بين أبراج نيويورك وقباب سامراء .. عام من المفارقات ! *
أليس الذي فجّر أبراج نيويورك في 11 سبتمبر هو نفسه من فجّر قباب أولاد النبي (صلّى الله عليه وآله) في سامراء في 22 فبراير (شباط)؟..
هو ذاته، ولكن انظر ماذا كان وقع 11 سبتمبر على الغرب وماذا كان وقع جريمة 22 فبراير (شباط) على المسلمين!..
حدث 11 سبتمبر فانتفضت أمريكا واصطف الغرب كله من أقصاه إلى أقصاه معها وعدّ العدة للانقضاض على الفاعل وتأديبه لكي لا يعود لمثلها، ووقف العالم الإسلامي وقفة رجل واحد مع الولايات المتحدة في حملتها الشاملة لمحاربة الإرهاب أما رعباً من غضب الأسد الأمريكي أو صدقاً.
فالجرم كان كارثة قومية أصابت الحضارة الغربية في قلبها ، ولم يكن الاعتبار الأكبر للبرجين الذين سيبنون ما هو أجمل منهما بقدر ما كان الهدف الأجلى رد الاعتبار لكرامتها التي أصيب في الصميم، وكانت 11 سبتمبر يوم الفصل بالنسبة لهم وخرجت مقولة (مَن لم يكن معنا فهو عدونا) لتقسّم العالم إلى فسطاطين: أحدهما الإرهاب والآخر بقية العالم ..
وتحركت مراكز البحوث والمؤسسات الخبروية والسلطات السياسية والثقافية للهجوم على العدو وهزيمته وقصم ظهره عسكريا أولا وسياسياً وفكرياً ثانياً ..
واستمرت الحملة لتنهي دولة طالبان الإرهابية وتذلّ قادتها في أقذر السجون وأقساها وتطاردهم في كل بقعة من بقاع الأرض تلتقطهم واحدا بعد آخر، ولتفرض الولايات المتحدة على العالم أجمع أجندتهم الأمنية متجاوزة كل الممنوعات في حملتها، فلا قانون ولا دستور ولا حقوق إنسان ولا أمم متحدة ومجلس أمن ولا غيرها ، بل كانت الحرب على الإرهاب غاية تبررها أي وسيلة ، مشروعة كانت أو قذرة .
وصار ما يعرف اليوم بمرحلة ما بعد 11 سبتمبر باعتبار الغرب بدأ مرحلة جديدة لتتغيّر سياسته من السكوت – بل الدعم في أحيان والاحتضان في أحايين - للحكومات الدكتاتورية والمنظمات المتطرفة إلى الحرب الشاملة.
هذا كان وقع 11 سبتمبر على الغرب ..
وسؤالي.. ماذا كان وقع فاجعة 22 فبراير (شباط) على الأمة الإسلامية؟..
هل تداعى المسلمون للغضبة والنصرة كما تداعى الغرب؟! ..
هل هدّدت الحكومات بقطع دابر الشر والإرهاب ؟! وهل نشرت هذه الحكومات قائمة سوداء برؤوس الإجرام التي تسرح وتمرح في العراق وهي معروفة لديهم وتحتفظ حكوماتهم بسجلات تفصيلية عنهم؟!..
هل جفّفت منابع الدعم اللوجستي والمالي الهائلة ؟! ..
هل تحرك مفكرونا ومنظرونا وعلمائنا لإعلان الحرب على الجاني ؟ ..
هل انتفض إعلامنا ليسلط الضوء على هذا الحدث بحجمه ؟ ..
الجواب: لا شيء من هذا حدث! ..
لقد سكت من سكت وتفرج من تفرج وكذلك فرح من فرح، والأنكى من ذلك أن يتحول المجني عليه إلى جاني ويلام على غضبه! ..
ها هي حاضنات الإرهاب –سواء في مناطق عراقية أو خارج العراق- هي هي، حيث توفير الملاذ الآمن للجماعات التكفيرية والتواطؤ معها في العراق عبر تشتيت الانتباه عن مصادر العنف والخطاب الملتبس والليّن معها –مقابل استخدام أعنف المصطلحات عند حديثهم عن حكومة الأكثرية-، وأما خارج العراق فإنه لم تنل أجهزة الأمن منها شيء مادامت تضرب خارج بلدانها وخير وسيلة للتخلص منهم تصديرهم إلى العراق!..
وإعلامنا "الطائفي" الذي حتى اليوم يذكرنا بمشاهد أبراج نيويورك وهي تسقط سوى الإحياء السنوي للحدث والطبخ المستمر للموضوع حتى صار مشهد السقوط أشبه بالجلد الدائم لنا نحن المسلمون، ولكن حدث قباب سامراء لم يدم تداوله سوى ساعة ثم دارت الكاميرات لتعلن عن اعتداءات على "مئات" المساجد وغادر الموضوع الكارثة إلى رحمة الله تعالى ..
11 سبتمبر كانت كارثة قومية وزلزالا مدويا للغرب ..
أما جريمة 22 فبراير (شباط) وهي بالتأكيد كارثة قومية على المسلمين ومصيبة عظمى ، وبالتأكيد هذه أعظم من تلك، وهل أخطأ إذا قلت إن حواجب سترتفع تعجبا من هذا الكلام؟! ، فأسأل: وهل برجين تجاريين انتهى عمرهما الافتراضي غاية الفائدة منهما –كما أي مبنى- إدارة الأعمال وإدرار المال ، هل هو أعظم أم قبة شمّاء تضم أجساد ذرية طاهرة وأبناء لأعظم الخلق نبينا المعظم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ضريح ذرية هم أفضل أهل زمانهم وكما قال الإمام علي (عليه السلام): "لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد، هم كهوف كتبه وجبال دينه بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه"، قادوا أممهم في لجّة الفتن السوداء إلى بر الأمان، ودرّوا على أمتهم خير الدنيا والآخرة ، قبة يستجاب فيها الدعاء لأن الله يعبد فيها ليلا ونهارا ، يفيء إلى ظلهم مثقل الذنوب، ويستكين إلى جنابهم المتعب الغريق..
بالله عليكم أفيدوني.. هل هذه القباب الطاهرة أعظم أم تلك الأبراج؟ ..
كم هو الدهر ظالم لأهل البيت (عليهم السلام) إذ أنزلهم فأنزلهم حتى صاروا يقارنوا إلى هذه النظائر! .. فأين الثرى وأين الثريا؟!..
إن لفاجعة سامراء تداعيات كارثية في المستقبل على الأمة شرخاً عميقا، فإن كان عاقر القبة شرذمة قليلون، لكن دمدمة السماء ستكون على جميع الساكتون والراضون والمداهنون، لأن الأمة ما سدّت هذا الشرخ ولا رمّمته ولا أطفأت ناره المستعرة، بل جاء من يزيد الشرخ اتساعا والنار استعارا بالقفز على الكارثة والتركيز على غبار الكارثة الذي قذى عينه الناعسة ليدعو بالويل والثبور والوعد والوعيد .
إن كان هناك من استنكر الجريمة ضمن جوقة المستنكرين أو خرج في مسيرات أو غاية الأمر بكى وأبكى – ويحسبون أنهم قاموا بواجبهم! – جازَ أن نوصم بشعوب المظاهرات والفزعة ، أو شعوب النسيان كما بشّر رئيس الوزراء الدانمركي أصحاب الشركات لديهم بالصبر قليلا لأن المسلمين –حسب وصفه- سينسون سريعا الإساءة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويعودون إلى أكل الزبدة الدانمركية اللذيذة ! ..
إن كنتَ لا تستطيع أن تلوم عوام الناس، فما بال قادتها ومفكريها ومثقفيها وعلمائها!، فبعض صَغا إلى ضغنه!، وآخر مالَ إلى عرجه! ، وقام ثالث نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه!، مع هَنٍ وهَن ..
لم تتحرك مراكز البحوث ولا المؤسسات الثقافية ولا جمعيات المجتمع الأهلي ولا وسائل الإعلام ولا رجال الدين لمعالجة الكارثة قبل اتساعها، بل استكانت هي والمؤسسات الرسمية إلى واقعها المتخلف.
فإن كنتَ تعجب فاعجب لقوم يسمّون المطالِب بمسجد للشيعة بالطائفي! وكل هذا الطائفية المشبعة بالبارود والدم والأشلاء المقطعة بالمقاومة الشريفة! .. وأقول إن حرمان إنسان من مسجد خاص به يتعبد الله فيه أول حلقة في سلسلة تنتهي بيد إرهابي يقتل هذا الإنسان وينسف أضرحة أئمته! ..
وكيف لا يقوم بتفخيخ قباب العراق وتدميرها وأمامه قباب البقيع مسوّات مع الأرض وهي تضم رفات أئمة المسلمين وصحابة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته وبناته؟!، فهذا الصوت وذاك صداه.
وأغرب من هذا، أن يشيّد لأبو حنيفة قبرا شامخا في بغداد ويهدّم قبر أستاذه الإمام الصادق (عليه السلام) في البقيع! ..
ما بعد 11 سبتمبر كانت لهم رُبّ ضارةٍ نافعة وتاريخ جديد ..
ومرّت كارثة 22 فبراير (شباط) علينا كذبابة شاغبت انفنا فأفسدت منامنا ثم طارت فعدنا للنوم من جديد!، فكان ما بعدها كما هو ما قبلها.
لنتصالح مع التاريخ الذي ظلمناه، فاستمرار الظليمة على أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم يجب أن يتوقف، وندخل في منظومة الاعتذارات التاريخية التي نسمع بها اليوم من دول وحكومات وفاتيكان ومنظمات وجيوش دون أن يكون ذلك نقيصة فيهم، بل كان لها وقع السحر في سد منابع التوتر ورأب الصدع وبدأ الحوار والمصالحة..
لنعتذر عن سنين مديدة من إلغاء التشيع ومنعه وقمعه بشتى الوسائل سواء بتكفير معتنقيه وتسفيه معتقداتهم وعدم الاعتبار لفقههم..
لنقبل بوجود مذهب خامس (مذهب جعفر الصادق) يجاور المذاهب الأربعة ونجيز اعتناقه والتعبّد به كما أجاز شيخ الأزهر السابق، فلماذا لا نجيز للإمام الصادق (عليه السلام) الاجتهاد وقد قبلناه من غيره؟..
لنعيد لمناهج التربية شخوص أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم الطاهرة ليسمع بهم أبنائنا ، فكم عيب أن يعرف أبنائنا القعقاع ولا يعرفون الباقر والصادق!، سوى الحضور الباهت في مناهجنا لعظماء الإسلام كسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وثورة الحسين الخالدة وغير ذلك من رموز وأحداث مفصلية، فالناس لن ترحمكم غدا إذا سمعت ما كنتم تخفوه عنها سنين متطاولة، والموءودة اليوم قد بدأت تُسمع صوتها! ..
ليصحوا إعلامنا عن غفلته التي طالت وهو يتجاهل كل ما هو شيعي وكأنه يتصور حتى الآن أنه قادر حتى اليوم على دفن التشيع وإلغاءه وها هي عشرات الفضائيات التي تصدح بذكرهم ولم يعد خافيا على أحد ..
لنعتذر عن هدم قبور البقيع ونسمح لهم بإعادتها إلى سابق عهدها حينما كانت تسمى جنة البقيع ..
وسوى هذا لن تبدأ المصالحة ولن يتوقف المرجل عن صريره، بل أصغر الشرر قد يشعل النار، فالفتن لا تنفجر في الشعوب المتصالحة مع ذاتها والبلدان التي يحكمها العدل والمساواة، بل انفجارها دليل وجودها ..
أما محاولة الاستمرار في الإلغاء والقمع والتعامي فقد أثبت فشله الذريع، وها هو الصوت الشيعي يعلن عن نفسه، وها هم أهل البيت (عليهم السلام) بدأ العالم يسمع بهم ويتعرف عليهم رغم كل سنون الظلم والإبعاد، حتى ظهرت أخيرا قناة باسمهم.
الفتنة نائمة، نعم .. ولا نقول (لعن الله من أيقضها)، بل نقول (رحم الله من ذبحها من الوريد إلى الوريد قبل أن تستيقظ).
---------------
(*) المقالة كتبتها قبل عام يوم الفاجعة ، وصمت القبور هو الجواب !
للكاتب :سيد حسن الحسن
تعليق