علاقة الفرس بأهل البيت
دولة الفرس قبل الإسلام و ما أدراك ما دولة الفرس. كانت من أعظم ممالك العالم و من أقدمها و أقواها. كانت تضم بلادا كثيرا غير فارس المعروفة حاليا بل أنه كانت عاصمتها في يوم الأيام هي "المدائن" و كانت تقع حيث تقع بغداد اليوم و للعلم فإن كلمة بغداد هي كلمة فارسية و أصلها "باغ" أي حديقة أو مزرعة و "داد" اسم شخص، أي "حديقة داد". حتى الإمبراطورية الرومانية العظيمة أيام قيصرها "ماركوس يوليوس فيليبوس" كانت تدفع لشاهبور امبراطور فارس جزية سنوية قدرها مائة ألف قطعة ذهبية.
و كان أباطرتها يعتبرون أنهم أشخاص إلاهيون أي من أبناء الآلهه.{ كان العاهل لديهم معظما و لم يكن في وسع المرء و هو يخاطبه أن يستخدم إسما و لا لقبا و كان هناك عبارات مخصّصة له و لا يُفترض أن يحيد عنها إنسان "أنتم أيها الأشخاص الربانيون" أو "أنتم أيها الآلهه الخالدون" أو على الأقل " أيها الإله". كما كانت كل رتبة في تسلسل رجال البلاط تهدف إلى توسيع الهّوة بين الملك و سائر الأحياء و كان كل شيء يُسهم في صنع هذه الصورة للقدرة غير البشرية، و للمظهر السماوي، و للخلود. و كانت القبّة في قاعة العرش من الإرتفاع بحيث يخيل أنها بنيت لمَجْع من العمالقة. و مهما سما البصر على امتداد الجدران فإنه لم يكن يلتقي سوى ستائر الزينة، فلا قَدْر إبهام واحد يشي بعُري السطوح الأصلي.
و لم يكن في صدر الحجرة الفسيحة التي يجلس فيها العاهل سوى منصّة يحجزها ستار توزّعت حوله جماعة رجال البلاط. فعلى بُعد عشر أذرع الأشخاص ذوو الدم الملكي، و أبعد منهم بعشر أذرع أخصاء العاهل ملك الملوك، مؤاكلوه و مستشاروه المقرّبون، و الأعيان الدينيّون من شارحي (الأفستا – الكتاب الديني) و قارئيها و كذلك بعض العلماء و المنجمين و الأطباء الذائعي الصيت. و على بعد عشر أذرع أخرى مؤنسو الملك من مهرجين و حواة و بهلوانات و راقصين و جميعهم أشخاص معتبرون في البلاط الساساني أكثر من المعماريين و الرسّامين و الشعراء، و لم يكونوا يُقاسُون مع ذلك بالموسيقيين. فقد كان مؤلفو الموسيقى و سادة الآلات المُعترف بفضلهم يُعاملون تبعا لرغبات مؤسس السلالة التي اتخذت صفة القوانين على قدم المساواة مع الأمراء الملكيين و عليه فقد كانوا يجلسون على بعد عشر أذرع من الستار و لكن على اليسار و خلفهم يجلس الموسيقيون و المغنون من الدرجة الثانية ثم على بعد عشر أذرع أخرى جماعة العازفين على العود و الزند و الطُنبور.
و لبعث النشاط في الحضور المسترخين كان قرع طبول يسبق الصيحة التقليدية : أيها الناس ليحرص لسانكم على حفظ رأسكم فـ "سيدكم" و سطكم ، ثم تمتد أيد خفية لإزاحة الستار فيما يعزف موسيقيو الصف الأول النغم المخصص لليوم و هو لن يسمع قبل اليوم نفسه من العام المقبل.
و يخر كل إنسان ساجدا و جبينه إلى الأرض بانتظار أمر جديد يسمح له برفع عينيه: لقد كان الملك وثنا بلا حراك كتلة مفرطة معشية من ذهب ، ذهب منسوج مع الثوب و الوسادة و الستائر و ذهب خالص في العرش و ذهب مجدول عقودا و خواتم و مشابك و كانت اللحية نفسها مرشوشة بنثار الذهب الباهر الذي يتلألأ أيضا على الشفتين و الأهداب و الحاجبين.
و كان بالإمكان أن يُري فوق الملك التاج الأسطوري الذي يزن أكثر من زنة رجل و ما كان أي رأس قادر على حمله حتى و إن كان رأسا إمبراطوريا غير أنه كان ينبغي الإقتراب منه لاكتشاف أنه مربوط بسلسلة دقيقة تُثّبت حلقتها في القبة. حتى إذا انسحب الملك ظل التاج معلقا و كأنما بمعجزة فوق العرش الخاوي، فالبشر المؤلهون يشيخون و يمضون و تبقى الجلالة.
هكذا كانت عظمة البلاط الملكي الفارسي لقرون عدة. أما العرب أيامها لم يكونوا إلا أعرابا يعيشون في صحراء شبه الجزيرة العربية على شكل قبائل متناحرة و حواضر بسيطة كمكة و يثرب و الطائف. أما شمال شبه الجزيرة فكانت هناك مملكتان عربيتان هي مملكة المناذرة و كانت تخضع لسيادة الرومان و مملكة الحيرة و التي كانت تخضع لسيادة الفرس. و كلنا يعرف قصة الملك النعمان و موقعة ذي قار و انتصار العرب على الجيوش الفارسية و لأول مرة و كان ذلك في بداية ظهور الإسلام. أما بعد ذلك و بعد أن أصبح عرب الجزيرة العربية و بفضل الإسلام أمة واحدة و قوة حربية لا يشق لها غبار، غزت هذه القوة بلاد الفرس و أخضعت أهلها لحكم الدولة الإسلامية و أزالت من الوجود الحكم الكسروي الفارسي.
أهل فارس كأهل أي مدينة أو حضارة غزيت أخذت خزائنهم و أموال ملوكهم و نسائهم كغنائم و فرضت عليهم الجزية، أما من أسلم منهم فعلية الخراج فقط. إما اقتناعا بالإسلام أم تهربا من دفع الجزية أسلم العامة من الناس أما علية القوم و الرهبان على الخصوص فأضمروا في أنفسهم رد الفاتحين في يوم من الأيام و إعادة عرش كسرى العظيم إلى ماكان عليه ليس حبا في كسرى و لكن إعادة المجد لأهل فارس و رد الصاع صاعين للعرب الغازين بلادهم. و لكن مع مرور الإيام و إنتشار الإسلام هدئت النفوس و تغلغل الإسلام في النفوس و ترسخ و لكن ظل هناك تحت الرماد العنصرية الفارسية و التي كانت تنتظر الفرصة المؤاتية لتبرز فارس الإسلامية المستقلة عن حكم العرب. و لكن المشكلة كانت في أن الإسلام ينص على خليفة واحد و هذا الخليفة شرطه أن يكون قرشيا و هو ينصب من قبل الصحابة في مكة و ليس للفرس دور في اختياره و من أين لهم من شخص قرشي فارسي نبيل يكون خليفة عليهم حين تكون لهم دولتهم؟
خدمهم التاريخ و خدمتهم الضروف فقد كان من جملة من سبي من نساء فارس و جلبتا إلى المدينة فتاتان جميلتان لم ينتبه أحد من تكونان و شاهدهما الإمام علي فعرف من هيئتهما أن لهما شأنا فطلب من الخليفة الثاني أن تكونا من ضمن حصته في الغنيمة فوافق دون أن يدري من تكونان. أما الإمام فقد عرف أنهما بنات كسرى أي ملك ملوك فارس فأعتقهما و زوج الأولى ولده الحسن و الثانية ولده الحسين. و هي التي ولدت له إبنه الإمام فيما بعد علي بن الحسين زين العابدين. و ها قد أصبح للفرس شخص قرشي فارسي سلالة أبيه أشرف سلالات العرب و سلالة أمه أشرف سلالات الفرس قاطبة.
دبت الخلافات في العاصمة الإسلامية المدينة ثم انتشرت لتصل إلى البصرة (معركة الجمل) ثم الشام (معركة صفين) و انقسم الناس بين هذا و بين ذاك و بديهي أن الفرس كانوا مع الفرقة التي منها من أمه فارسية. و هكذا أصبح الفرس من أكثر الموالين لآل بيت الرسول و كان حلمهم أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه واحد منهم خليفة عليهم ليخلعوا عليه ما كانوا يخلعون على ملوكهم السابقين من تبجيل و تعظيم و لكن قوة و منعة الدولة الأموية كان يحول بينهم و بين ذلك.
استغل المتآمرون من بني العباس هذه العصبية الفارسية لآل البيت و استغلوهم لمشاركتهم في الإنقلاب على بني أمية و هكذا كان رجلهم الفارسي أبو مسلم الخراساني يدعوهم للتمرد و محاربة الأمويين و إسقاط خلافتهم لصالح العلويين و هكذا ساندوا بنو العباس و لما انتصر هؤلاء غدروا بالعلويين و قتلو أبا مسلم و نادو بالخلافة لأنفسهم و نكلوا بالعلويين أشد ما كان عليه بنو أمية. و لكن كادت الفرصة تسنح للفرس أن يتولى أحد أحفاد ابنة كسرى الحكم عندما عين المأمون (و أمه فارسية أيضا) الإمام الرضى و ليا للعهد و لكنه عاد و تراجع و دس للرضا السم و قتله.
التاريخ طويل و لن نستطيع في هذه العجالة أن نسرده و لكن من أراد الإستزادة فليقرأ و يعرف الأدوار التي مرت بها الدولة العباسية من قرنين من القوة ثم قرنين من الإنحلال أصبح فيها الخليفة العباسي طرطورا لا يخرج من قصره و من حريمه و من سكره و أصبحت الدولة الإسلامية تحكم فعلا من قبل سلاطين من غير العرب البابيون والبهائيون و الصفويون و الحمدانيون و الأيوبيون و السلجوقيون و المغول و الشراكسة. إنه تاريخ طويل فيه الكثير من الخزي و القليل من الفخار و كانت كل مجموعة تفرض على الدولة الإسلامية المذهب الذي يدين به السلطان الغازي فإن كان سنيا انقلب الحكم إلى سني و إن كان شيعيا انقلب الحكم إلى شيعي و هكذا. في نهاية المطاف بقية هناك دولتان في منطقتنا الأولى هي الدولة العثمانية السنية في تركيا و بلاد الشام وشمال العراق و مصر و الجزيرة العربية حتى عدن و دولة صفوية في بلاد فارس و جنوب العراق و وسطه و في أماكن متفرقة من ساحل الخليج العربي. و انتشر في هذا الزمن التعصب المذهبي فأصبح في أوجه، هذا يذم رجالات ذاك بينما يعظم رجالاته و الطرف الثاني يفخم و يعظم رجالاته و ينال من الآخر. و في سياق هذا زادت الفرقة و العداوة بين الأطراف و التي مازلنا نعاني آثارها إلى يومنا هذا.
و للحديث بقية .......
دولة الفرس قبل الإسلام و ما أدراك ما دولة الفرس. كانت من أعظم ممالك العالم و من أقدمها و أقواها. كانت تضم بلادا كثيرا غير فارس المعروفة حاليا بل أنه كانت عاصمتها في يوم الأيام هي "المدائن" و كانت تقع حيث تقع بغداد اليوم و للعلم فإن كلمة بغداد هي كلمة فارسية و أصلها "باغ" أي حديقة أو مزرعة و "داد" اسم شخص، أي "حديقة داد". حتى الإمبراطورية الرومانية العظيمة أيام قيصرها "ماركوس يوليوس فيليبوس" كانت تدفع لشاهبور امبراطور فارس جزية سنوية قدرها مائة ألف قطعة ذهبية.
و كان أباطرتها يعتبرون أنهم أشخاص إلاهيون أي من أبناء الآلهه.{ كان العاهل لديهم معظما و لم يكن في وسع المرء و هو يخاطبه أن يستخدم إسما و لا لقبا و كان هناك عبارات مخصّصة له و لا يُفترض أن يحيد عنها إنسان "أنتم أيها الأشخاص الربانيون" أو "أنتم أيها الآلهه الخالدون" أو على الأقل " أيها الإله". كما كانت كل رتبة في تسلسل رجال البلاط تهدف إلى توسيع الهّوة بين الملك و سائر الأحياء و كان كل شيء يُسهم في صنع هذه الصورة للقدرة غير البشرية، و للمظهر السماوي، و للخلود. و كانت القبّة في قاعة العرش من الإرتفاع بحيث يخيل أنها بنيت لمَجْع من العمالقة. و مهما سما البصر على امتداد الجدران فإنه لم يكن يلتقي سوى ستائر الزينة، فلا قَدْر إبهام واحد يشي بعُري السطوح الأصلي.
و لم يكن في صدر الحجرة الفسيحة التي يجلس فيها العاهل سوى منصّة يحجزها ستار توزّعت حوله جماعة رجال البلاط. فعلى بُعد عشر أذرع الأشخاص ذوو الدم الملكي، و أبعد منهم بعشر أذرع أخصاء العاهل ملك الملوك، مؤاكلوه و مستشاروه المقرّبون، و الأعيان الدينيّون من شارحي (الأفستا – الكتاب الديني) و قارئيها و كذلك بعض العلماء و المنجمين و الأطباء الذائعي الصيت. و على بعد عشر أذرع أخرى مؤنسو الملك من مهرجين و حواة و بهلوانات و راقصين و جميعهم أشخاص معتبرون في البلاط الساساني أكثر من المعماريين و الرسّامين و الشعراء، و لم يكونوا يُقاسُون مع ذلك بالموسيقيين. فقد كان مؤلفو الموسيقى و سادة الآلات المُعترف بفضلهم يُعاملون تبعا لرغبات مؤسس السلالة التي اتخذت صفة القوانين على قدم المساواة مع الأمراء الملكيين و عليه فقد كانوا يجلسون على بعد عشر أذرع من الستار و لكن على اليسار و خلفهم يجلس الموسيقيون و المغنون من الدرجة الثانية ثم على بعد عشر أذرع أخرى جماعة العازفين على العود و الزند و الطُنبور.
و لبعث النشاط في الحضور المسترخين كان قرع طبول يسبق الصيحة التقليدية : أيها الناس ليحرص لسانكم على حفظ رأسكم فـ "سيدكم" و سطكم ، ثم تمتد أيد خفية لإزاحة الستار فيما يعزف موسيقيو الصف الأول النغم المخصص لليوم و هو لن يسمع قبل اليوم نفسه من العام المقبل.
و يخر كل إنسان ساجدا و جبينه إلى الأرض بانتظار أمر جديد يسمح له برفع عينيه: لقد كان الملك وثنا بلا حراك كتلة مفرطة معشية من ذهب ، ذهب منسوج مع الثوب و الوسادة و الستائر و ذهب خالص في العرش و ذهب مجدول عقودا و خواتم و مشابك و كانت اللحية نفسها مرشوشة بنثار الذهب الباهر الذي يتلألأ أيضا على الشفتين و الأهداب و الحاجبين.
و كان بالإمكان أن يُري فوق الملك التاج الأسطوري الذي يزن أكثر من زنة رجل و ما كان أي رأس قادر على حمله حتى و إن كان رأسا إمبراطوريا غير أنه كان ينبغي الإقتراب منه لاكتشاف أنه مربوط بسلسلة دقيقة تُثّبت حلقتها في القبة. حتى إذا انسحب الملك ظل التاج معلقا و كأنما بمعجزة فوق العرش الخاوي، فالبشر المؤلهون يشيخون و يمضون و تبقى الجلالة.
هكذا كانت عظمة البلاط الملكي الفارسي لقرون عدة. أما العرب أيامها لم يكونوا إلا أعرابا يعيشون في صحراء شبه الجزيرة العربية على شكل قبائل متناحرة و حواضر بسيطة كمكة و يثرب و الطائف. أما شمال شبه الجزيرة فكانت هناك مملكتان عربيتان هي مملكة المناذرة و كانت تخضع لسيادة الرومان و مملكة الحيرة و التي كانت تخضع لسيادة الفرس. و كلنا يعرف قصة الملك النعمان و موقعة ذي قار و انتصار العرب على الجيوش الفارسية و لأول مرة و كان ذلك في بداية ظهور الإسلام. أما بعد ذلك و بعد أن أصبح عرب الجزيرة العربية و بفضل الإسلام أمة واحدة و قوة حربية لا يشق لها غبار، غزت هذه القوة بلاد الفرس و أخضعت أهلها لحكم الدولة الإسلامية و أزالت من الوجود الحكم الكسروي الفارسي.
أهل فارس كأهل أي مدينة أو حضارة غزيت أخذت خزائنهم و أموال ملوكهم و نسائهم كغنائم و فرضت عليهم الجزية، أما من أسلم منهم فعلية الخراج فقط. إما اقتناعا بالإسلام أم تهربا من دفع الجزية أسلم العامة من الناس أما علية القوم و الرهبان على الخصوص فأضمروا في أنفسهم رد الفاتحين في يوم من الأيام و إعادة عرش كسرى العظيم إلى ماكان عليه ليس حبا في كسرى و لكن إعادة المجد لأهل فارس و رد الصاع صاعين للعرب الغازين بلادهم. و لكن مع مرور الإيام و إنتشار الإسلام هدئت النفوس و تغلغل الإسلام في النفوس و ترسخ و لكن ظل هناك تحت الرماد العنصرية الفارسية و التي كانت تنتظر الفرصة المؤاتية لتبرز فارس الإسلامية المستقلة عن حكم العرب. و لكن المشكلة كانت في أن الإسلام ينص على خليفة واحد و هذا الخليفة شرطه أن يكون قرشيا و هو ينصب من قبل الصحابة في مكة و ليس للفرس دور في اختياره و من أين لهم من شخص قرشي فارسي نبيل يكون خليفة عليهم حين تكون لهم دولتهم؟
خدمهم التاريخ و خدمتهم الضروف فقد كان من جملة من سبي من نساء فارس و جلبتا إلى المدينة فتاتان جميلتان لم ينتبه أحد من تكونان و شاهدهما الإمام علي فعرف من هيئتهما أن لهما شأنا فطلب من الخليفة الثاني أن تكونا من ضمن حصته في الغنيمة فوافق دون أن يدري من تكونان. أما الإمام فقد عرف أنهما بنات كسرى أي ملك ملوك فارس فأعتقهما و زوج الأولى ولده الحسن و الثانية ولده الحسين. و هي التي ولدت له إبنه الإمام فيما بعد علي بن الحسين زين العابدين. و ها قد أصبح للفرس شخص قرشي فارسي سلالة أبيه أشرف سلالات العرب و سلالة أمه أشرف سلالات الفرس قاطبة.
دبت الخلافات في العاصمة الإسلامية المدينة ثم انتشرت لتصل إلى البصرة (معركة الجمل) ثم الشام (معركة صفين) و انقسم الناس بين هذا و بين ذاك و بديهي أن الفرس كانوا مع الفرقة التي منها من أمه فارسية. و هكذا أصبح الفرس من أكثر الموالين لآل بيت الرسول و كان حلمهم أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه واحد منهم خليفة عليهم ليخلعوا عليه ما كانوا يخلعون على ملوكهم السابقين من تبجيل و تعظيم و لكن قوة و منعة الدولة الأموية كان يحول بينهم و بين ذلك.
استغل المتآمرون من بني العباس هذه العصبية الفارسية لآل البيت و استغلوهم لمشاركتهم في الإنقلاب على بني أمية و هكذا كان رجلهم الفارسي أبو مسلم الخراساني يدعوهم للتمرد و محاربة الأمويين و إسقاط خلافتهم لصالح العلويين و هكذا ساندوا بنو العباس و لما انتصر هؤلاء غدروا بالعلويين و قتلو أبا مسلم و نادو بالخلافة لأنفسهم و نكلوا بالعلويين أشد ما كان عليه بنو أمية. و لكن كادت الفرصة تسنح للفرس أن يتولى أحد أحفاد ابنة كسرى الحكم عندما عين المأمون (و أمه فارسية أيضا) الإمام الرضى و ليا للعهد و لكنه عاد و تراجع و دس للرضا السم و قتله.
التاريخ طويل و لن نستطيع في هذه العجالة أن نسرده و لكن من أراد الإستزادة فليقرأ و يعرف الأدوار التي مرت بها الدولة العباسية من قرنين من القوة ثم قرنين من الإنحلال أصبح فيها الخليفة العباسي طرطورا لا يخرج من قصره و من حريمه و من سكره و أصبحت الدولة الإسلامية تحكم فعلا من قبل سلاطين من غير العرب البابيون والبهائيون و الصفويون و الحمدانيون و الأيوبيون و السلجوقيون و المغول و الشراكسة. إنه تاريخ طويل فيه الكثير من الخزي و القليل من الفخار و كانت كل مجموعة تفرض على الدولة الإسلامية المذهب الذي يدين به السلطان الغازي فإن كان سنيا انقلب الحكم إلى سني و إن كان شيعيا انقلب الحكم إلى شيعي و هكذا. في نهاية المطاف بقية هناك دولتان في منطقتنا الأولى هي الدولة العثمانية السنية في تركيا و بلاد الشام وشمال العراق و مصر و الجزيرة العربية حتى عدن و دولة صفوية في بلاد فارس و جنوب العراق و وسطه و في أماكن متفرقة من ساحل الخليج العربي. و انتشر في هذا الزمن التعصب المذهبي فأصبح في أوجه، هذا يذم رجالات ذاك بينما يعظم رجالاته و الطرف الثاني يفخم و يعظم رجالاته و ينال من الآخر. و في سياق هذا زادت الفرقة و العداوة بين الأطراف و التي مازلنا نعاني آثارها إلى يومنا هذا.
و للحديث بقية .......
تعليق