 - استجابة الدعاء في السجود :
    يعتبر السجود من أهم مواضع استجابة الدعاء، لذا قال تعالى - : (فاسجد واقترب).
    وعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء.
    فالنبي - صلى الله عليه وآله - يؤكد هنا على أن العبد أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله العميم في حال سجوده، لذا جاء الحث على الدعاء في السجود.
    روى جميل بن دراج، عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - أنّه قال : أقرب ما يكون العبد من ربَّه إذا دعا ربّه وهو ساجد، فأي شيء تقول؟.. قلتُ : علّمني - جُعلت فداك - ما أقول؟.. قال - عليه السلام - : قُلْ، يا رب الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا جبّار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صلِّ على محمد وآلِ محمد وافعل بي كذا وكذا - يعني اذكر حاجتك - ثم قُل : فإنّي عبدك، ناصيتي في قبضتك.. ثم ادعُ بما شئت واسأله فإنّه جواد لا يتعاظمه شيء.
    فالساجد إذن ما دام في موضع القرب والزلفى يمكنه أن يطلب من ذخائر الرحمة وأبواب المغفرة ما يشاء.
    عن عبد الله بن هلال قال : شكوت إلى أبي عبد الله - عليه السلام - تفرّق أموالنا وما دخل علينا، فقال - عليه السلام - : عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإنَّ أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد. قال : قلت : فأدعو في الفريضة، واُسمي حاجتي؟..
    فقال - عليه السلام - : نعم، قد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله علي - عليه السلام - بعده.
    وعن عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله الصادق - عليه السلام - : أدعو وأنا ساجد؟..
    فقال - عليه السلام - : نعم، فادعُ للدنيا والآخرة، فإنّه ربِّ الدنيا والآخرة.
    وعن زياد القندي قال : كتبت إلى أبي الحسن الأول - عليه السلام - : علّمني دعاء، فإني قد بليت بشيء - وكان قد حُبِس ببغداد حيث أتُّهم بأموالهم - فكتب إليه - عليه السلام - : إذا صلّيت فأطل السجود، ثم قُل : (يا أحد من لا أحد له) حتى ينقطع النفس، ثُم قُل : (يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلاّ جوداً وكرماً) حتى تنقطع نفسك، ثم قل (يا رب الأرباب أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلاّ منك، يا علي يا عظيم).
    قال زياد : فدعوت به ففرّج الله عني وخلّي سبيلي.
    وروى زيد الشحام عن الإمام الباقر - عليه السلام - قال : ادعُ في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين، ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم.
    نعم إنّ استجابة الدعاء تستلزم توفّر شروطها، وأبرز هذه الشروط الصدق في الدعاء، وهو يستدعي إظهار حالة الفقر الحقيقي إلى الله الغني القادر على قضاء حاجته، ثم العزم على التقيّد بما تفرضه عبوديته لله الخالق العظيم، وعدم مخالفته في شيء صغيراً كان أو كبيراً.
    14 - ثواب السجود المقترن بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وآله - عليهم السلام - :
    عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا عبد الله الصادق - عليه السلام - عن الرجل يذكر النبي - صلى الله عليه وآله - وهو في الصلاة المكتوبة، إما راكعاً وإما ساجداً فيصلي عليه وهو على تلك الحال؟.. فقال - عليه السلام - : نعم إنّ الصلاة على نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كهيئة التكبير والتسبيح، وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكاً أيّهم يبلّغها إياه.
    وقال أبو حمزة الثمالي : قال الإمام أبو جعفر الباقر - عليه السلام - : من قال في ركوعه وسجوده وقيامه (صلّى الله على محمد وآل محمد) كتب الله له بمثل الركوع والسجود والقيام.

  • #2
    شكرا أخي على المواضيع الرائعة

    تعليق


    • #3
      مرور كريم اقف امامه باحترام

      تحياتي

      ابراهيم علي عوالي العاملي

      تعليق


      • #4
        السلام عليكم
        بارك الله بهذه المواضيع
        وجزاكم الخير

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين

          جزاك الله خير اخي على موضوعك النوراني
          وبارك الله فيك
          وامدك الله بالصحة والعافيه وبعلم نور الهداية
          والله يعطيك العافيه

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
          استجابة 1
          10 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
          ردود 2
          12 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          يعمل...
          X