
أسعدتم مساءا....

باختصار شديد, من حقنا اليوم, ونحن نسمع وسائل إعلامنا كما بعض الكتاب والمستكتبين من مثقفي المارينز ويتامى موائد صدام وبعض المتأمركين والمتسعودين وهم يلقون بتهم الصفوية على كل من لا يوفق هواهم حتى أنهم جعلوا من "بني صفيون" كما يسمونهم, خطرا أكبر من بني صهيوني بكثير,,,من حقنا إزاء كل هذه المسخرة أن نسأل أو نتسائل عن من هم هؤلاء الصفويون الذين تشيطنوا في وسائل الإعلام الجهولة ، وترددوا على أفواه أبالسة الطائفية المتعطشين لجريان الدم المسلم وغير المسلم في كل مكان وفي كل جيل ؟
في القرن الرابع عشر الهجري شهدت إيران نشوء حركة صوفية نشطة ، وتحديدا من أردبيل . وحتى ذلك الوقت ، لنقل حتى ورود صفي الدين لم يكن هناك ما يزعج القوم من هذه الحركة التي كان أحرى أن تكون تجربة صوفية ترقى ببعض رجالها إلى مصاف الجيلاني أو ابن عربي أو ابن الفارض..كما ترقى ببعض نسائها كما هو شأن والدة صفي الدين إلى مصاف رابعة العدوية وفاطمة القرطبية..لكن السياسة فعلت فعلها..فحينما تأسست الدولة واختارت الحركة التمذهب بالمذهب الجعفري هاجت النفوس وأصبح من السهولة بمكان شيطنة حركة من أهل التصوف..ولقد كان هؤلاء أكثر واقعية واعتدالا وذكاءا لما عرفوا أن الدول تتأسس على الفقه لا على محض التصوف ، فاستقدموا إلى إيران من المحققين والفقهاء العرب ما أغناهم في تأسيس الدولة..تحولت الحركة الصفوية من حركة أو لنقل طريقة إلى دولة بفضل الفقهاء..فلنقل أن السياسة وتأسيس الدولة الصفوية هو راجع للدور العربي ، بينما كانت الحركة صوفية تربوية قبل هذا التأسيس..قصة هؤلاء بدأت إذن ، حينما اعتنقوا مذهب أهل البيت ، بعد أن كانوا شوافع..وبعد أن كانت هي الدولة الأولى التي أعلنت عن اعتناقها المذهب الجعفري دونما تقية أو تردد.. وبعد أن قامت بالدعوة لهذه المدرسة صراحة.. ولا غرابة إذن من عجرهم وبجرهم..فهم يعتبرون تقية الشيعة كذب كما يعتبرون صراحتهم وقاحة وكفرا صراحا ، باختصار هم يكرهون الشيعة كشيعة .هذه الحركة في الأصل هي حركة صوفية قد تحول أتباعها إلى الدعوة العلوية وأسسوا لهم دولة. إذا تجنبنا الحديث عن أول ملهم للحركة المدعو فيروز بن محمد بن شرفشاه الذي عاصر الدولة المغولية حتى صفي الدين عبر سلسلة من خلفاء طريقته ، سنكتشف أننا أمام شخصيات تركية بامتياز . فقد كان صفي الدين متولدا من امرأة متصوفة بلغ صيتها في التصوف مبلغا ، حتى ـ كما قيل ـ قورنت برابعة العدوية..لكن ما يجب قوله في المقام أن صفي الدين الأردبيلي كان سنيا ..يؤكد ذلك الكثير من الباحثين أحدهم مصطفى الشيبي الذي أكد ـ وهو باحث سني ـ رأي من قال بأن صفي الدين كان تركيا لم يثبت له من النظم بالفارسية إلا بيتا واحدا رواه رضا قلي هدايت. بدأ التدرج في التحول إلى الدعوة العلوية إلى أن بلغ ذلك أوجه مع التأسيس للدولة لا سيما مع إسماعيل الصفوي..إذا كان تاريخ الاحتكاك بين الدولتين الصفوية والعثمانية يكاد يجرم حركة الصفويين من طرف واحد وينسب لهم كل أشكال الغلو والتطرف ، فإن لا أحد يجازف لكي يدين تاريخ الأتراك العثمانيين في مجال الحرب المعلنة على كل التيارات العلوية في كل البلاد التي بلغتها السلطة العثمانية سواء في بلاد الشام أو العراق ..الأجواء الطائفية وما يصاحبها من انشحانات و عصبيات تحولت إلى ثقافة في العالم الإسلامي..لقد تحرش بإيران الصفوية كل من الأفغان والأتراك وتحالفوا ضدها لأسباب طائفية محض..الذين يتحدثون إذن عن فرس مقابل عرب ، يفوتهم أن حركة الصفويين قادها أتراك من أصول سنية في بداية دعوتهم..وقد كان من الأفغان ذوي الأصول الفارسية من حارب الصفويين ذوي النشأة التركية..لم يكن هؤلاء الصفويون هم من أدخل التشيع إلى إيران، بل إن الصفويين جلبوا إلى إيران علماء عرب من الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام..وكان المحقق الكركي الذي دعاه إسماعيل طهماسب ، هو الشخصية العلمية الأولى في إيران الصفوية وهو من جبل عامل اللبنانية..كما يجدر بنا ذكر علم كبير من أعلام الشيعة العرب وهو الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب موسوعة وسائل الشيعة، بالإضافة إلى شخصيات أخرى من هذا القبيل ..فالصفويون في أصلهم تركا وفي نشأتهم سنيون ، وقد نشر التشيع في إيران الشيعة العرب..وقد كانت إيران معقلا لأكثر التيارات الأموية غلوا حتى أن فيها من بقي على سنة سب علي بن أبى طالب من على المنابر بعد أن منعه عمر بن عبد العزيز..إن شيطنة الدول لم تكن غريبة عمن شيطن الأشخاص..فشخصية من أنصار العلويين من أمثال مؤمن الطاق الذي عرف بالصلاح والعلم يسميه أصحاب هذا المزاج السيئ شيطان الطاق..وما تكرير هذه النعوت وإيرادها في سياق التآمر على الإسلام بما يوحي أننا أمام حركة خارج الملة وليست مشمولة في التاريخ والعالم الإسلاميين ، إنما يراد منه التلبيس على من ليس له إلمام بالتاريخ الإسلامي، الذي يحتاج إلى مراجعة تنفض عنه أهواء المؤرخين وتحرره من القراءات ذات النزعة العصبية الطائفية..أجل ، لو كانت هذه الدولة الصفوية متعصبة لقوميتها الإيرانية لما حاولت أن تجعل أئمتها من بني هاشم ولا نسب أصحابها أنفسهم لبني هاشم، ليؤكدوا بذلك على نسبهم العربي..وكان أحرى بهم أن يكونوا سنيين حيث أعلام السنة ومؤسسوا مذهبهم خرجوا من طوس ونيشبور وترمذ ...بل كان أحرى أن يكونوا أحنافا أو حنبليين ، مادام الشيخان من فارس..وكان أولى أن يتبعوا المحدث البخاري السمرقندي أو مسلم النيشبوري أو الترمذي وهم من فارس..بل كان أولى أن يكونوا غزاليين طوسيين كما هو مسقط رأس أبي حامد الغزالي الذي عبر عن مواقفه ضد الباطنية..فحتى ورود الدولة الصفوية، كان أعلام التشيع عربا وفقهاءهم عربا..فأين يذهب المهرجون الذين اختزلوا التشيع في الحركة الصفوية وخلطوا وضربوا أخماس بأسداس حتى باتت الصفوية في نظرهم ليست شيئا آخر سوى الكسروية و المجوسية..ويكفي ذلك دليلا على أننا أمام شكل من أشكال الانحطاط في وعي صانع الصور المغالطة وتشوه في وعي المتلقي الذي لا يحاكم أولئك الذين يستخفون بوعيهم وعقولهم وما أكثرهم..فالدولة الصفوية هي الدولة التي مكنت للعرب من التغلغل في إيران ، بل هي حركة كادت تؤدي إلى تعريب إيران..
وقد وجد العرب ضمن نخبها السياسية والعلمية ، بل قاتل الكثير من العرب في صفوف الجيش الصفوي ضد العثمانيين


اسعدتم مساءا

تعليق