من بين دياجير الليل.. الحالكة السواد...
وعبرات تصبها غمائم السماء.. التي اتخذت من السواد ثوباً يواري نزف جراحاتها... ومن البكاء لحناً عذباً يتخلل حطامها وأشلاءها المتناثرة.. التي فرقتها عواصف الحزن وأعاصير الألم... وبقايا جرح عميق.. غزير.. يمس بعمقه شغاف القلب.. ينزف دماً عبيطا.. لا يدمله أي بلسم تجود به السنون والأيام...
وقفتُ.. بصمت حزين... وسكينة... وخشوع كخشوع أجنحة الزمن... أمام بطل قد سطّر على صفحات التأريخ... بنجيعه الطاهر الذي يتضوع عبيره في الأفق المدلهم اللامتناهي... أعذب نغمة تشدو بها الروح السابحة في محاريب الإيمان.. في فضاء الملكوت... وأجمل ما يمكن وصفه بالسعادة الحقة... الأزلية.. التي لا نهاية لها ولا حدود... سعادة أبدية.. تطفئ ببرودتها وهج الألم ولهيب الظمأ في القلوب التي تتلظى من مرارة الوجع.. وتتماوج كطيف تمتزج فيه شتى الألوان، بين جنبات الروح...
وقفت دامعة العين.. أمام قبر طاهر يحتضن بين ذرات ثراه الزاكي، ملاكاً نورانياً تنخفض لهيبته أجنحة الملائكة.. وتصلي عليه بخشوع نجيمات السماء، وحجارة الأرض، وكل نبضة يخفق بها قلب كل موالٍ ومحب...
وقفت أمام نور الله الذي غمر الكون وأوقد في ربوعه جذوة الأمل.. وقفت.. وناديت والشوق يقطر من كل خلجة في قلبي وكياني.. والألم يجري في كل قطرة من دمي... ناديت بصوت قد ذابت نبراته وتلاشت مع الدموع المنهمرة كاللؤلؤ المنثور: "السلام عليك يا أبا عبد الله"!!!
عندها تسمرت عيناي وهي تحدق في اللانهاية... وتاه فكري في غمرات ذكرى أليمة... ذكرى تقشعر لها الجلود وتتفطر لوطأتها القلوب.. ويبكي لها دماً حتى محجر الحجر...
فإذا بي أرى الكون قد تغير.. والشمس قد كورت وانطفأت جذوتها.. والرياح الثكلى تصدح في الأفق بلحن الأسى...
تلفتُّ حولي... فوقعت عيناي على جثث مقطعة الأوصال.. أجساد مطهرة تشخب دما عبيطا يحكي مع فورانه قصة أروع تضحية في سبيل رفع راية الحق عالية خفاقة تطاول عنان السماء... وسمعت صوتا يدوي عاليا تكاد تخر له الجبال هدّا..."ألا هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله...؟!"... عندئذٍ دمعت عيناي وناديت بألم:"لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري"... عهدٌ علي يا سيدي أن أحرق في سبيلكم شمعة عمري، وأسقي بحبكم زهرة حياتي وأيامي... فعسى أن يكتبني ربي من أنصاركم، وأن يوفقني لخدمتكم... ويحشرني معكم...
وبقيت مطرقة ساعة من الزمن... وما إن رفعت رأسي حتى رأيت نوراً يتلألأ... كالبدر... قد جللته الدماء بمطارف من العز والخلود حمراء قانية... مقطعاً بالسيوف إرباً إربا... لا عجب أن وقفت تلك المرهفات مخذولة.. عاجزة عن محو جمال محياه وبهاء طلعته... أوليس شبيه رسول الله؟!... آه.. وبقربه فلقة قمر يجري معين جماله رقراقاً يتخلل أزاهير وجهه... ووداعة محياه.. زادته الدماء جمالاً على جمال.. فبدا كأنه عريس يزف مكللا بالورد والرياحين... إلى الجنة...
عندئذ شعرت بتناثر شظايا قلبي مع تلك الأشلاء الطاهرة.. أي قلب يستطيع صبرا.. والبدور على الثرى مجللة بالدماء؟!... إنا لله وإنا إليه راجعون!!!...
وبينما أنا على تلك الحال.. وإذا بقمر على فرس.. يشرق سنا وجهه مبددا غياهب الحزن والألم المرتسمة على وجه الحوراء.. ترفرف في يمينه راية الحق الجلي... راية محمد وعلي... ترفرف عالياً كأنها أجنحة الملائكة تحوم في محراب الملكوت...
إنه كافل الحوراء قد برز يطلب شيئا من الماء لعله يطفئ وهج الظمأ المضطرم في أكباد الأطفال واليتامى... وماهي إلا لحظات.. حتى قفل راجعاً إلى المخيم... حاملاً بيده الأمل الذي تنتظره بلهفة تلك القلوب الصغيرة العطشى...
ويا لهول ما وقعت عليه عيناي!!... العباس ملقى على الثرى مقطوع اليدين.. عينه بدت والسهم فيها كعين فياضة ناضحة.. ولكن بالدم!!!... والقربة.. آه... أريق الأمل مع مائها... وتلاشت ذراته وبقاياه بين صراخ الأطفال... ودوى في السماء صوتٌ حزين.. مبلل بدمع القهر والوجع.. صوت يصك سمع الملكوت... صوت ألهب وجداني... "الآن انكسر ظهري... الآن قلت حيلتي.. الآن شمت بي عدوي"!!!...
والتقت العيون الحائرة في تساؤل.. أين قمر العشيرة.. فلم تجد جواباً إلا هدم خيمته!!... راح الكفيل... أفل البدر الزاهر.. ودفن الأمل في رمس الألم... وظل الحسين وحيدا... بلا ناصر.. إلا طفل رضيع.. صغير... تتجلى البراءة بأروع حللها في وداعة مبسمه... ولكن... ما أسرع أن انطفأت تلك الابتسامة.. بسهمٍ قد صب ألوان القسوة والوحشية... في نحره!!!...
يا الله... أي قلبٍ هذا الذي طاوع حرملة على قطف وردة ما فتحت عيناها بعد على ربيع أيامها؟!.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!!...
وبينما أنا مطرقة.. ذاهلة... ودمع العين يجري كالمطر... وإذا بي أرى بنات الرسالة.. كسرب الحمام متجمعات... والدمع منهن منهمر كالميزاب... تحلقن حول الحسين (ع)... آه.. لقد حانت ساعة الصفر!!... وخرج الحسين (ع) من المخيم.. يتلألأ وجهه نورا.. كأنه شمسٌ أطلت من وراء الرواسي الشامخات... يكاد سناها يخطف الأبصار... انحدرت عبراتي على الوجنتين ساخنة... أحقاًّ ستغيب الشمس بعد شروقها بساعاتٍ قلائل؟ّ!... آه... والظمأ ألهب كبده.. هد قواه... آه ليتني حينها كنت معيناً بارداً أسعى إليه.. وأطفئ الهجير الذي فتَّ حشاه... قبل أن تسقيه السهام المتطايرة من كأس المنية!!!... لكن... أنى لرحى السنين والأيام أن يدور إلى الوراء؟!... دارت الأرض برأسي... عصفت به رياح الألم الهوجاء العاتية... وما أخرجني من هذه الحالة إلا صوتٌ يقطر حزناً وألما... ها هو ذو الجناح قد أتى... مكسور الجناح... محمحماً باكيا..."الظليمة الظليمة من أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها"!!!.. يا زهراء!!!... خرجت النساء إليه.. يجلببهن رداء الدهشة والهلع..أقبلن إلى الجسد المسجى... ذائبات الفؤاد.. قد جُرحن من الأعماق... وإذا بالشمس قد كورت... والسواد قد لف الكون.. والسماء.. أمطرت بالحزن نجيعاً أحمرا... وفي لحظة توقف عندها نبض الزمن... يا رسول الله... ارتقى الملعون مرقىً عظيماً لم يصل إليه أحد قط.. لطالما قبّله رسول الله... آه... صرختُ من أعماق قلبي الجريح... واحـسـيـنـــاه!!!... وهويتُ عندها فاقدة الشعور... ما فتحت عيناي إلا.. ورأس الحسين... يا الله... مرفوع.. شامخ... على رمحٍ طويل!!!
إنا لله وإنا إليه راجعون... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!!!
وعبرات تصبها غمائم السماء.. التي اتخذت من السواد ثوباً يواري نزف جراحاتها... ومن البكاء لحناً عذباً يتخلل حطامها وأشلاءها المتناثرة.. التي فرقتها عواصف الحزن وأعاصير الألم... وبقايا جرح عميق.. غزير.. يمس بعمقه شغاف القلب.. ينزف دماً عبيطا.. لا يدمله أي بلسم تجود به السنون والأيام...
وقفتُ.. بصمت حزين... وسكينة... وخشوع كخشوع أجنحة الزمن... أمام بطل قد سطّر على صفحات التأريخ... بنجيعه الطاهر الذي يتضوع عبيره في الأفق المدلهم اللامتناهي... أعذب نغمة تشدو بها الروح السابحة في محاريب الإيمان.. في فضاء الملكوت... وأجمل ما يمكن وصفه بالسعادة الحقة... الأزلية.. التي لا نهاية لها ولا حدود... سعادة أبدية.. تطفئ ببرودتها وهج الألم ولهيب الظمأ في القلوب التي تتلظى من مرارة الوجع.. وتتماوج كطيف تمتزج فيه شتى الألوان، بين جنبات الروح...
وقفت دامعة العين.. أمام قبر طاهر يحتضن بين ذرات ثراه الزاكي، ملاكاً نورانياً تنخفض لهيبته أجنحة الملائكة.. وتصلي عليه بخشوع نجيمات السماء، وحجارة الأرض، وكل نبضة يخفق بها قلب كل موالٍ ومحب...
وقفت أمام نور الله الذي غمر الكون وأوقد في ربوعه جذوة الأمل.. وقفت.. وناديت والشوق يقطر من كل خلجة في قلبي وكياني.. والألم يجري في كل قطرة من دمي... ناديت بصوت قد ذابت نبراته وتلاشت مع الدموع المنهمرة كاللؤلؤ المنثور: "السلام عليك يا أبا عبد الله"!!!
عندها تسمرت عيناي وهي تحدق في اللانهاية... وتاه فكري في غمرات ذكرى أليمة... ذكرى تقشعر لها الجلود وتتفطر لوطأتها القلوب.. ويبكي لها دماً حتى محجر الحجر...
فإذا بي أرى الكون قد تغير.. والشمس قد كورت وانطفأت جذوتها.. والرياح الثكلى تصدح في الأفق بلحن الأسى...
تلفتُّ حولي... فوقعت عيناي على جثث مقطعة الأوصال.. أجساد مطهرة تشخب دما عبيطا يحكي مع فورانه قصة أروع تضحية في سبيل رفع راية الحق عالية خفاقة تطاول عنان السماء... وسمعت صوتا يدوي عاليا تكاد تخر له الجبال هدّا..."ألا هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله...؟!"... عندئذٍ دمعت عيناي وناديت بألم:"لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري"... عهدٌ علي يا سيدي أن أحرق في سبيلكم شمعة عمري، وأسقي بحبكم زهرة حياتي وأيامي... فعسى أن يكتبني ربي من أنصاركم، وأن يوفقني لخدمتكم... ويحشرني معكم...
وبقيت مطرقة ساعة من الزمن... وما إن رفعت رأسي حتى رأيت نوراً يتلألأ... كالبدر... قد جللته الدماء بمطارف من العز والخلود حمراء قانية... مقطعاً بالسيوف إرباً إربا... لا عجب أن وقفت تلك المرهفات مخذولة.. عاجزة عن محو جمال محياه وبهاء طلعته... أوليس شبيه رسول الله؟!... آه.. وبقربه فلقة قمر يجري معين جماله رقراقاً يتخلل أزاهير وجهه... ووداعة محياه.. زادته الدماء جمالاً على جمال.. فبدا كأنه عريس يزف مكللا بالورد والرياحين... إلى الجنة...
عندئذ شعرت بتناثر شظايا قلبي مع تلك الأشلاء الطاهرة.. أي قلب يستطيع صبرا.. والبدور على الثرى مجللة بالدماء؟!... إنا لله وإنا إليه راجعون!!!...
وبينما أنا على تلك الحال.. وإذا بقمر على فرس.. يشرق سنا وجهه مبددا غياهب الحزن والألم المرتسمة على وجه الحوراء.. ترفرف في يمينه راية الحق الجلي... راية محمد وعلي... ترفرف عالياً كأنها أجنحة الملائكة تحوم في محراب الملكوت...
إنه كافل الحوراء قد برز يطلب شيئا من الماء لعله يطفئ وهج الظمأ المضطرم في أكباد الأطفال واليتامى... وماهي إلا لحظات.. حتى قفل راجعاً إلى المخيم... حاملاً بيده الأمل الذي تنتظره بلهفة تلك القلوب الصغيرة العطشى...
ويا لهول ما وقعت عليه عيناي!!... العباس ملقى على الثرى مقطوع اليدين.. عينه بدت والسهم فيها كعين فياضة ناضحة.. ولكن بالدم!!!... والقربة.. آه... أريق الأمل مع مائها... وتلاشت ذراته وبقاياه بين صراخ الأطفال... ودوى في السماء صوتٌ حزين.. مبلل بدمع القهر والوجع.. صوت يصك سمع الملكوت... صوت ألهب وجداني... "الآن انكسر ظهري... الآن قلت حيلتي.. الآن شمت بي عدوي"!!!...
والتقت العيون الحائرة في تساؤل.. أين قمر العشيرة.. فلم تجد جواباً إلا هدم خيمته!!... راح الكفيل... أفل البدر الزاهر.. ودفن الأمل في رمس الألم... وظل الحسين وحيدا... بلا ناصر.. إلا طفل رضيع.. صغير... تتجلى البراءة بأروع حللها في وداعة مبسمه... ولكن... ما أسرع أن انطفأت تلك الابتسامة.. بسهمٍ قد صب ألوان القسوة والوحشية... في نحره!!!...
يا الله... أي قلبٍ هذا الذي طاوع حرملة على قطف وردة ما فتحت عيناها بعد على ربيع أيامها؟!.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!!...
وبينما أنا مطرقة.. ذاهلة... ودمع العين يجري كالمطر... وإذا بي أرى بنات الرسالة.. كسرب الحمام متجمعات... والدمع منهن منهمر كالميزاب... تحلقن حول الحسين (ع)... آه.. لقد حانت ساعة الصفر!!... وخرج الحسين (ع) من المخيم.. يتلألأ وجهه نورا.. كأنه شمسٌ أطلت من وراء الرواسي الشامخات... يكاد سناها يخطف الأبصار... انحدرت عبراتي على الوجنتين ساخنة... أحقاًّ ستغيب الشمس بعد شروقها بساعاتٍ قلائل؟ّ!... آه... والظمأ ألهب كبده.. هد قواه... آه ليتني حينها كنت معيناً بارداً أسعى إليه.. وأطفئ الهجير الذي فتَّ حشاه... قبل أن تسقيه السهام المتطايرة من كأس المنية!!!... لكن... أنى لرحى السنين والأيام أن يدور إلى الوراء؟!... دارت الأرض برأسي... عصفت به رياح الألم الهوجاء العاتية... وما أخرجني من هذه الحالة إلا صوتٌ يقطر حزناً وألما... ها هو ذو الجناح قد أتى... مكسور الجناح... محمحماً باكيا..."الظليمة الظليمة من أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها"!!!.. يا زهراء!!!... خرجت النساء إليه.. يجلببهن رداء الدهشة والهلع..أقبلن إلى الجسد المسجى... ذائبات الفؤاد.. قد جُرحن من الأعماق... وإذا بالشمس قد كورت... والسواد قد لف الكون.. والسماء.. أمطرت بالحزن نجيعاً أحمرا... وفي لحظة توقف عندها نبض الزمن... يا رسول الله... ارتقى الملعون مرقىً عظيماً لم يصل إليه أحد قط.. لطالما قبّله رسول الله... آه... صرختُ من أعماق قلبي الجريح... واحـسـيـنـــاه!!!... وهويتُ عندها فاقدة الشعور... ما فتحت عيناي إلا.. ورأس الحسين... يا الله... مرفوع.. شامخ... على رمحٍ طويل!!!
إنا لله وإنا إليه راجعون... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!!!