التحقيق في مقتل أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه
وتأكيد مسؤولية يزيد لعنه الله
بحث مقتطع من كتاب "العواصم والقواصم" لابن الوزير اليماني
نقلناه كردّ على شيخ النواصب والتجسيم ابن تيمية وأتباعه ، الذين يحاولون تبرئة يزيد لعنه الله من جريمة مقتل سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه .
ونظراً لطوله رأينا أن نعنونه بالعناوين التالية ، قبل سرده ...
عناوين مهمة حواها التحقيق :
1-الكلام على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم .
2-تصويب الإمام الحسين )ع) في خروجه على يزيد لعنه الله .
3-الاجماع على تصويب أمير المؤمنين (ع) في قتال أهل الجمل وصفين .
4-ظلم أهل الجمل وصفين لأمير المؤمنين (ع) .
5-تسمية أهل الجمل وصفين بـ "البغاة" .
6-ترجمة يزيد بن معاوية لعنه الله ، وكونه ناصبياً فظاً خمّيراً ..إلخ .
7-الأحاديث والآثار الواردة في ذم يزيد لعنه الله .
8-من خروم الإسلام قتل يزيد للحسين (ع) .
9-ما فعله يزيد - يوم الحرة - بأهل المدينة وبالمسجد النبوي .
10-أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة – من صحابة وتابعين – على أنهم عبيد وخول له .
11-رمي الكعبة المعظمة بالمنجنيق في حصاره لابن الزبير .
12-مكاتبة ابن عباس ليزيد بعد مقتل الحسين (ع) وإغلاظ ابن عباس له فيها .
13-جواب الكيا الهراسي الشافعي لما سئل عن يزيد وفسقه .
14-التقية قد تمنع من التصريح بالحق ، مع أمثلة على ذلك .
15-العودة للحديث على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم .
16-الرد على ابن مجاهد في ادّعائه الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة .
17-الاحتجاج بخروج الإمام الحسين (ع) على شرعية الخروج على الظلمة .
18-الاحتجاج بخروج ابن الأشعث وأهل المدينة وابن الزبير على منع الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة .
19-اتفاق الجمهور على تحسين ما فعله الإمام الحسين (ع) وأصحابه .
20-لا يوجد من بين المسلمين من حسَّنَ قتل الحسين (ع) ، ومن صحَّ ذلك عنه فليس من الإسلام في شيء .
21-رد ابن الوزير اليماني على الفتوى المنسوبة للغزالي بخصوص يزيد ومقتل الحسين (ع) .
22-قد يتعلّق بفتوى الغزالي المذكورة ثلاث طوائف : النواصب ، والروافض ، ومن يقول بتحريم لعن المعين .
23-ربما فرح النواصب بفتوى الغزالي ، يتكثَّرون به !!.
24-إستدلال الروافض بهذه الفتوى على أن أهل الحديث والأشعرية يصوِّبون فعل يزيد ويحكمون بصحة إمامته ..
25-التحقيق حول (اللعن) ، جوازه ، ومستحقه .
26-التحقيق حول مسألة : هل ينسب قتل الحسين ليزيد ، أم لا ؟ وهل تقع عليه مسؤولية قتله ؟ وهل أمَرَ به ؟ وهل رضي به ؟
بعد النظرة الإجمالية على العناوين التي حواها التحقيق ، نبدأ على بركة المولى سبحانه وتعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
قال ابن الوزير اليماني ( ت840هـ) في كتابه "العواصم والقواصم في الذَّب عن سنة أبي القاسم" ج8 / ص 11 وما بعدها ، طبع مؤسسة الرسالة ، ط1 ، سنة 1412هـ/1992م ، تحقيق وتعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط .
يرد على تشنيع شيخه السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم - الذي وضع ابن الوزير كتابه هذا للرد عليه – في الوهم (33) من أن فقهاء أهل السنة والجماعة يجيزون إمامة الجائر ، وقولهم أن طاعته خير من الخروج عليه ما يدل على أنهم – أي فقهاء أهل السنة – من شيعة أئمة الجور ، أمثال يزيد والحجاج وهشام بن عبدالملك ، لأنهم يعتقدون بغيَ من خرج عليهم ...إلخ .
رد عليه ابن الوزير في فصول
فقال في الفصل الأول ص12 ما نصه :
(الفصل الأول : في بيان أن الفقهاء لا يقولون بأن الخارج على إمام الجور باغ ، ولا آثم ، وهذا واضح من أقوالهم ، ومعلوم عند أهل المعرفة بمذاهبهم ، ويدل عليه وجوه : .... )
ثم قال في الوجه الثالث ما نصه :
(الوجه الثالث : أن ذلك جائز في مذهبهم وعند كثير من علمائهم ، فإن للشافعية في ذلك وجهين معروفين ، ذكرهما في "الروضة" النووي وغيرها من كتبهم ، وقد اختلفوا في الأصح منهما ، فمنهم من صحح منهما لمذهبهم انعزال الإمام بالفسق .
قال الإمام العلامة صلاح الدين العلائي في "المجموع المذهب في قواعد المذهب" ما لفظه : الإمام الأعظم إذا طرأ فسقه ، فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ينعزل ، وصححه في "البيان" .
الثاني : أنه لا ينعزل ، وصححه كثيرون ، لما في إبطال ولايته من اضطراب الأحوال .
قلت : وسيأتي في الموضع الأول من الفصل الثالث من هذه المسألة أنه قول أحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المعروف بأنه فقيه آل محمد صلى الله عليه وسلم .
قال العلائي : الثالث : إن أمكن استتابته ، أو تقويم أوَدِهِ لم يُخلع ، وإن لم يمكن ذلك ، خُلِعَ .
قال القاضي عياض : لو طرأ عليه كفر ، أو تغيير للشرع ، أو بدعة ، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه ، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة ، وجب عليهم القيام بخلع الكافر ، ولا يجب على المبتدع القيام ، إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فان تحققوا العجز لم يجب القيام ، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ، ويفر بدينه .
قال : وقال بعضهم : يجب خلعه إلا أن يترتب عليه فتنة وحرب . انتهى .
نقل ذلك عنهما النفيس العلوي .)
إلى أن يقول في ص (19) ما نصه :
(فإذا عرفتَ هذا ، تبين لك أنهم لا يعيبون على من خرج على الظلمة ، لأن جوازه منصوص عليه في فقههم ، ولو كان ذلك محرماً عندهم قطعاً ، لم يختلفوا فيه ، ويجعلوه أحد الوجوه في مذهبهم الذي يحل للمفتي أن يُفتي به ، وللمستفتي أن يعمل به ....
وهذا يعرفه المبتدئ في العلم ، كيف المنتهي ؟! .
فبان بذلك بطلان قول السيد ؛ إنهم يقولون : الخارج على أئمة الجور باغ بذلك .
الوجه الرابع : ما يوجد في كلام علمائهم الكبار في مواضع متفرقة ، لا يجمعها معنى ، مما يدل على ما ذكرته من تصويبهم لأهل البيت عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وغيرهم في الخروج على الظلمة ، بل تحريمهم لخروج الظلمة على أهل البيت أئمة العدل ، وهي عكس ما ذكره السيد ، وزيادة على ما يجب من الرد عليه .
ومن أحسن من ذكر ذلك وجوَّده الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ...القرطبي في كتابه "التذكرة بأحوال الآخرة" في مواضع متفرقة من كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة ، وقد ذكر فيها مقتل الحسين بن علي عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بأبلغ كلام ، وذكر حديث عمار تقتلك الفئة الباغية ، وقول ابن عبد البر إنه من اصح الأحاديث .
قلت : بل هو متواتر ، كما قال الذهبي في ترجمة عمار من "النبلاء".
إلى قول القرطبي : وقال فقهاء الإسلام فيه ما حكاه الإمام عبدالقاهر في كتاب "الإمامة" تأليفه :
وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي ، منهم : مالك والشافعي والاوزاعي ، والجمهور الأعظم من المتكلمين : أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفين ، كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل ، وقالوا أيضاً : بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له !! ، ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم .
قال الإمام أبو منصور التميمي في كتاب "الفرق" تأليفه في بيان عقيدة أهل السنة : وأجمعوا أن علياً كان مصيباً في قتال أهل الجمل وصفين ، وذكر قبل ذلك عن أبي الخطاب دعوى الإجماع على ذلك .
ثم قال : وقال الإمام أبو المعالي في كتاب "الإرشاد" في فضل علي رضي الله عنه : كان إماماً حقاً ، ومقاتلوه بغاة ، إلى آخر ما ذكره ، وهو آخر فصل ختم به كتابه .
ثم تكلم القرطبي في الحجة على ذلك ، وأجاد رحمه الله .
ومن ذلك ما ذكره الحاكم أبو عبدالله في كتابه "علوم الحديث" في النوع العشرين في آخر هذا النوع ، في ذكر إمام الأئمة ابن خزيمة ومناقبه ، وقد ذكر حديث أم سلمة من طريقه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "تقتلك يا عمار الفئة الباغية" .
قال ابن خزيمة بعد روايته : فنشهد أن كل من نازع علي بن أبي طالب في خلافته في باغ ، على هذا عهدتُ مشايخنا ، وبه قال ابن إدريس رضي الله عنه . انتهى بحروفه . ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (34) ، ما نصه :
(وقد صرّح السيد في رسالته بأنهم شيعة يزيد ، وأنهم يصوبون قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، لأنهم بغاة على قولهم .
فاسمع الآن نصوص هؤلاء الذين افتريتَ عليهم بأنهم شيعة يزيد .
قال الذهبي في "النبلاء" في ترجمة يزيد بن معاوية ، أو في ترجمة الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كان يزيد ناصبياً !! فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المُسكر !! ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه ، واختتمها بوقعة الحرة ، فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين رضي الله عنه ، كأهل المدينة قاموا لله .
وذكر من خرج عليه ، قال : وروى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يزال أمر أمتي قائماً حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له : يزيد" أخرجه أبو يعلى في "مسنده" .
قلت : ورجاله متفق على الاحتجاج بهم في الصحيحين .
قال الذهبي : وروي عن صخر بن جويرية ، عن نافع ، قال : مشى عبدالله بن مطيع إلى ابن الحنفية في خلع يزيد . وقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر ، ويترك الصلاة ، ويتعدّى حكم الكتاب .
وعن عمر بن عبدالعزيز ، قال رجل في حضرته : أمير المؤمنين يزيد ، فأمر به ، فضرب عشرين سوطاً . انتهى .
وقال ابن الأثير في "نهايته" ما لفظه : إنه ذكر الخلفاء بعده ، فقال : "أوَّه لفراخ آل محمد من خليفة يُستخلف ، عتريف مُترفٍ ، يقتل خَلَفي ، وخَلَفَ الخَلَف" .
قال ابن الأثير : العتريف : الغاشم ، الظالم وقيل : الدّاهي الخبيث ، وقيل : هو قلب العفريت ، الشيطان الخبيث .
قال الخطابي : قوله "خلفي" يُتأوَّلُ على ما كان من يزيد بن معاوية إلى الحسين بن علي وأولاده الذين قُتلوا معه ، وخلف الخلف : ما كان يوم الحرة إلى أولاد المهاجرين والأنصار . انتهى بلفظه .
ولمّا ذكر ابن حزم خروم الإسلام التي لم يَجْرِ أفحش منها ، عدّها أربعة ، وعدّ منها : قتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته علانية ، ولم يعدّ منها قتل عمر بن الخطاب ، ولا يوم الجمل ، ولا أيام صفين ، تعظيماً لقتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأنه بلغ في النكارة إلى شأو جاوزَ الحدّ في ارتكاب الكبائر ، هذا مع أن ابن حزم موصوم بالتعصّب لبني أمية ، وهذا لفظ ابن حزم في آخر "السيرة النبوية" التي صنفها ، وذكر في آخرها أسماء الخلفاء ، ونبذاً من أخبارهم .
فقال في يزيد بن معاوية ما لفظه : بويع ليزيد بن معاوية ، إذ مات أبوه ، وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير بن العوام ، فأما الحسين رضي الله عنه ، فنهض إلى الكوفة ، فقتل قبل دخولها ، وهي ثانية مصائب الإسلام وخرومه ، ولأن المسلمين استُضيموا في قتله ظلماً وعلانية .
وأما عبدالله بن الزبير بن العوام ، فاستجار بمكة ، فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة ، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله عز وجل ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة ، وهي ثالثة مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل الصحابة ، وبقية الصحابة رضي الله عنهم ، وخيار التابعين ، قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم !! وراثت !! وبالت !! في الروضة بين القبر والمنبر !! ولم تصلَّ جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الأيام ، ولا كان فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب ، فإنه لم يفارق المسجد ، ولولا شهادة عمر بن عثمان بن عفان ومروان بن الحكم له عند مسلم بن عقبة بأنه مجنون !!! لقتله !! ، وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية ، على أنهم عبيد له !! إن شاء باعَ !! ، وإن شاء أعتق !! ، وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن ، فأمر بقتله ، فضربت عنقه صبراً رحمه الله ! .
وهتكَ يزيد بن معاوية الإسلام هتكاً ، وأنهب المدينة ثلاثاً ، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومُدَّت الأيدي إليهم ، وانتُهبَتْ دورهم ، وحُوصرت مكة ، ورمي البيت بحجارة المنجنيق !! ، وأخذ الله يزيد !! ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر ، وأزيد من شهرين ، في نصف ربيه الأول سنة أربع وستين ، وله نيف وثلاثون سنة . انتهى كلام ابن حزم . ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (39) ، ما نصه :
(وذكر الطبراني بعد ذلك مكاتبة جرت بين ابن عباس ويزيد ، أغلظ ابن عباس فيها ليزيد ، وذكر من مساوئه ما لا مزيد عليه ، اختصرته لطوله ومعرفة مكانه .
وقال الهيثمي بعد روايته : رواه الطبراني ، وفيه جماعة لم أعرفهم .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن حزم في "التذكرة" أنه نقم عليه التعصب لبني أمية .
فإذا كان هذا كلامه ، فكيف بغيره ؟!! ، ولكن ابن حزم كان هاجر من مواضع التقية إلى بادية في إشبيلة ، وتكلم بأخباره ، ولو أمِنَ عيره كما أمن ، لتكلم بأعظم من كلامه ، ولكنهم اكتفوا بالإشارات والتلويح ، كما حكى ابن خلكان في تاريخه المسمى "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" في المجلد الثالث في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الملقب عماد الدين ، المعروف بالكيا الهراسي الفقيه الشافعي ، تلميذ إمام الحرمين الجويني ، ما لفظه :
وسئل الكيا عن يزيد بن معاوية ، فقال : إنه لم يكن من الصحابة ، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأما أقوال السلف ، ففيه لأحمد قولان : تلويح وتصريح ، ولمالك قولان : تلويح وتصريح ، ولأبي حنيفة قولان : تلويح وتصريح ، ولنا قول واحد : تصريح دون تلويح ، كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد ، المتصيّد بالفهود ، ومدمن الخمر ، وشعره في الخمر معلوم ، ومنه قوله :
أقول لصحب ضمَّت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنَّمُ
خُذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذةٍ ... فكلٌّ ، وإن طال المدى يتصرَّمُ
وكتب فصلاً طويلاً ، ثم قلب الورقة ، وكتب : لو مُدِدْتُ ببياضٍ ، لمدّدتُ العنان في مخازي هذا الرجل ، وكتب فلان بن فلان .
انتهى كلام الكيا .
وفيه ما ترى من النقل الصريح عن أهل المذاهب الأربعة فيه ، فأمّا الشافعية ، فقد بيَّنَ أن قولهم فيه واحد ، تصريح غير تلويح .
وأما سائر أهل المذاهب الأربعة ، فلكل منهم قولان ، تصريح وتلويح ، وإنما لوَّحوا بذمه وتضليله في بعض الأحوال ، ولم يصرحوا في جميعها تقية من الظلمة !!! ولهذا صرحوا كلهم بتضليله في بعض الأحوال ، وفي هذا أكبر دليل على فضلهم وورعهم ، لأنهم حين خافوا لوَّحوا بتضليله ، ولم يترخَّصوا بالخوف ، فيصرحوا بالثناء عليه تقية ، ولا تجاسروا على ذلك ، حتى مع الخوف المبيح لكلمة الكفر تقية !!! .
وقد قال علي عليه السلام عند الإكراه : فأما السب فسبوني ، فإنه لكم نجاة ، ولي زكاة ، وأما البراءة ، فلا تتبرؤوا مني ، فإني ولدتُ على الفطرة .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة عبدالصمد بن علي بن عبدالله بن العباس الهاشمي الأمير : أنه ليس بحجة . قال : ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة . انتهى .
وفيه ما يدل على أنه قد يمنعهم الخوف من التصريح ببعض الأمور حتى يخفى مذهبهم فيها ، وهذا نقل شيخ الشافعية الكيا ، المفضل عندهم على الغزالي . ) انتهى كلام ابن الوزير
ثم نقل شطراً مما جاء في مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه ، نقله عن كتاب "العلم المشهور" لابن دحية الكلبي ، من ص 45 إلى ص 52 .
ثم اتبعه بالنقل عن كتاب "مجمع الزوائد" للهيثمي مما جاء في مقتله صلوات الله وسلامه عليه . من ص 52 على ص 62 .
فارجع إلى الموضعين لزاماً ترى العجب مما جاء في مقتله والعلائم التي لحقت مصرعه بأبي هو وأمي ، ما يدل على عظمه عن الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله .
يتبع ....
وتأكيد مسؤولية يزيد لعنه الله
بحث مقتطع من كتاب "العواصم والقواصم" لابن الوزير اليماني
نقلناه كردّ على شيخ النواصب والتجسيم ابن تيمية وأتباعه ، الذين يحاولون تبرئة يزيد لعنه الله من جريمة مقتل سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه .

ونظراً لطوله رأينا أن نعنونه بالعناوين التالية ، قبل سرده ...
عناوين مهمة حواها التحقيق :
1-الكلام على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم .
2-تصويب الإمام الحسين )ع) في خروجه على يزيد لعنه الله .
3-الاجماع على تصويب أمير المؤمنين (ع) في قتال أهل الجمل وصفين .
4-ظلم أهل الجمل وصفين لأمير المؤمنين (ع) .
5-تسمية أهل الجمل وصفين بـ "البغاة" .
6-ترجمة يزيد بن معاوية لعنه الله ، وكونه ناصبياً فظاً خمّيراً ..إلخ .
7-الأحاديث والآثار الواردة في ذم يزيد لعنه الله .
8-من خروم الإسلام قتل يزيد للحسين (ع) .
9-ما فعله يزيد - يوم الحرة - بأهل المدينة وبالمسجد النبوي .
10-أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة – من صحابة وتابعين – على أنهم عبيد وخول له .
11-رمي الكعبة المعظمة بالمنجنيق في حصاره لابن الزبير .
12-مكاتبة ابن عباس ليزيد بعد مقتل الحسين (ع) وإغلاظ ابن عباس له فيها .
13-جواب الكيا الهراسي الشافعي لما سئل عن يزيد وفسقه .
14-التقية قد تمنع من التصريح بالحق ، مع أمثلة على ذلك .
15-العودة للحديث على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم .
16-الرد على ابن مجاهد في ادّعائه الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة .
17-الاحتجاج بخروج الإمام الحسين (ع) على شرعية الخروج على الظلمة .
18-الاحتجاج بخروج ابن الأشعث وأهل المدينة وابن الزبير على منع الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة .
19-اتفاق الجمهور على تحسين ما فعله الإمام الحسين (ع) وأصحابه .
20-لا يوجد من بين المسلمين من حسَّنَ قتل الحسين (ع) ، ومن صحَّ ذلك عنه فليس من الإسلام في شيء .
21-رد ابن الوزير اليماني على الفتوى المنسوبة للغزالي بخصوص يزيد ومقتل الحسين (ع) .
22-قد يتعلّق بفتوى الغزالي المذكورة ثلاث طوائف : النواصب ، والروافض ، ومن يقول بتحريم لعن المعين .
23-ربما فرح النواصب بفتوى الغزالي ، يتكثَّرون به !!.
24-إستدلال الروافض بهذه الفتوى على أن أهل الحديث والأشعرية يصوِّبون فعل يزيد ويحكمون بصحة إمامته ..
25-التحقيق حول (اللعن) ، جوازه ، ومستحقه .
26-التحقيق حول مسألة : هل ينسب قتل الحسين ليزيد ، أم لا ؟ وهل تقع عليه مسؤولية قتله ؟ وهل أمَرَ به ؟ وهل رضي به ؟
بعد النظرة الإجمالية على العناوين التي حواها التحقيق ، نبدأ على بركة المولى سبحانه وتعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
قال ابن الوزير اليماني ( ت840هـ) في كتابه "العواصم والقواصم في الذَّب عن سنة أبي القاسم" ج8 / ص 11 وما بعدها ، طبع مؤسسة الرسالة ، ط1 ، سنة 1412هـ/1992م ، تحقيق وتعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط .
يرد على تشنيع شيخه السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم - الذي وضع ابن الوزير كتابه هذا للرد عليه – في الوهم (33) من أن فقهاء أهل السنة والجماعة يجيزون إمامة الجائر ، وقولهم أن طاعته خير من الخروج عليه ما يدل على أنهم – أي فقهاء أهل السنة – من شيعة أئمة الجور ، أمثال يزيد والحجاج وهشام بن عبدالملك ، لأنهم يعتقدون بغيَ من خرج عليهم ...إلخ .
رد عليه ابن الوزير في فصول
فقال في الفصل الأول ص12 ما نصه :
(الفصل الأول : في بيان أن الفقهاء لا يقولون بأن الخارج على إمام الجور باغ ، ولا آثم ، وهذا واضح من أقوالهم ، ومعلوم عند أهل المعرفة بمذاهبهم ، ويدل عليه وجوه : .... )
ثم قال في الوجه الثالث ما نصه :
(الوجه الثالث : أن ذلك جائز في مذهبهم وعند كثير من علمائهم ، فإن للشافعية في ذلك وجهين معروفين ، ذكرهما في "الروضة" النووي وغيرها من كتبهم ، وقد اختلفوا في الأصح منهما ، فمنهم من صحح منهما لمذهبهم انعزال الإمام بالفسق .
قال الإمام العلامة صلاح الدين العلائي في "المجموع المذهب في قواعد المذهب" ما لفظه : الإمام الأعظم إذا طرأ فسقه ، فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ينعزل ، وصححه في "البيان" .
الثاني : أنه لا ينعزل ، وصححه كثيرون ، لما في إبطال ولايته من اضطراب الأحوال .
قلت : وسيأتي في الموضع الأول من الفصل الثالث من هذه المسألة أنه قول أحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المعروف بأنه فقيه آل محمد صلى الله عليه وسلم .
قال العلائي : الثالث : إن أمكن استتابته ، أو تقويم أوَدِهِ لم يُخلع ، وإن لم يمكن ذلك ، خُلِعَ .
قال القاضي عياض : لو طرأ عليه كفر ، أو تغيير للشرع ، أو بدعة ، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه ، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة ، وجب عليهم القيام بخلع الكافر ، ولا يجب على المبتدع القيام ، إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فان تحققوا العجز لم يجب القيام ، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ، ويفر بدينه .
قال : وقال بعضهم : يجب خلعه إلا أن يترتب عليه فتنة وحرب . انتهى .
نقل ذلك عنهما النفيس العلوي .)
إلى أن يقول في ص (19) ما نصه :
(فإذا عرفتَ هذا ، تبين لك أنهم لا يعيبون على من خرج على الظلمة ، لأن جوازه منصوص عليه في فقههم ، ولو كان ذلك محرماً عندهم قطعاً ، لم يختلفوا فيه ، ويجعلوه أحد الوجوه في مذهبهم الذي يحل للمفتي أن يُفتي به ، وللمستفتي أن يعمل به ....
وهذا يعرفه المبتدئ في العلم ، كيف المنتهي ؟! .
فبان بذلك بطلان قول السيد ؛ إنهم يقولون : الخارج على أئمة الجور باغ بذلك .
الوجه الرابع : ما يوجد في كلام علمائهم الكبار في مواضع متفرقة ، لا يجمعها معنى ، مما يدل على ما ذكرته من تصويبهم لأهل البيت عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وغيرهم في الخروج على الظلمة ، بل تحريمهم لخروج الظلمة على أهل البيت أئمة العدل ، وهي عكس ما ذكره السيد ، وزيادة على ما يجب من الرد عليه .
ومن أحسن من ذكر ذلك وجوَّده الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ...القرطبي في كتابه "التذكرة بأحوال الآخرة" في مواضع متفرقة من كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة ، وقد ذكر فيها مقتل الحسين بن علي عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بأبلغ كلام ، وذكر حديث عمار تقتلك الفئة الباغية ، وقول ابن عبد البر إنه من اصح الأحاديث .
قلت : بل هو متواتر ، كما قال الذهبي في ترجمة عمار من "النبلاء".
إلى قول القرطبي : وقال فقهاء الإسلام فيه ما حكاه الإمام عبدالقاهر في كتاب "الإمامة" تأليفه :
وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي ، منهم : مالك والشافعي والاوزاعي ، والجمهور الأعظم من المتكلمين : أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفين ، كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل ، وقالوا أيضاً : بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له !! ، ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم .
قال الإمام أبو منصور التميمي في كتاب "الفرق" تأليفه في بيان عقيدة أهل السنة : وأجمعوا أن علياً كان مصيباً في قتال أهل الجمل وصفين ، وذكر قبل ذلك عن أبي الخطاب دعوى الإجماع على ذلك .
ثم قال : وقال الإمام أبو المعالي في كتاب "الإرشاد" في فضل علي رضي الله عنه : كان إماماً حقاً ، ومقاتلوه بغاة ، إلى آخر ما ذكره ، وهو آخر فصل ختم به كتابه .
ثم تكلم القرطبي في الحجة على ذلك ، وأجاد رحمه الله .
ومن ذلك ما ذكره الحاكم أبو عبدالله في كتابه "علوم الحديث" في النوع العشرين في آخر هذا النوع ، في ذكر إمام الأئمة ابن خزيمة ومناقبه ، وقد ذكر حديث أم سلمة من طريقه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "تقتلك يا عمار الفئة الباغية" .
قال ابن خزيمة بعد روايته : فنشهد أن كل من نازع علي بن أبي طالب في خلافته في باغ ، على هذا عهدتُ مشايخنا ، وبه قال ابن إدريس رضي الله عنه . انتهى بحروفه . ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (34) ، ما نصه :
(وقد صرّح السيد في رسالته بأنهم شيعة يزيد ، وأنهم يصوبون قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، لأنهم بغاة على قولهم .
فاسمع الآن نصوص هؤلاء الذين افتريتَ عليهم بأنهم شيعة يزيد .
قال الذهبي في "النبلاء" في ترجمة يزيد بن معاوية ، أو في ترجمة الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كان يزيد ناصبياً !! فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المُسكر !! ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه ، واختتمها بوقعة الحرة ، فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين رضي الله عنه ، كأهل المدينة قاموا لله .
وذكر من خرج عليه ، قال : وروى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يزال أمر أمتي قائماً حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له : يزيد" أخرجه أبو يعلى في "مسنده" .
قلت : ورجاله متفق على الاحتجاج بهم في الصحيحين .
قال الذهبي : وروي عن صخر بن جويرية ، عن نافع ، قال : مشى عبدالله بن مطيع إلى ابن الحنفية في خلع يزيد . وقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر ، ويترك الصلاة ، ويتعدّى حكم الكتاب .
وعن عمر بن عبدالعزيز ، قال رجل في حضرته : أمير المؤمنين يزيد ، فأمر به ، فضرب عشرين سوطاً . انتهى .
وقال ابن الأثير في "نهايته" ما لفظه : إنه ذكر الخلفاء بعده ، فقال : "أوَّه لفراخ آل محمد من خليفة يُستخلف ، عتريف مُترفٍ ، يقتل خَلَفي ، وخَلَفَ الخَلَف" .
قال ابن الأثير : العتريف : الغاشم ، الظالم وقيل : الدّاهي الخبيث ، وقيل : هو قلب العفريت ، الشيطان الخبيث .
قال الخطابي : قوله "خلفي" يُتأوَّلُ على ما كان من يزيد بن معاوية إلى الحسين بن علي وأولاده الذين قُتلوا معه ، وخلف الخلف : ما كان يوم الحرة إلى أولاد المهاجرين والأنصار . انتهى بلفظه .
ولمّا ذكر ابن حزم خروم الإسلام التي لم يَجْرِ أفحش منها ، عدّها أربعة ، وعدّ منها : قتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته علانية ، ولم يعدّ منها قتل عمر بن الخطاب ، ولا يوم الجمل ، ولا أيام صفين ، تعظيماً لقتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأنه بلغ في النكارة إلى شأو جاوزَ الحدّ في ارتكاب الكبائر ، هذا مع أن ابن حزم موصوم بالتعصّب لبني أمية ، وهذا لفظ ابن حزم في آخر "السيرة النبوية" التي صنفها ، وذكر في آخرها أسماء الخلفاء ، ونبذاً من أخبارهم .
فقال في يزيد بن معاوية ما لفظه : بويع ليزيد بن معاوية ، إذ مات أبوه ، وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير بن العوام ، فأما الحسين رضي الله عنه ، فنهض إلى الكوفة ، فقتل قبل دخولها ، وهي ثانية مصائب الإسلام وخرومه ، ولأن المسلمين استُضيموا في قتله ظلماً وعلانية .
وأما عبدالله بن الزبير بن العوام ، فاستجار بمكة ، فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة ، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله عز وجل ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة ، وهي ثالثة مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل الصحابة ، وبقية الصحابة رضي الله عنهم ، وخيار التابعين ، قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم !! وراثت !! وبالت !! في الروضة بين القبر والمنبر !! ولم تصلَّ جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الأيام ، ولا كان فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب ، فإنه لم يفارق المسجد ، ولولا شهادة عمر بن عثمان بن عفان ومروان بن الحكم له عند مسلم بن عقبة بأنه مجنون !!! لقتله !! ، وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية ، على أنهم عبيد له !! إن شاء باعَ !! ، وإن شاء أعتق !! ، وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن ، فأمر بقتله ، فضربت عنقه صبراً رحمه الله ! .
وهتكَ يزيد بن معاوية الإسلام هتكاً ، وأنهب المدينة ثلاثاً ، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومُدَّت الأيدي إليهم ، وانتُهبَتْ دورهم ، وحُوصرت مكة ، ورمي البيت بحجارة المنجنيق !! ، وأخذ الله يزيد !! ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر ، وأزيد من شهرين ، في نصف ربيه الأول سنة أربع وستين ، وله نيف وثلاثون سنة . انتهى كلام ابن حزم . ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (39) ، ما نصه :
(وذكر الطبراني بعد ذلك مكاتبة جرت بين ابن عباس ويزيد ، أغلظ ابن عباس فيها ليزيد ، وذكر من مساوئه ما لا مزيد عليه ، اختصرته لطوله ومعرفة مكانه .
وقال الهيثمي بعد روايته : رواه الطبراني ، وفيه جماعة لم أعرفهم .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن حزم في "التذكرة" أنه نقم عليه التعصب لبني أمية .
فإذا كان هذا كلامه ، فكيف بغيره ؟!! ، ولكن ابن حزم كان هاجر من مواضع التقية إلى بادية في إشبيلة ، وتكلم بأخباره ، ولو أمِنَ عيره كما أمن ، لتكلم بأعظم من كلامه ، ولكنهم اكتفوا بالإشارات والتلويح ، كما حكى ابن خلكان في تاريخه المسمى "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" في المجلد الثالث في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الملقب عماد الدين ، المعروف بالكيا الهراسي الفقيه الشافعي ، تلميذ إمام الحرمين الجويني ، ما لفظه :
وسئل الكيا عن يزيد بن معاوية ، فقال : إنه لم يكن من الصحابة ، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأما أقوال السلف ، ففيه لأحمد قولان : تلويح وتصريح ، ولمالك قولان : تلويح وتصريح ، ولأبي حنيفة قولان : تلويح وتصريح ، ولنا قول واحد : تصريح دون تلويح ، كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد ، المتصيّد بالفهود ، ومدمن الخمر ، وشعره في الخمر معلوم ، ومنه قوله :
أقول لصحب ضمَّت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنَّمُ
خُذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذةٍ ... فكلٌّ ، وإن طال المدى يتصرَّمُ
وكتب فصلاً طويلاً ، ثم قلب الورقة ، وكتب : لو مُدِدْتُ ببياضٍ ، لمدّدتُ العنان في مخازي هذا الرجل ، وكتب فلان بن فلان .
انتهى كلام الكيا .
وفيه ما ترى من النقل الصريح عن أهل المذاهب الأربعة فيه ، فأمّا الشافعية ، فقد بيَّنَ أن قولهم فيه واحد ، تصريح غير تلويح .
وأما سائر أهل المذاهب الأربعة ، فلكل منهم قولان ، تصريح وتلويح ، وإنما لوَّحوا بذمه وتضليله في بعض الأحوال ، ولم يصرحوا في جميعها تقية من الظلمة !!! ولهذا صرحوا كلهم بتضليله في بعض الأحوال ، وفي هذا أكبر دليل على فضلهم وورعهم ، لأنهم حين خافوا لوَّحوا بتضليله ، ولم يترخَّصوا بالخوف ، فيصرحوا بالثناء عليه تقية ، ولا تجاسروا على ذلك ، حتى مع الخوف المبيح لكلمة الكفر تقية !!! .
وقد قال علي عليه السلام عند الإكراه : فأما السب فسبوني ، فإنه لكم نجاة ، ولي زكاة ، وأما البراءة ، فلا تتبرؤوا مني ، فإني ولدتُ على الفطرة .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة عبدالصمد بن علي بن عبدالله بن العباس الهاشمي الأمير : أنه ليس بحجة . قال : ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة . انتهى .
وفيه ما يدل على أنه قد يمنعهم الخوف من التصريح ببعض الأمور حتى يخفى مذهبهم فيها ، وهذا نقل شيخ الشافعية الكيا ، المفضل عندهم على الغزالي . ) انتهى كلام ابن الوزير
ثم نقل شطراً مما جاء في مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه ، نقله عن كتاب "العلم المشهور" لابن دحية الكلبي ، من ص 45 إلى ص 52 .
ثم اتبعه بالنقل عن كتاب "مجمع الزوائد" للهيثمي مما جاء في مقتله صلوات الله وسلامه عليه . من ص 52 على ص 62 .
فارجع إلى الموضعين لزاماً ترى العجب مما جاء في مقتله والعلائم التي لحقت مصرعه بأبي هو وأمي ، ما يدل على عظمه عن الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله .
يتبع ....
تعليق